logo
نون للكتاب" تتأمل "آدم" للروائي رشاد رداد

نون للكتاب" تتأمل "آدم" للروائي رشاد رداد

عمون٠٧-٠٤-٢٠٢٥

عمون - عقدت "مبادرة نون للكتاب" في مكتبة عبد الحميد شومان، جبل عمّان، مساء أمس السبت الموافق (٥ نيسان / أبريل ٢٠٢٥)، جلستها السابعة والعشرين والتي استضافت فيها الكاتب رشاد رداد لمناقشة روايته "آدم" . قدمت الشاعرة والفنانة التشكيلية كفاية عوجان المشاركين الرئيسيين وملخصا عن الرواية. كما قدمت الناقدة وداد أبو شنب قراءة نقدية وازنة. أدار المناقشة الناقد أسيد الحوتري.
تطرقت الناقدة أبو شنب إلى مجموعة من النقاط، ركزت فيها على المكان وعلاقته بالشخصيات لا سيما شخصيتي آدم وأبيه، وعلى تلك المعاني التي حملها وعبّر عنها في الرواية. أكدت الناقدة أن المكان في العديد من الروايات يمكن أن يلعب دور البطولة، وليس بغريب أن يلعب مخيم فلسطيني هذا الدور، فهو منبت الثوار عبر التاريخ. فصّلت الناقدة أيضا في التحول الذي طرأ على الشخصية الرئيسة: آدم، بعد أن تغير وضعه المادي نحو الأفضل، فتنكر لأصدقائه السابقين، وتنكّر للمخيم الذي خرج منه.
ناقش الحضور بعد ذلك الرواية ضمن ثلاثة محاور رئيسة، أولها: عناصر التشويق في الرواية. كان من ضمن عناصر التشويق مفاجأة القارئ بأحداث غير متوقعة: سرقة جابي فواتير الكهرباء لمال أهل الحي، خبر هدم البيوت لأنّ الأرض أميرية، مساهمة شخصية مسيحية في بناء مسجد، إلخ.
كما تم توظيف الغموض في عميلة التشويق. كانت هنالك أحداث وأسئلة غامضة لم يوضحها سير الأحداث في الرواية، وتُركت للقارئ حتى يتفاعل معها ليجد بنفسه الإجابة عليها: من سرق يعقوب؟ أين اختفى البدوي؟ من كتب على الجدران عبارات مناهضة لأبي نوح؟
الشخصيات الغامضة والدائرية ساهمت أيضا في التشويق: من هو هدهد نوح الذي يعرف كلّ صغيرة وكبيرة؟ ماذا يمثل بائع الزعتر الذي كان يقف أمام مطعم أبي آدم؟ ماذا كانت تريد زوجة مصعب من آدم، ولِمَ تغيّر موقفها منه؟
إلا أنّ التكثيف المخل في بعض الأحداث، والإطالة في أحداث أخرى أضر بالتشويق نوعا ما.
دار المحور الثاني حول القيم الإنسانية. ركزت الرواية على التعايش بين الأديان، وبين المدني والبدوي والفلاح وابن المخيم. وأكدت على نصرة الضعيف، ودعت للتسامح والمحبة والتواضع، ونبذ الحسد والحقد والكراهية والتكبر.
المحور الثالث كان عن سيميائية أسماء الشخصيات. كانت الأسماء في هذه الرواية تمثل صفات شخصيات الرواية. أيوب: الصبر على مشقات الحياة، آدم: الخروج من الجنة، من النقاء والطهر إلى المادية، إدريس: إشارة إلى إبليس والسعي نحو الشهوات، قابيل: الغدر، هدهد نوح: الاستخبارات، الحوت الأزرق: كبار التجار، مصعب: الرجل صعب المعشر، بلقيس: الملكة ذات المال والجاه والسلطان، دعد: المرأة الجميلة.
تخلل المناقشة مداخلات متنوعة حول مواطن قوة الرواية وضعفها، وأسئلة من الحضور أجاب عليها الروائي رشاد رداد. كما قدمت السيدة الأديبة اعتماد سرسك مجموعة من الفواصل النثرية الشاعرية المنوعة.
في الختام تمّ التوجه بالشكر الجزيل للحضور الكريم، ولكل المشاركين في الفعالية، وللمضيف: مؤسسة عبد الحميد شومان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"مبادرة نون للكتاب" على موعد مع "تدريب على الغياب" للقاص طارق عودة
"مبادرة نون للكتاب" على موعد مع "تدريب على الغياب" للقاص طارق عودة

الانباط اليومية

timeمنذ 3 أيام

  • الانباط اليومية

"مبادرة نون للكتاب" على موعد مع "تدريب على الغياب" للقاص طارق عودة

الأنباط - تعقد مبادرة نون للكتاب جلستها التاسعة والعشرين في مكتبة عبد الحميد شومان بجبل عمّان، وذلك يوم السبت الموافق 31 أيار 2025، في تمام الساعة السادسة مساءً. وتستضيف الجلسة القاص طارق عودة لمناقشة مجموعته القصصية "تدريب على الغياب". تقدّم القاصة سمر السيد المشاركين الرئيسيين، ونبذة عن المجموعة القصصية، كما يقدّم الناقد والروائي مراد سارة قراءة نقدية للمجموعة، ويدير النقاش الناقد أسيد الحوتري. يشارك في الفواصل الشعرية الشاعر العراقي سعد يوسف بمجموعة من القصائد. كما يُنقل النقاش ببث حي ومباشر عبر صفحة مبادرة نون للكتاب على فيسبوك. نبذة عن المجموعة القصصية: في مجموعته "تدريب على الغياب"، يقدّم القاص طارق عودة نصوصًا قصيرة جدًا، لكنها مفعمة بكثافة المعنى وعمق الدلالة. يختصر الكاتب الواقع بلغة شفافة تُلامس جوهر التجربة دون أن تستغرق في التفاصيل. السرد لا يخضع دائمًا للتسلسل المنطقي، بل يتعمّد أحيانًا كسره لإحداث صدمة فكرية غالبا ما تتخفى خلف قناع السخرية. لا تُعنى القصص ببناء شخصيات متكاملة أو رسم مشاهد مطوّلة، بل توجّه بوصلة القارئ مباشرة نحو الفكرة. ولعل أبرز سماتها هذا التركيز المكثّف، كما في قصة "أحزان شوكة"، حيث يُختزل الألم الاجتماعي في صورة رمزية خاطفة، أو في قصة "مسالك"، التي تعرّي فقر الإنسان بلغة عارية من الزخرفة. أما العنوان الرئيس للمجموعة، "تدريب على الغياب"، فيحمل في طياته ثيمة مركزية: غيابٌ واعٍ، ربما للعقل، أو للروح، أو للقيم. لكنه ليس غيابًا عابرًا، بل حالة وجودية تدعو القارئ إلى التأمل واتخاذ موقف. تُقدّم هذه المجموعة تجربة سردية لا تراهن على الامتداد، بل على اللمعة التي تضيء ما وراء الكلام، وتعيد تشكيل الواقع بأدوات فنية تراهن على الإدراك والدهشة معًا. نبذة عن المؤلف: طارق محمود يوسف عودة، قاص وكاتب أردني، وُلِدَ في مدينة السلط في 9 نوفمبر عام 1975، ونشأ وترعرع في الأغوار الوسطى (الشونة الجنوبية والكرامة). تلقى تعليمه المدرسي في مدارسها، وأنهى دراسته الثانوية منها. درس التحاليل الطبية، وعمل بها لفترة طويلة، ثم عمل أخصائي "تطبيقات مخبرية" في مبحث الدم والتخثر في شركة طبية، مما جعله يتنقل في معظم محافظات الأردن وقراها. شارك في العديد من الأعمال التطوعية، كما نشط في العديد من نوادي القراءة مثل: 13 تحت الشمس، انكتاب، بيت الحكمة، وآوت أند أبوت (Out and About). صدر له كتابان عن دار الخليج للنشر والتوزيع: - في انتظار الضوء (نصوص وأشياء أخرى) 2025 - تدريب على الغياب (قصص قصيرة جدًا) 2025 وله كتاب قيد الطباعة بعنوان "بديل دائم"، إضافة إلى أعمال (مخطوطات) أخرى لم تُنشر بعد. وهو عضو في رابطة الكُتّاب الأردنيين، وعضو في لجنة القصة والرواية، وناشط في مبادرة نون للكتاب. يشارك في إعداد مراجعات أدبية للإصدارات المحلية والعالمية من خلال مقالات تُنشر أو مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي، كما يشارك في المعارض السنوية للكتب، ويُعد ناشطا فاعلًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 1. المحور الأول: عتبات النص. 2. المحور الثاني: خصائص القصة القصيرة جدًا في "تدريب على الغياب". 3. المحور الثالث: أشكال الغياب في "تدريب على الغياب". إضافة إلى محور مفتوح يتيح للمشاركين طرح ما يشاؤون حول القاص ومجموعته القصصية.

نجوى كرم تتألق في قبرص وتستعد لأمسية إسطنبول
نجوى كرم تتألق في قبرص وتستعد لأمسية إسطنبول

السوسنة

timeمنذ 4 أيام

  • السوسنة

نجوى كرم تتألق في قبرص وتستعد لأمسية إسطنبول

السوسنة - أحيت الفنانة اللبنانية نجوى كرم حفلاً غنائياً ناجحاً في منتجع City of Dreams Mediterranean بمدينة ليماسول القبرصية، وسط حضور جماهيري كبير وتفاعل استثنائي. تألقت كرم بمجموعة من أغانيها المعروفة التي أشعلت الأجواء، ولفتت الأنظار بإطلالة أنيقة بفستان أبيض وأسود، جمع بين البساطة والرقي.وشاركت كرم عبر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي صوراً من كواليس الحفل، وعبّرت عن سعادتها بقولها: "لنصنع الذكريات الليلة في قبرص". كما نشرت مقطع فيديو يوثّق اللحظات الختامية، مشيدة بنجاح الحفل.وتستعد "شمس الأغنية العربية" لمواصلة جولتها الفنية في مدينة إسطنبول التركية، حيث ستحيي حفلاً على مسرح HALIC KONGRE MERKEZI بتاريخ 26 يوليو 2025، بمشاركة النجم اللبناني آدم، في ليلة موسيقية تحمل الطابع اللبناني العربي.في سياق متصل، تستمر أغنيتها الجديدة "زين الزين" في تحقيق نجاح كبير، إذ حصدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها. الأغنية من كلمات محمد درويش، ألحان أحمد بركات، توزيع سليمان دميان، وإخراج بيار خضرا، الذي قدم رؤية بصرية متجددة للعمل الفني. أقرأ أيضًا:

حرية الاختيار: بين بناء الذات ومواجهة الضرورة
حرية الاختيار: بين بناء الذات ومواجهة الضرورة

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 5 أيام

  • سواليف احمد الزعبي

حرية الاختيار: بين بناء الذات ومواجهة الضرورة

مقدمة: هل كان السبب في وجودنا على الأرض وخروج أبوانا من جنة عدن هو اختيار آدم وزوجه أن يأكلا من التفاحة؟ فقُضي عليهما أن يهبطا إلى الأرض، في مشهد يذكّر بسقوط الملائكة في فيلم City of Angels، حين قرر الملاك، الذي لعب دوره نيكولاس كيج، أن يتخلى عن نورانيته ليهبط إلى عالم البشر، يتألم ويحب، ويلاحق الموجات بفرحة طفل. تلك اللحظة لم تكن سقوطًا فقط، بل كانت بداية وعي جديد، وشرارة لتجربة إنسانية كاملة، مبنية على التردد، والشغف، والخسارة، والرغبة في المعنى. يعيش الإنسان منذ ذلك الحين جدلية مستمرة: هل هو مسيّر لا يملك من أمره شيئًا، أم أنه يملك حقّ الاختيار بين النور والظلام، بين طريق الهدى وطريق التيه؟ وهل ما يفعله هو حرية حقيقية أم مجرد تحقق لما كُتب عليه في علم الله. رغم هذا التوتر بين الجبر والاختيار، فإن التجربة الإنسانية تقوم على لحظة حرّة، مهما كانت محدودة، لحظة يُقرّر فيها الإنسان من يكون. ولهذا كان 'الاختيار' جوهر الكينونة الإنسانية، لأنه يعكس وعي الإنسان بمسؤوليته الأخلاقية، وكرامته ككائن قادر على قول 'لا' في وجه الغريزة أو القطيع أو حتى القدر. ليس الاختيار مجرد حرية ساذجة، بل هو تعبير عن الشجاعة والهوية والتجربة. بين قابيل الذي اختار أن يرتكب الجريمة الأولى، وعيسى عليه السلام الذي اختار أن يواجه الصليب، تمتد المسافة التي تعرّف فيها الإنسانية ذاتها. وفي هذه المسافة تتشكل القيم، ويولد المعنى، ويُكتب التاريخ البشري. المحور الأول: الاختيار كفعل داخلي يعيد تعريف العناية بالذات ألم يلفتك مشهد الأستوديو الصباحي لأحد البرامج الجماهيرية؟ حيث تُنتقى ألوان الجدران، وملابس المذيعة، وأحمر الشفاه، وفنجان قهوتها. هل لاحظت كيف تُضخَّم انفعالاتها لتمنحك جرعة من المشاعر الإيجابية، تقنعك أن تؤجل همومك أو تقارن حياتك بتلك الصورة المصقولة، فيتسلل الإحباط إليك قبل أن يبدأ يومك؟ هون عليك، فإن لنفسك عليك حق الرعاية، كما تعتني بطفلك. ولا تسمح لسمّية البعض أن تتسرّب إليك. في مقالها 'هذا هو المعنى الحقيقي للعناية بالذات'، تؤكد بريانا ويست أن التحديات التي نواجهها ليست عراقيل خارجية، بل جبالًا في داخلنا تنتظر أن تتسلقها. وتنتقد التصور السطحي للعناية بالذات، الذي يحصرها في الحمّامات الدافئة والحلويات، بينما هي في حقيقتها ليست هروبًا من الألم، بل مواجهته بشجاعة. العناية بالذات تكمن في اتخاذ قرارات صعبة: سداد الديون، إنهاء العلاقات السامة، بناء روتين صحي، والاعتراف بالخيبات لتصحيح المسار. إنها ليست رفاهية، بل ممارسة ناضجة تشبه 'تربية النفس' وبناء بيئة نفسية متزنة على المدى البعيد. ويست تطرح تساؤلات حول كيف حوّل النظام الرأسمالي العناية بالذات إلى سلعة تُشترى وتُباع، وتدعو لبناء حياة لا نحتاج أن نهرب منها، بل نعيشها بوعي، حتى وإن لم تكن مثالية. أن تكون بطل حياتك لا ضحيتها هو اختيار يتكرر كل صباح: أن تواجه لا أن تتهرب، أن تصدق لا أن تنكر، أن تبني لا أن تُستنزف. المحور الثاني: الاختيار في مواجهة الواقع والغموض قد تبدو الحياة هادئة، بلا اضطراب على السطح، والسفينة تسير بسلام قرب الشاطئ، فلا تفكر في الإبحار نحو العمق، حيث الموج العالي والظلمة والأعاصير. كثيرون تأسرهم العادة ويقيّدهم المألوف، فيغفلون عن التساؤل عمّا يختبئ خلف التلة، مقنعين أنفسهم بأنها 'قسمة ونصيب'. لكن الإسلام لا يختزل الإنسان في الاستسلام، بل يمنحه حرية الاختيار ضمن علم الله الشامل: 'فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر' (الكهف: 29)، ويذكّره بأن مشيئته لا تنفصل عن مشيئة الله: 'وما تشاؤون إلا أن يشاء الله' (الإنسان: 30). والمجهول، في نظر الإيمان، ليس تهديدًا بل امتحانًا للصبر والتوكل: 'وبشر الصابرين…' (البقرة: 155–156). رغم تباين المرجعيات، يتفق كثير منها على مسؤولية الإنسان تجاه الغموض. ترى باما تشودرون، الراهبة البوذية، أننا نملك خيارًا: أن نعاني لأننا لا نحتمل ما هو كائن، أو أن نتصالح مع انفتاح الحالة الإنسانية، بما تحمله من عدم ثبات. لكن هذا التصالح لا يحدث دفعة واحدة، بل عبر التزام يومي: الامتناع عن الإيذاء، اعتبار الألم فرصة للتعلّم، والانفتاح على الواقع بلا قتال أو شروط. بهذا، لا ننجو فقط من القلق، بل نتعلم أن نحيا في قلبه برفق وجرأة، كما لو أننا نقف وسط العاصفة، بلا ساتر، لكن أيضًا بلا خوف. أما سارتر، فيؤكد في محاضرته 'الوجودية نزعة إنسانية' أن الإنسان 'محكوم عليه بالحرية'، مسؤول عن اختياراته حتى حين يغيب الدليل. وهكذا، بين التوكل والتساؤل، بين وحي سماوي وتأمل روحي ونقد فلسفي، يبقى الإنسان فاعلًا في مواجهة الغموض، لا متلقيًا سلبيًا، ولكل رؤية مفهومها الخاص للحرية: تكليف إلهي، أو يقظة روحية، أو عبء وجودي. المحور الثالث: الصراع بين الإرادة والقدر يتجلى هذا الصراع حين تصطدم الإرادة الفردية بضرورات قاسية لا ترحم. الحرب كثيرًا ما تنتهي بخسارة شاملة تبتلع الجميع، ويقف الإنسان متسائلًا: لماذا يُسحق الحلم تحت وقع الحديد والنار؟ في حرب طروادة، تحوّل الشغف والانتقام إلى وقود لحصار دموي دام عقدًا، وبرغم نصر اليونانيين، لم يربح أحد سوى الخراب. صوّر هوميروس في الإلياذة هذه الحقيقة المؤلمة: حين يُسحق الإنسان، يُسحق جسدًا وروحًا وأخلاقًا. في القرن العشرين، كتبت سيمون فايل 'الإلياذة أو قصيدة القوة'، حذّرت فيها من أن القوة، متى استُدعيت، تفتك بالجميع وتطمس المعنى الأخلاقي. القوة لا تقتل فحسب، بل تغيّر طبيعة الإنسان وتجرّده من ملامحه. وأحيانًا يبدو ما نعدّه خيارًا حرًا مجرد خطوة قدرية، تعيد الضرورة تشكيل الأولويات. كأن تجهّز أندروماكي الحمّام لزوجها هكتور، بينما هو ممدد قتيلًا خارج الأسوار، بإرادة الآلهة وذراع أخيل. مشهد يكشف هشاشة الإرادة أمام قدرٍ لا يعرف العدالة. ها هي ألمانيا النازية تجتاح فرنسا. فيليب بيتان، بطل الحرب الأولى، يعلن الاستسلام، سعيًا لحماية ما تبقى. مقامرًا بإرثه، لكنه وُصم بالخيانة. في المقابل، أعلن ديغول التمرد من لندن، مؤسسًا حكومته المؤقتة. وبين استسلام وتمرد، بدت المصائر وكأنها تُساق دون مشورة من أصحابها. أما سيمون فايل، فانضمت لحكومة ديغول، وماتت شابة بعدما امتنعت عن الطعام تضامنًا مع الجياع. وفي معسكر نازي، احتمى فيكتور فرانكل بعقله، يؤلف كتابه في ذاكرته: البحث عن معنى. ففي صمت الجائع، وفي اختيار صغير يرفض النسيان، تتشابك الإرادة مع القدر. المحور الرابع: الاختيار كتحرر سياسي وأخلاقي في عالم تتكاثر فيه الأصوات المطالِبة بالقيادة، يذكّرنا هنري ميللر بأن لا أحد، مهما بلغ من الحكمة أو الكاريزما، يستحق أن يُسلَّم له مصير الإنسان. القيادة الحقيقية ليست في فرض التبعية، بل في إيقاظ الإيمان الداخلي، وتحفيز الآخرين على استعادة ثقتهم بقدرتهم على توجيه حياتهم. فعل الاختيار ليس مجرد قرار عابر، بل هو تعبير أخلاقي عن الذات، لحظة ينهض فيها الإنسان من تحت ركام التلقين والخوف، ليقول: أنا المسؤول عن حياتي. يقول سبينوزا إن وظيفة الحُكم ليست تقييد الحرية بل صيانتها، وإن الإنسان لا يكون مواطنًا صالحًا إلا حين يشعر بأنه حرٌّ ومسؤول في آن. لكن، هل الاختيار دائمًا طريق مفتوح؟ أم أن هناك لافتات تحذيرية تقول: 'احذر، هنا منزلق خطر'؟ في 'مفهومان للحرية'، يوضح إيزايا برلين أن الحرية السلبية تعني غياب العوائق الخارجية، أما الإيجابية فهي قدرة الإنسان على تحقيق ذاته. وقد تؤدي المبالغة في تأكيد الحرية الإيجابية إلى تسويغ تدخلات باسم 'مصلحة الفرد'، تُفضي إلى قمعه من حيث لا يدري. في هذا السياق، يصبح الوعي بالاختيار هو المعيار: متى يكون حقيقيًا؟ ومتى يكون مفروضًا باسم الخلاص؟ إن الدفاع عن الحق في الاختيار لا يعني رفض التوجيه، بل رفض أن يُختزل الإنسان إلى تابع لا صوت له. الاختيار ليس رفاهية، بل مقاومة يومية ضد التشييء، ومساحة يُستعاد فيها كيان الفرد. ومن يَختر، يَخلق. المحور الخامس: العلاقات والاختيار الحر نمر في حياتنا بكثير من الصداقات، منذ الطفولة حتى الكبر. لعبنا وضحكنا وتقاسمنا المغامرات، فبدت الصداقة آنذاك وجهًا من وجوه الفرح. لكن مع الوقت، نكتشف أن الأصدقاء الحقيقيين ليسوا من يشاركوننا الضحك فقط، بل من يختارون البقاء حين تشتد الظروف. كما يُقال: 'الصديق هو من يقف معك تحت المطر، مع أنه يستطيع البقاء جافًا' — وفاء لا تمليه مصلحة، بل ينبع من حرية القلب. يرتبط هذا بما يُعرف في علم النفس العاطفي بـ'نظرية الاختيار الحر في الالتزام'، التي ترى أن الالتزام لا يكون صادقًا إلا إذا انطلق من قرار واعٍ، لا من ضغط أو خوف. حين يختار الفرد البقاء رغم التعب والتحدي، يتولد شعور بالمسؤولية والانتماء، ويشعر بدعم يخفف القلق ويعزز جودة الحياة. وهذا لا يقتصر على الحب الرومانسي، بل يشمل كل علاقة تنمو بالرعاية والنية الصافية. تؤكد بيل هوكس في 'كل شيء عن الحب' أن الحب ليس مجرد شعور، بل فعلٌ حر يتطلب التزامًا ووعيًا. وترى أن حب الذات شرط أساسي لحب الآخرين: فمن لا يُنصت لحاجاته بصدق، لن يُصغي بصدق لمن يحبهم. هكذا، يصبح الحب والوفاء مواقف نابعة من الحرية الداخلية، لا من الواجب. وتتحول العلاقات إلى فضاءات للعدل والنمو والدفء. وكما في السياسة والدين، كذلك في الحب: لا تزهر العلاقة إلا حين تُروى بحرية، لا بسلطة العادة أو الخوف. خاتمة: تُعدّ حرية الاختيار أساسًا جوهريًا للفضيلة، إذ لا يمكن للفضيلة أن تُفهم أو تُمارس بمعزل عن القدرة على اتخاذ قرارات واعية. فاختياراتنا في الأفكار والمشاعر والمواقف تُجسّد هويتنا، وتشكل ملامحنا الأخلاقية ومسار حياتنا. بهذه الحرية نصبح فاعلين في صياغة ذواتنا، وتغدو الفضيلة تعبيرًا صادقًا عن إرادة واعية، لا مجرد استجابة للعرف أو الخوف. ففي نهاية المطاف، لا يكمن جوهر الفضيلة في المعرفة أو النية وحدهما، بل في الشجاعة اليومية لاختيار الخير، رغم الإغراءات والضباب. الفضيلة ليست نورًا يُمنح، بل شعلة يشعلها كل إنسان في قلبه، كلما قرر أن يكون إنسانًا، حتى وسط العتمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store