
ما بعد الحرب على إيران: هل يتحوّل العرب الى دافعي جزية؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
في مقال نُشر في 13 أيار 2025، حذّرنا من أن سقوط المشرق العربي سيشكّل مدخلاً لمشروع إسرائيلي أوسع، يستهدف دول الخليج اقتصاديًا وسياسيًا، عبر فرض شراكات غير متكافئة، واختراق القرار السيادي من بوابة ما يُسمّى بـ«مرحلة ما بعد الحرب». واليوم، مع العدوان الإسرائيلي على إيران، تؤكّد النخب الإسرائيلية ذاتها هذه الرؤية بأسلوب فجّ وصادم.
ففي تغريدة علنية كتبها الباحث الإسرائيلي المعروف مئير مصري، جاء ما يلي: «انتهى عصر التطبيع مع إسرائيل بالمجان. بعد الحرب، سوف نطالب المطبعين العرب بدفع الجزية.» وردّ عليه إيدي كوهين، أحد أبرز وجوه الدعاية الإسرائيلية، قائلًا: «الفرق أنه بعد الحرب، العرب سيدفعون الجزية مباشرة لنا، وليس عن طريق الأميركان كما هو الآن. أتفق معك».
هذه العبارات، وإن أتت بصيغة إعلامية استفزازية، إلا أنها تعبّر عن تحوّل جذري في الخطاب الإسرائيلي: من الحديث عن «السلام» إلى الحديث عن «الجزية»، أي عن علاقة غير متكافئة قوامها الهيمنة والاستغلال. لم يعد الخطاب الإسرائيلي يتحدث عن «تقاطع مصالح» أو «شراكات إقليمية»، بل عن ترتيبات جديدة تقوم على الإملاء المالي والسياسي.
أصبحت الدول العربية، لا سيما الخليجية، مطالبة بدفع ثمن التقارب مع إسرائيل بالأموال، والاستثمارات، والتنازلات السيادية. والخطير في هذه التصريحات ليس فقط ما تحمله من ازدراء ضمني، بل كونها تعبّر عن تصوّر استراتيجي آخذ بالترسخ داخل الأوساط الإسرائيلية، يرى أن نتائج الحرب على غزة وبيروت وتلك الجارية عبر العدوان على إيران، بما حملته وقد تحمله من تغييرات وسقوط رموز من محور المقاومة، فرصة لفرض وقائع جديدة ليس فقط في سوريا ولبنان وفلسطين، بل على امتداد الخارطة العربية.
هذا وتبدو إسرائيل واثقة من أن مرحلة ما بعد الحرب سوف تفتح لها الباب نحو الخليج كمجال نفوذ مفتوح. ويتقاطع ذلك مع مشاريع إعادة الإعمار، خصوصًا في سوريا وغزة، حيث تسعى إسرائيل إلى دخول هذه السوق عبر البوابة الدولية، بدعم أميركي مباشر. كذلك تسارع الاتفاقات الاقتصادية ذات الطابع الإلزامي، والتي تتجاوز البروتوكول لتطال ملفات الطاقة، والمياه، والأمن السيبراني، إلى جانب استثمار متزايد في أدوات النفوذ الناعم.
ما يجري اليوم ليس سوى امتداد محدث لعقيدة بريجنسكي التي هدفت إلى تفتيت الكتل الجيوسياسية في الشرق الأوسط عبر الحروب بالوكالة، وتفكيك الأنظمة المركزية لتُعاد صياغة المنطقة وفق مصالح واشنطن وحلفائها. كذلك يتقاطع مع مرتكزات «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي طُرح عقب غزو العراق، حيث كان يُراد تحويل الكيانات العربية إلى كيانات ضعيفة، تحكمها شبكات أمنية واقتصادية تدور في فلك الحلف الأميركي ـ الإسرائيلي.
لذا، إن ما تشهده المنطقة من تصعيد إسرائيلي غير مسبوق ضد إيران لا ينبغي أن يُقرأ بمنظار الخلافات العقائدية أو الحسابات، فالحرب على إيران في جوهرها، ليست حربًا على نظام، بل محاولة لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة بما يخدم المشروع الإسرائيلي، ويُقصي أي قوة إقليمية قادرة على الوقوف في وجهه، سواء كانت عربية أو غير عربية.
وعليه، فإن على العواصم العربية، لا سيما الخليجية، أن تتجاوز الخلافات التاريخية والحساسيات المذهبية مع إيران، لأن ما يُراد فرضه بعد هذه الحرب سيطال الجميع دون استثناء. فالمخطط الإسرائيلي كما بيّنا سابقًا، لا يهدف فقط إلى تحجيم إيران، بل إلى إخضاع المنطقة برمّتها لتراتبية أمنية واقتصادية تكون فيه إسرائيل في القمة، والدول العربية في موقع التابع الذي «يدفع الجزية» مقابل البقاء في دائرة الرضى الغربي.
إن المسؤولية التاريخية والسيادية تقتضي من الدول العربية التحرك العاجل للضغط على العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، من أجل وقف الحرب الإسرائيلية، والتحذير من أن استمرار العدوان لن يخلّ بتوازنات القوة فحسب، بل سيفتح أبواب الفوضى الكبرى التي لن ينجو منها أحد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 4 ساعات
- الديار
نقل مركز أمن عام بيروت من السوديكو الى الكرنتينا
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعلنت المديرية العامة للأمن العام في بيان لها أمس أنه سيتم "نقل دائرة ومركز أمن عام بيروت من مقرّها الحالي في منطقة السوديكو، إلى مقرّها الجديد في منطقة الكرنتينا - الطريق العام - قبل فوج إطفاء بيروت، وذلك خلال الفترة الممتدة من يوم الخميس الموافق 26 حزيران 2025 وحتى يوم الاثنين الموافق 30 حزيران 2025. يرجى العلم بأنه سيتم تعليق استقبال المواطنين في المركز القديم خلال فترة الانتقال هذه، على أن يستأنف الاستقبال في المقر الجديد ابتداءً من يوم الاثنين الواقع في 30 حزيران 2025".


الديار
منذ 4 ساعات
- الديار
"الحريّة الإعلاميّة لا تمسّ بالثوابت الوطنيّة" الموسوي عن "ستارلينك": هناك نوع من الاستعجال لدى وزارة الاتصالات في بعض الأمور... ومن الضروري التروّي
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أشار رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب إبراهيم الموسوي، بعد جلسة للجنة في البرلمان، إلى أنّ الجلسة ركّزت على "الخطاب الاعلامي، واؤكد ان اللجنة والجهات المعنية ليست بصدد ضبط الخطاب الاعلامي أو كم الأفواه والتعرض للحريات، ولبنان كان وما يزال وسيبقى بلد حرية الرأي والتعبير، وعندما نتحدث عن حرية الرأي والتعبير فإننا نتحدث عن الحرية المسؤولة، الحرية التي لا تمس بالثوابت الوطنية والتي لا تؤدي إلى تعكير صفو السلم الأهلي او الاستقرار الاجتماعي". ولفت إلى أنّ "من هنا كان النقاش مستفيضا حول التفلت الذي حصل في الآونة الأخيرة، ما أثار حفيظة العديد من المسؤولين ومنهم وزير الإعلام بول مرقص، الذي اصدر تعميما حث فيه كل الجهات المسؤولة على تولي مسؤوليتها، لان ذلك يمكن ان يؤدي إلى كثير من الشحن والتوتير الطائفي ونحن بغنى عنه، لا سيما اننا في مرحلة حساسة وخطرة من عمر هذه البلاد ووصل الحد بالبعض إلى حد التواصل مع العدو ووصل الحد إلى حد استدعاء العدوان الاسرائيلي". وشدد الموسوي على أنّه "يجب ان تتضافر الجهود من جهات عديدة، من وزارة الاعلام ومن نقابتي الصحافة والمحررين ومن وزارة التربية ومن وزارة الثقافة، والاهم من جانب القضاء وجانب النيابات العامة". وذكر أنّ "في شأن آخر جرى التطرّق إلى قانون الإعلام الجديد، الذي لم يصدر بعد وجرى نقاشه في لجان عديدة وأريد القول إننا لم نصل إلى قانون إعلام عادل ومتقن، وليس هناك امكان حقيقي للوصول إلى هكذا قانون، والقانون الحالي تعتريه الكثير من الثغر والكثير من الشوائب قبل ان يقر، ونحن سنقوم بدورنا وطلبنا من نقابتي المحررين والصحافة ان يأتوا بكل ملاحظاتهم، وكان لوزير الاعلام ايضا ملاحظاته، وسوف نتابع هذا الموضوع من اجل ان نضمن قانون إعلام جديد وعصري، ويستطيع ان يساعد اللبنانيين والمؤسسات الإعلامية على الإدلاء بآرائهم والتعبير عن رأيهم". وأوضح أنّ "في موضوع ستارلينك، أقول موضوع الاتصالات هو موضوع خطر على مستوى السيادة الوطنية، وهو اساسي على مستوى الامن الاجتماعي والأمن الوطني والأمن القومي والاقتصادي"، مضيفًا "هناك نوع من الاستعجال لدى وزارة الاتصالات في انجاز بعض الامور التي اعتقد انه من الضروري التروي قبل اقرارها، وان اعطاء اي رخصة لأي شركة اتصالات يحتاج إلى قانون في مجلس النواب".


الديار
منذ 4 ساعات
- الديار
واشنطن أوقفت مجموعة عمل للضغط على موسكو
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب قال مسؤولون أمريكيون إنه تم إيقاف مجموعة عمل مشتركة بين الوكالات، كانت قد أنشأتها لصياغة استراتيجيات تهدف إلى الضغط على روسيا من أجل تسريع وتيرة محادثات السلام مع أوكرانيا. وذكر المسؤولون أن هذا الجهد، الذي أطلق في الربيع، بدأ يتلاشى في شهر مايو، بعدما أصبح واضحا للمشاركين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يرغب في تبني موقف أكثر تشددا تجاه موسكو. وعلى الرغم من أن ترامب تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في أوكرانيا في اليوم الأول من رئاسته، إلا أنه عبر في الأشهر الماضية عن إحباطه من عدم إحراز أي تقدم ملموس، وبدأ يلمح إلى إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من جهود الوساطة بشكل كامل. وأضاف المسؤولون أن هذا التوجه جعل مهمة مجموعة العمل تبدو بلا جدوى على نحو متزايد. وقال أحدهم: "فقدت المجموعة زخمها في النهاية لأن الرئيس لم يكن حاضرا. وربما بدلا من أن يفعل المزيد، كان يريد أن يفعل أقل". وأشار المسؤولون إلى أن إنهاء عمل مجموعة العمل التي لم يكشف عن وجودها سابقا، قد يزيد من قلق الحلفاء الأوروبيين حيال لهجة ترامب التصالحية أحيانا تجاه روسيا، وتردده في إبداء دعم واضح لأوكرانيا، وذلك قبل انعقاد قمة حاسمة لحلف شمال الأطلسي في وقت لاحق من هذا الشهر. وتم توجيه الضربة القاضية لمجموعة العمل قبل نحو ثلاثة أسابيع، حين أقيل معظم أعضاء مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بما في ذلك الفريق الكامل المعني بالحرب في أوكرانيا، في إطار عملية تطهير واسعة النطاق، بحسب ما أفاد به المسؤولون. وأوضحوا أن مجموعة العمل أنشأها كبار موظفي مجلس الأمن القومي (NSC) وقاموا بتنسيق أعمالها، وشارك فيها ممثلون عن وزارة الخارجية، ووزارة الخزانة، ووزارة الدفاع (البنتاغون)، وأجهزة الاستخبارات. وضمت المجموعة أندرو بيك، كبير مسؤولي مجلس الأمن القومي لشؤون أوروبا وروسيا، والذي تمّت إقالته في شهر أيار. ولم يتضح على وجه التحديد من الذي أصدر قرار حل المجموعة، إلا أن المسؤولين رجحوا أن تخفيض عدد موظفي مجلس الأمن القومي بهذا الشكل جعل استمرارها أمرا غير ممكن فعليا. ومنذ تفكيك المجموعة، واجهت جهود ترامب الأوسع نطاقا لتحقيق السلام — والتي كانت من أبرز وعوده الانتخابية — مرحلة شديدة الصعوبة. فعلى الرغم من تحقيق بعض النجاحات، مثل وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان بوساطة أمريكية، إلا أن ترامب لم يحقق أي تقدم ملموس في ملف غزة، بينما تسارعت وتيرة التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط مع تصاعد المواجهة بين "إسرائيل" وإيران. كما جاء حل مجموعة العمل بعد أن علقت بعض الوكالات الأمنية الأمريكية، في مارس الماضي، مشاركتها في جهد منسّق لمواجهة عمليات التخريب الروسية وحملات التضليل الإعلامي، بحسب ما ذكرته وكالة "رويترز" في حينه.