
سوانح العطاء
بدر علي قمبر
كلما يُغادر رمضان مساحات حياتنا، كلما نحسّ بشعور غريب، يجعلنا نعيش في أجواء أخرى غير المعتادة، لإحساسنا العميق بأن شهر رمضان المبارك هو نسمة جميلة من نسمات الجنان، نستنشق عبيرها في شهر كامل، ونعيش في أجواء تلك المحطة الخالدة، التي نسأل الله الكريم أن يبلغنا إياها في الفردوس الأعلى.
ذلك لأن رمضان هو ذلك الخير العميم الشامل لحياتنا، الذي يُروّض أخلاقنا وسلوكياتنا من أجل أن نسير في طريق الاستقامة. ويا خسارة من فات عليه رمضان ولم يستفد من سوانحه، ولم يكن من عشاق مساحاته الأثيرة إلى النفس، بل لم يكن له النصيب الوافر لكي يطهر نفسه من شوائب الحياة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنفه (أي خاب وخسر) رجل ذُكرت عنده فلم يُصلِّ عليّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» (رواه الترمذي).من استطاع أن يعيش لله تعالى وحده خلال شهر الخير، وعزم أن يكون شهر التغيير والتجديد الإيماني، فهو بلا ريب سينهض من سباته الذي اعتاده قبل رمضان، وستتغير حياته بعد رمضان، ليكون ذلك الفارس المُجيد الذي يعشق التنافس في سباق الخيرات وسوانح العطاء المختلفة.
عندما ننطلق من رمضان، ونعتاد الخير، ويكون ضمن شرايين حياتنا، فإننا بذلك فزنا بالعطاء الحقيقي، الذي يجب أن نتعايش معه طيلة أيام حياتنا، فسوانح العطاء يجب أن تتجانس مع جميع مساحات حياتنا، وأن نتلذذ بها من أجل ألا نتراجع عن ذلك الخير الذي عشناه في شهر الخير.
العطاء بمفهومه الصحيح هو أن تكون لك بصمة وأثر في كل لحظة تعيشها، وألا تتراجع قيد أنملة عما تعلمته في سنين حياتك، وما قدمته من خير في كل رسالة تقدمها للمجتمع. العطاء هو عبارة عن رسائل متعددة تقوم بها هنا وهناك، من أجل ألا تظل مجرد «هامش حياتي» معزولاً عن الخير.
يرى البعض، بخبرته الخيرية والإنسانية المحدودة والقاصرة، أنه يستطيع أن يصل بتلك الأفكار التي يتبناها إلى درجة الإتقان والتميز والتأثير في المجتمع، في المقابل فهو لم يفقه طبيعة المجال الإنساني الذي يعيشه، والذي يجب أن تكون فيه سوانح العطاء مثل الماء الزلال، الذي اعتاد صاحبه أن يشربه عدة مرات في اليوم ليروي ظمأه.
من هنا، فإن التفاني في العطاء، وإخلاص النيات، وصدق التوجه إلى الله عز وجل، والسعي الصادق في حاجات الآخرين، وحب تقديم الخير، وسنوات العطاء الحقيقي، هي التي تشفع لصاحبها ليكون العنصر المؤثر الفاعل في محيطه، وليكون الخطوة الحقيقية نحو تحقيق النجاح المنشود في مشروعات الخير والعطاء.
هناك العديد من الوقفات التي يجب أن نقف أمامها مع سرعة تصرم الأيام وانقضاء مناسبات الخير، ولعل أهمها ألا نغفل لحظة واحدة عن علاقتنا مع الله عز وجل، فهي أساس نجاحات الحياة، وهي أساس الخير الذي نعيشه، وأن نؤمن إيماناً عميقاً بأن ما يقدره المولى الكريم، ويختاره لنا، ويكتبه لنا، هو الخير الذي نعيشه، وهي السعادة الحقيقية التي نهنأ بها.
العلاقة مع الله عز وجل هي التي تدفعنا لأن نكون رسل خير في الحياة كلها، وألا نبذل الجهود الجبارة في مجال ضيق بعينه، ثم نكتشف
فيما بعد أننا قد استهلكنا جهودنا الجسدية والنفسية، ومضى الوقت دون أن نحس به، في أمور لم نكن فيها أكفاء في منظور البعض، أو منظور تلك الزاوية الضيقة التي نعمل بها.
من هنا، ينبغي أن نتوجه سريعاً إلى ميادين واسعة وفسيحة، فيها العديد من رسائل النجاح التي ركناها في فترات كثيرة من حياتنا على مقاعد التسويف أو بعبارات «لم يحن الوقت بعد»، ثم اكتشفنا أننا قد تأخرنا كثيراً عن اللحاق بركب الأفراد الذين حققوا شغفهم في التغيير والتأثير في المجتمع، وأصبحوا نجوماً في سوانح العطاء، يُشار إليهم بالبنان.
تكتشف في كثير من الأحيان أن عملك الذي عملته مجرد «أوقات مهدورة» في قاموس الإنجاز، وإن كانت هذه الأعمال محفوفة بالأجور عند المولى الكريم، لأنك اعتدت أن تكون فيها محسناً ومحتسباً، لذا فإنها باقية الأثر في ميزان حسناتك وفي مسارات حياتك. ولكنك تحتاج إلى تغيير نمطها، والسير في خطوات أكثر فاعلية منها، لأن منهجيات بعض المساحات التي اعتدت عليها لم تعد تناسب فكر العطاء المتجدد، الذي ينبغي أن تنطلق به إلى المجتمع كله، وتنشر فكر أثرك المستدام، الذي اعتدت عليه، والذي رسمت ملامحه منذ فترة، ولكن تأخرت في تنفيذه لبعض العراقيل المزعجة.
ومضة أملالخير لا يتوقف عند تلك اللحظة التي قرر فيها ذلك الفارس أن يتوقف ويتمهل ويتأخر في قراره للمسير، بل الخير أن يستبدله بفارس يحمل الخير على كتفه، ولا يؤخر عمله لحظة واحدة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 3 ساعات
- البلاد البحرينية
طلاق أحمد السقا ومها الصغير يثير الجدل بعد زواج 26 عاماً
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية أخباراً حول طلاق أحمد السقا وزوجته مها الصغير، بعد زواج دام قرابة 26 عاماً، وسط تضارب في الأنباء بين التأكيد والنفي من مصادر مختلفة. طلاق أحمد السقا ومها الصغير أثارت صفحة غير موثقة تحمل اسم النجم المصري أحمد السقا على "فيسبوك" جدلاً واسعاً بعد نشرها منشوراً يؤكد طلاق أحمد السقا من زوجته الإعلامية مها الصغير. وحسب المنشور المتداول، فإن الانفصال حدث منذ 6 أشهر، بينما تم طلاق أحمد السقا وزوجته مها الصغير رسمياً منذ شهرين تقريباً. وجاء في المنشور المنسوب للسقا: "عشان الناس اللي بتسأل أنا والسيدة مها محمد عبد المنعم، منفصلين منذ 6 شهور، وتم الطلاق منذ شهرين تقريبا وأعيش حاليا لأولادي وعملي وأصدقائي المقربين، وأمي وأختي، وكل تمنياتي لأم أولادي بالتوفيق والستر." الحسابات الرسمية لم تؤكد طلاق أحمد السقا رغم انتشار الخبر بشكل واسع، إلا أن الحسابات الرسمية الموثقة للفنان أحمد السقا وزوجته مها الصغير على منصات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام" و"إكس" لم تنشر أي تأكيد لـطلاق أحمد السقا، مما وضع علامات استفهام حول صحة المعلومات المتداولة. هذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها شائعات حول انفصال الزوجين، حيث سبق وانتشرت أخبار مماثلة في الفترة الأخيرة، خاصة بعد حذف مها الصغير صورها مع السقا من حسابها على "إنستغرام". نفي سابق لشائعات الطلاق جدير بالذكر أن مها الصغير كانت قد نفت في يناير الماضي أنباء طلاق أحمد السقا ومها الصغير، حيث نشرت صورة عائلية تجمعها بزوجها وأبنائهما على "فيسبوك" مع تعليق: "اتقوا الله فينا، لو عندنا حاجة هنطلع نقولها إحنا بنفسنا للناس. بطلوا تعملوا ترندات على حساب الناس." سبب طلاق أحمد السقا ومها الصغير لم يكشف المنشور المتداول عن سبب طلاق أحمد السقا ومها الصغير بشكل واضح، لكنه أشار إلى أن السقا "فوجئ" بقرار زوجته، حيث جاء في المنشور المنسوب له: "أمنياتي لها بالسعادة والنجاح، في قرارها وحياتها اللي فوجئت بها مثلكم، ربنا يسعدها في حياتها المستقبلية واختياراتها." كما قام الحساب المنسوب للفنان أحمد السقا بالتعليق على حساب فتاة تدعى سمر السقا، التي طالبت بالعدول عن قراره بالانفصال عن زوجته، حيث قال: "یا سمر أنا استحملت كتير والملاك بجناحات وال شیطان برضه بجناحات"، وقد أثار هذا الأمر جدلًا واسعًا. زواج أحمد السقا ومها الصغير بدأت قصة زواج أحمد السقا ومها الصغير في 17 نوفمبر 1999، حيث ارتبط النجم المصري بابنة خبير التجميل ومصفف الشعر الشهير الراحل محمد الصغير، وهي إحدى صديقات أخته فاطمة. أثمر زواج أحمد السقا ومها الصغير عن إنجاب ثلاثة أبناء هم "ياسين" و"حمزة" وابنتهما "نادية"، واستمرت العلاقة الزوجية بينهما لمدة تقارب 26 عاماً قبل ظهور أنباء طلاقهما مؤخراً. تم نشر هذا المقال على موقع


الوطن
منذ 15 ساعات
- الوطن
الجدران التي قتلت أمي!
حكى الممثل الهندي جاكي شروف في إحدى المقابلات التلفزيونية قصة عن طفولته الحزينة وفقر عائلته الشديد حينها، وكيف كان ينام هو، وكل أفراد عائلته في غرفةٍ واحدةٍ فقط، قال يحكي بألم كيف كان كُلما سعُل في الليل تسبب سُعاله في سلب النوم من أمه التي كانت دائماً تنهض لتطمئن عليه، وتتأكد أنه بخير، وأنها بدورها كُلما سعُلت يسارع أبوه أو أخوه الصغير لإحضار الماء لها، قال بحزن «كبرت وحققت النجاح وأصبح لدي الكثير من المال، فبنيت جداراً بيني وبين أمي، وأصبحت أمي تمتلك غرفة خاصة بها تنام فيها هانئة بلا صوت سُعالي المزعج طوال الليل، لكن ما حدث أنها في أحد الأيام سعُلت كثيراً وتوفاها الله ولم أعي ما حدث لها إلا في الصباح، قال بحسرة «لو أنني لم ابنِ تلك الجدران لكنت سمعتها وسارعت بأخذها إلى المستشفى، الجدران منحتنا الخصوصية، وحرمتنا أنفاسنا المشتركة» قال بقلبٍ يعتصرهُ الألم «تلك الجداران قتلت أمي».أثرت قصته بي كثيراً، واستوقفتني تلك الكلمات التي كان ينطقها بألم وعينين تملؤهما الدموع، تذكرت كم من المرات كنا نحاول أن نتسلق السلم، فنسقط على الأرض بدل أن نرتقي؛ لأننا أخطأنا عد السلالم، كم مرة ظننا أننا نبني طريقنا نحو تحقيق أحلامنا ونحن في واقع الأمر كنا نبني حواجز تمنعنا من تحقيقها، كم مرة سمعنا النداء، لكننا آثرنا الصمت ظناً منا أننا في الطريق الصحيح، في حين كنا نمشي طريقاً مظلماً مليئاً بالعثرات، نظن أننا على صواب، ونكتشف بعد حين أننا كنا على خطأ.نقف كثيراً حائرين لا نعرف هل نفتح الباب، أو نتركه مغلقاً، وعلى مقدار ما شعرنا من ألم في السابق تتغير قناعاتنا، على سبيل المثال نحن قد نتعرض للكثير من المواقف المؤلمة، ولتلافي الوقوع في الخطأ نلجأ إلى العزلة التي نظن أنها ستحمينا من أن نتعرض لنفس الشعور، لا ندرك إلا بعد فوات الأوان إن قرار العزلة كان حاجزاً لا جسراً، أو كمن يفرح بتلقيه عرض عمل في دولة بعيدة فيغادر أرضه وأهله ظناً منه أنه بذلك سيبني لهم بيتاً وسوراً وحديقة، فيعود بعد سنوات يبحث عن ذلك المنزل فلا يجد من أثره إلا الجدران، ولا يشم من رائحة الحديقة إلا التراب.وفي حياتنا اليومية تأخذنا العاطفة غالباً، وتسيطر على قراراتنا، نغلق باب العقل، ونرتكز على هفوات القلب رغبةً منا في العيش برغد وسلام وطمأنينة نتغافل عن تلك الرسائل الصغيرة، إنها في الغالب رسائل الله لنا بضرورة التأني ليس كل ما هو متاح مقبول قد يتوفر الطعام في الوقت الذي أكون فيه ممتلئاً، وقد ينتهي عندما أجوع.الخلاصة: كثيرة هي الطرقات التي مشيناها ونحن نظن فيها أننا كنا على صواب، في حين أننا كنا على خطأ، دفعتنا رغباتنا في أن نحصل سريعاً على النجاح والمال والشهرة والاستقلالية نحوها، بلا تفكير منا مشيناها لم نتيقظ ولم نسمع نداءات التحذير أغمضنا أعيننا، ولم نقرأ تلك اللافتات التي حذرتنا مراراً أننا أمام جدران ستموت خلفها أحلامنا.


البلاد البحرينية
منذ 19 ساعات
- البلاد البحرينية
وفاة الفنانة السورية فدوى محسن نجمة باب الحارة
ودعت الساحة الفنية السورية مساء الإثنين إحدى أبرز أيقوناتها، الفنانة فدوى محسن، التي رحلت عن عمر ناهز 84 عامًا، مخلفة إرثًا فنيًا امتد لعقود طويلة، شكّل خلالها حضورها علامة فارقة في المسرح والتلفزيون والسينما. وقد أعلن عن وفاتها نقابة الفنانين في سوريا، حيث نشرت بيانًا عبر حسابها الرسمي على فيسبوك أكدت فيها الوفاة، وجاء في البيان: "ينعي فرع دمشق لنقابة الفنانين الزميلة الفنانة القديرة فدوى محسن". فيما نعاها ابنها هامي بكار برسالة مؤثرة على حسابه على إنستغرام، وقال: "أمي في ذمة الله. الله يرحمك يا أمي.. رحتي لعند أرحم الراحمين". من هي الفنانة فدوى محسن؟ وُلدت فدوى محسن عام 1941 في مدينة دير الزور، وكانت البدايات من خشبة المسرح، تحديداً ضمن عروض "المسرح الجوال"، حيث قدمت نصوصاً عالمية كلاسيكية من بينها أعمال لشكسبير وأخرى من الموروث العربي، وهي المرحلة التي شكّلت مدرسة حقيقية لصقل أدائها الفني. واصلت الفنانة فدوى محسن تقديم المزيد من الأعمال المسرحية الخالدة، ومنها الملك لير، والزير سالم، لتنتقل بعدها إلى عالم التلفزيون. في عام 1992، دخلت فدوى محسن البيوت السورية والعربية عبر الشاشة الصغيرة بمشاركتها في مسلسل "طرابيش"، لتتوالى بعد ذلك أعمالها الغنية والمتنوعة. خلال مسيرتها التلفزيونية، تنقلت الفنانة الراحلة بين الأعمال الكوميدية والتراجيدية وبين الاجتماعي والتاريخي، ولعل أبرز أدوارها وأكثرها شهرة شخصية "أم أبراهيم" في مسلسل باب الحارة، وقدمت فيه شخصية الأم الدمشقية الأصيلة. محطات فنية أخرى عزّزت من مكانتها في الدراما السورية، من بينها: "ما ملكت أيمانكم"، "قلوب صغيرة"، "العبابيد"، "أبناء القهر"، "عودة غوار"، "صرخة روح"، "درب التبان"، "كوابيس منتصف الليل"، و"بقايا صور". ولم تقتصر مسيرتها على الشاشة الصغيرة، فقد اقتحمت السينما أيضاً بأدوار مؤثرة، نذكر منها فيلم "رد القضاء – سجن حلب" عام 2016، وفيلم "أمينة" عام ، وأعمال أخرى. تميّزت فدوى محسن بوجهها الهادئ، وحضورها الوقور، وصوتها الذي كان يحمل شيئاً من الحنين الدافئ. وكانت تتقن لهجات متعددة، وهو ما منحها قدرة استثنائية على تجسيد شخصيات تنتمي إلى مختلف البيئات السورية، ما جعلها مقربة من جميع أطياف الجمهور. انضمت الراحلة إلى نقابة الفنانين السوريين عام 1975، وظلت فاعلة في الحراك الفني لسنوات طويلة، رغم فترات الانقطاع التي فرضتها ظروف صحية وشخصية. تم نشر هذا المقال على موقع