logo
الشِعر.. بين الإبداع الإنساني والتحدّي الرقمي

الشِعر.. بين الإبداع الإنساني والتحدّي الرقمي

الاتحادمنذ 6 أيام

سعد عبد الراضي
منذ أن بدأ الإنسان العربي باستكشاف فضاءات الشعر، ظلّت مسألة «التوليد الإبداعي» في مخيلته، تدور بين الحقيقة والخيال، فإما أن الموهبة هي التي تلتقط الصورة الشعرية من عدة مكونات ذاتية وغيرية، أو أن للتجربة الشعرية دوافع ومؤثرات خارجية، كالتي كانت معروفة في التراث الأدبي العربي، بأن الشعراء يذهبون إلى وادي سحيق مثل «وادي عبقر»، لكي يحصلوا على سمو بالذهن والروح يسبق التأليف، أيّ ما يشبه الإلهام لتوليد قصيدة متكاملة في الشكل والمضامين.
وإذا تأملنا في العصر الذي نعيشه، فإننا سنتوصل إلى أن بيئة «التوليد الإبداعي» للنص الشعري، كانت منصفة للعقل والوجدان، حيث عزّزت من قدرتهما المطلقة على تشكيل القصيدة الشعرية بمختلف قوالبها، إلى أن ظهرت التكنولوجيا المتطورة، وتعددت معها وسائل ووسائط المعرفة، لاسيما الذكاء الاصطناعي الذي تداخل في كل مجالات الحياة وعلومها وفنونها، ما نتج عنه مناقشات عديدة حول قدرته على توليد نص إبداعي متكامل، من خلال محركات بحثه الواسعة. ولعل أهم محاور تلك المناقشات الثقافية والفكرية، تدور حول مدى قدرة التطبيقات الذكية على التماهي مع أحاسيس ومشاعر المبدع والمتلقي، بعدما أظهرت قدرتها على تقديم نص معقول في الشكل الخارجي. ومن هنا نطرح السؤال على عدد من الشعراء والنقاد والناشرين والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحل محل الشاعر في تكوين بنية التجربة الشعرية؟
التجارب والأحاسيس
تقول د. سالي حمود، أستاذة الذكاء الاصطناعي في الإعلام: «إن توليد المحتوى فيما يخصّ النصوص الأدبية والإبداعية يختلف عن إنتاج النصوص العلمية، فالأخيرة تكون نتائجها حاملة لنفس المضامين الثابتة، من معلومات وبيانات ونتائج تفصيلية وتحليلية لمختلف القطاعات العلمية والإنسانية، بالمقابل فإن مفهومنا عن «النص الأدبي» مختلف تماماً، والمرتبط عادةً بمتغيرات لحظية، ومنه فإن محاولات التطبيقات الذكية، لم تحدث تطوراً جوهرياً، في هذا المجال تحديداً، لأن ما يحمله «النص الأدبي» أياً كان جنسه، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكاتبه من حيث أحاسيسه ومشاعره وتجاربه، التي نبع منها هذا النص، والآلة لا يمكن أن تحاكي مشاعر وأحاسيس المبدع».
العاطفة الشعرية
ويعتبر الشاعر والناقد د. راشد عيسى، أنه مهما تطور الذكاء الاصطناعي فلن يستطيع أن يرقمن الشعر، لأنه يستعصي على مخرجات الرقمنة، من حيث إنه لغة خارجة عن اللغة، بمعنى أن العاطفة الشعرية والمجاز والاستعارة، ونوايا المعاني وانفتاح الدلالات والمقاصد المواربة، أمور نفسية يعجز الذكاء الاصطناعي عن التعبير عنها، فهو ناقل لما يدخل فيه، يجمع ويجتهد في الفرز، لكنه يفشل بالضرورة في تحقيق دهشة الصورة الفنية، وذلك لأنه عقلاني ومنطقي، يصلح في اللسانيات والعلوم المحضة.
ويؤكد عيسى، أن طبيعة الشعر المتجدّدة تعيق الهندسة الرقمية في الذكاء الاصطناعي، وعبّر عن ذلك بقوله: «لا استبشر بمستقبل شعر الذكاء الرقمي، والشعر العربي أعظم منجز حضاري عربي، وهو آخر رهان للحفاظ على اللغة العربية، كون القصيدة تثري اللغة وتهدي المفردة مساحة أكبر للتأويل وبناء المعنى».
الإبداع البشري
ويوضح الشاعر والناشر محمد نور الدين، أن الذكاء الاصطناعي له تأثير متزايد على صناعة الكتب الأدبية، ويمكن أن ينعكس هذا التأثير في عدة جوانب، سواء من حيث الإنتاج أو التوزيع أو القراءة، مضيفاً أنه في موضوع «توليد النصوص» على مستوى الإنتاج، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء نصوص أدبية باستخدام خوارزميات التعلم الآلي، وأصبح الآن بعض المؤلفين يستخدمون هذه الأدوات كمساعد إبداعي لتطوير أفكارهم أو نصوصهم، وعلى الرغم من أن هذه الأعمال لا تعادل دائماً إبداع البشر، إلا أنها تفتح باباً لتجارب جديدة في الكتابة.
توليد النص
وضمن هذا الإطار الشائك، يطرح الشاعر المنصف المزغنّي مسألة «توليد النص» في ذات المبدع، والذي يمر بـ 3 مراحل، لا يستطيع الذكاء الاصطناعي بحسب تعبيره أن يمر بها، ويقول: «إن القصيدة تولد بكونها فكرة في بدايتها، ومن ثم تُكتب بانسيابية في مرحلة اللاوعي، ومنها إلى مرحلة الوعي لدى الشاعر، وبعد فترة زمنية من عبور المرحلتين، يعود الشاعر ليتأكد من أن النص لم يتولد من الذاكرة العميقة، باعتبار أن الشاعر يقرأ كثيراً، ومن ثم يختزن ما يقرؤه في ذاكرته، لتأتي بعدها المرحلة الأخيرة وهي تصفية النص من كل ما يكون خارجاً عن ذات كاتبه».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جائزة ابن بطوطة.. جسر ثقافي بين الأمس والغد
جائزة ابن بطوطة.. جسر ثقافي بين الأمس والغد

الاتحاد

timeمنذ 6 أيام

  • الاتحاد

جائزة ابن بطوطة.. جسر ثقافي بين الأمس والغد

سعد عبد الراضي حين يخطو الإنسان نحو المجهول، حاملاً قلبه المشحون بالأسئلة، ويرسل بصره إلى الأفق البعيد، كمن يبحث عن ذاته في وجوه الآخرين، تولد الرحلة، ليس كسرد عابر للمسافات، بل كحوار داخلي بين الذات والعالم، بين الإنسان وتاريخه، بين الروح وآفاقها المفتوحة على الإعجاب والدهشة والتأمل. ولعل أدب الرحلة هو أكثر الأجناس الأدبية قدرة على التقاط هذا الوهج العابر، إذ يدوّن الرحالة مشاهداته لا كعابر سبيل، بل كمؤرخ للمشاعر، وكاتب للوجوه التي تحمل آثار الزمن وحكايات الشعوب. في قلب هذا المشهد المتجدّد، تٌطل جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة بوصفها الجائزة العربية الفريدة، والجسر الذي أعاد منذ تشييده عام 2002 وصل ما انقطع، بل وأعاد اكتشاف العالم بنظرة عربية معاصرة، حيث تتحول الرحلة إلى قصيدة إنسانية مكتوبة بالحبر والحلم، وبنبض الثقافات المتعددة التي يتلاقى عندها الإنسان أخاً للإنسان. وفي احتفالية استثنائية احتضنتها الرباط وأبوظبي، جدّد مشروع «ارتياد الآفاق» وعده بأن تبقى الرحلة العربية، بجذورها العميقة وروحها المنفتحة، حاضرة في مشهد الثقافة العالمية، شاهدة على أن العرب مازالوا يعبرون البحار والصحارى والكلمات بحثاً عن المعنى. في دارة السويدي الثقافية في أبوظبي، عاصمة الأفق الثقافي العالمي، وفي الرباط، مدينة الأنوار وحاضنة التاريخ، التأم الحضور الثقافي العربي والعالمي في مشهد احتفائي بهيج، بمناسبة تكريم الفائزين بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في دورتها الثالثة والعشرين، تلك الجائزة التي أصبحت، ومنذ انطلاقها عام 2002، منارة مضيئة في سماء الأدب العربي، حيث أعادت لأدب الرحلة العربي وهجه وحيويته، وحولته من ذاكرة ماضية إلى جسر عبور بين الأمس والغد. في هذه الدورة التي تواكب مرور ربع قرن على إطلاق مشروع «ارتياد الآفاق»، بدا واضحاً أن الجائزة تجاوزت كونها مسابقة أدبية إلى كونها مشروعاً ثقافياً استثنائياً يُعيد كتابة الذات العربية بلغة الذات في إطلالتها على الآخر، ويفتح أمام القراء العرب نوافذ على عوالم بعيدة، بتوقيع رحالة ومحققين وباحثين ومبدعين يعيدون رسم خرائط العالم بعيون عربية معاصرة. أيقونة الحوار لم يكن اختيار ابن بطوطة ليكون العنوان البارز لهذه الجائزة مصادفة عابرة، بل لأنه النموذج الأمثل لذلك العربي المفتوح على العالم، المشغوف بالتعرف على الآخر، المتسلح بوعي ثقافي جعله شاهداً على التحولات الكبرى في العالم القديم. وفي هذا السياق، أكد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، خلال كلمته في معرض الرباط الدولي للكتاب مؤخراً: «ابن بطوطة لم يكن مجرد رحالة، بل أيقونة إنسانية متجدّدة تؤكد أن الإنسان قادر على عبور الثقافات، والتواصل مع العالم، دون أن تفقد هويته لغتها، ودون أن تتعطل قنوات الحوار والتلاقح الثقافي. والجائزة اليوم تعيد لهذا الرمز الإنساني حضوره، وتقدمه إلى العالم في زمن باتت فيه الحاجة ملحة لتجديد جسور الحوار الحضاري». من جانبه، أكد الشاعر والأديب محمد أحمد السويدي، مؤسس الجائزة وراعيها، أن ربع قرن من العمل أثمر منجزاً فريداً للثقافة العربية المعاصرة. وقال السويدي: «منذ البداية راهنّا على أن أدب الرحلة ليس مجرد سرد للأسفار، بل هو أدب يضيء الذات ويكشفها في مرآة الآخر. واليوم، وقد مضى أكثر من عقدين من العمل، نرى أن خزانة الرحلة العربية اغتنت بنصوص كانت مهددة بالنسيان، وتحولت إلى إرث حي في وجدان الثقافة العربية الحديثة». وأعلن السويدي عن مبادرات جديدة ضمن مشروع «ارتياد الآفاق»، أبرزها إطلاق مبادرة «رواد الآفاق» لاستكتاب الرحالة من الإمارات وإليها، كنافذة جديدة لتقديم صورة الإمارات بعيون أهلها، وبعيون الرحالة الأجانب، إلى جانب إنجاز ستة عشر عنواناً جديداً ضمن مشروع طموح لترجمة مئة عمل أدبي وجغرافي من اللغات العالمية إلى العربية. كما شهد الحفل تدشين النسخة الإلكترونية من تطبيق «منازل القمر»، وعرض العمل الوثائقي «على خطى ابن بطوطة في الهند»، في إطار مشروع القرية الإلكترونية «على خطى ابن بطوطة» الذي يعيد استحضار الرحلة كوسيلة للاكتشاف والتأمل والتعلم. بدوره، اعتبر الشاعر نوري الجراح، مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي، أن جائزة ابن بطوطة تحولت إلى «ذاكرة ثقافية متجددة» تسهم في ترسيخ الحوار بين الثقافات، وتعيد قراءة الذات العربية من خلال الآخر. وقال الجراح: «ما تحقق خلال 23 دورة ليس مجرد احتفاء بأعمال أدبية، بل هو تأسيس لمسار ثقافي عربي جديد، يؤكد أن الثقافة العربية، ومنذ نشأتها، ثقافة منفتحة على العالم، تسعى للتعارف والحوار لا للانغلاق والانكفاء، وهو ما تثبته الجائزة عاماً بعد عام». وأشار الجراح إلى أن هناك تنسيقاً كبيراً بين المركز ووزارة الثقافة المغربية لإقامة احتفالية ضخمة خلال العام المقبل، تزامناً مع اختيار الرباط عاصمة عالمية للكتاب، وأن من بين هذه الاحتفالية إقامة ثلاث ندوات من بينها ندوة عالمية عن ابن بطوطة. ذاكرة لا تنضب منذ تأسيسها، نجحت جائزة ابن بطوطة في إعادة الاعتبار لأدب الرحلة العربي في كل مساراته: من تحقيق المخطوطات الكلاسيكية، إلى دراسة الرحلة، واليوميات، والرحلة المعاصرة، والترجمة، والرحلة الصحفية. وفي دورتها الثالثة والعشرين، استقبلت الجائزة 43 مخطوطاً من تسع دول عربية، حيث جرت عمليات التصفية بسرية تامة وفق معايير صارمة وضعتها لجان علمية وتحكيمية متخصّصة. وبرزت من بين الأعمال الفائزة هذا العام الرحلات المكيّة، والرحلة النادرة للفرنسي فولني إلى مصر وسوريا، ويوميات الشاعر اللبناني عيسى مخلوف في باريس، ويوميات الكاتب المغربي محمد الخطابي في أميركا الجنوبية، إلى جانب الدراسات وسلسلة من الرحلات المحققة التي أضاءت نصوصاً خفية من أدب الرحلة العربي القديم. هكذا، يثبت أدب الرحلة، من خلال جائزة ابن بطوطة ومشروع «ارتياد الآفاق»، أنه ليس مجرد انعكاس للطرق والمسافات، بل هو رحلة نحو الذات العميقة، ونحو الآخر المختلف، ونحو عوالم تستحق أن تُروى وأن تُكتشف بعينٍ ترى التفاصيل، وبقلب يؤمن بأن الإنسان، مهما تناءت به الطرق، تظل الرحلة الكبرى بداخله، في اكتشاف معاني الحياة وتعدد وجوهها. وفي زمن يُعيد العالم فيه ترتيب خرائطه، تأتي هذه الجائزة لتذكرنا أن الخريطة الأهم ليست تلك المرسومة على الورق، بل تلك التي تُرسم في الوجدان، حيث تصبح الرحلة سفراً نحو الأمل، وتجسيداً لحوار لا ينقطع بين حضارات تتلاقى، لتكتب فصولها الجديدة بحبر المحبة والدهشة والإنسانية. الفائزون يتحدثون ثمنَّ الفائزون في حديثهم إلى «الاتحاد» الدور المهم الذي تلعبه الجائزة في المشهد الثقافي العربي، معبرين عن افتخارهم بالفوز بها. وأكد الدكتور محمد محمد خطّابي، من المغرب، الفائز في فرع اليوميات عن كتابه «على وقع خطوات كريستوفر كولومبوس - رحلة إلى أميركا الجنوبية»، أن رحلته سعت إلى استكشاف بلدان أميركا الجنوبية وتسليط الضوء على سكانها الأصليين وعاداتهم وثقافاتهم. وأوضح أن كتابه استعاد خطى كولومبوس منذ 1492، مستعرضاً الوقائع التي غيّرت وجه التاريخ والجغرافيا. وعبّر عن اعتزازه بتتويجه بهذه الجائزة المرموقة، مؤكداً أنها تتويج لجهد معرفي طويل. وعبّر الدكتور مشعان المشعان، من السعودية، الفائز في فرع اليوميات عن كتابه «ما أحمله معي – حياة وأسفار وتصورات أخرى»، عن سعادته الغامرة بفوزه، مشيراً إلى أن الكتاب استغرق منه خمس سنوات من الإعداد المتواصل، وكان بمثابة مساحة للبوح والانعتاق، حتى شعر بأن فوزه أطلق الكتاب إلى القارئ بحرية. وأكد أن جائزة ابن بطوطة لها مكانتها الرفيعة في أدب الرحلة، وأن هذا التتويج يضاعف مسؤوليته تجاه هذا الحقل الإبداعي. وقال محمد سالم عبادة، من مصر، الفائز في فرع الرحلة المعاصرة عن كتابه «الفُتوحاتُ البُوهِيمِيَّة – رحلات في التشيك والمجر وإيطاليا»، إن تتويجه بالجائزة يمثل محطة مضيئة في مسيرته، كونها تسهم في وصول الكتاب إلى القراء، وتفتح أمام أدب الرحلة بالعربية آفاقاً جديدة. وأوضح أن الجائزة دعّمت هذا النوع الأدبي المهم. وأشارت الدكتورة حرية الريفي، من المغرب، الفائزة في فرع الرحلة المحققة عن تحقيق «شفاء الغرام في حج بيت الله الحرام»، إلى أن فوزها يحمل طابعاً مضاعفاً، كونه جاء عن عمل علمي يثري أدب الرحلة الإسلامية، وأيضاً لأنها تمثل المرأة العربية الوحيدة بين الفائزين في هذه الدورة، مما يزيد من فخرها ويحفّزها لمواصلة العمل البحثي. وأكدت أن الجائزة تفتح لها أفقاً جديداً في مسيرتها الأكاديمية. وأوضح محمد النظام، من المغرب، الفائز في فرع الدراسات عن: «الرحالون المغاربة وفرنسا (في عصر الحماية)»، أن فوزه يمثل تكريماً للعمل الذي اشتغل عليه طويلاً، مؤكداً أن الجائزة تمنحه دفعة قوية للاستمرار في دراسة وتحقيق نصوص الرحلة المغربية.. وأعرب الدكتور محمد الأندلسي من المغرب، الفائز في فرع الرحلة المحققة عن تحقيق «الرحلة المكية - فرنسا - الحجاز - الجزائر»، عن بالغ اعتزازه بفوزه بهذه الجائزة المرموقة، مؤكداً أن هذا التتويج جاء تتويجاً لمسار علمي طويل قضاه في خدمة أدب الرحلة المغربية.

الشِعر.. بين الإبداع الإنساني والتحدّي الرقمي
الشِعر.. بين الإبداع الإنساني والتحدّي الرقمي

الاتحاد

timeمنذ 6 أيام

  • الاتحاد

الشِعر.. بين الإبداع الإنساني والتحدّي الرقمي

سعد عبد الراضي منذ أن بدأ الإنسان العربي باستكشاف فضاءات الشعر، ظلّت مسألة «التوليد الإبداعي» في مخيلته، تدور بين الحقيقة والخيال، فإما أن الموهبة هي التي تلتقط الصورة الشعرية من عدة مكونات ذاتية وغيرية، أو أن للتجربة الشعرية دوافع ومؤثرات خارجية، كالتي كانت معروفة في التراث الأدبي العربي، بأن الشعراء يذهبون إلى وادي سحيق مثل «وادي عبقر»، لكي يحصلوا على سمو بالذهن والروح يسبق التأليف، أيّ ما يشبه الإلهام لتوليد قصيدة متكاملة في الشكل والمضامين. وإذا تأملنا في العصر الذي نعيشه، فإننا سنتوصل إلى أن بيئة «التوليد الإبداعي» للنص الشعري، كانت منصفة للعقل والوجدان، حيث عزّزت من قدرتهما المطلقة على تشكيل القصيدة الشعرية بمختلف قوالبها، إلى أن ظهرت التكنولوجيا المتطورة، وتعددت معها وسائل ووسائط المعرفة، لاسيما الذكاء الاصطناعي الذي تداخل في كل مجالات الحياة وعلومها وفنونها، ما نتج عنه مناقشات عديدة حول قدرته على توليد نص إبداعي متكامل، من خلال محركات بحثه الواسعة. ولعل أهم محاور تلك المناقشات الثقافية والفكرية، تدور حول مدى قدرة التطبيقات الذكية على التماهي مع أحاسيس ومشاعر المبدع والمتلقي، بعدما أظهرت قدرتها على تقديم نص معقول في الشكل الخارجي. ومن هنا نطرح السؤال على عدد من الشعراء والنقاد والناشرين والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحل محل الشاعر في تكوين بنية التجربة الشعرية؟ التجارب والأحاسيس تقول د. سالي حمود، أستاذة الذكاء الاصطناعي في الإعلام: «إن توليد المحتوى فيما يخصّ النصوص الأدبية والإبداعية يختلف عن إنتاج النصوص العلمية، فالأخيرة تكون نتائجها حاملة لنفس المضامين الثابتة، من معلومات وبيانات ونتائج تفصيلية وتحليلية لمختلف القطاعات العلمية والإنسانية، بالمقابل فإن مفهومنا عن «النص الأدبي» مختلف تماماً، والمرتبط عادةً بمتغيرات لحظية، ومنه فإن محاولات التطبيقات الذكية، لم تحدث تطوراً جوهرياً، في هذا المجال تحديداً، لأن ما يحمله «النص الأدبي» أياً كان جنسه، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكاتبه من حيث أحاسيسه ومشاعره وتجاربه، التي نبع منها هذا النص، والآلة لا يمكن أن تحاكي مشاعر وأحاسيس المبدع». العاطفة الشعرية ويعتبر الشاعر والناقد د. راشد عيسى، أنه مهما تطور الذكاء الاصطناعي فلن يستطيع أن يرقمن الشعر، لأنه يستعصي على مخرجات الرقمنة، من حيث إنه لغة خارجة عن اللغة، بمعنى أن العاطفة الشعرية والمجاز والاستعارة، ونوايا المعاني وانفتاح الدلالات والمقاصد المواربة، أمور نفسية يعجز الذكاء الاصطناعي عن التعبير عنها، فهو ناقل لما يدخل فيه، يجمع ويجتهد في الفرز، لكنه يفشل بالضرورة في تحقيق دهشة الصورة الفنية، وذلك لأنه عقلاني ومنطقي، يصلح في اللسانيات والعلوم المحضة. ويؤكد عيسى، أن طبيعة الشعر المتجدّدة تعيق الهندسة الرقمية في الذكاء الاصطناعي، وعبّر عن ذلك بقوله: «لا استبشر بمستقبل شعر الذكاء الرقمي، والشعر العربي أعظم منجز حضاري عربي، وهو آخر رهان للحفاظ على اللغة العربية، كون القصيدة تثري اللغة وتهدي المفردة مساحة أكبر للتأويل وبناء المعنى». الإبداع البشري ويوضح الشاعر والناشر محمد نور الدين، أن الذكاء الاصطناعي له تأثير متزايد على صناعة الكتب الأدبية، ويمكن أن ينعكس هذا التأثير في عدة جوانب، سواء من حيث الإنتاج أو التوزيع أو القراءة، مضيفاً أنه في موضوع «توليد النصوص» على مستوى الإنتاج، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء نصوص أدبية باستخدام خوارزميات التعلم الآلي، وأصبح الآن بعض المؤلفين يستخدمون هذه الأدوات كمساعد إبداعي لتطوير أفكارهم أو نصوصهم، وعلى الرغم من أن هذه الأعمال لا تعادل دائماً إبداع البشر، إلا أنها تفتح باباً لتجارب جديدة في الكتابة. توليد النص وضمن هذا الإطار الشائك، يطرح الشاعر المنصف المزغنّي مسألة «توليد النص» في ذات المبدع، والذي يمر بـ 3 مراحل، لا يستطيع الذكاء الاصطناعي بحسب تعبيره أن يمر بها، ويقول: «إن القصيدة تولد بكونها فكرة في بدايتها، ومن ثم تُكتب بانسيابية في مرحلة اللاوعي، ومنها إلى مرحلة الوعي لدى الشاعر، وبعد فترة زمنية من عبور المرحلتين، يعود الشاعر ليتأكد من أن النص لم يتولد من الذاكرة العميقة، باعتبار أن الشاعر يقرأ كثيراً، ومن ثم يختزن ما يقرؤه في ذاكرته، لتأتي بعدها المرحلة الأخيرة وهي تصفية النص من كل ما يكون خارجاً عن ذات كاتبه».

محمد خليفة المبارك: الإرث الثقافي الإماراتي رمز للفخر الوطني
محمد خليفة المبارك: الإرث الثقافي الإماراتي رمز للفخر الوطني

الاتحاد

time١٢-٠٤-٢٠٢٥

  • الاتحاد

محمد خليفة المبارك: الإرث الثقافي الإماراتي رمز للفخر الوطني

سعد عبد الراضي في خضم التطور المتسارع الذي يشهده العالم، تبرز أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي وسيلة لصون الهوية، وتعزيز الانتماء، وربط الأجيال بجذورها الراسخة. من هذا المنطلق، أطلقت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي حملة وطنية شاملة تحت عنوان «تقاليدنا راسخة»، في خطوة استراتيجية، تهدف إلى الاحتفاء بالتراث الثقافي غير المادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتعريف بمكوناته الغنية والمتنوعة، عبر مبادرات وفعاليات تتوزع على مدار العام. تأتي الحملة كجزء من جهود دؤوبة تبذلها الدولة لتوثيق وصون التراث، من خلال تسليط الضوء على عناصره المختلفة، مثل العادات والتقاليد، الفنون الشعبية، الحرف اليدوية، الممارسات الاجتماعية، والأهازيج الشفوية، التي تمثل ركيزة من ركائز الهوية الإماراتية. وتُعنى «تقاليدنا راسخة» كذلك بإحياء قصص الأجداد ونقلها للأبناء، عبر عروض ثقافية، وورش عمل تفاعلية، وبرامج تعليمية، ومعارض متنقلة، وأفلام وثائقية، لتصل الرسالة إلى المجتمع بكل فئاته، وبخاصة الجيل الجديد. ما يميّز الحملة هو تنوع أدواتها، وشراكاتها مع المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، مما يمنحها بُعداً وطنياً شاملاً يتجاوز نطاق التوثيق إلى خلق تفاعل حيّ مع التراث، يجعل منه جزءاً من الحياة اليومية، لا مجرد ذكرى من الماضي. وفي حواره مع (الاتحاد)، تحدث معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، عن أهمية المبادرات التي تطلقها الدائرة، ودورها في ربط الماضي بالحاضر، وتعزيز مكانة أبوظبي وجهة ثقافية عالمية. في البداية، يؤكد معالي محمد خليفة المبارك، أن رؤية دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي تتمحور حول تعزيز الوعي العالمي بأنّ تراث الإمارات وثقافتها الفريدة يشكلان هويتها كشعب ودولة. فالتراث هو البوصلة التي تقود الطموحات والإطار، الذي يوجّه التطلعات كوجهة عالمية. ومن خلال احتضان الإرث الثقافي، تفتح أبوظبي آفاقاً جديدة لرسم ملامح مستقبل ينطلق من أصالة ماضيها العريق. ويضيف: ترتكز استراتيجيات ومبادرات الدائرة على الاحترام العميق للتقاليد والقيم والعادات الإماراتية المتوارثة عبر الأجيال. فالموروثات الثقافية، مثل فن «العيالة، التلي، التغرودة، والصقارة»، ليست مجرد رموز ثقافية، بل تعبيرات أصيلة عن تفرّد الهوية الإماراتية والفخر بتراثها. ومن خلال هذه المبادرات، يتم تعزيز ارتباط المجتمع بهويته وترسيخ الصلة العميقة التي تربط الإماراتيين بجذورهم جيلاً بعد جيل، مما يعزّز الشعور بالانتماء والمسؤولية للحفاظ على هذا الإرث ونقله إلى الأجيال القادمة. ويشير المبارك إلى أن دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي تؤكد التزامها بتعزيز التبادل الثقافي، عبر مشاركة عمق التراث الإماراتي مع العالم. ومن خلال سياسات ومبادرات وحملات مستمرة على مدار العام، يتم العمل على تعزيز التفاهم الثقافي المتبادل، ودعوة العالم لزيارة أبوظبي، والتعرّف على ما تتمتع به من أصالة وعراقة وضيافة استثنائية. فالاحتفاء بالتراث والحفاظ عليه، محلياً وعالمياً، يُعدّ أولوية استراتيجية تضمن استمرارية التقاليد وترسيخ الهوية وتعزيز الحضور الثقافي لأبوظبي عالمياً. 15 عنصراً عن إدراج عناصر من التراث الإماراتي في «اليونسكو»، يقول رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي: «تفتخر دولة الإمارات بإدراج أكثر من 15 عنصراً من تراثها ضمن قائمة (اليونسكو) للتراث الثقافي غير المادي. فمنذ انطلاق دائرة الثقافة والسياحة، تم الحرص على منح التراث الإماراتي مكانته المستحقة من خلال تطوير مبادرات متميزة، مثل مهرجان الحصن، ومهرجان التراث البحري، ومهرجان الحِرَف والصناعات التقليدية، وبيت الحِرْفيين، وسجل أبوظبي للحِرْفيين، ومنصة حِرَف أبوظبي. كما تم إعداد مجموعة واسعة من المواد التعليمية لتثقيف الأطفال حول قيم وأهمية التراث». ويضيف: «تُعتبر حماية وصون وتعزيز التراث المادي وغير المادي جوهر رؤية الدائرة لأبوظبي وجهة عالمية، حيث يتم دمج التراث مع السياحة لخلق تجارب أصيلة تدعو المواطنين والمقيمين والزوار إلى استكشاف الملامح الثقافية وتعزيز الفهم الثقافي المتبادل. ويتجلى هذا الالتزام في تطوير معالم بارزة، مثل متحف زايد الوطني، أحد الإضافات المهمة لمنطقة السعديات الثقافية، حيث سيعرض تاريخ الإمارات، ويعزّز مكانة أبوظبي الثقافية. إضافة إلى ذلك، يتم العمل على مشاريع، مثل متحف العين، وإعادة افتتاح متحف دلما، وافتتاح مركز زوار جديد في جزيرة صير بني ياس، مما يتيح للجمهور فرصة استكشاف الإرث العريق للإمارات». التقاليد الإماراتية يؤكد معالي محمد خليفة المبارك أن العديد من المهرجانات والبرامج، التي تنظمها دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي تستمد إلهامها من التقاليد الإماراتية، حيث تشكل جزءاً مهماً من تقويم الفعاليات السنوي. مهرجان الحصن، على سبيل المثال، يعكس هذا المزج الفريد بين الماضي والحاضر، مما يجذب مجموعة متنوعة من الزوار، من الإماراتيين الذين يسعون إلى تعزيز ارتباطهم بتراثهم إلى الجماهير الدولية المهتمة باستكشاف الثقافة الإماراتية. وتعزّز روح الضيافة الأصيلة نجاح هذه الفعاليات، حيث يتم تحقيق توازن بين الفعاليات المستوحاة من التراث وبين الفعاليات الحديثة، مثل المعارض والحفلات الموسيقية والفعاليات الرياضية، مما يوفّر تجربة شاملة ومتنوعة. رعاية ودعم الشباب عن رعاية ودعم الشباب، يقول المبارك: في إطار سعي الدائرة إلى رعاية الأجيال القادمة، يتم دمج الشباب في استراتيجياتها وبرامجها، مما يتيح لهم فرصة المساهمة في المشهد الثقافي والسياحي. ويتماشى ذلك مع الاستراتيجية السياحية المحدّثة التي يُتوقّع أن توفر 178.000 وظيفة جديدة بحلول عام 2030، مما يفتح آفاقاً جديدة أمام المواهب الإماراتية الشابة. وبهذا الصدد، تتم دعوة الشباب إلى تبنّي رؤية متجددة تعزز القيم الإماراتية، حيث يمثل إبداعهم وشغفهم بمشاركة الثقافة الإماراتية ضماناً لاستمرار تألقها على المستوى العالمي. ويؤكد المبارك أنه مع استمرار دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي في جهودها لحماية وصون التراث، يبقى الإرث الثقافي الإماراتي رمزاً للفخر الوطني وعلامة مميزة تضيء طريق المستقبل. فبفضل المبادرات المبتكرة والتعاون الدولي، يتم ترسيخ مكانة أبوظبي وجهة ثقافية عالمية تنبض بالحياة والتقاليد الأصيلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store