
وقت الفراغ في الشَّرق والغرب.. وأثره على تطوُّر الحضارة!سعود قبيلات
وقت الفراغ في الشَّرق والغرب.. وأثره على تطوُّر الحضارة!
سعود قبيلات*
يتكرَّر تذمّر البعض، لدينا، مِنْ كُلِّ ما يعتبرونه أيّامَ عطلٍ طويلة يحصل عليها العاملون. ويدعم هؤلاء وجهات نظرهم تلك بتصوّرات نمطيّة سطحيّة زائفة عن أحجام وقت الفراغ ووقت العمل في 'الشَّرق' وفي 'الغرب'.
تالياً، أتقدّمُ بمحاولة لتفكيك هذه التَّصوّرات النَّمطيّة والغوص تحتها لرؤية المشهد بصورته الحقيقيّة الكلّيّة:
في سياق انطباعاته عن زيارته لتونس في العام 1920، قال عالم النَّفس السّويسريّ الشَّهير كارل غوستاف يونغ يصف فارساً تونسيّاً قابله في إحدى الواحات: 'ها هو ذا رجل لا يملك بالتَّأكيد ساعة جيب ولا ساعة معصم، لأنَّ من الواضح أنَّه شخص لا يعي ذاته كما كان على الدَّوام. تنقصه اللمحة الخفيفة من الجنون الملتصقة بالأوروبِّي. فمن المؤكَّد أنَّ الأوروبِّي على يقين أنَّه لم يعد ذلك الإنسان الَّذي كانَه في الأزمنة البعيدة لكنَّه لا يعرف ما صار إليه. تخبره ساعته أنَّه منذ 'القرون الوسطى' كان الزَّمن، ورديفه التَّقدّم، قد زحفا عليه وأخذا منه شيئاً لا يمكن استعادته. ويبقى مسافراً حاملاً حقيبته بسرعة تتزايد بثبات نحو أهداف مشبوهة. ويعوِّض عن فقدان الجاذبيَّة والإحساس بالنَّقص بانتصارات وهميَّة مثل السّفن التِّجاريَّة وسكك الحديد والطَّائرات والصَّواريخ الَّتي تسرق منه الدَّيمومة وتنقله إلى واقع آخر هو واقع السّرعة والتَّعجيل المتفجِّر'.
ويتابع يونغ قائلاً:
'كلَّما أوغلنا في الصَّحراء كلَّما أبطأ الزَّمن بالنِّسبة لي، حتَّى أنَّه هدَّدني بالتَّراجع. وساهمتْ موجات الحَرّ اللاهب في حالتي الحالمة، وحين وصلنا إلى النَّخلات الأولى ومنازل الواحة بدتْ لي وكأنَّ كلَّ شيء هنا هو بالضَّبط كما يجب أنْ يكون وكما كان منذ الأزل'. (مِنْ كتاب 'ذكريات، أحلام وتأمّلات' – كارل غوستاف يونغ).
هنا، الزَّمن مقسَّم ما بين 'الشَّرق' وبين 'الغرب' على أساس الجغرافيا والمناخ والبيئة، وهذا أحد نماذج الرّؤية الاستشراقيَّة النَّمطيّة للزَّمن. وقد ينقسم الزَّمن – وفق هذه الرّؤية الاستشراقيَّة نفسها – أحياناً على أساس الاختلافات الثَّقافيَّة، وأحياناً أخرى على أساس بعض التَّصنيفات البيولوجيَّة.. عندما تتَّخذ الرّؤية الاستشراقيَّة طابعاً عنصريّاً صريحاً.
والحقيقة أنَّ موضوعة الزَّمن من الموضوعات الَّتي تشيع فيها أفكار نمطيَّة مستهلكة جدّاً، ووهميَّة في الكثير من الأحيان، حول علاقة 'الشَّرق' بـ 'الغرب' والفروقات بينهما. وهي أفكار مشتركة ما بين النَّاس في 'الشَّرق' و'الغرب'. ولكن هذا التَّشارك شكليّ تماماً؛ إذ بينما تعبِّر الأفكار النَّمطيَّة تلك لدى النَّاس في 'الغرب' عن مضمون استشراقيّ، تعبِّر الأفكار نفسها في 'الشَّرق' عن مفهوم 'استشراقيّ معكوس'. أي أنَّها تتأسَّس في 'الغرب' على مركزيَّة 'الغرب' في النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ، بينما هي تتأسَّس في 'الشَّرق' على طرفيَّة 'الشَّرق' وهامشيَّته في هذا النِّظام.
ما نحن بإزائه، في الحقيقة، ليس زمنين (أو ساعتين) كما يشاع أيضاً بصورة نمطيَّة، وإنَّما ثلاث أزمان (أو ثلاث ساعات). حيث 'السَّاعة' الأولى هي ساعة المراكز الرَّأسماليَّة، و'السَّاعة' الثَّانية هي 'ساعة' أطراف النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ وهوامشه. أمَّا 'السَّاعة' الثَّالثة، فهي «ساعة» النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ ككلّ، وهي تشمل «الشَّرق» و«الغرب» معاً.
وبصورة عامَّة فإنَّنا إذا ما أردنا أنْ نتناول مفهوم الزَّمن بصورة جديَّة، فيجب أنْ نتجاوز عندئذٍ الأفكار النَّمطيَّة السَّطحيَّة السَّاذجة الَّتي تقوم في العادة على الاستشراق أو الاستشراق المعكوس، لنبحث في مضمون الزَّمن ومحتواه الاجتماعيّ الاقتصاديّ (والسِّياسيّ بالضَّرورة). وإلا فإنَّنا لن نخرج بأيّ تصوّر حقيقيّ لمفهوم الزَّمن، وسنحصر أنفسنا في إطار التَّعامل معه كمعيار كميّ لمعطى وهميّ. أمَّا إذا نظرنا إلى الزَّمن بناء على محتواه، فسيبدو لنا الانفصال بين هذين الزَّمنين (بل الثَّلاثة) تعسفيّا وزائفاً لا يساعد على فهم الصّورة الحقيقيّة.. لا بكلِّيَّتها ولا بتفاصيلها، بل يزيّفها ويزوّرها.
إذا ما أردنا أنْ نتناول مفهوم الزَّمن بصورة جديَّة، فيجب أنْ نتجاوز عندئذٍ الأفكار النَّمطيَّة السَّطحيَّة السَّاذجة الَّتي تقوم في العادة على الاستشراق أو الاستشراق المعكوس، لنبحث في مضمون الزَّمن ومحتواه الاجتماعيّ الاقتصاديّ (والسِّياسيّ بالضَّرورة).
ومن الأفكار النَّمطيَّة الدَّارجة، الفكرة الَّتي تتحدَّث عن أهمّيَّة الزَّمن الكبيرة في «الغرب» وعدم أهميَّته في «الشَّرق».. بيد أنَّ أصحاب هذه الفكرة لا يبحثون في أسسها الماديَّة، وبالنَّتيجة فهم لا يقولون لنا ما هي أسبابها الحقيقيَّة، كما أنَّهم يتحدَّثون عن هذا التَّقييم باعتباره مطلقاً وعامّاً في «الشَّرق» وفي «الغرب».
وطبعاً، الصّورة الَّتي تنشأ بناء على هذا التَّصوّر الغامض إنَّما هي صورة مقلوبة رأساً على عقب؛ حيث يتمّ تفسير مشاكل الإنسان العربيّ في الكثير من الأحيان بكونه لا يتميَّز بخاصيَّة تقدير أهميَّة الوقت. لكن، لا أحد مِنْ هؤلاء يقول لنا في الواقع أيّ وقت هذا الَّذي يجب أنْ يهتمّ به الإنسان ويقدِّره حقَّ قدره؟ ولماذا يجب عليه أنْ يقدِّره؟ أو بالأحرى لماذا هو لا يهتمّ به ولا يقدِّره.
إنَّ وقت الإنسان الَّذي تتراكم أرباحه الضَّخمة كلَّ ساعة وكلّ يوم ليس مثل وقت الإنسان الَّذي تتراكم ديونه بدلاً مِنْ ذلك. ووقت الإنسان الَّذي تتوفَّر لديه كلُّ احتياجاته، ويتمتَّع بشروط إنسانيَّة عالية، ويحظى بقدر جيِّد من الحرّيَّة، ليس مثل وقت الإنسان الَّذي ينقصه الكثير مِن الاحتياجات الضَّروريَّة، ويفتقر للكثير مِنْ شروط الحياة الإنسانيَّة، ولا يتمتَّع بالحدّ الأدنى الضَّروريّ من الحرّيَّة.. في مختلف جوانب حياته.
إنَّ وقت الإنسان الَّذي تتراكم أرباحه الضَّخمة كلَّ ساعة وكلّ يوم ليس مثل وقت الإنسان الَّذي تتراكم ديونه بدلاً مِنْ ذلك.
لكن، كما هو الحال في جميع التَّفسيرات الاستشراقيَّة والاستشراقيَّة المعكوسة، يتمّ تفسير الموقف من الوقت في «الشَّرق» وفي «الغرب» (الَّذي يتَّخذ في هذه الحالة طابع التَّعميمات المطلقة) بأسباب غامضة مثل الجغرافيا أو البيئة الطَّبيعيَّة أو البيئة الثَّقافيَّة والتُّراثيَّة، أو حتَّى العوامل البيولوجيَّة.. لدى أصحاب التَّوجُّهات العنصريَّة الصَّريحة في «الغرب» أو العنصريَّة المعكوسة (ضدّ الذَّات) في «الشَّرق».
والوقت في «الغرب»، بحسب الفكرة العاميَّة وشبه العاميَّة لدى النَّاس في «الشَّرق»، يُصوَّر على أنَّه مملوء دائماً بالعمل؛ بحيث أنَّ الإنسان الغربيّ أشبه ما يكون بالآلة في مخيِّلة الإنسان الشَّرقيّ، في حين يُصوَّر وقت الإنسان الشَّرقيّ على أنَّه مملوء دائماً بالفراغ. وطبعاً يُنظر إلى لفراغ، بحسب رواسب التَّفكير العبوديّ والإقطاعيّ (وبمفهوم الرَّأسماليَّة المتوحِّشة أيضاً) على أنَّه مفهوم سلبيّ بالمطلق.
والحقيقة أنَّ هذه تصوّرات غير حقيقيَّة، وهي مبنيَّة على فهم كمِّي سطحيّ قاصر؛ فـ«الغرب» لا يتميَّز، كما هو شائع، بكونه يهتمّ بتعبئة وقته كلّه بالعمل، بل بكونه يحظى بمقدار جيِّد من الفراغ، وكبير بالمقارنة مع ما يُتاح للشّعوب الأخرى الأقلّ تقدّماً. فهو اكتشف، مِنْ خلال تجربته، ومِنْ خلال تطوّره العلميّ الشَّامل.. خصوصاً في مجال العلوم الإنسانيَّة، ما للفراغ مِنْ أهميَّة كبرى في تطوّر الحضارة وفي تطوّر شخصيَّة الإنسان.
وطبعاً ليس المقصود هنا القول إنَّ الفراغ خيرٌ مطلق وإنَّ العمل شرٌّ مطلق، بل المقصود هو ضرورة إيجاد معادلة علميَّة وإنسانيَّة سليمة تكفل التَّوازن بين وقت العمل وبين وقت الفراغ. وهذه المعادلة بالذَّات هي الَّتي انبنت عليها الحضارة الإنسانيَّة بمجملها، ولولاها لبقي الإنسان بمستوى الحيوان.
وفي البداية، قامت هذه المعادلة على أساس تقسيم العمل إلى عمل ذهنيّ وآخر بدنيّ، وكلٌّ منهما منفصل عن الآخر. حيث تخصَّص بعض النَّاس بإنتاج الأفكار، وتخصَّص بعضهم الآخر بإنتاج الخيرات الماديَّة وأدوات الإنتاج بصورتها البدائيَّة. وقد أدَّى هذا إلى إرساء القواعد الأساسيَّة لتطوّر الحضارة الإنسانيَّة بمستوياتها المختلفة.
لكن، في ما بعد، ولآلاف السِّنين، تباطأتْ إلى حدٍّ كبير حركة تطوّر الحضارة الإنسانيَّة ولم تشهد أيَّ اختراق نوعيّ في العلوم أو الزِّراعة أو الصِّناعة أو أسلوب حياة النَّاس وأفكارهم طوال تلك المدَّة. والسَّبب هو الانفصال شبه التَّامّ ما بين عمليَّة إنتاج الأفكار، مِنْ جهة، وبين عمليَّة إنتاج الخيرات الماديَّة وأدوات الإنتاج، مِنْ جهةٍ أخرى. وفي سياق هذا الانفصال الطَّويل، نشأ احتقار متبادل ما بين المنتجين في هذين الحقلين لا تزال رواسبه موجودة في عقول النَّاس حتَّى الآن؛ حيث كان منتجو الخيرات الماديَّة ووسائل الإنتاج يقلِّلون مِنْ شأن الأفكار المجرَّدة، ومنتجو الأفكار المجرَّدة يقلِّلون مِنْ شأنْ عمليَّة إنتاج الخيرات الماديَّة وأدوات الإنتاج.
وبالنَّتيجة، فقد كان الَّذين يعملون في إنتاج المواد لا يملكون وقت الفراغ اللازم للتَّفكير في مشكلات عملهم وكيفيَّة حلِّها وتطوير نوعيَّة إنتاجهم ومستواه؛ وقبل هذا وذاك، لم تكن تتوفَّر لهم الإمكانيَّة لتلقِّي العلوم الضَّروريَّة مِنْ أجل تطوير مستوى تفكيرهم. وهذا بينما لم تكن لدى منتجي الأفكار أيَّة تصوّرات حقيقيَّة عن ظروف إنتاج الخيرات الماديَّة ومشكلاته وسُبل حلِّها.. ما أدَّى إلى أنَّ الأفكار الَّتي كان ينتجها هؤلاء لم تكن لها علاقة بحياة غالبيَّة النَّاس واحتياجاتهم، بل فقط باحتياجات الأقليَّة المتسلِّطة والمترفة.
وظلَّ الأمر يسير على هذا النَّحو إلى أنْ أدَّى التَّطوّر الاجتماعيّ الاقتصاديّ «الطَّبيعيّ»، في الهوامش الإقطاعيّة للنِّظام الخراجيّ، إلى ولادة الطَّبقة الوسطى وانتشارها في المدن، أي نسبيّاً خارج ميدان الصِّراع التَّناحريّ بين الطَّبقتين الرَّئيستين آنذاك؛ طبقتي الأرستقراطيّين والأقنان، اللتين كان الرِّيف وعلاقات العمل فيه هما ميدان صراعهما الأساسيّ.
بعد ذلك، بدأتْ الخطوات الأولى الحقيقيَّة الَّتي أسَّستْ للاختراق الحضاريّ الكبير اللاحق في العلوم بمختلف مجالاتها وفي الصِّناعة والزِّراعة والقيم الإنسانيَّة والأفكار.. إلخ، وهو ما سُمِّي بعصر النَّهضة.
ولقد نشأ هذا التَّطوّر، في البداية، على أكتاف مجموعات الحرفيّين المغلقة ومعاملها البدائيَّة الصَّغيرة. وكان على هذه الطَّبقة الجديدة الصَّاعدة أنْ تجتهد مِنْ أجل خلق السِّياق الاجتماعيّ الاقتصاديّ والسِّياسيّ الجديد الَّذي يسيِّدها ويفتح لها آفاق التَّطوّر الواسعة. وهنا، وجدتْ نفسها في حالة تحالف موضوعيّ مع الأقنان وفي حالة تناقض مع الإقطاعيّين ومع علاقات العمل الإقطاعيَّة.
وقد ساعدت هذه الطَّبقة الأقنان على التَّحرّر مِنْ ربقة الإقطاع ليتحوَّلوا إلى طبقة عاملة لديها بظروف عمل لا تقلّ بشاعة وقسوة عن ظروف الاستغلال الإقطاعيَّة.
وهكذا، نشأتْ الرَّأسماليَّة المتوحِّشة الَّتي خطتْ خطوات مهمَّة في البداية على صعيد تطوير الحضارة والعلوم. ثمَّ راحتْ تراوح في مكانها في ما بعد.. بسبب شروط العمل القاسية والبدائيَّة الَّتي كانت تفرضها على الطَّبقة العاملة وعلى غالبيَّة المجتمع بالنَّتيجة.
وفي هذا السِّياق، نشأتْ الحركات والأفكار الاحتجاجيَّة العماليَّة للمطالبة برفع الأجور وتحسين شروط العمل وخفض عدد ساعاته. وبعد كفاحٍ طويلٍ ومرير، بدأتْ هذه الحركات والأفكار تحقِّق شيئاً من النتائج المرجوَّة، فحصل العاملون على ظروف معيشة أفضل نسبيّاً، وجرى تحديد ساعات العمل وتوفير وقتٍ للفراغ، وعندئذٍ انفتحتْ الآفاق مجدَّداً أمام تطوّر الحضارة الإنسانيَّة وأمام مستويات أخرى نوعيَّة من الثَّورات الصِّناعيَّة والعلميَّة والفكريَّة.
وهنا، انفتح عصر الأفكار والاكتشافات والحركات والتَّطوّرات الجماهيريَّة، ولم يعد ممكناً لأيّ بلد أنْ يتحوَّل إلى بلد صناعيّ متطوِّر بالاعتماد على أفكار النّخبة ومبادراتها فقط. بل أصبح من الضَّروريّ أنْ تترافق مع ذلك تهيئة حقيقيَّة للمجتمع ليكون مستقبِلاً جيِّداً لتعميم العلوم والقدرات التَّصنيعيَّة في حدِّها الضَّروريّ الأدنى على الأقلّ. وهي العمليَّة التي يشير إليها البعض أحياناً بصورة غامضة عن طريق استخدام مفهوم «توطين التّكنولوجيا».
ومِنْ الطَّبيعيّ أنَّ هذا تطلّب (ويتطلَّب)، من المجتمعات الصِّناعيَّة أو الرَّاغبة في الانتقال إلى التَّصنيع، خلق معادلة علميَّة مدروسة تضمن المواءمة ما بين وقت العمل وبين وقت الفراغ.
ولذلك، فبخلاف الخرافة الشائعة في «الشَّرق» عن «الغرب»، يتمتَّع الإنسان الغربيّ الآن بمساحة مِنْ وقت الفراغ تفوق بكثير ما يتمتَّع به النَّاس في المجتمعات الأقلّ تطوّراً. ويمتدّ وقت الفراغ هذا في «الغرب» على مساحة كبيرة نسبيّاً من العطل؛ منها العطل الأسبوعيّة المكوَّنة على الأغلب مِنْ يومين، والإجازات والعطل والأعياد السَّنويَّة، وهذا إضافة إلى كون ساعات العمل اليوميَّة قليلة نسبيّاً بحيث أنَّها تتكوَّن في بعض البلدان الغربيَّة المتقدِّمة مِنْ 35 ساعة فقط.. أسبوعيّاً.
وهنا، ينتقل الحديث في عالمنا العربيّ، في العادة، من التَّأكيد على ضرورة زيادة مساحة الوقت المخصَّص للعمل قياساً بما هو متوهَّم عن «الغرب»، إلى المقارنة ما بين مستوى إنتاجيَّة وقت العمل في «الغرب» ومستوى إنتاجيَّته في «الشَّرق». ويُشار، في العادة، إلى أنَّها في «الغرب» أفضل ممَّا هي عليه في «الشَّرق». بيد أنَّ القائلين بهذا الكلام يتجاهلون، بالمقابل، حقيقة الاختلاف الكبير ما بين شروط العمل والحياة في «الشَّرق» وبين شروط العمل والحياة في «الغرب». حيث إنَّ تلك الشُّروط في «الغرب» أفضل بكثير – كما هو معروف – ممَّا هي في «الشَّرق».
وطبيعيّ أنَّه حيثما تكون شروط الحياة وشروط العمل أفضل تكون إنتاجيَّة العمل أيضاً أفضل. أكبر دليل على صحَّة هذا الكلام، نأخذه مِنْ تجربة «الغرب» نفسه؛ فحين كان «الغرب» يعيش في طور الرَّأسماليَّة المتوحِّشة لم يكتفِ العمَّال هناك، آنذاك، في ما يخصّ ردّهم على شروط العمل والحياة السَّيئة الَّتي كانت مفروضة عليهم، بتقديم مستوى منخفض من الإنتاجيَّة فقط، وإنَّما أيضاً كانوا يقومون بتخريب الآلات ومرافق المصانع، وخصوصاً عندما أصبحتْ الآلات تهدِّد وظائفهم.
إنَّه، كي يشعر الإنسان بالمسؤوليَّة، يجب أنْ يكون حرّاً أوَّلاً، ويجب أنْ تكون شروط حياته جيِّدة قبل ذلك.. أي أنْ تكون شروطاً إنسانيّة. بينما عندنا، في «الشَّرق»، يتمّ تقديم هذه الفكرة بصورة معكوسة تماماً؛ حيث يجري الحديث في العادة عن المسؤوليَّة كشرط مسبق للحرّيَّة، بل وكقيد عليها. في حين أنَّ المسؤوليَّة هي الحرّيَّة والحريَّة هي المسؤوليَّة وليستا أمرين مختلفين ومتعارضين. أمَّا في عالمنا «الشَّرقيّ» فلا حريَّة ولا مسؤوليَّة ولا شروط إنسانيَّة حقيقيَّة.
كي يشعر الإنسان بالمسؤوليَّة، يجب أنْ يكون حرّاً أوَّلاً، ويجب أنْ تكون شروط حياته جيِّدة قبل ذلك..
وبمقدار ما يكون هناك انتقاص لحرّيَّة الإنسان وشروط إنسانيَّته، بمقدار ما تقلّ إنتاجيَّته ويقلّ إبداعه ويقلّ شعوره بالمسؤوليّة. لكن التَّفكير عندنا في هذه المسألة لا يزال في مستوى التَّفكير الإقطاعيّ أو في أحسن الأحوال في مستوى تفكير النَّمط الأوَّليّ المتوحِّش من الرَّأسماليَّة.
وهذا طبيعيّ، لأنَّنا محكومون بشروط هوامش النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ. وبالنَّتيجة، فأفكارنا العامَّة محكومة هي الأخرى بمفاهيم وتصوّرات أيديولوجيَّة الهوامش الَّتي تعود بالأساس إلى أفكار ومفاهيم وقيم ما قبل الرَّأسماليَّة.
وهكذا، فالمهمّ في «شرقنا» ليس مقدار إنتاج العامل ونوعه، وإنَّما مقدار الوقت الَّذي يمضيه على رأس عمله؛ في حين أنَّ الدَّراسات العلميَّة الحديثة أثبتتْ أنَّه بعد عدد معيَّن مِنْ ساعات العمل تقلّ إنتاجيَّة العامل؛ وبعد ذلك، تصبح كلفة تشغيله أعلى مِنْ قيمة إنتاجه، كما أنَّ أخطاءه في العمل تصبح أكبر وأكثر ضرراً.
ولذلك، فبالإضافة إلى العطل وأوقات الفراغ الكثيرة نسبيّاً، أصبح بعض الشَّركات الغربيَّة يمنح عامليه وقتاً معيّناً لنوم القيلولة أثناء العمل؛ حيث اكتشفوا هناك أنَّ نوم القيلولة يزيد مِنْ نشاط العامل ويحسِّن أداءه.
في ضوء ما سبق جميعه، فإنَّني أستغرب الدَّعوات الَّتي تُعبِّر عن التَّذمّر مِنْ عدد أيَّام العطل المتاحة للعاملين. وقد شُرِعَ في تخفيضها في بعض البلدان مع الأسف كاستجابة لمثل تلك الدَّعوات، مع أنَّ مجموعها لا يزيد غالباً إلا قليلاً عن عطل أعياد الميلاد وحدها في بعض دول «الغرب».
وأجد، عند تأمّل خلفيَّات دعاة تقليص عدد أيَّام العطل هؤلاء، أنَّهم لا يخرجون عن صنفين؛ الصِّنف الأوَّل، لديه مشكلة اجتماعيَّة في ما يتعلَّق بكيفيَّة قضاء وقت فراغه؛ فهو لا يعرف كيف يمضي يوماً كاملاً مع أسرته وليس لديه أصدقاء حقيقيّون ولا أيَّة هواية يملأ بها وقت فراغه كما أنَّه لم يتعوَّد أنْ يخلو إلى نفسه ويستمتع بالتَّفكير بصورة حرَّة. وبالنَّتيجة، فالعطلة بالنِّسبة له إنَّما هي جحيم حقيقيّ.
أمَّا الصِّنف الثَّاني، فهم مِنْ دعاة العودة إلى النَّمط المتوحِّش من الرَّأسماليّة، وهؤلاء على درجة من الخواء بحيث أنَّهم لا يعرفون سوى لغة الأرقام الصَّمَّاء. أمَّا الأبعاد الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لتلك الأرقام وخلفيَّاتها الإنسانيَّة، فهي غائبة تماماً عن تفكيرهم وتفوق مستوى إدراكهم.
وهكذا، فإنَّنا حين نتحدَّث عن «السَّاعة» لا نستطيع أنْ نحصر كلامنا في تلك الأداة الَّتي نسوِّر بها معاصمنا أو نعلِّقها على جدران بيوتنا ومكاتبنا. كما أنَّنا لا نستطيع أن نتوقَّف عند عدّ السَّاعات في اللا شيء وفي الوهم. بل، كي يكون لكلامنا معنىً حقيقيّاً، يجب أنْ نبحث عن معنى الزَّمن ومضمونه في عمل الإنسان وفي شروط معيشته.
الأردن
2025-05-06
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ساحة التحرير
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
وقت الفراغ في الشَّرق والغرب.. وأثره على تطوُّر الحضارة!سعود قبيلات
وقت الفراغ في الشَّرق والغرب.. وأثره على تطوُّر الحضارة! سعود قبيلات* يتكرَّر تذمّر البعض، لدينا، مِنْ كُلِّ ما يعتبرونه أيّامَ عطلٍ طويلة يحصل عليها العاملون. ويدعم هؤلاء وجهات نظرهم تلك بتصوّرات نمطيّة سطحيّة زائفة عن أحجام وقت الفراغ ووقت العمل في 'الشَّرق' وفي 'الغرب'. تالياً، أتقدّمُ بمحاولة لتفكيك هذه التَّصوّرات النَّمطيّة والغوص تحتها لرؤية المشهد بصورته الحقيقيّة الكلّيّة: في سياق انطباعاته عن زيارته لتونس في العام 1920، قال عالم النَّفس السّويسريّ الشَّهير كارل غوستاف يونغ يصف فارساً تونسيّاً قابله في إحدى الواحات: 'ها هو ذا رجل لا يملك بالتَّأكيد ساعة جيب ولا ساعة معصم، لأنَّ من الواضح أنَّه شخص لا يعي ذاته كما كان على الدَّوام. تنقصه اللمحة الخفيفة من الجنون الملتصقة بالأوروبِّي. فمن المؤكَّد أنَّ الأوروبِّي على يقين أنَّه لم يعد ذلك الإنسان الَّذي كانَه في الأزمنة البعيدة لكنَّه لا يعرف ما صار إليه. تخبره ساعته أنَّه منذ 'القرون الوسطى' كان الزَّمن، ورديفه التَّقدّم، قد زحفا عليه وأخذا منه شيئاً لا يمكن استعادته. ويبقى مسافراً حاملاً حقيبته بسرعة تتزايد بثبات نحو أهداف مشبوهة. ويعوِّض عن فقدان الجاذبيَّة والإحساس بالنَّقص بانتصارات وهميَّة مثل السّفن التِّجاريَّة وسكك الحديد والطَّائرات والصَّواريخ الَّتي تسرق منه الدَّيمومة وتنقله إلى واقع آخر هو واقع السّرعة والتَّعجيل المتفجِّر'. ويتابع يونغ قائلاً: 'كلَّما أوغلنا في الصَّحراء كلَّما أبطأ الزَّمن بالنِّسبة لي، حتَّى أنَّه هدَّدني بالتَّراجع. وساهمتْ موجات الحَرّ اللاهب في حالتي الحالمة، وحين وصلنا إلى النَّخلات الأولى ومنازل الواحة بدتْ لي وكأنَّ كلَّ شيء هنا هو بالضَّبط كما يجب أنْ يكون وكما كان منذ الأزل'. (مِنْ كتاب 'ذكريات، أحلام وتأمّلات' – كارل غوستاف يونغ). هنا، الزَّمن مقسَّم ما بين 'الشَّرق' وبين 'الغرب' على أساس الجغرافيا والمناخ والبيئة، وهذا أحد نماذج الرّؤية الاستشراقيَّة النَّمطيّة للزَّمن. وقد ينقسم الزَّمن – وفق هذه الرّؤية الاستشراقيَّة نفسها – أحياناً على أساس الاختلافات الثَّقافيَّة، وأحياناً أخرى على أساس بعض التَّصنيفات البيولوجيَّة.. عندما تتَّخذ الرّؤية الاستشراقيَّة طابعاً عنصريّاً صريحاً. والحقيقة أنَّ موضوعة الزَّمن من الموضوعات الَّتي تشيع فيها أفكار نمطيَّة مستهلكة جدّاً، ووهميَّة في الكثير من الأحيان، حول علاقة 'الشَّرق' بـ 'الغرب' والفروقات بينهما. وهي أفكار مشتركة ما بين النَّاس في 'الشَّرق' و'الغرب'. ولكن هذا التَّشارك شكليّ تماماً؛ إذ بينما تعبِّر الأفكار النَّمطيَّة تلك لدى النَّاس في 'الغرب' عن مضمون استشراقيّ، تعبِّر الأفكار نفسها في 'الشَّرق' عن مفهوم 'استشراقيّ معكوس'. أي أنَّها تتأسَّس في 'الغرب' على مركزيَّة 'الغرب' في النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ، بينما هي تتأسَّس في 'الشَّرق' على طرفيَّة 'الشَّرق' وهامشيَّته في هذا النِّظام. ما نحن بإزائه، في الحقيقة، ليس زمنين (أو ساعتين) كما يشاع أيضاً بصورة نمطيَّة، وإنَّما ثلاث أزمان (أو ثلاث ساعات). حيث 'السَّاعة' الأولى هي ساعة المراكز الرَّأسماليَّة، و'السَّاعة' الثَّانية هي 'ساعة' أطراف النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ وهوامشه. أمَّا 'السَّاعة' الثَّالثة، فهي «ساعة» النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ ككلّ، وهي تشمل «الشَّرق» و«الغرب» معاً. وبصورة عامَّة فإنَّنا إذا ما أردنا أنْ نتناول مفهوم الزَّمن بصورة جديَّة، فيجب أنْ نتجاوز عندئذٍ الأفكار النَّمطيَّة السَّطحيَّة السَّاذجة الَّتي تقوم في العادة على الاستشراق أو الاستشراق المعكوس، لنبحث في مضمون الزَّمن ومحتواه الاجتماعيّ الاقتصاديّ (والسِّياسيّ بالضَّرورة). وإلا فإنَّنا لن نخرج بأيّ تصوّر حقيقيّ لمفهوم الزَّمن، وسنحصر أنفسنا في إطار التَّعامل معه كمعيار كميّ لمعطى وهميّ. أمَّا إذا نظرنا إلى الزَّمن بناء على محتواه، فسيبدو لنا الانفصال بين هذين الزَّمنين (بل الثَّلاثة) تعسفيّا وزائفاً لا يساعد على فهم الصّورة الحقيقيّة.. لا بكلِّيَّتها ولا بتفاصيلها، بل يزيّفها ويزوّرها. إذا ما أردنا أنْ نتناول مفهوم الزَّمن بصورة جديَّة، فيجب أنْ نتجاوز عندئذٍ الأفكار النَّمطيَّة السَّطحيَّة السَّاذجة الَّتي تقوم في العادة على الاستشراق أو الاستشراق المعكوس، لنبحث في مضمون الزَّمن ومحتواه الاجتماعيّ الاقتصاديّ (والسِّياسيّ بالضَّرورة). ومن الأفكار النَّمطيَّة الدَّارجة، الفكرة الَّتي تتحدَّث عن أهمّيَّة الزَّمن الكبيرة في «الغرب» وعدم أهميَّته في «الشَّرق».. بيد أنَّ أصحاب هذه الفكرة لا يبحثون في أسسها الماديَّة، وبالنَّتيجة فهم لا يقولون لنا ما هي أسبابها الحقيقيَّة، كما أنَّهم يتحدَّثون عن هذا التَّقييم باعتباره مطلقاً وعامّاً في «الشَّرق» وفي «الغرب». وطبعاً، الصّورة الَّتي تنشأ بناء على هذا التَّصوّر الغامض إنَّما هي صورة مقلوبة رأساً على عقب؛ حيث يتمّ تفسير مشاكل الإنسان العربيّ في الكثير من الأحيان بكونه لا يتميَّز بخاصيَّة تقدير أهميَّة الوقت. لكن، لا أحد مِنْ هؤلاء يقول لنا في الواقع أيّ وقت هذا الَّذي يجب أنْ يهتمّ به الإنسان ويقدِّره حقَّ قدره؟ ولماذا يجب عليه أنْ يقدِّره؟ أو بالأحرى لماذا هو لا يهتمّ به ولا يقدِّره. إنَّ وقت الإنسان الَّذي تتراكم أرباحه الضَّخمة كلَّ ساعة وكلّ يوم ليس مثل وقت الإنسان الَّذي تتراكم ديونه بدلاً مِنْ ذلك. ووقت الإنسان الَّذي تتوفَّر لديه كلُّ احتياجاته، ويتمتَّع بشروط إنسانيَّة عالية، ويحظى بقدر جيِّد من الحرّيَّة، ليس مثل وقت الإنسان الَّذي ينقصه الكثير مِن الاحتياجات الضَّروريَّة، ويفتقر للكثير مِنْ شروط الحياة الإنسانيَّة، ولا يتمتَّع بالحدّ الأدنى الضَّروريّ من الحرّيَّة.. في مختلف جوانب حياته. إنَّ وقت الإنسان الَّذي تتراكم أرباحه الضَّخمة كلَّ ساعة وكلّ يوم ليس مثل وقت الإنسان الَّذي تتراكم ديونه بدلاً مِنْ ذلك. لكن، كما هو الحال في جميع التَّفسيرات الاستشراقيَّة والاستشراقيَّة المعكوسة، يتمّ تفسير الموقف من الوقت في «الشَّرق» وفي «الغرب» (الَّذي يتَّخذ في هذه الحالة طابع التَّعميمات المطلقة) بأسباب غامضة مثل الجغرافيا أو البيئة الطَّبيعيَّة أو البيئة الثَّقافيَّة والتُّراثيَّة، أو حتَّى العوامل البيولوجيَّة.. لدى أصحاب التَّوجُّهات العنصريَّة الصَّريحة في «الغرب» أو العنصريَّة المعكوسة (ضدّ الذَّات) في «الشَّرق». والوقت في «الغرب»، بحسب الفكرة العاميَّة وشبه العاميَّة لدى النَّاس في «الشَّرق»، يُصوَّر على أنَّه مملوء دائماً بالعمل؛ بحيث أنَّ الإنسان الغربيّ أشبه ما يكون بالآلة في مخيِّلة الإنسان الشَّرقيّ، في حين يُصوَّر وقت الإنسان الشَّرقيّ على أنَّه مملوء دائماً بالفراغ. وطبعاً يُنظر إلى لفراغ، بحسب رواسب التَّفكير العبوديّ والإقطاعيّ (وبمفهوم الرَّأسماليَّة المتوحِّشة أيضاً) على أنَّه مفهوم سلبيّ بالمطلق. والحقيقة أنَّ هذه تصوّرات غير حقيقيَّة، وهي مبنيَّة على فهم كمِّي سطحيّ قاصر؛ فـ«الغرب» لا يتميَّز، كما هو شائع، بكونه يهتمّ بتعبئة وقته كلّه بالعمل، بل بكونه يحظى بمقدار جيِّد من الفراغ، وكبير بالمقارنة مع ما يُتاح للشّعوب الأخرى الأقلّ تقدّماً. فهو اكتشف، مِنْ خلال تجربته، ومِنْ خلال تطوّره العلميّ الشَّامل.. خصوصاً في مجال العلوم الإنسانيَّة، ما للفراغ مِنْ أهميَّة كبرى في تطوّر الحضارة وفي تطوّر شخصيَّة الإنسان. وطبعاً ليس المقصود هنا القول إنَّ الفراغ خيرٌ مطلق وإنَّ العمل شرٌّ مطلق، بل المقصود هو ضرورة إيجاد معادلة علميَّة وإنسانيَّة سليمة تكفل التَّوازن بين وقت العمل وبين وقت الفراغ. وهذه المعادلة بالذَّات هي الَّتي انبنت عليها الحضارة الإنسانيَّة بمجملها، ولولاها لبقي الإنسان بمستوى الحيوان. وفي البداية، قامت هذه المعادلة على أساس تقسيم العمل إلى عمل ذهنيّ وآخر بدنيّ، وكلٌّ منهما منفصل عن الآخر. حيث تخصَّص بعض النَّاس بإنتاج الأفكار، وتخصَّص بعضهم الآخر بإنتاج الخيرات الماديَّة وأدوات الإنتاج بصورتها البدائيَّة. وقد أدَّى هذا إلى إرساء القواعد الأساسيَّة لتطوّر الحضارة الإنسانيَّة بمستوياتها المختلفة. لكن، في ما بعد، ولآلاف السِّنين، تباطأتْ إلى حدٍّ كبير حركة تطوّر الحضارة الإنسانيَّة ولم تشهد أيَّ اختراق نوعيّ في العلوم أو الزِّراعة أو الصِّناعة أو أسلوب حياة النَّاس وأفكارهم طوال تلك المدَّة. والسَّبب هو الانفصال شبه التَّامّ ما بين عمليَّة إنتاج الأفكار، مِنْ جهة، وبين عمليَّة إنتاج الخيرات الماديَّة وأدوات الإنتاج، مِنْ جهةٍ أخرى. وفي سياق هذا الانفصال الطَّويل، نشأ احتقار متبادل ما بين المنتجين في هذين الحقلين لا تزال رواسبه موجودة في عقول النَّاس حتَّى الآن؛ حيث كان منتجو الخيرات الماديَّة ووسائل الإنتاج يقلِّلون مِنْ شأن الأفكار المجرَّدة، ومنتجو الأفكار المجرَّدة يقلِّلون مِنْ شأنْ عمليَّة إنتاج الخيرات الماديَّة وأدوات الإنتاج. وبالنَّتيجة، فقد كان الَّذين يعملون في إنتاج المواد لا يملكون وقت الفراغ اللازم للتَّفكير في مشكلات عملهم وكيفيَّة حلِّها وتطوير نوعيَّة إنتاجهم ومستواه؛ وقبل هذا وذاك، لم تكن تتوفَّر لهم الإمكانيَّة لتلقِّي العلوم الضَّروريَّة مِنْ أجل تطوير مستوى تفكيرهم. وهذا بينما لم تكن لدى منتجي الأفكار أيَّة تصوّرات حقيقيَّة عن ظروف إنتاج الخيرات الماديَّة ومشكلاته وسُبل حلِّها.. ما أدَّى إلى أنَّ الأفكار الَّتي كان ينتجها هؤلاء لم تكن لها علاقة بحياة غالبيَّة النَّاس واحتياجاتهم، بل فقط باحتياجات الأقليَّة المتسلِّطة والمترفة. وظلَّ الأمر يسير على هذا النَّحو إلى أنْ أدَّى التَّطوّر الاجتماعيّ الاقتصاديّ «الطَّبيعيّ»، في الهوامش الإقطاعيّة للنِّظام الخراجيّ، إلى ولادة الطَّبقة الوسطى وانتشارها في المدن، أي نسبيّاً خارج ميدان الصِّراع التَّناحريّ بين الطَّبقتين الرَّئيستين آنذاك؛ طبقتي الأرستقراطيّين والأقنان، اللتين كان الرِّيف وعلاقات العمل فيه هما ميدان صراعهما الأساسيّ. بعد ذلك، بدأتْ الخطوات الأولى الحقيقيَّة الَّتي أسَّستْ للاختراق الحضاريّ الكبير اللاحق في العلوم بمختلف مجالاتها وفي الصِّناعة والزِّراعة والقيم الإنسانيَّة والأفكار.. إلخ، وهو ما سُمِّي بعصر النَّهضة. ولقد نشأ هذا التَّطوّر، في البداية، على أكتاف مجموعات الحرفيّين المغلقة ومعاملها البدائيَّة الصَّغيرة. وكان على هذه الطَّبقة الجديدة الصَّاعدة أنْ تجتهد مِنْ أجل خلق السِّياق الاجتماعيّ الاقتصاديّ والسِّياسيّ الجديد الَّذي يسيِّدها ويفتح لها آفاق التَّطوّر الواسعة. وهنا، وجدتْ نفسها في حالة تحالف موضوعيّ مع الأقنان وفي حالة تناقض مع الإقطاعيّين ومع علاقات العمل الإقطاعيَّة. وقد ساعدت هذه الطَّبقة الأقنان على التَّحرّر مِنْ ربقة الإقطاع ليتحوَّلوا إلى طبقة عاملة لديها بظروف عمل لا تقلّ بشاعة وقسوة عن ظروف الاستغلال الإقطاعيَّة. وهكذا، نشأتْ الرَّأسماليَّة المتوحِّشة الَّتي خطتْ خطوات مهمَّة في البداية على صعيد تطوير الحضارة والعلوم. ثمَّ راحتْ تراوح في مكانها في ما بعد.. بسبب شروط العمل القاسية والبدائيَّة الَّتي كانت تفرضها على الطَّبقة العاملة وعلى غالبيَّة المجتمع بالنَّتيجة. وفي هذا السِّياق، نشأتْ الحركات والأفكار الاحتجاجيَّة العماليَّة للمطالبة برفع الأجور وتحسين شروط العمل وخفض عدد ساعاته. وبعد كفاحٍ طويلٍ ومرير، بدأتْ هذه الحركات والأفكار تحقِّق شيئاً من النتائج المرجوَّة، فحصل العاملون على ظروف معيشة أفضل نسبيّاً، وجرى تحديد ساعات العمل وتوفير وقتٍ للفراغ، وعندئذٍ انفتحتْ الآفاق مجدَّداً أمام تطوّر الحضارة الإنسانيَّة وأمام مستويات أخرى نوعيَّة من الثَّورات الصِّناعيَّة والعلميَّة والفكريَّة. وهنا، انفتح عصر الأفكار والاكتشافات والحركات والتَّطوّرات الجماهيريَّة، ولم يعد ممكناً لأيّ بلد أنْ يتحوَّل إلى بلد صناعيّ متطوِّر بالاعتماد على أفكار النّخبة ومبادراتها فقط. بل أصبح من الضَّروريّ أنْ تترافق مع ذلك تهيئة حقيقيَّة للمجتمع ليكون مستقبِلاً جيِّداً لتعميم العلوم والقدرات التَّصنيعيَّة في حدِّها الضَّروريّ الأدنى على الأقلّ. وهي العمليَّة التي يشير إليها البعض أحياناً بصورة غامضة عن طريق استخدام مفهوم «توطين التّكنولوجيا». ومِنْ الطَّبيعيّ أنَّ هذا تطلّب (ويتطلَّب)، من المجتمعات الصِّناعيَّة أو الرَّاغبة في الانتقال إلى التَّصنيع، خلق معادلة علميَّة مدروسة تضمن المواءمة ما بين وقت العمل وبين وقت الفراغ. ولذلك، فبخلاف الخرافة الشائعة في «الشَّرق» عن «الغرب»، يتمتَّع الإنسان الغربيّ الآن بمساحة مِنْ وقت الفراغ تفوق بكثير ما يتمتَّع به النَّاس في المجتمعات الأقلّ تطوّراً. ويمتدّ وقت الفراغ هذا في «الغرب» على مساحة كبيرة نسبيّاً من العطل؛ منها العطل الأسبوعيّة المكوَّنة على الأغلب مِنْ يومين، والإجازات والعطل والأعياد السَّنويَّة، وهذا إضافة إلى كون ساعات العمل اليوميَّة قليلة نسبيّاً بحيث أنَّها تتكوَّن في بعض البلدان الغربيَّة المتقدِّمة مِنْ 35 ساعة فقط.. أسبوعيّاً. وهنا، ينتقل الحديث في عالمنا العربيّ، في العادة، من التَّأكيد على ضرورة زيادة مساحة الوقت المخصَّص للعمل قياساً بما هو متوهَّم عن «الغرب»، إلى المقارنة ما بين مستوى إنتاجيَّة وقت العمل في «الغرب» ومستوى إنتاجيَّته في «الشَّرق». ويُشار، في العادة، إلى أنَّها في «الغرب» أفضل ممَّا هي عليه في «الشَّرق». بيد أنَّ القائلين بهذا الكلام يتجاهلون، بالمقابل، حقيقة الاختلاف الكبير ما بين شروط العمل والحياة في «الشَّرق» وبين شروط العمل والحياة في «الغرب». حيث إنَّ تلك الشُّروط في «الغرب» أفضل بكثير – كما هو معروف – ممَّا هي في «الشَّرق». وطبيعيّ أنَّه حيثما تكون شروط الحياة وشروط العمل أفضل تكون إنتاجيَّة العمل أيضاً أفضل. أكبر دليل على صحَّة هذا الكلام، نأخذه مِنْ تجربة «الغرب» نفسه؛ فحين كان «الغرب» يعيش في طور الرَّأسماليَّة المتوحِّشة لم يكتفِ العمَّال هناك، آنذاك، في ما يخصّ ردّهم على شروط العمل والحياة السَّيئة الَّتي كانت مفروضة عليهم، بتقديم مستوى منخفض من الإنتاجيَّة فقط، وإنَّما أيضاً كانوا يقومون بتخريب الآلات ومرافق المصانع، وخصوصاً عندما أصبحتْ الآلات تهدِّد وظائفهم. إنَّه، كي يشعر الإنسان بالمسؤوليَّة، يجب أنْ يكون حرّاً أوَّلاً، ويجب أنْ تكون شروط حياته جيِّدة قبل ذلك.. أي أنْ تكون شروطاً إنسانيّة. بينما عندنا، في «الشَّرق»، يتمّ تقديم هذه الفكرة بصورة معكوسة تماماً؛ حيث يجري الحديث في العادة عن المسؤوليَّة كشرط مسبق للحرّيَّة، بل وكقيد عليها. في حين أنَّ المسؤوليَّة هي الحرّيَّة والحريَّة هي المسؤوليَّة وليستا أمرين مختلفين ومتعارضين. أمَّا في عالمنا «الشَّرقيّ» فلا حريَّة ولا مسؤوليَّة ولا شروط إنسانيَّة حقيقيَّة. كي يشعر الإنسان بالمسؤوليَّة، يجب أنْ يكون حرّاً أوَّلاً، ويجب أنْ تكون شروط حياته جيِّدة قبل ذلك.. وبمقدار ما يكون هناك انتقاص لحرّيَّة الإنسان وشروط إنسانيَّته، بمقدار ما تقلّ إنتاجيَّته ويقلّ إبداعه ويقلّ شعوره بالمسؤوليّة. لكن التَّفكير عندنا في هذه المسألة لا يزال في مستوى التَّفكير الإقطاعيّ أو في أحسن الأحوال في مستوى تفكير النَّمط الأوَّليّ المتوحِّش من الرَّأسماليَّة. وهذا طبيعيّ، لأنَّنا محكومون بشروط هوامش النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ. وبالنَّتيجة، فأفكارنا العامَّة محكومة هي الأخرى بمفاهيم وتصوّرات أيديولوجيَّة الهوامش الَّتي تعود بالأساس إلى أفكار ومفاهيم وقيم ما قبل الرَّأسماليَّة. وهكذا، فالمهمّ في «شرقنا» ليس مقدار إنتاج العامل ونوعه، وإنَّما مقدار الوقت الَّذي يمضيه على رأس عمله؛ في حين أنَّ الدَّراسات العلميَّة الحديثة أثبتتْ أنَّه بعد عدد معيَّن مِنْ ساعات العمل تقلّ إنتاجيَّة العامل؛ وبعد ذلك، تصبح كلفة تشغيله أعلى مِنْ قيمة إنتاجه، كما أنَّ أخطاءه في العمل تصبح أكبر وأكثر ضرراً. ولذلك، فبالإضافة إلى العطل وأوقات الفراغ الكثيرة نسبيّاً، أصبح بعض الشَّركات الغربيَّة يمنح عامليه وقتاً معيّناً لنوم القيلولة أثناء العمل؛ حيث اكتشفوا هناك أنَّ نوم القيلولة يزيد مِنْ نشاط العامل ويحسِّن أداءه. في ضوء ما سبق جميعه، فإنَّني أستغرب الدَّعوات الَّتي تُعبِّر عن التَّذمّر مِنْ عدد أيَّام العطل المتاحة للعاملين. وقد شُرِعَ في تخفيضها في بعض البلدان مع الأسف كاستجابة لمثل تلك الدَّعوات، مع أنَّ مجموعها لا يزيد غالباً إلا قليلاً عن عطل أعياد الميلاد وحدها في بعض دول «الغرب». وأجد، عند تأمّل خلفيَّات دعاة تقليص عدد أيَّام العطل هؤلاء، أنَّهم لا يخرجون عن صنفين؛ الصِّنف الأوَّل، لديه مشكلة اجتماعيَّة في ما يتعلَّق بكيفيَّة قضاء وقت فراغه؛ فهو لا يعرف كيف يمضي يوماً كاملاً مع أسرته وليس لديه أصدقاء حقيقيّون ولا أيَّة هواية يملأ بها وقت فراغه كما أنَّه لم يتعوَّد أنْ يخلو إلى نفسه ويستمتع بالتَّفكير بصورة حرَّة. وبالنَّتيجة، فالعطلة بالنِّسبة له إنَّما هي جحيم حقيقيّ. أمَّا الصِّنف الثَّاني، فهم مِنْ دعاة العودة إلى النَّمط المتوحِّش من الرَّأسماليّة، وهؤلاء على درجة من الخواء بحيث أنَّهم لا يعرفون سوى لغة الأرقام الصَّمَّاء. أمَّا الأبعاد الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لتلك الأرقام وخلفيَّاتها الإنسانيَّة، فهي غائبة تماماً عن تفكيرهم وتفوق مستوى إدراكهم. وهكذا، فإنَّنا حين نتحدَّث عن «السَّاعة» لا نستطيع أنْ نحصر كلامنا في تلك الأداة الَّتي نسوِّر بها معاصمنا أو نعلِّقها على جدران بيوتنا ومكاتبنا. كما أنَّنا لا نستطيع أن نتوقَّف عند عدّ السَّاعات في اللا شيء وفي الوهم. بل، كي يكون لكلامنا معنىً حقيقيّاً، يجب أنْ نبحث عن معنى الزَّمن ومضمونه في عمل الإنسان وفي شروط معيشته. الأردن 2025-05-06


موقع كتابات
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
فيلم Manodrome.. قلق الذكر الناجم عن قهر المجتمع
خاص: إعداد- سماح عادل فيلم Manodrome فيلم أمريكي يجسد حالة الضياع الذي يعيش فيها أحد الشبان، بسبب هجر والده له في طفولته. بعد طرده من وظيفته، يعمل 'رالفي' سائق سيارة أجرة لإعالة نفسه وصديقته الحامل 'سال'. يتدرب في صالة ألعاب رياضية محلية مع صديقه 'جيسون'، الذي يبيع له حبوبا طبية لتساعده علي تكوين جسم رياضي قوي. يقترح 'جيسون' على 'رالفي' مقابلة بعض أصدقائه، مدعيا أن لديهم الموارد اللازمة لمساعدته على استعادة عافيته. في مطعم، يتعرف 'رالفي' على مجموعة من الرجال بقيادة 'داد دان' ذو الشخصية الجذابة. يلاحظ 'رالفي' أن كل رجل يحمل وشما على شكل مثلث بخط في أعلاه. بعد العشاء، يقترب 'داد دان' من 'رالفي' في سيارته. يخبره أنه يتفهم ألمه، مشيرا إلى أنه يبدو كشخص لم يكن له أب. في اليوم التالي، أهدى 'جيسون' 'رالف' حذاء رياضيا جديدا، مخبرا إياه أنه هدية من المجموعة لتركه انطباعا جيدا لديهم. بيت.. حضر 'رالف' اجتماعا في منزل المجموعة الفسيح خارج المدينة. قدم كل رجل نفسه باسم 'ابنه' أو 'أبه'، مفصلا مدة عزوبتهم. تفاجأ 'رالف' بكراهية الرجال العلنية للنساء، كاشفا أنهم جميعا تركوا زوجاتهم ليعيشوا معا في هذا المجمع. أثناء استكشافه للمنزل، اكتشف 'رالف' مسدسا داخل مكتب 'داد دان'. بدلا من توبيخه، دعاه 'داد دان' بحرارة للانضمام إلى هذه 'العائلة'. أخبر 'رالف' أنه يرى جمالا مذهلا بداخله، لديه قدرة على الإبداع والتدمير. سرقة.. أوصل 'رالف' طفلا صغيرا، فترك الطفل هاتفه بالخطأ في المقعد الخلفي. باع 'رالف' الهاتف مقابل المال، مما أثار استياء 'سال' عندما احضر لها النقود واخبرها عن الأمر. يحضر 'رالفي' اجتماعا جماعيا آخر، حيث يوبخه 'داد دان' خلال تمرين تمهيدي. يكشف 'رالفي' عن غضبه الداخلي، وتقترح عليه المجموعة ترك حبيبته. أثناء قيادته ليلا، يلتقط 'رالفي' زوجين مثليين خارج ناد ليوصلهما إلي عنوان ما. عندما يحاولان ممارسة الجنس في المقعد الخلفي، يوقف 'رالفي' السيارة بقوة، ثم ينطلق مسرعا في الشوارع بشكل متسرع. تسوق.. تذهب المجموعة للتسوق في مركز تجاري. يرفض 'رالفي' أن يدفع 'داد دان' ثمن قميص باهظ الثمن له، مستخدما مدخراته المحدودة لشرائه. أثناء مغادرة المجموعة، يصادفون زوجة 'براد'، أحد أعضاء المجموعة، التي هجرها. يشاهدها 'رالفي' وهي توبخ 'براد'، مدركا أنه أخطأ ويحاول الهرب. يحث 'داد دان' 'رالفي' على استعادة سلطته. بعد أن صفع نفسه في الحمام، يهاجم 'رالفي' شخصا غريبا في نوبة غضب. هجر.. تسأل 'سال 'رالفي' عن سلوكه بعد أن لاحظت تغيير كبير عليه، مما يؤدي إلى جدال حاد يترك فيه 'رالفي' المنزل الذي يعيش فيه معها. ينتقل 'رالفي' إلى منزل المجموعة، ويدمج في المجموعة ويأخذ وشما. بعد الاحتفال، يقدم 'داد دان' مسدسه إلى 'رالفي'، الذي يكشف أن والده ترك عائلته يوم عيد الميلاد. يحاول 'داد دان' تأجيج انهيار 'رالفي' النفسي أكثر بادعاء أنه 'لا إله إلا رالف'. يضرب 'رالفي' 'داد دان' ويهرب من المجمع. جريمة.. بعد أن التقى بلاعب كمال الأجسام 'أحمد' في الصالة الرياضية، يتبعه 'رالفي' إلى مصنع صناعي. في الداخل، يمارس 'أحمد' الجنس الشرجي معه. عندما ينتهيان، يعرف 'أحمد' بنفسه، لكن 'رالفي' يطلق عليه النار فجأة ويقتله، ويسرق شاحنته ويرهن ممتلكاته الشخصية. يعود 'رالفي' إلى 'سال'، التي أنجبت للتو طفلهما 'جايس' في المستشفى. يذهبان معا إلي المنزل، يعود 'رالفي' من التسوق ليكتشف أن 'سال' قد تركته وتركت الطفل أيضا، ولم تترك له سوى رسالة تقول 'سامحني'. يعود 'رالف' إلى منزل 'داد دان' مع طفله، لكن سرعان ما تلاحقه الشرطة سعيا لاعتقاله بتهمة قتل 'أحمد'. يكشف 'رالف' عن المسدس، ويطالب المجموعة بمساعدته. يأخذون الطفل إلى الطابق العلوي، يحاول 'داد دان' تهدئته حتى لا تقع جريمة أخري، ثم يطلق النار على رأس 'داد دان'. يطلق النار على ضابط شرطة، ثم يفر من المنزل إلى الغابة. في النهاية، يصادف 'رالف' دار رعاية للمسنين، حيث يقتحم مخزن المطبخ بحثا عن الطعام. يكتشفه عامل ويعرض عليه المساعدة. يضع 'رالف' المسدس على رأسه ويضغط على الزناد، لكن المسدس لا يطلق النار وينهار. يطبخ العامل طعاما ل'رالف' ويروي له قصة. يلتف 'رالف' حول العامل، الذي يحتضنه كطفل خائف، بينما تصل الشرطة إلى مكان الحادث. وينتهي الفيلم علي ذلك.. توحش الرأسمالية.. يرصد الفيلم بوضوح شديد تأُثير توحش الرأسمالية علي حياة الأفراد في المجتمع الأمريكي، متجسدة في حياة 'رالف' كنموذج للكادح، ذلك الشاب الذي ينتمي لطبقة العمال، يطرد من عمله بلا أية رعاية مجتمعية له، حيث أصبحت الشركات الأمريكية تجور علي حقوق عمالها وموظفيها دون أن تردع من قبل الدولة أو القانون. كما أنه يضطر إلي امتهان مهنة خطيرة. وعندما يحدث الحمل عن طريق الخطأ بينه وبين صديقته يريد 'رالف' أن يكمل إنجاب ذلك الطفل ويريد أن تكون له عائلة، ليعوض حرمانه من العائلة بعد أن هجره والده وهو طفل صغير. لكن المسؤوليات كبيرة عليه مع مهنة غير مربحة وعمل كثير يبذل فيه جهدا فيشعر أكثر بالضياع. يشتته وجود تلك المجموعة التي تريد أن تتنصل من مسؤوليات وأعباء حياة العائلة المعهودةـ ويقرر أفرادها هجر النساء والعيش بحرية. هذا التشتت يساهم في اضطرابه النفسي أو يخرجه من لا وعيه ليتضخم، فيرتكب جريمة ويصبح تائها لا يعرف ماذا يفعل، لينتهي به الأمر ضعيفا بيد يدي العامل في دار الرعاية. الرأسمالية بلغت حدا من التوحش لدرجة أنها أصبحت تدمر حياة ملايين من الأشخاص، الذين يظلون طوال حياتهم يعيشون في حدود الطبقات الكادحة الفقيرة البائسة. الفيلم.. فيلم دراما وإثارة صدر عام 2023، من تأليف وإخراج 'جون ترينجوف'. الفيلم من بطولة 'جيسي أيزنبرغ، أدريان برودي، أوديسا يونغ، ساليو سيساي، فيليب إيتينجر، إيثان سوبلي، إيفان جونيغكيت، وكاليب إيبرهارت'. الفيلم هو أول فيلم للمخرج 'ترينجوف' باللغة الإنجليزية، وقد عرض لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والسبعين في 18 فبراير 2023. وصدر عن شركة ليونزجيت في الولايات المتحدة في 10 نوفمبر 2023. عرض فيلم 'مانودروم' لأول مرة عالميا في مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والسبعين، وعرض في 18 فبراير 2023 في عطلة نهاية الأسبوع الافتتاحية للمسابقة الرئيسية. رشح الفيلم لجائزة الدب الذهبي المرموقة، بالإضافة إلى جائزة تيدي للسينما الكويرية. طُرِح في الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة شركة ليونزجيت فيلمز في دور العرض والنسخة الرقمية في 10 نوفمبر 2023. النقد.. حصل على موقع تجميع المراجعات Rotten Tomatoes، 49% من 35 مراجعة نقدية إيجابية، بمتوسط تقييم 5.8/10. وجاء إجماع الموقع على النحو التالي: 'يقدم جيسي آيزنبرغ أداء رائعا في فيلم Manodrome، حتى لو لم تكن القصة عميقة أو دقيقة بما يكفي لدعم أدائه الملتزم.' أما موقع Metacritic، الذي يستخدم المتوسط المرجح، فقد منح الفيلم درجة 48 من 100، بناء على 13 ناقدا، مما يشير إلى مراجعات 'متباينة أو متوسطة'. وصفت قائمة التشغيل الفيلم بأنه 'أفضل ما قدمه آيزنبرغ منذ أكثر من عقد'. أشاد كريس بارسانتي من مجلة سلانت بترينجوف على براعته السينمائية، قائلا 'بينما تتجلى مهارة ترينجوف في البناء البطيء للتوتر، إلا أنها تبرز حقا في الطريقة الأكثر إثارة للإعجاب التي يحمل بها وجهة نظر رالفي للعالم منفصلة عن وجهة نظر الفيلم'. وصفت جوائز ديلي الفيلم بأنه 'قطعة مثيرة للتفكير من صناعة الأفلام المثلية لا ينبغي تفويتها'. قارنت ديدلاين الفيلم بفيلم سائق التاكسي، وكتبت أن نبرته ومعالجته الوحشية للعنف الذكوري قد لا تجذب الجميع. وفقا لمجلة هوليوود ريبورتر، يتناول الفيلم موضوعات الذكورة السامة وديناميكيات القوة في العلاقات من خلال قصة ملاذ للرجال، لكن تنفيذه متطرف للغاية، وتصوير طائفة سامة من الرجال الذين يقابل استحقاقهم شعورهم بالضحية يمكن أن يكون صادما للبعض. كتب ديفيد روني أن أداء 'جيسي آيزنبرغ' لدور 'رالفي' ذو الشخصية القوية كان آسرا، و'يتجاوز عموما الجدية المفرطة لفيلم يهدف إلى دق ناقوس الموت للرجولة السامة'. كتب 'بيتر ديبروج' من مجلة فارايتي أن فيلم 'مانودروم' واجه صعوبة في الارتقاء إلى مستوى فكرته الاستفزازية، إذ افتقر إلى العمق والدقة اللازمين لاستكشاف حالة الرجولة المعاصرة بفعالية، قائلًا: 'الشخصيات تبدو ضعيفة، والمجتمع السري يبدو غير قابل للتصديق، وأهدافه غامضة للغاية بحيث لا تجذب الخيال'. وفي مقال له على موقع 'سينوروبا'، وصف 'ديفيد أباتيشياني' النتيجة النهائية للفيلم بأنها 'مزيج آسر من الإثارة والدراما النفسية والكوميديا السريالية، مليء بالمنعطفات والتقلبات الغريبة… قد يكون هذا المزيج مسليا أو آسرا للبعض، ولكنه محبط للآخرين. ومع ذلك، لا ينبغي للمشاهدين بالتأكيد توقع… حذّر من 'المعالجة الجادة لأي من المواضيع التي يهدف هذا الفيلم إلى طرحها'. وفي مراجعة موقع 'Collider'، بعنوان 'جيسي آيزنبرغ يصارع غضبه الداخلي في تفكيك خام للرجولة'، ذكر أن فيلم 'مانودروم' قد يكون له عيوبه، لكنه قدم استكشافا عميقا للرجولة السامة وتأثيرها، بالإضافة إلى تحذير قوي من مخاطر تمكين الرجال المنكسرين. وكتب الموقع: 'إنه بمثابة دراسة شخصية جريئة، حيث يمكن لأيزنبرغ إظهار بعض مهارات التمثيل الجديدة. أضف إلى ذلك برودي، الذي يعتمد عليه دائما، وسيكون من السهل التغاضي عن عيوب فيلم 'مانودروم'. صراعات الرجولة.. في مقالة ل'كايو بيتيس' ناقد سينمائي محترف كتب: 'فيلم 'مانودروم' للمخرج جون ترينجوف هو دراسة محيرة لرحلة رجل إلى عالم مضطرب من صراعات السلطة والرجولة والاضطرابات الداخلية. يستكشف الفيلم عقل بطله، رالفي (جيسي آيزنبرغ)، الذي تتخذ حياته منعطفا مظلما ومقلقا بعد لقائه بمجموعة من الرجال بقيادة 'داد دان' الغامض (أدريان برودي). الفيلم من بطولة جيسي آيزنبرغ، وأدريان برودي، وأوديسا يونغ. في بداية القصة، نتعرف على رالفي (أوديسا يونغ)، سائق سيارة أجرة. يواجه رالفي البطالة والضغوط المالية ومسؤولية الأبوة. يُجسّد آيزنبرغ شخصية رالفي ببراعة، مظهرا ضعف الشخصية ويأسها أثناء خوضه العديد من المواقف المقلقة. تدور أحداث الفيلم حول لقاء رالفي بمجموعة من الرجال المنعزلين، جميعهم يحملون وشومًا غريبة. تُخفي هذه المجموعة جانبًا سامًا من كراهية النساء والسيطرة خلف واجهة من التمكين والرفقة، بقيادة الأب دان الساحر والماكر (الذي يؤدي دوره أدريان برودي بسحرٍ غريب). يُبدع ترينجوف بمهارة في خلق جو من القلق والرعب بينما يعلق رالفي في شبكة الذكورة السامة هذه، وهو ما تُبرزه معتقدات المجموعة وسلوكياتها المُربكة. تتخذ قصة الفيلم منعطفاتٍ غير متوقعة ومظلمة للغاية تعكس الاضطراب الداخلي المتزايد لرالفي. يصور أداء آيزنبرغ الدقيق ببراعة انزلاق رالفي البطيء إلى دوامة من الغضب والحيرة والضعف، مسلطا الضوء على صراع الشخصية مع هويتها والقوى التي تدفعه إلى نوبات العنف وتدمير الذات. يتميز الفيلم بأداء قوي، ويضفي ترينجوف جوا مخيفا، لكن الحبكة غالبًا ما تبدو منفصلة وتفتقر إلى حس واضح في التوجيه. قد يُصاب الجمهور بالارتباك والحيرة بسبب التغيرات السلوكية المفاجئة لرالف وتدفق السرد غير المتوقع، مما يمنعهم من الانغماس الكامل في رحلة رالف المقلقة'. ويواصل: 'بالإضافة إلى ذلك، يبذل الفيلم جهدا لدراسة مواضيع صعبة مثل الرجولة، وعلاقات القوة، وآثار غياب الأبوة، لكنه غالبا ما يفشل في تقديم دراسة أكثر شمولًا ودقة لهذه المواضيع. في بعض الأحيان، يبدو من غير الضروري تصوير كراهية المجموعة للنساء وأفعال البطل اللاحقة، كما أن الحبكة العامة تفتقر إلى العمق الكافي. يتوق المشاهدون إلى دراسة أعمق لديناميكيات الشخصية بين رالف ووالده دان تحديدا، بالإضافة إلى القوى التي تدفع أفعال رالف المتقلبة بشكل متزايد، على الرغم من أن هذه العلاقات تبدو واعدة ولكنها لا تزال غير مكتملة. بالإضافة إلى ذلك، قد تخيب ذروة الفيلم وخاتمته آمال المشاهدين، إذ تنتهي القصة فجأة دون خاتمة مرضية أو فهم واضح لمسار شخصية رالف. ورغم أن المشهد الأخير يُحاول تقديم لمحة من الخلاص، إلا أنه يبدو متسرعا وغامضا، تاركا المشاهدين أمام أسئلة أكثر من الإجابات. يتميز فيلم 'مانودروم' بفكرة مقنعة وطاقم تمثيل يقدم أداء ممتازا، لا سيما أداء جيسي آيزنبرغ لرجل يُعاني من اضطراب داخلي. لكن حبكة الفيلم العشوائية، ومواضيعه غير المُكتملة، ونهاية مُفاجئة تُقلل من تأثيره المُحتمل، تاركةً المشاهدين يشعرون بعدم الرضا التام. يُقدم 'مانودروم' معلومات شيقة للمشاهدين الذين يبحثون عن دراسة مُعقدة ومُقلقة للرجولة والاضطراب النفسي، لكنه في النهاية لا يُقدم تجربة سينمائية مُرضية ومتكاملة'.


الزمان
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- الزمان
إن كيدهن عظيم
…. المرأة المفعمة بالحيوية وخاصة الجميلة منهن مخلوق لطيف تميل إليه عواطف الرجل ومشاعره فيهوي قلبه اسيراً في شباكها ويتمنى رضاها وهو ينشد في سره ابتهال الرجاء والدعاء من اجل أن تبادله بنفس الحب والمودة التي تفيض به مشاعره تجاهها ، يمتلأ الزمن بقصص الحب والغرام ولوعة الرجل بالمرأة والتضحية التي وهبها لذلك المخلوق الساحر الذي يرمي بسهامه العشوائية لتصيب بها كل رجل يتقنص بنظراته المتعطشة سحر ذلك الكائن الأسطوري الذي ينشر مفاتنه اين مارحل فيقع الرجل المسكين في حبها ويهيم بها من أول نظرة وهو مستعد لطاعتها مهما كان طلبها خرافياً حتى وان أرادت منه أن يطير إلى المريخ بدون محرك ، ولهذا انزل الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة رقم (28) من سورة يوسف مخاطباً بها المرأة (إن كيدكن عظيم ) ليبين فيها انجرار الرجل المسكين وراء ذلك المخلوق الساحر من جانب ويبين للبشرية من جانب اخر مكر هذا الكائن الجميل وسطوته على مشاعر الرجل مهما كان يحمل من وقارٍ وانضباط وتوازن …