logo
تجارب شعراء من خلفيات ثقافية متنوعة .. أصوات تتجاوز الألم في كتاب 'الشعر نداء للسلام' لحميد عقبي

تجارب شعراء من خلفيات ثقافية متنوعة .. أصوات تتجاوز الألم في كتاب 'الشعر نداء للسلام' لحميد عقبي

يمنات الأخباري٢١-٠٢-٢٠٢٥

محمد المخلافي
يُعَدُّ الشعر من أبرز أشكال التعبير التي تعكس مشاعر الإنسان بكل تفاصيلها، وتتناول قضاياه الأساسية، خاصةً في أوقات الأزمات والصراعات. في هذا السياق، يأتي كتاب 'الشعر نداء للسلام: دراسات لأصوات شعرية عربية' للناقد والمخرج السينمائي اليمني حميد عقبي، المقيم في فرنسا، ليقدّم أصواتًا شعرية متنوعة تتناول موضوع السلام. يستعرض الكتاب تجارب اثني عشر شاعرًا، وهم: صبري يوسف، أحمد الفلاحي، ابتسام أبو سعدة، سمير بيّة، دورين سعد، بدر السُّويطي، مفتاح العلواني، آية الوشيش، عبد الودود سيف بن سيف، مروة أبو ضيف، سرجون فايز كرم، وفخر العزب. تأتي هذه الأصوات من خلفيات ثقافية متعددة، مما يُثري الحوار حول دور الشعر في معالجة قضايا الحرب والسلم.
يتناول عقبي في مقدمته أهمية الشعر في معالجة هذه القضايا، مشيرًا إلى الفعاليات الثقافية التي تُعقد سنويًا لتعزيز الحوار في هذا الشأن. من خلال هذا العمل، يسعى عقبي إلى تقديم رؤى جديدة حول قدرة الشعر على تجسيد الأحلام والطموحات الإنسانية في عالم مليء بالتحديات، مما يجعل هذا الكتاب خطوة مهمة نحو تعزيز الوعي الثقافي والإنساني في المجتمع العربي. يتألف الكتاب من 204 صفحات، وصدر عن دار صبري يوسف في ستوكهولم، السويد، في مطلع هذا العام 2025.
استعرض عقبي في كتابه تجارب شعراء مميزين، بدءًا بالأديب والتشكيلي السوري صبري يوسف، الذي يُعتبر واحدًا من الأصوات الأدبية والفنية المؤثرة في المشهد الثقافي العربي. يجمع يوسف بين موهبة الكتابة وفن الرسم، مما يُتيح له التعبير عن رؤيته للعالم من خلال عدة أبعاد فنية. يتميز بأسلوبه الشعري الذي يحمل تأملات عميقة حول الحياة والإنسان والطبيعة، حيث تعتمد نصوصه على الرمزية والتشبيهات المبتكرة، مما يعكس تجربته الشخصية كفنان يعيش في زمن الفوضى والصراعات.
السَّلامُ مطرٌ نقيٌّ
خُصوبةٌ يانعةٌ متدلِّيةٌ
مِن عُيُونِ اللَّيلِ ..
مِن نقاوةِ النَّدى!
نورٌ يزدادُ سُطُوعاً كَوَجْهِ الصَّباحِ
تظهر هذه الأبيات أسلوبًا رمزيًا قويًا، حيث يُجسّد السلام كنعمة تُهطل من السماء، مما يعكس الأمل في الخلاص. استخدام الاستعارة يعزز من شعور القارئ بجمالية السلام، في مواجهة قسوة الواقع.
أما أحمد الفلاحي، الشاعر اليمني البارز، فيُعتبر من أبرز الأصوات الشعرية المعاصرة في اليمن. وُلِد في بيئة ثقافية غنية ساهمت في تشكيل رؤيته الشعرية الفريدة. من خلال تنوع نصوصه وعمقها، يعبر الفلاحي عن القضايا الإنسانية والاجتماعية، مُبرزًا معاناة الشعب اليمني في ظل الأزمات والصراعات. يتميز أسلوبه بلغة مكثفة وصور رمزية قوية تعكس قلق الإنسان العربي في مواجهة واقعه المعقد.
'الآن وقد بدأ العام'
ألآن وقد بدأ العام،
ماذا يعني؟
الحرب ما زالت تبيض،
والأطفال يلتحفون الرَّماد،
وأسماك الزِّينة تركض في الحوض.
لا جدوى سوى الآهات
والأوطان تسكب عبراتها،
والموتى
يتوسّدون اللَّحد.
الكربون يفيض بالماء،
والبيئة تغتاظ.
تتسم هذه الأبيات بالقلق والاحتدام، حيث تعكس معاناة الشعب اليمني. الصور الشعرية المكثفة تُظهر الفوضى التي تعيشها المجتمعات، ويبرز استخدام الرموز مثل 'الأطفال يلتحفون الرَّماد' عمق المأساة الإنسانية.
من جهة أخرى، تُعد ابتسام أبو سعدة، الشاعرة الفلسطينية، من الأسماء اللامعة في الساحة الأدبية العربية. وُلدت في بيئة غنية بالتاريخ والثقافة، مما شكل لها مصدر إلهام دائم في كتاباتها. تعبر قصائدها عن الآلام والتجارب الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، مستندةً إلى الذاكرة والحنين. تتميز أسلوبها الشعري بالتجديد والعمق، حيث تمتزج فيه المشاعر الخاصة بالمعاناة مع القدرة على تصوير الجمال.
أخبريه حين أموت..
أن ثمة لاجئة تعبت من الشتات وحطت على صدره
نقشها العشق قديمًا فلم تمت.
تخبِّئ آخر رصاصة يحملها مقاوم في صدرها.. سيُنهيها بها يومًا..
وأن ثمة موتًا يعيش في قلبي ولا يقتله..
أخبريه كم كان حزنه متورِّطًا في حزني
وكم كان وجعه متوغِّلاً في لحمي.
تتجاوز هذه الأبيات حدود الألم الشخصي لتصبح تأملًا في الهوية والحنين. تُبرز الشاعرة الصراع بين الحياة والموت، مما يُكسب النص عمقًا عاطفيًا يعكس تجارب اللاجئين.
عبد الودود سيف بن سيف، رمزٌ للشعر اليمني المعاصر، حيث تمتد تجربته لأكثر من نصف قرن، رغم قسوة الواقع والأزمات المستمرة التي تعصف باليمن. بعيدًا عن الأضواء، يجد الشاعر في منصات التواصل الاجتماعي متنفسًا لنشر قصائده، متجاوزًا بذلك غياب الدعم الإعلامي الذي يعاني منه الكثير من المبدعين.
تتسم قصائد بن سيف بتجسيد المعاناة الإنسانية تحت وطأة الحرب، حيث يعيش الشاعر في عالم يتبدل فيه ثمن الرصاص ليصبح أقل من ثمن الخبز. هذه الصورة تعكس واقعًا مأساويًا يتمثل في مفارقات الحياة والموت، حيث تتقاطع الأبعاد الإنسانية مع القسوة التي تفرضها الظروف.
تداعيات.. بدخول عمر الرَّابع والسَّبعين.
١ ـ متعّبٌ! ودمي مطبِقٌ في خناق دمي. أحتمي بعناد الطَّلاسم؟
أم أرتمي صوب اَخر قبَّرةٍ سوف تسطعُ جاهشةً من زنادِ فمي؟
أم أؤجِّلُ هذا الدُّعاءَ وهذا الدُّعاءَ إلى حلمٍ مرجأٍ، سوف يصدحُ
ثانيةً، ربّما، من رمادِ شذى الياسمين؟
الطَّواحينُ عامرةٌ. والسَّلاطينُ إنْ كسروا أمةً؛ أسروا أمّةً.
وليكنْ! تلك أحلامهم. هم يخافون عنفَ الشّذى، ونعافُ صنوفَ
الأذى. فلماذا إذا افتتحوا قريةً قاسمونا البطولةَ؟
إنَّ الشَّجى يستجرُّ الشَّجى. والرَّمادُ إذا حاصر الجمرَ أرمدها عنوةً.
فلندع ما 'لروما' لقيصرها! ولنقلْ: إنَّ بعضَ الرَّثاءِ، إذن، صالحٌ للهجاءِ.
تعبّر الأبيات عن حالة من الألم والاختناق، حيث يصف الشاعر معاناته الداخلية ويطرح أسئلة وجودية حول الهروب من الواقع. يتردد بين الأمل والإحباط، مشيرًا إلى حلم هش قد يصدح من 'رمادِ شذى الياسمين'. كما يتناول الظلم الاجتماعي والسياسي، متسائلًا عن الهوية والانتماء في ظل الاستبداد. في النهاية، يعكس استمرار الألم، مشيرًا إلى أن الحزن يمكن أن يحمل قيمة في التعبير الفني، مما يجسد رحلة البحث عن الأمل في سياق المعاناة.
يُعَدُّ الدكتور سرجون فائز كرم، الشاعر اللبناني، صوتًا مميزًا في عالم الشعر المعاصر. ينسج كرم قصائده بأحلام نابضة بالمحبة، متجاوزًا قسوة البعد عن الوطن. نصوصه ليست مجرد كلمات، بل لوحات حية تنبض بروح بيروت المتعبة، التي تحمل في طياتها أملًا لا ينطفئ. تتداخل مشاعر الغربة والحنين، مما يجعل من بيروت رمزًا خالدًا للحياة التي تعاند القبح والانكسار.
من خلال صور متشابكة ودلالات ساحرة، يفتح كرم نافذة على عالم شعري يمزج بين التشظي الداخلي والرغبة في السلام. تتجاوز قصائده حدود الألم لتكون دعوة للتأمل في قوة الحب والإبداع، حتى في وجه الصراعات. كل نص يُعتبر استكشافًا لذاته، حيث لا ينسى وطنه لحظة. تتكرر أسماء المدن في قصائده، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش اللحظة بكل ما فيها من معاناة.
فتتداعى فيه.
في يدي البرهان
حين يخرج ظلّي في مظاهرة خلفي
كي يمسك يديك فوق علبة سجائري
تشعلان لينطفئ الكون
فأرى…
في بيروت
أحبّ الناس وأكره جثّة القصيدة
التي تفوح بي ومنّي،
وأصلّي أن يعود الله غدًا من حيث جاء
وثغره الباسم
وردة ملء يديه.
تتسم الأبيات بالحنين والارتباط بالوطن. استخدام الرمزية يعكس التوتر بين الجذور والغربة، ويظهر كيف يمكن للشعر أن يكون وسيلة للتعبير عن الحب والافتقاد.
تفرض الحرب نفسها كواقع مؤلم في أغلب الكتابات الإبداعية اليمنية، مما يجعل من الصعب على المبدعين ابتكار وهم السعادة في وطن يعاني. في خضم هذه المعاناة، تبرز تجربة الشاعر فخر العزب، الذي يعبّر في قصائد عن الألم والبحث عن الأمل والسلام. تتسم نصوص العزب بالتكثيف والتشظي، مثلما يتجلى في قصيدته 'التقاطات'، حيث يُستخدم 'الوعل اليماني' كرمز للحوار الذاتي، مما يجسد القوة والصمود في مواجهة الخراب.
التقاطات
أخبِّئ نفسي في قرن وعلٍ يماني
هكذا أصافح التاريخ
وأصاحبه في حله وترحاله
وأكوِّن نديمه
حين يشرب النَّبيذ من أباريق الجرار.
أكوِّر نفسي في نعيق غراب
يستريح على ساحل 'صيرة'
تحت عيون شمس الظهيرة
كاسمٍ عالقٍ في هامشٍ منسي.
تُبرز هذه الأبيات قوة الرموز، مثل 'الوعل اليماني'، كوسيلة للحوار الذاتي. النص يعكس الصمود في مواجهة الأزمات، ويظهر كيف يمكن للفن أن يكون ملاذًا في أوقات الشدة.
بدر السويطي، شاعر ومترجم وروائي عربي، ينسج قصائده من عمق الأحلام، ويطلقها كزفرة تحمل آهات الحياة، لكنه يظل مبتسمًا، متمسكًا بالأمل. تتجلى في عناوين دواوينه عناصر النفي والغياب، مما يعكس حلمه بالسلام والوطن. ورغم غنى تجربته الشعرية، إلا أنها لم تحظَ بالاهتمام النقدي الكافي.
بلهفةِ شاعرٍ يَترقَّبُ المَواعيدَ
يرتشفُ قهوتَهُ الصَّباحيّةِ
وينظرُ للساعةِ مُرتبكاً
قَلقٌ كعصفورٍ على غُصنٍ
يرتجفُ قلبُهُ مِنْ شدَّةِ القًلَقِ
وثرثرةِ الرِّيحِ في أكشاكِ الهواتفِ
العموميَّةِ المطليّةِ بالأحمرِ
تردِّدُ كذبةَ نيسان
لتزهر الأحلامُ في الرَّبيعِ
لقاءٌ وعناقٌ
يا إلهي لقَدْ مرَّ الزَّمنُ مِنْ هنا
حَاملاً على ظهرهِ ما تبقَّى مِنَ الزَّمنِ
كحافلاتِ 'لندن' الحَمراء
تَقلُّ الرُّكَّابَ إلى وجهتهم
وتُكمِلُ مسيرَها في صخبِ المدينةِ
الَّتي كانَتْ تجلسُ بالقربِ منّي
وأنا أحاولُ حَلَّ أحيائِها المتقاطعةِ
هكذا مرَّ الزَّمنُ
في مدائنِ المطرِ والضَّبابِ
لأكملَ سيرةَ النَّفي والغيابِ!
تُعبر هذه الأبيات عن الزمان والمكان كعوامل مؤثرة في تجربة الإنسان. الأسلوب السلس يعكس الأمل في الحياة، رغم المعاناة، مما يجعلها تعبيرًا عن البحث عن الجمال في الفوضى.
تُبرز قصائد دورين سعد الشاعرة اللبنانية عمق المعاناة الإنسانية، مسلطةً الضوء على كوارث الواقع وآلام المرأة، الضحية الكبرى للأزمات الاقتصادية والسياسية. تتجنب الهروب إلى المتخيّل، بل تسعى لجعله يعيد تشكيل الواقع، فتطرح أسئلة وجودية عميقة دون إجابات جاهزة. تعكس كتاباتها جماليات التعبير بلغة بسيطة، تلامس الجروح المؤلمة، وتجسد مشاعر معقدة تعكس حالة المرأة التي فقدت القدرة على الاستمتاع بالحياة.
تلك المرأة لا تُشبه نساء الأرض.
ولا يُغريها غنَّآء…
تُبرز هذه الأبيات الصراع الداخلي للمرأة. الأسلوب المباشر يعكس الألم والمعاناة، مما يُكسب النص طابعًا واقعيًا، ويعبر عن حالة فقدان الأمل.
كما تمثل الشاعرة الليبية آية الوشيش صوتًا شابًا يتجاوز الحدود التقليدية للشعر، مُعَبِّرةً عن واقع مجتمعها المليء بالتناقضات والصراعات. تجمع في كتاباتها بين السخرية الحادة والبوح الأنثوي الشجاع، مُسلِّطةً الضوء على تجارب ذاتية ومجتمعية في مواجهة الأزمات الكبرى مثل الحروب والفقدان.
وانتظرتُكَ
حتَّى جفَّ قلبي
وصارَ زيتونة
مجعَّدة
انتظرت المواعيد
الَّتي حلفت بابتسامتك العريضة
أنَّها حقيقيّة
خلف تكَّات السَّاعة
كان قلبي يركض كلّ ليلة
أعدُّ الثَّواني وأراقصها
وأصنع من الصَّبر حجاباً
لكنَّك لم تأتِ.
تُعبر الأبيات عن الانتظار والأمل المفقود، حيث تتداخل الصور الشعرية لتظهر التجربة الإنسانية المعقدة. الأسلوب يمزج بين السخرية والجدية، مما يجعل النص مستنيرًا بتجارب الحياة.
في كتابه 'الشعر نداء للسلام'، يتبنى حميد عقبي أسلوبًا أدبيًا متنوعًا يجمع بين السلاسة والعمق، مما يتيح للقارئ الانغماس في عالم من المشاعر والأفكار. يتسم أسلوبه بالرمزية، حيث يستخدم الصور الشعرية لتجسيد القضايا الإنسانية المعقدة، مثل الحرب والسلام.
يمثل أسلوب عقبي في الكتابة جسرًا بين الألم والأمل، حيث يسلط الضوء على قوة الشعر كوسيلة للتعبير عن التجارب الفردية والجماعية. من خلال تناوله للوضع النفسي وتأثير البيئة، يظهر كيف يمكن للكلمة أن تكون أداة للتغيير والتواصل في عالم مضطرب. إن هذا الكتاب، بعمقه ورمزيته، يدعونا جميعًا للتفكر في دور الأدب في بناء عالم أكثر فهمًا وتسامحًا.
كما تكمن أهمية هذا الكتاب في دراسة تجارب متنوعة ونصوص جديدة تنتمي أغلبها إلى ما بعد الحداثة، حيث لا تزال دراسة مثل هذه النصوص قليلة. ومثل هذه الأعمال يصعب أن يتم تطبيق مناهج النقد القديمة أو المتداولة، فهي تتميز بالتداخل مع فنون صورية وأجناس متعددة. وكان تناول عقبي لها بعين سينمائي وفنان تشكيلي، ولم يكن تشريحًا نقديًا أكاديميًا. في تحليله للنصوص، نلمس كأنه أشبه بالدراماتورج الذي يحاول معالجة هذه النصوص مسرحيًا، أو السيناريست الذي يبحث عن المشهدية واللقطات المؤثرة التي تحمل عمقًا رمزيًا ودلاليًا وجماليات بصرية. اتبع عقبي منهج التحليل الموضوعي والنفسي، لكنه يذهب أكثر من مجرد تقديم تحليلات نقدية للدراسة الأكاديمية، كونه حاول محاورة المبدع عبر نصه وفهمه، والكشف عن نداء السلام الذي قد يأتي همسًا أو صراخًا أو مجرد حلم في هذه النصوص. كل هذه الأصوات من بلدان أصابتها الحرب والخراب ويعبث بها الموت، صورت نصوصهم لقطات من هذا الرعب المخيف والقلق النفسي وفداحة الفقد، ولكن يظل الأمل والحلم وحب الحياة والعشق للجمال رغم قسوة الواقع ورعبه.
في ختام هذا الاستعراض، يتضح أن كتاب 'الشعر نداء للسلام' لحميد عقبي لا يقتصر على كونه مجرد مجموعة من النصوص الشعرية، بل هو تأمل عميق في الإنسانية وآلامها. يعكس الكتاب قضايا معقدة تتعلق بالسلام والحرب، مستندًا إلى تجارب شعراء من خلفيات متنوعة. يمثل أسلوب عقبي في الكتابة جسرًا بين الألم والأمل، حيث يسلط الضوء على قوة الشعر كوسيلة للتعبير عن التجارب الفردية والجماعية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن
العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن

يمنات الأخباري

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • يمنات الأخباري

العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن

محمد المخلافي في زوايا التاريخ، حيث يمتزج الفن بالتراث، يبرز العقيق اليماني كأحد أجمل الأحجار الكريمة التي سطرت قصصًا تتجاوز حدود الزمان. يعود تاريخ صياغته إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة. هذا الحجر، الذي يتلألأ بألوانه الفريدة، لا يُعتبر مجرد زينة، بل هو رمز عميق للثقافة اليمنية. من جبال آنس في وسط اليمن إلى أسواق صنعاء القديمة، مدينة سام ابن نوح، يتنقل العقيق حاملاً معه حكايات الأجداد الذين نحتوا الجبال وبنوا القصور والمعابد. يبقى العقيق شاهدًا على مهارة الحرفيين الذين أبدعوا في تشكيله وصقله، ليعكس روح الإبداع والانتماء إلى التراث. تُعتبر عملية استخراج العقيق وصناعته من الفنون التقليدية التي تتطلب مهارة عالية ودقة في الأداء. يروي فؤاد عبدالله الخضاف، أحد رواد هذه الصناعة، قصته كجزء من عائلة تمتهن صناعة العقيق منذ عقود طويلة في سمسرة النحاس بسوق الملح وسط صنعاء القديمة. بدأ فؤاد تعلم هذه الحرفة على يد والده منذ طفولته في منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث ورث عنه شغفًا كبيرًا بفنون العقيق. تبدأ عملية استخراج العقيق بنحت الحجر بعناية فائقة، حيث يستخدم أدوات تقليدية لتقطيعه. بعد ذلك، يتم تنظيفه وتنقيته من الشوائب باستخدام المناشير، وهي خطوة تضمن جودة الفصوص. تلي هذه المرحلة عملية الجلخ، التي تتضمن تشكيل الحجر وتحديد أشكاله المختلفة، سواء كانت بيضاوية أو دائرية أو مستطيلة أو مربعة. بعد الانتهاء من تشكيل الفصوص، يُخضع الحجر لمرحلة التلميع باستخدام أدوات مثل الصنافر والدباشات، خاصة عند العمل على كميات كبيرة. بهذه الطريقة، يتحول العقيق إلى قطع فنية متألقة تعكس مهارة الحرفيين وتفانيهم في عملهم. يُستخدم العقيق في تزيين مجموعة متنوعة من الأدوات والمجوهرات، مما يضفي لمسة من الفخامة والجاذبية على كل قطعة. تُعتبر خواتم العقيق من الخيارات الشائعة بين محبي المجوهرات، حيث تحمل في طياتها رموز الفخر والتميز. وغالبًا ما تُهدى هذه الخواتم في المناسبات الخاصة، لتعبّر عن الحب والاحترام. لا يقتصر استخدام العقيق على الخواتم فحسب، بل يمتد ليشمل صناعة القلائد والأساور، ليكون جزءًا من إطلالات مميزة. كما يتم استخدامه في تزيين الأدوات التقليدية، مثل السيوف والخناجر، مما يبرز الفخر بالتراث الثقافي. هذه القطع الفنية لا تعكس فقط الجمال، بل تسلط الضوء على الهوية الثقافية الغنية لليمن، وتجسد ارتباط الأجيال بماضيهم. يتكون معمل صوغ الفضيات الحديث من مجموعة متنوعة من الآلات المتخصصة، مثل ماكينة السحب (التسطيح) وماكينة الدبكي، التي تُستخدم لقص القطع والمنمنمات بدقة عالية. بالإضافة إلى ذلك، تشمل المعدات ماكينة تشكيل أسلاك الفضة ومنظومة اللحام بالغاز، وغيرها من الأدوات التي يعتمد عليها الحرفيون في تنفيذ قطعهم الفضية. تتطلب صناعة خاتم فضي مهارة فائقة، حيث يمكن أن يتكون الخاتم من عشرات القطع الصغيرة، وقد تحتوي بعض التصميمات على أكثر من مئة قطعة ومنمنمة فضية. يُبرز ذلك تعقيد العمل ودقة التفاصيل المطلوبة. يعتمد الحرفي في تشكيل القطعة على مهاراته اليدوية، ليتمكن من إنجاز التصميم النهائي الذي يجسد إبداعه ورؤيته الفنية. ارتبط العقيق عند الكثير من اليمنيين بكرامات وأساطير تتناقلها الأجيال، ومعتقدات بجلب الحظ وطرد السحر، وامتصاص السموم، ومنح الطاقة والقوة والنشاط. يُقال إنه حين يضرب البرق، يلمع العقيق في الصخر ويعكس ما حوله، مما ينتج عنه ترسبات وتظهر الصور على الحجر. وأنت تتجول في أزقة صنعاء القديمة، حيث يلتقي التاريخ بالحضارة، يمكنك أن تتأمل في أيدي الرجال والنساء. يحرص الكثيرون على تزيين أصابعهم بخواتم تقليدية مصنوعة من الفضة، تتوسطها فصوص من العقيق بألوانها المتنوعة. هذه الخواتم تجسد الهوية والانتماء، وتعكس جمال التراث اليمني الأصيل. خلف جمال العقيق يختبئ واقع مرير، فقد تأثرت هذه الصناعة، المرتبطة بتراث اليمن الأصيل، بتحديات عصيبة نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية. تراجع الإقبال على العقيق بسبب توقف حركة السياحة وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، مما أثر سلبًا على العاملين في هذا المجال. نتيجة لذلك، أصبح الكثير من الحرفيين يمتهنون أعمالًا أخرى، مثل العمل على الدراجات النارية وفي بيع القات. ختاما، يتجلى العقيق اليمني كرمز للتراث والثقافة، حيث يحمل بين طياته قصص الأجداد ومهارات الحرفيين. رغم التحديات التي تواجه هذه الصناعة العريقة، يبقى العقيق شاهدًا على الإبداع والتميز، ويمثل حلقة وصل بين الماضي والحاضر. إن الحفاظ على هذه الحرفة ليس مجرد واجب ثقافي، بل هو دعوة لتعزيز الهوية والانتماء في وجه التغيرات السريعة. فلنستمر في تقدير جمال العقيق، ولنحافظ على إرثه، الذي يعكس روح اليمن الغنية وتاريخها العريق.

أربعون عامًا من المعاناة .. استكشاف صراع الهوية في 'سفينة إسماعيل' لـ'علي لفتة'
أربعون عامًا من المعاناة .. استكشاف صراع الهوية في 'سفينة إسماعيل' لـ'علي لفتة'

يمنات الأخباري

time١٨-٠٣-٢٠٢٥

  • يمنات الأخباري

أربعون عامًا من المعاناة .. استكشاف صراع الهوية في 'سفينة إسماعيل' لـ'علي لفتة'

محمد المخلافي 'أربعون سنة عجافًا أكلنا كل بقراتي السمان'، بهذه العبارة استهل قراءتي لرواية 'سفينة إسماعيل' للكاتب والأديب العراقي علي لفتة سعيد. تعكس هذه العبارة بوضوح معاناة بطل الرواية، الذي عانى طويلاً من الفقد والهروب، حيث تتجلى في كلماته معاني المعاناة الإنسانية التي يواجهها الفرد في صراعه مع قسوة الحياة. تتناول الرواية رحلة شاقة عبر الزمن، حيث يجسد الكاتب الصراع الداخلي لبطل الرواية الممزق بين ذكرياته الأليمة ورغبته في التحرر من القيود التي تفرضها عليه الظروف القاسية. تتألف الرواية من 171 صفحة، صدرت عن دار الفؤاد للنشر والتوزيع في القاهرة، عام 2023. تحتوي على فصلين، يتضمن الفصل الأول تسع فقرات، بينما يحتوي الفصل الثاني على ست فقرات. إن تنسيق الفصول بهذا الشكل يساهم في إبراز تدرج الأحداث وتطور الشخصيات، مما يجعل القارئ يعيش تجربة الرواية بشكل أكثر عمقًا. الصراع الداخلي لإسماعيل يتضمن الفصل الأول تصويرًا دقيقًا لحالة إسماعيل النفسية والاجتماعية، حيث يعكس الكاتب من خلاله الصراعات الداخلية التي يعاني منها بطل الرواية. في البداية، يُظهر إسماعيل إحساسًا بالتشويش والقلق، مما يجعله يشعر كأنه فريسة للقدر الذي ينصبه له الزمن. هذا التوتر يتجلى في تجربته في دائرة التقاعد، حيث يتواجد بين مجموعة من الأشخاص الذين يمثلون الأجيال السابقة، محنيي الظهر، والذين يحملون معهم أثقال الزمن. إن مشهد الانتظار في هذا المكان يجسد شعورًا عامًا بالإحباط، حيث يتبدى كل شخص كأنه يحارب معركة خاسرة مع الحياة. تتداخل الذكريات مع لحظات الحاضر، حيث تستحضر رائحة المسك التي يشمها إسماعيل لحظات من طفولته وشبابه، مما يخلق لقطات مؤثرة من الماضي. هذه الرائحة، التي تترافق مع تعابير الفرح والحزن، تعكس الصراع بين الأمل واليأس، وتُظهر كيف يمكن للذكريات أن تكون سلاحًا ذا حدين. تعيد إسماعيل إلى لحظات كان فيها أكثر حيوية، لكنها أيضًا تذكره بما فقده مع مرور السنين، مما يعمق شعوره بالنقص والحنين. يستعرض الكاتب أيضًا التفاعل بين الشخصيات في هذا الفصل، مما يبرز التوترات الاجتماعية والسياسية التي تعكس واقع المجتمع العراقي. إن انتظار المراجعين لإنجاز معاملاتهم في جو خانق من الإحباط يُظهر كيف أن الحياة اليومية تُثقل كاهل الجميع. يتجلى الصراع بين الأجيال من خلال تباين تطلعات إسماعيل مع تلك التي يحملها الآخرون، مما يُعزز المفهوم العام للانفصال والاغتراب. بشكل عام، يُعتبر الفصل الأول بمثابة تمهيد قوي للرواية، حيث ينجح الكاتب في تقديم شخصية إسماعيل كبطل معقد، يواجه تحديات وجودية تتجاوز حدود الزمن والمكان. هذه التحديات تجعل القارئ يتفاعل مع العمق الإنساني في الرواية، مما يُشعره بأن معاناة إسماعيل هي معاناة كل إنسان يبحث عن معنى في عالم مليء بالألم. إن هذا الفصل يمهد الطريق لاستكشاف تفاصيل حياة إسماعيل، ليصبح مثالًا للصراع الإنساني في زمن التغيرات المأساوية. التشتت والبحث عن الهوية أما الفصل الثاني، فتتجلى فيه الصراعات الداخلية لبطل الرواية بشكل عميق، حيث يعيش تحت وطأة ذكريات مؤلمة وأحداث متشابكة تسلط الضوء على لحظات الأمل التي غمرته. إذ يعبر عن تلك التجربة النادرة التي كانت 'بمثابة نفخ الروح في طين عقلي، فأحاله إلى منطقة من العشب الأخضر' (ص 151). تعكس هذه العبارة قدرة التجارب الجميلة على إحداث تحول داخلي، حتى وإن كانت عابرة، مما يبرز أهمية تلك اللحظات في مواجهة ظلام الحياة. ومع ذلك، يعاني بطل الرواية من حالة تشتت عميق، حيث تتجلى مشاعر الهروب من 'الفشل والحرب' (ص 151) كجزء من محاولته للتخلص من الضغوط الاجتماعية والنفسية التي تثقل كاهله. يتضح من خلال تأملاته أنه يسعى للابتعاد عن كل ما يربطه بماضيه، مما يعكس شعورًا قويًا بالقلق والانفصال عن جذوره. الأهم من ذلك، تحول الليل عنده إلى صراخ بصورة صامتة لا يفارقني إلا ساعات النوم أو ساعات القراءة (ص 153)، مما يعكس شعورًا عميقًا بالاغتراب والقلق. يتحدث الكاتب عن الليل كوقت للصراخ الصامت، مما يدل على الصراع الداخلي الذي يواجهه. استخدامه لساعات النوم والقراءة كفترات للهروب من هذا الصراخ يشير إلى أهمية هذه اللحظات كملاذ من الواقع المؤلم، والإشارة إلى الزوجة والأولاد توضح الصراع بين الالتزامات العائلية والرغبات الشخصية، مما يعكس حالة من التشتت الذهني والرغبة في الهروب من الضغوط الاجتماعية. في سياق آخر، أقف مشدوهًا أمام ما تبقى من خان العطيشي، حيث تصورت أن الحكومة المحلية ستهتم به كونه شهد، كما قيل، أحد اجتماعات ثورة العشرين بين رجال الدين والمعارضين للاحتلال الإنجليزي، لكنه صار عبارة عن مكب نفايات (ص 154). يتناول التحول الذي طرأ على خان العطيشي، الذي كان رمزًا تاريخيًا وثقافيًا، وتحوله إلى مكب نفايات، مما يوضح الإهمال واللامبالاة التي تعاني منها المواقع التاريخية. يعبر الكاتب عن خيبة الأمل من عدم اهتمام الحكومة المحلية بالحفاظ على هذا الإرث، وهذه الصورة تعكس أيضًا التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى تدهور الهوية الثقافية، مما يبرز الصراع بين الماضي والمستقبل. الإبداع السردي في تصوير الواقع العراقي علي لفتة، كعادته، يتميز بلغة أدبية غنية وعبارات معبرة تعكس عمق التجربة الإنسانية التي يسعى لتصويرها. يستخدم أسلوبًا سرديًا يجمع بين الوصف الدقيق والتأمل النفسي، مما يسمح للقارئ بالانغماس في عوالم شخصياته. تؤثر البيئة المحيطة بكاتب الرواية بشكل عميق على كتابته. فهو ينتمي إلى المجتمع العراقي الذي يعاني من الأزمات والضغوط المتزايدة، مما يجعله يتناول مواضيع الفقد والحنين والهروب في رواياته. تتجلى هذه البيئة القاسية في تصوير الحياة اليومية، حيث يعيش الأفراد تحت وطأة التوترات الاجتماعية والسياسية، مما يثقل كاهلهم ويزيد من شعورهم بالاغتراب. تشكل العوامل الخارجية، مثل الظروف الاجتماعية والسياسية المتقلبة، دافعًا قويًا للكاتب للتطرق إلى هذه المواضيع في روايته. إذ يعكس صراع الشخصيات مع واقعهم المرير، ويستعرض كيف تؤثر هذه الظروف على الهوية الفردية والجماعية. من خلال هذه الرواية، يسعى علي لفتة إلى تقديم رؤية إنسانية عميقة تعبر عن التحديات التي تواجه الأفراد في سعيهم لتحقيق الذات والمعنى في عالم مليء بالألم. تأتي تسمية الرواية 'سفينة إسماعيل' لتجسد التحول العميق الذي شهدته مكتبة بطل الرواية المتواضعة، حيث تعكس هذه التسمية مسارًا من الإبداع والجهد. فقد استطاع إسماعيل أن يشكل رفوف مكتبة صغيرة من سعف النخيل وبقايا خشب صناديق الفواكه، ليحول ما هو عادي إلى شيء استثنائي. مع مرور الزمن، ومع تزايد عدد الكتب التي احتضنتها تلك الرفوف، بدأت تتثاقل، مما منحها هيئة تشبه السفينة، وكأنها تحمل في أحشائها عوالم من المعرفة تنتظر من يكتشفها. هذه الصورة الرمزية لا تعكس فقط الازدحام المادي للكتب، بل تعبر أيضًا عن رحلة البطل ذاته، الذي يسعى لاستكشاف عوالم جديدة من الفكر والثقافة. إن المكتبة، بذلك، تصبح رمزًا للبحث عن المعنى والبحث الدائم عن المعرفة، مما يجعلها ليست مجرد مكان لتخزين الكتب، بل سفينة تحمل الأحلام والطموحات. وتعكس الصراع المستمر بين الأمل واليأس. التسمية 'سفينة إسماعيل' تعبر عن التحول والبحث الدائم عن المعرفة، حيث تصبح المكتبة رمزًا للإبداع والجهد في عالم مليء بالتحديات.

تجارب شعراء من خلفيات ثقافية متنوعة .. أصوات تتجاوز الألم في كتاب 'الشعر نداء للسلام' لحميد عقبي
تجارب شعراء من خلفيات ثقافية متنوعة .. أصوات تتجاوز الألم في كتاب 'الشعر نداء للسلام' لحميد عقبي

يمنات الأخباري

time٢١-٠٢-٢٠٢٥

  • يمنات الأخباري

تجارب شعراء من خلفيات ثقافية متنوعة .. أصوات تتجاوز الألم في كتاب 'الشعر نداء للسلام' لحميد عقبي

محمد المخلافي يُعَدُّ الشعر من أبرز أشكال التعبير التي تعكس مشاعر الإنسان بكل تفاصيلها، وتتناول قضاياه الأساسية، خاصةً في أوقات الأزمات والصراعات. في هذا السياق، يأتي كتاب 'الشعر نداء للسلام: دراسات لأصوات شعرية عربية' للناقد والمخرج السينمائي اليمني حميد عقبي، المقيم في فرنسا، ليقدّم أصواتًا شعرية متنوعة تتناول موضوع السلام. يستعرض الكتاب تجارب اثني عشر شاعرًا، وهم: صبري يوسف، أحمد الفلاحي، ابتسام أبو سعدة، سمير بيّة، دورين سعد، بدر السُّويطي، مفتاح العلواني، آية الوشيش، عبد الودود سيف بن سيف، مروة أبو ضيف، سرجون فايز كرم، وفخر العزب. تأتي هذه الأصوات من خلفيات ثقافية متعددة، مما يُثري الحوار حول دور الشعر في معالجة قضايا الحرب والسلم. يتناول عقبي في مقدمته أهمية الشعر في معالجة هذه القضايا، مشيرًا إلى الفعاليات الثقافية التي تُعقد سنويًا لتعزيز الحوار في هذا الشأن. من خلال هذا العمل، يسعى عقبي إلى تقديم رؤى جديدة حول قدرة الشعر على تجسيد الأحلام والطموحات الإنسانية في عالم مليء بالتحديات، مما يجعل هذا الكتاب خطوة مهمة نحو تعزيز الوعي الثقافي والإنساني في المجتمع العربي. يتألف الكتاب من 204 صفحات، وصدر عن دار صبري يوسف في ستوكهولم، السويد، في مطلع هذا العام 2025. استعرض عقبي في كتابه تجارب شعراء مميزين، بدءًا بالأديب والتشكيلي السوري صبري يوسف، الذي يُعتبر واحدًا من الأصوات الأدبية والفنية المؤثرة في المشهد الثقافي العربي. يجمع يوسف بين موهبة الكتابة وفن الرسم، مما يُتيح له التعبير عن رؤيته للعالم من خلال عدة أبعاد فنية. يتميز بأسلوبه الشعري الذي يحمل تأملات عميقة حول الحياة والإنسان والطبيعة، حيث تعتمد نصوصه على الرمزية والتشبيهات المبتكرة، مما يعكس تجربته الشخصية كفنان يعيش في زمن الفوضى والصراعات. السَّلامُ مطرٌ نقيٌّ خُصوبةٌ يانعةٌ متدلِّيةٌ مِن عُيُونِ اللَّيلِ .. مِن نقاوةِ النَّدى! نورٌ يزدادُ سُطُوعاً كَوَجْهِ الصَّباحِ تظهر هذه الأبيات أسلوبًا رمزيًا قويًا، حيث يُجسّد السلام كنعمة تُهطل من السماء، مما يعكس الأمل في الخلاص. استخدام الاستعارة يعزز من شعور القارئ بجمالية السلام، في مواجهة قسوة الواقع. أما أحمد الفلاحي، الشاعر اليمني البارز، فيُعتبر من أبرز الأصوات الشعرية المعاصرة في اليمن. وُلِد في بيئة ثقافية غنية ساهمت في تشكيل رؤيته الشعرية الفريدة. من خلال تنوع نصوصه وعمقها، يعبر الفلاحي عن القضايا الإنسانية والاجتماعية، مُبرزًا معاناة الشعب اليمني في ظل الأزمات والصراعات. يتميز أسلوبه بلغة مكثفة وصور رمزية قوية تعكس قلق الإنسان العربي في مواجهة واقعه المعقد. 'الآن وقد بدأ العام' ألآن وقد بدأ العام، ماذا يعني؟ الحرب ما زالت تبيض، والأطفال يلتحفون الرَّماد، وأسماك الزِّينة تركض في الحوض. لا جدوى سوى الآهات والأوطان تسكب عبراتها، والموتى يتوسّدون اللَّحد. الكربون يفيض بالماء، والبيئة تغتاظ. تتسم هذه الأبيات بالقلق والاحتدام، حيث تعكس معاناة الشعب اليمني. الصور الشعرية المكثفة تُظهر الفوضى التي تعيشها المجتمعات، ويبرز استخدام الرموز مثل 'الأطفال يلتحفون الرَّماد' عمق المأساة الإنسانية. من جهة أخرى، تُعد ابتسام أبو سعدة، الشاعرة الفلسطينية، من الأسماء اللامعة في الساحة الأدبية العربية. وُلدت في بيئة غنية بالتاريخ والثقافة، مما شكل لها مصدر إلهام دائم في كتاباتها. تعبر قصائدها عن الآلام والتجارب الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، مستندةً إلى الذاكرة والحنين. تتميز أسلوبها الشعري بالتجديد والعمق، حيث تمتزج فيه المشاعر الخاصة بالمعاناة مع القدرة على تصوير الجمال. أخبريه حين أموت.. أن ثمة لاجئة تعبت من الشتات وحطت على صدره نقشها العشق قديمًا فلم تمت. تخبِّئ آخر رصاصة يحملها مقاوم في صدرها.. سيُنهيها بها يومًا.. وأن ثمة موتًا يعيش في قلبي ولا يقتله.. أخبريه كم كان حزنه متورِّطًا في حزني وكم كان وجعه متوغِّلاً في لحمي. تتجاوز هذه الأبيات حدود الألم الشخصي لتصبح تأملًا في الهوية والحنين. تُبرز الشاعرة الصراع بين الحياة والموت، مما يُكسب النص عمقًا عاطفيًا يعكس تجارب اللاجئين. عبد الودود سيف بن سيف، رمزٌ للشعر اليمني المعاصر، حيث تمتد تجربته لأكثر من نصف قرن، رغم قسوة الواقع والأزمات المستمرة التي تعصف باليمن. بعيدًا عن الأضواء، يجد الشاعر في منصات التواصل الاجتماعي متنفسًا لنشر قصائده، متجاوزًا بذلك غياب الدعم الإعلامي الذي يعاني منه الكثير من المبدعين. تتسم قصائد بن سيف بتجسيد المعاناة الإنسانية تحت وطأة الحرب، حيث يعيش الشاعر في عالم يتبدل فيه ثمن الرصاص ليصبح أقل من ثمن الخبز. هذه الصورة تعكس واقعًا مأساويًا يتمثل في مفارقات الحياة والموت، حيث تتقاطع الأبعاد الإنسانية مع القسوة التي تفرضها الظروف. تداعيات.. بدخول عمر الرَّابع والسَّبعين. ١ ـ متعّبٌ! ودمي مطبِقٌ في خناق دمي. أحتمي بعناد الطَّلاسم؟ أم أرتمي صوب اَخر قبَّرةٍ سوف تسطعُ جاهشةً من زنادِ فمي؟ أم أؤجِّلُ هذا الدُّعاءَ وهذا الدُّعاءَ إلى حلمٍ مرجأٍ، سوف يصدحُ ثانيةً، ربّما، من رمادِ شذى الياسمين؟ الطَّواحينُ عامرةٌ. والسَّلاطينُ إنْ كسروا أمةً؛ أسروا أمّةً. وليكنْ! تلك أحلامهم. هم يخافون عنفَ الشّذى، ونعافُ صنوفَ الأذى. فلماذا إذا افتتحوا قريةً قاسمونا البطولةَ؟ إنَّ الشَّجى يستجرُّ الشَّجى. والرَّمادُ إذا حاصر الجمرَ أرمدها عنوةً. فلندع ما 'لروما' لقيصرها! ولنقلْ: إنَّ بعضَ الرَّثاءِ، إذن، صالحٌ للهجاءِ. تعبّر الأبيات عن حالة من الألم والاختناق، حيث يصف الشاعر معاناته الداخلية ويطرح أسئلة وجودية حول الهروب من الواقع. يتردد بين الأمل والإحباط، مشيرًا إلى حلم هش قد يصدح من 'رمادِ شذى الياسمين'. كما يتناول الظلم الاجتماعي والسياسي، متسائلًا عن الهوية والانتماء في ظل الاستبداد. في النهاية، يعكس استمرار الألم، مشيرًا إلى أن الحزن يمكن أن يحمل قيمة في التعبير الفني، مما يجسد رحلة البحث عن الأمل في سياق المعاناة. يُعَدُّ الدكتور سرجون فائز كرم، الشاعر اللبناني، صوتًا مميزًا في عالم الشعر المعاصر. ينسج كرم قصائده بأحلام نابضة بالمحبة، متجاوزًا قسوة البعد عن الوطن. نصوصه ليست مجرد كلمات، بل لوحات حية تنبض بروح بيروت المتعبة، التي تحمل في طياتها أملًا لا ينطفئ. تتداخل مشاعر الغربة والحنين، مما يجعل من بيروت رمزًا خالدًا للحياة التي تعاند القبح والانكسار. من خلال صور متشابكة ودلالات ساحرة، يفتح كرم نافذة على عالم شعري يمزج بين التشظي الداخلي والرغبة في السلام. تتجاوز قصائده حدود الألم لتكون دعوة للتأمل في قوة الحب والإبداع، حتى في وجه الصراعات. كل نص يُعتبر استكشافًا لذاته، حيث لا ينسى وطنه لحظة. تتكرر أسماء المدن في قصائده، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش اللحظة بكل ما فيها من معاناة. فتتداعى فيه. في يدي البرهان حين يخرج ظلّي في مظاهرة خلفي كي يمسك يديك فوق علبة سجائري تشعلان لينطفئ الكون فأرى… في بيروت أحبّ الناس وأكره جثّة القصيدة التي تفوح بي ومنّي، وأصلّي أن يعود الله غدًا من حيث جاء وثغره الباسم وردة ملء يديه. تتسم الأبيات بالحنين والارتباط بالوطن. استخدام الرمزية يعكس التوتر بين الجذور والغربة، ويظهر كيف يمكن للشعر أن يكون وسيلة للتعبير عن الحب والافتقاد. تفرض الحرب نفسها كواقع مؤلم في أغلب الكتابات الإبداعية اليمنية، مما يجعل من الصعب على المبدعين ابتكار وهم السعادة في وطن يعاني. في خضم هذه المعاناة، تبرز تجربة الشاعر فخر العزب، الذي يعبّر في قصائد عن الألم والبحث عن الأمل والسلام. تتسم نصوص العزب بالتكثيف والتشظي، مثلما يتجلى في قصيدته 'التقاطات'، حيث يُستخدم 'الوعل اليماني' كرمز للحوار الذاتي، مما يجسد القوة والصمود في مواجهة الخراب. التقاطات أخبِّئ نفسي في قرن وعلٍ يماني هكذا أصافح التاريخ وأصاحبه في حله وترحاله وأكوِّن نديمه حين يشرب النَّبيذ من أباريق الجرار. أكوِّر نفسي في نعيق غراب يستريح على ساحل 'صيرة' تحت عيون شمس الظهيرة كاسمٍ عالقٍ في هامشٍ منسي. تُبرز هذه الأبيات قوة الرموز، مثل 'الوعل اليماني'، كوسيلة للحوار الذاتي. النص يعكس الصمود في مواجهة الأزمات، ويظهر كيف يمكن للفن أن يكون ملاذًا في أوقات الشدة. بدر السويطي، شاعر ومترجم وروائي عربي، ينسج قصائده من عمق الأحلام، ويطلقها كزفرة تحمل آهات الحياة، لكنه يظل مبتسمًا، متمسكًا بالأمل. تتجلى في عناوين دواوينه عناصر النفي والغياب، مما يعكس حلمه بالسلام والوطن. ورغم غنى تجربته الشعرية، إلا أنها لم تحظَ بالاهتمام النقدي الكافي. بلهفةِ شاعرٍ يَترقَّبُ المَواعيدَ يرتشفُ قهوتَهُ الصَّباحيّةِ وينظرُ للساعةِ مُرتبكاً قَلقٌ كعصفورٍ على غُصنٍ يرتجفُ قلبُهُ مِنْ شدَّةِ القًلَقِ وثرثرةِ الرِّيحِ في أكشاكِ الهواتفِ العموميَّةِ المطليّةِ بالأحمرِ تردِّدُ كذبةَ نيسان لتزهر الأحلامُ في الرَّبيعِ لقاءٌ وعناقٌ يا إلهي لقَدْ مرَّ الزَّمنُ مِنْ هنا حَاملاً على ظهرهِ ما تبقَّى مِنَ الزَّمنِ كحافلاتِ 'لندن' الحَمراء تَقلُّ الرُّكَّابَ إلى وجهتهم وتُكمِلُ مسيرَها في صخبِ المدينةِ الَّتي كانَتْ تجلسُ بالقربِ منّي وأنا أحاولُ حَلَّ أحيائِها المتقاطعةِ هكذا مرَّ الزَّمنُ في مدائنِ المطرِ والضَّبابِ لأكملَ سيرةَ النَّفي والغيابِ! تُعبر هذه الأبيات عن الزمان والمكان كعوامل مؤثرة في تجربة الإنسان. الأسلوب السلس يعكس الأمل في الحياة، رغم المعاناة، مما يجعلها تعبيرًا عن البحث عن الجمال في الفوضى. تُبرز قصائد دورين سعد الشاعرة اللبنانية عمق المعاناة الإنسانية، مسلطةً الضوء على كوارث الواقع وآلام المرأة، الضحية الكبرى للأزمات الاقتصادية والسياسية. تتجنب الهروب إلى المتخيّل، بل تسعى لجعله يعيد تشكيل الواقع، فتطرح أسئلة وجودية عميقة دون إجابات جاهزة. تعكس كتاباتها جماليات التعبير بلغة بسيطة، تلامس الجروح المؤلمة، وتجسد مشاعر معقدة تعكس حالة المرأة التي فقدت القدرة على الاستمتاع بالحياة. تلك المرأة لا تُشبه نساء الأرض. ولا يُغريها غنَّآء… تُبرز هذه الأبيات الصراع الداخلي للمرأة. الأسلوب المباشر يعكس الألم والمعاناة، مما يُكسب النص طابعًا واقعيًا، ويعبر عن حالة فقدان الأمل. كما تمثل الشاعرة الليبية آية الوشيش صوتًا شابًا يتجاوز الحدود التقليدية للشعر، مُعَبِّرةً عن واقع مجتمعها المليء بالتناقضات والصراعات. تجمع في كتاباتها بين السخرية الحادة والبوح الأنثوي الشجاع، مُسلِّطةً الضوء على تجارب ذاتية ومجتمعية في مواجهة الأزمات الكبرى مثل الحروب والفقدان. وانتظرتُكَ حتَّى جفَّ قلبي وصارَ زيتونة مجعَّدة انتظرت المواعيد الَّتي حلفت بابتسامتك العريضة أنَّها حقيقيّة خلف تكَّات السَّاعة كان قلبي يركض كلّ ليلة أعدُّ الثَّواني وأراقصها وأصنع من الصَّبر حجاباً لكنَّك لم تأتِ. تُعبر الأبيات عن الانتظار والأمل المفقود، حيث تتداخل الصور الشعرية لتظهر التجربة الإنسانية المعقدة. الأسلوب يمزج بين السخرية والجدية، مما يجعل النص مستنيرًا بتجارب الحياة. في كتابه 'الشعر نداء للسلام'، يتبنى حميد عقبي أسلوبًا أدبيًا متنوعًا يجمع بين السلاسة والعمق، مما يتيح للقارئ الانغماس في عالم من المشاعر والأفكار. يتسم أسلوبه بالرمزية، حيث يستخدم الصور الشعرية لتجسيد القضايا الإنسانية المعقدة، مثل الحرب والسلام. يمثل أسلوب عقبي في الكتابة جسرًا بين الألم والأمل، حيث يسلط الضوء على قوة الشعر كوسيلة للتعبير عن التجارب الفردية والجماعية. من خلال تناوله للوضع النفسي وتأثير البيئة، يظهر كيف يمكن للكلمة أن تكون أداة للتغيير والتواصل في عالم مضطرب. إن هذا الكتاب، بعمقه ورمزيته، يدعونا جميعًا للتفكر في دور الأدب في بناء عالم أكثر فهمًا وتسامحًا. كما تكمن أهمية هذا الكتاب في دراسة تجارب متنوعة ونصوص جديدة تنتمي أغلبها إلى ما بعد الحداثة، حيث لا تزال دراسة مثل هذه النصوص قليلة. ومثل هذه الأعمال يصعب أن يتم تطبيق مناهج النقد القديمة أو المتداولة، فهي تتميز بالتداخل مع فنون صورية وأجناس متعددة. وكان تناول عقبي لها بعين سينمائي وفنان تشكيلي، ولم يكن تشريحًا نقديًا أكاديميًا. في تحليله للنصوص، نلمس كأنه أشبه بالدراماتورج الذي يحاول معالجة هذه النصوص مسرحيًا، أو السيناريست الذي يبحث عن المشهدية واللقطات المؤثرة التي تحمل عمقًا رمزيًا ودلاليًا وجماليات بصرية. اتبع عقبي منهج التحليل الموضوعي والنفسي، لكنه يذهب أكثر من مجرد تقديم تحليلات نقدية للدراسة الأكاديمية، كونه حاول محاورة المبدع عبر نصه وفهمه، والكشف عن نداء السلام الذي قد يأتي همسًا أو صراخًا أو مجرد حلم في هذه النصوص. كل هذه الأصوات من بلدان أصابتها الحرب والخراب ويعبث بها الموت، صورت نصوصهم لقطات من هذا الرعب المخيف والقلق النفسي وفداحة الفقد، ولكن يظل الأمل والحلم وحب الحياة والعشق للجمال رغم قسوة الواقع ورعبه. في ختام هذا الاستعراض، يتضح أن كتاب 'الشعر نداء للسلام' لحميد عقبي لا يقتصر على كونه مجرد مجموعة من النصوص الشعرية، بل هو تأمل عميق في الإنسانية وآلامها. يعكس الكتاب قضايا معقدة تتعلق بالسلام والحرب، مستندًا إلى تجارب شعراء من خلفيات متنوعة. يمثل أسلوب عقبي في الكتابة جسرًا بين الألم والأمل، حيث يسلط الضوء على قوة الشعر كوسيلة للتعبير عن التجارب الفردية والجماعية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store