
أمغالا.. هنا أقدس بقعة بالصحراء التي أخرجت أعظم مشروع في الهندسة العسكرية
في هذه البقعة الطاهرة بأمغالا (80 كلم جنوب السمارة) التي التقطت فيها الصورة، سالت دماء الجنود المغاربة لصد أخبث عدوان عسكري جزائري غادر ضد المغرب.
السمارة – أمغالا . الدكتور – عبد الرحيم أريري
في هذه البقعة الطاهرة بأمغالا( 80 كلم جنوب السمارة) التي التقطت فيها الصورة، سالت دماء الجنود المغاربة لصد أخبث عدوان عسكري جزائري غادر ضد المغرب.
في هذه البقعة الطاهرة دارت أشرس معركة بين القوات المسلحة الملكية والجيش الجزائري النظامي يوم 26 يناير 1976، وهي المعركة المعروفة ب 'معركة أمغالا الأولى'، أو بالأحرى الحرب بين المغرب والجزائر التي ستدوم إلى اليوم.
في ذاك اليوم انطلقت من جنوب الجزائر بتندوف 3 ألوية عسكرية جزائرية في هجوم سافر على الصحراء المغربية.
اللواء الأول قام بالهجوم على حامية أمغالا ، حيث كانت تتمركز وحدة عسكرية مغربية. موازاة مع ذلك قام لواء عسكري جزائري ثاني بالهجوم على تفاريتي لأجل تشتيت انتباه القوات المسلحة الملكية وإبطال جهودها في الإسناد.
وعلى بعد حوالي 350 كلم كان هناك لواء عسكري جزائري ثالث للمدرعات على مشارف المحبس (إقليم أسا الزاك)، من أجل سد طرق الإمداد والدعم المغربي عن المناطق الني تعرضت للهجوم الغادر .
مقابل ذلك قام الجيش الجزائري بتثبيث مدفعيته الثقيلة على الحدود المغربية الموريتانية جنوب أمغالا، مع نصب بطاريات الصواريخ، وخاصة صواريخ سام 6 و سام 7 الروسية الصنع، تحسبا لمواجهة الطيران الحربي المغربي وقوات التدخل السريع.
حصيلة المعركة يعرفها الجميع، فقد سحقت القوات المسلحة الملكية العدو الجزائري.
الوحدات العسكرية المغربية في معركة أمغالا الأولى كان يقودها الكولونيل بنعثمان، رفقة كومندو عسكري يؤطره القبطان لحبيب حبوها( والد محمد حبوها، عامل إقليم بركان حاليا).
أسفرت المعركة، عن قتل ما يزيد عن 100 عسكري جزائري، وأسر أكثر من 300 ضابط وجندي جزائري.
وحسب ما حكاه لي المرحوم أحمد السنوسي، السفير المغربي بالأمم المتحدة سابقا، في حوار مطول سبق نشره بأسبوعية 'الوطن الآن'، وبموقع 'أنفاس بريس'، يوم 3 دجنبر 2020، فإن الملك المرحوم الحسن الثاني، لما تناهى إلى علمه خبر الهجوم العسكري الجزائري الغادر على أمغالا غضب كثيراً وانزعج بقوة.
وبعد توالي الأخبار حول إنتصارات الجيش المغربي وتحكمه في الميدان، توصل الحسن الثاني بمكالمة هاتفية من كل من الملك خالد عاهل السعودية، ومن الرئيس أنور السادات رئيس مصر، يشفعان عنده ليفك الأسر عن الجزائريين ويعجل بطي الملف مخافة الفضيحة بالجزائر.
وأوفد الملك خالد ولي العهد فهد، في حين أرسل أنور السادات نائبه حسني مبارك.
وإذ ركز السفير السنوسي على هذين القائدين، فلأنه كان مكلفاً من طرف المرحوم الحسن الثاني بإستقبال مبعوثيهما بمطار فاس صحبة الجنيرال مولاي حفيظ.
وبالفعل إستقبل المرحوم الحسن الثاني كلا من فهد وحسني مبارك، وأخبرهما الملك بحيثيات الإعتداء وكيف تنكرت الجزائر لتعهداتها وتصريحاتها في القمة العربية.
حينما قال الرئيس الجزائري بومدين في المؤتمر إنه لن يتدخل في قضية الصحراء.
بعد ذلك توجّها إلى الجزائر لملاقاة بومدين، وعادا في نفس اليوم إلى فاس ليخبرا الملك الحسن الثاني، بأن الرئيس الجزائري يتعهد بألا يتدخل إطلاقا في الصحراء، وبأنه يطلب الإفراج عن الجنود الجزائريين الذين أسرتهم وحدات القوات المسلحة الملكية.
ونظراً لبعد نظر الحسن الثاني ووساطة رئيسي دولتين كبيرتين (السعودية ومصر)، استجاب الملك لطلبهما، وتم إيقاف الحرب، وأفرج المغرب في ما بعد عن الأسرى الجزائريين.
لكن الغدر الكبير الذي قامت به الجزائر بعد هزيمتها في معركة أمغالا الأولى، هو تنكرها لما التزمت به أمام شهود مصر والسعودية.
فتم التخطيط لهجوم غادر من طرف الجيش الجزائري من جديد على بلدة أمغالا بعد مرور شهر تقريباً ( فبراير 1976)، في الوقت الذي لم تكن الوحدات العسكرية المغربية بأمغالا في حالة تأهب واستنفار كبير، بحكم أن الجزائر طلبت وساطة دول أجنبية، وتعهدت أمامها بألا تتدخل من جديد، فقتلت جزءا وأسرت جزءا آخر من المغاربة ظلوا في معتقلات تندوف بالجزائر طوال 25 سنة.
إلا أن المكسب الأكبر الذي ربحه المغرب من معركتي أمغالا( الأولى والثانية)، أنه فطن إلى تأصل جينات الغدر لدى العدو الجزائري، وهو ماقاد المرحوم الحسن الثاني إلى البدء في دراسة وصياغة وإنجاز أعظم مشروع في الهندسة العسكرية عالميا.
ألا وهو بناء الجدار الأمني لإغلاق منافد تسرب وحدات الجيش الجزائري أو عناصر البوليساريو، من تراب الجزائر نحو التراب المغربي.
وهو ما تحقق بإخراج أساسات الجدار الأمني الأول من الأرض عام 1980.
الجدار الأول أعطى أكله سريعاً، لأنه أغلق على جيش الجزائر المنافذ للتسرب نحو المغرب، وهو ماجعل المرحوم الحسن الثاني يعطي الأمر بتعميم الجدار الأمني على إمتداد 2400 كلم (أي على طول الحدود الجزائرية والموريتانية كذلك التي كانت تتسرب منها البوليساريو مؤطرة بوحدات عسكرية جزائرية).
وبعد إنتهاء المغرب من بناء آخر جدار عام 1986، وبعد فشل الجزائر في دفع البوليساريو لاختراق الجدار الأمني، اضطرت دولة العصابة إلى قبول وقف إطلاق النار عام 1991.
فطوبى للمغرب بشهدائه، واللهم إرحم الملك الحسن الثاني، و إرحم أفراد القوات المسلحة الملكية الذين روت دمائهم تراب الصحراء المغربية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأيام
منذ 2 أيام
- الأيام
صابون تازة
صابون تازة نشر في 22 مايو 2025 الساعة 11 و 00 دقيقة لا يمكن فصل النقاش في المغرب عما يجري في عالم متحول بشكل مذهل. إن الدعوة إلى الحمائية والتقوقع على الذات، وربما رفع شعار «المغرب ولا شيء غيره» ليست نزعة تستدعي المواجهة بالتخوين، ولكنها رد فعل على تحديات داخلية مفهومة وخصوصا في ما يتعلق بتوازن القوى الإقليمي، وتحديات الوحدة الترابية والحاجة إلى تحالفات دولية […] نور الدين مفتاح لا يمكن فصل النقاش في المغرب عما يجري في عالم متحول بشكل مذهل. إن الدعوة إلى الحمائية والتقوقع على الذات، وربما رفع شعار «المغرب ولا شيء غيره» ليست نزعة تستدعي المواجهة بالتخوين، ولكنها رد فعل على تحديات داخلية مفهومة وخصوصا في ما يتعلق بتوازن القوى الإقليمي، وتحديات الوحدة الترابية والحاجة إلى تحالفات دولية بعينها لمواصلة الصمود في مناخ دولي لا يرحم. أنا أعتقد أن هذا التفهم لا يعني الاتفاق على المقاربة، فموقع المغرب أصلا جعله بدون اختيار في ما يتعلق بالانفتاح، أو ما يمكن أن نسميه قدر العيش في ملتقى التيارات. والانفتاح لا يعني الانتقائية التعسفيّة، فإما أننا داخل العصر أو خارجه. إننا تلك الشجرة التي تحدث عنها الراحل الحسن الثاني حيث إن جذورها في إفريقيا وأوراقها في العالم، وبالطبع هناك دائما قانون قرب، وعلاقاتنا كما في العالم كله تندرج ضمن هذا القرب من المغرب إلى المغرب الكبير ـ رغم كل مشاكله ـ إلى العالم العربي فإفريقيا فأوروبا ثم الولايات المتحدة والقوى المؤثرة في العالم. من هنا يمكن أن ندخل إلى النقاش المثار حول شعار «تازة قبل غزة» بلا تشنج. فهذا الشعار والسياق الذي أطلق فيه لم يكن يعني بالضرورة الحرب الهمجية التي تتعرض لها غزة اليوم. لقد أطلق في عقد سابق كردّ على التبرم من قيادات عربية متشرذمة في قمم عقيمة، تحدث عنها الملك محمد السادس بكل وضوح. لقد كان الأمر اختياراً للعهد الجديد لاختلاف في الأسلوب مع توجه الحسن الثاني الذي كان منخرطا بشكل كامل في الشؤون العربية، والدليل هو عدد القمم التي انعقدت في المغرب وعدد القرارات التي تحمل اسم هذه القمم. لقد اختلف الأسلوب ومنسوب الانخراط ولكن لا يمكن لأي بلد أن يقطع مع هذا الجزء من انتمائه، إنه المستحيل! إذن، إسقاط معادلة قديمة على واقع جديد هو إسقاط تعسفي يؤدي في النهاية إلى نتائج مخالفة أصلا للواقع. فتازة بالطبع لها الأولوية على نيويورك وبانكوك وهونولولو، ولكن ليس هناك مكان في العالم حاليا يتعرض لما تتعرض له غزّة. لقد كان رد الفعل على «طوفان الأقصى» من طرف حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة عبارة عن جرائم حرب متتالية لم تنته لحد الآن، بل إنها اليوم وصلت إلى حد استعمال التجويع كسلاح حرب وهو محرم بالقانون الدولي. إسرائيل تعيش عزلة وآخرها التبرم النسبي لإدارة ترامب منها، وفتح مفاوضات أمريكية إيرانية دون رضاها، وعقد اتفاق مع الحوثيين دون أن يكون أصلا في علمها، وعقد صفقة مباشرة مع حماس تم على إثرها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الحامل للجنسية الأمريكية عيدان ألكسندر. إضافة إلى أننا ونحن نكتب هذه السطور يوجد ترامب في الرياض مع وفد ضخم ومنها سيمر إلى الدوحة فأبوظبي دون زيارة تل أبيب! تازة اليوم تعيش على إيقاعها المعتاد في مملكة مستقرة، وغزة لا يمكن إلا أن توقظ أهل الكهف بفظاعاتها وهمجية مستهدفيها الذين لا يخفون رسميا رفضهم لحل الدولتين بين النهر والبحر، وإصرارهم على تهجير أهل القطاع. بل إن ما يقومون به في الضفة الغربية شنيع وما أقدموا عليه لأول مرة من اقتحام للمسجد الأقصى بزعامة وزير «الحرب» ـ وليس الأمن ـ القومي إيتمار بن غفير، والتنكيل بالمقدسيين وتعبيد الطريق لمحو ثالث الحرمين الشريفين، ما هو إلا تأكيد على أن الواجب الإنساني سيرفض التفاضل في التضامن بين ما هو محلي وما هو خارجي، فما بالك إذا كان هذ الخارجي يعتبر من المقدسات بالنسبة لمليارين من المسلمين ومليار ونصف المليار من الكاثوليكيين. وقد أدان البابا الجديد ليو 14 في أول خطاب له ما يجري من فظاعات في غزة ودعا إلى وقفها. أنا واثق أن الذين يقولون بـ«تازة قبل غزة» لا يعنون أنهم متحللون من القضية الفلسطينية ولا أنهم بدون إنسانية، اللهم إلا بعض الأمازيغاويين المصرحين علانية بإسرائيلتهم، والذين زاروا الكيان الصهيوني مؤخرا بدعوى التضامن معه، هؤلاء لا كلام معهم أصلا. إن مساحة الاتفاق الوطني على أن القضية الفلسطينية قضية محورية في الوجدان المغربي لا يمكن الاختلاف عليها، ولكن الذي يُحدث الخلط هو هذا التفاضل المطروح في الشعار الذي أخرج من سياقه. وككل شيء ينتزع من سياقه فإنه يصبح سامّاً، ولهذا نرى هذا التشويش على موقف مغربي إنساني تاريخي عربي إسلامي لا غبار عليه. بل إن القناة الإسرائيلية 12 اعتبرت أن التيار في المغرب غير المعادي لهذه الإسرائيل التي تقود حرب الإبادة هو قطرة في بحر! وأنا أعي أن الذي يختفي وراء هذا الانقسام المستغرب من خلال شعار «تازة قبل غزة» هو حرج التطبيع مع إسرائيل في وقت لم يكن أحد يتصور أن يصل بنيامين نتنياهو إلى ما وصل إليه من وحشية خلفت أكثر من 50 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح والمأساة مستمرة. ولا أعتقد أن هذا النقاش يجب أن يكون من المحرمات أو من دواعي التصنيفات، فالتطبيع كان قرارا سياسيا وسياديا للدولة في مرحلة معينة، ولما تغيرت الظروف بشكل حاد، كان طبيعيا أن تخرج دعوات للعدول عن هذه العلاقات المفتوحة، وهذه مواقف طبيعية في الديموقراطية، وقد كان التطبيع بيننا في نهاية التسعينيات وقطعناه في بداية العهد الجديد، ويمكن في أي وقت أن يقطع اليوم لأنه يدخل في إطار التحولات، وأما الثابت فهو التزام مغربي راسخ بالاصطفاف مع الشعب الفلسطيني المحتل، ومع شرعية مقاومته لهذا الاحتلال، ومع دولة فلسطينية ذات سيادة على أراضي 1967 وعاصمتها القدس، ولنكون واقعيين أكثر نقول القدس الشرقية. المشكل عند العبد الضعيف لله ليس التطبيع الذي أتمنى في هذه الظروف لو أنه جمّد على الأقل مع هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ولكن مشكلتي مع من يذهبون أبعد من قرار سياسي حول علاقة مع دولة في الخارج، إلى بناء علاقة غرامية مع الكيان الصهيوني، والتماهي مع أطروحته والانبهار بخوارق مفترضة له، ومحاولة التطبيع الشعبي معه والاحتفاء برموزه ومعانقة رايته وبسطها في الفضاء العام، ومحاولة التنصل من القضية الفلسطينية والتشنيع بها عن طريق تصرفات بعض قادتها. مثل هؤلاء هم من يزيدون في العلم ويقدمون أنفسهم حماة لاختيارات الدولة في حين أن الدولة للجميع وهي تقرر والقرار سارٍ والرأي حر. عيب أن نختلق خلافات كانت في السابق جزءً من قوتنا. لقد اختارت الدولة أن ترسل جنوداً إلى الخليج ضد صدام وخرجت أكبر مسيرة شعبية مليونية في الرباط تضامنا مع العراق! ماذا وقع؟ لا شيء. اليوم محمد السادس هو ملك المغرب وفيه تازة وهو في نفس الوقت رئيس لجنة القدس والقدس عاصمة لفلسطين بما فيها غزة، وأتذكر أنه سبق وأن أقام حفل عشاء على شرف الراحل إسماعيل هنية رئيــــس المكتب السياسي لحركة حماس حيـــنها، ترأسه رئيس الحكومة آنئذ الدكتور سعد الدين العثماني. بل لقد خرج مئات الآلاف من المــــواطنين في مسيرتين متتابعتين بالرباط نصرة لفلسطين، فلـــماذا إذن نبحث عن «صابون تازة»؟


الأيام
منذ 2 أيام
- الأيام
يوم قال الملك الحسن الثاني لفتح الله ولعلو: 'ستفقد شعبيتك'
تعززت الخزانة الوطنية بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل 2025 في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحيل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. إليكم الجزء الثالث عشر من الصفحات الساخنة التي ارتأت 'الأيام 24' نشرها: عندما قال لي الملك: ستفقد شعبيتك التقيت جلالته أيضا بالقصر الملكي بالرباط (قبل ذلك بمدة)، في إطار التهييئ للمناظرة الوطنية للجماعات المحلية. كنتُ رفقة وزير الداخلية إدريس البصري بصفته الجهة المنظمة للمناظرة، وكان لقاءً إخباريًّا فقط وقوفا، لم يدم سوى دقائق. التفتَ نحوي جلالة الملك الحسن الثاني وقال: – عليكما أن تعرفا أنه في كل دول العالم، يفقدُ وزيرا الداخلية والمالية شعبيتهما بسرعة عندما يقومان بمهامهما أحسن قيام. هذه ضريبة مسؤوليتهما. ابتسمنا وودعنا جلالته حيث التقيت مباشرة بعدها بالأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ووضعتُهُ في الصورة، مثلما أخبرتُهُ بجملة جلالة الملك، فرد علي ضاحكا: – لا تخف، شعبيتك أنت لن تتأثر. لكن أعرف أنها تأثرت فعلا، خاصة (وهذا مصدر التناقض) عندما تتخد إجراءات إيجابية لصالح البلد، لأنها في كثير من الأحيان لا تكون شعبية. ترأس جلالته عمليا ثلاثة مجالس وزارية في عهد حكومة اليوسفي، طلب منا في آخرها، (وكان في فصل الصيف)، أن لا نَحضُرَ مرة ثانية في حرارة مُماثلة باللباس الرسمي القاتم، بل اعتبر أن من حقنا الحضور بلباس خفيف. حيث قدمتُ في ذلك الإجتماع بصفتي وزيرا للإقتصاد والمالية قانون إصلاح قطاع التأمينات، الذي كان مُحضَّرًا من قبل، مع دعمٍ مُصاحبٍ لذلك الإصلاح في شكل قرضٍ من قبل البنك العالمي بقيمة 200 مليون دولار. كان عمليا يُصادقُ على ذلك القانون في مجلس الحكومة فقط، بعدها يقوم البنك العالمي بتنفيذ قرار الدعم المصاحب. بالتالي صادقنا عليه بداية في مجلس للحكومة قبل عرضه على المجلس الوزاري بغاية صدوره في الجريدة الرسمية، والمسؤول عن عرض التفاصيل كالعادة في كل نص قانون وإخبار الملك قبل المجلس الوزاري هو الأمين العام للحكومة. بعد انتهاء عرضي لمشروع قانون إصلاح قطاع التأمينات، سألني الملك الحسن الثاني إن كنا نحن من أعددنا النص. أجبته أنه قانون إصلاحٍ مُنجزٌ من قبل أطر الوزارة بالتنسيق مع المتدخلين في القطاع وأن البنك الدولي قرر تقديم دعم مصاحب لتنفيذ ذلك الإصلاح. فرد جلالته: – إن البنك الدولي هو البنك الدولي وإن المغرب له قراره السيادي، بالتالي فإنه لا أرى ضرورةً للإسراع بصدور هذا القانون الآن. كنا قد توصلنا عمليا بدعم البنك العالمي. لكن القانون لم يصدر في الجريدة الرسمية بسبب عدم مصادقة المجلس الوزاري عليه. فهمتُ حينها أن جلالة الملك يريد أن يمارس علينا كفريق حكومي جديد، نوعا من الإمتحان الذي يمارس على كل داخل جديد إلى مسؤولية مماثلة (بيزوتاج). بقيتُ بعدها، أتصلُ بالأمين العام للحكومة لتمرير نص قانون الإصلاح، خاصة أننا توصلنا ب 200 مليون دولار من البنك العالمي، لكنه ظَلَّ ينصحُني بالتريث والصبر، حتى توفي الملك الحسن الثاني رحمه الله، حيث قُدِّمَ ذلك القانون في أول مجلس وزاري ترأسه جلالة الملك محمد السادس، فصُودق عليه ونشر بالجريدة الرسمية ونُفِّذَ قانون إصلاح قطاع التأمينات.


بديل
منذ 2 أيام
- بديل
الرئيس التونسي الأسبق يدعو للإفراج عن محمد زيان ويصفه بـ'المناضل السلمي'
عبر الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، عن تضامنه مع وزير حقوق الإنسان المغربي الأسبق، النقيب محمد زيان، المعتقل بسجن 'العرجات 1″، مطالبا بالإفراج عنه، ومؤكدا على أن استمرار اعتقاله يمثل تراجعا في مجال الحقوق والحريات. وقال المرزوقي، في تصريح نقلته جريدة 'الحياة اليومية': 'أضم صوتي إلى كل الأصوات المطالبة بإطلاق سراح النقيب محمد زيان، أولا بصفتي حقوقيا وديمقراطيا يؤمن بأن لا مصلحة للدولة في ملاحقة المناضلين السلميين الساعين إلى التغيير الإيجابي'. وأعرب المرزوقي عن أمله في أن يظل هناك 'بصيص من النور' في المغرب وسط ما وصفه بـ'الردة الحقوقية' التي يعرفها العالم العربي. ويُعد محمد المنصف المرزوقي من أبرز الشخصيات السياسية في تونس، حيث تولى رئاسة الجمهورية ما بين دجنبر 2011 ودجنبر 2014، عقب الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي. وطالب المرزوقي السلطات المغربية بإطلاق سراح زيان، معتبرا أن ذلك سيحسب لصالح صورة المغرب، وقال في هذا السياق: 'أرجو من السلطات الإفراج عن الأخ محمد زيان، كمحب للمغرب وحريص على سمعته، وآمل أن يبقى المغرب من الأماكن القليلة التي ما زال فيها أمل وسط هذا العالم العربي المنكوب'. - إشهار - وكانت غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بقضايا الأموال لدى محكمة الاستئناف بالرباط قد أصدرت، بتاريخ 7 ماي الجاري، حكما بالسجن النافذ لمدة ثلاث سنوات في حق محمد زيان، على خلفية قضية تتعلق بتمويل حملة انتخابية كان قد أشرف عليها باسم الحزب المغربي الحر سنة 2015، وذلك رغم تأكيد هيئة دفاعه أن الأموال موضوع المتابعة جرى إرجاعها إلى الخزينة العامة. بالإضافة للحكم الجديد، يقضي النقيب زيان عقوبة سجن مدتها ثلاث سنوات في قضية سابقة، على خلفية تصريحاته ومواقفه السياسية المنتقدة للسلطات منذ اندلاع حراك الريف عام 2016، حيث اعتقل بتاريخ 21 نونبر 2022، بعد تأييد محكمة الاستئناف في الرباط لحكم ابتدائي صدر في فبراير 2022، شمل 11 تهمة اعتبرت هيئة دفاعه أنها ترتبط بحرية التعبير وممارسته المهنية والسياسية. وفي وقت سابق، دعت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين وضحايا انتهاك حرية التعبير 'همم'، إلى الإفراج الفوري عن زيان، مطالبة بوقف ما وصفته بـ'استعمال القضاء لتصفية الحسابات السياسية'، محملة السلطات مسؤولية تدهور وضعه الصحي، ومعتبرة أن الحكم الصادر بحقه بمثابة 'حكم بالمؤبد'. وفي تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم لسنة 2024، توقفت منظمة العفو الدولية 'أمنستي' عند حالة محمد زيان، مشيرة إلى أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة كانت قد دعت، في مناسبتين خلال فبراير وشتنبر الماضيين، إلى اتخاذ تدابير مؤقتة لضمان سلامة زيان، الذي يبلغ من العمر 82 عاما.