logo
حديث الجمعة : (( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذّكّرون ))

حديث الجمعة : (( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذّكّرون ))

وجدة سيتي١٢-٠٤-٢٠٢٥

حديث الجمعة : (( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذّكّرون ))
من المعلوم أن الله تعالى تعبّد عباده بأوامر ونواه كي يستقيم معاشهم في حياتهم الدنيا ، ويفوزوا بالنعيم المقيم في آخرتهم . ولقد تعددت في الذكر الحكيم أوامره ونواهيه جل شأنه ، وعلى قدر ائتمار العباد بتلك الأوامر ،وانتهائهم عن تلك النواهي ، تتحقق استقامتهم على صراطه المستقيم ، وتتحقق عبوديتهم له ، كما تتحقق كرامتهم الإنسانية التي تفضل بها عليهم ، وفضلهم بها على كثير ممن خلق تفضيلا .
ومما ورد في الذكر الحكيم من أوامر ونواه قوله عز وجل في الآية الثانية والخمسين بعد المائة من سورة الأنعام إذ قال :
((ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذّكّرون))
ففي هذه الآية الكريمة تقدم نهي هو : (( لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن )) على ثلاثة أوامر هي : » أوفوا الكيل والميزان بالقسط )) ، و ((إذا قلتم فاعدلوا )) ، و (( وبعهد الله أوفوا )) . والملاحظ أن النهي والأوامر الثلاثة التالية له في هذه الآية الكريمة تتقاطع فيما بينها ، بحيث يفيد النهي عن تضييع مال اليتيم بالضرورة أمرا بالمحافظة عليه إلى غاية بلوغه رشده ، ويؤكد ذلك قوله تعالى : ((إلا بالتي هي أحسن)) ، علما بأن الأحسن إنما هو تنمية مال اليتيم عوض تخزينه أو تجميده كما جاء في كتب التفسير . وتوحي الأوامر أيضا بنواه ، ذلك أن الأمر بتوفية الكيل والميزان بالقسط يفيد بالضرورة نهيا عن إخسارهما ، كما أن الأمر بالعدل في القول يفيد بالضرورة نهيا عن الظلم فيه ،والأمر بالوفاء بالعهد يفيد كذلك بالضرورة نهيا عن نقضه ، وهذا من بلاغة القرآن الكريم .
ومن الملاحظ أيضا أن نهي هذه الآية الكريمة ، وأوامرها الثلاثة فضلا عن تقاطعها ، ودلالة بعضها على بعض بالضرورة ،يربط بينها رابط العدل الذي خص به القول ،ذلك أن الانتهاء عن تضييع مال اليتيم عدل ، و توفية الكيل والميزان بالقسط عدل ، كما أن الوفاء بالعهد عدل . ولما كان في هذه الآية الكريمة نهي الله تعالى وأوامره الثلاثة كل منها متعلق بمعاملات ، فإن تحققها يكون مسبوقا لزاما بنية تسد مسد القول ،ذلك أن الكفيل أوالوصي على اليتيم يكون في حكم المتعهد قولا بالعدل في صيانة ماله حتى يبلغ أشده ، والوازن بالكيل والميزان يكون في حكم المتعهد بالعدل في التوفية فيهما ، والموفي بالعهد يكون في حكم المتعهد بالعدل فيه ، ولهذا كان مدار هذه الآية الكريمة حول العدل ، وقد استأثر به القول .
والعدل في القول يفيد الحق والصدق ، وبه ينتفي الباطل والكذب . ولما وجدت أحوال عديدة في حياة الناس من شأنها أن تحول دون تحقق العدل في القول فيها ، فقد ذكر منها الله تبارك وتعالى أخطر الأحوال التي تهدد تحققه ، وهي علاقة القرابة التي تُغلَّب فيها العاطفة على العقل عند القول ، إذ ينحاز القائل بقوله إلى قرابته ولصالحها ، ويتنكب ذلك به عن تحقيق العدل المطلوب منه في القول . ودون هذه الحال أحوال أخرى عديدة ، تحول دون تحقق العدل في القول منها على سبيل الذكر لا الحصر الخوف من بطش المقول له و مدارته له ، أو الطمع فيما عنده من متاع الدنيا الزئل ، أو التقرب منه أوالتزلف إليه رغبة في شرف أو منصب أو مصلحة معنوية … والعادل في القول مع ذوي القرابة يجب أن يكون بالأحرى عادلا في قوله مع غيرهم . ويرتبط العدل بالقول في الأقضية ، والشهادات ، و التزكيات ، والاستشارات ، وفي مختلف المعاملات من بيوع وغيرها ….
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بأمر من أخطر الأوامر الإلهية على الإطلاق والتي تعبدهم به الله ، وهو الأمر بالعدل في القول ، وذلك في كل الأحوال ،لأن تعطيل العدل في القول يترتب عنه بالضرورة ظلم تعود مضاره وعواقبه الوخيمة على المظلومين .
وما أكثر الإخلال بهذا الأمر الإلهي في زمن الناس هذا ، وقد استهوت المسلمين قيم وأخلاق الأمم غير المسلمة ، فتشبعوا بها ، وحادوا عن تعاليم دينهم وقيمه منخدعين بما بات يسمى بالقيم الكونية ، والتي فيها كثير من الجور الصارخ في الأقوال مع سبق الإصرار على ذلك .
وأوضح مثال لهذا الجور الصارخ هو شهادة الزور التي تشهد بها بعض الكيانات الغربية لفائدة الكيان الصهيوني العنصري الذي يبيد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية إبادة جماعية لا تسكت عنها تلك إدارات تلك الكيانات المنحازة إليه كليا بل تؤيدها ، وتدعمه بالمال وسلاح الدمار الشامل كي يزداد تماديا في ظلمه وطغيانه ، وذلك في غياب تام لعدالة دولية رادعة له .
والمؤسف أن يكون في المسلمين من لا يأتمر بأمر الله تعالى بالعدل في القول عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني المضطهد ، وبمقاومته حيث فيهم من يدينها كإدانة العدو لها ، ومنهم من يحملها مسؤولية الضحايا الذين يسقطون بالعشرات يوميا منذ سبعة عشر شهرا لم يتوقف فيها العدوان الصهيوني سوى أياما معدودات من هدنة هشة سرعان ما تنكر لها العدو ، و عاد إلى عدوان أشرس من ذي قبل ، وهو يريد تحقيق هدفين إبادة أكبر عدد من أهل غزة ، وتهجير ما بقي منهم خارج أرضهم قسرا لكي يضمها إلى ما احتله واغتصبه من الوطن الفلسطيني منذ أن استنبته فيه الاحلال البريطاني البغيض سنة 1948 .
وإن الأمة المسلمة جمعاء اليوم يتعين عليها شرعا أن تعدل في القول بخصوص مأساة الشعب الفلسطيني ، وتسمي المسميات بأسمائها، ذلك أن الاحتلال احتلال ، وأن المقاومة مقاومة ،دون تتردد في ذلك ،لا تخشى سوى الله عز وجل، ولا تداري ، ولا تحابي ، ولا تبالي بتهديد كائن من كان .
ومن العدل في القول أن يخرج المسلمون في كل المعمور للتعبير عن نصرة إخوانهم المظلومين والمضطهدين في أرض الإسراء والمعراج المقدسة ، وإدانة المحتل الظالم ، والتصعيد معه مقابل تصعيده في وتيرة جرائم الإبادة الجماعية ، ثم الانتقال إلى خطوة تجفيف منابع تمويله من خلال مقاطعة كل المعاملات الاقتصادية معه ، ومع الجهات التي تدعمه ، والتي تعود أرباحها بالفائدة عليه ، فيزداد بذلك بطشا وفتكا بالأبرياء من رضع ، وأطفال ، ونساء، وشيوخ ،وعجزة ، ومرضى ، وحصارا وتجويعا ، وتهجيرا قسرا لهم خارج أرضهم .
ولتعلم الأمة المسلمة فرادى وجماعات أنها ستواجه لا محالة بين يدي خالقها سبحانه وتعالى يوم العرض عليه سؤالا عن طاعة وعبادة العدل التي تعبدها بها ، وقد خاب يومئذ من حمل ظلم القول .
وإنه في طليعة من سيسألون عن هذه الطاعة أولئك الذين انتدبهم الله سبحانه وتعالى للعدل في القول ، والصدع بالحق ، وهم أهل العلم والمشتغلون بالدعوة إليه دينه وشرعه من خطباء ووعاظ . وفضلا عن هؤلاء لا بد للمفكرين أن يضطلعوا أيضا بدورهم في عدل القول ، ومعهم الحقوقيون ، والإعلاميون ، وكل مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات، وهيئات ،ومنظمات ، وأحزاب سياسية ، ونقابات …
وإذا كان الله تعالى قد اشترط العدل في القول وإن تعلق الأمر بذوي القربي ، فلا عذر لتعطيل العدل في القول مع من هم دونهم قرابة مهما كانوا.
اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى العدل والسداد في القول ، واجعلنا اللهم ممن لا يخشون أحدا في القيام بما أوجبت من عدل في القول سواك . واجعل اللهم أفضل جهادنا فيك عدلا في القول.
اللهم إنا نسألك بعزتك التي لا ترام ، وكنفك الذي لا يضام أن تعز من أعز دينك ، وتذل من رام إذلال عبادك المؤمنين . اللهم عجل للمستضعفين في أرضك المقدسة بفرج قريب من عندك ، وبنصر مؤزر ، وافرغ اللهم على المجاهدين في سبيلك صبرا جميلا ، وثبت أقدامهم ، وسدد رميهم ، وامددهم بمددك وعونك وجندك الخفي ، واحفظهم اللهم من بين أيديهم، ومن خلقهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، ومن تحت أرجلهم ،ومن فوقهم، ولا تجعل اللهم لأعدائهم عليهم سبيلا.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حكاية الحاج عامر القذافي… لما رفضت الطائرة أن تطير دونه!
حكاية الحاج عامر القذافي… لما رفضت الطائرة أن تطير دونه!

أكادير 24

timeمنذ 2 ساعات

  • أكادير 24

حكاية الحاج عامر القذافي… لما رفضت الطائرة أن تطير دونه!

agadir24 – أكادير24 عاشت طائرة متجهة إلى الأراضي المقدسة من مطار سبها الليبي لحظات درامية غير مألوفة، بعدما عادت مرتين إلى نقطة الانطلاق، وكأنها أبت أن تقلع دون أحد حجاجها، الحاج عامر القذافي، الذي تخلّفت عنه الرحلة بسبب خطأ في المعطيات الأمنية. فوجئ الحاج عامر، وهو يستعد لأداء مناسك الحج، بمنعه من الصعود إلى الطائرة بسبب خلل تقني في اسمه ضمن قاعدة بيانات المنظومة الأمنية بالمطار، مما اضطر الطائرة إلى الإقلاع بدونه، وسط حالة من الحزن خيّمت عليه. لكن القدر تدخّل بطريقة مدهشة، إذ اضطرت الطائرة للعودة إلى مطار سبها بعد دقائق فقط من إقلاعها، نتيجة عطل في نظام التكييف، ما أعاد الأمل للحاج عامر في إمكانية تصحيح وضعيته الأمنية والالتحاق بالرحلة. وبينما سارع الرجل إلى التواصل مع الجهات المختصة لإصلاح الخلل، أقلعت الطائرة مرة أخرى بعد إصلاح العطب، دون أن يتمكن من اللحاق بها، ظانًا أن الفرصة ضاعت مجددًا. غير أن المفاجأة الكبرى حدثت عندما عادت الطائرة ثانية للسبب ذاته، ما أحدث صدمة ودهشة بين الركاب وموظفي المطار، خاصة وأن العطل نفسه أعاد الرحلة مجددًا إلى نقطة الصفر. استغل الحاج عامر الفرصة هذه المرة، وبعد محاولات مكثفة، تمكن من تسوية وضعيته الأمنية، ليصعد إلى الطائرة في النهاية، وسط ترحيب من الركاب والمضيفين، وهو يبتسم ويقول: 'سبحان الله… كأنها طائرة لا ترضى أن تطير دوني!' خلّفت هذه القصة الإنسانية صدى واسعًا في ليبيا وخارجها، حيث تناقلها الناس على مواقع التواصل، باعتبارها واحدة من أغرب المصادفات، التي يرى فيها كثيرون لمسة من اللطف الإلهي في موسم روحاني مميز.

إن الله يحب التوابين
إن الله يحب التوابين

أخبارنا

timeمنذ يوم واحد

  • أخبارنا

إن الله يحب التوابين

خلق الله الخلق وهو أعلم بحالهم، وعلم فيما علم أنهم يذنبون ويخطئون، وأنه لا يخلو أحد من ذنب كما جاء في الحديث: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ)[رواه أحمد والترمذي وابن ماجه]، وفي الحديث الآخر في صحيح مسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ). فلما كان هذا حال العباد، رغبهم الله تعالى في التوبة، وفتح لهم بابها، ودعاهم إليها.. مهما عظم ذنبهم، وزاد خطؤهم، وكثرت مخالفاتهم، فرحمة الله واسعة لا تضيق عن ذنب، وعفو الله يشمل كل خطيئة ـ مهما زادت وكثرت، أو جلت وعظمت ـ فهو القائل سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53]، وفي حديث أبي موسى الأشعري، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يَبسُط يدَه باللَّيل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويَبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ اللَّيل، حتَّى تطلع الشَّمسُ من مغرِبها)[رواه مسلم]. كثرة الفتن وزماننا هذا الذي نعيشه زمان فتن، تيسرت فيه أسبابها، وفتحت فيه أبوابها، وسهل على الناس الوصول إليها، مع تسلط أهل الباطل وأتباع إبليس وجند الشيطان على عباد الله، سعيا في إضلالهم عن الحق، وإغوائهم عن الأخلاق والفضائل، ودعوتهم للقبائح والرذائل. وزاد الطين بلة وجودُ وسائل التواصل التي فتحت الباب أما كل ساقط وفاجر وفاسق وداعر، لينشر فسقه وفجوره، بعد أن كان مخفيا عن الناس، فطغت وكثرت بسبب ذلك الفواحش، وانتشرت المقاطع، ودخلت على الناس بيوتهم ومخادعهم، واخترقت الأسماع والأبصار، ونفدت إلى القلوب، فلا يكاد أحد ينجو، وإنما الأمر يتفاوت بين مقل ومكثر، والمعصوم من عصم الله. والله سبحانه من رحمته بعباده، ولطفه بخلقه، وعلمه بضعفهم وعجزهم أزال عنهم كل حاجز يحجزهم عن التوبة حتى يغرغروا وتبلغ الروح الحلقوم، أو تطلع الشمس من مغربها.. (إنَّ اللَّهَ فتحَ بابًا قِبلَ المغربِ عرضُهُ سبعونَ عامًا للتَّوبةِ لا يُغلَقُ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ منهُ)[رواه أحمد والترمذي وصححه أحمد شاكر].. فهي في الحقيقة دعوة مفتوحة للرحمة والعفو والتوبة. محبة الله للتائبين ثم إنه سبحانه رفع عنهم وحشة البعد، وحاجب العصيان، فأخبرهم أنه يحب توبة التائبين إليه ويفرح بها كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}[البقرة:222]، وكما في الحديث في صحيح مسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ). ولم أر حديثا أكثر ترغيبا في توبة العاصين منه، فهو سبحانه ليس فقط يعرض العفو والمغفرة، وإنما يخبر أنه يفرح بهذا ويحبه، فإذا تبت وأقبلت عليه يفرح بعودتك، ويحب توبتك. إياكم والقنوط لقد نادى الله على عباده خاصة العاصين منهم المفرطين، وحذرهم من القنوط من رحمته، واليأس من عفوه ومغفرته، بل جعل هذا القنوط من الرحمة، واليأس من المغفرة أعظمَ من كل ذنب عملوه، فقال: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ}[الحجر:56]، وقال: {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف:87]. فكأنه يقول لهم: إن رحمتى أوسع من كل ذنب فعلتموه، وأكبر من أي قبح ارتكبتموه.. وما عليكم إلا أن ترجعوا إلى وتتوبوا إلى وأنا أقبل توبتكم وأحمد رجعتكم. لكل عاص أو مذنب استكثر ذنبه أو استعظمه، قد نادى عليك الله: (يا ابنَ آدمَ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكْ بِيْ شَيْئَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً)[المسند، وصحيح الترمذي]. وفي الحديث القدسي الآخر: (يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)[صحيح مسلم]. العودة للذنب بعد التوبة والعبد قد يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة مستلزمة لشروطها، ثم يستهويه الشيطان، ويغلبه الهوى فيعود لذنبه، فربما وسوس له الشيطان أن هذا تلاعب واستهزاء، وأن الله لا يقبل توبة مثل هذا، وإنما يريد أن يمنعه من العودة، ويقطع عليه طريق الرجوع، ويسد عليه باب التوبة فيهلك.. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع على الشيطان طريقه، وأوضح للعبد سبيله، ودعاه إلى مداومة التوبة مهما تاب وعاد، ومهما أقلع ورجع، فالباب مفتوح.. فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة قال: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي). أي أن العبد الذي يرتكب المعصية ثم يتوب توبة نصوحا عازما على عدم العودة، لكنه تزل قدمه ويقع مرة أخرى في الذنب، عليه أن يجدد التوبة، والله يتقبل منه ويغفر له بشرط أن تكون التوبة صادقة، وألا تكون مجرد تظاهر بذلك. وقد قيل للحسن: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟، فقال: "ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار". فعلى العبد أن يحسن ظنه بربه، وأن يتضرع إليه سبحانه أن يغفر له، ويتقبل منه، ويتوب عليه.. اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين.

حديث الجمعة : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ))
حديث الجمعة : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ))

وجدة سيتي

timeمنذ يوم واحد

  • وجدة سيتي

حديث الجمعة : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ))

حديث الجمعة : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) من المعلوم أن تصنيف الله عز وجل لعباده في القرآن الكريم، يقوم على أساس طبيعة صلتهم به . وهم باعتبار ذلك أصناف ثلاثة: إما مؤمنون به أو كافرون أو منافقون يبطنون كفرهم ، ويظهرون إيمانهم يخادعون بذلك المؤمنين، ويتوددون به إلى الكافرين ، وهم بذلك شر من هؤلاء . ولقد فصّل سبحانه تعالى في وصف ظاهر وباطن كل صنف من خلال سرد أحوالهم ، وأفعالهم ، وأقوالهم،ومواقفهم ، و ما تكون عليه مصائرهم الأخروية ، وذلك في سياق المقارنة بينهم . ومما شملته هذه المقارنة طبيعة العلاقة بين أفراد كل صنف داخل دائرة الإيمان أو دائرة الكفر والنفاق . ولقد جعل سبحانه الولاء جزءا من هذه العلاقة ، وهو لفظة من دلالاتها المحبة ، والقرابة ، والنصرة ، والإخلاص ، والتعاون … أما الولاء داخل دائرة الإيمان، فقد حدده الله تعالى في الآيتين الواحدة والسبعين والثانية والسبعين من سورة التوبة حيث قال : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم )) . وأما العلاقة داخل دائرة الكفر والنفاق فقد حددها في الآيتين السابعة والستين ، والثامنة والستين من نفس السورة بقوله تعالى : (( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم )). لقد قابل الله عز وجل في هذه الآيات الأربع بين المؤمنين والمؤمنات من جهة وبين المنافقين والمنافقات من جهة أخرى . وأول ما يلاحظ أنه سبحانه وتعالى ذكر الجنسين معا في كل فئة حيث تقاسم أهل الإيمان محمدة ، بينما تقاسم أهل النفاق مثلبة . فإذا كان بين المؤمنين والمؤمنات ولاء بما له من دلالات على المحبة، والقرابة ، والنصرة ، والإخلاص … وهو ما يدل على وجود آصرة قوية بينهم مردها الولاء الذي مصدره ومعينه الإسلام الذي يتقاسمونه، وهو عروتهم الوثقى التي لا انفصام لها ، وهو ولاء هم فيه سواسية ينهلونه من نفس النبع، لا يفرق بينهم جنس ، فإنه لا ولاء بين المنافقين والمنافقات لغياب مصدره أو منهله عندهم ، ذلك لأنهم في سرهم على ملة الكفر ، وفي علانيتهم يدعون الإسلام كذبا وزورا، وهذا تناقض صارخ إذ كيف يكون للمنافقين والمنافقات ولاء وهم على هذه الحال ، وعروتهم منفصمة ، وهم هالكون جميعا تابعهم ومتبوعه ، ذكورهم وإناثهم. ويفصل الله تعالى بعد ذلك في ما يغذي الولاء بين المؤمنين والمؤمنات ،فهو أولا اجتماعهم على الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ،وهم يقتبسون هذه السجية من مداومتهم لإقامة الصلاة التي هي عماد الدين ، حيث يجتمعون لأدائها خمس مرات في اليوم في حيز واحد هو بيت الله عز وجل، يستعرضون فيها هديه باستمرار، وهي بذلك محضن الاستقامة والهداية ، ومحضن المحبة بينهم ، وهي محبة تزداد قوة أيضا بإيتائهم الزكاة المحطمة لكل الفوارق المادية بينهم ،والواقية لشح أنفسهم، وهم في ذلك مطيعون لربهم سبحانه وتعالى، ولرسوله ائتمارا وانتهاء ،علما بأنهم لا يأمرون بمعروف إلا وهم مؤتمرون به ، ولا ينهون عن منكر إلا وهم منتهون عنه ، وتلك هي حقيقة طاعتهم . وتأتيهم البشارة السعيدة بعد ذلك وهي رحمة الله تعالى ، مع الخلد في جنات تجري من تحتها الأنهار في مساكن طيبة ،ورضوان منه ،الذي هو أكبر ما في بشارة ، وهو فوز عظيم . ويفصل الله تعالى فيما يغذي نفاق المنافقين والمنافقات ، فهو أولا أمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف ، ولا يأمر بمنكر إلا متورط فيه ، ولا ينهى عن معروف إلا ممتنع عنه . ولم يذكر الله تعالى إقامتهم للصلاة، لأنهم لم تكن لهم أصلا صلاة صحيحة ، وإن كانوا يحضرونها مع المؤمنين والمؤمنات في المساجد ، وذكر قبض أيديهم كناية عن شحهم وبخلهم ، فأنى يكون لهؤلاء محضن محبة بينهم ،وهم على هذه الحال التي سماها الله تعالى نسيانا منهم له ، ود جلب عليهم نسيانه لهم ، وحازوا وسم الفسوق، وهو الخروج عن شرع الله تعالى في كل أحوالهم ؟ وجاءهم وعيد الله تعالى، وهو الخلد في نار جهنم مع الكافرين، وهي حسبهم مع عذاب مقيم فيها مع لعنة لا تنفك عنهم أبدا ، ومن يلعن الله فلا نصير له . مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بنعمة الولاء الحاصل بسبب رابطة الإيمان والإسلام ، وتحذيرهم من الوقوع في آفة النفاق ،لأن الله تعالى لم يقتصر ذكره للمنافقين والمنافقات على أولئك الذين عاصروا البعثة النبوية، بل ذكرهم كنماذج متكررة عبر الزمان إلى قيام الساعة ، وتلك أحوالهم السيئة يومئذ تنبيها لمن يأتي بعدهم من المؤمنين كي لا يسقطوا فيها أو يتلبسوا بها سواء عن كان ذلك عن غفلة منهم أو عن وعي، وقصد، وسبق إصرار، كما أنه لم يقتصر ذكر أحوال المؤمنين والمؤمنات ممن عاصروا البعثة النبوية ، بل ذكرهم كي يُقتدى ويُتأسى بهم في كل عصر إلى قيام الساعة . ومن شاء اليوم من المؤمنين والمؤمنات أن يقيس مسافة القرب بينه وبين أحوال أهل الإيمان، فليعرض نفسه على ما وصفهم به الله تعالى من أمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وإقامة للصلاة ،وإيتاء للزكاة ، وطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، مع صدق النية والقول والفعل في كل ذلك ، والحذر من الرياء المفضي إلى النفاق . ومن شاء من المؤمنين والمؤمنات أن يقيس مسافة البعد بينه وبين أهل النفاق ، فلينظر مدى حذره مما وصفهم به الله تعالى من نهي عن المعروف، وأمر بالمنكر ، وشح، ومعصية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مع سبق الإصرار على الفسوق . ولقد وضع الله تعالى بين أيدي المؤمنين والمؤمنات معايير قياس درجة الإيمان ، ودرجة النفاق ، ولا عذرلأحد منهم إن لم يتحقق من توفره على ما يتحقق به الإيمان من صفات وأقوال وأعمال ، وما ينبغي عليه أن يتنكبه من صفات مفضية إلى آفة النفاق . وإننا في هذا الزمان لنواجه صراعا مريرا تدور رحاه بين أهل الإيمان وأهل الكفر ، وقد تخندق مع هؤلاء أهل النفاق ،وهم يسوقون قيم الكفر بيننا ، يأمرون بمنكرهم ، وينهون عن معروف أهل الإيمان ، ويتجلى ذلك بكل وضوح في دعوات البعض إلى كفرهم البواح الذي تشهد به عليهم ألسنتهم ، وكتاباتهم وما يخطون، وإلى فسوقهم الصراح الهادم لصرح العفة سمو القيم والأخلاق ، وإلى مطاعمهم ومشاربهم الحرام ، وإلى بخلهم المُشاع الذي يجعل الهوة سحيقة بين محاويج وأثرياء… إلى غير ذلك مما يسوق من أحوال الكافرين في بلاد الإسلام على أنه من القيم الإنسانية الراقية والحضارية على ما فيها من انحدار إلى الدرك الأسفل من السوء . ولقد فتن كثير من المؤمنين والمؤمنات بهذا الذي يسوقه بينهم منافقون ومنافقات من أحوال الكافرين والكافرات عن جهل وغفلة ،فيضيع بسبب انبهارهم بهم إيمانهم وهم لا يشعرون، ويزيدهم بعدا عنه أن الكافرين يوحون إلى المنافقين الموالين لهم، والذين الذين يعيشون بين ظهرانيهم إلى تشكيكهم في صدق أهل الإيمان ،والنفور منهم لصرفهم عنهم ، وسوقهم إلى مهاوي الهلاك ، وإنها لتصدق على زماننا هذا نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : » سيأتي على الناس سنوات خدّاعات ، يُصدَّق فيه الكاذب ، ويُكذَّب الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخوّن فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل وما الرويبضة ، قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة » . اللهم لطفك بنا يا رب العالمين ، اللهم إنا نعوذ بك مما كان يتعوذ منه رسولك الكريم عليه الصلاة والسلام من شقاق، ونفاق ، ومن سوء الأخلاق . اللهم إن لك عبادا قد ظلموا في أرضك المقدسة ،وما حُوصروا ، وما جُوِّعوا، وما عُطِّشوا ، وما دُمرت مساكنهم فوق روؤسهم ، وما قُتِّلوا تقتيلا ، وما أُبيدوا إبادة منكرة جماعية إلا لأنهم مؤمنون ومؤمنات يوحدونك ، وقد رفضوا أن يظل مسجدك الأقصى معرضا للتدنيس ، ومهددا بالتدمير والزوال ، وقد شاءت إرادتك أن تمحصهم ببلاء عظيم ، وقد أظهروا صبرا وجلدا، وأنت أعلم بهم ، ولا نزكيهم عليك ، اللهم عجل لهم بفرج من عندك ، فقد تخلى عنهم الأقارب والأباعد، ولا مولى لهم إلا أنت ، اللهم أرهم في عدوهم يوما أسود كأيام عاد، وثمود ،وفرعون، وكل الطغاة الهالكين الغابرين من الظالمين. والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store