logo
لبنان يضمّ أكبر عدد من المعوقين بصرياً في العالم جراء جريمة «البايجر»

لبنان يضمّ أكبر عدد من المعوقين بصرياً في العالم جراء جريمة «البايجر»

المردة٠٨-٠٣-٢٠٢٥

مئات المعوّقين بصرياً جراء جريمة تفجيرات «البايجر» في 17 أيلول الماضي (بينهم رجال ونساء وأطفال) التحقوا بما بين 15 و17 ألف شخص معوّق بصرياً في لبنان، أو بالحد الأدنى بثمانية آلاف يحملون بطاقة إعاقة بصرية، بحسب تقديرات الناشط في مجال الإعاقة إبراهيم عبدالله، وهو «تحدّ كبير أمام المجتمع اللبناني الذي يكاد يضمّ أكبر عدد من المكفوفين في العالم قياساً بعدد السكان»، وفق إدارة «مؤسسة الجرحى» التابعة لحزب الله. ولا ينبع التحدّي فعلياً من ضخامة العدد، بل من عدم تهيئة أدنى شروط الحماية الاجتماعية. لذلك يسأل المكفوفون الجدد المكفوفين القدامى: كيف يعيشون؟ كيف يعملون؟ كيف يستخدمون التكنولوجيا؟ ليكتشفوا من أول الطريق أنّ «الحياة صعبة جداً في لبنان»، والمسار طويل للوصول إلى مجتمع يحترم كرامة المعوّق وحقوقه ويساعده على العيش باستقلالية.
ويمكن تصنيف واقع الأشخاص المعوّقين بصرياً بحسب أوضاعهم المادية والاجتماعية والثقافية، أو بحسب حظوظهم وقدرتهم على فرض شخصيتهم وكفاءاتهم على المجتمع. لذلك قد تجد أحدهم يحمل شهادات جامعية ويتخصّص خارج البلاد ولديه وظيفة ومركز اجتماعي، وآخر حبيس المنزل ومحروم من أدنى حقوقه. ويرتبط ذلك، بحسب مدير جمعية «الشبيبة المكفوفين» عامر مكارم بـ«أزمة ثقافية حول الإعاقة تصيب المجتمع شعباً ومسؤولين، تصوّر لهم أن دورهم تجاه المعوّقين ينحصر بإنشاء مؤسسات للرعاية والتأهيل تتولى كل أمورهم وانتهى الموضوع، ولا يهمّ أن تصادر حريتهم داخل هذه المؤسسات التي تحتكر تقديم الخدمات المجانية، أو يُحرم كثيرون من الخدمات لأسباب جغرافية تتعلق ببعد المؤسسات عن مكان سكنهم وتمركزها في المدن، أو ثقافية تحرم غالباً الفتيات من المبيت في مؤسسات خارج المنزل».
لا تكييف ولا تأهيل مهنياً
يبقى التحدي الأكبر والأصعب أمام المكفوفين هو تأمين فرصة عمل، «فرغم ارتفاع نسبة المثقّفين والمتعلّمين الجامعيين المكفوفين مقارنة بذوي الإعاقات الأخرى، لا يزال معدّل البطالة في صفوفهم مرتفعاً جداً»، كما يقول عبدالله. وهنا يجدر السّؤال: ما هي المهن التي تتناسب مع وضع الكفيف؟ وأيّ مهن يمكن تكييفها لتتناسب مع وضعه؟ وأيّ من هذه المهن يمكن لسوق العمل استيعابها؟ ومَن المسؤول عن تكييف مكان العمل وتأهيل الموظف الكفيف؟
الإجابة عن السّؤال الأخير كما تُترجم في الواقع هي الشخص المعوّق نفسه. نويل تيان، مثلاً، شابة كفيفة أمّنت التكنولوجيا التي تحتاج إليها لتعمل في سنترال وزارة المالية، بعدما «شعرت بأنّ أصحاب العمل غير مستعدّين لتوفير أدنى شروط البيئة الدامجة، ويرفضوننا لمجرد معرفة إعاقتنا حتى قبل التعرف إلينا واختبار قدراتنا». لكن، غالباً ما تكون هذه الأجهزة التكنولوجية مرتفعة الكلفة وليست في متناول الجميع، لذلك «تقع المسؤولية على عاتق الدولة وأصحاب العمل»، وفق دراسة أعدّها عبدالله حول الحق في العمل للأشخاص المعوّقين.
وحول المهن المناسبة للمكفوفين، يقول مكارم إنّ «90% من المكفوفين لا يستطيعون الاستمرار بالمهن نفسها التي كانوا يمارسونها قبل الإعاقة». فعلى سبيل المثال، تسمح الإعاقة البصرية، بحسب المتابعين، بالعمل الاجتماعي، الترجمة، العلاج الفيزيائي، التدليك، الصحافة في فروع معينة مثل الكتابة والتوثيق والتحرير، التعليم الجامعي وليس المدرسي، المحاماة. وبعد دراسة سوق العمل وتوجيه المكفوفين إلى المهن المناسبة، لا بدّ من إعادة تأهيل المعوّقين مهنياً، وهو مصطلح غريب في لبنان شأنه شأن المؤسسة الوطنية للاستخدام التابعة لوزارة العمل والمولجة، بحسب القانون 220/2000 لحقوق الأشخاص المعوّقين، إعادة التأهيل وتوجيه المعوّقين إلى سوق العمل، من دون رصد ميزانية لعمل هذه المؤسسة.
«تحوك» جمعية «الشبيبة للمكفوفين» برنامجاً لإعادة التأهيل من خلال مقاربتين، «الأولى تقوم على تنمية المهارات العامة التي يحتاج إليها الكفيف كمهارات الكمبيوتر والتواصل والمهارات اللغوية، والثانية ترتبط بتدريب الكفيف داخل مكان العمل، بحسب تخصّصه المهني، ما يؤمّن تهيئته للعمل واختبار ما يملكه من كفايات وقدرات عند التقدّم إلى وظيفة». أما كوتا العمل للمعوّقين المنصوص عليها في القانون، وعدا أنها ظلّت حبراً على ورق، فقد «صيغت بطريقة عقابية، فيما المطلوب العمل على توعية المؤسسات حول أهمية التنوع من أجل سمعتها»، كما يقول مكارم.
المدارس «الدامجة»
تُجمِع جمعيات الإعاقة على أنّ التلميذ الكفيف يمكنه أن يتابع تعليمه في أي مدرسة رسمية أو خاصة، وأنّ تكييف المدارس لحالته أمر سهل، و«أقلّ كلفة بنسبة 40% من الكلفة السنوية للتعليم والإيواء في مؤسسات الرعاية»، وفق تجربة مكارم في تأهيل المدارس قبل 25 سنة بدعم من المنظمات الدولية. لكنّ الحال اليوم أنّ غالبية «المدارس الدامجة» غير دامجة فعلاً، من حيث البرامج والأدوات والطاقم التعليمي، والفرق الوحيد بينها وبين المدارس الأخرى أنها تؤمّن معلمة الظل التي تقف أحياناً حجر عثرة في وجه استقلالية الطالب، كما أنّ هذا «الدمج» يضاعف الأقساط على الأهالي، «فمقابل 3 آلاف دولار كأقساط عادية، يرتفع قسط طلاب الدمج إلى 7 آلاف دولار في المدرسة نفسها»، بحسب عبدالله.
وتتحدّث مصادر وزارة التربية عن «تجهيز 117 مدرسة دامجة للاحتياجات التربوية المختلفة، التحدي الوحيد أمامها هو دمج ذوي الإعاقات الذهنية، أما ذوو الإعاقات البصرية فيمكن دمجهم في جميع المدارس الرسمية الـ 1200 نظراً إلى سهولة تجهيزها، وسبق أن أمّنّا تعليم طالبة عبر نظام «البريل»، بعد أن درّبناها وطبعنا لها الكتب بدعم من إحدى الجمعيات». وهي خطوة إيجابية في سبيل الدمج الكليّ، وإن كانت بحاجة إلى تقييم جدّي أولاً للتأكد من استقبال هذه المدارس الأشخاص المعوّقين، إذ يروي مكارم عن «تلميذ معوّق حركياً رفضت إحدى المدارس المُدرجة في لائحة الدمج استقباله، ولم يتغيّر الوضع بعد مراجعة وزارة التربية». فضلاً عن ضرورة دراسة مدى تكييف هذه المدارس للإعاقات المتنوعة وسط اتهامها من ناشطين بأنها «موجهة للصعوبات التعلمية فقط»، وإن كان الدمج يشمل النظام الداخلي وشروط القبول وأساليب الأساتذة.
التحايل بالقانون
صحّياً، يحتاج جزء كبير من المكفوفين إلى أدوية دائمة لعلاج ارتفاع ضغط العين، عدا «القطرات». لكنّ المشرّع تحايل عليهم عندما ذكر في المادة 27 من القانون 220 (ودون الحصر) الخدمات الصحية التي يحق لهم الحصول عليها، وهي سلة واسعة من الفحوصات المخبرية والأدوية والعلاج التأهيلي… لا يحصل المعوّق على أيّ منها لأنها لم تُستكمل بمراسيم تطبيقية تحدد الخدمات الصحية المغطاة، والجهة التي ستتولى تغطيتها. أما المادة 28 التي تمنحهم تغطية شاملة في دخول المستشفى، فغير مؤثّرة كون أي مواطن لا يستفيد من الصناديق الضامنة يمكنه أن يحصل على تغطية بنسبة 85% من وزارة الصحة.
وبقيت مخططات القانون 220 التفصيلية لضمان حقوق المعوّقين في بيئة مؤهلة ووسائل نقل دامجة حبراً على ورق، إذ تستخدم فئة قليلة النقل العام بسبب الإذلال والاستغلال اللذين يتعرّضون لهما، مثل أخذ بدلات مضاعفة، وعدم توصيلهم إلى وجهتهم الفعلية، والتعرض لسوء المعاملة والتحرش الجنسي، وغيرها. ومن يملك ترف تأمين سائق خاص، «يخسر بالحد الأدنى 40% من راتبه، وأعرف فتاة لا يبقى من راتبها الشهري غير 200 ألف ليرة بسبب كلفة النقل المرتفعة التي تتكبّدها وحتى لا تبقى في البيت»، كما ينقل عبدالله.
وأخيراً، سواء كانت العلّة في القانون أو بالإرادة السياسية لتطبيقه، لا بدّ من صياغة قانون جديد يحقق الدمج والمساواة للأشخاص المعوّقين عموماً وللمكفوفين خصوصاً، بما يتناسب مع روح «الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوّقين» التي صادق عليها لبنان ونشر مرسوم إبرامها في الجريدة الرسمية في 9 شباط 2023، على أن تشارك في صياغته الوزارات المختلفة وينتهي «احتكار» وزارة الشؤون الاجتماعية لجميع قضايا المعوّقين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"الضغط يزيد"...أورتاغوس تكراراً: لا يزال أمام لبنان الكثير
"الضغط يزيد"...أورتاغوس تكراراً: لا يزال أمام لبنان الكثير

صيدا أون لاين

timeمنذ 3 ساعات

  • صيدا أون لاين

"الضغط يزيد"...أورتاغوس تكراراً: لا يزال أمام لبنان الكثير

يجري الاستعداد لبنانياً لزيارة مرتقبة للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس الاسبوع المقبل. وكشفت مصادر سياسية بارزة ل" الاخبار" عن رسائل أميركية وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين تشير إلى أن «أورتاغوس تحمِل معها لائحة شروط تتجاوز اللجان الدبلوماسية الثلاث»، وأنها «ستنقل موقفاً متشدّداً من إدارتها بأن على لبنان أن يبدأ التفكير جدياً في عملية انضمامه إلى اتفاقيات السلام كشرط للانسحاب الإسرائيلي والوقف الكامل لإطلاق النار». وقالت المصادر، إن المبعوثة الأميركية «تهتمّ للبند المتعلّق بالفلسطينيين في لبنان، سواء لجهة نزع سلاحهم كما يحصل في سوريا، أو لجهة دفع السلطات اللبنانية إلى التخلي عن فكرة التعامل معهم كلاجئين والدفع إلى توطينهم على مراحل». إضافة إلى ذلك، فإن أورتاغوس تريد مناقشة سبل إيجاد «حل شامل بين لبنان وإسرائيل، وأن لا يكون البحث محصوراً في ملف الحدود»، مشيرة إلى أن «الضغط على لبنان سيزداد في الأسابيع والأشهر المقبلة، وقد تبلّغ رئيس الجمهورية بهذه الأجواء، وهو ما دفعه إلى القول من مصر إننا أمام تحدّي السلام لكل منطقتِنا ‏ونحن جاهزون له»، قبل أن يعود إلى رفع السقف بموضوع السلاح بقوله إن «لا خيار أمام حزب الله إلا القبول بمفهوم الدولة، ومن حقّه المشاركة السياسية لكنّ السلاح بيد الدولة». وكانت اورتاغوس اطلقت مواقف جديدة من الوضع في لبنان، فاعتبرت أن لبنان لا يزال أمامه "الكثير" ليفعله من أجل نزع سلاح "حزب الله" في أعقاب اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل. وأشارت أورتاغوس في ردّها على سؤال بشأن نزع سلاح "حزب الله" خلال منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة، إلى أن المسؤولين في لبنان "أنجزوا في الأشهر الستة الماضية أكثر مما فعلوا على الأرجح طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية". وأضافت، "لكن لا يزال أمامهم الكثير". وشدّدت على أن الولايات المتحدة الأميركية دعت إلى نزع السلاح الكامل لحزب الله وأن هذا لا يعني في جنوب الليطاني فقط بل في أنحاء البلاد كافة، داعية القيادة اللبنانية إلى اتخاذ قرار في هذا الشان. وكتبت" الديار": بعيد زيارة موفد بريطاني، بيروت، منذ ايام، بعيدا عن الاعلام ولقائه عددا من المسؤولين للوقوف على راي الدولة اللبنانية من مسالة التجديد لقوات الطوارئ الدولية، في ظل القلق الدولي المتصاعد من «الاعتداءات» التي تتعرض لها دورياتها بشكل شبه يومي، كشفت مصادر دبلوماسية، ان تل ابيب تخوض «حربا» في واشنطن عنوانها «تعديل تركيبة اليونيفيل وتعديل قواعد الاشتباك» ، مستفيدة من قرار عصر النفقات التي اتخذته الامم المتحدة، بعد وقف الادارة الجمهورية تمويلها للمنظمة الدولية، مبدية مخاوفها من ان يملء الوقت الفاصل عن اول ايلول، مزيدا من الاشكالات جنوبا والتي يمكن ان تتطور بشكل اكبر، دون اغفال احتمال التصعيد الاسرائيلي سياسيا وميدانيا وعسكريا، في حال فشلها في تمرير التعديلات التي تريدها

"الضغط يزيد"...أورتاغوس تكراراً: لا يزال أمام لبنان الكثير
"الضغط يزيد"...أورتاغوس تكراراً: لا يزال أمام لبنان الكثير

ليبانون 24

timeمنذ 5 ساعات

  • ليبانون 24

"الضغط يزيد"...أورتاغوس تكراراً: لا يزال أمام لبنان الكثير

يجري الاستعداد لبنانياً لزيارة مرتقبة للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس الاسبوع المقبل. وكشفت مصادر سياسية بارزة ل" الاخبار" عن رسائل أميركية وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين تشير إلى أن «أورتاغوس تحمِل معها لائحة شروط تتجاوز اللجان الدبلوماسية الثلاث»، وأنها «ستنقل موقفاً متشدّداً من إدارتها بأن على لبنان أن يبدأ التفكير جدياً في عملية انضمامه إلى اتفاقيات السلام كشرط للانسحاب الإسرائيلي والوقف الكامل لإطلاق النار». وقالت المصادر، إن المبعوثة الأميركية «تهتمّ للبند المتعلّق بالفلسطينيين في لبنان، سواء لجهة نزع سلاحهم كما يحصل في سوريا ، أو لجهة دفع السلطات اللبنانية إلى التخلي عن فكرة التعامل معهم كلاجئين والدفع إلى توطينهم على مراحل». إضافة إلى ذلك، فإن أورتاغوس تريد مناقشة سبل إيجاد «حل شامل بين لبنان وإسرائيل، وأن لا يكون البحث محصوراً في ملف الحدود»، مشيرة إلى أن «الضغط على لبنان سيزداد في الأسابيع والأشهر المقبلة، وقد تبلّغ رئيس الجمهورية بهذه الأجواء، وهو ما دفعه إلى القول من مصر إننا أمام تحدّي السلام لكل منطقتِنا ‏ونحن جاهزون له»، قبل أن يعود إلى رفع السقف بموضوع السلاح بقوله إن «لا خيار أمام حزب الله إلا القبول بمفهوم الدولة، ومن حقّه المشاركة السياسية لكنّ السلاح بيد الدولة». وكانت اورتاغوس اطلقت مواقف جديدة من الوضع في لبنان، فاعتبرت أن لبنان لا يزال أمامه "الكثير" ليفعله من أجل نزع سلاح "حزب الله" في أعقاب اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل. وأشارت أورتاغوس في ردّها على سؤال بشأن نزع سلاح "حزب الله" خلال منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة ، إلى أن المسؤولين في لبنان "أنجزوا في الأشهر الستة الماضية أكثر مما فعلوا على الأرجح طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية". وأضافت، "لكن لا يزال أمامهم الكثير". وشدّدت على أن الولايات المتحدة الأميركية دعت إلى نزع السلاح الكامل لحزب الله وأن هذا لا يعني في جنوب الليطاني فقط بل في أنحاء البلاد كافة، داعية القيادة اللبنانية إلى اتخاذ قرار في هذا الشان. وكتبت" الديار": بعيد زيارة موفد بريطاني، بيروت ، منذ ايام، بعيدا عن الاعلام ولقائه عددا من المسؤولين للوقوف على راي الدولة اللبنانية من مسالة التجديد لقوات الطوارئ الدولية، في ظل القلق الدولي المتصاعد من «الاعتداءات» التي تتعرض لها دورياتها بشكل شبه يومي، كشفت مصادر دبلوماسية، ان تل ابيب تخوض «حربا» في واشنطن عنوانها «تعديل تركيبة اليونيفيل وتعديل قواعد الاشتباك» ، مستفيدة من قرار عصر النفقات التي اتخذته الامم المتحدة، بعد وقف الادارة الجمهورية تمويلها للمنظمة الدولية، مبدية مخاوفها من ان يملء الوقت الفاصل عن اول ايلول، مزيدا من الاشكالات جنوبا والتي يمكن ان تتطور بشكل اكبر، دون اغفال احتمال التصعيد الاسرائيلي سياسيا وميدانيا وعسكريا، في حال فشلها في تمرير التعديلات التي تريدها.

إعادة تكوين المشهد السياسي في المشرق العربي: التوازن المفقود!
إعادة تكوين المشهد السياسي في المشرق العربي: التوازن المفقود!

المدن

timeمنذ 10 ساعات

  • المدن

إعادة تكوين المشهد السياسي في المشرق العربي: التوازن المفقود!

"إن توازن القوى هو أساس السلام" تسبّب هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 بتراجع النفوذ الإيراني في المشرق العربي: بشكل تام في سوريا، ونسبيًا في لبنان، وإلى حدّ أقل في العراق البلد المشرقي الذي يقع على حدود إيران ويشكل البوابة الشرقية للعالم العربي عليها. دول ثلاث عاشت عقودًا من الهشاشة السياسية والاقتصادية كما الأمنية وفي بُناها الاجتماعية منذ مطلع الألفية الثالثة، هشاشة أصابت نسيج العراق الاجتماعي واقتصاده وأمنه ووحدة أهله عند اجتياح الأميركيين له عام 2003، حيث توزع النفوذ عمليًا هناك بين الأميركي والإيراني، تبعه لبنان منذ وبعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وانسحاب الجيش السوري منه ما عزّز من نفوذ "حزب الله" المرتبط أيديولوجيًا في إيران، فسوريا بعد انطلاق الثورة فيها عام 2011 واستعانة النظام بـ"حزب الله" أولًا لقمع الثورة فيها فالحرس الثوري وإيران ثانيًا، حتى طلب التدخل الروسي من قبل إيران ما عزّز من نفوذ وحضور طهران في ذاك البلد بشكل مؤثر جدًا. خط الأحداث منذ السابع من أكتوبر 2023 ضَرَبَ المعادلة الآنفة منذ قرر الحشد الشعبي العراقي مبكرًا فك الاشتباك مع الولايات المتحدة الأميركية وتاليًا إسرائيل، بعد اغتيالات جرت لقيادات فيه ما نأى بالعراق عن أحداث غزة وما يجري فيها، إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحكة "حماس" إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران يوم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وضرب القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ثمّ عملية "البايجر" في لبنان واغتيال السيّدَيْن حسن نصر الله وهاشم صفي الدين إلى سقوط نظام الأسد في سوريا ووقف النار في لبنان الذي توقف من جانب واحد عمليًا هو جانب "حزب الله" في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل بعمليات الضرب والقصف والقتل دون رادع. لقد اختلّ التوازن منذ ما بعد تلك الأحداث لغير مصلحة ايران ونفوذها، ومالت الكفة بشكل كبير إلى مصلحة إسرائيل التي لم تكن يومًا منذ تأسيسها عامل استقرار في المشرق العربي، ولم تستطع يومًا فرض استقرار ما، إلا مع سوريا في ظل حكم آل الأسد منذ اتفاق فك الاشتباك عام 1974، غير أن حافظ الأسد، ورغم عدم حصول أي خرق لوقف النار بين بلاده وإسرائيل انطلاقًا من الأراضي السورية ظلّ يستخدم ساحات أخرى لمشاغلتها سواء في الجولان المحتل أو فلسطين وإلى حد أكبر بكثير في لبنان منذ اندلاع الحروب المتعددة فيه منذ العام 1976. التنافس الإقليمي حول المشرق في المشرق، وبعد السابع من أكتوبر 2023، تتنافس قوّتان إقليميتان حسب الظاهر على ترسيخ مكاسبهما: إسرائيل وتركيا. فيما تسعى إيران لتخفيف خسائرها من جهة وتحصين جبهتها الداخلية تخوفًا من عدم وصول المفاوضات الأميركية - الإيرانية إلى مخرجات مريحة، واستعدادًا للتصدي لضربات محتملة للمرافق النووية الإيرانية ما يدفع المنطقة إلى حافة نزاعات دموية، على الأرجح بالغة الخطورة على دول الخليج أولًا، وعلى المشرق العربي ثانيًا، وعلى أمن العالم كله ثالثًا، صراعات قد تحيي تدفقات الهجرة، أو إعادة تفعيل الإرهاب، أو ضرب طرق التجارة البحرية والبرية في آن. فإيران ولو أنها وهنت، لكنّها لم تفقد قدراتها بعد على استخدام العديد من الوسائل لإعادة تحريك مجاميع قوى موزعة في دول المنطقة كلها، تحركٌ قد يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف سياسية وطائفية داخلية في الدول المشرقية الثلاث نتيجة فشل المفاوضات أو نتيجة ضربة عسكرية لإيران بشكل أو بآخر. وفي حال نجاح تلك المفاوضات قد تعمد إيران على استعادة المبادرة وتحين الفرصة لاستعادة الحضور والنفوذ بطريقة ما. توصيف المشهد في العراق، بعد القمة العربية التي عقدت هناك يوم السبت الواقع فيه 17 أيار/مايو يبدو أن خيار العرب بالانخراط بات أكثر وضوحًا هناك، وكذلك انخراط العراق في محيطه العربي بات أصرح، لكن الواضح أيضًا أن نفوذ إيران لا زال على قدر عالٍ من القوة ولا زال الحكم هناك يقيم لها وزنًا كبيرًا في آلية اتخاذ القرارات وفي مراعاة مزاج القوى الموالية لها في العراق. وفي سوريا يبدو أن قرار دعم أحمد الشرع ونظامه بات خيارًا وحيداً حاليًا لأسباب عديدة أولها أن هذا النظام بات واقعًا، وأحد لا يريد عودة هذا البلد إلى الفوضى، وأحد لا يريد تقسيم سوريا، وثانيها أن نجاح الشرع في إبعاد النفوذ الايراني يعتبر نقطة حُسْن سلوك له عربيًا وغربيًا، وثالثها أنّ إسرائيل، حليفة أميركا، بعد سقوط الأسد، شنت ضربات على مخازن الأسلحة وأهداف أخرى داخل سوريا، وسعت إلى توسيع سيطرتها الإقليمية على أجزاء من البلاد، معارضةً التوغلات التركية هناك، في محاولة لإظهار امتلاكها اليد العليا هناك ما دفع الشرع لاجراء مفاوضات مرحب بها أميركيًا و"إبراهيميًا" معها بواسطة تركيا في أذربيجان وبواسطة الإمارات في أبو ظبي. وفي لبنان وبعد انتخاب الرئيس جوزيف عون وتأليف الرئيس نواف سلام حكومته، اتضح أنّ التفويض الدولي الذي يحوزان عليه يختص بتجريد "حزب الله" والفصائل الفلسطينية من سلاحهم كما وضرورة الدخول في إصلاحات سياسية، ومالية، وقضائية، واضحة. في الوقت الذي تحتفظ إسرائيل فيه بموقع مهيمن وتواصل قصف البلاد، في انتهاك صريح لكن مسنود لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. من يملأ فراغ المشهد ويعيد التوازن؟ شهدت كلّ من سوريا ولبنان موجة من الانخراط العربي، تقودها المملكة العربية السعودية، بعد انفتاح مماثل وسابق على العراق الذي لعب دورًا اساسيًا في الوساطة بين المملكة وإيران وأمّن منصة حوار خلال أعوام 2022 و2023 إلى جانب عُمان، وصولًا لعقد اجتماع بكّين في آذار/ مارس 2023 بين إيران والمملكة واتفاقهما على إعادة العلاقات السياسية والديبلوماسية بين البلدين، إلى سعيهما لتبريد النزاعات الإقليمية وأبرزها وأهمها بالنسبة للمملكة نزاع اليمن. وقد تكون السعودية إحدى أبرز الدول القادرة على صياغة توازن ما بالتعاون الأكيد مع تركيا كما حصل في سوريا، ومن خلال التواصل المباشر مع إيران كما حصل حول العراق خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، ومن خلال إيجاد سبل للتعاون والتنافس في آنٍ واحد مع القوى الإقليمية تلك ومن خلال بناء شراكات شاملة. ويُعد العمل المشترك بين تركيا والسعودية، وهما الأكثر التزامًا باستقرار المشرق من غيرهما من القوى الإقليمية، عنصرًا أساسيًا في هذا المسعى كما ويعتبر تحييد إيران وعقد شراكات معها عاملًا مهمًا لصياغة توازن مع إسرائيل الدولة الـمحتلة لأرض والفاتكة باهلها والعاملة على تعزيز الفصل العنصري فيها والتي تعتقد أنها حققت انتصارًا نهائيًا في صراع ليس لنهايته أفق مهما تعدّدت الجولات أو النهايات الافتراضية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store