
أقوى امرأة في التاريخ الحديث
174
A+ A-
أصعب المواقف تلك التي يقف فيها القلم وحامله في حالة ذهول وحيرة في كيفيّة التعاطي مع بعض الأحداث الجسام، والمصائب العظام، والكوارث المهلكات!
وأعْقَد المواقف تلك المرتبطة بالإنسان، وأشدّها صعوبة تلك المتعلّقة بالمرأة ذلك الكائن الرقيق اللطيف المليء بالعاطفة والنقاء.
والكتابة عن تضحيات النساء وصبرهنّ مهمّة شاقّة ومرهقة لأنك تحاول الجمع بين الضعف والقوّة، والرقة والجلادة، والعاطفة والحزم، والابتسامة والدموع، وهذه تناقضات لا تُجْمَع بالهيّن.
وأرى من اليسير الكتابة عن سعادة النساء وابتسامتهنّ ورقتهنّ ودورهنّ الناصع في بناء الإنسان والأسرة والمجتمع، ولكن من العسير الكتابة عن ألم النساء ودموعهن وصرخاتهن وغيرها من مظاهر الأسى والألم.
وفي عالمنا اليوم أغلب ما يُذكر من أخبار وتقارير عن النساء يرتبط بثيابهنّ وعطورهنّ وآخر صرخات المودة في عوالم الأزياء!.
ولكن، ووسط هذا العالم المنشغل بأزياء المرأة وأدوات تجميلها، نجد أنّ المرأة الغزّية تُنْحر بلا رحمة، وبلا تمييز، ومع ذلك تستمرّ وتصبر وتضحّي وتسطّر أروع قصص الثبات والصمود!.
وقد أصدرت هيئة الأمم المتّحدة للمرأة يوم 20 أيّار/ مايو 2025 بيانا أعلنت فيه تقديراتها لعدد النساء والفتيات اللواتي قتلنّ في غزّة منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، واللواتي تجاوز عددهنّ 28 ألفا، بمعدل امرأة/ فتاة واحدة كلّ ساعة نتيجة الهجمات «الإسرائيلية»!.
وقالت الهيئة إنّ بين القتلى «آلاف الأمهات اللواتي تركنّ وراءهنّ أطفالا وعائلات ومجتمعات مدمّرة»، وكشفت عن أن أكثر من «مليون امرأة وفتاة يواجهنّ مستويات كارثية من الجوع، ومخاطر النزوح، وارتفاع معدلات وفيات الأمهات»!.
التضحيات الضخمة للنساء الفلسطينيات تدفعنا للوقوف بصمت وخجل نتيجة الكم الهائل من الثبات والصبر، ومنها الموقف النادر للدكتورة الغزّية «آلاء النجار».
هذه المرأة الإنسانة الطبيبة تستمرّ منذ أكثر من عام ونصف في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية لبنات جنسها، ورفضت الهروب من غزّة والعمل بشهادتها وخبرتها في أرقى مستشفيات المنطقة وآثرت خدمة أهلها وقضيتها.
والمعيب بحقّ قادة الكيان الصهيوني وجيشه تلك المجازر المستمرّة ضدّ الفلسطينيين المدنيين منذ نهاية عام 2023 والتي تزداد، مع الساعات، وحشية وهمجية، ورغم بشاعة كافة جرائم الاحتلال في عموم فلسطين فإن جريمتهم الضخمة بحق عائلة آلاء النجار في غزّة كانت الأشنع والأبشع!.
وقد قتلت قوّات الاحتلال تسعة أطفال للدكتور حمدي النجار وزوجته الطبيبة آلاء النجار (أكبرهم 12 عاما) بمدينة خان يونس جنوبي غزّة، وبقي واحد (آدم - 10 أعوام ) مع والده في العناية المركّزة.
وفقدت آلاء تسعة أبناء وبنات وهم: يحيى، وركان، ورسلان، وجبران، وإيف، وريفان، وسيدين، ولقمان، وسيدرا، والكبار منهم حافظون لكتاب الله.
ومع ذلك صبرت الأم «آلاء»، ولم تشق الثوب، ولم تلطم الخدود، ولم تشتك من قدرها بل صبرت وحوقلت وكتمت.
وهنا يتمايز الإيمان واليقين عن تجّار الوطن والقضية.
آلاء النجار تذكرنا بعدّة نساء سطر التاريخ أسماءهنّ لأنهن مثال للصبر والصمود، ومن بينهنّ تُماضر بنت عمرو بن الحارثِ السلمية، الشهيرة بالخَنْسَاء، واشتهرت برثائها لأربعة من أبنائها لأنّهم استشهدوا بمعركة القادسية (15 هـ).
وكذلك صفية بنت عبد المطلب، والمرأة الدينارية، ونسيبة بنت كعب، وغيرهنّ من النساء الصابرات النادرات.
وحينما نقارن آلاء النجار بأكثر امرأة فقدت من الأبناء في العصور القديمة والحديثة، العربية والإسلامية والأجنبية، نجدها لوحدها شامخة في ميادين الصبر لأنها فقدت تسعة من أبنائها في لحظة واحدة!.
والأهم أنها لم تشتك ولم تقل إلا كلمة واحدة بعد الكارثة، إلا وهي: «هم أحياء عند ربهم يرزقون».
هذه المرأة المتميّزة، والفريدة، والاستثنائية، والعجيبة، والمتفرّدة، والفذّة سيُنْقَش اسمها في كتب التاريخ الإنساني عبر العصور لأنها بحقّ امرأة لا تتكرّر.
يا أختاه، يا آلاء النجار: نحن متعاطفون معك غاية التعاطف، وأصابنا مصابك في جواهر أرواحنا، وصميم قلوبنا، إلا أن عزاءنا هو صبرك الفريد وإيمانك النقي وصلابتك النادرة.
أعانك الله على مصابك ومصابنا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الشرق
منذ يوم واحد
- صحيفة الشرق
أقوى امرأة في التاريخ الحديث
174 A+ A- أصعب المواقف تلك التي يقف فيها القلم وحامله في حالة ذهول وحيرة في كيفيّة التعاطي مع بعض الأحداث الجسام، والمصائب العظام، والكوارث المهلكات! وأعْقَد المواقف تلك المرتبطة بالإنسان، وأشدّها صعوبة تلك المتعلّقة بالمرأة ذلك الكائن الرقيق اللطيف المليء بالعاطفة والنقاء. والكتابة عن تضحيات النساء وصبرهنّ مهمّة شاقّة ومرهقة لأنك تحاول الجمع بين الضعف والقوّة، والرقة والجلادة، والعاطفة والحزم، والابتسامة والدموع، وهذه تناقضات لا تُجْمَع بالهيّن. وأرى من اليسير الكتابة عن سعادة النساء وابتسامتهنّ ورقتهنّ ودورهنّ الناصع في بناء الإنسان والأسرة والمجتمع، ولكن من العسير الكتابة عن ألم النساء ودموعهن وصرخاتهن وغيرها من مظاهر الأسى والألم. وفي عالمنا اليوم أغلب ما يُذكر من أخبار وتقارير عن النساء يرتبط بثيابهنّ وعطورهنّ وآخر صرخات المودة في عوالم الأزياء!. ولكن، ووسط هذا العالم المنشغل بأزياء المرأة وأدوات تجميلها، نجد أنّ المرأة الغزّية تُنْحر بلا رحمة، وبلا تمييز، ومع ذلك تستمرّ وتصبر وتضحّي وتسطّر أروع قصص الثبات والصمود!. وقد أصدرت هيئة الأمم المتّحدة للمرأة يوم 20 أيّار/ مايو 2025 بيانا أعلنت فيه تقديراتها لعدد النساء والفتيات اللواتي قتلنّ في غزّة منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، واللواتي تجاوز عددهنّ 28 ألفا، بمعدل امرأة/ فتاة واحدة كلّ ساعة نتيجة الهجمات «الإسرائيلية»!. وقالت الهيئة إنّ بين القتلى «آلاف الأمهات اللواتي تركنّ وراءهنّ أطفالا وعائلات ومجتمعات مدمّرة»، وكشفت عن أن أكثر من «مليون امرأة وفتاة يواجهنّ مستويات كارثية من الجوع، ومخاطر النزوح، وارتفاع معدلات وفيات الأمهات»!. التضحيات الضخمة للنساء الفلسطينيات تدفعنا للوقوف بصمت وخجل نتيجة الكم الهائل من الثبات والصبر، ومنها الموقف النادر للدكتورة الغزّية «آلاء النجار». هذه المرأة الإنسانة الطبيبة تستمرّ منذ أكثر من عام ونصف في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية لبنات جنسها، ورفضت الهروب من غزّة والعمل بشهادتها وخبرتها في أرقى مستشفيات المنطقة وآثرت خدمة أهلها وقضيتها. والمعيب بحقّ قادة الكيان الصهيوني وجيشه تلك المجازر المستمرّة ضدّ الفلسطينيين المدنيين منذ نهاية عام 2023 والتي تزداد، مع الساعات، وحشية وهمجية، ورغم بشاعة كافة جرائم الاحتلال في عموم فلسطين فإن جريمتهم الضخمة بحق عائلة آلاء النجار في غزّة كانت الأشنع والأبشع!. وقد قتلت قوّات الاحتلال تسعة أطفال للدكتور حمدي النجار وزوجته الطبيبة آلاء النجار (أكبرهم 12 عاما) بمدينة خان يونس جنوبي غزّة، وبقي واحد (آدم - 10 أعوام ) مع والده في العناية المركّزة. وفقدت آلاء تسعة أبناء وبنات وهم: يحيى، وركان، ورسلان، وجبران، وإيف، وريفان، وسيدين، ولقمان، وسيدرا، والكبار منهم حافظون لكتاب الله. ومع ذلك صبرت الأم «آلاء»، ولم تشق الثوب، ولم تلطم الخدود، ولم تشتك من قدرها بل صبرت وحوقلت وكتمت. وهنا يتمايز الإيمان واليقين عن تجّار الوطن والقضية. آلاء النجار تذكرنا بعدّة نساء سطر التاريخ أسماءهنّ لأنهن مثال للصبر والصمود، ومن بينهنّ تُماضر بنت عمرو بن الحارثِ السلمية، الشهيرة بالخَنْسَاء، واشتهرت برثائها لأربعة من أبنائها لأنّهم استشهدوا بمعركة القادسية (15 هـ). وكذلك صفية بنت عبد المطلب، والمرأة الدينارية، ونسيبة بنت كعب، وغيرهنّ من النساء الصابرات النادرات. وحينما نقارن آلاء النجار بأكثر امرأة فقدت من الأبناء في العصور القديمة والحديثة، العربية والإسلامية والأجنبية، نجدها لوحدها شامخة في ميادين الصبر لأنها فقدت تسعة من أبنائها في لحظة واحدة!. والأهم أنها لم تشتك ولم تقل إلا كلمة واحدة بعد الكارثة، إلا وهي: «هم أحياء عند ربهم يرزقون». هذه المرأة المتميّزة، والفريدة، والاستثنائية، والعجيبة، والمتفرّدة، والفذّة سيُنْقَش اسمها في كتب التاريخ الإنساني عبر العصور لأنها بحقّ امرأة لا تتكرّر. يا أختاه، يا آلاء النجار: نحن متعاطفون معك غاية التعاطف، وأصابنا مصابك في جواهر أرواحنا، وصميم قلوبنا، إلا أن عزاءنا هو صبرك الفريد وإيمانك النقي وصلابتك النادرة. أعانك الله على مصابك ومصابنا.


صحيفة الشرق
منذ 2 أيام
- صحيفة الشرق
برّهم واجب لا جائز
مقالات 99 من كانت له أم على قيد الحياة وأب لا يزال أمام عينيه فهي النصيحة الأغلى التي أنصح نفسي وأنصحكم بها، وهي اهتموا بالوالدين محافظتكم على عيونكم التي ترونهم بها فقد آلمتني قصص طويلة تمر علي وأنا أقلب وسائل التواصل الاجتماعي عن تلك القسوة والتجبر والإجرام الذي وصل لقلوب بعض الأبناء في قتل الوالدين أو رميهما في دار المسنين أو التململ من وجود الأم في منزل ولدها المتزوج أو ابنتها المتزوجة والتفكير بالتخلص منهما أو من أحدهما، وربما يقول قائل منكم لكن هذه الأمور والحوادث لا تحدث في بلادنا ولله الحمد لكن العقوق يحدث بيننا من الأبناء ذكورا وإناثا، وهذا أمر لا يجب إنكاره ولا اقتصاره بيننا قط ولكن في جميع العالم، ولكني كما تعلمون في مواضيع مقالي ودعوني أقول لكم سرا عني وهو أنه يمكن لي موقف يمر أمام أنظاري أن يشعل فتيل الإلهام في داخلي فيجعلني أتوسع في المقال من فكرة عابرة لموضوع يمكن أن يأخذ أبعادا أكبر . ولذا سوف أذكر لكم ما حدث أمامي بالأمس حيث كانت ابنة شقيقي تدرس وتتابع مع صديقتها من خلال الهاتف وكانت تضعه على مكبر الصوت نظرا لتتبعها في الكتاب وكتابة الملاحظات على النقاط التي كانتا تتناقشان فيها ولم أهتم حقيقة بهذا الوضع لولا أن ابنة شقيقي حضرت لي وقالت لي من باب القرب النفسي الذي بيني بينها قبل أن تكون هناك القرابة الأسرية وأخبرتني أن صديقتها فلانة قد نهرت والدتها وهي معها على الهاتف بأسلوب وصفته بأنه قليل أدب ولا يجوز لهذه الابنة أن تفعله مع أمها بهذه الصورة المهينة، والحقيقة أنني حين عرفت الوصف قد شهقت استنكارا وغضبا فليس من المعقول أن تصل الأمور إلى هذا الحد المؤسف رغم أن والدة صديقتها إنسانة تبدو عليها الطيبة والحنية على وصف ابنة شقيقي التي رأتها مرارا فقلت لها وإن لم تكن طيبة فهل يجوز أن تعاملها بهذه الطريقة التي تقلل فيها من احترامها كأم لها ؟! ماذا يعني أن تكون والدتي قاسية فهذا طبع لا يمكن حتى أن ينقص من درجتها شيئا؟! ماذا يعني أن أصف والدتي بهذا الوصف الخالي من التهذيب وعلى مرأى صديقتي وكأنني أتفاخر بقوتي على كائن قد أنزل الله فيه آية من فوق سبع سماوات يقول فيها ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) فمن أنت يا أيها الإنسان لتحاول الإساءة لمكانة قد كرّم الله صاحبها بآيات عدة ؟!. هناك أبناء عدة توفى الله أمهاتهم وآباءهم يتمنون لو يعود الزمن بهم لبر هؤلاء الآباء فما هو عذر الذين يعصون والديهم من الذين لا يزالون على قيد الحياة ؟! أليس من الأجدر أن نطيعهم في وقت لا يزال أحد أبواب الجنة مفتوحا لنا بدعاء والدينا فإذا ما ماتوا أُقفل هذا الباب فما ينفع الندم حينها؟. وإنني والله لأجد في نفسي حزنا عميقا على ما بتنا نسمعه ونراه من تبرم الأبناء من سلوك والديهم أو حرصهم عليهم أو أن أقرأ عن شكوى فتاة على أبيها قانونيا مما يراه هو حرصا وخوفا عليها وتراه هي تسلطا وتقييدا لحريتها فاتقوا الله في معاملة الوالدين فهما مخلوقان قد عاشا لأجل إسعادكم وتربيتكم وتنشئتكم وتعليمكم وإلباسكم وإطعامكم لتناموا في راحة وتستيقظوا براحة وحرما أنفسهما من لذة اللقمة ولذة العيش لتستأثروا بهما فهل هذا هو الجزاء الذي ينتظرانه منكم بعد كل هذه السنين وذاك الشقاء والتعب والسهر ؟! لا أريد أن أبدو مثل الذي يكتب موضوعا إنشائيا مدرسيا محشوا بالعبارات والاستعارات والتشبيهات وبأسلوب النصح العقيم ولكني فعلا أذكر نفسي وأحببت أن أذكركم بأننا قد نستهين الكلمة والحرف والأسلوب ونستصغر رفع الصوت والحدة التي تشوبه ونحن نحدث آباءنا ونحسبه هينا وهو عند الله عظيم دون أن نشعر فاللهم ارحم أمواتكم من آبائكم وأمهاتكم فاستغفروا لهم وادعوا لهم دعاء الولد الصالح وصلوا أرحاما كانوا يصلونها في حياتهم وأطل في عمر الأحياء منهم وأعنا على برهم ما حيينا يا الله.


صحيفة الشرق
منذ 5 أيام
- صحيفة الشرق
هذه صفية
321 كثيرًا ما تختلط المفاهيم لدى المرء، فيتمثّل المغلوط منها وهو يحسب أنه يحسن صنعا، كأن يرى الشجاعة تعريض نفسه للمخاطر، ويرى الإسراف في الترف سخاءً، ويرى التشدد ورعًا. ومن مسالك الفهم التي يحدث فيها اللبس، أن لا يعبأ المرء بأن يكون في مرمى التهم التي هو بريء منها، ولا يدفع عن نفسه سوء ظن الآخرين، معللا ذلك بالثقة في النفس، فطالما أنه يثق في نفسه ونزاهتها فلا يضره نظرة الآخرين إليه، مهما كانت مدفوعة بسوء الفهم والالتباس. وهذا المسلك مردّه إما إلى ضعف الإدراك وقلة الفهم، أو يكون ناتجا عن مسحة من الكبر يتلبس بها المرء، تجعله يترفع عن ابتعاده عن مواطن التهمة أو تبرئة ساحته أمام الناس، فيؤثِر أن يُساء به الظن على أن يوضح للآخرين ويدفع عن نفسه التهمة. ولا ريب أنه مسلك مجانب للصواب، فالآخرون لا يطلعون على النوايا والمقاصد، ويحكمون على الظاهر بما تراه الأعين وتسمعه الآذان، فإذا وضع المرء نفسه موضع الريبة ولم يسع إلى دفعها أو تبرئة ساحته، فإنه قد يسقط من أعين الناس بغير وجه حق، وربما تناقلوا شأنه فيما بينهم، ويتحاملون عليه بقلوبهم إن لم يكن بأفعالهم، فيفتح بذلك بابا للشرور وهو يظن أنه يحسن صنعا، ولذلك يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن». فعلى المرء ألا يعرض نفسه ابتداء لموضع التهمة، فإن تعرض للاتهام بغير وجه حق فعليه أن يبين للناس حتى لا يقعوا في عرضه ونزاهته. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فبينما كان معتكفا في مسجده، أتته زوجته أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها تزوره ليلا، فقام معها ليوصلها إلى منزلها، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا في مشيتهما، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما) أي: امشيا على هيئتكما ولا تسرعا، (إنها صفية بنت حيي). هنا قال الرجلان: «سبحان الله يا رسول الله»، أي كيف لنا أن نظن بك غير الخير وأنت رسول الله وصفوة عباده، فبيّن لهم العلة من البيان: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا). لم يركن النبي صلى الله عليه وسلم إلى علو قدره وتزكية ربه إياه بأنه على خلق عظيم، بل أوضح وبيّن، مُعلمًا أمته كيف يتصرف العبد في مثل هذا الموطن. ينبغي على الإنسان أن يتحرز مما يسبب التهمة، وأن يدفع ما يلحقه من اتهامات، لئلا يُظن به ظن السوء وهو منه براء. ويتأكد هذا المسلك في حق من يقتدي به الناس ويتبعونه أو يقعون في نطاق تأثيره، من علماء وأعيان ومسؤولين، وإلا غابت القدوة العملية بين الناس، ولذلك قال العالم الجليل ابن دقيق العيد في هذا الشأن: «وهذا متأكد في حق العلماء، ومن يُقتدى بهم»، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. مساحة إعلانية