
غزة.. بقلم صحفية!
ليس سهلًا على فتاة اختارت أن تكون قويةً في كل استحقاق أن تكتشف في أعماقها مكامن الخوف التي خلفتها طبول الحرب، التي بقيت تدق على مدى أكثر من عام ونصفٍ.
في كل صباح، تدخل مكتبها، تتابع أخبارَ غزة التي لا تنتهي: أحداثًا حمراء مضرجة بالدماء، ودموعًا تسيل من الشاشات كأنما هي نهر بلا ضفاف، وعدادًا يرتفع، ونحيبًا يعبر من غزة إلى لبنان عبر الأثير، ومنه إلى كل العالم بلا حدود ولا قيود ولا هوامش.
خبر عاجل ونشرة أخبار.. قصف مميت يتنقل وبيان إدانة يتيم.. وصاروخ باليستي قادم من اليمن أطلق عليه اسم "فلسطين"، هي وجبة دسمة ليوم طويل، تنتظر أن ينتهي بخبر عاجل تعلن فيه مذيعة شقراء مطبعة نبأ اندحار الاحتلال
تنتظر العنوان الساخن من مديرها، وتبتلع الخبر الذي سيتحول بعد قليل إلى نص يحبس أنفاس القراء.. تفكر أنها بحاجة إلى اختيار صورة عميقة بحجم الفاجعة، وجملة افتتاحية تمهد لحكاية موجعة جديدة.
تدرك أن الكتابة عن القصف المتواصل والقتل باتت عبئًا يتكرر كل يوم، وأن الطفل الذي يصرخ من تحت الركام لن يسكت في ذاكرتها. تسابق الوقت لتنقل التفاصيل، وتخبّئ بين السطور وجعًا شخصيًّا لا يمكن أن يذاع.
خبر عاجل ونشرة أخبار.. قصف مميت يتنقل وبيان إدانة يتيم.. وصاروخ باليستي قادم من اليمن أطلق عليه اسم "فلسطين"، هي وجبة دسمة ليوم طويل، تنتظر أن ينتهي بخبر عاجل تعلن فيه مذيعة شقراء مطبعة نبأ اندحار الاحتلال، بعد اقتحام الجيوش العربية كل الحدود، وفك الحصار، ودخول قوافل الصمود، وعودة الأهالي الذين أتعبهم النزوح، وحمل حقائب الذكريات إلى بيوتهم.. لكن النبأ لم يأتِ بعد.
وبالانتظار.. تقرير واحد كان كفيلًا بأن تنتمي قلبًا وروحًا إلى غزة! هناك ما يقارب 400 تقرير آخر، شاهدت من خلالها جنازات، وتشييعًا، ومآتم لآلاف الشهداء، بحثت مع الأطفال عن ألعابهم التي بترت القذائف أطرافها تحت الركام.. تقارير أدخلتها إلى خيام الهاربين من الموت إلى موت أبشع، عايشت أنين الجائعين الذين يسكنون على قارعة الموت، وهم يزحفون تحت الشمس إلى أقرب تكية.. فتصيبها أصوات أواني الطعام الفارغة بالصداع، وأزيز القصف بالذعر حتى الهذيان من صمت يلف العالم.
وما بين تقرير وآخر، تمسك القلم كأنها تمسك نبض المدينة، تتلمس جراحها، تكتب بدمعها، لا بحبر عابر.. تسهر على حروف لا تنام، وتسائل الصور التي تصلها: هل مات هذا الطفل فعلًا؟ هل ستنجو شقيقته من بين الأنقاض؟ هل أكل الأطفال وجبة العشاء؟ ماذا عن محمد وسوسو الصغيرة وريم وليان؟ ماذا عن حجارة غزة وكل ما فيها؟
إعلان
وتسأل: كيف صمد هؤلاء كل هذا الوقت؟ كيف ثبتوا زهاء العشرين شهرًا من الألم والمآسي؟! لا بد أن قوةً إيمانيةً عظمى تحرك أرواحهم، وأن نورًا داخليًّا لا ينطفئ يضيء لهم الطريق في ظلام الحرب القاتم.
رحلة مؤلمة هي، لكنها مملوءة بالمسؤولية: تشاهد، تنقل، توثق، تحكي، وتعاني معهم.. تحيي بقلمها أو بأزرار هاتفها وبشاشة حاسوبها أصواتهم، وتحاول أن تمنحهم صوتًا آخر في وجه الصمت العالمي، رغم التعب ورغم الألم.
لكنها في كل مساء، حين تخلع عنها معطف القوة وتسدل الستائر على يوم آخر من المجازر، تجد نفسها تنهار أمام طفل أضاع أمه، ورضيع لا يجد الحليب، ومريض لم يضمد جرحه بعد، وأم أثكلها الفقد!
هي غزة الألم والأمل.. غزة التي لا تنكسر؛ فعظامها كأغصان زيتون، ودماؤها رائحة غار، وفي قلبها مقام شهيد يحبو نحو الحرية، على ركبتي الزمن.. من الأمس وحتى تختم الرواية!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
أبرز أسباب فشل إسرائيل في إيران
ما الذي حقّقته إسرائيل في إيران بعد أحد عشر يومًا من القصف المتواصل؟ ادّعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيانه الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار أن إسرائيل أنجزت أهدافها. غير أن مثل هذا الادّعاء يثير علامات استفهام كثيرة، على أقل تقدير. ففي مستهلّ الحرب القصيرة، حدّد نتنياهو هدفين أساسيين: "اجتثاث البرنامج النووي الإيران" و"تغيير النظام". فهل تحقّق ذلك بالفعل؟ على الأغلب لا. إذ تشير المعطيات إلى أنّ إيران نقلت المواد القابلة للانشطار من منشأة فوردو التي استهدفتها الولايات المتحدة، وهي المواد التي تمثّل الركيزة الأهمّ في برنامجها النووي. وعليه، فإنّ عملية "الاجتثاث" المزعومة تبدو أقرب إلى الإخفاق منها إلى الإنجاز. أما بخصوص حجم الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالبرنامج النووي الإيراني، فلا تزال الصورة ضبابية إلى حدّ كبير. صحيح أن إسرائيل نجحت في إقناع الولايات المتحدة باستهداف منشآت إيران النووية باستخدام قنابل خارقة للتحصينات (MOPs)، إلا أنّ واشنطن لم تقدّم دعمًا إضافيًا يُذكر للهجوم الإسرائيلي. وبطبيعة الحال، يصعب تقدير حجم الدمار، إذ من غير المرجّح أن تسمح إيران لأيّ جهة خارجية بمعاينة المواقع المستهدفة. أمّا على صعيد "تغيير النظام" داخل إيران، فالنتيجة معاكسة تمامًا لما سعت إليه إسرائيل. فقد راهنت تل أبيب على إشعال انتفاضة شعبية ضدّ النظام من خلال اغتيال القادة العسكريين لمختلف الأجهزة الأمنية الإيرانية، مستندة إلى قناعة راسخة بأنّ الطريق الأمثل لزعزعة خصمها هو تصفية كبار مسؤوليه. لكنّ هذه الإستراتيجية لم تحقق أهدافها قطّ. والاستثناء الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه هو تأثير مقتل حسن نصرالله على حزب الله في لبنان، علمًا بأن ذلك جاء إلى حدّ كبير بسبب الديناميكيات السياسية اللبنانية الداخلية. أمّا سائر عمليات الاغتيال الإسرائيلية فلم تؤدِّ إلى أيّ تحوّلات سياسية جوهرية. أما على صعيد إيران، فقد أفضت هذه الاغتيالات إلى التفاف الرأي العام حول الحكومة بدل زعزعتها. فقد استهدفت إسرائيل كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، الذي يُعدّ من أقوى ركائز المشهد السياسي الإيراني وأكثر الجهات المكروهة من قِبل الشعب الإيراني. ومع ذلك، فإنّ كثيرًا من الإيرانيين، حتى أولئك الذين يُصنّفون من ألدّ خصوم الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري على وجه الخصوص، وجدوا أنفسهم يدعمونه، إذ رأوا أنّ الهجوم لم يكن موجهًا إلى "النظام" وحده، بل إلى إيران بأسرها. ولم تسفر المحاولات الإسرائيلية لاستهداف "رموز النظام" إلا عن مفاقمة الوضع. فقد روّجت إسرائيل لغاراتها على سجن إيفين، المشهور بتعذيب المعتقلين السياسيين، وكأنّها دعم لنضال الشعب الإيراني ضد قمع الجمهورية الإسلامية. غير أنّ القصف لم يُسفر إلا عن تفاقم معاناة السجناء، إذ عمدت السلطات إلى نقل العديد منهم إلى مواقع مجهولة. أما قصف "ساعة نهاية إسرائيل"، الرمز الذي كثيرًا ما يتفاخر الإسرائيليون به دليلًا على سعي إيران إلى دمار إسرائيل، فلم يكن سوى فعل مثير للشفقة. بالمثل، كان استهداف إسرائيل مقرّ هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية IRIB ضربًا من العبث، إذ زعمت أنّه سيساهم في تقويض قدرة النظام على نشر الدعاية. بيد أنّ ذلك القصف منح إيران، كما أشار العديد من الإسرائيليين أنفسهم، الذريعة التي تحتاجها لتهديد محطات التلفزة الإسرائيلية بالمثل. فهل نجحت إسرائيل، على الأقلّ، في استمالة الرأي العام الدولي إلى صفّها، وإعادة رسم صورتها من معتدية إلى دولة تخوض "حربًا عادلة"، بما يُسهم في صرف الأنظار عن أحداث غزة؟ يبدو ذلك أمرًا مستبعَدًا إلى حدّ بعيد. صحيح أنّ الولايات المتحدة شنّت ضربات على منشآت نووية إيرانية، منتهكة بذلك العديد من قواعد القانون الدولي، وهو ما يُرجّح أن يخلّف تداعيات بعيدة المدى، غير أنّ ترامب لم ينضمّ إلى إسرائيل في حملتها العسكرية، إذ سحبت القاذفات الإستراتيجية الأميركية فور انتهاء الضربات، من دون أن يكون لها أيّ دور قتاليّ مستدام إلى جانب تل أبيب. وقبل الضربات وبعدها، كرّر ترامب مرارًا رغبته في التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، ربّما يشمل إسرائيل أيضًا. وتشير الدلائل إلى أنّ الرئيس الأميركي سعى إلى توظيف هذا الدعم المؤقت لخدمة مصالحه الخاصة ومصالح حلفائه في الخليج، أكثر من كونه التزامًا طويل الأمد بالدفاع عن إسرائيل. وفيما سارع العديد من زعماء العالم، وعلى رأسهم المستشار الألماني فريدريش ميرتس، إلى دعم الضربات الأميركية والتأكيد على "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لم يتبنَّ أيٌّ منهم قائمة المطالب الإسرائيلية المتشدّدة، التي شملت اشتراط ألا يُسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم على الإطلاق. وبدلًا من ذلك، عاد العالم إلى صيغة "لا أسلحة نووية" التي سبق أن أبدت إيران استعدادها للالتزام بها. أما على صعيد التطورات الإقليمية، فقد بدأ المجتمع الدولي ينظر إلى إيران باعتبارها شريكًا مشروعًا في الأعمال والتعاون الإقليمي، الأمر الذي يُعدّ نصرًا دبلوماسيًا لإيران وخسارة لإسرائيل. ولا يمكن إغفال الأضرار البالغة التي أصابت العمق الإسرائيلي. فرغم أنّ إسرائيل فرضت سيطرة جوية سريعة على إيران وشنت ضرباتها متى وأينما شاءت، فإنّ صواريخ إيران اخترقت مرارًا منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية المشهورة، وأصابت قلب إسرائيل وأرجاء واسعة من البلاد، مخلّفة أعدادًا غير مسبوقة من القتلى والجرحى ودمارًا واسع النطاق. بدأ مخزون صواريخ الاعتراض الإسرائيلي بالنفاد من دون أمل قريب بإعادة التزويد، وتعرّض الاقتصاد الإسرائيلي لشلل شبه تام، فكان ذلك نصرًا آخر يُحسب لإيران. أما إيران، فقد خرجت من الحرب وهي مثخنة بالجراح، متكبدة خسائر مادية وبشرية من القصف المتواصل، إلا أنّ الجمهورية الإسلامية لم تنهَر حتى أمام القوة العسكرية الإسرائيلية الضخمة. أصابت صواريخ إيران أهدافها بدقة، وظلّت صورتها أمام الرأي العام الدولي صورة الضحية التي تتعرض لعدوان إسرائيلي. وقد أظهرت إيران من القوة ما دفع ترامب إلى تحذير إسرائيل من أي هجوم آخر بعد أن بدا أنّ وقف إطلاق النار وُضع على المحك. وهكذا خرجت إيران من المواجهة – كما تحبّ دائمًا أن تظهر- صامدة، واقفة على قدميها، ومتمسّكة بقدرتها على رسم مسارها المستقبلي.


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
حرب إسرائيل وإيران مباشر.. الحرس الثوري يعتقل جواسيس وواشنطن تؤكد تدمير البرنامج النووي
دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل يومه الثالث بعد حرب استمرت 12 يوما، حيث ما زال الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأعضاء إدارته يؤكدون تدمير البرنامج النووي الإيراني، متهمين كل من ينشر أخبارا تناقض ذلك بالكذب وتقويض ما تحقق في إيران.


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
الحرب على غزة مباشر.. غضب بإسرائيل من مشاهد كمين خان يونس وهجمات للمستوطنين بالضفة
في اليوم الـ101 من استئناف حرب الإبادة على غزة، قال الناطق باسم كتائب عز الدين القسام إن "جنائز وجثث جنود العدو ستصبح حدثا دائما طالما استمر عدوان الاحتلال وحربه المجرمة ضد شعبنا"، وذلك بعد نشر الكتائب مشاهد لعملية استهداف ناقلتي جند إسرائيليتين في مدينة خان يونس.