logo
شبح "الرجال الخضر الصغار" يخيم على دول البلطيق

شبح "الرجال الخضر الصغار" يخيم على دول البلطيق

الجزيرةمنذ 6 أيام

في عام 2016، قدم المخرج البريطاني غابرييل رانج فيلما وثائقيا صوَّر فيه سيناريو تخيليا لانتفاضة الأقلية الناطقة بالروسية في مدينة دوغافبيلس اللاتفية، بدعم من الكرملين، نتيجة سياسات التمييز الحكومي ضدهم، لتستخدم روسيا ذلك كذريعة لغزو لاتفيا.
استند الفيلم في بنائه الدرامي إلى سيناريو خيالي جاء بعد عامين فقط من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ذات الغالبية الروسية، وقبل الاجتياح الروسي الواسع للأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط 2022 وضم نحو 20% من مساحتها حيث تعيش غالبية ناطقة باللغة الروسية.
واليوم، يتصاعد القلق في دوغافبيلس، ومدينة نارفا في إستونيا ، ومناطق أخرى في ليتوانيا ، من سيناريو حقيقي فوق أراضيها غير بعيد عما تكهن به غابرييل رانج في الفيلم الوثائقي "حرب عالمية ثالثة: داخل غرفة الحرب".
ولا تنحصر دوافع القلق تلك في مساعي إحياء الماضي السوفياتي أو في سعي موسكو لتوسيع رقعة الحرب في أوكرانيا واعتمادها سوابق تاريخية في المنطقة، بل تتعزز أيضا بفعل المناورات العسكرية الروسية-البيلاروسية المشتركة، وما يصاحبها من حشد مبكر، فضلا عن تزايد المخاوف بشأن "ممر سوالكي" الإستراتيجي.
نفوذ عبر "الشتات الروسي"
رغم مرور عقود على تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، ما تزال موسكو تنظر إلى "تالين" و"ريغا" و"فيلنيوس" كجزء من الحديقة الخلفية، لكن وبحكم الجغرافيا والتاريخ لا تملك دول البلطيق خيار القطيعة الكاملة مع روسيا.
وتحتل الدول الثلاثة مكانة استثنائية بالنسبة لدائرة النفوذ الروسي لكونها من جهة إحدى دول الجوار المرتبط بالحزام السوفياتي القديم ومن جهة أخرى تمثل اليوم جزءا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي وما يطلق عليها من قبل الكرملين بـ"الغرب الجماعي".
وتتنوع مظاهر النفوذ الروسي في المنطقة بين إستراتيجية الضغط والتأثير في المجالات العسكرية والاقتصادية والإعلامية والإنسانية، ليشمل على وجه الخصوص الأقليات الناطقة بالروسية، وهو ما ينسحب على دول البلطيق.
ويظهر هذا النفوذ عبر أحزاب سياسية -مثل "الاتحاد الروسي" و"الحزب الاشتراكي الديمقراطي" (هارموني) في لاتفيا، بالإضافة إلى حزب "الوسط الإستوني"- التي تقدم نفسها كخط الدفاع الأول عن الأقليات الناطقة بالروسية وعن الثقافة الروسية بشكل عام.
وتشير بيانات -جمعتها الجزيرة نت من عدة مصادر بحثية- إلى أن نسبة الأقليات الروسية من بين السكان في إستونيا ولاتفيا تعد أكثر من 24%، بينما لا تتعدى نسبة 5.6% في ليتوانيا، كما تعتبر الروسية اللغة الأولى لـ30% من سكان إستونيا و34% من سكان لاتفيا.
لكن الحضور الروسي كان طاغيا بشكل أكبر في إقليم دوغافبيلس في لاتفيا، الذي ينحدر 50% من سكانه من أصول روسية، وتمثل الروسية اللغة الأم لـ75% من سكان هذه المنطقة التي تشهد من حين لآخر توترا، كما تمثل مسرحا للدعاية الروسية.
في كتابه "الهوية الوطنية الروسية والسياسة الخارجية"، يربط عالم السياسة الروسي إيغور زفيليف علاقة موسكو الوثيقة بجوارها من دول البلطيق بالشتات الروسي أو "العالم الروسي" الذي يقوم على فكرة الهوية الذاتية كما يراها فلاديمير بوتين ، وهو مجال النفوذ الثقافي واللغوي العابر للحدود الجغرافية والعرقية الروسية.
لكن من الناحية السياسية والأمنية، فإن الفكرة السائدة وفق زفيليف، هي جعل هذا الفضاء ما بعد الحقبة السوفياتية منطقة عازلة، ونظريا يمثل ممر "سوالكي" تجسيدا ممكنا لهذه الفكرة.
"سوالكي".. ثغرة الناتو في أوروبا
بالمقارنة مع دولتي إستونيا ولاتفيا، فإن ليتوانيا تعد الدولة الأقل ارتباطا بروسيا من بين دول البلطيق من حيث التركيبة الديمغرافية ومن ثم أيضا التأثير السياسي، حيث لا يمثل الناطقون بالروسية قاعدة انتخابية مؤثرة.
لكن خبراء يرون أن التهديد الروسي الرئيسي يتمثل في الخطر العسكري القادم من جيب كالينينغراد المجاور، وهو ما تؤكد عليه أيضا إدارة أمن الدولة في ليتوانيا في تقرير لها نشر في مارس/آذار عام 2023.
وجغرافيا، ترتبط منطقة كالينينغراد وبيلاروسيا بممر "سوالكي" الذي يبلغ طوله 65 كيلومترا وتقل فيه نسبة السكان، وهو يمثل في الوقت نفسه الحدود الفاصلة بين ليتوانيا وبولندا.
وتعني فرضية استيلاء روسيا على هذا الممر بكل بساطة فصل دول البلطيق تماما عن الاتحاد الأوروبي.
وتنقل مجلة "إكسبراس" الفرنسية في تقرير لها عن الجنرال بن هودجز الذي عمل قائدا سابقا للقوات الأميركية في أوروبا، أنه يتعين على أعضاء حلف الناتو الإدراك أن جميع نقاط ضعف إستراتيجية الناتو ووضعه العسكري تتجمع في ممر سوالكي، ومن هنا فإن القوات الروسية تهدد السلامة الإقليمية للحلف بأكمله.
يمثل هذا الممر الإستراتيجي ذو الأهمية البالغة مصدر توتر محتمل في المستقبل، ويعود ذلك إلى قرار اتخذته ليتوانيا عام 2022 على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية ، بمنع عبور البضائع الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي عبر أراضيها إلى مقاطعة كالينينغراد الروسية، وهو ما اعتبرته موسكو خطوة غير قانونية وحصارا للمقاطعة كما حذرت ليتوانيا من تبعاته الخطيرة وتعهدت برد عليه.
وينظر الآن الى حشد القوات الروسية في بيلاروسيا كتهديد مباشر لليتوانيا وباقي دول البلطيق.
ماذا يحدث في بيلاروسيا؟
يقوم الكرملين بحشد قواته في بيلاروسيا تمهيدا لمناورات "زاباد 2025" المشتركة مع جارتها وحليفتها، وتجرى هذه التدريبات كل 4 سنوات منذ عام 2009. وفي آخر تدريب شارك أكثر من 200 ألف جندي، وكانت المناورات الأكبر منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
وقد أعقب التدريبات الأخيرة اجتياح الجيش الروسي لأوكرانيا، لذلك تثير هذه التعزيزات العسكرية على مقربة من حدود حلف الناتو المخاوف من عدوان محتمل في المستقبل قد يشمل بولندا أو دول البلطيق، ولا سيما ليتوانيا.
وبحسب المحلل المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، بيتر سوتشو، فإن هناك عدة مؤشرات ميدانية تشير إلى تحرك عسكري محتمل. وقد أوردت مجلة "ناشونال إنتريست" هذه المؤشرات في النقاط التالية:
رفعت موسكو إنفاقها الدفاعي إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 3.6% قبل أن تشن غزوها لأوكرانيا قبل أكثر من 3 سنوات.
زاد المجمع الصناعي العسكري الروسي من وتيرة الإنتاج، ووسع خطوط التصنيع، كما افتتح منشآت جديدة.
الحشد العسكري الروسي لا يقتصر على بيلاروسيا، بل تعمل موسكو على توسيعه على الحدود مع فنلندا، العضو في حلف الناتو.
تسارع وتيرة التوسع بشكل ملحوظ لا سيما في منطقة القيادة العسكرية في لينينغراد على حدود إستونيا ولاتفيا وفنلندا.
وكانت الصحيفة حذرت نقلا عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الدانماركية في فبراير/شباط 2025 من هجوم روسي محتمل وواسع النطاق على دول البلطيق وبولندا في غضون 5 سنوات، إذا ما تراجعت قدراتها على الرد.
وقد يشمل ذلك، وفق المصدر ذاته، أنشطة شبه عسكرية في منطقة "نارفا" الحدودية شرق إستونيا، التي تضم عددا كبيرا من السكان من أصل روس، مثلما لا يستبعد خبراء أن يكون التحرك الروسي نحو منطقة دوغافبيلس في لاتفيا.
ويضع المحلل بيتر سوتشو احتمال أن يعيد الكرملين استخدام الإستراتيجية ذاتها التي اعتمدها في ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، عبر نشر قوات شبه عسكرية روسية تعرف باسم "الرجال الخضر الصغار".
الحشد المضاد
في مارس/آذار2025، أعلنت ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا بالإضافة إلى بولندا مجتمعة عن نيتها الانسحاب من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، المعروفة باسم " اتفاقية أوتاوا"، بحجة تزايد التهديدات العسكرية للدول الأعضاء في حلف الناتو والمجاورة لروسيا وبيلاروسيا، وقد انسحبت ليتوانيا ولاتفيا بالفعل من الاتفاقية.
وستعمل هذه الدول على زيادة إنتاج الألغام الأرضية، حيث من المرجح حسب المراقبين، أن تستخدم هذه الأسلحة الفتاكة على طول المناطق الحدودية التي تشهد تحصينات متزايدة.
بخلاف ذلك تسارع دول البلطيق في اتخاذ عدة قرارات من أجل الوصول الى الجاهزية الكاملة لصد أي هجوم في المستقبل.
وفي هذا السياق، أصدرت الحكومة في ليتوانيا قرارا بإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية لأول منذ عام 2008، ومن المقرر أن يبدأ العمل به العام المقبل مع زيادة عدد الشباب المدعوين إلى التدريب السنوي من 5 آلاف إلى 7 آلاف. وتريد أيضا توظيف المنظمات شبه العسكرية التطوعية مثل "اتحاد الرماة" العريق للتحايل على الكلفة المرتفعة لإعادة التسليح.
لكن ليتوانيا ستتمتع كذلك بدعم عسكري مهم يتمثل في بناء ألمانيا أول قاعدة عسكرية خارجية لها في هذا البلد، لتكون بذلك القاعدة العسكرية الأولى لألمانيا في الخارج منذ الحرب العالمية الثانية، بكلفة تعادل 1.1 مليار دولار، وفق ما ذكرت وزارة الدفاع في ليتوانيا.
ويأتي بناء القاعدة في إطار الاتفاق الألماني الليتواني في ديسمبر/كانون الأول عام 2023 الذي يقضي بنشر 4800 عسكري و200 موظف مدني ألماني كما ستضم القاعدة 2000 مركبة، حسب وزارة الدفاع الألمانية.
وفي إستونيا، اختارت الحكومة نهج الزيادة في الضرائب وتوسيعها لتشمل أيضا المتقاعدين من أجل تمويل خطط الدفاع عن البلاد، وهو ما سيوفر إيرادات بحوالي 800 مليون يورو وفق صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، ستوجه معظمها إلى القوات المسلحة، أي ما يعادل نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة مقارنة بنسبة 3.7% حاليا.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن "ضريبة الدفاع غير المسبوقة هذه، تشكل مثالا صارخا على الجهود المطلوبة للوصول إلى حالة الاستعداد للحرب".
حلف شمال أوروبا
تذهب عمليات الحشد داخل دول البلطيق إلى أبعد من ذلك مع دعوة صحيفة "آي كيو" في ليتوانيا دول البلطيق ودول الشمال الأوروبي إلى التفكير في تكوين حلف بديل عن "حلف شمال الأطلسي"، تحسبا لمواقف الإدارة الأميركية المتأرجحة والمشككة في سياسات الدفاع المشتركة.
إعلان
وترى "آي كيو" أنه في ظل الانزلاق الواضح لحلف الناتو نحو التفكك بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن الحلف الجديد الذي أطلقت عليه "حلف شمال أوروبا"، سيكون أكثر قدرة على تقييم "التهديد الروسي بشكل مناسب".
يختلف التصور المؤسس لـ"حلف شمال أوروبا" عن فكرة "التحالف الطوعي" المفتوح الذي كان دعا له وزير الخارجية البريطاني كير ستارمر في مارس/آذار الماضي من أجل حشد الدعم العسكري لحماية أوكرانيا.
يضم الحلف الجديد المقترح علاوة على دول البلطيق الثلاث، دول فنلندا والسويد والدانمارك والنرويج وبولندا وألمانيا والمملكة المتحدة، بحجم سكاني يقدر بنحو 220 مليون نسمة وبناتج محلي إجمالي يفوق 10 تريليونات دولار.
وتقول الصحيفة الليتوانية "يمكن لحلف شمال أوروبا أن يكون قدوة في مساعدة أوكرانيا وأن يصبح حلا احتياطيا في حال انهار حلف شمال الأطلسي فعليا".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

روسيا تنشر قوات قتالية وجواسيس على طول حدودها مع فنلندا
روسيا تنشر قوات قتالية وجواسيس على طول حدودها مع فنلندا

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

روسيا تنشر قوات قتالية وجواسيس على طول حدودها مع فنلندا

أظهرت صور للأقمار الصناعية نشر روسيا قوات قتالية ذات خبرة في الحرب في أوكرانيا وجواسيس على حدودها مع فنلندا، مما يُثير قلق الغرب. فوفقًا لتقرير حصري لموقع "آي بيبر" البريطاني، فإن روسيا تعزز وجودها العسكري على طول حدودها الممتدة حوالي 1290 كيلومترا مع فنلندا، العضوة المنضمة حديثًا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). ويشمل هذا التعزيز نشر مئات الجنود وخبراء استخبارات، كما كشفت صور الأقمار الصناعية عن توسع كبير في البنية التحتية الدفاعية الروسية، مثل القواعد الجوية والمعسكرات العسكرية. وفي حين يُشير الخبراء، وفقا للموقع، إلى أن الغزو الروسي الفوري غير مُرجّح، فإنهم يعتبرون هذه الإجراءات تعزيزا إستراتيجيا تدريجيا الهدف منه هو الحفاظ على الغموض حول نوايا موسكو وتحضير نقطة انطلاق محتملة لهجمات مستقبلية. وتراقب فنلندا هذه التطورات من كثب، ويقول المحلل العسكري الفنلندي إميل كاستهيلمي إن موسكو تُعدّل هيكلها الدفاعي لنشر "عشرات الآلاف" من الجنود الإضافيين. ويضيف "بطبيعة الحال، يؤثر العدد الأكبر بكثير من الجنود على البيئة الأمنية.. واحتمال نشوب حرب تقليدية منخفض نسبيًا، رغم ارتفاع التوترات"، مشيرا إلى أن "روسيا ليس لديها مخاوف أمنية مشروعة في الشمال، لأن موقف الناتو دفاعي بحت، وروسيا تُدرك ذلك، حتى وإن كانت تُروّج لرواية مختلفة في دعايتها". وأكد دبلوماسي غربي، في تصريح للموقع، أهمية هذه التحركات العسكرية، قائلا "بطريقة أو بأخرى، نرى الخطوط العريضة لموقف روسيا تجاه الناتو خارج أوكرانيا. إذا كان لدينا أفراد مؤهلون تقنيًا ينتقلون بأعداد كبيرة إلى منطقة الدفاع الجوي اللوجستي، فهذا ينسجم مع كون تلك المنطقة أولوية للكرملين ونواياه المستقبلية، مهما كانت". ويعلق الفريق فيسا فيرتانن نائب قائد القوات المسلحة الفنلندية، على نية موسكو قائلاً "نرى الآن أن روسيا تُنشئ بنية تحتية جديدة وتُرسل المزيد من القوات إلى هذه المنطقة بأسرع ما يمكن، إنهم يُعيدون تنظيم أنفسهم". وحذّر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية "آي أي إس إس" (IISS) من "فرصة هشاشة" محتملة لأوروبا، مشيرًا إلى أن روسيا قد تكون مستعدة لتُشكّل "تحدّيا عسكريا كبيرًا لحلفاء الناتو، وخاصة دول البلطيق، بحلول عام 2027". وجاء في تقريرهم "بحلول ذلك الوقت، يُمكن للقوات البرية الروسية أن تُعيد مخزوناتها من المعدات النشطة إلى سابق عهدها في فبراير/شباط 2022 من خلال الجمع بين تحديث الموجود وإنتاج أنظمة جديدة". وحدد تحليل كاستهيلمي لصور الأقمار الصناعية 7 مواقع بالقرب من فنلندا ذات بنية تحتية عسكرية مُحسّنة بما في ذلك قواعد جوية ومرافق تخزين. وخلص إلى أن "النشاط العسكري الروسي قرب فنلندا ينبغي تفسيره كرد فعل على التحول العام في الوضع الجيوسياسي في الشمال. يمكن ربط بعض هذه الأنشطة بخطط سابقة، لكن بعضها الآخر يُعد رد فعل على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو"، كما أن ثمة ما يشي بتكثيف متوقع لأنشطة روسيا في "المنطقة الرمادية" بما في ذلك التشويش المحتمل على نظام تحديد المواقع العالمي.

هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم
هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم

تنشغل مراكز البحث في الولايات المتحدة الأميركية، وفي العديد من الدول الغربية في البحث عن مكامن روسيا، خاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن ثغرات كثيرة على الضفتين؛ الروسية والغربية. فروسيا استطاعت الصمود في وجه العقوبات الغربية بصورة لم يتوقعها الغرب نفسه، في الوقت الذي تطارد فيه روسيا الآخر في كل مكان، خاصة في أفريقيا، فهل روسيا لديها تصورات وخطط لمواجهة الهيمنة الغربية والأميركية على العالم وتهديدها للمصالح الروسيّة . لكي ننطلق في هذا الموضوع، لا بدّ من قراءة التفكير الإستراتيجي لروسيا، فتصورها لذاتها هي أنها قوة عظمى استثنائية على الساحة الدولية، مدعومة بالأساطير الوطنية للتراث الأرثوذكسي مع عالَم روسي فريد من نوعه، فالسردية الروسية تذهب إلى أن مشاعر القوة العظمى لها جذور تعود إلى قرون سحيقة، جرحت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية كرامةَ هذه القوة، وامتد ذلك إلى المجال الحيوي الإستراتيجي لهذه القوة، وهو ما مسّ كبرياءها، فكان التماسّ مع الجغرافيا الروسية يهدد شعور هذه القوة بالأمن. روسيا مع الحرب الأوكرانية تمهّد إلى عالم متعدد الأقطاب قادم، لذا فهي تعتمد سياسات لتقويض الهيمنة الغربية على العالم، بعض هذه السياسات آتى أُكله، والبعض الآخر أخفق، لذا ذهبت روسيا لعدد من السياسات ترتكز على ما يلي: سعت روسيا خلال السنوات الماضية إلى الحفاظ على هيمنتها على دول الاتحاد السوفياتي السابق، فهي من وجهة نظرها مجالها الحيوي، خاصة مع وجود جاليات روسية بها تدعم النفوذ الروسي، فربطتها روسيا عبر منظمات إقليمية تربطها أمنيًا واقتصاديًا، فاستفادت روسيا من هذا في تقويض العقوبات الغربية ضدها. فدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي باتت الباب الخلفي لتقويض هذه العقوبات، ولذا نرى تركيزًا روسيًا على منظمة شنغهاي، ومجموعة البريكس؛ لتقويض الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي، مع إنهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي. يرى العديد من الخبراء الروس أن تقويض الهيمنة الأميركية على العالم، يأتي من خلال أخطاء الغرب ذاته، مثلما حدث من أخطاء قاتلة في حرب الولايات المتحدة في أفغانستان وانسحابها، وحرب غزة الأخيرة، وهو ما أدّى إلى عدم استقرار الأمن العالمي، وانعدام التعاون الدولي، وهذا ما عزّز الدعوة لمأسسة نظام عالمي جديد، والتمهيد لمرحلة ما بعد الغرب. التدخل الروسي المباشر لدعم ومساندة الموالين لها والمتوافقين معها سياسيًا، مثلما حدث في الانتخابات الرومانية الأخيرة، فضلًا عن تعزيز البعد الجيوسياسي للحملات المناهضة لتعزيز الديمقراطية والقيم الليبرالية، من هنا نرى دورًا لروسيا في دعم النخب السياسية والأحزاب المعارضة للناتو والاتحاد الأوروبي، كما تسعى روسيا إلى مفاقمة الاستقطاب السياسي والحركات الانفصالية في الدول الغربية عبر حملات التضليل. هذا ما جعل النخب الروسية تصرّح علنًا بأنّ الولايات المتحدة في حالة تراجع كقوة مهيمنة عالميًا، وأن النظام الدولي غير مستقر، ويخضع لتحول عميق، لذا هنا نرى زاوية رؤية تعتمد على أن الغرب مجزأ، وهذا ما أثبته ترامب حين وضع مصالح الولايات المتحدة أولًا حتى ولو جاء ذلك على حساب حلفاء أوروبا التقليديين مثل أوروبا الغربية واليابان، فصارت صناعة السيّارات في ألمانيا واليابان مهددة، وعلى رغم التنسيق المفرط، وتوسيع عضوية الناتو ليضم السويد وفنلندا؛ بسبب حرب أوكرانيا، فإن الغرب ذاته منقسم حول هذه الحرب. يذهب الروس إلى أن أجندة نشر الديمقراطية والليبرالية الأميركية لطالما كانت غطاء لتغييرات جذرية في العديد من الدول، فالثورات الملونة في جورجيا (2003)، وفي أوكرانيا (2004)، وفي قرغيزستان (2005)، قامت على يد شخصيات ذات ميول غربية تحركها يد غربية، وليست نتاجًا لسخط عام، وجاء دعمها عبر منظمات غير حكومية وجهات مانحة إقليمية، وهذا ما حدث في رأيهم في ليبيا التي أوجد التدخل الغربي بها حالة من حالات الفوضى، وعدم الاستقرار. وكان بوتين جادل في عام 2019 بأن الأفكار الليبرالية "عفا عليها الزمن"، وأن القيم التقليدية أكثر استقرارًا وأهمية كمعيار عالمي مضاد لليبرالية، لذا فروسيا تركز في هذا الإطار على الأُسرة وليس الفرد والدين، وهذه رؤية كانت جذابة بالنسبة للحركات اليمينية والمحافظة في أوروبا. تدعم الولايات المتحدة بعض الأنظمة الدكتاتورية أو غيرها، وهذا ما يعتبره الروس نفاقًا مفرطًا لتحسينهم صورة هذه الأنظمة، ويبرز ذلك عند استخدام الولايات المتحدة القواعد والأعراف والقوانين الدولية فقط عند اللزوم، فانتقدت روسيا الغرب وأميركا عند اعترافهما بكوسوفو كدولة مستقلة، بحجة أن هذا لن يشكّل سابقة، واعتبر الروس هذا مثالًا واضحًا على عدم التزام أميركا وحلفائها بالقانون الدولي، وهذا ما وفّر في ذات الوقت سابقة لروسيا لتبرير اعترافها باستقلال إقليمَي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا. على الجانب الآخر كان رفض روسيا التدخل لصالح أرمينيا في حرب أذربيجان لاستعادة إقليم ناغورني قره باغ، مقوضًا لمنظمة الأمن الدفاعي الجماعي التي أنشأتها، ففقدت أرمينيا ضمانات الأمن الروسية، ونتيجة لذلك تحول الرأي العام الأرميني تجاه روسيا. لكن على الجانب الآخر ساندت روسيا حليفها قاسم جومارت توكاييف رئيس كازاخستان في التمرّد الذي واجهه، وهو ما يجعل روسيا حليفًا يعتمد عليه في رأي عدد من دول آسيا الوسطى، لكن أيضًا شكّل فشل روسيا في تسويق لقاح سبوتنيك أثناء جائحة كورونا، مثلًا، روّجه الغرب على محدودية القدرات الروسية، بالرغم من سبقها في إنتاج لقاح لوباء كورونا، وهذا يعود لأسباب إنتاجية، ثم تسويقية، ففازت الصين ومعها الغرب على حساب روسيا. على الطرف الآخر، تستخدم روسيا بمهارة فائقة حرب المعلومات لتعزيز التضليل على مستويات متعددة محليًا وإقليميًا ودوليًا، من خلال أنظمة معقدة، وهذا ما وضح بتدخلها في عددٍ من الاستحقاقات الانتخابية الغربية، لمساندة حلفائها، وهذه الوسيلة اعتبرت في روسيا أداة لتقويض القوة الناعمة الأميركية. تقوم السياسة الروسية على التعاون مع الصين في مناهضة الولايات المتحدة، حتى إن الرئيس الصيني ذكر أن التعاون بينهما هو "شراكة بلا حدود"، فقدمت الصين الكثير لروسيا، لكن في الوقت ذاته تدرك روسيا أن الصين لن تعوضها عن السوق الغربي، خاصة في الغاز والنفط، وفي حقيقة الأمر، الفائز في الصراع الروسي الغربي هي الصين التي شُغل الغرب عنها بمواجهة روسيا، وهذا ما يدركه الرئيس الأميركي ترامب. لكنْ هناك جانب غير مشاهد الآن في المنافسة الأميركية الروسية، وهو السيطرة على القطب الشمالي، وهذا ما يفسر اهتمام ترامب المتزايد بغرينلاند، فروسيا وضعت إستراتيجياتها للقطب الشمالي على أهمية تعزيز الاستعداد القتالي والتعبئة، فبنت قاعدة تريفل العسكرية به. وفي جانب آخر، سعت إلى سياسات واقعية فوقّعت على اتفاقية مع النرويج في عام 2010 التي شهدت نزاعًا حدوديًا دام 40 عامًا من خلال اتفاق خط تعيين الحدود في بحر بارنتس، وهذا ما قوّض مقولات متعلقة بعدائية روسيا تجاه جيرانها، وفي ذات الوقت تسعى روسيا إلى الترويج لطريق الحرير القطبي عبر القطب الشمالي، وهو الذي سيقلل من تكلفة نقل السلع الصينية إلى أوروبا وغيرها. يقرع القطب الشمالي آذان الروس ليس بالثروة المتعددة فحسب- فهو على سبيل المثال به 30 % من احتياطات الغاز غير المكتشفة في العالم- بل أيضًا بوصفه امتدادًا لحدود الإمبراطورية الروسية، حيث إن روسيا جسديًا لديها نصف ساحل القطب الشمالي، ومن هنا فإن الولايات المتحدة التي لديها ألاسكا في القطب الشمالي، ترى أن لها استحقاقات في هذا القطب، من هنا فإن غرينلاند هي نقطة تماسّ بينهما. إن كلّ ما سبق يلخّص كيف تقوّض روسيا الهيمنة الأميركية، ومعها الغرب الأوروبي، على العالم، فروسيا تسعى لتعزيز عمقها الإستراتيجي من أجل البقاء الوطني، وبالتالي تسعى لتحجيم دور الناتو، وخلخلة الغرب من الداخل، وتقويض نفوذ الغرب في أفريقيا عبر طرد فرنسا من مناطق نفوذها التقليدية، وبناء تحالف راسخ مع الصين، وبناء سردية قائمة على منظومة القيم التقليدية في مواجهة تصاعد الفردانية والحرية المطلقة للفرد في الغرب، وتأكيد أن مجالها الحيوي غير قابل للاختراق، وملء الفراغ، مثل دورها مع الصين في أفغانستان، أو لعب دور في ليبيا، وظهورها كمورد لاغنى عنه في منظومة الغذاء العالمي (القمح). ثم في النهاية التأكيد على عالم متعدد الأقطاب تقوده عبر تحالفات ومنظمات تقوض المنظومة الغربية، وفي المحصلة لن تكون روسيا هي الفائزة في كل ما سبق ولا أميركا ومعها أوروبا الغربية، بل الصين هي الفائز الأكبر الذي استفاد من هذا الصراع، وتوسّع في مساحات من التحالف والتعاون عبر آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية ببرامج متعددة.

الكرملين يرد على اقتراح ماكرون نشر طائرات فرنسية مزودة بالنووي
الكرملين يرد على اقتراح ماكرون نشر طائرات فرنسية مزودة بالنووي

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • الجزيرة

الكرملين يرد على اقتراح ماكرون نشر طائرات فرنسية مزودة بالنووي

قال الكرملين -اليوم الأربعاء- إن النشر المحتمل لطائرات فرنسية مزودة بأسلحة نووية عبر الاتحاد الأوروبي لن يعزز الأمن في القارة، وذلك ردا على تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء بأنه مستعد لبحث هذه المسألة. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف -في مؤتمر صحفي- إن "نشر أسلحة نووية في القارة الأوروبية لن يضيف مزيدا من الأمن أو (…) الاستقرار إليها". وكان الرئيس الفرنسي أكد أمس الثلاثاء أن بلاده "مستعدة لفتح" نقاش حول نشر طائرات فرنسية مجهّزة بـ"قنابل" نووية في دول أوروبية أخرى، على غرار ما تفعله الولايات المتحدة لتوسيع نطاق مظلتها الذرية. وقال ماكرون -في مقابلة أجرتها معه محطة "تي إف 1" التلفزيونية الفرنسية- "سأحدد الإطار على نحو رسمي جدا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة". وفي خضم الهجوم الروسي على أوكرانيا ودعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأوروبا لتحمل مزيد من أعباء دفاعها، يتزايد النقاش حول توسيع نطاق الردع النووي الفرنسي ليشمل بقية دول الاتحاد الأوروبي الـ27. يشار إلى أن روسيا تمتلك أكبر قوة نووية في العالم، نحو 4 آلاف رأس نووي، وترى في الردع النووي الفرنسي تهديدا محتملا لأمنها القومي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store