logo
شهادة يابانية على ما يفعله الإنسان بأخيه

شهادة يابانية على ما يفعله الإنسان بأخيه

البيان١٩-٠٧-٢٠٢٥
استوقفني الخبر الذي أذاعته وكالة الأنباء الفرنسية عن مدرسة موتو ماتشي الثانوية في مدينة هيروشيما اليابانية. وبالطبع فإن مجرد وجود اسم هيروشيما لابد أن يستوقف كل عارف بتاريخ هذه المدينة، فلقد كانت إحدى مدينتين ضربتهما الولايات المتحدة بالقنبلة الذرية في نهايات الحرب العالمية الثانية.
من ناحيتي كنت قد زرت المدينة قبل سنوات، وكنت قد رأيت ملامح ما خلفته القنبلة على وجوه الحياه فيها، وما رأيته جزء مما يقوله الخبر الذي أذاعته الوكالة عن المدرسة الثانوية.
في تفاصيل الخبر المذاع أن المدرسة كلفت تلاميذ الفنون فيها بجمع شهادات من الناجين من القنبلة، ثم التعبير عن ذلك في لوحات فنية يستطيع جمهورها حين توضع في معرض، أن يقف على حدود ما أصاب المدينة وأهلها جراء ضربها، خصوصاً وأن الغالبية الكبيرة من الشعب الياباني حالياً سمعت عما جرى ولم تشاهده، فضلاً عن أن تكون قد عايشته أو عاينته في حينه.
المواطن الياباتي ماساكي هيروناكي عاش المأساة غير المسبوقة في تاريخ المدينة، وكان وقت ضرب هيروشيما في الخامسة من عمره، ولما كان قصف المدينة بالنووي قد تم في 1945 ، فماساكي في الخامسة والثمانين، وفي مقدوره أن يتذكر بعضاً مما رآه في تلك اللحظات العصيبة، رغم إنه كان وقتها في سن صغيرة جداً لا تجعله قادراً على تذكر شيء، ولا تسعفه وهو في هذه السن الحالية المتقدمة من حياته.
وكان تلاميذ الفنون في المدرسة قد استجابوا للتكليف الذي جاءهم من إدارتها، فنشطوا في جمع الشهادات من الناجين، ثم راحوا يوثقونها ليس بمجرد تسجيلها كما سمعوها من أصحابها، ولكن بتحويلها إلى أعمال فنية في 15 لوحة يجري عرضها هذه الأيام في معرض تحتضنه المدرسة وتدعو أهل المدينة لزيارته.
أما لماذا هذه الأيام؟ فلأن ضرب المدينتين كان في 6 و9 أغسطس 1945، وهذا يعني أن بيننا والذكرى الثمانين للمأساة أياماً قليلة، ولا بد أن الذكرى هذه المرة ليست أي ذكرى، فمن قبل عاش اليابانيون الذكرى نفسها 79 مرة، ولكن بما أن الذكرى التي تدق الباب هي الثمانون، فهي قطعاً لها مذاق مُر آخر، لأن الثمانين رقم صحيح، ولأن الذكرى تأتي هذه المرة بعد الذكرى الماسية بخمس سنوات، ولأنها توقظ الكثير من المشاعر في نفس كل ياباني، ولا فرق في وطأتها على المشاعر بين أن تكون هذه السنة، أو السنة الماضية، أو السنة المقبلة، ففي كل الحالات يظل طعم الذكرى كما هو.
إن الياباني الذي وُلد في ذلك اليوم، سواء أكان في هيروشيما أم في نجازاكي، سوف يتم الثمانين في الشهر المقبل، ولا معنى لذلك إلا أن الناجين والشهود يغادرون يوماً بعد يوم، ويتناقصون عاماً بعد عام، ومن الوارد بعد أعوام معدودة على أصابع اليدين من الآن، ألا يكون في اليابان شاهد واحد على ما كان.
طبعاً نعرف أن اليابان بلد المعمرين، ونعرف أن معمرين كثيرين ينتسبون إليها ويحملون جنسيتها، ومن الجائز أن يعيش أحد الناجين ليكون معمراً، ولكن إذا حدث هذا فالمعمرون بطبيعتهم قليلون للغاية، وبالتالي، لا يمكن الرهان على أن يعيش كثيرون من الناجين، ولا على أن يظل الناجي المعمر محتفظاً بذاكرته ليروي لمن حوله، ماذا بالضبط رأى في يوم 6 إذا كان من أبناء هيروشيما، أو في يوم 9 إذا كان من أبناء نجازاكي؟
مما نقلته وكالة الأنباء نفهم أن ماساكي يذكر جيداً ماذا أصاب مدينته من تأثير القنبلة؟ يذكر أنه خرج برفقة أمه التي كانت تتحسس موضع قدميها في شارع من شوارع المدينة، ويذكر أن أمه كانت تمسكه من إحدى يديه بقوة وإحكام، وفيما بعد عرف أنه لما خرج مع أمه كان اليوم يوافق 10 أغسطس، أي بعد 4 أيام من إلقاء القنبلة، ولكنه يذكر تماماً أن كل شيء من حولهما كان لا يزال يحترق، وكانت رائحة الحريق النووي لا تزال تملأ شوارع المدينة!
وعندما راح هذا الناجي يتطلع إلى إحدى لوحات معرض المدرسة، فإنه وقف أمامها يسترجع ما تختزنه ذاكرته عما تقوله اللوحة وتنقله لمشاهديها، ففيها جنود متفحمون يستغيثون من الألم، وفيها فتاة تركض مذعورة وسط النيران، وكأنها فتاة ڤيتنام الشهيرة التي فرت ذات يوم في بلادها هرباً من قنابل النابالم التي ألقاها الأمريكيون هناك. المعرض الذي تستضيفه المدرسة الثانوية في هيروشيما ليس كأي معرض، وإنما هو شهادة باقية على ما يفعله الإنسان بأخيه الإنسان.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عبدالله آل حامد يبحث في أوساكا التعاون مع شركات عالمية بصناعة الإعلام والترفيه
عبدالله آل حامد يبحث في أوساكا التعاون مع شركات عالمية بصناعة الإعلام والترفيه

صحيفة الخليج

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الخليج

عبدالله آل حامد يبحث في أوساكا التعاون مع شركات عالمية بصناعة الإعلام والترفيه

أوساكا - وام عقد عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام رئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، سلسلة لقاءات ثنائية في مدينة أوساكا اليابانية مع كبار صناع الإعلام والترفيه العالميين، في إطار تعزيز الشراكات الاستراتيجية لتطوير صناعة الأفلام والمحتوى الإبداعي. تركزت اللقاءات على استكشاف فرص التعاون مع الشركات العالمية في مجالات الإنتاج السينمائي، وتقنيات السرد البصري، وبناء منصات إعلامية حديثة. منظومة إعلامية مرنة وأكد عبدالله آل حامد، أن التحولات التكنولوجية التي نشهدها حالياً تدفع المؤسسات الإعلامية إلى أن تكون سباقة في تبني أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات. وتابع: رؤيتنا في دولة الإمارات ترتكز على بناء منظومة إعلامية مرنة، مبتكرة، وقادرة على استشراف احتياجات الجمهور وصناعة محتوى يعكس طموحاتنا الوطنية وهويتنا الراسخة. تعزيز الشراكات العالمية وأضاف أن هذه اللقاءات تمثل خطوة جديدة في إطار استراتيجية الإمارات الإعلامية للانفتاح على الخبرات الدولية، وصناعة تحالفات مؤثرة تعزز من حضور الدولة على الخريطة الإعلامية العالمية، مشيراً إلى أن اللقاءات مثلت أيضاً فرصة لتعريف الشركاء الدوليين بقمة «بريدج» المرتقبة في أبوظبي ديسمبر المقبل، والتي تهدف إلى تعزيز الشراكات العالمية، وتوسيع الحوار حول مستقبل الإعلام في العالم. وشملت اللقاءات كلاً من كورتني لاماركو، رئيس لجنة العمل السياسي لصناعة الترفيه بولاية واشنطن، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة LeMarco Global المتخصصة في إدارة العلامات التجارية وتطوير المحتوى الإعلامي بالشراكة مع كبريات المؤسسات العالمية مثل أمازون وديزني والمنتج التنفيذي للمسلسل الوثائقي المرشح لجائزة إيمي «المكتنزون»، والمحاضر الزائر في جامعة واشنطن. كما التقى بتايكي ساكوراي، الرئيس التنفيذي لشركة Salamander Pictures اليابانية، التي تتميز بنهج مبتكر في صناعة الأفلام، من خلال دمج الأساليب السينمائية التقليدية بأحدث تقنيات التكنولوجيا والإنتاج البصري عالي الجودة.

مهرجان أفينيون 2026 يحتفي باللغة الكورية
مهرجان أفينيون 2026 يحتفي باللغة الكورية

البيان

timeمنذ 2 أيام

  • البيان

مهرجان أفينيون 2026 يحتفي باللغة الكورية

تحتفي دورة 2026 من مهرجان أفينيون باللغة الكورية، على ما أعلن المدير الفني لهذا الحدث المسرحي تياغو رودريغيز، متحدثاً عن نجاح جماهيري حققته دورة 2025 التي شهدت أعلى نسبة حضور منذ عشر سنوات. فبعد تكريم اللغة العربية هذا العام، سيركز المهرجان المسرحي الدولي على شبه الجزيرة الكورية، وعلى لغة أصبحت بفضل الثقافة «عالمية على الرغم من أنها غير معروفة على نطاق واسع»، بحسب رودريغيز. وقال الكاتب المسرحي البرتغالي: «من المثير للاهتمام أن نرى هذه اللغة، التي يمكن أن نسميها لغة صغيرة، رغم نشأتها في بلد صغير وبعيد، انتشرت بشكل كامل في مختلف أنحاء العالم من خلال الثقافة والسينما والمسلسلات التلفزيونية والموسيقى والأدب». في عام 2026، سيسعى مهرجان أفينيون الذي لم يستضف فنانين من شبه الجزيرة الكورية منذ 25 سنة، إلى تسليط الضوء على فنون الأداء الكورية «الأقل شهرة»، وإظهار «مجتمع يتجاوز الأفكار النمطية بكل تعقيداته»، بحسب رودريغيز. قبل خمسة أيام من نهاية دورة 2025، رحب رودريغيز بنسبة حضور بلغت %96.5 لـ42 عرضاً «محلياً»، مشيراً إلى «أرقام غير مسبوقة منذ عام 2016»، وقال: «نعتقد أنه لا يزال بإمكاننا تجاوزها».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store