
شارع الأعشى والمسكوت عنه!
شهد المجتمع السعودي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي تحولات اجتماعية واقتصادية كبرى، إلا أن هذه التحولات رافقها صمتٌ حول العديد من القضايا الحساسة التي لم يكن من السهل مناقشتها علنًا. فبينما أحدثت الطفرة النفطية تغييرًا واسع النطاق في أنماط الحياة والبنية التحتية، ظلت بعض القضايا في الظل، إمّا بسبب الأعراف والتقاليد، أو بسبب الخطاب الديني والاجتماعي الذي فرض قيودًا على النقاش العلني.
لهذا كانت قضايا المرأة من أكثر الموضوعات المسكوت عنها في تلك الحقبة، إذ ظلت المرأة محصورة في أدوار محددة داخل الأسرة والمجتمع، مع غيابها شبه التام عن المجالات العامة، حتى جاءت الرواية السعودية التي حققت نجاحاً كبيراً خلال العقدين الماضيين لتقول الكثير من المسكوت عنه في تلك الحقبة لاسيما شؤون المرأة وشجونها، ومن هنا تحديداً جاء هذا النجاح الباهر لمسلسل «شارع الأعشى» الذي جسّد رواية «غراميات شارع الأعشى» للمبدعة د. بدرية البشر، ومع الإشادة بكامل طاقم العمل الذي استطاع أن يقدم لنا سيرة مثيرة لأهل ذلك المكان والزمان، إلا أن المسكوت عنه قديمًا ذاك الذي قالته الرواية وجسّدته الصورة اليوم هو ما منح مسلسل شارع الأعشى هذا الوهج وهذه الإثارة التي جعلتها واحداً من أهم الأعمال الدرامية الرمضانية هذا العام، والحقيقة أننا بانتظار انفتاح أكبر على أعمالنا الروائية التي قالت كثيراً مما سكتنا عنه في ظل النفوذ المتزايد للتيارات الدينية خلال تلك العقود، حيث تعرضت الفنون والثقافة لرقابة مشددة، وتم تقييد الإنتاج الفني ليقتصر على محتوى يتماشى مع الخطاب الديني السائد حينها وكان هناك محاولات لإبعاد أي أفكار تُعتبر 'غربية' أو 'تغريبية'، ما أدى إلى تراجع الحراك الثقافي والفني مقارنة بدول أخرى في المنطقة. ومع ذلك، ظل هناك اهتمام خفي بالثقافة والفن لدى بعض فئات المجتمع، ولكن في إطار خاص وغير مُعلن ظهر جلياً في الأعمال الروائية التي ازدهرت مع بداية الألفية وبالتالي قاومت التيار الديني كقوة مؤثرة في تلك الفترة، تلعب دورًا في تشكيل القوانين والعادات الاجتماعية. لاسيما والخطاب الديني يُهيمن على العديد من مناحي الحياة، ابتداءً من التعليم وحتى القوانين التي تنظم الحياة العامة، ولم يكن من السهل مساءلة هذا النفوذ أو مناقشة بعض الممارسات الدينية بشكل علني، إذ كان هناك نوع من الرقابة الذاتية التي فرضها المجتمع على نفسه، ما جعل بعض القضايا الدينية والاجتماعية مسكوتًا عنها رغم تأثيرها الكبير على حياة الناس، فضلاً عن حالة الالتباس بين الدين والعادات والتقاليد والهوية الخاصة، لكن الرواية السعودية استطاعت اختراق كل ذلك وقدمت لنا أعمالاً نوعية تقدمت من خلاله رواياتنا وروائيونا إلى موقع الصدارة بالنسبة للإنتاج الروائي العربي .. إذ فاز ثلاثة من روائيينا خلال العقدين الماضيين بجائزة البوكر وهي الجائزة الأقدر على مستوى الرواية العربية.
نعود ونقول: إن مسلسل شارع الأعشى الذي حقق كل هذا النجاح ليس إلا إطلالة أولى على أعمالنا الروائية التي تجرّأت في قراءتها لهوامش حياتنا الاجتماعية المسكوت عنها، وبالتالي فإن تقديمها درامياً اليوم تكريماً لها وإمتاعاً لنا...

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ياسمينا
منذ 10 ساعات
- ياسمينا
الكاتبة السعودية بدرية البشر تكشف تفاصيل تصوير الجزء الثاني من مسلسل "شارع الأعشى"
كشفت الكاتبة السعودية بدرية البشر أخيرًا عن بعض تفاصيل تصوير الجزء الثاني من مسلسل 'شارع الأعشى' والذي سيتم عرضه في رمضان 2026. حاز المسلسل السعودي الرمضاني 'شارع الأعشى' بجزءه الأول على إشادات واسعة وجماهيرية كبيرة، وكنّا قد أخبرناك عن أهم ال أسباب الجوهرية التي جعلت مسلسل 'شارع الأعشى' يتصدر بالمركز الأول على منصة 'شاهد السعودية . هل سينجح الجزء الثاني كنجاح الجزء الأول من المسلسل!؟ بلا شك كانت رواية 'غراميات شارع الأعشى' للكاتبة بدرية البشر مصدر نجاح هذا المسلسل الذي استقى أحداثه من سطور هذه الرواية، حيث أبدعت بدرية البشر في تصوير حقبة السبيعينيات، وتشكيل الشخصيات المؤثرة في المسلسل، وكانت نهاية الجزء الأول بمثابة مفاجأة للجمهور الذي أكتشف وجود جزء ثانٍ من المسلسل، حيث يترقبه الجميع لمعرفة ما حلّ بالأبطال الذين بقي مصيرهم مجهولًا. وكشفت بدرية البشر أن بداية تصوير الجزء الثاني من المسلسل ستكون في شهر أغسطس المُقبل، وأكدت بأنه لن يكون هناك وقت لكتابة رواية جديدة، وأن الأحداث والشخصيات سيتم تطويرها بشكل يتماشى مع الخط الدرامي الذي سيشوّق الجمهور. بهذا التصريح تفاعل الجمهور في الساعات الأخيرة ما بين مؤيد لفكرة الجزء الثاني وما بين معارض، ولكن يبدو أن الحمل سيكون ثقيلًا على كٌتاب العمل الذين يُحتم عليهم نسج حبكة درامية مميزة تقوي العمل وتجعل الجزء الثاني مُكملًا لنجاح الجزء الأول. في الختام تذكري أن الكاتبة بدرية البشر قد ردت على منتقدين قصة مسلسل 'شارع الأعشى' وتتوعد باللجوء للقانون .


عكاظ
منذ 11 ساعات
- عكاظ
بدرية البشر: تصوير «شارع الأعشى 2».. أغسطس القادم
تابعوا عكاظ على كشفت الكاتبة والمؤلفة السعودية بدرية البشر، تصوير الجزء الثاني من مسلسل شارع الأعشى 2 في شهر أغسطس القادم. وقالت «راح نطور الأحداث للشخصيات الموجودة، ما في وقت نكتب رواية جديدة، راح نطور الأحداث للشخصيات الموجودة وراح نضيف لهم خطا دراميا». بدورها، ردت لمى الكناني، التي لعبت دور «عزيزة» في المسلسل، على سؤال من أحد متابعيها عبر «سناب شات»، والذي سألها عن صحة الخبر المتداول وموعد تصوير الجزء الثاني من شارع الأعشى في أغسطس القادم، لتُجيب عليه وتقول: «يا مسهّل» مع إضافة إيموجي القلب. أخبار ذات صلة /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} مسلسل شارع الأعشى.

سعورس
منذ 4 أيام
- سعورس
القراءة المتربصة بين التاريخ والثقافة: تفكيك نقدي
لم يكن هذا الشعور بسبب عضوية الدكتور وليد فحسب، بل لأنه رفعني بذكر اسمي مشكوراً في مقاله (القصيمي متمرد ساخط على المجتمع) الذي جاء تعقيباً على مقال (القصيمي وجرأة التنوير... فروسية فكر بلا سرج ولا لجام)، لكن سرعان ما تلاشى هذا الشعور، حين أدركت موقعي المتواضع، فأنا لست بمستوى الدكتور وليد، ولا أنتمي إلى أي ناد ثقافي أو جمعية أدبية، ولا أحمل أي ألقاب براقة يمكن أن تثير (رهبة الجماهير المثقفة). ثم جاءت لحظة الحقيقة الحاسمة عند مراجعتي لمقالي، فوجدته مجرد نقولات متفرقة، كان أبرزها (دفاع القصيمي عن نفسه أمام خصومه) وهو دفاع يكفي ولا يحتاج إلى إعادة تكرار. أما عن الدكتور وليد أبو ملحة، فإني أرى من المناسب أن يعود إلى كتاب «آفة الحرس القديم» الذي جمعه وأعده علي فايع الألمعي، فربما يجد فيه ما يخرجه من (ظلال الحرس القديم) وهو توجه تأكد لي عند تصفحي لأرشيفه، حيث تفاجأت بمقاله: «شارع الأعشى لا يشبهنا في شيء» الذي يهاجم فيه مسلسلاً مقتبساً عن رواية الدكتورة بدرية البشر «غراميات شارع الأعشى». في نهاية مقاله استخدم عبارة شديدة اللهجة كثيراً ما سمعتها من الحرس القديم: «ليس من حق أي كاتب أو صانع دراما أن ينقل الواقع كما يحب هو أن يكون...» بهذه الجملة، لم يكتف بممارسة الوصاية على المسلسل وكاتبه، بل امتدت إلى القنوات الفضائية نفسها، هل يذكركم هذا بشيء؟ بالنسبة إلي، تذكرت فتوى عام 2008 بقتل ملاك الفضائيات العربية التي استنكرتها وسائل الإعلام العالمية، كما تذكرت كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام»، الذي قدم فيه المؤلف نفسه كمتحدث باسم مليار ونصف مسلم، مستخدماً قطعيات تشبه من يرى أنه «الممثل الوحيد للإسلام والنبوة والوحي»، وهي رؤية تجعل حتى «وثيقة مكة المكرمة 2019» عرضة للنقد من هؤلاء بحجة مألوفة نعرفها جيداً: «تمييع الدين وإضعاف الإسلام». لا أنوي تحميل الدكتور وليد أبوملحة وزر (الحرس القديم) فهو إنسان مستمتع بالحياة، والدليل متابعته الدقيقة لمسلسل «شارع الأعشى» رمضان الماضي، دون أن يغير القناة بحثاً عن دراما أكثر انسجاماً مع تحفظاته الدينية والفكرية، بل تابع بشغف، ثم اختتم الشهر بمقال استنكاري، وكأنه بعد الاستمتاع، قرر أن يتمضمض بمقال يندد بالمحتوى الذي تابع تفاصيله حتى النهاية! هذه الظاهرة تذكرني بمفهوم (الاستشراف)، الذي كتب عنه الدكتور فالح العجمي في مقاله (فئات المستشرفين...) بصحيفة اليوم 2017، كما كتب عنه الدكتور عبدالرحمن الشلاش في صحيفة «الجزيرة» بعنوان أشد قسوة، وفي رأيي، أن المستشرف أقرب إلى (متلازمة ستوكهولم) منه إلى (الوعي بتموضعه الفكري). بين البداوة والحضارة أعترف أنني أتعلم (التواضع العلمي والحلم الأخلاقي) من أمثال الدكتور وليد أبو ملحة، لذا أراعي وأتفهم (تعدد الأفهام) بين: (راعي الغنم المثقف) وهو الأقرب للبداوة من أمثالي، وبين (ابن المدينة المترف) وهو الأقرب للحضارة من أمثاله، فالبداوة التهامية تفرض علي (العفوية والصدق) دون حسابات (القراءة المتربصة) التي وصفها محمد زايد الألمعي بدقة حين قال (القراءة المتربصة أسوأ من عدم القراءة، فهي تعيد إنتاج جهلها بوهم أنها قرأت وفهمت، ومن ثم تورط قارئاً آخر في الوهم ذاته). القراءة المتربصة تاريخ طويل، والبحث في تراثنا العربي يكشف جذور (القراءة المتربصة)، التي تعود إلى زمن ابن قتيبة (213 - 276ه) فقد بدأ كتابه «عيون الأخبار» بتحذير واضح ضد هذا النوع من الفهم السطحي للنصوص، قائلاً «فإذا مر بك أيها المتزمت حديث تستخفه.. فاعرف المذهب فيه، وما أردنا به، واعلم أنك إن كنت مستغنياً عنه بتنسكك، فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه محتاج إليه...» لكن هذه النزعة تفاقمت بعد (هجمة المغول 656ه) كمؤشر إلى (الانحطاط الحضاري)، فازدادت معها (سطوة القراءة المتربصة)، التي لا علاقة لها بالنقد الحقيقي، بل هي نوع من (الملاحقة الفكرية) للتراث العربي، بحيث لو استطاعت لحاربت (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري (ت 449ه)، وقبله التوحيدي (ت 414ه) وقبلهما الجاحظ (ت 255ه)، وحتى بعض كتب التفسير التراثية لن تسلم! من يقرأ التاريخ يرى كيف استهدفت هذه النزعة كتباً كثيرة، مثل «رسائل إخوان الصفا» في القرن الرابع الهجري، وحتى «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني (ت 356ه)، فكيف بالنواسي وديوانه (ت 198ه) الذي جمع أخباره ابن منظور (ت 711ه)، بل امتدت لعصور طويلة بدءاً من ابن المقفع (ت 142ه)، جابر ابن حيان (ت 200ه)، الكندي (ت 256ه)، الفارابي (339ه)، ابن الهيثم (ت 430ه)، ابن سيناء (427ه)، وابن رشد (595ه) وغيرهم كثير في التاريخ العربي. (لا نريد عودة الماضي) عزيزي القارئ، لا تدفع نفسك إلى تلك (الأوهام الفكرية)، ولا تتأثر بما عايشته خلال معرض الرياض الدولي للكتاب في سنوات مضت: شجار هنا، صراخ على دار نشر (ملحدة) هناك! حتى (طاش ما طاش) استعرض هذه الظواهر سابقاً. إنها (سنوات لا نريدها أن تعود) ونأمل لمن تأخر في تجاوزها أن يجد (شفاء عاجلاً)، ولمن خلصنا منها أن يزداد قوة وتمكيناً.