
الجمعة العظيمة.. الأقباط يختتمون أسبوع الآلام وصولًا للفداء والخلاص
فى أجواء يغلب عليها الحزن والخشوع، يترأس قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، صباح الجمعة، صلوات الجمعة العظيمة، المعروفة أيضًا بـ«الجمعة الحزينة»، وذلك من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
ويشارك فى الصلوات عدد من الأساقفة العموم بالقاهرة، إلى جانب كهنة كنائس الكاتدرائية، وخورس شمامسة الكلية الإكليريكية بالأنبا رويس، وسط حضور شعبى. وتتضمن الصلوات رصدًا زمنيًا دقيقًا لأحداث يوم صلب السيد المسيح، بدءًا من لحظة القبض عليه، مرورًا بمحاكمته، حتى موته ودفنه، وذلك من خلال صلوات السواعى النهارية التى تبلغ ست صلوات متتالية.
وتمثل الجمعة العظيمة ذروة أسبوع الآلام الذى بدأ بـ«أحد الشعانين»، وتُخلد فيها الكنيسة القبطية ذكرى صلب السيد المسيح، فى لحظة خلاص البشرية، وفقًا للمعتقد المسيحى. وهى اللحظة التى توّجت رحلة الفداء، بدءًا من التجسد، وصولًا إلى الصليب، حيث يُعتبر هذا اليوم الأعظم والأهم فى الإيمان المسيحى.
ويُحيى الأقباط ذكرى الجمعة العظيمة، أو جمعة الآلام، فى أجواء مفعمة بالخُشوع، حيث تمتد الصلوات لمدة ١٢ ساعة متصلة، من السادسة صباحًا حتى السادسة مساءً، دون انقطاع. ويرتدى الشمامسة فى هذا اليوم أزياء الحداد، ويرددون ألحانًا حزينة ذات أصول مصرية قديمة، تعبيرًا عن الحزن على صلب السيد المسيح.
مرقس ميلاد: أعظم يوم فى المسيحية وإحياؤه بصلوات حزينة
قال الباحث الكنسى مرقس ميلاد، فى تصريحات خاصة لـ«الدستور»، إن يوم الجمعة العظيمة، أو ما يُعرف بـ«الجمعة الكبيرة»، يُعد أعظم وأهم يوم فى المسيحية، إذ يوافق ذكرى صلب السيد المسيح بين لصّين، ليتمم بذلك، بحسب الإيمان المسيحى، عملية الفداء وخلاص البشرية من الخطية الأصلية.
وأوضح ميلاد أن الكنيسة تبدأ صلوات هذا اليوم منذ الصباح الباكر، من خلال صلوات البصخة المقدسة، التى تتوزع على ست سواع نهارية (باكر، الثالثة، السادسة، التاسعة، الحادية عشرة، والثانية عشرة). وتتبع الكنيسة خلالها لحظة بلحظة رحلة السيد المسيح، بدءًا من محاكمته أمام المجمع اليهودى، ثم أمام بيلاطس وهيرودس، وانتهاءً بالحكم عليه بالجلد والصلب، حتى موته ودفنه. وأضاف أن كل ساعة من هذه الصلوات تتضمن قراءة لنبوءات من العهد القديم، تليها تسبحة قصيرة، ثم فصل إنجيلى مرتبط بالأحداث، يعقبه شرح وطلبة ختامية. ويتخلل الصلوات عدد من الألحان الطويلة ذات الطابع الحزين والخاشع، التى تتراوح مدتها بين ١٠ و٣٠ دقيقة.
وأشار ميلاد إلى أن من أشهر هذه الألحان «أيها الابن الوحيد» و«غولغوثا»، وهما يُرددان مرة واحدة فى العام خلال الجمعة العظيمة. ولفت إلى أن بعض الدراسات تشير إلى أن أصل هذه الألحان فرعونى، حيث يشبه لحن «غولغوثا» المارشات العسكرية الجنائزية التى كانت تُستخدم فى تشييع ملوك الفراعنة، وقد انتقل لاحقًا إلى الطقس القبطى. ونوّه الباحث إلى أن من الطقوس اللافتة فى هذا اليوم، أداء صلاة تُعرف بـ«صلاة الـ٤٠٠ ميطانية (سجدة)»، وفيها ترفع الكنيسة طلبات الرحمة من الله لرفع الغلاء، والوباء، والموت، وسائر الكوارث، بحسب نصوص صلوات الكنيسة.
ومع نهاية الجمعة العظيمة، تبدأ الكنيسة استعداداتها لسهرة «سبت النور»، التى تمتد حتى ساعات الفجر الأولى من يوم السبت، وتُقام فيها صلوات فرحة انتظارًا لقيامة السيد المسيح. أما عن الصوم، فأوضح مرقس ميلاد أن الأقباط يمتنعون عن الطعام والشراب من منتصف ليل الخميس حتى السادسة مساءً من الجمعة، أى ما يقارب ١٨ ساعة. ويبدأ الإفطار بتناول الخل، اقتداءً بما جرى للمسيح على الصليب حين طلب ماءً فأعطى خلًّا.
القس يوساب عزت: طقس الـ400 «ميطانية» يُجسد رحلة خلاص العالم
أوضح القس يوساب عزت، أستاذ القانون الكنسى بالكلية الإكليريكية، فى تصريحات خاصة لـ«الدستور»، إن كلمة «الميطانية» مأخوذة عن اليونانية «metanoia»، وتعنى تغيير الفكر أو التوبة، كما تعبّر فى الطقس الكنسى عن سجود التوبة والخضوع أمام الله. وأوضح القس يوساب أن طقس الـ٤٠٠ ميطانية، الذى تؤديه الكنيسة القبطية يوم الجمعة العظيمة، يرمز إلى فترة تجسد المسيح بالجسد على الأرض، التى تُقدَّر بـ٤٠٠ شهر من الميلاد حتى الصلب. وأضاف: «الكنيسة من خلال هذا الطقس، تريد أن تُظهر لأبنائها أن كل لحظة من تجسد الرب كانت من أجل خلاص الإنسان، وكانت تقود إلى لحظة الصليب والقيامة».
وأشار إلى أن السجود فى الجهات الأربع خلال هذا الطقس يحمل دلالة رمزية على أن تجسد المسيح كان لخلاص المسكونة كلها بأربع رياحها، مضيفًا: «نوجّه السجود نحو الجهات الأربع تأكيدًا على أن الله موجود فى كل مكان، وأن الخلاص موجه لكل الأمم، لا لليهود فقط».
وفيما يتعلق بلحن «غولغوثا» الشهير، الذى يُختتم به طقس الجمعة العظيمة، أوضح القس يوساب أن أصول هذا اللحن فرعونية ضاربة فى القِدم، وكان يُرتّل خلال مراسم تحنيط الفراعنة، بل يقال إنه استُخدم فى تجنيز الملك خوفو.
وأضاف أن هذا اللحن يُرتّل مرة واحدة فى العام أثناء دفن أيقونة السيد المسيح فى نهاية صلوات الجمعة العظيمة، حيث تُلف الأيقونة بالحنوط والورود والأكفان وسط ألحان جنائزية عميقة التأثير.
وأشار إلى أن البابا أثناسيوس الرسولى هو مَن أدخل هذا اللحن إلى الكنيسة القبطية فى القرن الرابع الميلادى، حيث احتفظ بلحنه الأصلى وأضاف إليه كلمات قبطية، بينما ما زالت بعض الكلمات اليونانية القديمة حاضرة فيه. كما أشار إلى ما أكده الفيلسوف فيلو السكندرى بأن المسيحيين الأوائل استقوا هذا اللحن من مصر القديمة وأضفوا عليه طابعًا مسيحيًا.
درب الآلام.. مسار مقدس يتتبع خُطى الصليب
أكد أديب جودة الحسينى، أمين مفتاح كنيسة القيامة فى القدس، أن درب الآلام فى البلدة القديمة من القدس يُعد من أقدس المسارات الدينية فى العالم المسيحى، حيث يمثل الطريق الذى سار عليه السيد المسيح حاملًا صليبه من مكان محاكمته إلى موضع صلبه ودفنه.
ويتألف الدرب من أربع عشرة محطة، تبدأ من حى المدارس الإسلامية قرب باب القديس إسطفان «باب الأسود»، وتنتهى داخل كنيسة القيامة، حيث يُخلّد كل موقع لحظة من لحظات الآلام الخلاصية التى عاشها السيد المسيح فى طريقه إلى الصليب.
الكفن المقدس.. شهادة صامتة على لحظات الفداء
القس يوساب عزت، أشار إلى واحد من أعظم الرموز المرتبطة بآلام السيد المسيح وموته على الصليب، وهو ما يُعرف بـ«الكفن المقدس»، ذلك القماش الذى لفّ به جسد المسيح بعد الصلب، وتحول عبر العصور إلى شاهد صامت على لحظات الفداء والتكفين والقيامة.
وقال: «الكفن المقدس يشرح تفاصيل الآلام التى قبلها السيد المسيح من أجل خلاص البشرية، كما لو كنا واقفين عند الصليب، نشاهد الأحداث الخلاصية لحظة بلحظة بجوار التلميذ يوحنا والعذراء مريم». وأضاف: «هذا الكفن - بحسب ما ترويه التقاليد الكنسية - اشتراه يوسف الرامى، وكفّن به جسد يسوع بعد إنزاله من على الصليب. وعند القيامة، ترك المسيح الكفن فى القبر، فاحتفظ به التلاميذ. ومن هناك، بدأت رحلة انتقاله عبر التاريخ من أودسا، حيث أخذه الرسول تداوس إلى الملك أبيجار الخامس، ثم إلى القسطنطينية، ومن بعدها إلى فرنسا، ليستقر أخيرًا فى مدينة تورينو الإيطالية، حيث يُعرض اليوم فى كاتدرائية تورينو وسط اهتمام دينى وعلمى بالغ».
والكفن مصنوع من قطعة واحدة، ما عدا شريطًا بعرض ٩ سم يمتد بطول الجانب الأيسر، تم وصله بخياطة يدوية بسيطة.
وحول المظهر العام للكفن، يوضح القس يوساب أن أول الأبحاث العلمية عليه بدأت فى ٢٢ نوفمبر عام ١٩٧٣، وأظهرت أن الكفن يبلغ طوله ٤.٣٥ متر، وعرضه ١.٠٩ متر، ويحمل صورة مزدوجة - أشبه بظل باهت - لهيئة رجل من الأمام والخلف، يتمتع ببنية جسدية قوية، شعر مُسترسل، ولحية طويلة. الكفن يلف الجسد من الأسفل إلى الأعلى، ولونه العاجى ناتج عن مرور الزمن، وهو ما يتوافق مع طريقة التكفين اليهودية فى ذلك العصر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة ماسبيرو
منذ 35 دقائق
- بوابة ماسبيرو
عقوق الوالدين من كبائر الذنوب
أكد برنامج (سُئل فأجاب) خطورة عقوق الوالدين ، وعواقبهما الخيمة في الدنيا والآخرة ، مدللًا بحديث أبي بكرة نفيع بن الحارث ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ" ، فطوبى لمن بر والديه ، وأحسن إليهما ، وويل لكن عاقهما وأساء إليهما. ومن المعروف أن الذنوب التي يقع فيها المؤمن منها الصغائر ومنها الكبائر، والكبائر هي الذنوب العظام الَّتي تعلق بها وعيد في الآخرة ، أو حد وعقوبة في الدنيا، ويعد أعظم هذه الكبائر : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين . يذاع برنامج ( سُئل فأجاب ) يوميًا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، تقديم الإذاعي د.محمد مصطفى يحيى.


الدستور
منذ 40 دقائق
- الدستور
الأوقاف تنظم مقارئ قرآنية في مساجد الإسماعيلية
تواصلت اليوم الجمعة، فعاليات المقارئ القرآنية الخاصة بجمهور المساجد في محافظة الإسماعيلية، وذلك برعاية كريمة من الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية ووزير الأوقاف، وبناءً على توجيهات الشيخ عبد الخالق عطيفي، مدير مديرية أوقاف الإسماعيلية. تفاصيل المقارئ القرآنية وانعقدت المقارئ بعدد من المساجد الكبرى بالمحافظة عقب صلاة الجمعة مباشرة، وسط إقبال ملحوظ من رواد المساجد من مختلف الأعمار والفئات، في مشهد يعكس شغف المواطنين بتعلم كتاب الله وتدبر معانيه، واستشعار بركته في حياتهم اليومية. وأكد الشيخ عبد الخالق عطيفي، أن هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية وزارة الأوقاف لتعظيم دور المسجد في بناء الإنسان علميًا وروحيًا، وربط المسلمين بكتاب الله، تلاوةً وفهمًا وتفسيرًا، مشيرًا إلى أن المقارئ ستُعقد بانتظام كل يوم جمعة، وتُشرف عليها مجموعة من الأئمة المتميزين والمجازين في القراءات. وأوضح أن الهدف من هذه المبادرة المباركة هو تمكين جمهور المصلين من تصحيح التلاوة والتعرف على قواعد التجويد وأحكام الترتيل، من خلال جلسات علمية تُراعى فيها مستويات المشاركين، بما يُسهم في رفع الوعي الديني، وتحصين المجتمع من الأفكار الهدامة. وشهدت المقارئ اليوم تفاعلًا كبيرًا من المشاركين، حيث أعرب العديد منهم عن سعادتهم البالغة بهذه الفعاليات، التي تعيد للمسجد دوره الريادي في تعليم القرآن الكريم، وتعزز أواصر المحبة والارتباط بين المصلين. ووجّه الدكتور أسامة الأزهري الشكر لمديرية أوقاف الإسماعيلية على جهودها المتواصلة في تفعيل هذه الأنشطة الدعوية والتعليمية، مؤكدًا أن مصر ستظل منارة للعلم والدين، وأن العمل الدعوي في المساجد يجب أن يُواكب تطلعات الجمهور ويُلبي احتياجاتهم المعرفية والروحية. وفي ختام اليوم، دعا القائمون على تنظيم المقارئ الله عز وجل أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يحفظ مصر وشعبها وجيشها، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار.


الجمهورية
منذ ساعة واحدة
- الجمهورية
هل رؤية الهلال في بلد واحد تصلح لبقية بلاد المسلمين؟ الافتاء تجيب
ورغم هذا التباين الفقهي والفلكي في إثبات بدايات الشهور، إلا أن المسلمين يجتمعون بلا خلاف على أمر واحد: أن مناسك الحج ومواقيته تظل مرتبطة بما يُعلن في مكة المكرمة، يوم يقف الحجيج بعرفة، ويضحّي الناس في اليوم الذي يُضحِّي فيه الحجيج، وهو ما يرسّخ وحدة الأمة في أعظم مشهد من مشاهد العبادة الجماعية. وفي هذا السياق يثور تساؤل هل رؤية الهلال في مكان ما بالعالم صالحة لكل العالم؟ لتجيب دار الإفتاء المصرية أن هلال الشهر إنما يثبت لكل بلد برؤية أهله البصرية، خصوصًا إذا كان أهل البلد يستطيعون رؤية الهلال بوضوح، أو رؤيته في أقرب البلاد إليهم، أو بتحقق رؤيته في أي بلد إسلامي قريب من بلادهم، وذلك إذا قطع علماء الفلك بأن هذا آخر يوم من الشهر ويمكن رؤية الهلال. فإن قطع الحساب الفلكي بعدم طلوع الهلال أو باستحالة رؤيته فلا عبرة بالرؤية البصرية. إلا أن الحج هو حيث يحج الناس، وهذا واحد لا اختلاف فيه؛ جمعًا لكلمة المسلمين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَومُ عَرَفةَ اليَومُ الذي يُعَرِّفُ النّاسُ فيه» رواه أبو داود في "المراسيلِ"، والدارقطني في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى" وقال: هذا مرسل جيد. وروى الإمام الشافعي رضي الله عنه عن مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: رجل حج أولَ ما حج فأخطأ الناسُ بيوم عرفة، أيُجزِئُ عنه؟ قال: نعم، إي لعمري إنها لتُجزِئُ عنه، قال: وأحسبه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فِطرُكم يومَ تُفطِرُون، وأَضحاكم يومَ تُضَحُّون» وأُراه قال: «وعَرَفةُ يومَ تُعَرِّفُون»، وفي روايةٍ من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «عَرَفةُ يَومَ يُعَرِّفُ الإمامُ».۞ والله سبحانه وتعالى أعلم.