
المعيقلي في خطبة الجمعة: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من تحت العرش وسبب لمغفرة الذنوب
وقال فضيلته: "إن الله جلت حكمته لم يخلق عباده هملًا، بل خلق الموت والحياة، ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، فاتقوا الله رحمكم الله، واعملوا في رضاه قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله، فقد فاز فوزًا عظيمًا)"، مبينًا أن الله تعالى خلق الإنسان ضعيفًا، فالضعف مبدؤه، وإليه منتهاه قال- تعالى-: (الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير)، والمرء في هذه الحياة الدنيا لا يكاد يسلم من الشدائد والكربات، والمخاوف والمكدرات، فيحتاج فيها إلى سبب يعينه ويقويه، ويجبر ضعفه ويسليه، وإن من أعظم تلك الأسباب الأذكار الواردة في السنة والكتاب، فذكر الله من أيسر الأعمال التي يشغل المسلم بها وقته، ويحيي بها قلبه، ويؤنس بها وحشته، ويرضي بها ربه، فذكر الله لا يسأمه الجليس، ولا يمله الأنيس، وإن من ذخائر الأذكار، كنزًا عظيمًا تحت عرش الجبار، وحث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عليه، ورغب أمته فيه.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام، إلى أن العبد محتاج إلى الاستعانة بالله على فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات، فمن حقق الاستعانة، أعانه الله، وهو معنى قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا حول للمرء عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمعونته، ولا تحول له من مرض إلى صحة، ولا من وهن إلى قوة، ولا من نقص إلى زيادة، ولا دفع شر، ولا تحصيل خير، إلا بالله جل جلاله وتقدست أسماؤه، فلا حول ولا قوة إلا بالله نفيًا لأي تحول من حال إلى حال، إلا بالله ذي الجلال والكمال، وهي تطرد الهم والحزن عن صاحبها؛ لأن قائلها يستعين بخالقه، ويفوض الأمر إليه، ويبرأ من حوله وقوته وعجزه، ومن حول كل مخلوق مهما بلغت مكانته، إلى حول الله وقوته وجبروته، فمن كان هذا قوله وفعله واعتقاده، كيف يخذله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، سبحانه من إله كريم رحيم.
وذكر الشيخ المعيقلي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى أمته بالإكثار من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فمن ما ورد في فضلها، أنها سبب لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا فمن قالها عند موته، كانت له وقاية من النار، ففي سنن الترمذي: قال- صلى الله عليه وسلم-: (من قال: لا إله إلا الله والله أكبر، صدقه ربه، فقال: لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده قال: يقول الله: لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال الله: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال الله: لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله: لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي، وكان يقول- صلى الله عليه وسلم-: من قالها في مرضه، ثم مات لم تطعمه النار.
وأوضح الدكتور المعيقلي، أن كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله من أسباب استجابة الدعاء، فمن تعود ذكر الله، واستأنس به غلب عليه حتى يصبح حديث نفسه في نومه ويقظته، ومثل هذا حري بنيل الحسنات، وتكفير الخطيات، وإجابة الدعوات، ففي صحيح البخاري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته)، لا حول ولا قوة إلا بالله غرس من غراس الجنة، فيجب الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وتربية النفس والأهل عليها، فقد أفلح من قالها، وفاز من تدبرها، ونجا يوم القيامة من داوم عليها، وهي إلى الله من أحب الكلمات، ومن الباقيات الصالحات، ففي مسند الإمام أحمد: أن عثمان بن عفان- رضي الله عنه-، سُئل عن الباقيات الصالحات، فقال "أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله"، قال- تعالى-: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا)، وقال (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير مردًا).
وأوضح الشيخ المعيقلي، أن لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة عظيمة مباركة، فيها كمال التوكل على الله، والالتجاء إليه، ويشرع لمن خرج من بيته، لأي مصلحة دينية أو دنيوية، أن يلتجئ إلى ربه، فيقول: (بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قالها، قيل له حينئذ هديت، وكفيت، ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي)، كما أن لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استعانة، ولهذا شرع لنا إذا قال المؤذن "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، طالبين بذلك عون الله وتوفيقه، ومدده وتسديده، فلذا يخطئ بعض الناس بأن يقولها جزعًا لا صبرًا، فيجعلها في مواضع الاسترجاع، وعند نزول المصائب والأوجاع، وبعضهم يختزلها اختزالًا يخل بمعناها، فيفوت علىه خير عظيم، وأجر جزيل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 12 ساعات
- الرياض
معيار الإقبال والإعراض
لا تعارضَ بين الإقبال على الطّاعة والإقبالِ على أمر المعاشِ؛ فإن إصلاحَ الأرضِ وعمارتَها مما شرعه الله تعالى لعباده، بل من أبواب العبادةِ الإقبالُ على العمل -وظيفةً أو تجارةً- بنيّة حسنةٍ ينوي فيها الإنسانُ نفعَ النفس والأهل والوطن.. الدنيا دار السّعي والعمل، يعمل فيها الموفّق لما فيه صلاح معاشه ومعاده، مقبلاً على ما ينفعُه معرضاً عمّا يضرُّه، مستنيراً بما منَّ الله عليه من وسائل الاهتداء إلى مصالحِ الدارين، من عقل واعٍ، وهديٍ شرعيٍّ مستقيمٍ، ونظامٍ يضبط الأمورَ، ويزعُ بعض الناسِ عن بعضٍ، وعرفٍ حسنٍ يُستعانُ به في حسنِ السلوكِ، وغير الموفق يتخبّط خبطَ العشواءِ، فلا يقبلُ على مفيدٍ ولا يعرضُ عن مفسدةٍ، فالاتجاه التي يقبلُ عليه الإنسانُ ويدأب على سلوكه في أمور معادِه لا بدَّ أن يوصله إلى جنةٍ لا يشقى داخلها أبداً، أو نارٍ لا يسعدُ أهلها أبداً، كما أنَّ الاتجاه الذي ينتهجه في أمورِ معاشِه وعلاقاتِه إما إيجابيٌّ وإما سلبيٌّ، فإذا أقبل على الاتجاه الإيجابيُِ أوصله إلى النّتائج المحمودةِ التي يقتطف ثمارَها، وربما تبقى بعده مثمرةً لذريّته، بل قد يتعدّى نفعها إلى باقي البشريّة إذا كانتْ إنجازاً معرفيّاً أو حضاريّاً، وإذا أقبل على الاتجاه السلبيّ أوردهُ المتاعبَ وحمّله التبِعات، وقد يتعدّى ضررُه ليتأذى به الآخرون، ولي مع معيار الإقبال والإعراض وقفاتٌ: الأولى: المعيار العامُّ للإقبال والإعراضِ أن يكونَ كلٌّ منهما على بصيرةٍ، فمن أراد أن يكونَ من المقبلين على منافعهم المعرضين عمَّا يضرهم، فعليه أن يفرّق بين الخير والشرّ، وبين المضارِّ والمنافع، وبين الحسن والقبيح، والسُّبلُ المؤديَة إلى الصوابِ غير مغلقةٍ في وجه أحدٍ، فقد قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} قال المفسرون معناه: (عَرَّفْنَاهُ سَبِيلَ الْخَيْرِ، وَسَبِيلَ الشَّرِّ)، ولأجل الوصول إلى التفرقة بين هذين السبيلين كان طلب العلم محموداً شرعاً وعرفاً؛ إذ لا يمكن التفريق بين الملتبساتِ إلَّا بالمعرفة، أو الاسترشادِ برأي ذي معرفةٍ، لكن معرفة الفرق بين هذه الأمور لا تكفي وحدَها، ولا يظهر أثرها حتى تترجم بسلوكٍ عمليٍّ، يُبرهن الإنسانُ بواسطته على أنه تصرّف على ضوء ما تعلّمه، فأقبل -حسب جهده وطاقته- على المنافع والمحاسن، وأعرض عن المضارِّ والمساوئ، وإذا اجتهد في ذلك فهو جديرٌ بأن يصيب كثيراً، وأن ينغمر غلطه في خضمِّ إصابته، فلا يذمُّ من أجل غلطةٍ ارتكبها، أما من لم ينتفع بمعرفته فبقيَ مقبلاً على المضارِّ معرضاً عن المنافعِ، فعلمه حجّة عليه لا له، ويكون حالُ الجاهل أحسنَ من حالِه؛ لأنَّ الجاهل قد يعذر -شرعاً وعرفاً- لتقصيره في تصرّفٍ مّا، ولا يكونُ عليه تثريبٌ فيما فعله، لكن لا يعذر العارفُ الذي تعمّد مخالفة علمِه، فلا بدَّ للإنسانِ أن يعلم -ولو على وجه الإجمال- على أي شيء يُقبل ومتى يُقبل؟ وعن أي شيء يُعرض ومتى يُعرض؟ الثانية: من الإقبال والإعراض ما هو أوجب الواجباتِ، وهما إقبال العبد على توحيدِ الله تعالى بقلبه ولسانه وجوارحه، وإعراضه عن الإشراك به اعتقاداً وقولاً وعملاً، ثم من كمال ذلك الإقبالُ على الهدي الذي أوحاه الله تعالى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم، وبالتفاوت في ذلك تتفاوت درجاتُ الإيمانِ، فالإقبال التّامُّ عليه سببٌ لسعادةِ الدارينِ؛ بانشراح النفس وطمأنينة البال في هذه الحياة، والفوز بالجنة في الدار الأخرى، والإعراضُ التّام عنه سببٌ للتعاسة؛ بضيق الصدر، والقلق على المصير في الدنيا، والهوان يوم القيامة والمصير إلى دار الخزي، ولا تعارضَ بين الإقبال على الطّاعة والإقبالِ على أمر المعاشِ؛ فإن إصلاحَ الأرضِ وعمارتَها مما شرعه الله تعالى لعباده، بل من أبواب العبادةِ الإقبالُ على العمل -وظيفةً أو تجارةً- بنيّة حسنةٍ ينوي فيها الإنسانُ نفعَ النفس والأهل والوطن، والقاعدةُ الشرعيّة أن الأصلَ في المنافعِ الحِلُّ وفي المضارِّ الحظرُ، وقد يعرضُ ضررٌ فيما الأصل فيه أنه منفعةٌ، فيمنع بقدر ذلك، وقد يعرض نفعٌ فيما الأصل فيه أنه مضرّةٌ، فيباح بقدر ذلك، كالمحظورات التي تبيحها الضرورات. الثالثة: من المضارِّ ما دلت النصوص على مشروعية الإعراض عنه؛ لأن الإقبال عليه فتحٌ لأبوابٍ من الشّر، ومن ذلك جهل الجاهلين، فقد قال تعالى: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)، والجاهل في مثل هذه الآية هو السَّفيه، ومن شأن السفيه أن يطلق العنانَ للسانه في القبائح المستهجنة، ويلج جميع الأبوابِ المغلقة شرعاً ونظاماً وعرفاً، والإعراض عن الجاهل لا يعني إباحة العرضِ له؛ ليمزّقه كيف شاء، فهناك إجراءاتٌ نظاميّةٌ تنصف من المتطاولِ بحمد الله تعالى، ومن الإعراضِ المشروع الإعراضُ عن اللغوِ، فقد قال تعالى مثنياً على عباده: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) واللغو كما قال بعض العلماء: "الباطل الذي لا يتصل بفعلٍ صحيحٍ. ولا يكون لقائله فيه فائدةٌ، وربما كان وبالًا عليه"، ومن أخطر أنواع اللغو ما يتعاطاه الخارجون عن القانون من بثّ الفتنةِ ومحاولةِ النّيل من الوطن، والمساسِ بأمنِه، والتطاول على قيادته الكريمة، فيجب الإعراض عن لغوهم، وللإعراض عنه أساليب، منها مقارعة باطلهم وتزييفه، وتعرية شبهاتهم، ومن لا يمكنه ذلك فليحظر حساباتهم، وليغلق الباب بينه وبين شرورهم.


حضرموت نت
منذ 12 ساعات
- حضرموت نت
مدير عام مديرية المحفد يوجه خطباء المساجد بإقامة صلاة الأستسقاء الجمعة القادمة في جميع مساجد المديرية.
وجه مدير عام مديرية المحفد محافظة أبين الأستاذ أحمد عبدالله حيدرة خطباء المساجد في عموم المديرية بإقامة صلاة الأستسقاء بعد صلاة الجمعة القادمة الموافق 25 يوليو 2025م وذلك لإحياء سنة صلاة الأستسقاء والمشاركة في التضرع إلى الله بالدعاء وأن يمن علينا بإنزال الغيث داعيًا الأئمة والخطباء موعظة المصلين وإحياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وماجرى عليه عمل أصحابه رضوان الله عليهم من بعد حدوث الجدب وانقطاع المطر وشدة حاجة الإنسان والحيوان والنبات إلى الماء، ويتوجهون إليه سبحانه ويدعونه بقلوب خاشعة وتوبة صادقة كي يغيث عباده ويجعل لهم الفرج ويمن عليهم ببركات السماء وخيرات الأرض.


الوطن
منذ 16 ساعات
- الوطن
مكتبة الحفظي البحث في الأدراج
بين مراحل العمر ومرافئ الأحلام ومشقات البدايات، وسباق الأعوام، والإصرار على البحث في الأدراج لبلوغ المرام، نشأت قصة مكتبة التربوي الباحث والأديب «أحمد بن محمد زكري الحفظي».. مكتبة منزلية لا تُشبه أغلب المكتبات، ليست رسالتها رص المصنفات في صفوف، ولا استعراض الكتب في الرفوف، بل حياة تملأ الأعين بثمرات الأوراق، وتُشنف الآذان ببهاء القصيد، وإبداع الفكر الذي جال في الآفاق. والزائر لها يشعر أنه في قاعة بحث، وورشة عمل لمشروعات ثقافية واعدة، تحف بها جهود متواصلة بطريقة علمية للتنقيب في الملفات المخطوطات، المنقولات ودراستها وإظهارها، إضافة إلى الفهرسة والتدوين، والرسائل المتبادلة مع العلماء والأئمة في مراحل تاريخية مهمة. وجميعها موروث جميل رافقه الصبر، والمغامرة، ورحلات في طلب العلم، فكان الأثر والتأثير الثقافي الذي لازال يتوهج حتى اليوم. واحتوت المكتبة على أكثر من ألفي كتاب من أمهات الكتب في شتى صنوف المعرفة، إلى جانب قواميس اللغة، الموسوعات، والتراجم، والسير الذاتية، والمراجع، والوثائق، وبعض الأعداد الأولى من المجلات والدوريات.. ولأبي محمد طريقة رائدة في كيفية صيد الدرر من تلك الكنوز، وغالبًا ما تكون في المساء، يقتطع التخريج، والتدقيق، والتصويب، والمراجعة الجزء الأكبر من وقته. واطلعت على مجموعة معرفية تراثية وتاريخي يرجع تأليفها إلى مئات السنين، ولا زالت بحالة جيدة، وهي مليئة بمعلومات متنوعة وثرية عن الرحلات الخواطر، المذكرات قصائدالشعرالمراسلات. ومن أجمل ما رأيت صور خُطب الجمعة للشيخ محمد بن أحمد الحفظي 1237هـ، إبان امامته في جامع بلدة رُجال، وكان نهجه في خُطبه أن يعتمد حرفًا من حروف الهجاء لكل خطبة، وبأسلوب أدبي في غاية الروعة. واطلعت على قصيدة أنشأها الشيخ علي بن الحسن الحفظي يعود تاريخها إلى 1259هـ، تناول رحلته إلى الحج بداية من ميقات يلملم، ثم أداء المناسك حتى عودته إلى بلدته، وكأني أمام فيلم سينمائي يُسلط الضوء على مشاهدات متعددة، ويصف الأماكن، طُرق الجمالة، ومواقف تعرض لها. وتصفحت ملفًا توثيقيًا، جمعه صاحب المكتبة بإتقان وترتيب لأهم حدث ثقافي «ملتقى أبها الثقافي»، الذي كان يُقام في منطقة عسير قبل أكثر من ثلاثة عقود، وما كتبه عدد من كبار الإعلاميين والأدباء والمفكرين آنذاك في الصحف المحلية، ومنها صحيفة «الوطن» من مقالات، وآراء واستطلاعات عن المنطقة، وانعكاساته الإيجابية، على السياحة والثقافة. ولفت نظري الحرص على تدوين المعلومات التفصيلية عن أسرة الحفظي التي قارب عددها 1500 شخص في مجموع شاملاً المتوفين والتصنيف الوظيفي للأحياء منهم. وقد صدر من المكتبة عدد من الكتب، منها «رحيق الأقلام في كتابة سير الأعلام- عبق الراحلين- ترجمة موسعة لبعض العلماء- رحلة عمر سيرة الشيخ الحسن بن علي لحفظي- سير زاهية لبعض سيدات آل الحفظي». وأخذت أسأل نفسي سؤلاً لم يطرح من قبل وأنا أغادر المكتبة: هل يمكن العثور بين هذا النتاج الفكري الضخم على وثائق رصدت الحياة الفطرية بأنواعها خلال القرون الماضية على مستوى منطقة عسير سراة وتهامة؟، وأكاد أجزم بوجودها لأسباب منطقية لا يتسع المقال لشرحها، ربما أن صاحب المكتبة، وهو من أهل الدار يجد الإجابة قريبًا، ويأتي بالمفاجأة، خاصة وقد بدأ رحلة البحث المتواصلة مستعينًا بالله ثم بهمة عالية، وطموح ليس له حدود، وهذا ما يُشير إلى أن القادم أجمل بحول الله. وقفة: جاءت مقدمة كتاب مجموع في تاريخ عسير، الطبعة الأولى، الذي صدر قبل عشر سنوات وحققه علي الحسن الحفظي، والدكتور علي آل قطب: «أن البيت الحفظي كانت مشاغله المعرفية كثيرة تدعو إلى الدهشة والتأمل، من خلال حضوره التاريخي بالعلم الشرعي، والفكرالديني». كما اشتغل كثيرًا بالأدب والشعر، وكان رجاله وأعلامه ورموزه يُؤدون مهمات وظيفية كبيرة تتعلق بالتعليم والقضاء، والإمامة، والإصلاح بين أفراد المجتمع، ونتج عن هذا كله تراث ضخم في حقول متعددة شملت التاريخ والأنساب، والتراجم، والعقيدة، والتفسير، والنحو، والفلك، فضلاً عن مئات المواعظ والخطب، والوثائق، والرسائل، والقصائد ذات الموضوعات المختلفة.