
كاتب بلا طحال
في بداية حياته الكتابيّة، وقَّع تشيخوف باسم «رجل بلا طُحال»، والطحالُ عضو في الجسد كأنَّه مصنع جنودٍ لمحاربةِ غزو الأعداء. إنّه مصنع مناعة، إذا فقده الجسد فينتظر الموت على يد أتفه سبب. وأول المعاني التي تَدرج لرجلٍ بلا طحال أنه بلا مناعة، وكاتب بلا طحال يعني أنه بلا مناعة، فما معنى أن يفقد الكاتبُ المناعة؟ أو أن يُولد بلا طحال؟
جلسَ جبران خليل جبران - ذات يوم - أمامَ موقدِ نار، فقال: «حطبة تستَدفئ بحطبة»، ولم يستطع أصحابُ العقائد أن يتقبّلوا هذا النص الجبراني، لأنه خُلِقَ لذاته فَولَّد الأفكار التي لم يُرِدها جبران.
وهذه المقالة تفترضُ أنَّ ثمة طلبًا مضمرًا لجبران: «اكْتُب عن هذه الحطبة». أمَّا لماذا أفترض؟ فهذا يجعلُني أعود إلى حكايةِ تَعرّف الكاتب الروسيّ تشيخوف بـ«ليديا أفيلوفا» عام 1889، حينما كانت في أولِ طَلعتها الكتابيّة، تلك الطلعة التي تتكَرّر فيها فكرةٌ واحدة لنصوصٍ مُتعدّدة، لكنَّها طلعةٌ وثَّقَها التَّاريخُ؛ لأنَّها أطْلَعت القَارئَ على سُؤال طَرحه تشيخوف على ليديا: «هل نَحتاج إلى الفكرة كي نكتب؟».
كان سؤاله غريبًا؛ لأنَّ الفكرة مأخوذة من الفِكر، والفكرُ بوابةُ الإنسانِ للوصول إلى فهم الوجود، لهذا وجبَ عليَّ أن أُنصِت إلى تشيخوف، لضبطِ سؤاله، وقد وجدتُ هذا المشهد: «كانَ أمامه على الطاولةِ زجاجة شمبانيا، فقال لليديا: أتُريدين أن أكتبَ قصةً عنها وأسَمِّيها (زجاجة)». هذا المشهد كمن يصعد على درجاتِ سُلّمٍ لا قواعدَ لها ولا مقابض، لكنَّه متيقنٌ من وجودِ درجاتٍ هي سبب تقدمه، وهذه الدرجات هي الصور الفنية التي ينطلق منها الكاتب نحو «الأفكار»، أي أنَّ الصورَ الفنيةَ تُولِّد الأفكارَ، وليس العكس، فتشيخوف حين يكتب عن الزجاجةِ ستتدفّق الأفكارُ من فنّية الإبداع. إذن الأفكار موجودة، ولكنها لا تسبق الصور الفنية. لكن ما الشرارة الأولى لانطلاق الصور الفنية؟ أليست «فكرةً»، وفي مثال تشيخوف هي وصف زجاجة الشمبانيا؟
لمَّا ألحَّ الحضورُ على تشيخوف أن يُفصِح أكثر، قال: «مثلًا لا أحبُّ أن يقول لي أحدُهم ماذا تُريد من القصةِ الفلانيّة؟ فأنا لا أريد شيئًا». ونَفهم من ردِّه أنَّ هناك فكرة تُرعِبه، وهي أن تكون الشرارةُ الأولى في انطلاقِ المعنى مرتبطةً بإرادةٍ خلفَ القول، وهي أسلوبُ المعلمين والوعاظ والدعاة من جهة أولى، والمحاربين والثوريين ونحوهم من جهةٍ أخرى، وتشيخوف ليس من هؤلاء كلهم. ومن المفارقة أنَّ علامةَ وجود فكرة مُسْبقة تُرعبه هي أنَّه لم يَستطع أن يُفصِح عن مُرادِه بمفهومِ وجوب الفكرة، ومن هنا وجب إيضاح أنَّ الإشكال هو تكرار أفكارٍ ما؛ لتكون محور الكتابة، وليس وجود الفكرة ذاتها، والملاحظ أنَّ أسلوبَ قصص تشيخوف واضح، فلماذا لم يستطع أن يُفهِم جُلساءه عن مُراده في جوابِ «هل نحتاج إلى الفكرة؟»
ربما لأنَّ تشيخوف ينظر إلى الكتابة من منظور الانسجام الداخلي، لا الانسجام الخارجي (الفهم). الانسجام الداخلي حاضنة خاصة تبدأ بفكرةٍ بيضاء، ثم تتوالد فيها الأفكارُ المُلوّنة. إنها تُشبه علاقةَ الحب في ذاتها. أمَّا الانسجام الخارجي فيحتاج إلى حاضنةٍ اجتماعية بوعي جامعٍ لأفراد الناس، لهذا فالحبيبان حين يتحدثان عن الفهم فهما قد وضعا أولَ مسمار في نعش عشقهما. ألا نُلاحظ أنَّ تشيخوف طرح سؤالَ أهمية الفكرة في حضرةِ حبيبته ليديا أفيلوفا، مؤلفة كتاب «تشيخوف.. قصة حبي»؟
قلنا إنَّ الفكرَ يتحرك بمفاهيم؛ ليفهم الحياةَ، ويُؤطرها بناءً على ذلك، ثم مَن يَنسجم معها يعيش بطيبٍ، ومن لم ينسجم يكتئبُ وينعزل ويصمتُ إلى الأبد، وقد يُجنّ. إذن «المفاهيم» سجون للفكر، وسجون للعيش. وكيف ينطلق الفكر من سجونه؟ ربما بتغيير المفاهيم كما تُغيَّر الملابس، وهذا معنى من معاني أن تكون الكتابة ذات انسجامٍ داخلي، يعيش فيها قارئها، لا يُفكّر بالخارج أبدًا.
قيل إنَّ الكتابةَ ميتة، بمعنى لا صوتَ فيها، ومن أراد أن يُحييها فليُعطِها صوتًا تسمعه آذانُ الناس، فتحضنه أجسادُهم. أرأيتَ زعيمًا قوميًا يُوزّع خطابَه في كُرَّاسات مقالية أم أنه يظهر ليُخاطِب بصوته أرواحَ الجماهير؟ لهذا قيل إنَّ العاشقَ مهما كتب فإنَّه يظلّ ميتًا ما دام لم يرَ محبوبته، وما ذاك إلا لأنَّ الكتابةَ الحقيقية هي التي تُغيّر المفاهيم مع كل لقاءٍ حميمي مع القارئ/الكاتب هي التي ألغت سجونَ الفكرة القاتلة، هي التي تنطلق بصفحتها البيضاء -بصفحتها التي بلا طحال- قبل أن تلتقي وعيًا آخر، فإما أن يَحيا بها مستقلًا، أو يُميتها، لأنها لم تستجب للمفاهيم الخارجية، لم تستجب لقوانين الطحال ومناعته، ولمفاهيم الأجساد التي تشترط أن تلتقي؛ كي تكتمل سعادتها وفهمها.
وهذه الإماتةُ معنى من معاني الكتابة المُسطّحة التي يكتبها صاحبُها من بابِ توسيع نفوذِ صوته ليس أكثر، الصوتِ الذي يكتب بقلمٍ مُغروس بطحالِ الصوت الكلّي، وكأنَّ الذي كتبها هَمَسَ في آذانِ الجماهير بعد أن همسوا له.
الحروب من أسباب إزالةِ الطحال عند البشر قديمًا، لأنه عندما يُصاب يُستأصل بعد المعركة. لكن لماذا ليس عضوًا آخر؟ ربما لأنَّ الطحالَ يتمركز -بلا واقٍ- في جهة اليسار العليا، كأنه مهاجمٌ فذَّ في فريقٍ مهترئ، يُقابل وحده سهام العدو كعادته في حمايةِ الجسد من الأعداء/الفيروسات. وربما لأنَّ عمله يُشبه عملَ المحارب نفسِه، فحين يُصاب المحاربُ يُصاب الطحال بإصابته، ويصح العكس، فحين يُصاب الطحال بسهمٍ فإنَّ أعضاءَ المحارب كلها تتجهز للخسارة.
الطُحال في الكتابة هو السلطة المفروضة على القلم، وهي سجنه الدائم، وهي التي تَدّعي حمايتَه من الإبداع الحر. فمن أراد أن يُبدع فليكن بلا طحال، بلا حزب، بلا جيش، بلا نظرية، بلا سلطة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 2 أيام
- الشرق الأوسط
«سيرة هشّة ليوم عادي»... رواية تستعيد حميمية الريف المصري
عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت حديثاً رواية «سيرة هشّة ليوم عادي» للكاتب المصري عبد الكريم الحجراوي، التي تدور أحداثها في 24 ساعة فقط. يرتكز العمل في بنيته السردية على التفاصيل البسيطة التي تتمتع بملامسة خاصة، وتصنع عالماً واسعاً ومتشعباً، على غرار لوحات الفسيسفساء لمشاهد حميمية من الريف المصري في نسخته الصعيدية بجنوب البلاد. يسعى المؤلف إلى تحويل ما هو عادي ومألوف، مثل طقوس الاستيقاظ من النوم وتربية الطيور ولحظات انفلات الأعصاب وملابس الرجال والنساء، إلى مشاهد تحمل معاني إنسانية أكثر رهافة وعمقاً، لكن بعض المشاهد جاءت محملة بحسّ تقريري مباشر ولغة وصفية فوتوغرافية، أفقدت السرد الدهشة المطلوبة. واللافت أنه يمكن قراءة الرواية من أي فصل من فصولها، التي تم تقسيمها زمنياً على نحو يتخذ من الوقت وحركة الشمس المتدرجة على مدار اليوم علامات دالة تصنع عنوان كل فصل، مثل «الفجر»، «الصبح»، «الشروق»، «البكور»، «الغدوة»، «الضحى»، «الرواح»، «الأصيل»، «الشفق». يصدّر المؤلف روايته بكلمة لافتة، يقول فيها: «هذا يوم رتيب بذلت قصارى جهدي في أن يبدو كذلك»، كما يتوجه في موضع آخر إلى القارئ قائلاً: «لك أيها القارئ الحرية الكاملة في قراءة هذه السيرة الهشّة ليوم عادي من أي وقت تختاره من أوقاته الأربعة والعشرين دون الالتزام بالتسلسل الموجود هنا، ولن يؤثر ذلك في حبكة النصّ الخالي من الحبكة تماماً». وفي موضع ثالث يستعيد مقولة للأديب الروسي الأشهر: «يقول أنطون تشيخوف إن المسدس الذي يظهر في المشهد الأول لا بد أن يطلق النار في المشهد الأخير، أما هنا فتظهر مئات المسدسات في كل مشهد لكنها لا تطلق النار أبداً». يذكر أن عبد الكريم الحجراوي كاتب وأكاديمي حاصل على درجة الدكتوراه في النقد المسرحي من كلية الآداب جامعة القاهرة، وتعدّ «سيرة هشّة ليوم عادي» روايته الأولى المنشورة، بعد روايتين لم ينشرا بعد، هما «ما قبل الرحيل» و«هند»، وله مساهمات أدبية ونقدية متنوعة، منها: «المسرحية الشعرية العامية في مصر - دراسة تحليلية»، «تجليات السير الشعبية في المسرح العربي - دراسة تداولية»، «صدمة التوحش - صورة (داعش) في المسرح العربي»، «الهوية - رؤية مأساوية للعالم»، وله تحت الطبع «معجم المسرح السيري - ببليوغرافيا شارحة لاستلهامات السير الشعبية في المسرح العربي من 1847 إلى 2022». ومن أجواء الرواية نقرأ: «البرد شديد هنا، لقد انتصف شهر (طوبة) والعشرة الأواسط منه أشدّها زمهريراً، والسّحر أشد أوقات الليل صقيعاً يجمد الأطراف. إنه برد الأربعين يوماً القارسة في كياك وطوبة. ترفع (سورية) الغطاء المحبوك بمغزل من الصوف بهمة لا تتناسب مع سنواتها التي قاربت السبعين، متحدية الصقيع الذي يدبّ صداه في العظم مباشرة. أطلق عليها والدها هذا الاسم إبان الوحدة بين مصر وسوريا من عقود خلت. تذكر (سورية) الله بصوت خافت وتناجيه باسمه الفتاح العليم، وحينما تنتهي من المناجاة تقبل يديها وتمسح بها على وجهها الذي ينكمش من صقيع اليدين اللتين تلامسانه. وجه لا يبين منه شيء في الظلام، ولا يسمع سوى خشخشة حراكه، تسند يدها إلى الحائط الطيني كي ترفع نفسها من على الحصير الذي تفترشه على الأرض. ما إن تكتمل قامتها في الانتصاب وينزلق الغطاء الصوفي حتى تسري البرودة في جسدها أكثر فأكثر، تسير بخطوات وئيدة عاقدة العزم على أن تشعل ناراً لعلها تدفئ برد هذا الشتاء وتطرد صقيعه متنبئة بصيف شديد الحرارة سيأتي، لا تعرف هل ستكون من أهله أم من أهل القبور. تخرج من غرفتها الطينية الكائنة في الجانب الجنوبي من المنزل متجهة إلى الغرف الطينية في الجانب الشمالي منه حيث يهجع ابنها الأصغر (شيبان) وزوجته (شادية). وفي البهو غير المسقوف الواصل بين الجانبين، تردد (سورية) وهي ترتعد فرائصها برداً: طوبة تخلي الصبية جلدة والعجوزة قردة، طوبة تخلي الشابة كركوبة».


الوطن
١٢-٠٣-٢٠٢٥
- الوطن
كاتب بلا طحال
في بداية حياته الكتابيّة، وقَّع تشيخوف باسم «رجل بلا طُحال»، والطحالُ عضو في الجسد كأنَّه مصنع جنودٍ لمحاربةِ غزو الأعداء. إنّه مصنع مناعة، إذا فقده الجسد فينتظر الموت على يد أتفه سبب. وأول المعاني التي تَدرج لرجلٍ بلا طحال أنه بلا مناعة، وكاتب بلا طحال يعني أنه بلا مناعة، فما معنى أن يفقد الكاتبُ المناعة؟ أو أن يُولد بلا طحال؟ جلسَ جبران خليل جبران - ذات يوم - أمامَ موقدِ نار، فقال: «حطبة تستَدفئ بحطبة»، ولم يستطع أصحابُ العقائد أن يتقبّلوا هذا النص الجبراني، لأنه خُلِقَ لذاته فَولَّد الأفكار التي لم يُرِدها جبران. وهذه المقالة تفترضُ أنَّ ثمة طلبًا مضمرًا لجبران: «اكْتُب عن هذه الحطبة». أمَّا لماذا أفترض؟ فهذا يجعلُني أعود إلى حكايةِ تَعرّف الكاتب الروسيّ تشيخوف بـ«ليديا أفيلوفا» عام 1889، حينما كانت في أولِ طَلعتها الكتابيّة، تلك الطلعة التي تتكَرّر فيها فكرةٌ واحدة لنصوصٍ مُتعدّدة، لكنَّها طلعةٌ وثَّقَها التَّاريخُ؛ لأنَّها أطْلَعت القَارئَ على سُؤال طَرحه تشيخوف على ليديا: «هل نَحتاج إلى الفكرة كي نكتب؟». كان سؤاله غريبًا؛ لأنَّ الفكرة مأخوذة من الفِكر، والفكرُ بوابةُ الإنسانِ للوصول إلى فهم الوجود، لهذا وجبَ عليَّ أن أُنصِت إلى تشيخوف، لضبطِ سؤاله، وقد وجدتُ هذا المشهد: «كانَ أمامه على الطاولةِ زجاجة شمبانيا، فقال لليديا: أتُريدين أن أكتبَ قصةً عنها وأسَمِّيها (زجاجة)». هذا المشهد كمن يصعد على درجاتِ سُلّمٍ لا قواعدَ لها ولا مقابض، لكنَّه متيقنٌ من وجودِ درجاتٍ هي سبب تقدمه، وهذه الدرجات هي الصور الفنية التي ينطلق منها الكاتب نحو «الأفكار»، أي أنَّ الصورَ الفنيةَ تُولِّد الأفكارَ، وليس العكس، فتشيخوف حين يكتب عن الزجاجةِ ستتدفّق الأفكارُ من فنّية الإبداع. إذن الأفكار موجودة، ولكنها لا تسبق الصور الفنية. لكن ما الشرارة الأولى لانطلاق الصور الفنية؟ أليست «فكرةً»، وفي مثال تشيخوف هي وصف زجاجة الشمبانيا؟ لمَّا ألحَّ الحضورُ على تشيخوف أن يُفصِح أكثر، قال: «مثلًا لا أحبُّ أن يقول لي أحدُهم ماذا تُريد من القصةِ الفلانيّة؟ فأنا لا أريد شيئًا». ونَفهم من ردِّه أنَّ هناك فكرة تُرعِبه، وهي أن تكون الشرارةُ الأولى في انطلاقِ المعنى مرتبطةً بإرادةٍ خلفَ القول، وهي أسلوبُ المعلمين والوعاظ والدعاة من جهة أولى، والمحاربين والثوريين ونحوهم من جهةٍ أخرى، وتشيخوف ليس من هؤلاء كلهم. ومن المفارقة أنَّ علامةَ وجود فكرة مُسْبقة تُرعبه هي أنَّه لم يَستطع أن يُفصِح عن مُرادِه بمفهومِ وجوب الفكرة، ومن هنا وجب إيضاح أنَّ الإشكال هو تكرار أفكارٍ ما؛ لتكون محور الكتابة، وليس وجود الفكرة ذاتها، والملاحظ أنَّ أسلوبَ قصص تشيخوف واضح، فلماذا لم يستطع أن يُفهِم جُلساءه عن مُراده في جوابِ «هل نحتاج إلى الفكرة؟» ربما لأنَّ تشيخوف ينظر إلى الكتابة من منظور الانسجام الداخلي، لا الانسجام الخارجي (الفهم). الانسجام الداخلي حاضنة خاصة تبدأ بفكرةٍ بيضاء، ثم تتوالد فيها الأفكارُ المُلوّنة. إنها تُشبه علاقةَ الحب في ذاتها. أمَّا الانسجام الخارجي فيحتاج إلى حاضنةٍ اجتماعية بوعي جامعٍ لأفراد الناس، لهذا فالحبيبان حين يتحدثان عن الفهم فهما قد وضعا أولَ مسمار في نعش عشقهما. ألا نُلاحظ أنَّ تشيخوف طرح سؤالَ أهمية الفكرة في حضرةِ حبيبته ليديا أفيلوفا، مؤلفة كتاب «تشيخوف.. قصة حبي»؟ قلنا إنَّ الفكرَ يتحرك بمفاهيم؛ ليفهم الحياةَ، ويُؤطرها بناءً على ذلك، ثم مَن يَنسجم معها يعيش بطيبٍ، ومن لم ينسجم يكتئبُ وينعزل ويصمتُ إلى الأبد، وقد يُجنّ. إذن «المفاهيم» سجون للفكر، وسجون للعيش. وكيف ينطلق الفكر من سجونه؟ ربما بتغيير المفاهيم كما تُغيَّر الملابس، وهذا معنى من معاني أن تكون الكتابة ذات انسجامٍ داخلي، يعيش فيها قارئها، لا يُفكّر بالخارج أبدًا. قيل إنَّ الكتابةَ ميتة، بمعنى لا صوتَ فيها، ومن أراد أن يُحييها فليُعطِها صوتًا تسمعه آذانُ الناس، فتحضنه أجسادُهم. أرأيتَ زعيمًا قوميًا يُوزّع خطابَه في كُرَّاسات مقالية أم أنه يظهر ليُخاطِب بصوته أرواحَ الجماهير؟ لهذا قيل إنَّ العاشقَ مهما كتب فإنَّه يظلّ ميتًا ما دام لم يرَ محبوبته، وما ذاك إلا لأنَّ الكتابةَ الحقيقية هي التي تُغيّر المفاهيم مع كل لقاءٍ حميمي مع القارئ/الكاتب هي التي ألغت سجونَ الفكرة القاتلة، هي التي تنطلق بصفحتها البيضاء -بصفحتها التي بلا طحال- قبل أن تلتقي وعيًا آخر، فإما أن يَحيا بها مستقلًا، أو يُميتها، لأنها لم تستجب للمفاهيم الخارجية، لم تستجب لقوانين الطحال ومناعته، ولمفاهيم الأجساد التي تشترط أن تلتقي؛ كي تكتمل سعادتها وفهمها. وهذه الإماتةُ معنى من معاني الكتابة المُسطّحة التي يكتبها صاحبُها من بابِ توسيع نفوذِ صوته ليس أكثر، الصوتِ الذي يكتب بقلمٍ مُغروس بطحالِ الصوت الكلّي، وكأنَّ الذي كتبها هَمَسَ في آذانِ الجماهير بعد أن همسوا له. الحروب من أسباب إزالةِ الطحال عند البشر قديمًا، لأنه عندما يُصاب يُستأصل بعد المعركة. لكن لماذا ليس عضوًا آخر؟ ربما لأنَّ الطحالَ يتمركز -بلا واقٍ- في جهة اليسار العليا، كأنه مهاجمٌ فذَّ في فريقٍ مهترئ، يُقابل وحده سهام العدو كعادته في حمايةِ الجسد من الأعداء/الفيروسات. وربما لأنَّ عمله يُشبه عملَ المحارب نفسِه، فحين يُصاب المحاربُ يُصاب الطحال بإصابته، ويصح العكس، فحين يُصاب الطحال بسهمٍ فإنَّ أعضاءَ المحارب كلها تتجهز للخسارة. الطُحال في الكتابة هو السلطة المفروضة على القلم، وهي سجنه الدائم، وهي التي تَدّعي حمايتَه من الإبداع الحر. فمن أراد أن يُبدع فليكن بلا طحال، بلا حزب، بلا جيش، بلا نظرية، بلا سلطة.


مجلة سيدتي
٠٥-٠٣-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
أجمل ما قاله المشاهير عن يوم المرأة العالمي
لطالما كانت المرأة مثالاً للتفاني والقوة والذكاء والمسؤولية، وهو ما ينعكس في قدرتها على التغلب على الصعوبات التي تقف بطريقها، والتحديات التي تواجهها، والعثرات التي تعيقها، والتمييز الذي يُفرض عليها في المجتمعات التي لا تقدّرها حق قدرها ولا تعطيها حقها، بل وتقلصه أو تحاربه وترفضه، إلا أنها بدأبها وجسارتها تظل تواجه وتكافح؛ لتثبت جدارتها وكفاءتها ومهاراتها في كل مكان ومجال. واليوم، ومع اقتراب الاحتفال بيوم المرأة العالمي حيث يعترف العالم بأحقية المرأة في أن تنال مكانتها وتتبوأ المراتب العليا من قمة تستحقها بجدارة واقتدار، تشاركك "سيدتي" الاحتفال، وتعرفك إلى أجمل ما قاله المشاهير عن يوم المرأة العالمي. اقتباسات عن دور المرأة وأهميتها في المجتمع من يستهِن بقُدرات النساء، يجب أن تُعاد طفولته من غير أُمّ -"نجيب محفوظ". المرأة كتاب عليك أن تقرأه بعقلك أولاً وتتصفحه من دون النظر إلى غلافه، قبل أن تحكم على مضمونه "مصطفى محمود". المرأة أحلى هدية قدمها الله إلى الإنسان- "سقراط". المرأة مثل الزهرة؛ إذا اقتلعت من مكانها، تتوقف عن الحياة -" شكسبير". المرأة الصالحة لا يعادلها أي شيء؛ لأنها عون على أمر الدنيا والآخرة- "عبدالله بن المقفع". المرأة مخلوق بسيط، لا غموض في خلقه، وبنظرة واحدة إلى وجهها؛ يستطيع الرجل الذكي أو متوسط الذكاء أن يتبين ما يعتمل في قلبها من أحاسيس -"أمينة السعيد". المرأة هي مكونة المجتمع، فلها عليه تمام السلطة، لا يعمل فيه شيء إلا بها، ولأجلها- "أناتول فرانس". المرأة كوكب يستنير به الرجل، ومن غيرها يبيت الرجل في الظلام- "شكسبير". خلقت المرأة لتشعرنا بمعنى الحياة، فهي مثال الرقة والكمال - "فولتير". الأم هي كل شيء في هذه الحياة؛ هي التعزية في الحزن، الرجاء في اليأس، والقوة في الضعف"، و "وجه أمي وجه أمتي" و أريدك أن تذكرني مثلما تذكر الأم جنيناً مات في أحشائها قبل أن يرى النور - "جبران خليل جبران". أؤمن بما قاله "جبران خليل جبران" بأن قلب المرأة لا يتغير مع الزمن ولا يتحول مع الفصول. قلب المرأة ينازع طويلاً ولكنه لا يموت. ويمكنك كذلك أن تتعرفي إلى بعض الأبيات من أجمل ما قاله الشعراء عن المرأة أجمل أقوال العظماء عن المرأة في يومها العالمي 2025 لم يتوانَ العظماء والأدباء والمثقفون عن أحاديثهم الجميلة عن المرأة، خاصة في يوم المرأة العالمي ، ومن أجمل أقوالهم: غابرييل غارسيا ماركيز إن النساء يفكرن بالمعنى الخفي للأسئلة أكثر من تفكيرهن بالأسئلة ذاتها. أفلاطون المرأة بلا محبة امرأة ميتة. جبران خليل جبران إن الرجل يشتري المجد والعظمة والشهرة، ولكن هي المرأة التي تدفع الثمن. وليم شكسبير ثلاثة أمور تزيد المرأة إجلالاً: الأدب والعلم والخلق الحسن. توفيق الحكيم "إن عقل المرأة إذا ذبل ومات، فقد ذبل عقل الأمة كلها ومات. غسان كنفاني المرأة توجد مرة واحدة في عمر الرجل، وكذلك الرجل في عمر المرأة، وعدا ذلك ليس إلا محاولات التعويض. جان جاك روسو الرجل من صنع المرأة، فإذا أردتم رجالاً عظاماً فعليكم بالمرأة؛ تعلمونها ما هي عظمة النفس وما هي الفضيلة. كونفوشيوس المرأة أبهج شيء في الحياة. سقراط المرأة العظيمة هي التي تُعلّمنا كيف نُحبُّ عندما نريد أن نكره، وكيف نضحك عندما نريد أن نبكي، وكيف نبتسم عندما نتألم. مارك توين الرجل يريد كل ما يمكنه الحصول عليه، والمرأة تريد كل ما لا تستطيع الحصول عليه. جان جاك رسو صوت المرأة أقوى من صوت ضميرها. فيكتور هوجو