logo
عبد الهادي راجي المجالي : صراع الأسطوانات.. قراءة فكرية نقدية

عبد الهادي راجي المجالي : صراع الأسطوانات.. قراءة فكرية نقدية

أخبارنا٢٦-٠٢-٢٠٢٥

أخبارنا :
.. انقسام خطير في المجتمع، حول اسطوانات الغاز.. هنالك تيار يؤيد الأسطوانات البلاستيكية، بحكم التطور والحاجة، وهنالك تيار كلاسيكي يؤمن بأن الأسطوانة الحديدية عوامل الأمان فيها أكبر، وأن البلاستيكية غير آمنة..
الانقسام أيضا تطور إلى الساعة فهنالك تيار حداثي يؤمن بالساعة الأتوماتيكية، واخر باليدوية.. وأظن أن الانقسامات ستصل إلى (الجلدة) و(البربيش).
هنالك بعض القوى، التي خرجت عن أصل الصراع.. عن النظرية ذاتها، إلى الحديث عن (الحواشي)، وهذا يذكرني بالانقسام الذي جرى حول مفاهيم الاشتراكية لدى (مواتسي تونغ)، حين قرر أن عصب الاقتصاد والدولة هو المزارع، وليس الصناعي..
ذات الانقسام حدث في نظريات النقد، حول الشعر الجاهلي والتي فجرها طه حسين.. المهم الذين خرجوا عن أصل الصراع المرتبط بالمادة التي تصنع منها الأسطوانة، قدموا تنظيراً أبعد يصل إلى الجدل عبر طرح سؤال وجودي خطير وهو: (هل من المنطق الإساءة للموسيقار العالمي شوبان عبر وضع موسيقى في البكم، خاصة بالموزعين.. من مقطوعاته؟) اعتبروا الأمر إساءة للإرث العالمي، بالمقابل الأطراف الأخرى تطرح ذات السؤال الوجودي وهو ما هي الموسيقى التي نضعها إذاً؟ هل نضع (مندل يا كريم الغربي) مثلا..
المهم أن الصراع بين هذه التيارات انتقل للإعلام، والبعض عارض البلاستيكية والبعض انتصر لها، والقضية كلها مرتبطة بانفجار الأسطوانة إذا تعرضت (للحم).
السؤال الذي يطرحه أنصار الفلسفة الوجودية: (جان بول سارتر)، يرتبط بالعبث.. وأنا لا أقصد العبث في الفلسفة الوجودية المرتبط بالتمرد على القيم والمنظومات الاجتماعية والأخلاق وأن يعيش الفرد ضمن الغريزة، بحسب بعض تفسيرات أنصار هذه الفلسفة، وإنما العبث بالأسطوانة ذاتها.. فأنصار الخط الكلاسيكي الذين يفضلون الأسطوانة الحديدية يؤكدون: أن البلاستيكية تسهل على الموزع العبث فيها، من حيث كمية الغاز التي يجب حقنها، ومن حيث عملية السحب والشفط.. هذا بالطبع يتناقض مع أنصار البلاستيكية، الذي يحملون في داخلهم بعض جوانب من الف?سفة الوجودية، والتي تحث على رفض الواقع بكل تجلياته وتراكماته، إذا هنا نعود لأصل الصراع وهو بالضرورة وجودي.. مرتبط بالمادة: حديد أم بلاستيك.
بعض القوى البرجوازية الناعمة، خرجت عن أصل الصراع أيضا.. إلى عملية فحص الجلدة: هذه القوى تؤمن بأن فحص التسريب بالقداحة، يشكل خطرا على المجتمع وبالتالي لا بد من التوعية، لا بد من إطلاق مشروع ثقافي توعوي كبير حول خطورة (القداحة)، على المجتمع.. هذا بالذات ما فعله ماوتسي تونغ عام (1966) حين قام بحرق كل المنتجات الثقافية والفنية الغربية، وحصن العقل الصيني واعتبر منتجات الغرب تلويثا لهذا العقل.. القوى البرجوازية الناعمة في المجتمع تريد مشروعا موازيا وتصر على فحص التسريب بالصابون وليس بالقداحة.
يتبع الجزء الثاني غدا..

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تواريخ
تواريخ

العرب اليوم

time١٠-٠٤-٢٠٢٥

  • العرب اليوم

تواريخ

ثمة تواريخ تغيرت فيها حياتنا من دون استئذان، حيث تستجد على عاداتنا اليومية عادات لم نكن نتخيلها من قبل، وتصبح جزءاً أساسياً من الضرورات. ولا ندري إلا وقد صارت تقريباً في أهمية الخبز، أو السيارة، أو طبيب العيون. في فبراير (شباط) 2005، بدأ في كاليفورنيا شيء سحري يدعى «يوتيوب» وأصبح الآن الأكثر شعبية بعد «غوغل». شبكة أرشيفية توفر لك ما تريد العودة إليه من مواد مصورة، من محاضرات طه حسين، إلى أغاني شعبان عبد الرحيم. والفارق المريح بين محطات التلفزيون العادية و«اليوتيوب»، أنك تستطيع اختيار المادة التي تريدها، من أغاني سيد درويش، إلى بعض مقززات السياسة اللبنانية وما تتضمن من رعب وترهيب وتهديد ووعيد وتبشير بالخراب. في إمكانك طبعاً تجنب هذه الآفات والإصغاء إلى ما يسرّ الخاطر، ويهدئ النفوس. لكن العادات القديمة يصعب كسرها. وفي نهاية اليوم، تكتشف أنك بكل عفوية أمضيت معظم الوقت خلال الأزمات، في مشاهدة برامج الديوك المتصارعة، وسادة السفه، ومحترفي السموم. كم يكون صعباً وقاسياً عندما يتعين عليك أن تبدأ يومك بمثل تلك الوجوه، وأن تختمه بمثل تلك الأصوات، بخيارك وحريتك المطلقة. ثمة سباق دائم بين أبطال هذه البرامج، بين من يعرض لائحة الاغتيالات، ومن يقدم مواعيد الحروب التالية، وبين من يحدد موعد الزلزال الآتي، وحجمه، وأهواله المريعة. الويل لك أن تفيق على أخبار «المنطقة»، أو أن تنام عليها... «صباح الخير يا كآبة»، وتصبحون على خير يا أبناء الشرق الأوسط، قديمه وجديده، وبين بين! ليس من الضروري أن يكون جنابك متشائماً مثلي. في الصحافة طرفة تقول: إن المحرر يحلم طوال عمره بأن يصبح كاتب عمود، لكي يتوقف عن الكتابة عن سواه، وليكتب عن نفسه. لكن ما العمل إذا أصبح الأخ كاتب «كليشيهات» بدل كاتب زاوية، وأخذ يغرقك ويغرقنا بمكررات الخمول العقلي، والمسطحات المنقولة، غالباً عن نفسه. عزاؤك، طبعاً، في المبدعين. هؤلاء تعويضك عن المحل الفكري الذي لا شفاء منه. وليسوا قلّة والحمد لله. بل هم ساطعون منذ البداية بمواهبهم واجتهادهم في صقلها. وعبثاً يحاول الأدعياء والزاعمون ومخترعو الشخصيات الهزلية. حتى الاختراع في حاجة إلى موهبة. البلادة تفضحهم!

عبد الهادي راجي المجالي : صراع الأسطوانات.. قراءة فكرية نقدية
عبد الهادي راجي المجالي : صراع الأسطوانات.. قراءة فكرية نقدية

أخبارنا

time٢٦-٠٢-٢٠٢٥

  • أخبارنا

عبد الهادي راجي المجالي : صراع الأسطوانات.. قراءة فكرية نقدية

أخبارنا : .. انقسام خطير في المجتمع، حول اسطوانات الغاز.. هنالك تيار يؤيد الأسطوانات البلاستيكية، بحكم التطور والحاجة، وهنالك تيار كلاسيكي يؤمن بأن الأسطوانة الحديدية عوامل الأمان فيها أكبر، وأن البلاستيكية غير آمنة.. الانقسام أيضا تطور إلى الساعة فهنالك تيار حداثي يؤمن بالساعة الأتوماتيكية، واخر باليدوية.. وأظن أن الانقسامات ستصل إلى (الجلدة) و(البربيش). هنالك بعض القوى، التي خرجت عن أصل الصراع.. عن النظرية ذاتها، إلى الحديث عن (الحواشي)، وهذا يذكرني بالانقسام الذي جرى حول مفاهيم الاشتراكية لدى (مواتسي تونغ)، حين قرر أن عصب الاقتصاد والدولة هو المزارع، وليس الصناعي.. ذات الانقسام حدث في نظريات النقد، حول الشعر الجاهلي والتي فجرها طه حسين.. المهم الذين خرجوا عن أصل الصراع المرتبط بالمادة التي تصنع منها الأسطوانة، قدموا تنظيراً أبعد يصل إلى الجدل عبر طرح سؤال وجودي خطير وهو: (هل من المنطق الإساءة للموسيقار العالمي شوبان عبر وضع موسيقى في البكم، خاصة بالموزعين.. من مقطوعاته؟) اعتبروا الأمر إساءة للإرث العالمي، بالمقابل الأطراف الأخرى تطرح ذات السؤال الوجودي وهو ما هي الموسيقى التي نضعها إذاً؟ هل نضع (مندل يا كريم الغربي) مثلا.. المهم أن الصراع بين هذه التيارات انتقل للإعلام، والبعض عارض البلاستيكية والبعض انتصر لها، والقضية كلها مرتبطة بانفجار الأسطوانة إذا تعرضت (للحم). السؤال الذي يطرحه أنصار الفلسفة الوجودية: (جان بول سارتر)، يرتبط بالعبث.. وأنا لا أقصد العبث في الفلسفة الوجودية المرتبط بالتمرد على القيم والمنظومات الاجتماعية والأخلاق وأن يعيش الفرد ضمن الغريزة، بحسب بعض تفسيرات أنصار هذه الفلسفة، وإنما العبث بالأسطوانة ذاتها.. فأنصار الخط الكلاسيكي الذين يفضلون الأسطوانة الحديدية يؤكدون: أن البلاستيكية تسهل على الموزع العبث فيها، من حيث كمية الغاز التي يجب حقنها، ومن حيث عملية السحب والشفط.. هذا بالطبع يتناقض مع أنصار البلاستيكية، الذي يحملون في داخلهم بعض جوانب من الف?سفة الوجودية، والتي تحث على رفض الواقع بكل تجلياته وتراكماته، إذا هنا نعود لأصل الصراع وهو بالضرورة وجودي.. مرتبط بالمادة: حديد أم بلاستيك. بعض القوى البرجوازية الناعمة، خرجت عن أصل الصراع أيضا.. إلى عملية فحص الجلدة: هذه القوى تؤمن بأن فحص التسريب بالقداحة، يشكل خطرا على المجتمع وبالتالي لا بد من التوعية، لا بد من إطلاق مشروع ثقافي توعوي كبير حول خطورة (القداحة)، على المجتمع.. هذا بالذات ما فعله ماوتسي تونغ عام (1966) حين قام بحرق كل المنتجات الثقافية والفنية الغربية، وحصن العقل الصيني واعتبر منتجات الغرب تلويثا لهذا العقل.. القوى البرجوازية الناعمة في المجتمع تريد مشروعا موازيا وتصر على فحص التسريب بالصابون وليس بالقداحة. يتبع الجزء الثاني غدا..

الكتابة الوامضة عند عبد الفتاح صبري
الكتابة الوامضة عند عبد الفتاح صبري

الدستور

time٣٠-٠١-٢٠٢٥

  • الدستور

الكتابة الوامضة عند عبد الفتاح صبري

د. راشد عيسى عبد الفتاح صبري أديب مصريّ عُرف بنصوصه القصيرة الوامضة المتفلّتة من أطر الأجناس الأدبية الشائعة. فهي نصوص مفتوحة على التماع المجاز الشعري، والالتقاطة السردية، والرمزية العرفانية، نصوص منسوجة بحكمة تعبيرية ينهل منها القارئ العام، ويشتبك بعمق تأويلها صفوة المبدعين معًا. إنها البساطة الماكرة المنسجمة مع مختلف آليات التلقي، ومع مختلف تفاصيل الحياة والمكابدات الشعورية والعقلانية التي تواجه أسئلة الحلم وتأخذ الذات الإنسانية إلى مراقي التأمل ومنتجعات الأنين الوجودي السعيد. تنطوي هذه النصوص تحت شكلانية مشتركة هي [فن العبارة القصيرة]، العبارة ذات البخل اللغوي والكرم الدلالي، عمادها التكثيف، وهي في صياغتها ومقاصدها إنما تنسلك بصورة من الصور في مسربين رئيسين من مسارب البث الأدبي الرمزي هما الإبيجراما ومواقف الرؤية [المتصوفة]، فأما الإيبجراما فهي نصوص قصيرة نقشها القساوسة والرعاة اليونانيين على الحجارة والصخور متضمنة لمعًا من الحكم والوصايا الوجدانية الرشيقة. ربما كان طه حسين أوّل من جرّبها عربيًا على شكل حكايات قصّيرة في كتابه المعروف [جنة الشوك] ثم تبعه عز الدين إسماعيل وجرّبها شعريًا في كتابه [دمعة للأسى دمعة للفرح]. استمرت العبارة القصيرة في النمو والانتشار حتى بلغت الآن ذروتها في ما صار يُسمّى [بالومضة الأدبية المستقلة] تلك التي ليست شعرًا صافيًا ولا قصة قصيرة خالصة. إنما هي عبارة قليلة الكلمات كثيفة الدلالة ومشبعة بالمجاز والاستعارة. وقد بات لهذا اللون الأدبي الحرّ كتابه وقراؤه ومشجعوه. ولعبد الفتاح صبري حزمة إصدارات متوالية من النصوص الإيبجرامية التي تستند إلى كثافة اللغة ورحابة التأويل، وتتجه بتلقائية إلى مفهوم النص المفتوح وتداخل الأشكال الأدبية، وسأحاول الإضاءة على أهم المفارز الإبداعية في هذه الكتب التي تمثل تجربة أدبية جديرة باستحقاق التوهج. أولًا: الإيماض القصصي في نصوص قابلة للنسيان: نصوص هذا الكتاب قصص قصيرة جدًا من نوع الومضة القصصية التي بناها الكاتب بمؤونة لغوية قليلة ولكن بكمّ عميق من المواربات الدلالية الخاصة في جوانيتها المترامية الأبعاد من مثل: سؤال: النافذة مغلقة بتعمّد الباب مغلق بتعمّد المرأة الفاتنة تتسرب روحها للخارج لتعانق آخر بحرية. تمرّد: في آخر السهرة الفستان الأخضر يشهق عطرًا ويرفض أن يغادر جسد النور. الرجل الأشيب، جلس يقتات الضجر وبجواره امرأة خضراء تقتات الحلم الشهيّ بغيظ. .... فمثل هذه النصوص هي بؤر مركزية لمفهوم الحنين الخاص الذي تتوهج به المرأة بشكل مكتوم يعادل الحلم المحرّم، فالكاتب مشغول بسبر أحوال لحظة الشوق العارم التي تنكمش في نفس المرأة بسرانيّة باهظة. نلاحظ أن البناء الفني في النصوص الثلاثة قائم على لقطة سردية تمثل الحدث والشخص والزمان عبر نقطة التوهج في المغزى من غير حاجة النص إلى كلام كثير آخر يُعيد لفت الانتباه إلى ذلك المغزى المروم. كما يحتوي هذا الكتاب على نصوص أخرى ذات دسم دلالي وبناء فني متنوع مغموس بالمجازات والتوريات الممتعة مثل: اكتشاف: بخطى واثقة يدخل إلى ذاته فيكتشف كم هو عريان!! ثانيًا: الرمزية العرفانية يكشف عبد الفتاح صبري في كتابه [طواسيني الأخيرة] عن اتجاه فلسفي عرفاني عميق قائم على تأمل الوجود وعلاقته بالذات في ثنائية ضدية قائمة على الجمع بين المتناقضات في ديناميكية جدلية تستخدم اللغة المشفّرة والإيماءات الكنائية العالية التي لا يعيها أو يقترب من بياضها إلا العارفون من صفوة المثقفين. وتمتاز هذه الطواسين بأنها أعلى الرتب التعبيرية التي ألفناها عند المتصوّفة، الحلاج في طواسينه والنفري في مواقفه، وابن عربي في شذراته، والبسطامي في تجلياته ..والطواسين عائدة في دلالتها إلى حرفي [طس] وما يتعالق بهما من لمع معرفية قلبية لا تستند إلى العقل قدر التحامها مع المخيال القلباني الذي يحقق متعة التيه الدلالي، ولذة تشوّف المعنى المقصود وهو معنى مخاتل روّاغ متوارب مُشبع بالمجاز الإشاري الذكي. ففي [طس أول] في مفتتح الكتاب يقول صبري: «أشكل من حروفي خريطة يقيني كي تظل دروبي ذاهلة نحو الغياب». ولذلك لعمري جوهر التعبير التصوفي الذي يستمتع بأرجحة الذات الذاهلة بين الحضور والغياب، فتترنح الكلمات باحثة عن قرار نهائي للمقصد فلا تجد. وتبقى اللغة معتمدة على هذا الشطح في رحلته البلاغية المشاكسة لعقل البيان الثابت منجزةً ما يمكن أن أسميه علاقة الاغتراب الحميم بين الوضوح الغامض والغموض الواضح. لذلك فإن الطواسين والمواقف ألعاب فكرية بلاغية معًا تأخذ اللغة إلى الفتنة وملاعب الرّيب اللذيذ، حيث لا حقائق في هذا الكون الملتبس على نفسه إلا الأكاذيب المسلّية. وهكذا فكل عبارة من الطواسين هنا جبل محشور في قنينة أو بحر مخنوق في فنجان ومن أمثلة ذلك: * لما قصدت التفاصيل ضاعت مني مقاصدي. * أخيرًا اكتشفت غبائي أني أطرق بابًا مفتوحًا. * مولاي حررني مني كي أمتلك ظلًا يحملني إليك. وغير ذلك من النصوص المتوقدة بين سماوات التجلي وأراضين الخفاء. ثالثًا: الذات والكائنات في نصوص أنا أكذب تمثل نصوص هذا الكتاب التماعًا روحانيًّا نحو أهمية البيت الذي فقده صاحبه وكنّى عن ذلك (بموت البيت) وهي كناية تحفر بعيدًا في انفتاح دلالة البيت على أنه الحياة في جوهرها: - أريد أن أعود إلى بيتي الذي مات وإلى الناس الذين لم يتبدلوا. وفي ذلك عودة نفسية إلى البراءة في الزمن الطفولي والمكان الطفولي وإلى طيبة المكان وأهله من ناس وكائنات: - صرخت... حين صرخت النخلة بدارنا ولم تنتظر هوتْ من علوّها الجريح وهمدت بجوار جذعها لتستريج. - فهل سأسقط الآن من علويّ؟ من سيندهش لغيابي وركوعي في دنوّي؟ - قبل سبعين قرنًا ترجلت من نومي نهضت متثاقلًا ومتفائلًا.. فمثل هذه المقاطع إنما هي نوع من الكتابة الموجزة الحرة من أي شكل، تلعب فيها الفانتازيا واللامعقول دورًا أساسيًّا في حرية التعبير والترميز؛ للإشارة إلى العلاقة التوحدية بين المؤلف والكائنات التي يتعايش معها. إنه يؤنسن الجمادات والحيوانات والنباتات بصفتها كائنات حية لا تقل أهمية إنسانية عن معنى الإنسان. لذلك يذهب الكاتب إلى مالا يصدق من الأفكار الغريبة النافزة من واقعيتها إلى عالم التأمل في سديم الرؤيا الحرة المكابرة. ولذلك سمّى كتاب «أنا أكذب» وحقًا هو يصدق في هذا العنوان لأن الأدب الحق هو نوع من الكذب الفني الجليل الذي يمنح اللغة إشراقاتها الشاهقة وبلاغتها العلوانية الراقية. رابعًا: كتاب « المرأة – أقوال غير ضرورية». في هذا الكتاب تتوهج حماسة المؤلف لتدوين مرائيه في شخصية المرأة ونفسيتها وسلوكها ولا سيّما غموضها، وهذه المرائي هي في الكثير منها متأتية من لغته وخبراته ومعايشاته الشخصية لها، وفي القليل منها صادرة عن خبرات قراءته السابقة لأقوال مأثورة في المرأة وهي قراءة تعيد تدوير الفكرة بمفردات جديدة. وقد دخل صبري غابة المعنى واشتبك بأغلب أو بأخصب الرؤى التي تحاول وصف كينونة المرأة، وهي كينونة – كما يتبدى – متناقضة متغيرة لا تعرف الثبات، فمن ذلك عبارات التحذير من مثل: - احذر المرأة بعد البكاء. - المرأة حين تصمت تتكلم دموعها. غير أن صبري أتى على سمات وتفاصيل في حياة المرأة غاية في العمق والدهشة، وقد افتتح كل عبارة بكلمة المرأة. بحيث بدت هذه المرأة مركزًا للبث الشعوري والنظر العقلي في هذه الكينونة الساحرة المؤثرة. وقد جاءت أغلب العبارات في صور اتهامات أو إصدار أحكام. لكنها في النهاية آراء ذكورية فيها من الصحة ومن الدعوة إلى تدبر عالم المرأة الشيء الكثير. وهي أقوال نابعة من فؤاد خبير وعقل مصاب بالجروح الطويلة جراء علاقاته مع المرأة وظلالها. وللحق مهما يكتب الفلاسفة والشعراء والأدباء عن عالم المرأة فسيبقى لطيفًا يحقق المتعة لكنه بالضرورة ليس نهائيًا، لأنه احتمال، والاحتمال يحتمل نسبة من الصدق والخطأ معًا. وبهذا الكتاب يتناول صبري مساحة واسعة من عالم المرأة في صورتها النفسية وفي ديناميكية خلقها على هذه الحال العجيبة التي تحطم أكبر العقول في غرائبيتها وسرعة تحولاتها. نعم ! ثمة شجاعة من المؤلف في تناول توصيف أخلاق المرأة بهذه الجسارة الأدبية اللطيفة التي أسماها أقوالًا غير ضرورية ليحفظ خط الرجعة من الناقدات النسائيات على الأقل. وفي تصوري إنها أقوال مشبعة بمصداقية الأحاسيس والتفكير من رجل له خبرة طويلة بما قيل عن المرأة وبما لم يُقل بعد وبما سيقال. خامسًا: الخلاصة عبد الفتاح صبري أديب ينفرد بكتابة النصوص القصيرة ذات المفردات القليلة والمعاني الكثيرة، وهو لا ينسبها إلى جنس القصة ولا الشعر ولا الخاطرة إنما يسميها نصوصًا (مفتوحة) على التأويل، وهي من حيث العبارة القصيرة منسجمة مع عصر السرعة ومع طبيعة الأدب العظيم الذي يؤثر الشذرة وينحاز للومضة فيوفر على نفسه وعلى المتلقي عناء الوقت والجهد وهدر الكلام. نحن أمام كاتب يتماس مع الشاعرية والسردية والبوح التصوفي لبلوغ أعالي الكلام، بحيث يكون نصه ومضة ذهبية انتشلها من بين ركام الأتربة اللغوية، إنه عرْقُ التبر الذي نجا من سطوة التراب. لذلك أعدُّ صاحبنا واحدًا من قرابة عشرين أديبًا عربيًا خصصوا كتاباتهم لهذ النوع من الومض التعبيري الأدبي المكثف بعيدًا عن أسيجة الأجناس الأدبية المفتوحة للجميع. إنه كاتب مكمون بالرؤى العميقة ومحتشد بفلسفة النحلة التي تطارد روائح الأزهار البرية المجنونة لتجني عسل الحكمة وسكّر الرؤيا بأناقة لغوية، ولكن بكثير من الحساسية التأويلية. ومن هنا فإن هذه النصوص تصلح لعمل المنهج التفكيكي الذي ابتكره جاك ديريدا في تحليل الأدب، فهو يرى أن لكل كلمة تاريخًا طويلًا، ولا يستطيع المحلل أن يُلمٌ بهذا التاريخ، لذلك يبقى النص قابلًا للتأويل والإضافة والتخمين المتواصل. - وفيما أرى – يتبدّى لي أن ذروة تجليات صبري كانت في نصوص قابلة للنسيان، وفي كتابه الأهم (أخلاق الظل) وهو كتاب سأعيره إلى زميل لي مشغول في تأليف كتاب عن فلسفة الظل في الأدب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store