
بدأت ببلاط الحرم.. 97 عامًا في خدمة الحاج وتطوير المشاعر المقدسة
لم يكن حج عام 1927م موسمًا عاديًا لكثير من أهالي مكة المكرمة والقادمين من أصقاع الأرض لتلبية نداء إبراهيم -عليه السلام– وأداء الركن الخامس من أركان الإسلام, ففي هذا العام كان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- قد أشرف على تنفيذ العديد من الإصلاحات الإنشائية داخل الحرم الملكي الشريف، من أبرزها استبدال الحصى بالبلاط الأسمنتي، مما أسهم في تخفيف الحرارة ونظافة المكان.
هذه الإصلاحات تؤكد اهتمام الملك عبدالعزيز براحة وسلامة الحجاج منذ بداية ضم مكة المكرمة إلى الدولة السعودية الثالثة عام 1924م، وقبل إعلان توحيد البلاد بحوالي خمس سنوات.
ووثقت جريدة 'أم القرى' في عددها 143 الصادر يوم 9 سبتمبر 1927م بعض ما تم من إصلاحات في هذا الإطار، وذكرت أنه كان يوجد وقتها في ساحة الحرم حوالي 1584 ذراعًا معماريًا، وتقرر 'تبليط' هذه البقاع 'البحصية' ببلاط الأسمنت بواسطة آلية صنع البلاط التي وصلت حديثًا، وهذا النوع من البلاط يفضل على البلاط الحجري لمنظره البهيج ومتانته وعدم نقله للحرارة، إضافةً إلى أنه إذا غسل بالماء في كل صباح ومساء لا يشعر المصلون بشيء من العناء والنصب حينذاك، ولن يقتصر التبليط بالأسمنت على هذه البقاع فحسب، وإنما سيشمل البقاع الأخرى المبلطة بالبلاط الحجري، ليكون بلاط الحرم كله من نوع واحد.
ولأن العمل مستمر على مدار العام لتهيئة المشاعر المقدسة ودعمها بالخدمات العاجلة لراحة الحجيج، فقد شهد حجاج العام التالي 1928م نقلة نوعية أخرى تمثّلت في استحداث مظلات بين مشعر عرفات ومكة للاستراحة فيها، إضافة إلى تطوير الخدمات الإسعافية.
وتورد جريدة 'أم القرى' في عددها رقم 181 الصادر في 8 يونيو 1928م وصفًا للخدمات الجديدة جاء فيه: 'وقد رأينا أوامر جلالة الملك -أيده الله- تصدر لعمل مظلات للحجاج في الطريق بين عرفات ومكة، وأن توفر المياه فيها، كما أمر باتخاذ ما يمكن من التدابير لإسعاف جميع الذين يصابون من ضربة الشمس من المشاة أيام الحج'.
وأضافت الجريدة في وصف خدمة الإسعاف: 'أعدت إدارة الصحة عددًا من السيارات التي تسير بين مكة وعرفات لتحمل المرضى المتخلفين في الطرقات', وتورد في موضع آخر إحصائية تقريبية لعدد الذين تم إسعافهم، مشيرة إلى أنهم بلغوا 1500 حاج أصيبوا بضربة شمس حيث تم إسعافهم إلى المراكز الصحية في منى ومكة وعرفات.
تعزيز الجوانب الصحية بين الحجاج
ولتعزيز الجوانب الصحية بين الحجاج، استحدثت في عام 1932م لجنة مختصة لمراقبة جودة سكن الحجاج في مكة المكرمة، فكانت أبرز مهماتها التأكد من نظافة المنزل، وتحديد عدد قاطني كل منزل بحيث لا يزيد عن الاستيعاب الحقيقي للمنزل، ومراقبة أسعار الإيجارات وجعلها في متناول الحاج وحسب قدرته المالية، وخلال هذا العام 1932م أنشئت مواقع للراحة ونزل سكنية صغيرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة تحوي جميع ما يحتاجه الحاج من طعام وشراب، إضافة إلى غرف للنوم وأماكن الاستحمام.
وشهدت الأعوام الأولى لتوحيد المملكة في ثلاثينات القرن المنصرم، حدثًا تنمويًا مهمًا يؤكد اهتمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- بأدق التفاصيل لراحة حجاج بيت الله الحرام، وهو افتتاح طريق الحج البري بين المملكة والعراق في عام 1935م (1353هـ) فقد حمل تقرير اللجنة المشرفة على الطريق أهمية كبيرة في وصف حالة الطريق وأدق تفاصيل السفر والاحتياطات لما فيه سلامة عابري الطريق وراحتهم.
وقد نشرت 'أم القرى' في عدة أعداد منها عدد 1 مارس 1935م، وعدد 12 أبريل 1935م، مضامين تقرير اللجنة التي وضعت معايير دقيقة للسيارات التي ستقل الحجاج من العراق إلى المملكة في ذلك الزمن، حيث قدّم معدو التقرير توصيات تخص السيارات منها ما نصه: 'رأت اللجنة أن تفحص كل سيارة قبل التحرك من قبل ميكانيكي اختصاصي، وكذلك من قبل مدير شرطة اللواء في كل سفرة، وعلى أن يكون معها ماء كافٍ لركابها لمسافة 800 كيلو متر، وماء كاف لها لمسافة 800 كيلو متر، ويكون محركها وعجلاتها والفرامل التي فيها سالمة وقابلة للسفر، وأقسام السيارة الأخرى صالحة للسفر وتحمل المشاق السفرية، وأن تكون السيارة قابلة، من وجهة عامة، لجر الأثقال أو الحمل، وأن يكون فيها أدوات احتياطية مع زيوت كافية'.
وفي جانب أمن الطريق وضعت اللجنة بتوجيه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ضوابط لافتة تشير إلى حرصه على سلامة وأمن الحجاج، حيث جاء في تقرير اللجنة أهمية أن تسير السيارات على شكل قافلة صغيرة وتفصيل ذلك: 'يجب أن تسير القوافل في السنة الأولى من فتح الطريق متجمعة، وتحت نظام ثابت، يكفل خروج السيارات من النجف إلى الجميمة بصورة قافلة.
واقترحت اللجنة أن يكون السير من الجميمة كما يلي: تحمل كل سيارة ثلاثة أعلام ألوانها أحمر، وأخضر مائي، وأصفر، فيكون مدلول الأحمر التوقف لأسباب ميكانيكية، كتوقف السيارة من جهة وقوف الماكينة أو خراب الأقسام المطاطية، ومدلول الأخضر المائي لتوقف السيارة بصورة مؤقتة، إما لتموينها بالماء والبنزين، ومدلول الأصغر لمقصد الإسعاف من الشرطة لسبب من الأسباب، على أن يكون أبعاد هذه الأعلام (١,٥×٢) قدمًا، وأن تبلغ مدلولات تلك الأعلام إلى سائقي السيارات قبل الشروع بحركتها للتأكد من استعمالها بصحة'، كذلك من أبرز الشروط أن: 'يستلم القوافل في الجميمة أشخاص مسؤولون، يركبون بسيارتين صغيرتين أو بسيارة كبيرة، على أن يرأسهم شخص مسؤول ومعـه دلـيـل فطن'.
واشتمل التقرير على تفاصيل كثيرة ودقيقة حول مكونات الطريق ومصادر المياه في كل مرحلة من مراحله، فيجد المسافر حينها دليلًا إرشاديًا لمواقع الآبار والعيون الصالحة للشرب، إضافة إلى وصف لطبيعة الأرض وتضاريسها والطقس المتوقع في كل مرحلة من مراحل الرحلة وكيفية التعامل معها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رواتب السعودية
منذ 28 دقائق
- رواتب السعودية
في يوم التروية.. قلوب مطمئنة وأرواح متلهفة للحج الأكبر
نشر في: 4 يونيو، 2025 - بواسطة: خالد العلي بينما تتوافد أفواج الحجيج على مشعر منى، تتجلّى مشاهد إنسانية نادرة تنطق بالسكينة والرضا. الوجوه تضيئها ابتسامات الرضا، والعيون تلمع بالشوق إلى عرفات، وكأن الأرواح سبقت الأجساد إلى اللهفة والرجاء. في مشهد مهيب يلامس القلوب، يتجه ضيوف الرحمن إلى مخيماتهم، يخطون أولى خطواتهم في درب الحج، مستشعرين عظمة الركن الخامس من أركان الإسلام، في يومٍ يعرف بـ..يوم التروية..، يحمل من المعاني ما يفوق مجرد الاسم. لماذا سُمي بيوم التروية؟ يوافق يوم التروية الثامن من شهر ذي الحجة، ويُعد أول محطات مناسك الحج، وتعود تسميته إلى أن الحجاج في القديم كانوا ..يتروّون.. فيه بالماء، أي يتزودون به من مكة استعدادًا لما بعده من أيام الحج، خاصة يوم عرفة الذي لم تكن فيه مياه في السابق، ولهذا سمي أيضًا بـ..يوم النقلة..، إذ ينتقل فيه الحجاج من مكة إلى منى. من أعمال يوم التروية في هذا اليوم، يُحرِم الحاج المتمتع مرة أخرى بالحج من مقر إقامته، ويبدأ في التلبية قائلاً: ..لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك..، ثم يتوجه إلى مشعر منى، حيث يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة قصرًا دون جمع، في أجواء يغمرها الخشوع والسكينة. في هذا اليوم يحرص الحجاج على سنن النبي ﷺ، ومنها الاغتسال والتطيب ولبس الإحرام والتلبية بكثرة، والمبيت في منى قبل التوجه إلى عرفة وهو من السنن المؤكدة، لكن لا حرج على من تجاوزها دون تعمد. لوحة إيمانية متكاملة في يوم التروية مشعر منى، الذي لا يُسكن إلا أيام الحج، يتحول في هذا اليوم إلى لوحة إيمانية متكاملة، يلتقي فيها الناس من كل حدب وصوب، موحدين القلوب واللباس والنية. ووسط جباله التي تحتضن الحجيج، يبدأ القلب بالاستعداد لليوم الأعظم، يوم عرفة، حيث الوقوف والدعاء والانكسار بين يدي الله. ومع غروب شمس التروية، تزداد القلوب لهفة، والأنفاس تشتد توقًا، فالحج عرفة.. ويوم التروية ما هو إلا بداية الرحلة المباركة إلى المغفرة والتطهير، حيث تُمحى الذنوب وتُرفع الدرجات، في مشهد لا يتكرر إلا مرة في العمر. صور إنسانية وابتسامات ترتسم على محيا ضيوف الرحمن وهم يتجهون إلى مخيماتهم للمبيت ..يوم_التروية عبر مراسل ..الإخبارية محمد الحمادي..الحج_عبر_الإخبارية قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) June 4, 2025 المصدر: عاجل


رواتب السعودية
منذ 28 دقائق
- رواتب السعودية
مستشار الرئيس الفلسطيني
نشر في: 4 يونيو، 2025 - بواسطة: خالد العلي أكّد مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية وقاضي قضاة فلسطين الدكتور محمود الهباش، أن استضافة 1000 حاج وحاجة ضمن ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة، يُعدُّ تكريمًا لأهالي الشهداء والأسرى والمصابين كل عام، وبلسم للجراح. جاء ذلك خلال لقائه للحجاج الفلسطينيين المستضافين ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، بمقر إقامتهم في مكة المكرمة. وأوضح الدكتور الهباش أن هذه الاستضافة متصلة منذ سنوات، حيث يأنس بها أهالي فلسطين من ذوي الشهداء والأسرى والمصابين، لتخفف آلامهم ومصابهم، مبينًا أن موقف المملكة منذ بدء القضية الفلسطينية ثابت لم يتغير، فهي تدعم فلسطين بكل ما أوتيت من قوة، وفي ميادين متعددة ومختلفة: سياسيًا، واقتصاديًا، ودينيًا. وفي ختام حديثه، رفع مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، الشكر والثناء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ..حفظهما الله..، على خدمتهم للإسلام والمسلمين عامة، ودعم ورعاية أهالي فلسطين خاصة، وعلى كرم الحفاوة وجميل الضيافة لكل المستضافين في هذا البرنامج الإيماني، سائلًا الله أن يجزي الجميع خير الجزاء، وأن يحفظ المملكة من كل سوء ومكروه. المصدر: عاجل

سعورس
منذ 32 دقائق
- سعورس
من القلب إلى مكة… وطن يخدم بأمانة
هنا… المملكة، حيث الحُب يُترجم إلى خدمة في كل زاوية من الحرمين، في كل طريق إلى منى، تلمح أيادي بيضاء لا تُحصى، وقلوبًا تنبض بالعطاء، رجالٌ ونساء، جنودٌ في السرّ والعلن، يسابقون الوقت، ويُسهّلون المشقة، كأنهم وُلدوا لأجل هذه الرسالة فقط: "خدمة ضيوف الرحمن شرف، لا مهمة". هنا في المملكة، لا تُقاس الجهود بالأرقام، بل بالدعوات التي تُرفع من أفواهٍ مُتعبة، وقلوبٍ راضية، تُمسك يد عجوز لا تعرف لغته، وتُدلّ حاجًا أنهكه الطريق، وتسقي صغيرًا لا يعرف إلا أن يبتسم، فيردّ المَلَك في السماء ب: "آمين". الطرقات تُمهّد، والقلوب تتهيأ، والعين لا تنام… لأجل أن ينام الحاج مطمئنًا، ولأجل أن يُقال في السماء: "هنيئًا لقومٍ سخّرهم الله لخدمة بيته". من القيادة حتى أصغر متطوّع، تُكتب الحكاية كل عام بأحرف من ذهب: حكاية وطنٍ أحبّ الحجيج… فأبدع في الوفادة، ووهبهم كل شيء… من الأمن إلى الدعاء.