
علوم اجتماعية تحت الطلب
تَجِدُّ في قلب المجتمعات الحيَّة أسئلة الحضور والغياب الوجودي. وتَنشغل دومًا بصياغة أسئلتها الكبرى التي تشغل معاش الناس في حاضرهم وقادِمهم…المعاش هنا يَظهر في حالة تلبس ومُخاتلة مُتنطعة عن النظام العام للأشياء بالتدقيق الأنثربولوجي للعبارة. أهي لحظة رِدَّة عن مكتسبات الاجتماع البشري؟ أهي لحظة فَقْد للرصيد العقلاني والعودة به إلى نقطة الصفر؟ أهي لحظة استدراك لقول مأثور صدر عن الفيلسوف كارل بوبر بأننا نحيا أزمنة البُؤس والتصحر الوجودي؟ أم ترسيخ لاقتناع بأن سوسيولوجيتنا الوجودية لم تنهض بعد للحكم على مُدخلات ومخرجات الفعل التاريخي؟
أكتب هذا الكلام، وفي ذهني لقاء فكري حضر فيه السوسيولوجي فريد الزاهي إلى مراكش الفيحاء، مُثقلًا بهموم السوسيولوجيا المغربية، ومُستثقلًا في آن بانهجاسات الجسد والصورة والمقدس والنص والتأويل داخلها…استدرج الزاهي الحضور كما يستدرج الأسد فريسته إلى تبصر قضية التفكيك؛ تفكيك خطابات العلوم الإنسانية ولازمة أزمتها البنيوية، فعاد بحفرياته إلى ما سَماه ب'الزمن السوسيولوجي الجميل'؛ زمن بول باسكون وعبد الكبير الخطيبي ومحمد ݣسوس وعزيز بلال وفاطمة المرنيسي…بانقطاع هؤلاء، بدأ النقد، أو بالأحرى الانتقاد؛ انتقاد سياسة الإصلاح الجامعي الذي شيَّع الفلسفة والعلوم الانسانية إلى حتفها الأخير. كان خطاب الزاهي مُحمَّلا بلغة الأرقام، وهو من اعتاد على مُعاقرة لغة القياسات الكمية في تحليل النوازل السوسيولوجية. لغة الامبريقي كانت عُدَّته وزاده من أجل تقريب المفارقات. تحدث عن مُتلازمة السياسي والمثقف في لحظة التجاذب الصعب، وعن ولادة فرع جديد في السوسيولوجيا يمكن وَسمه ب'سوسيولوجيا الطلب السياسي'، التي فتحت أوراشا في البحث والكتابة تحت وصاية من يُمول البحث ويُنفق عليه.
مدير المعهد الجامعي للبحث العلمي، وهو يشخص أعطاب ورهانات البحث العلمي بالمغرب، سَطَّر مُفترضات للفهم والاستشكال، ونحت مصطلح جديد، ضمن أروقة القاموس السوسيولوجي 'البنائيين'. قد يعتقد قارئ المتن السوسيولوجي، أن الأمر يتعلق بسَدنة الفلسفة الستراوسية، نسبة إلى صاحب 'مداراتها الحزينة' كلود ليفي سترواس، ولكن القصد هنا، أولئك الذين انصرفوا إلى بناء الدُّور والمنازل، وهجروا طوعا معاقل البحث العلمي…
السياق الذي جرى فيه التحول كان سريعا جدا… منذ بدء الاستقلال، كانت منظومة الحسن الثاني تستعدي الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وتأنف من الحداثة الفكرية… أرادت حداثة من دون نَسغ فكري، طرق وسكك وموانئ… من دون أن تراهن على تأهيل الإنسان ومعرفته بنفسه وبمحيطه… وبما يمكن أن يُسهم ذلك في بناء وعي نقدي للحظة الاغتراب والانعطاب الانطولوجي التي تلازمه… تحصيل ذلك، تقوية أجهزة الدولة وإضعاف الإنسان. أَلم يقل صاحب أطروحة الحوز السوسيولوجي بول باسكون أن السوسيولوجي العضوي هو ذلك الذي تَنسل الفضيحة من لسانه، ويُخصص مِحْبرته من أجل مهمة الكشف والإظهار، بِعُمق جذري، وجرأة واقعية غير مهادنة… لم يَحِد التعليم عن غاياته الاستراتيجية المعلنة منذ تلك اللحظة… اجتر ولا يزال مشاعر الخيبة والانكسار، وساهم مُدبروه عن سبق اصرار وترصد في تحجيم اسهامات أسئلة العلوم الاجتماعية في صناعة الانسان غير المستلب. يُعضَّد القول، بكون 12 % فقط من الشباب هم من يلجون إلى التعليم العالي… وتمويل لا يتعدى أقل من واحد بالمئة من حجم الانفاق الحكومي على قطاع البحث العلمي، 7 % منها فقط تُنفق على مباحث العلوم الاجتماعية، و55% من الأساتذة الجامعيين لم يكتبوا ولو سطرًا واحد خارج أطاريحهم الجامعية ما بين 1960 و2009، و70% منهم غير راضون عن عملهم…وإذا زدنا على ذلك سياسة التعريب الممنهجة التي انتجت جيوشا من المستعربين نكون قد جمعنا كل شروط الإعاقة.
ثمة خمس مغالطات كبرى تؤطر هذا الوضع حسب فريد الزاهي:
1- المغالطة السياسية والمؤسسية من خلال تراكم سياسات الاخفاق والتجريب والوصفات الجاهزة التي تقترحها مكاتب الخبرات؛
2- المغالطة العلائقية التي تربط بين الفاعلين، وتجعل البحث العلمي يقتصر على العلوم الحقة والتكنولوجيا، بصرف النظر عن العلوم الانسانية والاجتماعية، وهي من تقود نحو الاعتراف بالمُبتكر، وتغض الطرف عن الباحث؛
3- غياب المتابعة النقدية لمتون العلوم الاجتماعية من خلال غياب قاعدة بيانات، تسمح بإنتاج أطروحات مكررة، وبشيوع ظاهرة السرقة الأدبية؛
4- المغالطة الاستراتيجية من خلال غياب سياسة واضحة للإصلاح، تُسهم بالتالي في بلقنة المؤسسات الجامعية، وحدوث الطلاق ما بين القطاعات المنتجة والبحث العلمي.
5- الوضع الاعتباري للباحث، بسبب البيروقراطية الادارية، التي تساوي بين الجميع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العالم24
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- العالم24
منال الشرقي الزاهي.. فنّانة تتخطّى الحواس، تُبدع من الصمت وتُجسّد الجمال بلغة الجسد والروح
منال الشرقي الزاهي، فنانة مغربية متعددة المواهب – رسّامة، مغنية، راقصة ومصمّمة رقص – تُعدّ من النماذج النادرة التي تتجاوز الإعاقة لتخلق فناً ينبض بالحياة. صمّاء منذ طفولتها، لكنها لم تدع الصمت يقيدها، بل جعلت منه منبعاً لصوت فني داخلي، شديد الحساسية والصدق. فن يتكلّم بلغة الإحساس في الرقص، ابتكرت منال لغة حركية خاصة بها، مستلهمة من التصوف والرقص المعاصر، تعتمد على اهتزاز الأرض وذاكرة الجسد. في الغناء، تتحدى المألوف: تغني دون أن تسمع، موجّهة بإيقاع القلب والتناغم الداخلي، فتولد منها نبرة تمسّ الروح. أما في الرسم، فهي تعبيرية الطابع، ألوانها مشبعة بالإحساس، وخطوطها تصرخ أو تهمس، مجسدةً الألم، السلام، الهوية، والبعث. فنّانة ومناضلة تستخدم منال فنّها كمنصة لنشر رسائل الأمل، الإدماج، وكرامة الإنسان. تدافع بشغف عن حقوق الفنانين ذوي الإعاقة، وتناصر صوت المرأة في المجتمعات التقليدية. تقدم ورشاً وعروضاً في المراكز الثقافية، المدارس، المؤسسات والسجون، لتقول إن الإعاقة ليست عائقًا، بل مسار إبداعي مختلف. اعتراف دولي وتأثير عالمي في عام 2020، تم تعيينها عضوًا في المجلس الدولي للرقص التابع لليونسكو، تقديراً لمساهماتها الفنية والإنسانية. شاركت في عروض ومعارض في دول عديدة مثل فرنسا، بلجيكا، تونس، السنغال، والمغرب، وتواصل اليوم مشاريعها بالتعاون مع مؤسسات دولية كبرى. مشاريع حالية ورؤية مستقبلية تعمل حاليًا على مشروع 'أصوات النساء'، وهو برنامج فني متكامل يعكس قوة التعبير النسوي في وجه القمع المجتمعي. منال الشرقي الزاهي ليست مجرد فنانة، بل رؤية فنية وإنسانية، تُجسد كيف يمكن تحويل الصمت إلى صوت، والاختلاف إلى نور، والفن إلى أداة تغيير.


لكم
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- لكم
الخطيبي كما لم نقرأه بعد.. إرث فكري وإبداعي يهدم الحدود بين الحقول المعرفية
انبعث إسهام المفكر الراحل عبد الكبير الخطيبي، اليوم الأحد بالرباط، مشروعا متجددا دائم الراهنية يسائل قارئ اليوم ويدعوه إلى تفاعل يقظ مع نصوص اضطلعت بدور تأسيسي في الفكر المغربي المعاصر. وتقاطعت مداخلات الباحثين فريد الزاهي ومحمد نور الدين أفاية، في جلسة أدارها الباحث محمد زرنين، ضمن فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، لتضيء أبعاد متن فكري وإبداعي كبير ومتعدد هدم الحدود بين الحقول المعرفية وحجز مكانا متميزا ضمن نخبة الأسماء التي رفدت الفكر المغربي المعاصر بإسهام فارق، بالأسلوب والمضمون معا. ومن خلاصات صحبة فكرية وشخصية طويلة، استعاد الزاهي صورة قامة فكرية وإبداعية سامقة تنقلت بفعالية بين عوالم السوسيولوجيا والفكر والأدب والنقد والفنون، وهي سمة لعلها أحدثت شرخا على مستوى تلقي تراث الراحل، بين العالم العربي والغربي. 'لم نقرأ بعد الخطيبي كاملا'، يقول فريد الزاهي الذي ترجم عددا من مؤلفات الرجل الذي كان سباقا الى طرح سؤال الجمع بين تمثل الحضارة المغربية الجامعة وفكرة المغرب المتعدد الغني بمكوناته الثقافية المختلفة. وهو يقدم نموذجًا لـ'آفة النسيان' التي تطال هذا الإرث الفكري، على حد تعبيره، من خلال رواية 'كتاب الدم' التي نشرها الراحل بالفرنسية، ولم يُترجم منها إلا فصل واحد قام به الشاعر أدونيس، مع أنها – في نظره – تفوق قيمة العديد من النصوص الروائية التي حققت الشهرة في سماء الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية. كما توقف صاحب كتاب 'عبد الكبير الخطيبي: الكتابة والوجود والاختلاف' عند العلاقات السجالية التي أقامها الراحل مع نخبة من الأعلام، من موقع الندية والقراءة المتحررة من أي عقدة، من قبيل عبد الله العروي مغربيا، أو جاك بيرك وجاك ديريدا ورولان بارث فرنسيا. في هذا السياق، يقول الزاهي إن الخطيبي 'حرر جيلا كاملا من دوغمائية الماركسية وعبثية سارتر..'. في أي حقل إبداعي أو فكري، ثمة بصمة للخطيبي المتعدد، صانع القلق، حسب محمد نور الدين أفاية، الذي يستعرض رصيدا عابرا بين الرواية والمسرح والنقد التشكيلي والثقافة الشعبية فضلا عن البحث في العلوم الانسانية والاجتماعية. يرى أفاية أن صاحب 'الاسم العربي الجريح' نحت لنفسه أسلوبا خاصا، مستفزا، وصاغ نمطا من الكتابة يتغير بتغير مجالات اهتماماته، وتمرد على الحدود المنهجية للسوسيولوجيا في مقاربة الظواهر رغم تكوينه فيها، منبها إلى أنه اكتسب الجدارة والتفرد ضمن كوكبة لامعة من رواد الفكر المغربي الحديث من أمثال بول باسكون وعزيز بلال وعبد الله العروي. هو خصم للثنائيات المعرفية (مثلا بين التراث والحداثة)، يقول أفاية، يغوص في المسكوت عنه، ويسائل الهامش، ويكسر الحدود الوهمية بين الحقول وأنماط التفكير، بين مجالات الكتابة العقلانية والمتخيلة. وأكثر من ذلك، هو فاتح طريق للبحث في المجال البصري المغربي والعربي من فن الخط الى الزربية مرورا بالوشم..الخ. يذكر أن عبد الكبير الخطيبي ولد بالجديدة سنة 1938 وتوفي سنة 2009 بالرباط. عمل أستاذا جامعيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، ومديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي. من أعماله 'الذاكرة الموشومة' (1971)، 'فن الخط العربي' (1976)، 'النقد المزدوج' (1980)، 'الرواية المغاربية' (1993)، 'صيف بستوكهولم' (1990)، 'صور الأجنبي في الأدب الفرنسي' (1987).


لكم
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- لكم
علوم اجتماعية تحت الطلب
تَجِدُّ في قلب المجتمعات الحيَّة أسئلة الحضور والغياب الوجودي. وتَنشغل دومًا بصياغة أسئلتها الكبرى التي تشغل معاش الناس في حاضرهم وقادِمهم…المعاش هنا يَظهر في حالة تلبس ومُخاتلة مُتنطعة عن النظام العام للأشياء بالتدقيق الأنثربولوجي للعبارة. أهي لحظة رِدَّة عن مكتسبات الاجتماع البشري؟ أهي لحظة فَقْد للرصيد العقلاني والعودة به إلى نقطة الصفر؟ أهي لحظة استدراك لقول مأثور صدر عن الفيلسوف كارل بوبر بأننا نحيا أزمنة البُؤس والتصحر الوجودي؟ أم ترسيخ لاقتناع بأن سوسيولوجيتنا الوجودية لم تنهض بعد للحكم على مُدخلات ومخرجات الفعل التاريخي؟ أكتب هذا الكلام، وفي ذهني لقاء فكري حضر فيه السوسيولوجي فريد الزاهي إلى مراكش الفيحاء، مُثقلًا بهموم السوسيولوجيا المغربية، ومُستثقلًا في آن بانهجاسات الجسد والصورة والمقدس والنص والتأويل داخلها…استدرج الزاهي الحضور كما يستدرج الأسد فريسته إلى تبصر قضية التفكيك؛ تفكيك خطابات العلوم الإنسانية ولازمة أزمتها البنيوية، فعاد بحفرياته إلى ما سَماه ب'الزمن السوسيولوجي الجميل'؛ زمن بول باسكون وعبد الكبير الخطيبي ومحمد ݣسوس وعزيز بلال وفاطمة المرنيسي…بانقطاع هؤلاء، بدأ النقد، أو بالأحرى الانتقاد؛ انتقاد سياسة الإصلاح الجامعي الذي شيَّع الفلسفة والعلوم الانسانية إلى حتفها الأخير. كان خطاب الزاهي مُحمَّلا بلغة الأرقام، وهو من اعتاد على مُعاقرة لغة القياسات الكمية في تحليل النوازل السوسيولوجية. لغة الامبريقي كانت عُدَّته وزاده من أجل تقريب المفارقات. تحدث عن مُتلازمة السياسي والمثقف في لحظة التجاذب الصعب، وعن ولادة فرع جديد في السوسيولوجيا يمكن وَسمه ب'سوسيولوجيا الطلب السياسي'، التي فتحت أوراشا في البحث والكتابة تحت وصاية من يُمول البحث ويُنفق عليه. مدير المعهد الجامعي للبحث العلمي، وهو يشخص أعطاب ورهانات البحث العلمي بالمغرب، سَطَّر مُفترضات للفهم والاستشكال، ونحت مصطلح جديد، ضمن أروقة القاموس السوسيولوجي 'البنائيين'. قد يعتقد قارئ المتن السوسيولوجي، أن الأمر يتعلق بسَدنة الفلسفة الستراوسية، نسبة إلى صاحب 'مداراتها الحزينة' كلود ليفي سترواس، ولكن القصد هنا، أولئك الذين انصرفوا إلى بناء الدُّور والمنازل، وهجروا طوعا معاقل البحث العلمي… السياق الذي جرى فيه التحول كان سريعا جدا… منذ بدء الاستقلال، كانت منظومة الحسن الثاني تستعدي الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وتأنف من الحداثة الفكرية… أرادت حداثة من دون نَسغ فكري، طرق وسكك وموانئ… من دون أن تراهن على تأهيل الإنسان ومعرفته بنفسه وبمحيطه… وبما يمكن أن يُسهم ذلك في بناء وعي نقدي للحظة الاغتراب والانعطاب الانطولوجي التي تلازمه… تحصيل ذلك، تقوية أجهزة الدولة وإضعاف الإنسان. أَلم يقل صاحب أطروحة الحوز السوسيولوجي بول باسكون أن السوسيولوجي العضوي هو ذلك الذي تَنسل الفضيحة من لسانه، ويُخصص مِحْبرته من أجل مهمة الكشف والإظهار، بِعُمق جذري، وجرأة واقعية غير مهادنة… لم يَحِد التعليم عن غاياته الاستراتيجية المعلنة منذ تلك اللحظة… اجتر ولا يزال مشاعر الخيبة والانكسار، وساهم مُدبروه عن سبق اصرار وترصد في تحجيم اسهامات أسئلة العلوم الاجتماعية في صناعة الانسان غير المستلب. يُعضَّد القول، بكون 12 % فقط من الشباب هم من يلجون إلى التعليم العالي… وتمويل لا يتعدى أقل من واحد بالمئة من حجم الانفاق الحكومي على قطاع البحث العلمي، 7 % منها فقط تُنفق على مباحث العلوم الاجتماعية، و55% من الأساتذة الجامعيين لم يكتبوا ولو سطرًا واحد خارج أطاريحهم الجامعية ما بين 1960 و2009، و70% منهم غير راضون عن عملهم…وإذا زدنا على ذلك سياسة التعريب الممنهجة التي انتجت جيوشا من المستعربين نكون قد جمعنا كل شروط الإعاقة. ثمة خمس مغالطات كبرى تؤطر هذا الوضع حسب فريد الزاهي: 1- المغالطة السياسية والمؤسسية من خلال تراكم سياسات الاخفاق والتجريب والوصفات الجاهزة التي تقترحها مكاتب الخبرات؛ 2- المغالطة العلائقية التي تربط بين الفاعلين، وتجعل البحث العلمي يقتصر على العلوم الحقة والتكنولوجيا، بصرف النظر عن العلوم الانسانية والاجتماعية، وهي من تقود نحو الاعتراف بالمُبتكر، وتغض الطرف عن الباحث؛ 3- غياب المتابعة النقدية لمتون العلوم الاجتماعية من خلال غياب قاعدة بيانات، تسمح بإنتاج أطروحات مكررة، وبشيوع ظاهرة السرقة الأدبية؛ 4- المغالطة الاستراتيجية من خلال غياب سياسة واضحة للإصلاح، تُسهم بالتالي في بلقنة المؤسسات الجامعية، وحدوث الطلاق ما بين القطاعات المنتجة والبحث العلمي. 5- الوضع الاعتباري للباحث، بسبب البيروقراطية الادارية، التي تساوي بين الجميع.