logo
لبنان يستنفر لإطلاق موسم سياحي واعد

لبنان يستنفر لإطلاق موسم سياحي واعد

صوت لبنان١٠-٠٥-٢٠٢٥

الشرق الأوسطبولا أسطيحيعيش لبنان، حكومة وقطاعات، حالة من الاستنفار استعداداً لإطلاق موسم سياحي واعد بعد سنوات طويلة من الركود الذي شلّ السياحة نتيجة الأزمات السياسية والأمنية الكبيرة التي عصفت بالبلاد.
فهذا القطاع الذي اعتاد أن يكون العمود الفقري للاقتصاد اللبناني ويُدخل أكثر من 8 مليارات دولار سنوياً إلى البلاد قبل عام 2011، مساهماً بنسبة تقارب 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تأثر بشكل أساسي باندلاع الحرب السورية وتبعاتها، مما أدى إلى انقطاع الطرق البرية مع دول الخليج وتراجع أعداد السياح الخليجيين، قبل أن تنطلق موجة من التفجيرات الانتحارية عام 2014، وصولاً لانفجار الأزمة الاقتصادية والمالية في البلد عام 2019، فتفشي جائحة «كورونا» عام 2020، ما أدى لتوقف شبه كامل للسياحة، مع إغلاق الفنادق والمطاعم وتوقف الرحلات الجوية.
وبعد أن حاول القطاع التقاط أنفاسه في السنوات القليلة التي تلت، أدى انخراط «حزب الله» بحرب غزة عام 2023 وما تلاه من حرب إسرائيلية موسعة على لبنان الصيف الماضي، إلى أزمة أصابت القطاع ووضعته تحت خسائر طائلة.
واليوم، وعلى أبواب موسم الاصطياف، يعول لبنان على أن يستعيد أمجاده السياحية الماضية، خاصة مع إعلان وزارة الخارجية الإماراتية مؤخراً إلغاء قرار منع سفر مواطنيها إلى لبنان، وترقب أن يكون هناك موقف مماثل لدول مجلس التعاون الخليجي الذي اجتمع سفراؤه برئيس الحكومة نواف سلام وتلقوا منه تعهدات بتنفيذ كل ما هو مطلوب أمنياً ولوجيستياً، وعلى كل المستويات للسماح لمواطني المجلس بالعودة إلى لبنان.
وتتجه الحكومة لإقامة غرفة عمليات سياحية وتخصيص خط ساخن يسمح بالاتصال مباشرة بهذه الغرفة لتذليل أي مشاكل يمكن أن تواجه السياح. وبدأت تنفيذ خطة أمنية تطال المطار كما الطرق المؤدية إليه إضافة لتفعيل عمل الشرطة السياحية.
أما خطة وزارة السياحة فتشمل، بحسب وزيرة السياحة اللبنانية، لورا الخازن لحود، عدة محاور يتم العمل عليها بشكل متوازٍ؛ «تبدأ من داخل الوزارة، من تأهيلٍ للموظفين والكوادر والشرطة السياحية والمفتشين في المناطق، تمر بجعل لبنان تجربة سياحية متميزة وفريدة في كل المناطق وعلى امتداد أشهر السنة، وذلك عبر تشجيع المبادرات الخاصة وتنويع السياحة بين سياحة بيئية ودينية وطبية ورياضية وثقافية وغيرها، وصولاً إلى مراقبة الأسعار وضبطها، والتأكيد على شفافيتها وتنافسيتها بالتعاون مع النقابات السياحية المختصة والهيئات الاقتصادية، ودعم المهرجانات، والتحضير لحملة ترويجية متكاملة تخرج قطاع السياحة من الطابع الموسمي الضيق، فلا يقتصر فقط على مواسم أو أعياد معينة، ليتحول بكل فعالياته ومناطقه جبلاً، وساحلاً ودروباً، إلى تجربة فريدة على مدار السنة لكل الزوار».
وتشير لحود في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن خطتها تلحظ أيضاً وبشكل أساسي «المغتربين اللبنانيين وتشجيعهم على الاستثمار ولعب دور فعال في هذا القطاع من خلال الابتكارات والمبادرات الجديدة»، لافتة إلى أن «رفع الحظر على السفر إلى لبنان من الإمارات العربية المتحدة يشكل بدوره نقطة تحول مهمة في هذا الشأن على أمل أن يتبع ذلك مبادرة مماثلة من كافة دول مجلس التعاون الخليجي الذين يشكلون جزءاً كبيراً من الحركة السياحية في لبنان».
وتتوقع لحود وصول «أعداد كبيرة من السياح خلال هذا الصيف، وأن تكون الحركة السياحية ناشطة جدّاً، وذلك انطلاقاً من عمل الحكومة بشكل عام، وعمل الوزارات المعنية بشكل خاص، لتطبيق جميع الإصلاحات المطلوبة، وخصوصاً ورقة العمل التي قدمتها وزارة السياحة، ويجري العمل لتطبيقها بشكل سريع وفعال لنكون على جهوزية تامة لموسم سياحي واعد».
ويشير مارون خاطر، الكاتب والباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة إلى أن السياحة اللبنانيَّة «عاشت عَصرها الذَّهبي في خَمسينات وستينات القرن الماضي، تحديداً بين أواخر الأربعينات وبِداية الحَرب الأهلية عام 1975. فعُرَفَ لبنان خلال هذه الفَترة بـ«سويسرا الشَّرق» بفضل ازدهار السياحة والقطاع المَصرفي. وبَلَغَت مُساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي خلال هذه الفترة نحو 20 في المئة، مما جعلها رَكيزةً أساسية في الاقتصاد الوَطني»، موضحاً أنه «في عام 1974، وقَبلَ سنة من اندلاع الحَرب الأهلية، استقبل لبنان نحو 1.4 مليون سائح، وهو رقم قياسي في ذلك الوقت. وقد كانت السياحة مصدراً أساسياً للعملات الأجنبية وكان لها انعكاس مباشر على الميزان التجاري وعلى تعزيز مركز لبنان ومَكانته المَاليَّة والخَدماتيَّة. كما أنه وقبل الأزمات السياسية، كان السياح العرب يشكلون النسبة الأعلى من الوافدين يُضاف إليهم السياح الأوروبيون والأجانب».
ويشرح خاطر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «منذ اندلاع الحرب اللبنانية إلى اليوم، عاش لبنان غياباً مستداماً للاستقرار السياسي والأمني وسلسلةً لا تنتهي من الأزمات المُتَقَطعَة والبَاردة. وقد تَسببت الحرَب وفترات عدم الاستقرار بتضرر البنية التحتية وغِياب الاستثمارات وبتراجع سمعة لبنان السياحية. تزامناً، أدى تدهور العلاقة مع الدول العربية إلى تفاقم هذه الأزمة مما وضع القطاع السياحي أمام تحديات كبيرة. إلا أنه وخلال هذه السنوات شَكَّل المُغتربون اللبنانيون الرَّكيزة المُستدامة والرافعة الأساسية للقطاع السياحي وللاقتصاد على الرغم من الأخطار وارتفاع الأكلاف».
ويضيف: «بعد انتهاء جائحة (كورونا) انتَعَشَت السياحة على الرغم مِن استمرار الأزمة الاقتصادية غير المَسبوقة. وبَلَغَت الإيرادات السياحيَّة 5.41 مليار دولار في عام 2023، وشكَّلت نحو ثلث الناتج المحلي المُتدهور بِفعل الأزمة، في حين بلغت العَائِدات السياحيَّة 1.72 مليار دولار واستقبل لبنان في هذا العام نحو 1.67 مليون زائر... إلا أن هذا الوضع لم يُكتب له الاستمرار مع اندِلاع حَرب غَزَّة، ومن بَعدِها الحرب بين (حِزب الله) وإسرائيل في جَنوب لبنان».
ويعتبر خاطر أنه «بَعد عَودة لُبنان إلى الخريطة السياسيَّة على إثر التَّحولات الجيوسياسيَّة في الشرق الأوسَط، ومع انطلاق العَهد الجَديد تَجَدَّدَ الأمل في إرساء استقرار سياسي مستدام يشكل منطلقاً المُنطلق للتعافي الاقتصادي والنَّقدي، ويؤدي إلى ازدهار القطاع السياحي رغم بعض العقبات وأبرزها تحدي إعادة الأعمار. فبالإضافة إلى الحاجة المُلِحة للاستثمار في البنية التحتية، بات البلد أمام مُعضلة اقتصاديَّة أكثر تعقيداً. وبالتزامن، لا يَزال الوضع في الجنوب مَفتوحاً على كل الخيارات».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رفع العقوبات عن سوريا: فرصة لبنانية لاستجرار الكهرباء والغاز
رفع العقوبات عن سوريا: فرصة لبنانية لاستجرار الكهرباء والغاز

ليبانون 24

timeمنذ 26 دقائق

  • ليبانون 24

رفع العقوبات عن سوريا: فرصة لبنانية لاستجرار الكهرباء والغاز

كتب ماهر سلامة في" الاخبار": ثمة فرصة استثنائية أمام لبنان لإحداث نقلة نوعية في قطاع الكهرباء، عبر استجرار 250 ميغاواط من الكهرباء الأردنية ، واستيراد الغاز المصري إلى معملي دير عمار والزهراني لإنتاج 900 ميغاواط، ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة التغذية نحو 10 ساعات كهرباء ويقلّص كلفة الإنتاج إلى النصف تقريباً. هذه الفرصة تأتي بسبب رفع العقوبات عن سوريا ، إذ سبق للبنان أن أبرم اتفاقيات مع الأردن ومصر لكنه اصطدم بالعقوبات. وما يعزّز حظوظ هذه الفرصة أن الوضع المالي لمؤسسة كهرباء لبنان صار أفضل بعد التسعير بالدولار ورفع مستويات التسعير على المستهلك، وبالتالي لم تعد هناك ضرورة كبيرة للتمويل من البنك الدولي أو من أي جهة أخرى. لذا، يُعدّ هذا الوقت هو الأنسب للإسراع في استكمال الأعمال الفنية وتوقيع العقود النهائية، لضمان وصول الطاقة المستوردة إلى الشبكة اللبنانية في أسرع وقت ممكن وتخفيف المعاناة اليومية للمواطنين. كما إن الاعتماد على استيراد الكهرباء من الأردن هو بالتأكيد أقل كلفة مقارنة بمولدات الأحياء التي قد تصل كلفتها إلى نحو 35 سنتاً للكيلوواط ساعة، بحسب آخر التسعيرات التي أصدرتها وزارة الطاقة. دور البنك الدولي في هذه الخطة كان دوراً تمويلياً، بحيث كانت ستتكفل البرامج التمويلية المبدئية من البنك الدولي بقيمة 300 مليون دولار، تُتبع بـ100مليون إضافية، لتغطية كلفة الاستيراد وصيانة خطوط النقل في لبنان. لكن الوضع اختلف اليوم لناحية أن الدولة عدّلت تسعيرة الكيلواط وعادت لتجبي فواتيرها، ما قد يُسهّل القدرة على الاستيراد من أموالها الخاصة، من دون الحاجة إلى تمويل من البنك الدولي إلا لصيانة الخطوط. من الناحية المالية، استيراد الغاز يوفّر في كلفة الإنتاج، إذ قد يصل الوفر إلى نسبة 50% من كلفة إنتاج الطاقة عبر الفيول، وذلك يعتمد على أسعار الغاز والفيول. ففي عام 2021 كانت كلفة الإنتاج عبر الغاز نحو 7 سنتات للكيلواطساعة، بحسب تصريح سابق للوزير وليد فياض ، تُضاف إليها كلفة النقل والتوزيع والهدر بالشبكة. بينما كانت كلفة الإنتاج عبر الفيول تُراوح بين 18 و20 سنتاً للكيلواط ساعة.

البنك الأفريقي للتنمية يقرض بتسوانا 304 ملايين دولار
البنك الأفريقي للتنمية يقرض بتسوانا 304 ملايين دولار

ليبانون 24

timeمنذ 26 دقائق

  • ليبانون 24

البنك الأفريقي للتنمية يقرض بتسوانا 304 ملايين دولار

وافق البنك الأفريقي للتنمية على تقديم قرض بقيمة 304 ملايين دولار لحكومة بتسوانا، بهدف مساعدتها على مواجهة التحديات المالية المتزايدة وتنفيذ إصلاحات اقتصادية وحوكمة جوهرية. وجاءت الموافقة خلال اجتماع مجلس إدارة البنك في 14 أيار الجاري، لتمويل برنامج دعم الحوكمة والمرونة الاقتصادية، وهو برنامج مالي لمدة عام واحد، يغطي الفترة المالية 2025-2026. ويهدف التمويل إلى حماية الاقتصاد البتسواني من الصدمة الناتجة عن تراجع إيرادات قطاع الألماس، الذي يشكل نحو 80% من صادرات البلاد. كما يسعى إلى دعم الإصلاحات الضرورية لتعزيز الشفافية المالية، وزيادة تحصيل الإيرادات، وتحفيز النمو الاقتصادي القائم على القطاع الخاص. (الجزيرة)

ترامب في الخليج 2025: إعادة التموضع الأميركي في زمن التعدّدية الدولية
ترامب في الخليج 2025: إعادة التموضع الأميركي في زمن التعدّدية الدولية

النهار

timeمنذ 27 دقائق

  • النهار

ترامب في الخليج 2025: إعادة التموضع الأميركي في زمن التعدّدية الدولية

في 13 أيار/ مايو 2025، حطّت طائرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أرض المملكة العربية السعودية، في أول جولة خارجية له بعد فوزه بولاية رئاسية ثانية، ليعيد إلى الأذهان مشهد زيارته الشهيرة عام 2017، التي مهّدت آنذاك لتحالفات اقتصادية وأمنية عميقة. إلا أن الزيارة الجديدة، بكل ما حملته من رسائل وقرارات مفاجئة، شكّلت محطة أكثر خطورة وتعقيداً، في منطقة تتأرجح بين رياح الحرب والتحوّل. لم تكن زيارة ترامب للخليج مجرد محطة بروتوكولية. فالرجل، الذي يعود إلى البيت الأبيض بزخم قاعدة شعبية يمينية وإرادة لإعادة صياغة الدور الأميركي في العالم، أراد أن تكون الرياض منصة لإعلان تحولات جوهرية في سياسات واشنطن تجاه قضايا المنطقة، بدءاً من سوريا إلى إيران، مروراً بالعلاقة المعقدة مع الصين. رافقت ترامب في زيارته نخبة من كبار مسؤولي إدارته: وزير الخارجية ماركو روبيو، وزير الدفاع بيت هيغسيث، وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك. وانضم إليهم عشرات من كبار التنفيذيين الأميركيين لحضور منتدى الأعمال السعودي–الأميركي، أبرزهم إيلون ماسك، آندي جاسي، ورؤساء شركات مثل بوينغ، غوغل، بلاك روك، وأوبر. كانت الرسالة واضحة: أميركا عادت إلى الخليج بشروط جديدة، وعينها مفتوحة على كل من بكين وطهران. خلال جولته الخليجية في أيار/مايو 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة جلبت استثمارات بلغت 10 تريليونات دولار، ما يعكس حجم الانفتاح الاقتصادي الكبير بين واشنطن ودول الخليج. في السعودية، أعلن البيت الأبيض أن المملكة ستستثمر 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، في إطار اتفاقيات تهدف إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين. وفي قطر، وقّع ترامب اتفاقيات بقيمة إجمالية تجاوزت 243.5 مليار دولار، تشمل صفقة تاريخية لشراء طائرات بوينغ ومحركات جنرال إلكتريك، بالإضافة إلى تعزيز التبادل الاقتصادي بين البلدين بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار. أما الإمارات، فقد شهدت توقيع صفقات وتفاهمات استثمارية بقيمة تزيد عن 200 مليار دولار خلال زيارة ترامب وأثناء لقائه بالرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد. تتوزع هذه الاستثمارات على قطاعات الطيران والطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، ما يعكس رغبة واشنطن في ترسيخ حضورها الاقتصادي في المنطقة. وتُفهم هذه التحركات ضمن مسعى أميركي لموازنة النفوذ الصيني المتصاعد، خصوصاً مع توسّع مشاريع "الحزام والطريق" في البنى التحتية الحيوية وقطاع الاتصالات والتجارة. رفع العقوبات عن سوريا: المفاجأة الكبرى في خطاب صادم للعديد من المراقبين، أعلن ترامب من الرياض قراراً تاريخياً: رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، بعد عقود من العزلة والعقوبات. وبدت المفاجأة مضاعفة، ليس فقط بسبب التوقيت، بل لأن القرار جاء دون ذكر الشروط التقليدية التي كانت واشنطن تطرحها، لا حديث عن حقوق الإنسان، ولا عن العدالة الانتقالية، بل تركيز على "إبعاد الجهاديين الأجانب" و"ضمان حق أميركا في مكافحة الإرهاب"، وأخيراً، فتح باب التفاوض مع إسرائيل. لم يكن هذا القرار معزولًا عن سياق أوسع. فقد جاءت الخطوة بعد اتصالات مكثفة بين واشنطن وكل من أنقرة والدوحة والرياض، التي قدمت دعماً سياسياً لحكومة أحمد الشرع الجديدة في دمشق، التي حلت محل نظام بشار الأسد بعد سلسلة من التفاهمات الإقليمية والدولية. وظهر أن رفع العقوبات جزء من تسوية أكبر تهدف إلى دمج سوريا في منظومة إقليمية جديدة، بقيادة سنية، تمتد من الخليج إلى الأردن فسوريا وتركيا. إيران... عدوّ دائم؟ رغم تغيّر اللهجة الأميركية تجاه سوريا، بقيت إيران في موقع الخصم. فقد حرص ترامب على تأكيد رفضه لأي تساهل في الملف النووي، داعياً إلى جبهة موحدة "لمنع طهران من استغلال الثغرات الإقليمية". وكان لافتاً أن النقاشات مع السعودية وقطر والإمارات تطرقت إلى صياغة مفهوم جديد لـ"الردع الخليجي"، بمشاركة أمنية أميركية أكثر وضوحاً. إن كانت إيران خصماً مباشِراً، فإن الصين تُمثّل، من منظور واشنطن، تحدياً استراتيجياً طويل الأمد. حاول ترامب طمأنة شركائه الخليجيين بأن التعاون مع أميركا لا يعني القطيعة مع الصين، لكنه لم يُخفِ انزعاجه من تنامي النفوذ الصيني في قطاعات حساسة كالتكنولوجيا والطاقة. ورغم ذلك، لم تغب الصين عن طاولة النقاش. فقد شددت أطراف خليجية على ضرورة الحفاظ على علاقة متوازنة مع بكين، بوصفها شريكاً اقتصادياً لا يمكن تجاهله، خصوصاً في سياق خطط التنويع الاقتصادي التي تقودها دول مثل السعودية والإمارات. تباينات في الرؤى: فلسطين وإسرائيل شهدت لقاءات ترامب تباينات واضحة في مقاربة القضية الفلسطينية، حيث لم تحظَ هذه القضية، التي تعد محورية في الخطاب العربي، بالاهتمام المتوقع. وتركزت المداولات على الوضع الإنساني في غزة والمفاوضات الجارية في الدوحة لوقف إطلاق النار. وتعكس هذه المقاربة البراغماتية استياءً في بعض الأوساط الخليجية، التي ترى أن الولايات المتحدة بدأت تتعامل مع فلسطين كورقة تفاوضية ضمن استراتيجياتها الأوسع، لا كملف مستقل يتطلب معالجة عادلة ومستدامة. هل نحن أمام لحظة مفصلية؟ بكل المقاييس، شكّلت زيارة ترامب للمنطقة محطة سياسية محورية، أعادت تأكيد أهمية الشراكة الأميركية–الخليجية، وطرحت نموذجاً جديداً من التحالفات يقوم على المصالح الاقتصادية والتفاهمات الإقليمية وفقاً للمتغيرات العالمية. ومع ذلك، تبقى هذه اللحظة محاطة بتحديات كبرى تتطلب إدارة متوازنة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى. تباين المواقف من إيران والصين قد يؤدّي إلى صدامات خفيّة بين واشنطن وبعض الشركاء الخليجيين، في وقت تستمر فيه العلاقات الخليجية الصينية، التي قد تسلك مسارات أكثر دقة وخصوصية. أما إعادة تأهيل سوريا، التي رغم رمزيتها، فقد تفتح أبواباً جديدة للصراع ما لم تُدَرْ بحذر. زيارة الرئيس الأميركي ترامب للخليج في أيار/ مايو 2025 شكلت لحظة سياسية مهمة في إعادة تشكيل العلاقات بين واشنطن والمنطقة. ورغم ما تحقق من إنجازات اقتصادية واستراتيجية، فإن تباين الرؤى حول قضايا جوهرية مثل التطبيع، الملف النووي الإيراني، والعلاقة مع الصين، يؤكد أن الطريق أمام هذه الشراكات لا يزال معقداً ومفتوحاً على أكثر من سيناريو. سبقت الزيارة تحولات عميقة في مقاربة الإدارة الأميركية للمنطقة، بما في ذلك تصعيد التدخل المباشر سياسياً وميدانياً، والتركيز على تثبيت المصالح الاقتصادية، بغض النظر عن تطلعات شعوب المنطقة وحقوقها. أما الصين، فقد برزت كقوة مؤثرة تقدّم نموذجاً مختلفاً للعلاقات الدولية، يرتكز على المصالح المتبادلة والاحترام، بعيداً عن التدخلات السياسية المباشرة. وتُظهر الصين قدرتها على إحداث توازن جديد في المنطقة من خلال مبادرات اقتصادية ضخمة مثل "الحزام والطريق"، ودعم مشاريع التنمية والبنية التحتية، ما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون في بيئة أقل توتراً. تقع المنطقة اليوم في مفترق مصالح وتوازنات معقدة، حيث يتداخل فيها النفوذ الأميركي والإقليمي مع صعود قوى جديدة مثل الصين، ما يشكل تحدّياً وفرصة في آن واحد. في هذا السياق، تواجه الدول العربية تحدياً جوهرياً يتمثل في كيفية تعزيز دورها كشريك فاعل في صياغة مستقبل منطقتها ضمن عالم متعدد الأقطاب، بما يضمن استقلالية القرار والسيادة السياسية، ويخدم مصالح شعوبها ويعزز مكانتها الإقليمية والدولية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store