توسع البنوك في التمويل العقاري.. بين دوافع النمو ومخاطر الائتمان
إذا ما عدنا قليلًا إلى الوراء، يمكننا أن نفهم كيف بدأت هذه العلاقة الوثيقة بين البنوك والعقار، فمع توسع الدولة في برامج الإسكان، مثل "سكني" والرهن الميسر"، وتوفير دعم حكومي مباشر لصالح المقترضين، نشأت بيئة منخفضة المخاطر جعلت من التمويل العقاري خيارًا جاذبًا للبنوك، حيث كان حجم الإقراض قبل الرؤية 162 مليار ريال ووصل الى نهاية الربع الأول 2025 إلى أكثر من 922 مليار ريال، مما يعني ضخ أكثر من 760 مليار ريال قروض عقارية غير القروض التي اشترتها الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري من البنوك بحدود 27 مليار ريال، ومع مرور الوقت لم يعد التمويل العقاري مقتصرًا على الأفراد الراغبين في تملك منزل، بل توسع ليشمل شركات التطوير العقاري، والمقاولين، والمشروعات السكنية والتجارية الضخمة، وصولًا إلى الاستثمار في الأراضي والمجمعات التجارية، وبدأت الأرقام تتزايد حتى وصلت نسبة التمويل العقاري مع نهاية الربع الأول 2025 إلى نحو 30 % من اجمالي محفظة القروض المجمعة للبنوك العاملة داخل المملكة، منها ما يزيد على 699 مليار ريال موجه للقروض العقارية السكنية، وأكثر من 223 مليار ريال للشركات العقارية، ورغم أن هذه الظاهرة تنسجم مع توجه الدولة لتعزيز نسبة التملك وخلق بيئة عمرانية حديثة، إلا أن التركز الكبير في قطاع واحد يحمل في طياته مخاطر محتملة، فالمخاطر لا تظهر حين يكون السوق في حالة انتعاش، بل تنكشف عادة عندما تتغير الدورة الاقتصادية، ومع دخول المملكة مرحلة جديدة من السياسة النقدية، وبدء البنك المركزي السعودي في رفع أسعار الفائدة تماشيًا مع قرارات الفيدرالي الأميركي، بدأت تظهر أولى بوادر الضغط على القدرة الشرائية للأفراد، فكثير من المقترضين وجدوا أنفسهم مضطرين لمواجهة أقساط أعلى، في وقت يتزايد فيه عبء المعيشة، هذا الارتفاع في تكلفة التمويل يقلل من فرص الحصول على قروض جديدة، ويزيد من احتمالية التعثر، خاصة لدى المقترضين ذوي الدخول المتوسطة أو المرتفعة الالتزامات، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فالمخاطر تمتد إلى جانب آخر أقل وضوحًا، لكنه أكثر تعقيدًا، وهو الشركات العقارية، هذه الكيانات، لا سيما المتوسطة منها، تعتمد في دورة أعمالها على التدفقات النقدية الناتجة من بيع الوحدات قيد الإنشاء، أو على التمويل المسبق من البنوك، وإذا ما تباطأ السوق أو واجه موجة تصحيح في الأسعار، فإن هذه الشركات قد تدخل في دوامة تعثر، مما يعني قروضًا غير محصلة ومشروعات متوقفة، ومع هذا لا يمكن القول إن الصورة قاتمة بالكامل، فالبنوك السعودية بحكم خضوعها لرقابة البنك المركزي تلتزم بمعايير حوكمة متقدمة، ولديها احتياطيات جيدة، ونسب تغطية مريحة للقروض المتعثرة، إضافة إلى ذلك فإن نسبة كبيرة من التمويل العقاري السكني مدعوم من الحكومة، إما عبر دعم الأرباح أو عبر ضمانات مباشرة، مما يقلل من المخاطر الائتمانية على البنوك، كما أن العديد من القروض العقارية مضمونة بأصول عينية ذات قيمة سوقية، يمكن الرجوع إليها عند الحاجة، ومما يعزز الثقة أيضًا أن نسبة التعثر في القروض العقارية لا تزال ضمن الحدود المقبولة عالميًا، ولا توجد مؤشرات واضحة حتى الآن على وجود فقاعة عقارية تهدد النظام المالي، لكن في خضم هذا التوازن الدقيق، تبقى الحاجة ماسة إلى إدارة واعية لهذا الانكشاف، فالمطلوب ليس تقليص التمويل العقاري بشكل جذري، بل تنظيمه وتنويعه، وضمان ألا يتجاوز نسبًا صحية من إجمالي المحافظ البنكية، ومن المهم أن تبحث البنوك عن فرص تمويل في قطاعات أخرى، مثل التقنية، والصناعة، والطاقة المتجددة، والخدمات الصحية، لتخفيف الاعتماد المفرط على العقار، كذلك ينبغي تطوير سوق الرهن العقاري الثانوي، بما يسمح بتحويل جزء من القروض العقارية إلى أدوات مالية قابلة للتداول، مما يخفف من الضغط على ميزانيات البنوك ويتيح لها إعادة تدوير السيولة.
الصناديق العقارية المتداولة تطورت منذ إدراج أول صندوق ريت في سوق الأسهم السعودي عام 2016، لتصبح منصة رئيسة توفر دخلاً ثابتًا للمستثمرين الباحثين عن الاستقرار وسط تقلبات الاقتصاد، حيث يدير السوق نحو 19 صندوقًا مدرجًا، يعمل معظمها ضمن إطار توزيع أرباح لا يقل عن 90 ٪ من صافي الأرباح السنوية ولكن هذه الصناديق لا تخلو من ضغوط، وأبرزها ارتفاع تكاليف التمويل، فقد ارتفعت نسبة الاقتراض لدى بعض الصناديق إلى نحو 50 ٪ من حجم الأصول، مع وجود تكاليف تمويل تصل إلى عشرات الملايين سنويًا، مما أضعف قدرة الصناديق على توزيع المزيد من الأرباح بغض النظر عن ارتفاع دخل الإيجارات، كما أن هذه الصورة لا تخلو من زوايا مظلمة، فكما أن صناديق الريت السعودية نجحت في بناء قاعدة استثمارية واعدة، فإنها أيضًا واجهت تحديات عميقة قد تهدد استدامة عوائدها في المستقبل إذا لم تتم معالجتها بشكل جذري، من أبرز هذه التحديات المبالغة في تقييم الأصول العقارية عند شرائها، خاصة خلال السنوات الأولى من انطلاق هذه الصناديق، ففي سبيل بناء محافظ عقارية بسرعة وكسب ثقة المستثمرين، لجأت بعض الصناديق إلى شراء عقارات بأسعار تفوق قيمتها السوقية الفعلية، وهو ما انعكس لاحقًا على ضعف العائد الاستثماري وعدم قدرة العقارات على توليد التدفقات النقدية المتوقعة، هذا النهج دفع كثيرًا من المستثمرين إلى التشكيك في استراتيجيات بعض مديري الصناديق، خصوصًا مع اكتشاف أن بعض الأصول المشتراة لا تمتلك مقومات تشغيلية قوية أو لم تخضع لدراسات جدوى متعمقة، وقد ترافق هذا مع اتساع الفجوة بين التقييم المحاسبي للعقار وبين قيمته السوقية الواقعية، ما أثر في قدرة الصناديق على تحقيق نسب إشغال مرتفعة أو رفع الإيجارات بما يتناسب مع تكاليف التشغيل والتمويل، إضافة إلى ذلك من الملاحظ أن معظم صناديق الريت السعودية ركزت استراتيجيتها على شراء العقارات الجاهزة والمُدرة للدخل، دون خوض غمار تطوير مشروعات عقارية جديدة كما هو شائع في أسواق الريت المتقدمة مثل الولايات المتحدة وسنغافورة، ففي تلك الأسواق، تسعى صناديق الريت إلى خلق قيمة مضافة عبر الاستثمار في تطوير مشروعات من الصفر أو إعادة تأهيل أصول قائمة وتحويلها إلى مشروعات حديثة تناسب متطلبات السوق. هذا النوع من الابتكار العقاري يغيب في المشهد المحلي، مما يجعل النمو محدودًا ومعتمدًا على حركة السوق العقاري القائم فقط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة رواد الأعمال
منذ 28 دقائق
- مجلة رواد الأعمال
'الإحصاء': معدل التضخم في السعودية يتباطأ إلى 2.2% خلال مايو
وأوضحت أن ارتفاع إيجارات السكن الفعلية بنسبة 8.1% كان العامل الأكبر في دفع معدلات التضخم خلال تلك الفترة. وذلك بحسب البيان الرسمي للهيئة. وكانت الهيئة العامة للإحصاء كشفت، في وقت سابق من الشهر الجاري، عن زيادة في حجم الواردات السلعية السعودية بنسبة 0.1%. ما يعادل 74 مليار ريال خلال شهر مارس 2025، مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024. كما ارتفعت واردات السعودية في فبراير 2025 بنسبة 2%؛ حيث بلغت 1.65 مليار ريال. وذلك بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء. بينما أشارت الهيئة إلى أن الآلات والأجهزة الآلية والمعدات الكهربائية وأجزاؤها شكّلت 26% من إجمالي واردات المملكة في مارس الماضي. والتي بلغت قيمتها 19.3 مليار ريال، تلتها عربات وطائرات وبواخر ومعدات نقل مماثلة بنسبة 15%. من ناحية أخرى تراجعت الواردات السلعية السعودية خلال شهر فبراير 2025 إلى 63.2 مليار ريال. بنسبة انخفاض بلغت 6% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024، وهو أدنى مستوى في 14 شهرًا. في حين انخفضت واردات السلع بنحو 13.1 مليار ريال وبنسبة 17%. وبلغت واردات السعودية من الصين 25% من إجمالي الواردات في مارس 2025، بقيمة 18.7 مليار ريال. تلتها الولايات المتحدة الأمريكية بـ5.8 مليار ريال، ثم الإمارات بـ4.4 مليار ريال. بينما شكلت أهم 10 دول تم الاستيراد منها نحو 65% من إجمالي الواردات؛ ما يعادل 48.1 مليار ريال. مؤشرات الهيئة العامة للإحصاء وفي تقريرها الشهري الصادر مؤخرًا أعلنت الهيئة العامة للإحصاء تسجيل ارتفاع ملحوظ في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين خلال شهر أبريل من العام الجاري 2025. إذ بلغت نسبة الزيادة 2.3% مقارنةً بالشهر نفسه من عام 2024. كما عزت الهيئة هذا الارتفاع السنوي في الأسعار إلى زيادة تكاليف السكن والمياه والكهرباء والغاز. وأنواع الوقود الأخرى، والتي سجلت أعلى معدلات الارتفاع بنسبة 6.8%. بينما ساهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 2.2%. وصعود أسعار السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 3.5%، في تعزيز هذه الموجة التضخمية. وفي المقابل سجلت بعض الأقسام الرئيسية انخفاضًا سنويًا في الأسعار؛ حيث تراجعت أسعار الأثاث وتجهيزات المنزل بنسبة 1.8%. وانخفضت أسعار الاتصالات بنسبة 1.5%. كما شهدت أسعار الملابس والأحذية انخفاضًا بنسبة 1.2%، والنقل بنسبة 1.0%.


حضرموت نت
منذ 3 ساعات
- حضرموت نت
أسعار الذهب اليوم الأحد 15-6-2025 في اليمن
شهدت أسعار الذهب في الأسواق اليمنية داخل محلات الصاغة، اليوم الأحد، الموافق 15-6-2025، استقرارًا في بعض جرامات الذهب، وأبرزها سعر الذهب عيار 21 وأوقية الذهب. أسعار الذهب اليوم الأحد في اليمن فيما يلي يُقدم 'المشهد العربي' أسعار الذهب في الأسواق اليمنية، اليوم الأحد الموافق 15- 6 -2025، داخل محلات الصاغة على النحو التالي: عدن جرام عيار 21: شراء 213000 ريال يمني بيع 228000 ريال يمني جرام عيار 18 شراء 214870 ريال يمني بيع 217271 ريال يمني جنيه الذهب شراء 340000 ريال يمني بيع 345000 ريال يمني صنعاء جرام عيار 21: شراء 45000 ريال يمني بيع 48000 ريال يمني جرام عيار 18: شراء 25500 ريال يمني بيع 27500 ريال يمني جنيه ذهب شراء 360000 ريال يمني بيع 370000 ريال يمني


رواتب السعودية
منذ 3 ساعات
- رواتب السعودية
نافا تفتح باب التقديم لبرامج الدبلومات المتخصصة براتب يبدأ من 8000 ريال
نشر في: 15 يونيو، 2025 - بواسطة: خالد العلي أعلنت الأكاديمية الوطنية للسيارات والمركبات (نافا)، الرائدة في التعليم التقني بمجال المحركات والسيارات الكهربائية، عن فتح باب التقديم لبرامج دبلوم متخصصة تؤهل الخريجين لوظائف فورية برواتب تبدأ من 8,000 ريال شهرياً. وأوضحت الأكاديمية أن البرامج تشمل دبلوم في تقنية صناعة السيارات الكهربائية ودبلوم في خدمة السيارات الكهربائية، وتتم الدراسة في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. وأشارت الأكاديمية إلى عدد من المزايا، وهي وظيفة مضمونة براتب يبدأ من 8,000 ريال سعودي شهرياً، بجانب مكافأة طلابية قدرها 4,000 ريال شهرياً، سكن مجاني، رسوم دراسية مغطاة، فرص تقدم مهني لا محدود، بالإضافة إلى شهادة معترف بها دولياً. ومن يرغب في التقديم بالبرامج عليه التقديم من خلال الرابط التالي :هنا . الرجاء تلخيص المقال التالى الى 50 كلمة فقط أعلنت الأكاديمية الوطنية للسيارات والمركبات (نافا)، الرائدة في التعليم التقني بمجال المحركات والسيارات الكهربائية، عن فتح باب التقديم لبرامج دبلوم متخصصة تؤهل الخريجين لوظائف فورية برواتب تبدأ من 8,000 ريال شهرياً. وأوضحت الأكاديمية أن البرامج تشمل دبلوم في تقنية صناعة السيارات الكهربائية ودبلوم في خدمة السيارات الكهربائية، وتتم الدراسة في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. وأشارت الأكاديمية إلى عدد من المزايا، وهي وظيفة مضمونة براتب يبدأ من 8,000 ريال سعودي شهرياً، بجانب مكافأة طلابية قدرها 4,000 ريال شهرياً، سكن مجاني، رسوم دراسية مغطاة، فرص تقدم مهني لا محدود، بالإضافة إلى شهادة معترف بها دولياً. ومن يرغب في التقديم بالبرامج عليه التقديم من خلال الرابط التالي :هنا . المصدر: صدى