logo
أندريه مالرو يوسط توت عنخ آمون بين عبدالناصر وديغول

أندريه مالرو يوسط توت عنخ آمون بين عبدالناصر وديغول

Independent عربية٢١-٠٣-٢٠٢٥

من يراجع الصحافة الفرنسية الصادرة يوم الخامس من سبتمبر (أيلول) عام 1967، سيدهشه كيف أن تلك الصحافة التي كانت قبل ثلاثة أشهر جعلت الضربات العسكرية الإسرائيلية عناوين صفحاتها الأولى، تهتم هذه المرة بالتاريخ المصري الفرعوني جاعلة منه جوهر تلك العناوين. والحقيقة أن الحدث الثقافي الرئيس في باريس كان يبرر ذلك، ولو من ناحية الأرقام القياسية. وكان الحدث معرضاً للتاريخ الفرعوني المصري، نجمه الأكبر توت عنخ آمون، تدفق الفرنسيون وزوار باريس لحضوره في "القصر الكبير" عبر زحام فني لم يكن سبق لباريس أن عرفت مثيلاً له من قبل. لقد بدا الأمر غزواً فرعونياً لعاصمة النور وتعبيراً ملموساً هذه المرة عن ذلك الشغف الفرنسي بكل ما يمت إلى مصر، وبخاصة إلى مصر الفرعونية، بصلة. فخلال أيام قليلة تمكن المعرض من اجتذاب مئات ألوف الزائرين، مسجلاً بذلك أكبر نسبة حضور منذ عقود. والحقيقة أنه حين تقرر قبل ذلك بأشهر أن تشمل جولة يقوم بها توت عنخ آمون في بلدان عديدة العاصمة الفرنسية، كانت التقديرات تشير إلى أن اهتمام الجمهور الفرنسي سيكون كبيراً بالتأكيد، غير أن ما من أحد كان يتوقع ذلك الزحام الهائل الذي شكله جمهور الزائرين منذ اليوم الأول. ومن المؤكد أن المراقبين سيعترفون لاحقاً بأنهم أخطأوا في تقدير حجم الشغف الفرنسي بمصر وتاريخها الفرعوني، شغف كانوا يرون أنه تضاءل منذ بات سائداً اعتبار مصر بلداً معادياً لفرنسا خلال تلك الحقبة من حكم الرئيس جمال عبدالناصر، غير أن كثراً سيعترفون، أمام ضخامة النجاح الذي حققه معرض "الغران باليه"، ذاك بأنهم في تقديراتهم تناسوا وجود اسمين استثنائيين في سدة الحكم في القاهرة وباريس هما المثقفان الكبيران أندريه مالرو وثروت عكاشة.
زيارة متعددة المعاني
بل إنهم تناسوا تلك الزيارة التي قام بها إلى القاهرة ذلك الوزير الفرنسي الذي سهى عن بال المراقبين أنه بأكثر مما هو وزير للثقافة في حكومة الرئيس شارل ديغول، كاتب كبير مولع بتاريخ الحضارات وسيكولوجية الفنون بل كذلك في حق الشعوب في تقرير مصيرها كما بحق الشعوب الأخرى في الاطلاع الميداني على حضارات يعرفون عنها بعض الأشياء وتغيب عنهم فيها أشياء أخرى! ومن هنا ومن ناحية مبدئية كان في خلفية الزيارة التي قام بها أندريه مالرو إلى مصر خلال الأيام الأخيرة من شهر مارس (آذار) من عام 1966، ذلك الهدف الفني الثقافي الذي سيتحقق في العام التالي كما نعرف: إقامة معرض توت عنخ آمون في باريس، ذلك المعرض الذي أثار هوس الفرنسيين جميعاً، وأقام الدنيا هناك ولم يقعدها، وأدى - بين أمور أخرى - إلى ولادة تلك النزعة الفرنسية الإيجابية في اتجاه مصر وتاريخها الفرعوني. إذا، كان أندريه مالرو، وبمعرفة ثروت عكاشة، هو الذي رتب ذلك المعرض، خصوصاً بعد أن نال في سبيل ذلك موافقة الرئيس جمال عبدالناصر، الذي كان في حاجة ماسة في ذلك الحين، إلى عملية "العلاقات العامة تلك"، إذ كان التوتر بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية يتزايد، وكانت حرب اليمن عزلت عبدالناصر عربياً، كما أن الإصلاحات الاجتماعية والاشتراكية، أثارت العواصف من حوله في الداخل، وكل ذلك في وقت كان فيه الرئيس المصري بدأ يخامره اليأس من صدق الاتحاد السوفياتي في التعامل معه. فإذا أضفنا إلى هذا أن عبدالناصر كان يزيد، في ذلك الحين، من الاندفاع في طريق نوع من الصلح مع إسرائيل، وهو يراقب بعين الحذر ما يحدث في سوريا، إذ قام نظام بعثي يساري "أخذ يزايد عليه لفظياً" بحسب تعبير صحافي ويحاول "أن يدفعه إلى تصعيد الموقف العسكري مع إسرائيل"، يبدو لنا من الواضح أن عبدالناصر وجد الحل في التقارب مع فرنسا، وعبرها، في فتح علاقات جديدة مع أوروبا.
بين السياسة والثقافة
في ذلك الحين كان شارل ديغول رئيس فرنسا القوي خطا خطوات كبيرة في اتجاه العالم العربي، وبخاصة منذ أسهم في نيل الجزائر استقلالها والتصدي للهيمنة الأميركية على الحلف الأطلسي، ومن هنا كان من الواضح أن مالرو الذي كان واحداً من كبار مستشاري الرئيس، لم يقصد مصر لمجرد أن يرتب معرضاً في باريس، حتى ولو كان المعرض على ضخامة وأهمية معرض توت عنخ آمون. كان من الواضح أن الزيارة في جوهرها سياسية فأندريه مالرو كان في ذلك الحين وزيراً للشؤون الثقافية في فرنسا، وكانت له كلمة مسموعة لدى الرئيس شارل ديغول، صديقه ورئيسه. وثروت عكاشة كان يعرف هذا، وكان يعرف أيضاً أن زيارة يقوم بها مالرو إلى مصر، ولقاء يجمعه مع الرئيس المصري، سيكون لهما أثر كبير لدى ديغول بصورة عامة. ومن هنا، حين اجتمع اندريه مالرو بالرئيس جمال عبدالناصر يوم الـ27 من آذار (مارس)، أي في أول أيام زيارته لمصر، كان من الطبيعي أن يمرا مرور الكرام على ذكر معرض توت عنخ آمون. إذ وافق عبدالناصر على إقامة المعرض خلال ثوان، ثم انتقل الرجلان إلى الحديث عن التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي بين بلديهما.
جرى الاجتماع في منزل عبدالناصر في "منشية البكري"، وسيخرج منه مالرو مبتسماً قائلاً لمن حوله إنه تأثر كثيراً بشخصية الرئيس المصري، كما وجد نقاطاً مشتركة تجمع بين الرواية التي كتبها الرئيس المصري في شبابه بعنوان "ثمن الحرية"، وبين بعض رواياته هو - أي مالرو - الرئيسة مثل "الشرط الإنساني" و"الأمل"، إذ إن "هناك قاسماً مشتركاً بيننا هو التفاؤل بمستقبل الإنسان، وتأكيد مشروعية فعل المقاومة ضد الطغيان". وكان من نتيجة ذلك كله أن عاد أندريه مالرو إلى بلاده ليجتمع من فوره إلى الرئيس شارل ديغول، ناقلاً إليه انطباعات شديدة الإيجابية عن لقائه بجمال عبدالناصر، وناقلاً إليه كذلك دعوة الرئيس المصري له إلى زيارة مصر.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نجاح كبير
ويمكننا هنا أن نقول إن ما نقله مالرو إلى ديغول، من رغبات عبدالناصر السلمية، وكذلك من توقه إلى الانفتاح على فرنسا وأوروبا، ومن إعجابه بالثقافة الفرنسية، مما حرك عواطف ديغول تجاه مصر والعرب، وأنتج تلك المواقف التي أبداها ديغول لاحقاً، ولاسيما إبان "حرب الأيام الستة" حين أدلى بتصريحات مؤيدة لمصر وللحق العربي أقامت الصهيونية الدنيا ضده ولم تقعدها بعد ذلك أبداً. أما بالنسبة إلى الجانب الثقافي الذي يهمنا هنا فلا بد من القول إنه سيبقى بالنسبة إلى الفرنسيين والمصريين، الجانب الأكثر أهمية وبخاصة أن الزوار اكتشفوا، بعيدا من الشؤون السياسية معرضاً أخاذاً تسيطر عليه عشرات القطع المذهبة التي بدت وكأنها صنعت في الأمس فقط. ولقد كان ذلك مناسبة مكنت عشرات ألوف الفرنسيين من الرجوع إلى قرن وأكثر من الاهتمام الفرنسي بكل ما له علاقة بالتاريخ المصري قديمه وجديده بما في ذلك استعادة ذكرى ومؤلفات أعداد كبيرة من مؤلفين ومبدعين فرنسيين زاروا مصر وكتبوا عنها بشغف بدا يومها كالعدوى، من بيار لوتي إلى فلوبير ومن جيرار دي نرفال إلى ثيوفيل غوتييه، وصولاً إلى جان كوكتو واللائحة قد تطول إلى ما لا نهاية. ولقد كان ذلك المعرض في حد ذاته خطوة رائعة على طريق شغف فرنسي متجدد بمصر سيعبر عن نفسه عبر عشرات المعارض والمناسبات اللاحقة، بما في ذلك تلك اللحظة المفصلية التي أصدر فيها الصحافي والكاتب الفرنسي جان لاكوتور كتاباً بالغ الأهمية عن مواطنه شامبوليون الذي كان هو ومن دون غيره، مكتشف ومفسر اللغة الهيروغليفية. وربما تعود أهمية الكتاب لأن لاكوتور نفسه كان وهو يشتغل على كتابه نزيل السجون المصرية من دون ذنب جناه سوى كونه فرنسياً في زمن كانت العلاقات بين البلدين وصلت إلى أسفل السافلين قبل المعرض وزيارة مالرو إلى القاهرة بسنوات قليلة، لكن هذه حكاية أخرى قد نعود لها يوماً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

شَهَادَة العِليقِي
شَهَادَة العِليقِي

كورة سودانية

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • كورة سودانية

شَهَادَة العِليقِي

صَـابِنَّهَـا محمد عبد الماجد شَهَادَة العِليقِي الانطباعات دائماً لا تخيِّب والظن الحسن لا يخسر، والتفاؤل يجعلنا نقول إن فقدنا (اليوم) علينا أن نراهن على (الغد).. ليس مطلوباً منك أكثر من الرهان.. تغيب الشمس لتشرق ولا تشرق لتغيب، أفقد هدفك، أفقد مالك، حبيبك، بيتك لكن لا تفقد الأمل، (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس) مصطفى كامل. يمكن أن تلاقي أناساً يتفوّقون عليك في الإمكانيات، قد يستطيعون ذلك، الأقدار أعطتهم ولم تعطك، لكن لا تجعلهم يتفوّقون عليك في الطموح، الأحلام مُتاحة لكل الناس، والأحلام أحياناً فيها متعة أكثر من متعة تحقيق الحلم نفسه، أحلم فإن لم تستطع أن تعيش الحياة كما يجب، عشها حلماً.. أول خطوة للوصول إلى القمة تبدأ بالحلم. الواقع ليس بيدك.. لكن الحلم بيدك، أحلم بما تشاء.. هذا فضاءٌ لا قيود فيه ولا سقف. الليلة الفلسفة دي شنو من الصباح؟ الله يستر. جابت ليها فلسفة كمان. والله أشبككم فلسفة لمن تفهموا حاجة، الما عاوز يتفلسف معانا يطلع. محمد حسنين هيكل كان أقرب الناس لجمال عبد الناصر، حاوره وألّف عنه كتباً، وكتب له خطاباته، وشاوره عبد الناصر ورجع إليه في الكثير من القرارات بما في ذلك أهم وأخطر قرارات عبد الناصر في حياته قرار التنحِّي. قرأت عن تنحِّي عبد الناصر والحديث عن هيكل (إنّ الجدل والحوار الذي دار بين عبد الناصر وهيكل في ليلة التنحِّي حول التعبيرات اللغوية التي يمكن أن تُستخدم في مثل هذا البيان التاربخي، فقد كان عبد الناصر مُصرّاً على استخدام كلمة هزيمة، في حين أن هيكل نحت كلمة نكسة). وأنا أفسِّر ذلك أن عبد الناصر قصد أن يكون واضحاً وصريحاً بعد التغييب الذي عاشه شعبه، فأحب أن لا يتلاعب بالألفاظ، وفضّل أن يتحدّث عن المعركة بما حدث فيها وانتهت عليه وبكلمة يفهمها عامة الناس. هيكل أراد كلمة أشمل تعبر عن الحال وتصطحب معها الأثر النفسي للهزيمة، فرجّح كلمة (نكسة) على (الهزيمة). وفي النهاية مشت كلمة هيكل وهذا دور الصحافة، فقد لخّصت كلمة (نكسة) الحكاية كلها وأصبحت عنواناً لحقبة كاملة ولحرب تاريخية، وهي أصدق مصطلح لتلك الهزيمة وأكثر كلمة قادرة على أن تُعبِّر عن الواقع وقتها.. والنكسة أشد وقعاً على النفس لأنها الإصابة بعد التعافي، والسقوط بعد الارتفاع.. هي ريمونتادا عكسية. مع ذلك، فإنّ أجمل كتابات هيكل عن عبد الناصر كانت انطباعاته عنه. وكذلك أجمل كتابات أنيس منصور عن محمد أنور السادات، كانت انطباعاته عنه، وهو كان قريباً من السادات. البروفيسور علي المك تبقى أجمل كتاباته الفنية انطباعاته عن عبد العزيز محمد داؤود.. كتب عنه بطريقة (زهر الرياض المائد) و(زهر الرياض في غصونه ماح). لذلك لا تهملوا (الانطباعات)، أرجو أن يكون هناك علمٌ باسم (أدب الانطباعات)، كما هو موجود (أدب الرسائل) و(أدب الرثاء) و(أدب الغزل) و(أدب الإخوانيات).. واحفظوا لي حقي في هذا الابتكار (إنتوا الحاجات دي بتمر فيكم ساكت والّلا بتقيفوا عندها)؟! خطابات الوزير الأديب عمر الحاج موسى في فترة حكومة مايو وكلماته عن نميري، كانت عبارة عن انطباعات شخصية، لذلك كانت بديعة وحميمة.. لاحظ أنه فعل ذلك وهو وزير للدفاع في بدايات حكومة مايو 1969، ثم أصبح وزيراً للإعلام والثقافة فكان بهذا الأدب. ومذكرات المشاهير شئٌ من الانطباعات، مذكرات نستون تشرشل أشهر رئيس وزراء بريطاني كانت خلاصة تجاربه الكبيرة. من مذكرات تشرشل (كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها). نحن نستحق ذلك!! شكلي تقّـلت الشاي. لا أريد أن أرفع من سقف الانطباعات، وهنالك آراءٌ ترفض بناء النقد عليها، وإن كنت عن انطباعاتي لا أتحدث عن نقد بقدر إنّني أتحدث عن صورة. يقول الدكتور منصور خالد في حوار له مع جريدة الخرطوم 1995م (ربما أفادتني تجاربي في أن أحرص دائماً على أن لا ابني أحكامي على الانطباعات أو على المسلمات، وعليّ أن أعرض كل شئ لامتحان ولنقد قبل أن أصدر أحكامي، ومن ناحية أخرى، أتاح لي العمل الخارجي التعرُّف على آليات لتنظيم العمل من ناحية البحوث والتوثيق والقدرة على الرجوع لمصادر في كل ما أعمل). كلام منصور روشتة صحفية لكل صحفي. انطباعاتي عن البعض أحياناً ناتجة عن تجارب وحوارات ومواقف وامتحانات، وأحياناً ناتجة عن المحيط العام لمن لم يتوفر لنا أن نلتقي بهم. وأنا أكتب اليوم في هذا الموضوع مثبتاً أني أكتب عن انطباعاتي لأترك لكم حرية الاتفاق معي أو الاختلاف. انطباعاتي عن من شغلوا رئاسة مجلسي الهلال والمريخ راسخة عندي بهذه القناعات، قد تتفقوا معي وقد تختلفوا (شيلوا الصبر). وقد تكون صاح وقد تكون غلط، أتحدث عن انطباعات لا أتحدث عن عالم البحار ، ولا عن عروض الشعر وبحوره.. وأي زول حر في انطباعاته. سوف أكتب عن الانطباع الحسن، جمال الوالي عنده (القبول)، طبعاً من أهم مفرزات القبول في عهدنا هذا المال، لكن جمال الوالي مع أمواله لديه (قبول) تلقائي، وعلينا أن نحترم هذا القبول حتى لو اختلفنا حوله، لأنه قبول طالع من الشعب أو من الجمهور أو من الجماعة. الكاردينال كان عنده (عشق) سرمدي للهلال وكان عنده الجرأة والمغامرة ومن الحب ما قتل.. يبقى الكاردينال من أكثر رؤساء الهلال عشقاً للهلال. سوداكال عنده (عزيمة وإصرار) ويتميّز بالنفس الطويل.. الزول دا يلف ويجيك راجع (أمشي وأجيه راجع)، أشبه بالهجمة المرتدة أو الزول العاوز منك قروش. الأمين البرير عنده (قرار) وصلابة وقوة.. والرئيس مهم يكون عنده قرار حتى لو غلط مثل المدرب. حازم مصطفى عنده (شغف). شغف يجعله يرد حتى على من يعلق عليه في مجموعة بالواتس أو الفيس. أيمن مبارك أبوجيبين عنده حاجة عاوز يقدمها، عاوز يعمل شئ مختلف، الوقت ما أسعفه، فهمناه صاح، فهمناه غلط ما عارف. عمر النمير يبدو عنده (مؤسسية) أو شئ منها.. مؤسسية كاملة أو مطلقة أقنعوا منها. صلاح إدريس عنده (فكر)، وعنده مال لذلك خدم فكرته بماله، هو لم يخدم ماله بفكره.. والعليقي من نفس المدرسة، العليقي عنده (فكر) وأصحاب الفكر في أي مجال جديرون بالاحترام. مقارنة السوباط والعليقي والنمير بصلاح إدريس وجمال الوالي فيها ظلم لهم، لأن الأرباب والوالي ظروفهما كانت جيدة عكس واقع المجالس الحالية. العليقي لو ظهر بدري كان يمكن أن يفعل الكثير، لكن يُخيّل لي أنّ الظروف السيئة ممكن تخلق شخصية قوية ، أياً كان مركزها، 'إداري، فنان، إعلامي' أفضل. هشام السوباط لغاية الآن والله ما عارف عندو شنو؟ ما قادر أمسك حاجة محددة، لكن هو عندي الرجل الغريب، غير المفهوم، الرجل الغامض أو الزعيم (رقم صفر) وهو لقب سوف أطلقه عليه، دائماً ينجح مَن يحمل ذلك الغموض، وهو غموضٌ مطلوبٌ للمناصب التي يشغلها.. هذا شكلٌ من أشكال الناس البعملوا حاجة.. انطباع!! يمكن أكون غلط ويمكن أكون صاح (ما تقوِّموا لي نفسي ساكت). دي انطباعات عامة عن بعض رؤساء الهلال والمريخ، وهي انطباعاتي الشخصية تتفقوا أو تختلفوا معي ما مهم.. ما شغال بالموضوع كتير، لأنّ الانطباعات إحساسٌ تلقائي، شعورٌ ذاتي، وما في اتفاق حولها، إنت نفسك يمكن أن يتغيّر انطباعك عن شخص بعد فترة، أو بعد ظهور مستجدات جديدة (الكلام دا كبير ما يفوت ساكت). إنتوا يا ناس الفيس والواتس الواحد إلا يلكزوه لكز، عشان يشعر بالشئ. أنا كصحفي يهمّنا أن تختلفوا معي، لا يسعدني الاتفاق على ما أكتبه وأطرحه، لأنكم إذا اتفقتوا عليه، فذلك يعني إنّني لم آت بجديدٍ، أو إنّني أردِّد فيما يطلبه المستمعون، مثل دعاة الحرب الذين يصفق لهم الرعاع. الصديق الحبيب بابكر مختار رتّب للقاء جمعنا في أمسية قاهرية مع نائب رئيس مجلس الهلال ورئيس القطاع الرياضي المهندس محمد إبراهيم العليقي، وبابكر مختار دائماً يحب أن يضعني في الحدث ، لا يبخل علينا بما يستطيع ولا نستطيع ـ الأكيد أنّ العليقي في الوقت الحالي هو خزينة الأسرار الهلالية. صعبٌ أن نلتقي بالعليقي ونخرج منه دون أن نحاول وضع النقاط على الحروف، كصحفي ملزم أن أستشف شيئاً، كما إني مطالبٌ أن أعكس أفكار الآخرين حتى وإن كنت مختلفاً عليها، مهمتي أن أعرضها وللقراء أو الجمهور الحق في تقرير المصير.. معنا أو ضدنا.. هذا حقهم علينا. سوف أتحدّث عن ملامح عامة، نحن لم نسأل العليقي، فقد كانت الجلسة بعيدة عن شغف الأسئلة، سوف أطرح ما هو متاحٌ دون الإضرار بجهة أو الدخول في التفاصيل، وإن كان كل ما كان في الجلسة بعيداً عن الضرر والإضرار، فهي ونسة هلالية خالصة في الهلال، لم أقصد من ذلك الدفاع عن العليقي أو فلوران، قصدت أن أدعم الاستقرار والهلال في نهايات موسم. بدا لي أن العليقي أصبح أقل حماساً عما قبل، عندما التقيت به قبل ذلك كان أكثر حماساً ونشاطاً، ربما الحرب أثّـرت عليه، كما فعلت مع الجميع، وربما خروج الهلال من البطولة الأفريقية احدث عنده شرخاً، وقد يكون تروياً وخبرات مكتسبة، لأن الخبرة تجعلك أكثر هدوءاً.. هذا أمرٌ التقطناه، هذا مجرد انطباع. كنت أسأل نفسي هل يغارد العليقي الهلال قبل أن يكمل مشروعه؟ وهل ابتعاده في الفترة الأخيرة مقدمة لرحيله من الهلال؟ وأنتم تشاركوني في هذا الاستفسار، لم نطرح عليه هذا السؤال ولكن بين الأسطر وأثناء انفعاله، أدركت أنه لن يترك الهلال في هذا الظرف ـ أو هو قالها بصحيح العبارة في ظل هذا الحرب لا يمكن أن نترك سفينة الهلال تغرق، يبدو ذلك التزاماً أخلاقياً عنده. غير اني كما أشرت، شغفه قلّ. أن تلتقي بالعليقي، صعبٌ أن لا يأتي الحديث عن (المهاجم السوبر) وتقصير المجلس في ضم مهاجم سوبر في التسجيلات الماضية، وقد كنت من الناقدين للمجلس والعليقي تحديداً على هذا القصور، لكن عندما جلست معه قدرت اجتهادهم وبحثهم عن مهاجم سوبر لم يُوفّقوا في ضمه، على امتداد شهر، كانوا فيه يبحثون ويفاوضون من الساعات الأولى للصباح إلى الساعات الأولى للصباح في اليوم التالي، كانوا يستهدفون مهاجماً سوبراً ولم يُوفقوا في ذلك، توقيت التسجيلات والحرب كما ذكر كثيراً، تسبّبت في إفشال إكمال الصفقة ـ مع ذلك العليقي لا ينكر التقصير، لأنه قال ربما لو كان هنالك مهاجم سوبر لاختلف الأمر، لكن ما باليد حِـيلة. المهاجم الكونغولي فيستون كالالا مايلي في وقت ما، كان قريباً من الهلال، خاصةً بعد البداية المتعثرة للاعب مع بيراميدز، فقد كان قاب قوسين أو أدنى أن يكون اللاعب في الهلال بسبب علاقة اللاعب مع مدرب الهلال فلوران، وهنا نقطة أخرى أذكرها من عندي وليس من عند العليقي، وهي أنّ مدرب الهلال يُحظى بعلاقات واسعة وطيبة مع عدد كبير من اللاعبين الأفارقة، وخاصة الكونغوليين، ويملك القدرة للتأثير عليهم، وهذا أمرٌ يثبت قناعة اللاعبين به، لا سيما من سبق وأشرف على تدريبهم وقناعة اللاعبين بالمدرب كما ذكرت كثيراً، لا تأتي من فراغ.. هم مؤمنون به لدرجة أنه عندهم في منزلة الأب. شئ ظللنا نسمعه كثيراً في الفترة الأخيرة للتقليل من فلوران، وهو أنه ليس له دورٌ في تسجيلات الهلال، فلوران له دورٌ ليس في تسجيل الأجانب، بل حتى في اللاعبين الوطنيين، وقد أكد العليقي أن أي لاعب سجله الهلال بعد موافقة فلوران عليه، بل إنّ هنالك أسماءً تابعها ورشحها وطالب بتسجيلها.. وحتى نثبت لفلوران حقّه، فإنّ الهلال بعث فلوران لمتابعة مهاجم سنغالي في إحدى مباريات الدوري السنغالي وقد سافر وتابع المباراة، ولكن المفاجأة أنّ فلوران طالب بتسجيل لاعب آخر أدهشه في المباراة، ذلك اللاعب هو إيمي تندينج وقد صرف النظر عن المهاجم.. إيمي اللاعب الذي يجد الإشادات الآن ويقدم في شئ من السحر، شاهده فلوران بالصدفة، وفي الوقت الذي كان يرصدون لاعباً آخر، أقنع إيمي تندينج مدرب الهلال فسجله الهلال.. أقول ذلك لنحفظ للرجل حقه. المفاجأة الثانية أنّ اللاعب علي عبدالله كبه سجله الهلال بطلب وإصرار من فلوران أيضاً ـ الأمر ليس قاصراً على الأجانب، فقد كان المنتخب الوطني يلعب مباراة تجريبية أمام المريخ كان فلوران يتابعها من المدرجات، فما كان منه بعد نهاية المباراة إلا أن طالب بتسجيل ذلك اللاعب ذي البنية الجسمانية الضعيفة، فسجله الهلال فتألق، هذا هو فلوران الذي أطلق عليه البعض لقب (سباك) بعد أن كانوا يطلقون عليه لقب (المؤسس).. لا تحقر الشخص الذي لا ترضى عنه، ولا تصوره بهذه الطريقة، فقط لأنه لا يروق لك. يهمني من ذلك أن أقف عند متابعة فلوران بنفسه للاعبين الذين يريد الهلال تسجيلهم ورصدهم ومشاهدتهم في مباريات لأنديتهم قبل الانتقال للهلال، بل وكثيراً ما يكون جزءا من التفاوض. وما أعرفه عن فلوران انه هو الذي طالب بتسجيل كنن بعد أن شاهد له عدداً من المباريات مع حي الوادي، وهو الذي سجل طلال عادل بعد أن شاهده أمام الهلال عندما كان يلعب للأهلي مروي.. هذا مدرب فعّال ولديه بصمة وقرار، لماذا تنكرون له ذلك؟ وأرجح أن يكون أحمد سالم أيضاً سجله الهلال بطلب من فلوران. في حديثي مع العليقي طبعاً ما كان لنا أن نسأل عن فلوران هل سوف يجدد له ام يغادر؟ القرار قرار مجلس والعليقي لا يستطيع أن يفتي أو يتحدث في ذلك قبل نهاية الموسم، لكن رغم خروج الهلال من البطولة الأفريقية ورغم إحساس الإحباط الذي بدا لنا من العليقي، إلا أن المجلس يبدو راضياً من المدرب ومن اللاعبين وبما تحقّق في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، المجلس واجهته عقبات كثيرة بسبب هذه الحرب، وهي من دون شك واجهت الجهاز الفني وأثّرت على الفريق، لذلك لم نشعر أن هنالك غضباً أو عدم رضاء من الفريق. والتقييم في النهاية يجب أن يكون شاملاً في نهاية الموسم، حفاظاً لاستقرار الفريق في هذا التوقيت الصعب، من بعد يرحل أو يبقى فلوران لا يهمنا ذلك كثيراً، شريطة أن لا يكون القرار فقط بسبب الضغوط الإعلامية والجماهيرية. لا أريد أن أوجد رأياً عاماً بجدوى استمرار فلوران، لأني لو فعلت ذلك أكون أفعل كما يفعل الذين يطالبون بالإطاحة به، لا أقصد من الدفاع عن فلوران إلا أن أعمل توازناً مع الرأي المهاجم له. ومن ثم أدعو إلى الاستقرار. العليقي تحدث أنهم واجهتهم ظروف صعبة جداً في هذا الموسم وأن السودان بوضعه الحالي غير جاذب، وهذا عكس حديث البعض أن الهلال وفّـر له في هذا الموسم كل شئ.. واجهت مجلس الهلال صعوبات كثيرة خاصة في التسجيلات، من الصعب أن تجد لاعباً موهوباً أو مرغوباً في عدد من الدوريات يوافق على أن يلعب في السودان، العليقي أعطانا أسماء لاعبين معروفين كان يمكن أن يكونوا في الهلال لولا ظروف البلاد، والسودان دولة غير جاذبة للمحترف حتى قبل الحرب، فكيف يكون الحال بعد الحرب؟ في مبررات العليقي وأحاديثه دائماً ما يقول إنّ التعاقد مع محترف ممتاز واسم كبير نصف الموسم أو في فترة التسجيلات الشتوية أمرٌ صعبٌ، سوف نرى كيف يكون الحال في التسجيلات الرئيسية أو الصيفية القادمة؟ ـ يبدو أنّ الهلال يخطط لتسجيلات جيدة، وأنا في قناعتي أن استمرار فلوران سوف يساعد على تسجيلات ممتازة في الفترة القادمة، فهو يعرف الهلال ونواقصه ويعرف أفريقيا ومواهبها، (هذه قناعتي أنا وليس قناعة العليقي)، لأن العليقي لم يتحدث عن بقاء فلوران أو رحيله ولكن تحدث عنه بصورة جيدة، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه لكل الذين اقتربوا من فلوران. أراهن على أنّ رأي لاعبي الهلال في فلوران أيضاً جيدٌ وداعمٌ له. من بين العقبات التي واجهتهم في مشروع الهلال غير ظروف البلد، الترشيحات الكثيرة التي تصلهم من السماسرة وبعض الجماهير والإعلاميين، وقد أشار العليقي إلى أنّ كل الترشيحات تُقدّم لفلوران وهو الجهة الوحيدة المختصة والتي تتم الصفقات بموافقتها دون أن يكون هنالك تدخلٌ من أحد ـ فلوران هو المسؤول عن ذلك. فكرة العليقي عن المرحلة القادمة، إن القوانين واللوائح معقدة، وإنّ ناديين مثل الهلال والمريخ يفترض أن تكون ناديي شركات، وأسهم عامة، حتى يفتح باب الاستثمار في الرياضة السودانية، ما دون ذلك سوف نظل ندور صعوداً وهبوطاً بمقياس بياني مُتأرجح وغير مستقر بين الصعود والهبوط. هذا خلاصة ما حاولنا أن لا نخرج فيه من النص، أتمنى أن لا أكون تجاوزت الحدود في نقل صورة مقربة للقاء ودِّي وغير رسمي، كان لنا مع العليقي، وسأجتهد برفقة بابكر مختار، على إجراء حوار شامل وكامل مع العليقي نطرح فيه كل الأسئلة بعد نهاية الموسم وقبل فترة التسجيلات، نتمنى أن ننجح في ذلك، أما هذا فمجرد انطباعات. أنوِّه الى ضرورة الاهتمام بالهلال في هذه الفترة وهو على مشارف نهايات السوبر الموريتاني الذي يتصدّره الأزرق، وهو كذلك على مقربة من بدايات السوبر السوداني الذي لن نقبل أن يفرط الهلال فيه، أشعر أنّ هنالك فراغاً إدارياً في الهلال بعد الخروج الأفريقي، فانتبهوا يا إدارة الهلال. … متاريس أسعدنا انتصار الهلال على ملوك نواكشوط، بعد أن تقدم الفريق الموريتاني الذي كان يبحث عن المحافظة على حظوظه في الفوز بالدوري، فسجّل في شباك الهلال في الدقيقة الثالثة ليدرك الهلال التعادل قبل نهاية الشوط الأول، ثم يسجل في بداية الشوط الثاني لتنتهي المباراة بانتصار الهلال. نتمنى أن ينجح فريق الجمارك في عرقلة نواذيبو، حتى يدخل الهلال لمرحلة الرفاهية. أنا شغوف جداً بالدوري الموريتاني، أتابعه على أعصابي.. عندما يتوّج الهلال إن شاء الله سوف نكتب عن هذا الإنجاز الكبير الكثير. مع الإرهاق الذي يعيشه الهلال وهو يلعب مباراة كل ثلاثة أيام، نجح في أن يحرم كينغس من حظوظه في الفوز بالدوري. ومع هذا الإرهاق، أتمنى قيام دوري السوبر السوداني ليجمع الهلال بإذن الله بين الدوريين السوداني والموريتاني في موسم واحد. الأستاذ خالد عزالدين كتب (فوز الهلال بالدوري الموريتاني إنجاز تاريخي يستحق أن توجه له كل الجهود في الوقت الراهن). أتمنى من مجلس إدارة الهلال اهتماماً أكبر بمباريات الهلال في المرحلة القادمة في الدوري الموريتاني، وأرجو من فلوران تثبيت إرنق والطيب عبدالرازق والحارس على الأقل في المباريات القادمة.. نقدر ظروف الإرهاق ونعرف صعوبة ثبات التشكيلة في ظل الإصابات الكثيرة التي يتعرض لها اللاعبون. أما خالد عزالدين، يشهد الله إنِّي أحبه، كيف لا وهو عندنا يمثل الهلال وفيه طعم الهلال ورائحته ولونه، لكن لا يعني ذلك أن لا نختلف معه. أنا لا أضع للكراهية والحب وزناً في الاختلاف أو الاتفاق. يعجنبي في خالد انه لا يكابر ولا يهاتر ولا يهادن ولا يقف عند الصغائر. صحفي آخر أقف عنده احتراماً وتقديراً وهو الأخ حسن فاروق الذي يكتب بمهنية ومنطق قوي وواضح وشيق.. حسن فاروق يدعم فلوران أو هو في الحقيقة يدعم الاستقرار ويكره الفوضى الفنية. الغربال سجّل والكاسر سجّل في آخر مباراة للهلال، وهذا خطرٌ أكيدٌ على المريخ. شيلوا شيلتكم. … ترس أخير: أما أنتم.. شِـيلوا الصَّـبر بس.

نشر في كورة سودانية يوم 17 - 05
نشر في كورة سودانية يوم 17 - 05

سودارس

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • سودارس

نشر في كورة سودانية يوم 17 - 05

شَهَادَة العِليقِي الانطباعات دائماً لا تخيِّب والظن الحسن لا يخسر، والتفاؤل يجعلنا نقول إن فقدنا (اليوم) علينا أن نراهن على (الغد).. ليس مطلوباً منك أكثر من الرهان.. تغيب الشمس لتشرق ولا تشرق لتغيب، أفقد هدفك، أفقد مالك، حبيبك، بيتك لكن لا تفقد الأمل، (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس) مصطفى كامل. يمكن أن تلاقي أناساً يتفوّقون عليك في الإمكانيات، قد يستطيعون ذلك، الأقدار أعطتهم ولم تعطك، لكن لا تجعلهم يتفوّقون عليك في الطموح، الأحلام مُتاحة لكل الناس، والأحلام أحياناً فيها متعة أكثر من متعة تحقيق الحلم نفسه، أحلم فإن لم تستطع أن تعيش الحياة كما يجب، عشها حلماً.. أول خطوة للوصول إلى القمة تبدأ بالحلم. الواقع ليس بيدك.. لكن الحلم بيدك، أحلم بما تشاء.. هذا فضاءٌ لا قيود فيه ولا سقف. الليلة الفلسفة دي شنو من الصباح؟ الله يستر. جابت ليها فلسفة كمان. والله أشبككم فلسفة لمن تفهموا حاجة، الما عاوز يتفلسف معانا يطلع. محمد حسنين هيكل كان أقرب الناس لجمال عبد الناصر، حاوره وألّف عنه كتباً، وكتب له خطاباته، وشاوره عبد الناصر ورجع إليه في الكثير من القرارات بما في ذلك أهم وأخطر قرارات عبد الناصر في حياته قرار التنحِّي. قرأت عن تنحِّي عبد الناصر والحديث عن هيكل (إنّ الجدل والحوار الذي دار بين عبد الناصر وهيكل في ليلة التنحِّي حول التعبيرات اللغوية التي يمكن أن تُستخدم في مثل هذا البيان التاربخي، فقد كان عبد الناصر مُصرّاً على استخدام كلمة هزيمة، في حين أن هيكل نحت كلمة نكسة). وأنا أفسِّر ذلك أن عبد الناصر قصد أن يكون واضحاً وصريحاً بعد التغييب الذي عاشه شعبه، فأحب أن لا يتلاعب بالألفاظ، وفضّل أن يتحدّث عن المعركة بما حدث فيها وانتهت عليه وبكلمة يفهمها عامة الناس. هيكل أراد كلمة أشمل تعبر عن الحال وتصطحب معها الأثر النفسي للهزيمة، فرجّح كلمة (نكسة) على (الهزيمة). وفي النهاية مشت كلمة هيكل وهذا دور الصحافة، فقد لخّصت كلمة (نكسة) الحكاية كلها وأصبحت عنواناً لحقبة كاملة ولحرب تاريخية، وهي أصدق مصطلح لتلك الهزيمة وأكثر كلمة قادرة على أن تُعبِّر عن الواقع وقتها.. والنكسة أشد وقعاً على النفس لأنها الإصابة بعد التعافي، والسقوط بعد الارتفاع.. هي ريمونتادا عكسية. مع ذلك، فإنّ أجمل كتابات هيكل عن عبد الناصر كانت انطباعاته عنه. وكذلك أجمل كتابات أنيس منصور عن محمد أنور السادات، كانت انطباعاته عنه، وهو كان قريباً من السادات. البروفيسور علي المك تبقى أجمل كتاباته الفنية انطباعاته عن عبد العزيز محمد داؤود.. كتب عنه بطريقة (زهر الرياض المائد) و(زهر الرياض في غصونه ماح). لذلك لا تهملوا (الانطباعات)، أرجو أن يكون هناك علمٌ باسم (أدب الانطباعات)، كما هو موجود (أدب الرسائل) و(أدب الرثاء) و(أدب الغزل) و(أدب الإخوانيات).. واحفظوا لي حقي في هذا الابتكار (إنتوا الحاجات دي بتمر فيكم ساكت والّلا بتقيفوا عندها)؟! خطابات الوزير الأديب عمر الحاج موسى في فترة حكومة مايو وكلماته عن نميري، كانت عبارة عن انطباعات شخصية، لذلك كانت بديعة وحميمة.. لاحظ أنه فعل ذلك وهو وزير للدفاع في بدايات حكومة مايو 1969، ثم أصبح وزيراً للإعلام والثقافة فكان بهذا الأدب. ومذكرات المشاهير شئٌ من الانطباعات، مذكرات نستون تشرشل أشهر رئيس وزراء بريطاني كانت خلاصة تجاربه الكبيرة. من مذكرات تشرشل (كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها). نحن نستحق ذلك!! شكلي تقّلت الشاي. لا أريد أن أرفع من سقف الانطباعات، وهنالك آراءٌ ترفض بناء النقد عليها، وإن كنت عن انطباعاتي لا أتحدث عن نقد بقدر إنّني أتحدث عن صورة. يقول الدكتور منصور خالد في حوار له مع جريدة الخرطوم 1995م (ربما أفادتني تجاربي في أن أحرص دائماً على أن لا ابني أحكامي على الانطباعات أو على المسلمات، وعليّ أن أعرض كل شئ لامتحان ولنقد قبل أن أصدر أحكامي، ومن ناحية أخرى، أتاح لي العمل الخارجي التعرُّف على آليات لتنظيم العمل من ناحية البحوث والتوثيق والقدرة على الرجوع لمصادر في كل ما أعمل). كلام منصور روشتة صحفية لكل صحفي. انطباعاتي عن البعض أحياناً ناتجة عن تجارب وحوارات ومواقف وامتحانات، وأحياناً ناتجة عن المحيط العام لمن لم يتوفر لنا أن نلتقي بهم. وأنا أكتب اليوم في هذا الموضوع مثبتاً أني أكتب عن انطباعاتي لأترك لكم حرية الاتفاق معي أو الاختلاف. انطباعاتي عن من شغلوا رئاسة مجلسي الهلال والمريخ راسخة عندي بهذه القناعات، قد تتفقوا معي وقد تختلفوا (شيلوا الصبر). وقد تكون صاح وقد تكون غلط، أتحدث عن انطباعات لا أتحدث عن عالم البحار ، ولا عن عروض الشعر وبحوره.. وأي زول حر في انطباعاته. سوف أكتب عن الانطباع الحسن، جمال الوالي عنده (القبول)، طبعاً من أهم مفرزات القبول في عهدنا هذا المال، لكن جمال الوالي مع أمواله لديه (قبول) تلقائي، وعلينا أن نحترم هذا القبول حتى لو اختلفنا حوله، لأنه قبول طالع من الشعب أو من الجمهور أو من الجماعة. الكاردينال كان عنده (عشق) سرمدي للهلال وكان عنده الجرأة والمغامرة ومن الحب ما قتل.. يبقى الكاردينال من أكثر رؤساء الهلال عشقاً للهلال. سوداكال عنده (عزيمة وإصرار) ويتميّز بالنفس الطويل.. الزول دا يلف ويجيك راجع (أمشي وأجيه راجع)، أشبه بالهجمة المرتدة أو الزول العاوز منك قروش. الأمين البرير عنده (قرار) وصلابة وقوة.. والرئيس مهم يكون عنده قرار حتى لو غلط مثل المدرب. حازم مصطفى عنده (شغف). شغف يجعله يرد حتى على من يعلق عليه في مجموعة بالواتس أو الفيس. أيمن مبارك أبوجيبين عنده حاجة عاوز يقدمها، عاوز يعمل شئ مختلف، الوقت ما أسعفه، فهمناه صاح، فهمناه غلط ما عارف. عمر النمير يبدو عنده (مؤسسية) أو شئ منها.. مؤسسية كاملة أو مطلقة أقنعوا منها. صلاح إدريس عنده (فكر)، وعنده مال لذلك خدم فكرته بماله، هو لم يخدم ماله بفكره.. والعليقي من نفس المدرسة، العليقي عنده (فكر) وأصحاب الفكر في أي مجال جديرون بالاحترام. مقارنة السوباط والعليقي والنمير بصلاح إدريس وجمال الوالي فيها ظلم لهم، لأن الأرباب والوالي ظروفهما كانت جيدة عكس واقع المجالس الحالية. العليقي لو ظهر بدري كان يمكن أن يفعل الكثير، لكن يُخيّل لي أنّ الظروف السيئة ممكن تخلق شخصية قوية ، أياً كان مركزها، "إداري، فنان، إعلامي" أفضل. هشام السوباط لغاية الآن والله ما عارف عندو شنو؟ ما قادر أمسك حاجة محددة، لكن هو عندي الرجل الغريب، غير المفهوم، الرجل الغامض أو الزعيم (رقم صفر) وهو لقب سوف أطلقه عليه، دائماً ينجح مَن يحمل ذلك الغموض، وهو غموضٌ مطلوبٌ للمناصب التي يشغلها.. هذا شكلٌ من أشكال الناس البعملوا حاجة.. انطباع!! يمكن أكون غلط ويمكن أكون صاح (ما تقوِّموا لي نفسي ساكت). دي انطباعات عامة عن بعض رؤساء الهلال والمريخ، وهي انطباعاتي الشخصية تتفقوا أو تختلفوا معي ما مهم.. ما شغال بالموضوع كتير، لأنّ الانطباعات إحساسٌ تلقائي، شعورٌ ذاتي، وما في اتفاق حولها، إنت نفسك يمكن أن يتغيّر انطباعك عن شخص بعد فترة، أو بعد ظهور مستجدات جديدة (الكلام دا كبير ما يفوت ساكت). إنتوا يا ناس الفيس والواتس الواحد إلا يلكزوه لكز، عشان يشعر بالشئ. أنا كصحفي يهمّنا أن تختلفوا معي، لا يسعدني الاتفاق على ما أكتبه وأطرحه، لأنكم إذا اتفقتوا عليه، فذلك يعني إنّني لم آت بجديدٍ، أو إنّني أردِّد فيما يطلبه المستمعون، مثل دعاة الحرب الذين يصفق لهم الرعاع. الصديق الحبيب بابكر مختار رتّب للقاء جمعنا في أمسية قاهرية مع نائب رئيس مجلس الهلال ورئيس القطاع الرياضي المهندس محمد إبراهيم العليقي، وبابكر مختار دائماً يحب أن يضعني في الحدث ، لا يبخل علينا بما يستطيع ولا نستطيع الأكيد أنّ العليقي في الوقت الحالي هو خزينة الأسرار الهلالية. صعبٌ أن نلتقي بالعليقي ونخرج منه دون أن نحاول وضع النقاط على الحروف، كصحفي ملزم أن أستشف شيئاً، كما إني مطالبٌ أن أعكس أفكار الآخرين حتى وإن كنت مختلفاً عليها، مهمتي أن أعرضها وللقراء أو الجمهور الحق في تقرير المصير.. معنا أو ضدنا.. هذا حقهم علينا. سوف أتحدّث عن ملامح عامة، نحن لم نسأل العليقي، فقد كانت الجلسة بعيدة عن شغف الأسئلة، سوف أطرح ما هو متاحٌ دون الإضرار بجهة أو الدخول في التفاصيل، وإن كان كل ما كان في الجلسة بعيداً عن الضرر والإضرار، فهي ونسة هلالية خالصة في الهلال، لم أقصد من ذلك الدفاع عن العليقي أو فلوران، قصدت أن أدعم الاستقرار والهلال في نهايات موسم. بدا لي أن العليقي أصبح أقل حماساً عما قبل، عندما التقيت به قبل ذلك كان أكثر حماساً ونشاطاً، ربما الحرب أثّرت عليه، كما فعلت مع الجميع، وربما خروج الهلال من البطولة الأفريقية احدث عنده شرخاً، وقد يكون تروياً وخبرات مكتسبة، لأن الخبرة تجعلك أكثر هدوءاً.. هذا أمرٌ التقطناه، هذا مجرد انطباع. كنت أسأل نفسي هل يغارد العليقي الهلال قبل أن يكمل مشروعه؟ وهل ابتعاده في الفترة الأخيرة مقدمة لرحيله من الهلال؟ وأنتم تشاركوني في هذا الاستفسار، لم نطرح عليه هذا السؤال ولكن بين الأسطر وأثناء انفعاله، أدركت أنه لن يترك الهلال في هذا الظرف أو هو قالها بصحيح العبارة في ظل هذا الحرب لا يمكن أن نترك سفينة الهلال تغرق، يبدو ذلك التزاماً أخلاقياً عنده. غير اني كما أشرت، شغفه قلّ. أن تلتقي بالعليقي، صعبٌ أن لا يأتي الحديث عن (المهاجم السوبر) وتقصير المجلس في ضم مهاجم سوبر في التسجيلات الماضية، وقد كنت من الناقدين للمجلس والعليقي تحديداً على هذا القصور، لكن عندما جلست معه قدرت اجتهادهم وبحثهم عن مهاجم سوبر لم يُوفّقوا في ضمه، على امتداد شهر، كانوا فيه يبحثون ويفاوضون من الساعات الأولى للصباح إلى الساعات الأولى للصباح في اليوم التالي، كانوا يستهدفون مهاجماً سوبراً ولم يُوفقوا في ذلك، توقيت التسجيلات والحرب كما ذكر كثيراً، تسبّبت في إفشال إكمال الصفقة مع ذلك العليقي لا ينكر التقصير، لأنه قال ربما لو كان هنالك مهاجم سوبر لاختلف الأمر، لكن ما باليد حِيلة. المهاجم الكونغولي فيستون كالالا مايلي في وقت ما، كان قريباً من الهلال، خاصةً بعد البداية المتعثرة للاعب مع بيراميدز، فقد كان قاب قوسين أو أدنى أن يكون اللاعب في الهلال بسبب علاقة اللاعب مع مدرب الهلال فلوران، وهنا نقطة أخرى أذكرها من عندي وليس من عند العليقي، وهي أنّ مدرب الهلال يُحظى بعلاقات واسعة وطيبة مع عدد كبير من اللاعبين الأفارقة، وخاصة الكونغوليين، ويملك القدرة للتأثير عليهم، وهذا أمرٌ يثبت قناعة اللاعبين به، لا سيما من سبق وأشرف على تدريبهم وقناعة اللاعبين بالمدرب كما ذكرت كثيراً، لا تأتي من فراغ.. هم مؤمنون به لدرجة أنه عندهم في منزلة الأب. شئ ظللنا نسمعه كثيراً في الفترة الأخيرة للتقليل من فلوران، وهو أنه ليس له دورٌ في تسجيلات الهلال، فلوران له دورٌ ليس في تسجيل الأجانب، بل حتى في اللاعبين الوطنيين، وقد أكد العليقي أن أي لاعب سجله الهلال بعد موافقة فلوران عليه، بل إنّ هنالك أسماءً تابعها ورشحها وطالب بتسجيلها.. وحتى نثبت لفلوران حقّه، فإنّ الهلال بعث فلوران لمتابعة مهاجم سنغالي في إحدى مباريات الدوري السنغالي وقد سافر وتابع المباراة، ولكن المفاجأة أنّ فلوران طالب بتسجيل لاعب آخر أدهشه في المباراة، ذلك اللاعب هو إيمي تندينج وقد صرف النظر عن المهاجم.. إيمي اللاعب الذي يجد الإشادات الآن ويقدم في شئ من السحر، شاهده فلوران بالصدفة، وفي الوقت الذي كان يرصدون لاعباً آخر، أقنع إيمي تندينج مدرب الهلال فسجله الهلال.. أقول ذلك لنحفظ للرجل حقه. المفاجأة الثانية أنّ اللاعب علي عبدالله كبه سجله الهلال بطلب وإصرار من فلوران أيضاً الأمر ليس قاصراً على الأجانب، فقد كان المنتخب الوطني يلعب مباراة تجريبية أمام المريخ كان فلوران يتابعها من المدرجات، فما كان منه بعد نهاية المباراة إلا أن طالب بتسجيل ذلك اللاعب ذي البنية الجسمانية الضعيفة، فسجله الهلال فتألق، هذا هو فلوران الذي أطلق عليه البعض لقب (سباك) بعد أن كانوا يطلقون عليه لقب (المؤسس).. لا تحقر الشخص الذي لا ترضى عنه، ولا تصوره بهذه الطريقة، فقط لأنه لا يروق لك. يهمني من ذلك أن أقف عند متابعة فلوران بنفسه للاعبين الذين يريد الهلال تسجيلهم ورصدهم ومشاهدتهم في مباريات لأنديتهم قبل الانتقال للهلال، بل وكثيراً ما يكون جزءا من التفاوض. وما أعرفه عن فلوران انه هو الذي طالب بتسجيل كنن بعد أن شاهد له عدداً من المباريات مع حي الوادي، وهو الذي سجل طلال عادل بعد أن شاهده أمام الهلال عندما كان يلعب للأهلي مروي.. هذا مدرب فعّال ولديه بصمة وقرار، لماذا تنكرون له ذلك؟ وأرجح أن يكون أحمد سالم أيضاً سجله الهلال بطلب من فلوران. في حديثي مع العليقي طبعاً ما كان لنا أن نسأل عن فلوران هل سوف يجدد له ام يغادر؟ القرار قرار مجلس والعليقي لا يستطيع أن يفتي أو يتحدث في ذلك قبل نهاية الموسم، لكن رغم خروج الهلال من البطولة الأفريقية ورغم إحساس الإحباط الذي بدا لنا من العليقي، إلا أن المجلس يبدو راضياً من المدرب ومن اللاعبين وبما تحقّق في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، المجلس واجهته عقبات كثيرة بسبب هذه الحرب، وهي من دون شك واجهت الجهاز الفني وأثّرت على الفريق، لذلك لم نشعر أن هنالك غضباً أو عدم رضاء من الفريق. والتقييم في النهاية يجب أن يكون شاملاً في نهاية الموسم، حفاظاً لاستقرار الفريق في هذا التوقيت الصعب، من بعد يرحل أو يبقى فلوران لا يهمنا ذلك كثيراً، شريطة أن لا يكون القرار فقط بسبب الضغوط الإعلامية والجماهيرية. لا أريد أن أوجد رأياً عاماً بجدوى استمرار فلوران، لأني لو فعلت ذلك أكون أفعل كما يفعل الذين يطالبون بالإطاحة به، لا أقصد من الدفاع عن فلوران إلا أن أعمل توازناً مع الرأي المهاجم له. ومن ثم أدعو إلى الاستقرار. العليقي تحدث أنهم واجهتهم ظروف صعبة جداً في هذا الموسم وأن السودان بوضعه الحالي غير جاذب، وهذا عكس حديث البعض أن الهلال وفّر له في هذا الموسم كل شئ.. واجهت مجلس الهلال صعوبات كثيرة خاصة في التسجيلات، من الصعب أن تجد لاعباً موهوباً أو مرغوباً في عدد من الدوريات يوافق على أن يلعب في السودان، العليقي أعطانا أسماء لاعبين معروفين كان يمكن أن يكونوا في الهلال لولا ظروف البلاد، والسودان دولة غير جاذبة للمحترف حتى قبل الحرب، فكيف يكون الحال بعد الحرب؟ في مبررات العليقي وأحاديثه دائماً ما يقول إنّ التعاقد مع محترف ممتاز واسم كبير نصف الموسم أو في فترة التسجيلات الشتوية أمرٌ صعبٌ، سوف نرى كيف يكون الحال في التسجيلات الرئيسية أو الصيفية القادمة؟ يبدو أنّ الهلال يخطط لتسجيلات جيدة، وأنا في قناعتي أن استمرار فلوران سوف يساعد على تسجيلات ممتازة في الفترة القادمة، فهو يعرف الهلال ونواقصه ويعرف أفريقيا ومواهبها، (هذه قناعتي أنا وليس قناعة العليقي)، لأن العليقي لم يتحدث عن بقاء فلوران أو رحيله ولكن تحدث عنه بصورة جيدة، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه لكل الذين اقتربوا من فلوران. أراهن على أنّ رأي لاعبي الهلال في فلوران أيضاً جيدٌ وداعمٌ له. من بين العقبات التي واجهتهم في مشروع الهلال غير ظروف البلد، الترشيحات الكثيرة التي تصلهم من السماسرة وبعض الجماهير والإعلاميين، وقد أشار العليقي إلى أنّ كل الترشيحات تُقدّم لفلوران وهو الجهة الوحيدة المختصة والتي تتم الصفقات بموافقتها دون أن يكون هنالك تدخلٌ من أحد فلوران هو المسؤول عن ذلك. فكرة العليقي عن المرحلة القادمة، إن القوانين واللوائح معقدة، وإنّ ناديين مثل الهلال والمريخ يفترض أن تكون ناديي شركات، وأسهم عامة، حتى يفتح باب الاستثمار في الرياضة السودانية، ما دون ذلك سوف نظل ندور صعوداً وهبوطاً بمقياس بياني مُتأرجح وغير مستقر بين الصعود والهبوط. هذا خلاصة ما حاولنا أن لا نخرج فيه من النص، أتمنى أن لا أكون تجاوزت الحدود في نقل صورة مقربة للقاء ودِّي وغير رسمي، كان لنا مع العليقي، وسأجتهد برفقة بابكر مختار، على إجراء حوار شامل وكامل مع العليقي نطرح فيه كل الأسئلة بعد نهاية الموسم وقبل فترة التسجيلات، نتمنى أن ننجح في ذلك، أما هذا فمجرد انطباعات. أنوِّه الى ضرورة الاهتمام بالهلال في هذه الفترة وهو على مشارف نهايات السوبر الموريتاني الذي يتصدّره الأزرق، وهو كذلك على مقربة من بدايات السوبر السوداني الذي لن نقبل أن يفرط الهلال فيه، أشعر أنّ هنالك فراغاً إدارياً في الهلال بعد الخروج الأفريقي، فانتبهوا يا إدارة الهلال. ... متاريس أسعدنا انتصار الهلال على ملوك نواكشوط ، بعد أن تقدم الفريق الموريتاني الذي كان يبحث عن المحافظة على حظوظه في الفوز بالدوري، فسجّل في شباك الهلال في الدقيقة الثالثة ليدرك الهلال التعادل قبل نهاية الشوط الأول، ثم يسجل في بداية الشوط الثاني لتنتهي المباراة بانتصار الهلال. نتمنى أن ينجح فريق الجمارك في عرقلة نواذيبو، حتى يدخل الهلال لمرحلة الرفاهية. أنا شغوف جداً بالدوري الموريتاني، أتابعه على أعصابي.. عندما يتوّج الهلال إن شاء الله سوف نكتب عن هذا الإنجاز الكبير الكثير. مع الإرهاق الذي يعيشه الهلال وهو يلعب مباراة كل ثلاثة أيام، نجح في أن يحرم كينغس من حظوظه في الفوز بالدوري. ومع هذا الإرهاق، أتمنى قيام دوري السوبر السوداني ليجمع الهلال بإذن الله بين الدوريين السوداني والموريتاني في موسم واحد. الأستاذ خالد عزالدين كتب (فوز الهلال بالدوري الموريتاني إنجاز تاريخي يستحق أن توجه له كل الجهود في الوقت الراهن). أتمنى من مجلس إدارة الهلال اهتماماً أكبر بمباريات الهلال في المرحلة القادمة في الدوري الموريتاني، وأرجو من فلوران تثبيت إرنق والطيب عبدالرازق والحارس على الأقل في المباريات القادمة.. نقدر ظروف الإرهاق ونعرف صعوبة ثبات التشكيلة في ظل الإصابات الكثيرة التي يتعرض لها اللاعبون. أما خالد عزالدين، يشهد الله إنِّي أحبه، كيف لا وهو عندنا يمثل الهلال وفيه طعم الهلال ورائحته ولونه، لكن لا يعني ذلك أن لا نختلف معه. أنا لا أضع للكراهية والحب وزناً في الاختلاف أو الاتفاق. يعجنبي في خالد انه لا يكابر ولا يهاتر ولا يهادن ولا يقف عند الصغائر. صحفي آخر أقف عنده احتراماً وتقديراً وهو الأخ حسن فاروق الذي يكتب بمهنية ومنطق قوي وواضح وشيق.. حسن فاروق يدعم فلوران أو هو في الحقيقة يدعم الاستقرار ويكره الفوضى الفنية. الغربال سجّل والكاسر سجّل في آخر مباراة للهلال، وهذا خطرٌ أكيدٌ على المريخ. شيلوا شيلتكم. ... ترس أخير: أما أنتم.. شِيلوا الصَّبر بس.

الجندي الجبان يختبئ بين الخنازير في مسرحية "الروث"
الجندي الجبان يختبئ بين الخنازير في مسرحية "الروث"

Independent عربية

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • Independent عربية

الجندي الجبان يختبئ بين الخنازير في مسرحية "الروث"

حين تكون الحرب دفاعاً عن الوجود والشرف والكرامة، فلا بديل للجندي عن خوضها، طوعاً لا كرهاً، أما من يهرب خوفاً من الموت أو العقاب، فلا شرف ولا كرامة له، وحينها يكون مكانه الطبيعي وسط الخنازير، فكلاهما يليق بالآخر. قريباً من هذا المعنى تدور مسرحية "مكان مع الخنازير" للكاتب الجنوب أفريقي أثول فوغارد (11 يونيو 1932 - 8 مارس 2025) ذلك الكاتب المنحدر من أب أيرلندي الأصل، وأم زنجية، بحسب مترجم النص محمود أبو دومة، وكان من أكثر الرافضين لسياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والمناضلين ضدها، وهو ما تفصح عنه مواقفه وكتاباته. لقطة من المسرحية (خدمة الفرقة) ولعل من تابع مسيرة هذا الكاتب المناضل، يدرك أنه كان بالفعل، كما وصفوه "شعلة مضيئة في ظلام التمييز العنصري"، ولذلك انتصرت كتاباته دائماً للإنسان، في تطلعاته وأشواقه، وسعيه إلى التحرر والانعتاق من كل ما يكبله بالقيود، كما في مسرحياته، رباط الدم، وأغنية الوادي، وأطفالي لي أفريقيا لي، والزنزانة، والسيد هارولد، والأولاد، والناس يعيشون هناك، وغيرها، فضلاً عن روايته الشهيرة "تسوتسي" التي تحولت إلى فيلم سينمائي عام 2005، باللغة الزولوية، إنتاج المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا، نال جائزة الأوسكار كأفضل فيلم بلغة أجنبية. قدم نادي مسرح "الشاطبي" بالإسكندرية، عرض "الروث" المأخوذ عن مسرحية "مكان مع الخنازير" إعداد وإخراج محمد بسيوني، وشارك في المهرجان الختامي لـ"نوادي المسرح" في القاهرة، وحصل على المركز الثاني كأفضل عرض، كما حصل مخرجه على المركز نفسه، وبطله على جائزة أفضل ممثل. قصة واقعية استوحى أثول فوغارد مسرحيته من قصة واقعية بطلها جندي من الاتحاد السوفياتي السابق، هرب من الخدمة أثناء الحرب العالمية الثانية واختبأ في حظيرة للخنازير أربعة عقود. أدخل المعد بعض التعديلات على النص، وخصوصاً نهاياته، التي جاءت متعددة، إذ كانت هناك ثلاثة مشاهد، بدا اثنان منها حاسمين، وصالحين ليكونا نهاية للعرض. الأول عندما كان خارج الحظيرة متطلعاً إلى الشمس راغباً في الذهاب إلى المستقبل، بحسب تعبيره، والآخر عندما أطلق الخنازير من محبسها. ربما فعل المخرج ذلك رغبة في توسيع مساحة التأويل، وتعدد الإجابات على الأسئلة التي يطرحها العرض، وإن أحدث ذلك قدراً من التشوش لدى المتلقي. لقد هرب بافيل إيفانوفتش (مصطفى كرم) من الحرب بحثاً عن الدفء في بيته، وحنيناً إلى الجوارب الصوفية التي صنعتها له أمه، كان يخطط أن يمضي يوماً واحداً ويعود مجدداً لساحة القتال، لكنه جبن عن العودة، لتمر الأعوام وهو مختبئ في حظيرة الخنازير، التي تربيها زوجته براسكوفيا (ندى حسن). قصة حب (خدمة الفرقة) في كل عام ينوي بافيل الظهور أثناء الاحتفال بعيد النصر، وتسليم نفسه للقادة، لينال جزاءه، لكنه يتراجع، وهو في منفاه هذا لا يستنشق سوى الهواء الفاسد المشبع برائحة الخنازير، الفئران أكلت بزته العسكرية، وأهالي القرية يعتبرونه من الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء للوطن، وزوجته تتسلم وسام التضحية من الدرجة الأولى، الذي منحه له قادته، في أحد احتفالات عيد النصر، وسط بكاء معارفه وترحمهم عليه وإشادتهم ببطولاته وشجاعته. كلها ضغوط تعمق لديه الإحساس بالخزي والعار، حتى أنه يخرج ذات يوم مع زوجته ليرى الشمس ويستنشق الهواء النقي، متنكراً في زي امرأة. كلها علامات وإشارات تثقل على روحه، فلا يبقى أمامه سوى الجنون أو الانتحار، فإحساسه بالذنب، وفقاً لضغط عوامل داخلية وخارجية، يزداد، حد النزف الروحي. في نهاية العرض يفاجئنا المخرج بأن بافيل في مشفى للأمراض العقلية، نعلم أنه أصيب بالجنون وقتل زوجته، وأن كل ما دار أمامنا كان رحلة في عقل هذا الجندي، وهي، في ظني، نهاية أضعفت كثيراً من الشحنة العاطفية التي منحنا العرض إياها. المواجهة في الحظيرة (خدمة الفرقة) لقد أطلق بافيل، في لحظة حاسمة، الخنازير من الحظيرة ومنحها حريتها وحقها في الاختيار، هي لحظة بدا فيها كما لو كان وصل إلى حالة من التطهر والاعتراف بجرمه، حتى لو لم يفصح عن ذلك صراحة، وهنا كان العرض وصل إلى ذروته، ففي النص الأصلي، وبعد أن يطلق الخنازير من محبسها، يرتدي بزة الزواج، التي احتفظت بها زوجته، ويقرر الخروج إلى الشمس لمواجهة مصيره، لكن المخرج، وهو حر في اختياره، أراد تحقيق مزيد من الإشباع، أو منح المتلقي مزيداً من فرص التأويل، مع الأخذ في الاعتبار وجوب التعامل مع نص العرض، لا النص الأصلي، بمعنى أن المخرج غير ملزم بالنهاية التي وضعها المؤلف، وإن كانت النهاية هنا أغلقت الباب تماماً أمام فكرة تعدد التأويلات، إذ أصدر حكمه هو، وانتهى بالبطل إلى ذلك المشفى. انضباط درامي بعيداً من الاختلاف حول النهايات المتعددة، نجح المخرج في صياغة عرض منضبط، إلى حد ما، على مستوى الدراما، وكذلك الإيقاع، بخاصة أننا كنا بصدد إما حوار ثنائي، أو مونولوغ داخلي، غالبية الأوقات، ما يمكن أن يصيب العرض بشيء من الترهل، أو يصيب المشاهد بالملل، لكن اختيار ممثل موهوب (مصطفى كرم) في دور بافيل، جنب العرض ذلك كله، فقد أجاد التلوين في الأداء، والانتقال من حال إلى آخر، وكان واعياً بطبيعة الشخصية التي يؤديها، وأزمتها الوجودية، مدركاً أن بافيل هذا شخصية أخلاقية في الأساس، بدليل الشعور الجارح والقاتل بالذنب، شخصية تبعث على الرثاء والتعاطف. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) نجح مصطفى كرم، الذي نال جائزة أفضل ممثل في المهرجان، في القبض على جوهر الشخصية وقراءتها بتمعن، فجاء أداؤه ليس مقنعاً فحسب، ولكنه كان ممتعاً، على مستوى استخدام مفردات الجسد، والجهاز الصوتي، والحركة المترددة والخجول، إذا جاز الوصف، التي تعكس الشعور بالخزي والعار. ما لم يقله بلسانه قاله بتعبيراته الجسدية، أي إنه أسهم بصورة واضحة في صناعة الصورة المسرحية وتعميق الرسالة، مما يشير إلى وعيه بطبيعة المسرح، وأن الكلام المنطوق ليس كل شيء، فالمشاهد إذا أغمض عينيه هنا، تتعطل لديه القدرة على التلقي والتفسير. تعبيري وواقعي مزج المخرج بين الواقعية والتعبيرية، وهو ما انتهجه الديكور كذلك (تصميم أحمد بركات مع الأزياء والماسكات) بانوراما زرقاء في مستوى مرتفع، بها قمر مضيء، وفي المستوى الأول على اليمين باب الحظيرة وسرير للنوم، وفي اليسار حظيرة الخنازير التي جاءت عبارة عن سياج خشبي علقت حوله ماسكات تمثل وجوه الخنازير، وفي المقدمة ما يشبه الحديقة، التي جرى استخدامها في مشهد خروج بافيل وزوجته براسكوفيا لاستنشاق الهواء النقي بعيداً من الحظيرة. منظر واحد ثابت، باستخدام خامات بسيطة وغير مكلفة، جرى توظيفه في خدمة العرض وصورته، ووعي مصمم الإضاءة (معاذ مدحت) إلى الحالات المزاجية المتعددة التي يمر بها بافيل، والتحولات التي تطرأ على شخصيته، فجاءت إضاءته لتعكس ذلك كله، وتلفت نظر المشاهد إلى تلك اللحظات المتوترة التي يمر بها. العرض تمثيل موكا الجندي، في دور الفراشة، تأليف موسيقي شريف ياسر، وغناء ندى عادل، وأشعار هند يوسف، واستعراضات جيني الجندي، وماكياج مريم فياض ونانسي مجدي. أطلق المخرج على عرضه (THE DUNG) ووضع إلى جوارها "الروث" كترجمة عربية للكلمة، وهو أمر لا مبرر ولا ضرورة له، كان يكفي أن يكون "الروث" فقط، أو حتى العنوان الأصلي "مكان مع الخنازير" فالمسرح يخبرنا أن كل ما يمكن الاستغناء عنه يجب الاستغناء عنه من دون تردد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store