logo
قصة الاستثمار الذكي: هل نشتري الذهب الآن؟

قصة الاستثمار الذكي: هل نشتري الذهب الآن؟

المدن١٤-٠٥-٢٠٢٥

الاستثمار على المديين المتوسط والبعيد من أكثر الاستراتيجيات التي ينصح بها كبار المستثمرين حول العالم، ويعدّ تنويع المحفظة الاستثمارية أحد أهم عناصر النجاح وتحقيق الأرباح.
وقد صُنّف الذهب تاريخيًّا أداة للادخار والتحوّط من الأزمات، وهو الملاذ الآمن الذي يُنصح به كجزءٍ مهمّ في أيّ محفظة استثمارية.
استراتيجية الاستثمار في ظلّ الأزمات
تتطلب عملية تكوين المحفظة الاستثمارية استراتيجية ذكية لتخصيص الأصول، ويتمّ ذلك عبر توزيع الأموال في قطاعات وشركات ودول مختلفة، مع تنويع الاستثمارات بهدف تقليل المخاطر. وتجدر الإشارة إلى أنّ الكثير من الأصول الاستثمارية، لا سيّما الأسهم، تتراجع عندما تهيمن الضبابية على الأسواق أو تتصاعد المخاطر الجيوسياسية، في حين يحقّق الاستثمار بالذهب والعقار، كملاذات آمنة، نوعًا من المعادلة وحفظ القيمة، ما يخفّف التعرّض للخسائر.
وإلى جانب السندات، العقارات، أسهم الشركات الكبيرة والصغيرة، والعملات، تبرز أهمية المعادن الثمينة ضمن أي استراتيجية استثمارية.
البنوك المركزية والحكومات والصناديق الاستثمارية تتهافت على المعدن الأصفر. ويشكّل الذهب ركيزة مهمّة في بنية الاحتياطيات التي تكوّنها البنوك المركزية حول العالم، لدعم عملتها والتحوّط من التضخم. المعدن الثمين أصل استراتيجي مستقرّ في أيّ وقت تتصاعد فيه مخاطر الحروب، كما نشهد في العالم اليوم. فالتوترات التجارية وآثار التعريفات الجمركية، بالإضافة إلى المخاطر الجيوسياسية والحروب في مناطق عدّة، تضع الاقتصاد العالمي في مواجهة الكثير من الأخطار، وتغذي بالتالي شهية الإقبال على الذهب وعلى غيره من الملاذات الآمنة.
إقبال كثيف من البنوك المركزية
وكانت لافتةً القفزات في حيازات البنوك المركزية من الذهب على مدى العام الماضي، كما يستمرّ هذا النهج خلال العام الجاري.
وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، تواصل البنوك المركزية قيادة الطلب على المعدن الثمين، مع تصاعد الطلب كذلك من مستثمري صناديق الاستثمار المتداولة. وتشير البيانات إلى أنّ الطلب على المجوهرات سيظلّ تحت الضغط، فيما قد نشهد المزيد من النمو في إعادة التدوير، ومن المتوقع أن يبقى العرض من المناجم قويًّا.
خلال عام 2024، اشترت البنوك المركزية 1045 طنًا متريًا من الذهب، بقيمة وصلت إلى نحو 96 مليار دولار، وكان أكبر المشترين بنوك بولندا والهند وتركيا. لدى بنك بولندا المركزي، وصلت نسبة الذهب إلى 22 في المئة من إجمالي الاحتياطيات بحجم 509.3 طنّ، متخطية مستهدفات البنك البالغة نسبة 20 في المئة من الاحتياطيات، كما أنّها تتخطى احتياطيات البنك المركزي الأوروبي البالغة 506.5 طنّ.
من جهة ثانية، ساهم ارتفاع الطلب في كلّ من الهند والصين في دعم أسعار الذهب على مدار العام الماضي. وتواصل الصين تعزيز احتياطياتها من المعدن الأصفر وسط تصاعد التحديات الاقتصادية على الساحة الدولية. هذا وقد أضاف بنك الشعب الصيني 13 طنًّا إلى احتياطياته من المعدن الثمين في الربع الأول من العام الحاليّ، لتصل إلى 2292 طنًّا.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، تصل الحيازات الرسمية من الذهب لدى دول العالم إلى 35 ألف طنّ متريّ. أما بالنسبة لأكبر احتياطيات الذهب التي تحتفظ بها الدول، فتحتلّ الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الأولى، باحتياطيات تتخطى 8133 طنًّا، تليها ألمانيا بـ 3351 طنًّا، أما المرتبة الثالثة فتحتلّها احتياطيات إيطاليا التي تناهز 2452 طنًّا.
عمليات شراء استثنائية
تميلُ شهيّة البنوك المركزية دائمًا إلى الاستثمارات طويلة الأمد في المعدن الثمين. وقد كانت هذه البنوك مشتريًا صافيًا على مدى الـ 15 عامًا الأخيرة. ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، ضاعفت وتيرة مشترياتها السنوية، حيث تسعى إلى إعادة التوازن لاحتياطياتها بعيدًا عن التركيز على الدولار الأميركي.
هذا وقد قفزت احتياطيات البنوك المركزية من الذهب في الدول المتقدمة بنحو 600 مليار دولار منذ العام 2022، ليصل الإجمالي إلى مستوى قياسيّ يبلغ 1.3 تريليون دولار. كما ضاعفت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة احتياطياتها لتصل إلى 800 مليار دولار.
وكأن البنوك المركزية استشرفت أداء الذهب، فقد شهدت الأسواق العالمية بين العام 2022 و2024 أكبر موجة شراء للمعدن النفيس في التاريخ من قبل البنوك المركزية، حيث بلغ حجم المشتريات 3176 طنًّا.
تحطيم أرقام قياسية
وارتفعت أسعار المعدن النفيس خلال العام الماضي بنسبة 27 في المئة، مع تركيز المستثمرين على الملاذ الآمن في ظل الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، ووسط تحوّل البنوك المركزية إلى خفض الفائدة بعد موجة الارتفاعات القوية لأسعار الفائدة التي انتهجتها البنوك المركزية في مواجهة التضخم.
ومنذ دخولنا عام 2025، بدأ الذهب بتحطيم الأرقام القياسية. وقد رسم عبر بيانات ارتفاعاته أفضل بداية سنوية له في خلال عشر سنوات، أي منذ العام 2015. وتفوّق أداء المعدن الثمين على الأصول الاستثمارية الأخرى، لا سيّما الأسهم والبيتكوين، على الرغم من البريق المتزايد لسوق العملات المشفرة.
إلى ذلك، رفعت البنوك العالمية كـ "غولدمان ساكس" و "يو بي أس" توقعاتها لأسعار الذهب هذا العام. ويشير بعض المحللين إلى أن سعر الأونصة سيصل إلى 3700 دولار بنهاية 2025، وقد يصل إلى 4000 دولار في منتصف العام 2026.
إلى ذلك أبدى محللون في بنك "جي بي مورغان" تفاؤلًا كبيرًا باستمرار ارتفاع الأسعار، وقدّروا أن يقفز الذهب بحلول عام 2029 بنحو 80 في المئة مقارنة بسعره الحالي، ليصل إلى مستوى 6 آلاف دولار للأونصة.
الاستثمار طويل الأجل
لا بدّ من أن نستذكر هنا مقولة شهيرة للمستثمر الأميركي ورئيس شركة بركشير هاثاواي، وارن بافيت، الذي قال "كن حذرًا عندما يسود الجشع، واغتنم الفرص عندما يسود الحذر". بافيت يؤمن بأهمية الاستثمار طويل الأجل. انطلاقًا من هذه الرؤية، من المهمّ السيطرة على مشاعر الخوف في ظل الاضطرابات الشديدة للأسواق، والإقبال على شراء الأسهم التي تراجعت أسعارها لمستويات مغرية، دون أن ننسى النظر إلى الوضع المالي للشركة ونتائجها المالية وتوزيعات أرباحها وخططها الاستثمارية، ما يعطينا صورة أوضح عن مكانتها ومستقبلها. ويبقى السرّ دومًا في الرؤية بعيدة المدى لأي استثمار، لأن الدورات الاقتصادية تتغيّر وأسهم الشركات الكبرى تبقى قويّة على المدى الطويل.
طرق الاستثمار في الذهب
الضبابية الاقتصادية والقلق من تراجع دور الدولار عاملان يُذكيان الإقبال على الملاذات الآمنة، مثل السندات الحكومية والمعادن الثمينة وبعض العملات. ومن أبرز طرق الاستثمار في المعدن الأصفر شراء الذهب المادّي، كالعملات المعدنية والسبائك والمجوهرات. وفي استراتيجية استثمارية أخرى، يمكنكم الاتجاه نحو صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب، وهي طريقة تتيح إتمام عمليات الشراء والبيع بسهولة، وعادة ما تكون تكلفتها أقل من شراء وتخزين الذهب المادي. كما يمكنكم شراء أسهم الشركات التي تُعنى بتعدين الذهب وإنتاجه، أو اختيار الاستثمار في الذهب الرقمي، لكنّ هذه الطريقة تتطلب الكثير من الحذر في اختيار منصّة تداول موثوقة. ومن جهة أخرى، يمكنكم تداول العقود الآجلة وعقود خيارات الذهب، وهي أدوات استثمارية متقدّمة تسمح للمستثمرين بالمضاربة على سعر الذهب في المستقبل.
الخيارات الاستثمارية في الأسواق كثيرة، لكنّ الاختيار الصائب يكمن في إدراك المخاطر وتنويع الأصول واعتماد رؤية بعيدة المدى.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جهاز ذكي بدون شاشة... مشروع جديد من "OpenAI"
جهاز ذكي بدون شاشة... مشروع جديد من "OpenAI"

ليبانون 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون 24

جهاز ذكي بدون شاشة... مشروع جديد من "OpenAI"

دفعت شركة OpenAI الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الوعي العام. والآن، قد تُطوّر نوعًا مختلفًا تمامًا من أجهزة الذكاء الاصطناعي. شركة OpenAI كانت وراء نشر الذكاء الاصطناعي التوليدي بين الناس، والآن تستعد لتطوير نوع جديد كليًا من أجهزة الذكاء الاصطناعي. بحسب تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال"، كشف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، خلال اجتماع مع الموظفين يوم الأربعاء، أن المنتج الرئيسي القادم لن يكون جهازًا قابلًا للارتداء، بل جهازًا صغيرًا بلا شاشة، قادرًا على إدراك محيط مستخدمه بشكل كامل. وأشار ألتمان إلى أن الجهاز سيكون صغير الحجم، يمكن وضعه على المكتب أو في الجيب. ووصفه بأنه "الجهاز الأساسي الثالث" إلى جانب جهاز ماك بوك برو وآيفون، معتبراً إياه "رفيق ذكاء اصطناعي" مدمج في الحياة اليومية جاء العرض التقديمي عقب إعلان "OpenAI" استحواذها على io، وهي شركة ناشئة أسسها العام الماضي مصمم "ابل" السابق جوني إيف، في صفقة أسهم بقيمة 6.5 مليار دولار. سيتولى إيف دورًا رئيسيًا في الإبداع والتصميم في "OpenAI". ووفقًا للتقارير، أخبر ألتمان الموظفين أن عملية الاستحواذ قد تضيف في نهاية المطاف تريليون دولار إلى القيمة السوقية للشركة، إذ إنها تُنشئ فئة جديدة من الأجهزة تختلف عن الأجهزة المحمولة، والأجهزة القابلة للارتداء، والنظارات التي طرحتها شركات أخرى. كما ورد أن ألتمان أكد للموظفين أن السرية ضرورية لمنع المنافسين من نسخ المنتج قبل إطلاقه.

مجموعة "تايغر" تعلن مشروع "برج ترامب" في دمشق
مجموعة "تايغر" تعلن مشروع "برج ترامب" في دمشق

ليبانون ديبايت

timeمنذ 2 ساعات

  • ليبانون ديبايت

مجموعة "تايغر" تعلن مشروع "برج ترامب" في دمشق

خلال الأيام الماضية، انتشرت أنباء بين السوريين عن نية لإنشاء ناطحة سحاب باسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العاصمة السورية دمشق. فبعد أيام من إعلان ترامب، من الرياض، رفع العقوبات عن سوريا استجابةً لطلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أكدت مجموعة "تايغر" العقارية أنها تعتزم بالفعل إطلاق مشروع "برج ترامب" في دمشق، بحسب ما أفادت صحيفة "الغارديان". وقال رئيس المجموعة، وليد الزعبي، إن البرج سيكون مؤلفًا من 45 طابقًا، مع تكلفة محتملة تصل إلى 200 مليون دولار. وأوضح أن شركته ستطلق المشروع كرمز للسلام ورسالة بأن سوريا تستحق مستقبلًا أفضل، وفق تعبيره. وأشار الزعبي إلى أن الشركة تدرس حاليًا عدة مواقع محتملة للبناء في دمشق، وأن عدد الطوابق قد يزيد أو ينقص بحسب المخطط النهائي. وأضاف أن "تايغر" ستتقدم هذا الأسبوع بطلب رسمي للحصول على تصاريح البناء، مشيرًا إلى أنها تحتاج أيضًا إلى موافقة على استخدام علامة ترامب التجارية قبل اعتماد الاسم. وأكد أن عملية البناء قد تستغرق ثلاث سنوات بعد الحصول على الموافقات القانونية واتفاقية الامتياز. وأعلن الزعبي أنه التقى الرئيس السوري أحمد الشرع في كانون الثاني، وناقشا المشروع خلال اللقاء. وقال إن كلمة "ترامب" ستكون محفورة بالذهب، لافتًا إلى أن البرج سيكون بمثابة نصب تذكاري لامع يهدف إلى إعادة سوريا، التي مزقتها الحرب، إلى الساحة الدولية. يُذكر أن سوريا كانت خاضعة لعقوبات أميركية منذ عام 1979، وقد تفاقمت هذه العقوبات بعد حملة القمع التي شنها الرئيس السابق بشار الأسد على المتظاهرين السلميين عام 2011. ورغم أن الفصائل العسكرية أطاحت بالأسد في كانون الأول، أبقت الولايات المتحدة على العقوبات المفروضة على البلاد. لكن الرئيس الأميركي أعلن، من العاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي، رفع العقوبات عن سوريا بطلب من ولي العهد السعودي. ومع رفع العقوبات، بات من الممكن أن ينتقل مشروع "برج ترامب" إلى حيّز التنفيذ، إذ من المقرّر أن يتوجه الزعبي إلى دمشق هذا الأسبوع لتقديم الطلب الرسمي للحصول على التراخيص اللازمة.

عودة الخليجيين إلى لبنان واستعادة اللبنانيين إلى وطنهم
عودة الخليجيين إلى لبنان واستعادة اللبنانيين إلى وطنهم

النهار

timeمنذ 3 ساعات

  • النهار

عودة الخليجيين إلى لبنان واستعادة اللبنانيين إلى وطنهم

لا شك في أن الزيارات التي تقوم بها الدولة اللبنانية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ممثلة برأس الدولة، فخامة الرئيس جوزيف عون، هي في منتهى الأهمية إن من حيث التوقيت أو المضمون، حيث تمثّل تلك الزيارات خطوة، تعبّر في بادئ الأمر عن عمق الروابط في مجالات عدة بين لبنان ودول الخليج، ولتستعيد معها العلاقات اللبنانية – الخليجية زخمها السياسي والديبلوماسي. كما تكتسب هذه الزيارات أهمية مضاعفة، لكونها تأتي بعد فترة انقطاع في الزيارات ذات الطابع الرسمي على هذا المستوى، وفي سياق تحوّلات كبرى شهدها لبنان داخلياً وخارجياً، ما يجعلها محطة محورية لإعادة بناء الثقة، وتعزيز مسارات الدعم العربي، ولا سيما الخليجي، التي لطالما شكلت ركيزة استقرار ورافعة دعم للبنان في أصعب مراحله وبعد سلسلة من الحروب. وفي السياق عينه، فإن هذا النوع من الزيارات وعلى هذا المستوى، سوف يؤسّس لاستعادة لبنان عمقه الخليجي والعربي من جهة، ويفتح الباب أمام دور خليجي متجدد في دعم الإصلاحات اللبنانية التي بدأتها الحكومة اللبنانية فور حصولها على الثقة النيابية، ومواكبة مشاريع النهوض الوطني في مختلف المجالات من جهة أخرى. ولا عجب أن العلاقة بين لبنان ودول مجلس التعاون تتجاوز التقارب السياسي إلى علاقات اقتصادية وتجارية، حيث بلغ إجمالي الصادرات إلى دول الخليج حوالي 2.7 مليار دولار في عام 2024، مسجّلاً انخفاضاً بنسبة 9.6% من 3 مليارات دولار في عام 2023. ويقدَّر عدد اللبنانيين المقيمين في دول الخليج بنحو 500 ألف شخص، تستحوذ السعودية منهم على 300 ألف، بينما تبلغ حصة الإمارات العربية نحو 100 ألف لبناني. وتشير التقديرات أيضاً إلى أن إجمالي التحويلات المالية من دول الخليج إلى لبنان يبلغ نحو 4.5 مليارات دولار سنوياً، نصفها تقريباً يأتي من الجالية اللبنانية في السعودية. ويتطلع الكثير من المراقبين في لبنان بأهمية كبرى إلى عودة السيّاح الخليجيين إلى لبنان. فجميعنا يعلم بأن تدفّق السيّاح الخليجيين إلى لبنان من شأنه تحفيز القطاعات الاقتصادية من السياحة إلى الصناعة والزراعة والخدمات، فالاقتصاد سلسلة كاملة ومتكاملة، فللسياحة بوجه خاصّ أثر مضاعف على الاقتصاد بمختلف قطاعاته وعلى ميزان المدفوعات نتيجة دخول الأموال المقوّمة بالعملات الأجنبية ولا سيما بالدولار الأميركي. ولكن، إن ما ننشده، ليس فقط عودة السياحة الموسمية وغير الدائمة إلى لبنان وذلك في غياب أيّ رؤية واضحة لكيفية تحويل تلك العودة ذات الصفة المؤقتة إلى فرصة مستدامة. فالمقلق هو أن ينتهي هذا الانفراج بموسم أو مواسم سياحية قصيرة الأجل مع انتهاء مواسم العطل، من دون أن يترافق مع إصلاحات حقيقية، فتعود الأزمة إلى واقعها كما كانت عليه. وبالتالي، فإن الرهان الأساسي لا ينبغي أن ينحصر فقط في جذب السائحين الخليجيين، بل يكمن في إعادة بناء ثقة المستثمر العربي الخليجي بوجه خاص. وهذا الأمر يحتاج إلى مقاربة سياسية واقتصادية جدّية. كذلك ينبغي بناء العلاقات مع دول الخليج وعودة المستثمرين الخليجيين، على الشراكة في الاستثمار لا الدعم فقط، على أمل أن تشكّل الزيارات انطلاقة فعلية لعلاقات اقتصادية جديدة، في ظلّ وجود فرص واعدة في الطاقة والبنى التحتية والاقتصاد المعرفي والسياحة والخدمات المالية في لبنان. الشق الثاني من الأمر، وهو الأهم بنظرنا، لا يكمن فقط في عودة الإخوة الخليجيين إلى "وطنهم الثاني لبنان" وعودة لبنان "إلى الحضن الخليجي" الدافئ بالأموال والمساعدات – رغم أهميته، بل باستعادة لبنان لأبنائه المنتشرين في أصقاع المعمورة إلى حضنه الدافئ، من خلال المشاركة في فرص الأعمال وإعادة الإعمار، وإعادة البناء – ليس الحجر فقط بل بناء الاقتصاد وبناء البشر. فلبنان يخسر منذ زمن بعيد رأسماله البشري وهي خسائر بشرية لا تُعوَّض، وقد ازداد الأمر سوءاً منذ سنة 2019. فبالإضافة إلى هجرة الأدمغة، يواجه أيضاً هجرة الكفاءات، حيث يفتقر أكثر فأكثر إلى العمالة الماهرة، كما يخسر الخرّيجين الجدد الذين لا يجدون فرصة عمل فيه، فيبحثون عنها في الخارج وهذا ما يؤثر على ديموغرافية البلد لكونهم من العنصر الشبابي، هذا بالإضافة الى الأعداد الكبيرة من المهندسين والأطباء الذين غادروه إلى دول المنطقة منذ عام 2019. فقد كشف تقرير "الدولية للمعلومات" أن حوالي 260 ألف شخص غادروا لبنان خلال الأعوام 2017-2022. وأكثر المهاجرين هم من الفئات الشابة، فحوالي 70% منهم تراوح أعمارهم بين 25 و40 عاماً. وتأسيساً على ما تقدّم، فإن ما ننشده من تلك الزيارات الرئاسية وغيرها لدول العالم ولا سيما لدول الخليج العربي ليس دعوة اللبنانيين المغتربين للعودة إلى لبنان فقط، بل تأمين المناخ الاقتصادي والاستثماري والقضائي وبيئة الأعمال المناسبة التي تجذب اللبنانيين في الخارج وتحثهم على العودة الطوعية ومن دون "شدّ العزيمة". فإن لم توضع سياسة جيدة لإعادة المغتربين، وتنفّذ إصلاحات شاملة ويوضع الشخص المناسب في المكان المناسب فلن نشهد عودتهم ولا عودة الاستثمارات إلى هذا البلد. فاللبنانيون في الخارج تكوّنت لديهم خبرات هائلة ورساميل كبيرة في أفضل الاقتصادات تقدّماً وفي أكثر الأسواق المالية حداثة، وهم على استعداد للعودة لخدمة الوطن وإعادة أبنائهم الشباب لإفراغ خبراتهم وثقافتهم وتفوّقهم من أهم الجامعات العالمية إلى "وطنهم الأول" وطنهم الأم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store