logo
أزمة التمويل تحرم آلاف اللاجئين بمصر من العلاج

أزمة التمويل تحرم آلاف اللاجئين بمصر من العلاج

الجزيرة٢٤-٠٤-٢٠٢٥

القاهرة- لم يكن قرار الفرار سهلا، ففي الخرطوم عاشت الأرملة مها عوض الكريم 50 عاما لم تغادر فيها الوطن يوما واحدا، لكنها ومع اشتداد القتال على أعتاب العاصمة السودانية اتخذت قرار الرحيل.
كانت الوجهة هي القاهرة ، والرحلة كانت شاقة على السيدة الخمسينية ووالدتها التي تخطت الـ70 عاما، في حين ابنتها ذات الـ13 سنة لم تدرك أسباب كل ذلك العناء، استقرت مها في حي فيصل بالقاهرة قبل نحو عام ونصف، لتبدأ رحلة معاناة من نوع آخر، فلا مصدر دخل لهن وتباعا داهمهن المرض.
تقليص الدعم
كانت السيدة السودانية تعمل في بلدها معلمة رياض أطفال، وحين وجدت فرصة عمل بالتخصص نفسه في مصر تعرضت لحادث أدى إلى كسر بالذراع وتمزق بأربطة الساق وضياع الوظيفة قبل أيام قليلة من الالتحاق بها.
وبعد ذلك اكتشفت إصابة عينيها بالمياه البيضاء، كما قال الطبيب إن والدتها تحتاج لجراحة عاجلة بالعمود الفقري.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي حصلت مها وابنتها ووالدتها على البطاقة الصفراء من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، لكنهن لم يحصلن على أي خدمات طبية أو مساعدة مادية رغم سعيهن لذلك.
إعلان
وقد أعلنت المفوضية مؤخرا تقليص دعمها للاجئين وطالبي اللجوء في مصر جراء أزمة تمويل ضخمة تواجهها المنظمة الدولية.
وتقول مها للجزيرة نت "حاولت كثيرا التواصل مع المفوضية لكنني فشلت في الحصول على دعم طبي لي ولأمي أو دعم تعليمي لابنتي، نحتاج المساعدة لأننا في أشد الحاجة لها".
وأجبرت أزمة التمويل الإنساني المفوضية على تقليص دعمها للاجئين وطالبي اللجوء في مصر، خاصة الدعم الطبي، إذ اضطرت إلى تعليق كافة أشكال العلاج باستثناء التدخلات الطارئة المنقذة للحياة.
وذكر تقرير حديث لها أن عشرات الآلاف أصبحوا غير قادرين على الوصول إلى الرعاية الصحية الحيوية وخدمات حماية الطفل وأشكال المساعدة الأخرى، مما أثر على نحو 20 ألف مريض، بمن في ذلك من يحتاجون إلى جراحات السرطان والقلب والعلاج الكيميائي.
وركزت المنظمة في تقريرها على معاناة اللاجئين السودانيين، وهم الأكثر عددا بين الجنسيات اللاجئة في مصر.
وقال مسؤول الصحة العامة في المفوضية بالقاهرة جاكوب أرهم إن الحصول على الرعاية الصحية كان عاملا رئيسيا دفع العديد منهم إلى الفرار إلى مصر.
وأضاف "النظام الصحي في السودان من أوائل القطاعات التي انهارت بعد اندلاع القتال، والعديد من العائلات التي فرت تضم أفرادا مرضى غير قادرين على تحمّل تكاليف العلاج، ومع أزمة التمويل التي تواجهها المفوضية فإن من المحتمل أن يفقد الكثيرون حياتهم".
ضغوط
وفي السياق، قالت نائبة ممثلة المفوضية في مصر مارتي روميرو إن القاهرة تواجه ضغوطا هائلة، والخدمات الأساسية تُدفع إلى أقصى حدودها، مشددة على الحاجة إلى دعم فوري ومستدام لمنع تفاقم الأزمة.
ووفق سجلات منظمة شؤون اللاجئين، هناك نحو 941 ألف لاجئ في مصر، منهم 631 ألفا من السودان وحده، في حين يؤكد مسؤولون بالحكومة المصرية أن العدد يصل إلى 9 ملايين لاجئ، مما يعني -وفق الرقم الرسمي- أن أغلبية الفارين من بلادهم لا يخضعون لمظلة اللجوء القانونية داخل مصر.
وأكدت المفوضية أنها لم تتلق في العام الماضي سوى أقل من نصف المبلغ المطلوب لدعم اللاجئين وطالبي اللجوء، وقدَّر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي -في تصريح له- تكلفة الإنفاق على اللاجئين بما يزيد على 10 مليارات دولار سنويا.
أما رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب فخري الفقي فقال إن التكلفة السنوية لاستضافة اللاجئين تبلغ نحو 6 مليارات دولار خلال كلمة له في إحدى الجلسات البرلمانية.
وأضاف الفقي في مداخلة هاتفية لبرنامج تلفزيوني أن مفوضية اللاجئين تقدم دعما لعدد يقارب المليون شخص، في حين تتحمل الحكومة المصرية تكلفة الخدمات الأساسية المقدمة لنحو 8 ملايين آخرين يشكلون نحو 8% من إجمالي سكان البلاد.
وأوضح الفقي آلية احتساب التكلفة قائلا "تبلغ مصروفات الموازنة 4 تريليونات جنيه (جنيه واحد يساوي 0.020 دولار) مخصصة للخدمات الحكومية التي تقدمها الدولة لكل المقيمين في مصر، ونسبة الـ8% من هذه المصروفات تعادل 320 مليار جنيه، أي 6 مليارات دولار".
ورغم تلك التقديرات الرسمية فإن المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري أعلن في مارس/آذار الماضي عن تعاون حكومة بلاده مع منظمات الأمم المتحدة بهدف حصر التكلفة الاقتصادية لأعداد اللاجئين والوافدين المقيمين التي تتحملها الدولة المصرية.
أزمة التمويل
وفي أوائل أبريل/نيسان الجاري أعلنت مفوضية اللاجئين أن الحكومة المصرية رفعت السعة اليومية لإصدار تصاريح الإقامة للاجئين من 600 إلى ألف شخص، كما تم تمديد مدة الإقامة من 6 أشهر إلى سنة كاملة.
وفي ظل تفاقم أزمة التمويل يجد رئيس مبادرة تنمية اللاجئين في مصر عبد الجليل نورين نفسه متأثرا بشكل شخصي بالأزمة، وفي الوقت نفسه يحاول أن يجد ملاذا لأولئك الآملين في أن يجدوا في مبادرته فرصة لنجاتهم.
ويعاني نورين من تمدد بالرئة، مما يتطلب إجراء عملية جراحية، وقد استوفى كل الأوراق التي تطلبها مفوضية اللاجئين في مثل حالته، لكنه ينتظر دوره منذ شهور دون أي بادرة أمل لاستجابة من جانب المنظمة التي تعاني أزمة في تغطية نفقات علاج آلاف اللاجئين.
ويقول للجزيرة نت "داخل مقر مبادرة تنمية اللاجئين نعايش بشكل يومي تبعات هذه الفجوة التمويلية، خاصة على الفئات الأكثر ضعفا مثل الأطفال المحرومين من الحماية والمرضى الذين تُركت ملفاتهم الطبية بلا علاج".
ويعتبر الناشط الحقوقي تعليق الدعم الطبي -إلا للحالات الطارئة- بمثابة تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه أناس دفعهم اليأس إلى اللجوء "في حين تُختزل حياتهم في أرقام داخل تقارير ميزانيات".
ورغم التحديات فإن نورين يحاول -مع باقي أعضاء مبادرة تنمية اللاجئين- تعويض جانب من العجز التمويلي عبر شبكات التكافل المحلية والبرامج التنموية، ويختم "لكننا لا نملك حلولا بديلة عن نظام حماية دولي عادل".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين
بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين

الجزيرة

timeمنذ 15 ساعات

  • الجزيرة

بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين

غزة – كالمعتاد، عند الثامنة صباحا فتح قسم بنك الدم في مجمع ناصر الطبي ب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أبوابه، ولنحو 4 ساعات، رصدت الجزيرة نت هدوءا تاما ومقاعد فارغة، على وقع أصوات الإنذار الصادرة عن سيارات الإسعاف، التي تتوافد على المجمع محملة بجرحى غارات جوية إسرائيلية مكثفة على المنازل وخيام النازحين. طوال هذه الساعات لم يحضر سوى متبرع واحد، اعتاد على التبرع بالدم منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية " طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن يوسف التلاوي يقول للجزيرة نت إنه خلال الشهور الستة الماضية امتنع عن التبرع لشعوره بـ"الهزال والدوخة بسبب المجاعة وسوء التغذية". صبيحة أول أمس الأحد، استيقظ التلاوي وفي نيته التبرع وقد تملّكه الحزن لعدم وجود ما يتناوله من طعام قبل التوجه لبنك الدم، ولولا دعاه صديق له لتناول الإفطار برفقته لما تمكّن من ذلك، ويقول "لا أملك غير دمي للتبرع به للمساعدة في إنقاذ جريح قد تكون قطرة منه تعني الحياة بالنسبة له". قبل اندلاع الحرب كان التلاوي (25 عاما) معتادا على التبرع بشكل دوري ومستمر، مرة كل 3 شهور، غير أن العدوان لم يمنحه الفرصة سوى 3 مرات فقط للتبرع بالدم، ويُرجع هذا الشاب، المتزوج حديثا والذي رُزق بطفلته الأولى، السبب "ل استهداف المستشفيات والحصار والمجاعة وسوء التغذية". إعلان تشير مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة الدكتورة صوفيا زعرب إلى "ظاهرة ملفتة لعزوف الشباب عن التبرع بالدم"، وتقول للجزيرة نت إنها ازدادت على نحو كبير منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في 2 مارس/آذار الماضي، وما تبع ذلك من تفشي المجاعة وسوء التغذية. وحسب زعرب، لم يدخل رصيد بنك الدم في مجمع ناصر الطبي خلال الأيام الثلاثة الماضية سوى 10 وحدات دم فقط، في مقابل صرف 250 وحدة في الفترة ذاتها منذ صباح يوم الجمعة الماضي، لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى. من جانبه، يقول شريف إهليل، وهو شاب رياضي في الثلاثين من عمره، للجزيرة نت "أشعر أنني لست بخير"، وكلما عزم على التبرع بالدم يتردد ويعزف عن ذلك. كان إهليل لاعبا لكرة القدم في أندية محلية، ويؤكد أنه لا يعاني من أية أمراض، غير أنه لا يتناول أي طعام صحي منذ إغلاق المعابر واستئناف الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي، حيث لا تتوفر اللحوم والدواجن والأسماك في الأسواق، والخضراوات شحيحة وأسعارها "فلكية"، ويعتمد في غذائه اليومي على ما تبقى لديه من أغذية معلبة حصل عليها في طرود مساعدات إنسانية سابقة. وتقول الدكتورة زعرب إن "المجاعة فتكت بالجميع، وكثيرون من أمثال إهليل في مرحلة الشباب يعانون من سوء التغذية، ويخشون من التبرع بالدم، وبينهم من يتعالى على جوعه ويأتي للتبرع، ولكنه يشعر بالتعب والدوخة ولا يستطيع إكمال الوحدة، ونضطر لإتلاف الكمية التي سُحبت منه". واقع خطير أحد هؤلاء شاب في العشرينيات من عمره، بجسد تبدو عليه الصحة، حضر قبل بضعة أيام للتبرع بالدم، وبعد دقائق معدودة من جلوسه على المقعد المخصص وهو ينظر إلى أنبوب متصل بكيس طبي يُفترض أن يمتلئ بوحدة الدم، ظهرت عليه فجأة علامات التعب الشديد وبدأ يتصبب عرقا وأُصيب بالغثيان والدوخة. لاحظت عليه الموظفة ذلك، وسألته فورا "هل تناولت أي شيء قبل حضورك للتبرع؟ وعندما أخبرها أن آخر ما دخل جوفه "قطعة صغيرة من الخبز تناولها مع القليل من الزعتر الليلة الماضية"، نزعت الأنبوب من يده، ورفضت تبرعه. ووفقا للدكتورة زعرب، فإن مثل هذه الحالة تتكرر مع متبرعين يؤثرون على أنفسهم ويتعالون على آلامهم للتبرع بالدم، تلبية لنداءات متواترة ومستمرة من المستشفيات، للمساهمة في إنقاذ أرواح جرحى، غير أن تداعيات الجوع تظهر عليهم أثناء عملية نقل الدم، التي تتطلب "طاقة وسعرات حرارية وتعويضا سريعا للسوائل والسكريات المفقودة، وهي أشياء رغم بساطتها مفقودة بسبب الحصار والمجاعة". ودرجت العادة على منح العصائر للمتبرع بالدم، لكنها توضح أن بنوك الدم في غزة تفتقر لهذه العصائر بسبب الحصار ومنع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، و"في أحيان كثيرة لا نجد حتى كوبا من المياه العذبة ليشربه المتبرع". ووصفت المسؤولة الطبية واقع بنوك الدم بأنه "معقد وخطير ومقلق للغاية"، وتقدّر أن رصيد الدم المتوفر حاليا يكفي لأربعة أيام فقط في أحسن الأحوال، ما لم تشهد الاعتداءات الإسرائيلية تصعيدا على نحو أكبر وأوسع. قيود إسرائيلية تعاني بنوك الدم في غزة من عجز كبير في أرصدة الدم، وفي أجهزة نقل الدم والأكياس ومواد للفحص، وتقول الدكتورة زعرب إن الكثير من المواد والمستلزمات "رصيدها صفر"، حيث يمنع الاحتلال إدخالها ووحدات دم من الخارج لتغذية الأرصدة ومواكبة التطورات وإنقاذ الجرحى والمرضى، وآخرها كمية من متبرعين ب الضفة الغربية منع إدخالها قبل استئنافه الحرب. وتؤكد "جراء ذلك، نعمل في ظروف صعبة واستثنائية لا تتناسب مع الضغط الهائل في أعداد الجرحى يوميا، وبتنا نحتاج لنحو نصف ساعة من أجل تجهيز وحدة دم واحدة بطريقة يدوية، وهي ضعف المدة التي كنا نستغرقها في الوقت الطبيعي". وتضيف مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة صوفيا زعرب أن شدة الاعتداءات وما ينجم عنها من جرحى، وما تعانيه بنوك الدم من عجز ونواقص في كل شيء، "يجعل من الالتزام بالمعايير الطبية العالمية أمرا صعبا ومعقدا، ونضطر أحيانا لتجاوزها من حيث قياس نسبة الهيموغلوبين، والوزن، والضغط، والتأكد من سلامة المتبرع وخلوه من الأمراض، وقدرته على التبرع". ونتيجة ضغط الحاجة، تضطر بنوك الدم أحيانا للتعامل مع متبرعين يعانون من سوء التغذية، وهو ما يفسر معاناة الأغلبية في الوقت الحالي من الدوخة والصداع والهزال والغثيان، بعد عملية سحب الدم، وفق زعرب.

اليوم العالمي للنحل.."أعظم الملقحات" التي تطعم العالم
اليوم العالمي للنحل.."أعظم الملقحات" التي تطعم العالم

الجزيرة

timeمنذ 18 ساعات

  • الجزيرة

اليوم العالمي للنحل.."أعظم الملقحات" التي تطعم العالم

يُبرز اليوم العالمي للنحل الذي يأتي هذا العام تحت شعار "النحل مُلهم من الطبيعة ليغذينا جميعا"، الأدوار الحاسمة التي يلعبها النحل في السلسلة الغذائية للبشرية، وصحة النظم البيئية لكوكب الأرض، بما يشير إلى أن فقدان النحل سيجعل العام يخسر أكثر بكثير من مجرد العسل. ويواجه النحل وغيره من المُلقّحات تهديدات متزايدة بسبب فقدان موائلها، والممارسات الزراعية غير المستدامة، وتغير المناخ والتلوث. ويُعرّض تناقص أعدادها إنتاج المحاصيل العالمي للخطر، ويزيد من تكاليفها، ويُفاقم بالتالي انعدام الأمن الغذائي العالمي. وحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) هناك أكثر من 200 ألف نوع من الحيوانات تصنف ضمن المُلقّحات غالبيتها العظمى برية، بما في ذلك الفراشات والطيور والخفافيش وأكثر من 20 ألف نوع من النحل، الذي يعتبر "أعظم الملقحات". ويعدّ التلقيح أساسيا لأنظمة الأغذية الزراعية، إذ يدعم إنتاج أكثر من 75% من محاصيل العالم، بما في ذلك الفواكه والخضراوات والمكسرات والبذور. بالإضافة إلى زيادة غلة المحاصيل. كما تُحسّن الملقّحات جودة الغذاء وتنوعه، وتُعزز حماية الملقحات التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية الحيوية، مثل خصوبة التربة، ومكافحة الآفات، وتنظيم الهواء والماء. الحشرة الدؤوبة حسب بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يتم الحصول على 90% من إنتاج الغذاء العالمي من 100 نوع نباتي، ويحتاج 70 نوعا منها إلى تلقيح النحل. وأظهرت الدراسات أن الحشرات غير النحل لا تُمثل سوى 38% من تلقيح المحاصيل، مقابل أقل من 5% من تلقيح المحاصيل بالنسبة للفراشات، ويسهم تلقيح الطيور بأقل من 5% من الأنواع المزهرة حول العالم و1% للخفافيش. وتبلغ تكلفة التلقيح الاصطناعي أعلى بـ10% على الأقل من تكلفة خدمات تلقيح النحل، وفي النهاية لا يمكننا تكرار عمل النحل بنفس الجودة أو الكفاءة لتحقيق نفس الإيرادات. وعلى سبيل المثال، تتراوح تكلفة تلقيح هكتار واحد من بساتين التفاح في الولايات المتحدة ما بين 5 آلاف و7 آلاف دولار ومع وجود ما يقارب 153 ألفا و375 هكتارا من بساتين التفاح في جميع أنحاء البلاد، ستصل التكلفة إلى نحو 880 مليون دولار سنويا، بالنسبة لحقول التفاح فقط. وعموما، تمثل الملقحات الحشرية ما يقارب 35% من إجمالي الإنتاج الغذائي العالمي، ويتولى نحل العسل 90% من عبء هذا العمل. خطر الانقراض يتعرض النحل والملقحات الأخرى فعليا لتهديد متزايد جراء الأنشطة البشرية مثل استخدام مبيدات الآفات، والتلوث البيئي الذي يشمل جزيئات البلاستيك والتلوث الكهرومغناطيسي (ذبذبات أبراج الاتصالات والهواتف المحمولة وخطوط الكهرباء)، والأنواع الغازية لموائله، والتغير المناخي. ورغم أن الصورة البارزة تشير إلى وضع كارثي يتعلق بتعداد النحل العالمي. لكن تحليل البيانات التي وردت في نشرة منظمة الفاو تظهر أن فكرة انهيار أعداد النحل عالميا ليست دقيقة تماما، لكن مع ذلك يبقى مستقبل أعداد النحل العالمية غير مؤكد تماما. وتشير البيانات إلى أن أعداد النحل في بعض الدول الآسيوية تشهد تزايدا مطردا، بينما تواجه في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية بشكل عام تحديات كبيرة في العقود الأخيرة، بسبب تدمير الموائل، والتعرض للمبيدات الحشرية، وتغير المناخ، والأمراض، والطفيليات. ويعود تزايد أعداد النحل في آسيا إلى التنوع الطبيعي في القارة، والمناخ المعتدل، وتقاليد تربية النحل العريقة، وازدهار تربية النحل التجارية، وعلى سبيل المثال عززت الصين، أكبر منتج للعسل في العالم، أعداد نحل العسل لديها بشكل كبير لتلبية الطلب العالمي. وإذا اعتمدت المناطق التي تواجه تدهورا سياسات أكثر صرامة للحفاظ على النحل وممارسات زراعية مستدامة، فقد تُسهم في استقرار أعداد النحل، بل وتعزيزها، في السنوات القادمة. في الوقت نفسه، يجب على الدول التي تشهد تزايدا في أعداد النحل أن تظلّ متيقظة للتهديدات الناشئة لحماية إنجازاتها. ويعتمد مستقبل النحل -الذي خصص في 20 مايو/أيار سنويا كيوم عالمي له- على قدرة البشر على التكيف والابتكار وحماية موائله. فبدلا من التركيز فقط على حالات التناقص، ينبغي دراسة ومحاكاة قصص تكاثره وانتعاش موائله في مناطق مختلفة من العالم. وتُساعد الممارسات الزراعية الصديقة للبيئة، مثل الزراعة البينية، والزراعة الحراجية، والإدارة المتكاملة للآفات، وحماية الموائل الطبيعية، وتوفير مصدر غذائي ثابت ووفير للنحل في استدامة الملقحات، مما يضمن استقرار توفر المحاصيل وتنوعها، ويُقلل من نقص الغذاء والآثار البيئية. وتعزز الجهود المدروسة لحماية الملقحات في نهاية المطاف الحفاظ على مكونات أخرى من التنوع البيولوجي، مثل مكافحة الآفات، وخصوبة التربة، وتنظيم الهواء والماء. وإنشاء أنظمة زراعية غذائية مستدامة، يلعب النحل دورا بارزا فيها.

‫ العواصف الغبارية في المنطقة العربية تنذر بمواسم قاسية للتغيرات المناخية
‫ العواصف الغبارية في المنطقة العربية تنذر بمواسم قاسية للتغيرات المناخية

العرب القطرية

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • العرب القطرية

‫ العواصف الغبارية في المنطقة العربية تنذر بمواسم قاسية للتغيرات المناخية

قنا تندرج العواصف الغبارية والرملية والترابية ضمن قائمة أسوأ الأزمات البيئية في القرن الـ21، نظرا لتأثيراتها السلبية الشديدة على جودة الهواء والصحة البشرية ونقاوة البيئة، وهي ظاهرة مرتبطة بالطقس والتغير المناخي وتؤثر على أكثر من 150 دولة حول العالم، بحسب المنظمة الدولية للأرصاد الجوية. وتحدث هذه العواصف عندما ترفع الرياح القوية الأتربة بالمناطق الجافة التي لا يوجد بها غطاء نباتي وتكسر طبقة الغبار فوق التربة حاملة كميات كبيرة من الرمال والغبار في الهواء، قد تكون أحيانا سُحبا هائلة متدحرجة، حيث يدخل سنويا أكثر من مليوني طن تقريبا من الرمال والغبار إلى الغلاف الجوي بفعل العواصف الترابية. وتتسبب العواصف الرملية والترابية في أضرار بالغة بالثروة الحيوانية والزراعة وصحة الإنسان، كما يمكن أن تُجبر العواصف الشديدة على إغلاق الطرق والمطارات بسبب ضعف الرؤية وتدهور البنية التحتية، كما يقلّل الغبار أيضا من الإشعاع الشمسي في المناطق النائية، ما يؤثر على إنتاج الطاقة الشمسية. واعتبر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن العواصف الغبارية تقع ضمن أبرز التحديات البيئية المستجدة التي تواجه العالم، إذ ازدادت تكراريتها في السنوات الخمسين الماضية وخاصة في العقد الأخير بنسبة من 25 إلى 50 بالمئة، لأسباب أهمها التغيرات المناخية واستعمالات الأراضي غير الملائمة واستخدام المحاريث التقليدية بشكل مفرط في تهيئة التربة للزراعة. وتشير تقديرات المنظمة الدولية للأرصاد الجوية إلى أن نسبة 25 بالمئة من انبعاثات الغبار سببها أنشطة الإنسان، وتُشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 330 مليون شخص على مستوى العالم يتعرّضون إلى العواصف الرملية والغبارية على أساس يومي، وفي منطقة الصحراء الكبرى في إفريقيا تؤدي العواصف الرملية إلى تفشّي مرض التهاب السحايا، ما يعرّض ملايين الأشخاص للخطر. وتتركز مصادر العواصف الترابية الكبرى على مستوى العالم في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، مثل الصحراء الكبرى في إفريقيا، وصحراء جنوبي آسيا، وصحراء شبه الجزيرة العربية. وقد ضربت العواصف الرملية في الأيام الماضية مناطق عدة في العراق وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر، وكان شهر إبريل بشكل عام شهر العواصف الترابية في عدة مناطق من العالم. وتشير منظمة الأرصاد الجوية العالمية إلى أن العواصف الغبارية تكلف المنطقة العربية 150 مليار دولار أمريكي سنويا. من جانبه، يقول معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تقرير له صدر في نوفمبر 2023، إن العواصف الرملية والترابية تعد من السمات المميزة لمنطقة الخليج العربية، وأنها تتزايد من حيث التكرار والشدة بشكل مطرد على مدى العقد الماضي، وتسببت في اضطرابات هائلة للسكان والاقتصاد. وأشار المعهد إلى أهمية تنمية القطاع غير النفطي والتنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، عبر اتخاذ إجراءات متتالية في الاستعانة بالطاقة النظيفة إزاء التسارع الصارخ للظواهر المرتبطة بالمناخ، مثل الارتفاع السريع في درجات الحرارة والجفاف وزيادة ملوحة الخليج. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، أدت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة إلى زيادة هائلة في الطلب على موارد المياه الشحيحة أصلاً، في حين أن انخفاض معدلات هطول الأمطار قلل من إمكانية الاعتماد على خزانات المياه الجوفية السطحية. وفي عام 2021، كانت مياه البحر المحلاة توفر ما يصل إلى 20% من احتياجات منطقة الخليج من المياه، أخذاً بالاعتبار أن عملية التحلية تستهلك الكثير من رأس المال والطاقة، ومن شأنها أن تؤدي إلى زيادة الانبعاثات في المنطقة، بالإضافة إلى زيادة العبء المالي على دول الخليج. وفي دولة قطر، وضعت السلطات والوزارات المعنية إطار عمل وطني لمُكافحة التصحر، وأطلقت الاستراتيجية الوطنية للبيئة والتغير المناخي، وخُطة العمل الوطنية القطرية للتغير المناخي 2030، وتم تنفيذ العديد من البرامج والمشاريع للمُحافظة على الغطاء النباتي، مثل تأهيل الروض، واستزراع البرّ القطري بنباتات من البيئة المحلية، فضلًا عن إطلاق مُبادرة زراعة مليون شجرة، وإطلاق مبادرة لإنشاء حزام أخضر حول مدينة الدوحة وضواحيها. كما أطلقت وزارة البيئة والتغير المناخي، برنامج لرصد التربة، والذي يقوم بمسح بيئي لـ 52 موقعًا بجميع مناطق الدولة، ما يُسهم في المُحافظة على التربة ضد التصحر ويُحافظ على جودتها، لافتًا إلى العديد من القوانين والتشريعات التي أصدرتها الدولة لتنظيم عمليات الرعي والمُحافظة على الغطاء الأخضر، بالإضافة إلى تجميع كَميات كبيرة من بذور النباتات البرية، وتعزيز المخزون البذري للدولة في بنك الجينات. ومنذ العام 1999 انضمت دولة قطر إلى اتفاقية الأمم المُتحدة لمُكافحة التصحر، فضلًا عن مُساهمتها بمبلغ 100 مليون دولار لدعم الدول الجزرية الصغيرة النامية والدول الأقل نموًا، للتعامل مع تغير المناخ والمخاطر الطبيعية والتحديات البيئية، وبناء القدرة على مواجهة آثارها المُدمّرة. وفي فبراير الماضي 2025، نظمت دولة قطر الحوار الإقليمي المعني بتعزيز التعاون بين الأقاليم حول العواصف الرملية والترابية وتعميق الفهم المشترك، في الدوحة، بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ (ESCAP)، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (ESCWA)، والحكومة السويدية، والمركز العربي لسياسات تغيُّر المناخ (APCIM). وناقش الحوار التحديات الناجمة عن العواصف الرملية والترابية وتأثيراتها على البيئة والصحة العامة والاقتصاد، وسبل تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهتها، بالإضافة إلى استعراض أحدث الدراسات والممارسات الناجحة لمواجهة العواصف الرملية والترابية، مع التركيز على تعزيز آليات الإنذار المبكر والتكيف مع التغيرات المُناخية. وفي السعودية، تمثل صحراء "الربع الخالي"، أكبر صحراء متصلة في العالم، وهي جزء من الصحراء العربية التي تمتد من اليمن إلى دول الخليج والعراق والأردن، وتضم 67.7% من مجمل التجمعات الرملية في البلاد، وهي سبب رئيسي لوجود العواصف الرملية في السعودية، ويُشكّل الغطاء الرملي في السعودية ما نسبته 34% من المساحة الكلية للمملكة، ما يزيد من نشاط وسرعة العواصف الرملية. وقد سعت السعودية لمعالجة تلك الظاهرة، ويقول المركز الإقليمي للعواصف الغبارية، إن السلطات عملت على تنظيم عملية الرعي والحفاظ على الغطاء النباتي، ضمن منظومة بيئية وطنية لحماية الحياة الفِطرية، مشيراً إلى جهود المحميات الملكية التي أدت دوراً كبيراً في تنظيم عملية الرعي والحفاظ على الغطاء النباتي. وأضاف المركز الإقليمي أن المملكة تمتلك مبادرات بيئية مثل مبادرة "السعودية الخضراء" التي تستهدف زراعة 10 مليارات شجرة في كافة أنحاء المملكة وتخفيف نسبة الكربون وغيرها، مؤكداً هطول الأمطار بكميات مناسبة وفي الأوقات المناسبة، ما أدى لتنمية الغطاء النباتي وتماسُك التربة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store