
شهادة يابانية على ما يفعله الإنسان بأخيه
من ناحيتي كنت قد زرت المدينة قبل سنوات، وكنت قد رأيت ملامح ما خلفته القنبلة على وجوه الحياه فيها، وما رأيته جزء مما يقوله الخبر الذي أذاعته الوكالة عن المدرسة الثانوية.
في تفاصيل الخبر المذاع أن المدرسة كلفت تلاميذ الفنون فيها بجمع شهادات من الناجين من القنبلة، ثم التعبير عن ذلك في لوحات فنية يستطيع جمهورها حين توضع في معرض، أن يقف على حدود ما أصاب المدينة وأهلها جراء ضربها، خصوصاً وأن الغالبية الكبيرة من الشعب الياباني حالياً سمعت عما جرى ولم تشاهده، فضلاً عن أن تكون قد عايشته أو عاينته في حينه.
المواطن الياباتي ماساكي هيروناكي عاش المأساة غير المسبوقة في تاريخ المدينة، وكان وقت ضرب هيروشيما في الخامسة من عمره، ولما كان قصف المدينة بالنووي قد تم في 1945 ، فماساكي في الخامسة والثمانين، وفي مقدوره أن يتذكر بعضاً مما رآه في تلك اللحظات العصيبة، رغم إنه كان وقتها في سن صغيرة جداً لا تجعله قادراً على تذكر شيء، ولا تسعفه وهو في هذه السن الحالية المتقدمة من حياته.
وكان تلاميذ الفنون في المدرسة قد استجابوا للتكليف الذي جاءهم من إدارتها، فنشطوا في جمع الشهادات من الناجين، ثم راحوا يوثقونها ليس بمجرد تسجيلها كما سمعوها من أصحابها، ولكن بتحويلها إلى أعمال فنية في 15 لوحة يجري عرضها هذه الأيام في معرض تحتضنه المدرسة وتدعو أهل المدينة لزيارته.
أما لماذا هذه الأيام؟ فلأن ضرب المدينتين كان في 6 و9 أغسطس 1945، وهذا يعني أن بيننا والذكرى الثمانين للمأساة أياماً قليلة، ولا بد أن الذكرى هذه المرة ليست أي ذكرى، فمن قبل عاش اليابانيون الذكرى نفسها 79 مرة، ولكن بما أن الذكرى التي تدق الباب هي الثمانون، فهي قطعاً لها مذاق مُر آخر، لأن الثمانين رقم صحيح، ولأن الذكرى تأتي هذه المرة بعد الذكرى الماسية بخمس سنوات، ولأنها توقظ الكثير من المشاعر في نفس كل ياباني، ولا فرق في وطأتها على المشاعر بين أن تكون هذه السنة، أو السنة الماضية، أو السنة المقبلة، ففي كل الحالات يظل طعم الذكرى كما هو.
إن الياباني الذي وُلد في ذلك اليوم، سواء أكان في هيروشيما أم في نجازاكي، سوف يتم الثمانين في الشهر المقبل، ولا معنى لذلك إلا أن الناجين والشهود يغادرون يوماً بعد يوم، ويتناقصون عاماً بعد عام، ومن الوارد بعد أعوام معدودة على أصابع اليدين من الآن، ألا يكون في اليابان شاهد واحد على ما كان.
طبعاً نعرف أن اليابان بلد المعمرين، ونعرف أن معمرين كثيرين ينتسبون إليها ويحملون جنسيتها، ومن الجائز أن يعيش أحد الناجين ليكون معمراً، ولكن إذا حدث هذا فالمعمرون بطبيعتهم قليلون للغاية، وبالتالي، لا يمكن الرهان على أن يعيش كثيرون من الناجين، ولا على أن يظل الناجي المعمر محتفظاً بذاكرته ليروي لمن حوله، ماذا بالضبط رأى في يوم 6 إذا كان من أبناء هيروشيما، أو في يوم 9 إذا كان من أبناء نجازاكي؟
مما نقلته وكالة الأنباء نفهم أن ماساكي يذكر جيداً ماذا أصاب مدينته من تأثير القنبلة؟ يذكر أنه خرج برفقة أمه التي كانت تتحسس موضع قدميها في شارع من شوارع المدينة، ويذكر أن أمه كانت تمسكه من إحدى يديه بقوة وإحكام، وفيما بعد عرف أنه لما خرج مع أمه كان اليوم يوافق 10 أغسطس، أي بعد 4 أيام من إلقاء القنبلة، ولكنه يذكر تماماً أن كل شيء من حولهما كان لا يزال يحترق، وكانت رائحة الحريق النووي لا تزال تملأ شوارع المدينة!
وعندما راح هذا الناجي يتطلع إلى إحدى لوحات معرض المدرسة، فإنه وقف أمامها يسترجع ما تختزنه ذاكرته عما تقوله اللوحة وتنقله لمشاهديها، ففيها جنود متفحمون يستغيثون من الألم، وفيها فتاة تركض مذعورة وسط النيران، وكأنها فتاة ڤيتنام الشهيرة التي فرت ذات يوم في بلادها هرباً من قنابل النابالم التي ألقاها الأمريكيون هناك. المعرض الذي تستضيفه المدرسة الثانوية في هيروشيما ليس كأي معرض، وإنما هو شهادة باقية على ما يفعله الإنسان بأخيه الإنسان.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 8 ساعات
- البيان
«تيك توك» يعزز جذبه مؤلفي الأغاني
أضاف تطبيق التواصل الاجتماعي الصيني «تيك توك» خصائص جديدة تتيح لمؤلفي الأغاني إبراز أعمالهم. وأطلقت الخصائص ضمن نسخة تجريبية، إذ تشمل إضافة تصنيف «كاتب أغانٍ»، وقسماً جديداً لعرض الأعمال الموسيقية.


البيان
منذ 8 ساعات
- البيان
مهرجان أفينيون 2026 يحتفي باللغة الكورية
تحتفي دورة 2026 من مهرجان أفينيون باللغة الكورية، على ما أعلن المدير الفني لهذا الحدث المسرحي تياغو رودريغيز، متحدثاً عن نجاح جماهيري حققته دورة 2025 التي شهدت أعلى نسبة حضور منذ عشر سنوات. فبعد تكريم اللغة العربية هذا العام، سيركز المهرجان المسرحي الدولي على شبه الجزيرة الكورية، وعلى لغة أصبحت بفضل الثقافة «عالمية على الرغم من أنها غير معروفة على نطاق واسع»، بحسب رودريغيز. وقال الكاتب المسرحي البرتغالي: «من المثير للاهتمام أن نرى هذه اللغة، التي يمكن أن نسميها لغة صغيرة، رغم نشأتها في بلد صغير وبعيد، انتشرت بشكل كامل في مختلف أنحاء العالم من خلال الثقافة والسينما والمسلسلات التلفزيونية والموسيقى والأدب». في عام 2026، سيسعى مهرجان أفينيون الذي لم يستضف فنانين من شبه الجزيرة الكورية منذ 25 سنة، إلى تسليط الضوء على فنون الأداء الكورية «الأقل شهرة»، وإظهار «مجتمع يتجاوز الأفكار النمطية بكل تعقيداته»، بحسب رودريغيز. قبل خمسة أيام من نهاية دورة 2025، رحب رودريغيز بنسبة حضور بلغت %96.5 لـ42 عرضاً «محلياً»، مشيراً إلى «أرقام غير مسبوقة منذ عام 2016»، وقال: «نعتقد أنه لا يزال بإمكاننا تجاوزها».


خليج تايمز
منذ 15 ساعات
- خليج تايمز
"بطل طفولتنا": جمهور الإمارات ينعى أسطورة المصارعة هالك هوجان
نعى عشاق المصارعة في الإمارات العربية المتحدة هالك هوجان، أحد أشهر الشخصيات في عالم المصارعة المحترفة، والذي توفي يوم الخميس عن عمر يناهز 71 عامًا. بالنسبة للعديد من السكان، وخاصة أولئك الذين نشأوا على مشاهدة المصارعة في الثمانينيات والتسعينيات، كان هوجان أكثر من مجرد رياضي - لقد كان مصدر قوة ودراما وترفيه. قال حيدر، المقيم في الشارقة والبالغ من العمر 42 عامًا، والذي يعشق المصارعة منذ سن العاشرة: "كان بطل طفولتنا. طريقة دخوله الحلبة، مع تلك الموسيقى، والوشاح الأحمر والأصفر، الذي كان يمزق قميصه. كان يُثير فينا القشعريرة في كل مرة". توفي هوجان، واسمه الحقيقي تيري جين بوليا، في مستشفى بولاية فلوريدا بعد إصابته بسكتة قلبية. اشتهر هوجان بشخصيته الجريئة وعضلات ذراعه الضخمة التي يبلغ طولها 24 بوصة، مما ساهم في جعل المصارعة رياضة عالمية. وامتدت شعبيته إلى ما هو أبعد من أمريكا والإمارات العربية المتحدة، إلى دول أخرى في آسيا. في التسعينيات، كنا نجتمع أمام التلفاز كل أحد وإثنين ظهرًا ومساءً لمشاهدته، قال حيدر. لم يكن الإنترنت ولا وسائل التواصل الاجتماعي موجودين آنذاك. كان هوجان النجم الذي كنا نتحدث عنه جميعًا في المدرسة. كنا نحاول تقليد حركاته دون أن نؤذي بعضنا البعض. بالنسبة للعديد من الناس، أصبحت مشاهدة المصارعة بمثابة طقس يربط بين الأصدقاء والعائلات والأحياء بأكملها. قال فهد شيخ، البالغ من العمر 35 عامًا، وهو من سكان أرجان: "أتذكر عودتي مسرعًا إلى المنزل من المدرسة كل يوم اثنين، أرمي حقيبتي جانبًا، وأتناول غداءي، وأشغل التلفاز. كان WWE هو كل شيء. في أحد أيام الاثنين، كان الجو ممطرًا والمدرسة مغلقة، فجاء جميع أصدقائي من المبنى. جلسنا معًا، نصرخ أمام الشاشة بينما كان هوجان يقاتل. إنها إحدى أسعد ذكريات طفولتي." وتذكر المشجعون أيضًا لحظاتهم المفضلة مثل حركة هوجان التاريخية في جسد أندريه العملاق في راسلمينيا 3، أو صدامه الملحمي مع ذا روك في عام 2002. "كنتُ في الثانية عشرة من عمري آنذاك، وكنا ننتظر هذه المواجهة لأسابيع،" أضاف فهد. "تجمع جميع أبناء عمومتي في منزلنا، بمن فيهم والدنا وإخوتنا الأكبر، ليشهدوا المواجهة." ومن بين العديد من المشجعين الذين يتذكرون هوجان خوسيه فرانسيسكو، وهو مهاجر فلبيني يبلغ من العمر 39 عامًا في دبي، والذي يتذكر الاستيقاظ في الساعات الأولى من الصباح في وطنه فقط لرؤية هوجان على شاشة التلفزيون. "نشأتُ في سيبو، وكانت WWE تُبثّ عادةً حوالي الساعة الثامنة أو التاسعة صباحًا بتوقيت الفلبين،" قال خوسيه. "كنا نتغيّب عن قداس الأحد أحيانًا لنشاهده مباشرةً. أتذكر ذات مرة، تظاهرتُ بالمرض حتى لا أفوّت مباراة هالك هوجان. غضب والداي لاحقًا، لكن الأمر كان يستحق العناء." يتذكر خوسيه ارتدائه زيّ WWE خلال عرض مواهب مدرسي عام ١٩٩٥. قال: "لففتُ منشفة صفراء حول رأسي كالباندانا، ومزقتُ قميصًا قديمًا على المسرح. تلقيتُ هتافاتٍ حارة في ذلك اليوم". تم إدخال هوجان إلى قاعة مشاهير WWE مرتين ويعتبر على نطاق واسع أحد أكثر المصارعين تأثيرًا في التاريخ. الرئيس الأمريكي ترامب وستالون ينعون "الأيقونة الأمريكية العظيمة" هولك هوجان توفي عن عمر ناهز 71 عاما. الرئيس الأمريكي ترامب وستالون ينعون "الأيقونة الأمريكية العظيمة" هولك هوجان توفي عن عمر ناهز 71 عاما.