
المحامي المعيّن بين الحضور الشكلي والدفاع الحقيقي
خبرني - لا خلاف أن مبدأ حق الدفاع يمثل أحد أركان المحاكمة العادلة، ومن صور هذا الحق أن يُعيَّن للمتهم محامٍ إذا لم يكن قادرًا على توكيل من يدافع عنه، لا سيما في القضايا الجنائية التي قد تُفضي إلى عقوبات جسيمة.
وقد كفل المشرّع الأردني هذا الحق في قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ نصت المادة (208) على وجوب تعيين محامٍ للمتهم في الجنايات التي يعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال المؤبدة أو الاعتقال المؤبد أو الأشغال المؤقتة مدة عشر سنوات فأكثر، ووجب حضور المحامي في كل جلسة محاكمة، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعيين محامٍ في حال تعذر على المتهم تعيينه. كما نصت المادة (63 مكررة) على حق المشتكى عليه أو محاميه في الاطلاع على أعمال التحقيق، ووجوب حضور محامٍ في جلسات الاستجواب في القضايا الجنائية الخطيرة، مع ضمان إجراءات تمكين الدفاع. وأما فيما يخص الأحداث، فقد نصت المادة (21/أ) من قانون الأحداث : " على المحكمة تعيين محام للحدث في القضايا الجنائية ان لم يكن له محام أو كان غير قادر على توكيل محامي، وتدفع أتعابه من خزينة الدولة وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية.".
غير أن هذا التعيين – رغم وجوبه القانوني – لا يؤدي غايته ما لم يُقترن بدفاع حقيقي، يتجاوز مجرد الحضور الشكلي إلى مشاركة فاعلة تضمن للمتهم محاكمة عادلة تقوم على توزان الحقوق بين أطراف الدعوى الجنائية. فالمحامي المعين ليس إجراءً شكليًا، ولا وسيلة لاستكمال صورة المحاكمة، بل هو ذراع أصيلة للعدالة، يُنتدب ليدافع عن حقوق المتهم بغيرة مهنية لا تقل عن تلك التي يبذلها في القضايا التي يتولاها باختياره.
ومن الملاحظ أن بعض التحديات تنشأ حين يُختزل دور المحامي المعيّن في إجراءات شكلية، أو يقتصر حضوره على ترديد عبارات محفوظة، أو يغيب التنسيق الجاد مع المتهم، مما يحدّ من فرص الدفاع الحقيقي ويُفرغ هذا الحق من مضمونه. وهنا يبرز الدور المحوري للمحكمة في التحقق من أن الدفاع يُمارَس بصورة فاعلة، إذ إن حق الدفاع لا يتحقق بمجرد إثبات اسم المحامي في محضر الجلسة، بل يتطلب ضمانات متكاملة تبدأ بتمكينه من الاطلاع على ملف الدعوى، ومناقشة بينات النيابة العامة، وتقديم البينات الدفاعية، وتنتهي بإبداء دفوع قانونية وموضوعية في مرافعة تستند إلى دراسة وافية للقضية.
وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على أن تعيين محامٍ للمتهم في قضايا الجنايات لا يجوز أن يكون إجراءً صوريًا، بل لا بد من تمكينه فعليًا من أداء مهمته، وإلا وقع إخلال بحق الدفاع يوجب بطلان الحكم. وهذا القرار يُسلّط الضوء على أهمية التعيين الجاد الذي يحقق غايته لا مجرد استيفاء شكلياته.
وفي ظل ما تقدم، يُثار تساؤل جوهري حول مدى كفاية خبرة المحامي المعيّن وأهليته لتولّي الدفاع في الجرائم الخطرة، لا سيما وأن التشريع الأردني – وبخاصة قانون أصول المحاكمات الجزائية – لا يتضمن أي شرط يتعلق بحد أدنى من الخبرة أو سنوات الممارسة عند تعيين المحامي في القضايا الجنائية. فالفقرة (أ) من المادة (63 مكررة) تنص على تعيين محامٍ للمتهم في الجنايات، وتحدد الفقرة (ب) ضرورة تمكينه من الاطلاع على أوراق الدعوى، لكن دون أن تشير إلى معيار للخبرة أو التخصص.
إن إسناد مهمة الدفاع في جناية بالغة الخطورة إلى محامٍ حديث التخرّج أو محدود الخبرة، قد يُضعف من جودة التمثيل القانوني، حتى وإن استوفى التعيين شكله القانوني. فليس جميع المحامين على درجة واحدة من التمرّس والممارسة العملية، ولا يُعقل أن تُترك قضايا مصيرية لتكون ميدانًا للتعلّم أو التجريب، لأن في ذلك إهدارًا لجوهر العدالة.
لذلك، فإن غياب نص قانوني يُلزم المحكمة بتعيين محامٍ متمرس في القضايا ذات الخطورة الإجرامية، يمثل فجوة تنظيمية تؤثر في فاعلية نظام العدالة. ويُصبح من الضروري أن يُعاد النظر في هذه المسألة تشريعيًا، بوضع معايير واضحة تضمن تعيين من يملك الكفاءة والخبرة اللازمتين لتولّي هذا الدور الحساس، بما يحفظ للمتهمين حقوقهم الدستورية، ويصون هيبة العدالة الجنائية.
لذا، فإن المطالبة بوضع حد أدنى من الخبرة المهنية – كاشتراط ألا تقل مدة ممارسة المحاماة عن عشر سنوات عند التعيين في الجنايات والجرائم الخطيرة – يُعد مطلبًا منطقيًا ينسجم مع مقتضيات العدالة، ويُسهم في رفع جودة الدفاع. فهذا الشرط لا يُناقض مبدأ تكافؤ الفرص أو حق المحامي في الترافع، وإنما يوازن بين حق الدفاع ومصلحة العدالة العليا، إذ لا يُعقل أن تُسند ملفات تمس مصير المتهمين إلى من لم يراكم بعد الخبرة الكافية للتعامل مع تعقيدات المحاكمات الجنائية. وفي هذا السياق، يجب أن يُنظر إلى معيار الخبرة بوصفه ضمانة قانونية، لا قيدًا شخصيًا، تستهدف حماية حق الدفاع من أن يتحول إلى إجراء صوري.
غير أن عدد سنوات الممارسة، وإن كان مؤشرًا أوليًا على التمرس، لا يكفي وحده ما لم يُقرن بخبرة فعلية في القضايا الجنائية تحديدًا؛ فليست كل سنوات المهنة سواء، ولا يُعقل أن تُناط مهمة الدفاع في جناية بالغة الخطورة بمحامٍ لم يسبق له الوقوف أمام محكمة الجنايات. وعليه، فإن معيار التعيين ينبغي أن يجمع بين المدة الزمنية والاختصاص العملي، كأن يُشترط أن يكون المحامي قد ترافع فعليًا في عدد معيّن من القضايا الجنائية الكبرى، أو مارس الدفاع أمام المحاكم الجزائية في الجرائم الجنحوية لمدة لا تقل عن عشرة سنوات، مما يضمن أن يكون التعيين قائمًا على كفاءة عملية، لا على شكلٍ إداري فقط.
وليس الغرض من هذا الطرح توجيه النقد، بل التأكيد على أهمية إعلاء قيم العدالة، والإسهام في تفعيل الضمانات التي كفلها الدستور والقانون. فالتعيين القضائي للمحامي يجب أن يواكبه التزام مهني وأخلاقي من المحامي ذاته، يقابله حرص من المحكمة على التحقق من فاعلية الدفاع، وهو ما ذهب إليه الفقه القانوني، من أن المحكمة إذا رأت تقصيرًا في أداء الدفاع جاز لها أن تنبّه المحامي المعيّن، أو حتى أن تستبدله إذا اقتضت مصلحة العدالة ذلك.
وهكذا، فإن المحاكمة العادلة لا تُقاس بشكليات الحضور، بل بصدق الدفاع، وعدالة الإجراءات، ومدى اطمئنان المحكمة إلى ما قدم لها من بينات وحجج.
فالعدالة لا تُقاس بسرعة الفصل، بل ببلوغ الحقيقة، والفرق كبير بين محامٍ حضر الجلسة، ومحامٍ دافع، وبين محامٍ حديث العهد، ومحامٍ خبير يعرف طريقه، كما أن هناك فرقًا بين جلسة قانونية من حيث الشكل، ومحاكمة عادلة من حيث الجوهر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
مجموعة الناعوري تهنئ جلالة الملك بعيد الجلوس الملكي وذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش
يتقدم رئيس مجلس الادارة ابراهيم الناعوري ورئيس هيئة المديرين كريم الناعوري وبالنيابة عن كافة العاملين في مجموعة الناعوري من مقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم بأصدق التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الجلوس الملكي السادس والعشرين ، وبمناسبة ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش. مقرونة بالدعاء الى الله العلي القدير ان يحفظ جلالتكم ويمتعكم بموفور الصحة والعافية وسندا وذخرا للاردن وللامتين العربية والاسلامية ، وان تتواصل مسيرة الانجازات والبناء والازدهار لاردننا الغالي في ظل حكم جلالتكم الميمون والرشيد. وكل عام وجلالتكم بألف خير


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
شركة الاسواق الحرة الاردنية تهنئ جلالة الملك بعيد الجلوس الملكي وذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش
يتقدم رئيس مجلس الادارة ايمن المفلح والرئيس التنفيذي المهندس هيثم المجالي وبالنيابة عن كافة العاملين في شركة الاسواق الحرة الاردنية من مقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم بأصدق التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الجلوس الملكي السادس والعشرين ، وبمناسبة ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش. مقرونة بالدعاء الى الله العلي القدير ان يحفظ جلالتكم ويمتعكم بموفور الصحة والعافية وسندا وذخرا للاردن وللامتين العربية والاسلامية ، وان تتواصل مسيرة الانجازات والبناء والازدهار لاردننا الغالي في ظل حكم جلالتكم الميمون والرشيد. وكل عام وجلالتكم بألف خير


خبرني
منذ ساعة واحدة
- خبرني
فرانشيسكا ألبانيزي: 5 زوارق إسرائيلية تحيط بالسفينة مادلين
خبرني - قالت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيزي إن زوارق إسرائيلية سريعة وصلت إلى السفينة مادلين المتوجهة إلى قطاع غزة. وأضافت ألبانيزي على منصة إكس، أن 5 زوارق إسرائيلية تحيط بأسطول الحرية الآن.