الاعترافات الجريئة
وقبل أن تسألني: ومن هي آني إرنو؟ أقول لك: إنها واحدة من أبرز الأصوات النسائية في الأدب الفرنسي المعاصر، كتبت من داخل الجسد، ومن داخل الطبقة الاجتماعية، ومن عمق التجربة النسوية، بمزيج نادر من السيرة الذاتية والتحليل الاجتماعي، وتطرقت إلى موضوعات الذاكرة، والرغبة، والأمومة، والعار، بلغة شديدة التكثيف والصدق...!كتاباتها تُشبه ما يسميه بعض النقاد "الاعترافات العارية"؛ إذ تكتب بلا مساحيق، ولا مجاز، ولا تبحث عن الزينة الأدبية، بل عن الحقيقة كما حدثت، لا كما ينبغي أن تُروى.بدأت آني إرنو الكتابة الأدبية في عام 1974 برواية "خزائن فارغة"، وهي رواية جريئة عن سيرتها الذاتية، وقالت الأكاديمية السويدية عن هذا الكتاب: إنه أكثر مشاريعها طموحًا، والذي أكسبها شهرة دولية، ومجموعة كبيرة من المتابعين، وتلاميذ محبين للأدب.كما فازت بجائزة «رينودو» عن عمل آخر من أعمالها في السيرة الذاتية، وهو «المكان»، ويركّز على علاقتها مع والدها، وتجاربها التي نشأت في بلدة صغيرة في فرنسا، وعملية انتقالها اللاحقة إلى مرحلة البلوغ، بعيدًا عن موطن والديها الأصلي.وقد تُوِّج هذا المسار بنيلها جائزة نوبل في الأدب عام 2022، ووصفتها الأكاديمية السويدية بأنها تملك "شجاعة نادرة، ووضوحًا سريريًا، في كشف الجذور، والقيود، والضوابط الجماعية للذاكرة الشخصية".ومن أبرز مؤلفاتها: السنوات، عشق بسيط، امرأة، شغف، وصولًا إلى روايتها الصادمة "الحدث"، التي تُرجمت للعربية أكثر من مرة، من بينها ترجمة الأستاذة هدى حسين، والتي تقول في مقدمة ترجمتها:"بعد أكثر من عام، أترجم الآن رواية الحدث لآني إرنو. وأتذكر هذه التجربة التي حدثت أيضًا للكثيرات هنا، في مجتمع ما زال يحمل قانونه تجريم الإجهاض على الطبيب، وعلى المرأة التي تجهض نفسها... وبسبب هذا القانون، وهذا العرف الاجتماعي، الذي لا يدين سوى المرأة في الجنس غير المشروط بالزواج، وبالتالي في توابعه، التي قد يصل الأمر معها أحيانًا إلى قتل الفتاة الحامل، أو حبسها وتعذيبها... دون الالتفات إلى تلك القوى الخارجية التي تدفعها للإجهاض، وتلك المشاعر المختلطة التي تنتاب المرأة، التي يضطرها المجتمع أن تقتل طفلها المستقبلي، وأن ينمو بداخلها بدلًا منه كُرهٌ لا حدود له لمجتمع لا يساوي حتى بينها وبين حبيبها في العقاب... داخل مجتمع يعتبر الحب وتوابعه جريمة لا تُغتفر..."كما ذكرت في فقرة أخرى:"أشكر لآني إرنو شجاعتها، وتشجيعها غير المباشر لي، عبر كتابتها ونشرها لهذا العمل... وأنا إذ أترجم هذا العمل، أشعر بسعادة شديدة، إذ أستضيف آني إرنو للمرة الثالثة في لغتي ومجتمعي، بعد أن استضفتها سابقًا عبر ترجمتي لروايتيها "امرأة" و"عشق بسيط"... علّ استضافتها تساهم في تثوير هذا المجتمع بدرجة أو بأخرى، مادامت ساهمت في تثويري على نفسي أنا شخصيًا..."هنا يتضح أن اختيار إرنو لهذا الموضوع لم يكن عشوائيًا، بل نابعًا من إيمانها بأن الكتابة فعل سياسي، وكتابة الجسد مقاومة... أن تكتب عما يُصنّف ك"فضيحة" هو موقف في حد ذاته؛ هو رفض للصمت، ولمجتمع يُحاكم النساء وحدهن على الرغبة، والوحدة، والخوف...رواية "الحدث" ليست فقط عن الإجهاض، بل عن السلطة، عن الجسد، عن حدود الحرية، عن الألم الذي لا يُروى إلا بواقعية قاسية، لا تستدرّ العطف، بل تفتح أعيننا على ما نخشى رؤيته...وما يُدهشك في أسلوب إرنو ليس فقط جرأتها، بل طريقتها في السرد... لغة خالية من الزينة، جمل قصيرة، ذاكرة لا تبكي بل تُواجه، تكتب وكأنها تمسك عدسة مكبرة على جرح لا يلتئم... لا لتندب، بل لتفهم...بإذن الله الأسبوع القادم، أكمل القراءة في رواية "الحدث" للكاتبة الفرنسية المبدعة آني إرنو.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 6 ساعات
- نافذة على العالم
ثقافة : ذكرى رحيل شاعر الهند طاغور.. الفائز الآسيوى الأول بجائزة نوبل للآداب
الخميس 7 أغسطس 2025 11:50 صباحاً نافذة على العالم - تمر، اليوم، ذكرى رحيل الشاعر البنغالى "رابندرنات طاغور" والذى رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم 7 أغسطس 1941، وهو أول شخص غير أوروبى يحصل على جائزة نوبل فى الأدب عام 1913 لذا فهو من السباقين فى هذا المجال إذا بالجائزة بعد 13 عاما فقط من إطلاقها ما يعكس شهرته في ذلك الحين. بداياته نشأ طاغور ابنا لمصلح دينى حيث وُلد في 7 مايو 1861 في كلكتا، الهند وبدأ طاغور كتابة الشعر في سن مبكرة، وبعد دراسات غير مكتملة في إنجلترا في أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، عاد إلى الهند وفي ثمانينيات القرن التاسع عشر، نشر طاغور العديد من كتب الشعر، وأكمل عمله "ماناسي" (1890)، الذي يمثل نضوج عبقريته الشعرية ويحتوي على بعض من أشهر قصائده. أعماله خلال فترة إقامته في البنغال الشرقية، نشر طاغور العديد من مجموعات الشعر، مثل "سونار تاري" (1894؛ القارب الذهبي)، والمسرحيات مثل "تشيترانجادا" (1892؛ شيترا)، قصائده غير قابلة للترجمة بشكل كبير، كما هو الحال مع أكثر من 2000 أغنية له التي حققت شعبية كبيرة بين جميع فئات المجتمع البنغالي. مدرسة شانتينيكيتان في عام 1901، أسس طاغور مدرسة تجريبية في منطقة ريفية في غرب البنغال. انتقل إلى مدينة شانتينيكيتان (دار السلام) في عام 1902، حيث سعى إلى دمج أفضل ما في التقاليد الهندية والغربية. أصبحت المدرسة جامعة فيسفا بهاراتي في عام 1921. سنوات الحزن الناجمة عن وفاة زوجته وطفليه بين عامي 1902 و1907 تنعكس في شعره اللاحق. الفوز بنوبل في عام 1912، قام طاغور بترجمة بعض قصائده إلى الإنجليزية، وأصدر كتاب "جيتانجالي" (قرابين الأغاني)، الذي نال إعجاب شخصيات بارزة مثل ويليام بتلر ييتس وأندريه جيد ففاز بجائزة نوبل للآداب في عام 1913، ليصبح أول غير أوروبي يحصل على هذه الجائزة. النهايات في أواخر عشرينيات القرن العشرين، عندما كان في الستينيات من عمره، بدأ طاغور في الرسم وأنتج أعمالًا أكسبته مكانة بين أبرز الفنانين المعاصرين في الهند. توفي طاغور في 7 أغسطس 1941، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا وفنيًا كبيرًا أثرى الثقافة الهندية والعالمية.


نافذة على العالم
منذ 9 ساعات
- نافذة على العالم
ثقافة : مناقشة رواية الاحتلال لـ آني أرنو حاصدة نوبل فى المركز الدولى للكتاب
الخميس 7 أغسطس 2025 08:30 صباحاً نافذة على العالم - يستضيف المركز الدولي للكتاب، التابع للهيئة العامة للكتاب، أمسية ثقافية جديدة من أمسيات فريق المناقشة، حيث تتم مناقشة رواية "الاحتلال" من تأليف الكاتبة الفرنسية آني أرنو الحاصلة على جائزة نوبل فى الأدب، وذلك يوم السبت 9 أغسطس الجارى، فى تمام الساعة الخامسة والنصف مساءً. ويتناول اللقاء مناقشة إشكالية هل يمكن للاحتلال الذهني أن يكون فناءً أم انتصارًا؟ في هذا النص السردي المكثف ــ وآنى أرنو حازت وفقاً للأكاديمية السويدية، على جائزة نوبل للآداب لعام 2022، وذلك "لشجاعتها وبراعتها التي كشفت بها جذور الاغتراب والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية". ولدت الكاتبة الفرنسية آني إرنو عام 1940 وكبرت في بلدة يفيتوت الصغيرة في نورماندي، لأسرة متوسطة الحال، لكنها كانت طموحة، فكان لدى والديها محل بقالة ومقهى، ورغم حياتهما فى مكان بسيط، إلا أن والديها تمكنا من انتشال أنفسهما من الحياة البروليتارية إلى الحياة البرجوازية، وهو ما بدا واضحا في كتابات آنى إرنو فيما بعد، والتي ركزت فيها على التباينات القوية فيما يتعلق بالجنس واللغة والطبقة، متجاهلةً بذلك ما يدور في عالم السياسة كما يفعل أو ينشغل بعض الأدباء.


نافذة على العالم
منذ 14 ساعات
- نافذة على العالم
ثقافة : ذاكرة اليوم.. إحراق المصلح يان هوس وميلاد مصطفى فهمى ورحيل دلال عبد العزيز
الخميس 7 أغسطس 2025 02:50 صباحاً نافذة على العالم - وقعت فى يوم 7 أغسطس العديد من الأحداث المهمة التى غيرت خريطة العالم، حيث ولد فى مثل هذا اليوم العديد من نجوم الفن والسياسة والأدب وفى شتى المجالات، ورحلت أيضا عنا شخصيات أدبية وسياسة وفنية بارزة، كما يصادف اليوم الاحتفال بمناسبات سنوية بشكل دورى، وهذا ما نستعرضه خلال التقرير التالى. الأحداث الهامة 1415 - إحراق المصلح الديني التشيكي يان هوس الذي انتقد فساد الكنيسة فاتهم بالهرطقة، وقد أحرق رجال الدين كتبه ومخطوطاته قبل إحراقه في ذكرى ميلاده الثانية والأربعين. 1493 - توقيع اتفاقية بين الملك أبو عبد الله محمد الثاني عشر آخر ملوك المسلمين في الأندلس وبين ملك القشتاليين باع له الأول بمقتضاها كل أملاكه في الأندلس ثم غادرها.1798 - الولايات المتحدة تضم جزر هاواي إلى نفوذها. 1819 - وقوع «معركة بوياكا» التي هزم فيها سيمون بوليفار الجيش الإسباني، وهي المعركة التي مهدت لاستقلال كولومبيا ونهاية الهيمنة الإسبانية على أمريكا اللاتينية. 1879 - صدور فرمان 7 أغسطس الخاص بالحد من الصلاحيات الممنوحة لخديوي مصر بعد أقل من أسبوعين من عزل الخديوي إسماعيل وتنصيب الخديوي توفيق. 1941 - الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين يتولى القيادة العليا لكل الجيوش السوفيتية في الحرب العالمية الثانية. ولد في مثل هذا اليوم 317 - الإمبراطور قنسطانطيوس الثاني، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية. 1942 - مصطفى فهمي، ممثل. رحل في مثل هذا اليوم 1415 - يان هوس، مصلح ديني تشيكي. 1941 - روبندرونات تاكور، أديب هندي حاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1913. 2011 - حسن الأسمر، مغني. 2021 - دلال عبد العزيز، ممثلة.