
هل تريد أوكرانيا وروسيا فعلاً إنهاء الحرب؟
في الآونة الأخيرة، كثرت المقارنات بين الحرب الدائرة في أوكرانيا، والحرب الكورية التي اندلعت في أوائل خمسينيات القرن الماضي.
فالحرب الكورية انتهت دون منتصر واضح، حيث توقفت الأعمال العدائية بتوقيع هدنة في عام 1953، دون أن يتبعها معاهدة سلام رسمية، مما أبقى شبه الجزيرة الكورية في حالة حرب تقنية، معلّقة في هدنة غير مستقرة، ومقسّمة على طول خط العرض 38.
فهل يمكن أن تسير أوكرانيا نحو نتيجة مماثلة؟
في العديد من الجوانب، يعكس الجمود الحالي ديناميكيات الحرب الكورية. فكوريا الشمالية اعتمدت على دعم الصين والاتحاد السوفياتي، بينما دعمت الولايات المتحدة كوريا الجنوبية. وبعد سلسلة من الهجمات والهجمات المضادة، تباطأت وتيرة الصراع إلى حرب استنزاف، مما أدّى إلى مفاوضات هدنة استمرّت عامَين.
اليوم، تقاتل روسيا، مدعومة من الصين، في أوكرانيا، التي يدعم جيشَها حلفاؤها الغربيون. في العام الماضي، تباطأت وتيرة الصراع، ولم تعد خريطة الخطوط الأمامية تشهد تغييرات دراماتيكية.
لكن، وعلى عكس الحرب الكورية، تبدو احتمالات التوصل إلى هدنة هنا ضئيلة بعد ثلاث سنوات من القتال. فالهجوم الدبلوماسي والسياسي الذي شنّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإجبار الطرفين على وضع أسلحتهم، لم يؤتِ ثماره.
كلا الجانبين يتحدثان عن هدنة، لكنهما يتصرّفان كما لو أنهما يريدان استمرار الحرب.
في يوم الأحد، صُبّت جرعة جديدة من الوقود على النار.
أطلقت أوكرانيا سلسلة من الضربات الدقيقة والمدمرة والمؤلمة إستراتيجيًا ضد المطارات العسكرية الروسية. ويُقال إن الأضرار التي لحقت بها تصل إلى 7 مليارات دولار. تم استهداف 41 طائرة- حوالي ثلث أسطول القاذفات الإستراتيجية الروسية. بالتوازي، انهار جسران في منطقتين روسيتين متاخمتين لأوكرانيا، مما أدى إلى خروج القطارات عن مسارها؛ وقالت السلطات المحلية إنها تشتبه في حدوث تخريب.
قبل أسبوع من ذلك، أرسلت روسيا سربًا من أكثر من 900 طائرة بدون طيار وعشرات الصواريخ، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 16 مدنيًا، بينهم ثلاثة أطفال، في أوكرانيا. وفي يوم الاثنين، أطلق الجيش الروسي وابلًا من الصواريخ إلى عمق الأراضي الأوكرانية، مستهدفًا معسكر تدريب للجنود فقُتل 12 شخصًا.
يبدو أن توقيت هذه الهجمات قد تم اختياره عمدًا. فقد جاءت قبل المرحلة الأخيرة من محادثات السلام، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت مثل هذه الإيماءات تهدف إلى تعزيز موقف كل جانب في المفاوضات، أو تقويض العملية برمتها.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يكثف فيها الجانبان الهجمات عند اقتراب المحادثات. في العام الماضي، وقبل أن تبدأ موسكو وكييف التفاوض على هدنة جزئية، شنت أوكرانيا توغلًا في كورسك. فشلت الجهود المبذولة لجلب الجانبين إلى طاولة المفاوضات.
هذه المرّة، اختارت روسيا التقليل من شأن الانفجارات التي وقعت يوم الأحد 1يونيو/ حزيران الجاري في عمق أراضيها. اعترفت وزارة الدفاع الروسية على مضض بأن "عدة وحدات من الطائرات اشتعلت فيها النيران"، لكنها لم تصدر تهديدًا صريحًا بالانتقام. بدلًا من تقديم احتجاج رسمي، توجه أعضاء الوفد الروسي إلى إسطنبول لإجراء مفاوضات مع نظرائهم الأوكرانيين.
في يوم الاثنين، التقى الجانبان وتمكّنا من التوصل إلى اتفاق بشأن مسألتين: تبادل الأسرى بما لا يقل عن 1000 جندي من كل جانب، والعودة المحتملة لـ 10 أطفال أوكرانيين تم اختطافهم من قبل السلطات الروسية.
لم يكن هناك تقدم بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار. كان من الواضح أن موسكو وكييف غير مستعدتين لمحادثات جادة. لدى القيادة في العاصمتين أسبابهما لتجنب إصدار أمر بوقف إطلاق النار.
لقد أظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرارًا وتكرارًا، أنه لن يسمح للآخرين بفرض شروط عليه؛ فهو يفضل تحديدها بنفسه. بصفته المهندس الرئيسي لهذه الحرب، يحصل على كل ما يريد: توسيع النفوذ السياسي، مكاسب إقليمية، وصراع طويل الأمد يعزز صورته في الداخل. يبدو أنه مستعد لتعذيب أوكرانيا ما دامت أنها بقيت هي – أو هو – على قيد الحياة.
من جانبه، ليس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من النوع الذي يستسلم أو يتراجع. وبغض النظر عن شجاعته وعناده، من الواضح أن الحرب أعطته ما لم يستطع السلام أن يقدمه: الشعبية الدائمة، التدفق المستمر للمساعدات الدولية، والسيطرة القوية على السلطة.
إذا رأى الأوكرانيون أن الهدنة المبرمة مع روسيا شكل من أشكال الاستسلام، فقد لا تستمر رئاسة زيلينسكي لأشهر، وربما حتى لأسابيع. هذا الخطر يثقل كاهله.
في غضون ذلك، يبدو أن الغرب مستعد لتوفير الموارد لمواصلة الجهد الحربي، مما يمنح كييف مزيدًا من الثقة. في 3 يونيو/ حزيران، ضرب الجيش الأوكراني جسر كيرتش في شبه جزيرة القرم، وهو هيكل شيدته روسيا بعد ضمها غير القانوني لشبه الجزيرة الأوكرانية. يعد الجسر رمزًا لطموح بوتين الإمبراطوري وشريانًا إستراتيجيًا يربط روسيا بالقرم المحتلة. من المؤكد أن الهجوم عليه سيستدعي ردًا.
ما هو شكل هذا الرد؟.. سنعرفه على الأرجح قريبًا.
لقد رفعت أوكرانيا من رهاناتها على الدعم الغربي. قد تدخل الحرب مرحلة جديدة وأكثر خطورة: مرحلة لا تحددها الخطوط الأمامية، بل الهجمات الرمزية والانتقام الساحق.
إعلان
بالنسبة للعديد من الأوكرانيين العاديين، تحوّل الأمل الهش في إمكانية توقف القتال إلى شعور قاتم بأن الحرب ستستمر لأشهر، إن لم يكن لسنوات.
من بيننا متفائلون يعتقدون بقوة أن أوكرانيا ستنتصر في النهاية. وعلى الجانب الآخر، هناك متشائمون يجادلون بأن هزيمة عدو يفوقنا حجمًا وقوة عسكرية وإيرادات ضخمة من مبيعات الهيدروكربونات، هو أمر مستحيل.
السياسة والحرب ليستا عن العدالة أو الأخلاق. الحرب تتغذى على الأرواح البشرية. تستمر ما دام القادة يغضون الطرف عن معاناة شعوبهم.
في الوقت الحالي، لا توجد علامة على أن القيادات الأوكرانية والروسية مستعدة للتوصل إلى حلّ وسط. وهذا لا يبشّر بالخير للأوكرانيين العاديين الذين يتحمّلون وطأة هذه الحرب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
الرئيس البرازيلي يقترح مبادرة جديدة لإنهاء حرب أوكرانيا
قدم الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا السبت، مقترحا للأمم المتحدة ينص على تشكيل قناة وساطة جديدة في مسعى لإيجاد نهاية للحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا منذ أكثر من 3 أعوام. ودعا دا سيلفا الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة من دول غير منخرطة في الحرب الروسية الأوكرانية وتكليفها السعي لإيجاد حل لهذا النزاع، دون أن يسميَ دولا بعينها. وتأتي هذه المبادرة التي أطلقها الرئيس البرازيلي في مؤتمر صحفي خلال زيارته فرنسا، عقب حديث نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع عن "دور بالغ الأهمية" للبرازيل في إنهاء الحرب. وتجري موسكو وكييف محادثات سلام مباشرة في إسطنبول فشلت حتى الآن، في التوصل إلى هدنة، كما لم يتمكن أي من الطرفين في حسم الحرب المستمرة بينهما عسكريا لصالحه. وقال لولا "يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دورا رئيسيا في هذه المسألة من جديد"، واصفا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه "رجل طيب". وأضاف أنه ينبغي على الأمين العام للأمم المتحدة "اقتراح مجموعة أصدقاء" على كل من الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين"للتحدث إليهما والاستماع إلى الحقائق ذات الصلة منهما، ثم بناء بديل". وتابع "ما أقترحه هو إنشاء لجنة من دول غير مشاركة في الحرب للتحدث إلى زيلينسكي وبوتين". وأوضح "لن يحصل أي من الطرفين على ما يريده، لكن بإمكانهما الحصول على ما هو ممكن"، مضيفا "لا 100% من موقف زيلينسكي ولا 100% من موقف بوتين". وعلى عكس معظم الدول الأوروبية، يحافظ لولا على علاقات ودية مع موسكو، وقد التزم الحياد تجاه الهجوم على أوكرانيا. وكشف لولا الذي تستضيف بلاده قمة مجموعة دول بريكس في ريو دي جانيرو في يوليو/تموز المقبل، أن بوتين دعي إلى القمة رغم صدور مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني إلى روسيا.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
إلى أين يقود التصعيد الحالي الحرب الروسية الأوكرانية؟
اتفق محللون سياسيون أن التصعيد الحالي في الحرب الروسية الأوكرانية يهدف إلى تحسين شروط التفاوض، لكنهم اختلفوا حول طبيعة هذه الحرب وما إذا كانت تمثل نموذجا جديدا لحروب الذكاء الاصطناعي أم أنها حرب تقليدية بأدوات حديثة. وحسب الخبير الإستراتيجي أحمد الشريفي، فإن الصراع الدائر لا يمكن أن تسقط عليه النظريات التقليدية للحروب. وأوضح الشريفي -في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"- أن الصراع يدخل ضمن نطاق حروب الذكاء الاصطناعي التي ترتكز على القدرات القتالية، واقتصاد حربي يقوم على قوة الدولة في الاستحواذ على الذهب كبديل عن الدولار أو العملة الورقية. وأشار إلى أن العملية الأوكرانية الأخيرة في العمق الروسي نُفذت بقدرات تسليحية لا تتجاوز 170 إلى 200 ألف دولار، وأوقعت خسائر تُقدر بـ7 مليارات دولار. وأكد أن هذا الاختراق الذي حدث على مسافة 4700 كيلومتر عمقا داخل روسيا يدل على أن مسائل الردع التقليدي ابتداءً من الردع الاستخباري إلى الردع التعبوي لم تعد مجدية. في المقابل، اختلف الخبير في الشؤون الروسية محمود حمزة مع هذا التصور، مؤكدا أن هذه الحرب ليست حرب ذكاء اصطناعي، بل حرب تقليدية ذات جبهات. وأوضح حمزة أن التصعيد الحالي ليس جديدا ولكنه كبير، مشيرا إلى أنه يمثل حرب استنزاف متواصلة لـ3 سنوات بين الطرفين. وربط هذا التصعيد بوصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلطة، موضحا أن الروس كانوا متفائلين جدا بترامب ووعده بإنهاء الحرب، لكنه فاجأهم بأن لديه شروطا وأنه لن يقدم هدية ل موسكو بدون ثمن. وفي تقييمه للأهداف الروسية، عبر حمزة عن قناعته الشخصية بأن الروس يريدون إنهاء الحرب في أوكرانيا ، لأنهم تضرروا كثيرا من العقوبات الاقتصادية، كما انعكست الأوضاع الداخلية على حياة الناس، إضافة إلى خسائر كبيرة في المعدات والأموال والأرواح. من جانبه، أكد أستاذ العلاقات الدولية حسني عبيدي، أن أوكرانيا استطاعت من خلال ثقة متزايدة في أجهزة استخباراتها أن تشن عمليات جريئة من داخل روسيا. وأشار عبيدي إلى أن هذه العمليات استطاعت إقناع أجهزة الأمن والقيادات العسكرية بقدرة أوكرانيا على المقاومة. وأكد أن أوكرانيا تدرك أن هذه العملية العسكرية واقتناع الأوروبيين بضرورة الاستمرار "سيساعد أيضا في تليين الموقف الأميركي، والحصول على الأقل على ما يُسمى بالضمانات الأمنية التي تطالب بها الدول الأوروبية". وفيما يتعلق بتقييم طبيعة الصراع كحرب استنزاف، اتفق المحللون على أن كلا الطرفين يسعى لاستنزاف الآخر. وأوضح حمزة أن هذه الحرب هي حرب استنزاف، مؤكدا أن أوكرانيا لديها من يقدم لها الدعم المالي لصناعة هذه الطائرات والمسيرات، وروسيا أيضا تأخذ من اقتصادها وتصرف وتحاول أن تدافع. وفي السياق ذاته، أكد عبيدي أنه يمكن تطبيق "نظرية الإعياء المزدوج" على الطرفين، إذ تستفيد واشنطن في النهاية عندما تتمكن من إضعاف روسيا داخل أوكرانيا. وأشار إلى أن الحليف الأوروبي أصبح يحتاج للدعم الأميركي أكثر مما كان عليه سابقا، لافتا إلى أن روسيا لن تعود في النهاية القوة المهمة إذا كانت أميركا تخطط لحربها المقبلة مع الصين. إعلان وحول طبيعة التعامل بين الولايات المتحدة وأوروبا مع الملف الأوكراني، أوضح حمزة أن هناك اختلافات بين أميركا والأوروبيين في الرأي حول التعامل مع الملف. أما عبيدي فأكد أن ترامب يذهب أبعد من هذا ويقول إن أوروبا التي قدمت وعودا ذهبية لأوكرانيا للدخول إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي يجب أن تتحمل تبعات كل هذه الوعود. وأعرب عن قناعته بأن تفاهمات إسطنبول من المفترض أن تستمر، رغم أنها لم تحقق إلا البعد الإنساني، ووافقه حمزة مؤكدا أنها مقتصرة على الجانب الإنساني لأن الموضوع السياسي معقد والمواقف متباعدة. لكن حمزة أشار إلى وجود إصرار حتى من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الاستمرار في التفاوض شيء إيجابي، ولكنه نبه في الوقت نفسه إلى أن الروس يريدون ذلك بالرغم من التصعيد العسكري.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
ساندرز: الدعم الأميركي لحرب نتنياهو التجويعية أمر مريع
جدد السيناتور بيرني ساندرز انتقاداته الدعم الأميركي للإبادة الجماعية، التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة ، وقال إن دعم واشنطن حربَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التجويعية للشعب الفلسطيني "أمر مريع". وكتب ساندرز عبر حسابه في منصة إكس اليوم السبت، "الدعم الأميركي لحرب التجويع التي يقودها نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني أمر مريع، ويعطي رسالة لكل طاغية في العالم بأن القانون الدولي يمكن انتهاكه دون عقاب، وأن الهمجية مقبولة". وطالب السناتور بوقف كل المساعدات العسكرية لإسرائيل. وعبر ساندرز مرارا عن مواقف معارضة لسياسات بلاده وإسرائيل العنصرية حيال الفلسطينيين، ووصف تجويع الأطفال في غزة بأنها جريمة حرب. وقال ساندرز، إن نتنياهو مجرم حرب، وإن إسرائيل تنفذ "سياسة محسوبة منذ أشهر، بهدف جعل القطاع غير صالح للعيش"، ودعا الإدارة الأميركية إلى وقف مبيعات الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل. ويعد ساندرز، الذي يتحدر من أصول يهودية وعاش بعض الوقت في إحدى المستوطنات في فلسطين المحتلة، من أشد المعارضين للحرب الإسرائيلية على غزة وللتمويل الأميركي لإسرائيل. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في قطاع غزة، خلفت أكثر من 180 ألف شهداء وجرحى، معظمهم أطفال ونساء، علاوة على أكثر من 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة.