logo
الغربال المعرفي ينتقي الجواهر ويُسقط ما عداها

الغربال المعرفي ينتقي الجواهر ويُسقط ما عداها

الحدث٠٩-٠٤-٢٠٢٥

بقلم المستشار الإعلامي ـ خليل القريبي
وقعت عيناي مؤخراً على مقولة للروائي والناقد الفرنسي أناتول فرانس، قال فيها: أن تكون متعلماً لا يعني أن تختزن الكثير من المعلومات في ذاكرتك، بل أن تكون قادراً على أن تعرف الفرق بين المعلومات التي تستحق أن تُخزَّن إلى الأبد والمعلومات التي يجب أن تُمحى على الفور.
وأقول: فن التمييز هو جوهر الاطلاع الحقيقي الذي يتخطى حدود مجرد تخزين المعلومات في الذاكرة. في عالمنا الحديث، حيث تسيل المعلومات بغزارة عبر مختلف الوسائل، يبرز دور التفكير النقدي والقدرة على التمييز كمفتاح لفهم أعمق وأكثر حكمة. إن الربط التقليدي بين المعرفة وتكديس ما يمكن استيعابه من حقائق وأرقام يُعتبر منظورًا قاصرًا، إذ أن الاطلاع الحقيقي يُعرف بامتلاك مهارات تحليلية تسمح للفرد بانتقاء المعلومة ذات القيمة العالية وإقصاء ما لا يستحق الاهتمام أو قد يكون مضللًا. التركيز على تكثيف الحفظ بلا قصد يجعل من المتعلمين مجرد "حافظين"، غير قادرين على تطبيق ما يعرفونه أو ربطه بسياقات حياتية متعددة. يصبح العقل حينها أقرب لمكتبة مليئة بالكتب العشوائية دون نظام يُسهِّل الوصول إلى المعلومة المناسبة، مما يعيق الاستخدام الأمثل لهذه المعرفة. بالمقابل، فإن العقل المتدرب على التمييز يمتلك أدوات فعّالة تُشبَّه بـ"غربال معرفي" ينتقي الجواهر ويُسقط ما عداها. يأتي هذا الفن عبر القدرة على تطبيق المبادئ الأساسية والقواعد الرئيسية في مجالات مختلفة، وهو نتاج عملية التأمل والتحليل والتحقق المستمر من المصادر. على سبيل المثال، فهم قوانين الفيزياء يستطيع أن يفسر الظواهر الطبيعية ويخلق تطبيقات جديدة، بينما حفظ تفاصيل هامشية ينتهي غالبًا بطابع مؤقت. وبقدر أهمية القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات القيمة، فإن القدرة على تجاهل المعلومات الزائفة أو غير الضرورية تظل ذات وزن مماثل. في العصر الرقمي، حيث تنتشر الأخبار الكاذبة والإشاعات بسرعة كبيرة، يمثل التمييز بين الحقيقة والزيف درعًا رئيسيًا يحمي الأفراد من الوقوع في دائرة المعتقدات الخاطئة أو اتخاذ قرارات مغلوطة. فالمطلع الحقيقي يوفر لنفسه حصانة معرفية تُعينه في مواجهة المعلومات المُضللة وتُوجّهه نحو ما يستحق الفهم العميق.
من هذا المنظور، يجب أن تُعاد هيكلة الاطلاع المعرفي ليكون منصبًا على تنمية التفكير النقدي والقدرات التحليلية. لا يمكن الاكتفاء بحفظ معلومات مُعدة مسبقًا بل يجب التعوُّد على طرح الأسئلة، استكشاف الحقائق، وتطوير وجهات نظر مُعتمدة على أدلة حقيقية وتحليل متزن. ويجب أن ينتقل دور المكتبات ودور النشر من كونها مصدرًا للمعرفة إلى مُرشدة توجه طلاب المعرفة نحو تطوير مهاراتهم الذاتية وتعزيز اطلاعاتهم الفكرية. الاطلاع بهذا الشكل يُصبح ليس مجرد عملية تجميع بيانات، بل رحلة تُصقل فيها أدوات التمييز والإدراك. إن المطلع الحقيقي هو من يجيد استخدام "فلتر" معرفي يصفِّي القيمة من الشوائب، ويحتفظ بما يُثري عقله ويُمكّنه من رؤية العالم بنظرة واضحة وعميقة. إنه ذاك الشخص الذي يعرف متى يحتفظ بالمعلومة ومتى يتركها تذهب، ليكون مستعدًا للتعامل مع عصر يتسم بفيض هائل من المعلومات المتغيرة دائمًا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المنتخب السعودي للفيزياء يفوز بـ6 جوائز دولية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025
المنتخب السعودي للفيزياء يفوز بـ6 جوائز دولية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025

صحيفة عاجل

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • صحيفة عاجل

المنتخب السعودي للفيزياء يفوز بـ6 جوائز دولية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025

حصد المنتخب السعودي للفيزياء (6) جوائز دولية، منها ميداليتان برونزيتان، و(4) شهادات تقدير، في أولمبياد الفيزياء الآسيوي (2025)، بنسخته الـ(25) التي تنظمها المملكة في مدينة الظهران من (4) حتى (12) مايو الجاري، بمشاركة (240) طالبًا وطالبة يمثلون (30) دولة. وفاز الطالبان مازن الشخص من إدارة تعليم الأحساء، وحسين الصالح من إدارة تعليم الرياض بميداليتين برونزيتين، فيما نال الطلاب فارس الغامدي، وفيصل المحيسن، من إدارة تعليم الرياض، ومحمد العرفج، وعلي آل حسن، من تعليم الشرقية (4) شهادات تقدير، ليرتفع رصيد المملكة في هذا الأولمبياد إلى (22) جائزة دولية. وتأتي مشاركة السعودية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي ضمن برنامج موهبة للأولمبيادات الدولية وثمرة للجهود والعلاقة التكامليّة بين مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة" ووزارة التعليم، وبعد استعداد مكثف تلقى فيه الطلبة المتسابقون آلاف الساعات التدريبية في "موهبة". يُذكر أن النسخة الأولى من أولمبياد الفيزياء الآسيوي انطلقت عام (1999) في إندونيسيا بمشاركة (12) دولة، ووصلت بمرور الوقت إلى (30) دولة، ويُعد من أبرز المسابقات العلمية الدولية السنوية الموجهة لطلبة المرحلة الثانوية الموهوبين في الفيزياء.

المنتخب السعودي للفيزياء يفوز بـ6 جوائز دولية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025
المنتخب السعودي للفيزياء يفوز بـ6 جوائز دولية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025

رواتب السعودية

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • رواتب السعودية

المنتخب السعودي للفيزياء يفوز بـ6 جوائز دولية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025

نشر في: 12 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي حصد المنتخب السعودي للفيزياء (6) جوائز دولية، منها ميداليتان برونزيتان، و(4) شهادات تقدير، في أولمبياد الفيزياء الآسيوي (2025)، بنسخته الـ(25) التي تنظمها المملكة في مدينة الظهران من (4) حتى (12) مايو الجاري، بمشاركة (240) طالبًا وطالبة يمثلون (30) دولة. وفاز الطالبان مازن الشخص من إدارة تعليم الأحساء، وحسين الصالح من إدارة تعليم الرياض بميداليتين برونزيتين، فيما نال الطلاب فارس الغامدي، وفيصل المحيسن، من إدارة تعليم الرياض، ومحمد العرفج، وعلي آل حسن، من تعليم الشرقية (4) شهادات تقدير، ليرتفع رصيد المملكة في هذا الأولمبياد إلى (22) جائزة دولية. وتأتي مشاركة السعودية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي ضمن برنامج موهبة للأولمبيادات الدولية وثمرة للجهود والعلاقة التكامليّة بين مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع ..موهبة.. ووزارة التعليم، وبعد استعداد مكثف تلقى فيه الطلبة المتسابقون آلاف الساعات التدريبية في ..موهبة… يُذكر أن النسخة الأولى من أولمبياد الفيزياء الآسيوي انطلقت عام (1999) في إندونيسيا بمشاركة (12) دولة، ووصلت بمرور الوقت إلى (30) دولة، ويُعد من أبرز المسابقات العلمية الدولية السنوية الموجهة لطلبة المرحلة الثانوية الموهوبين في الفيزياء. المصدر: عاجل

الأولمبياد العلمية في السعودية
الأولمبياد العلمية في السعودية

المدينة

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • المدينة

الأولمبياد العلمية في السعودية

تحتضن المملكة العربيَّة السعوديَّة، خلال هذه الأيام، أولمبياد الفيزياء الآسيوي، في استضافة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حيث تفتح أبوابها لنخبة من المبدعين من مختلف الدول الآسيويَّة، حيث تجتمع العقول المبتكرة والعارفة بأسرار تخصصات علم الفيزياء بالذَّات في مجال الطاقة، بمشاركة فاعلة من وزارة التعليم وموهبة.الجميل جدًّا أنَّ هذا الحدث هو الثاني من نوعه، الذي احتلت فيه المملكة -بفضل الله- الريادة في إقامة الأولمبياد العلميَّة، حيث سبق ذلك إقامة أولمبياد الكيمياء الدولي، وشارك فيه تسعون دولةً، وعلى نفس النهج ستكون المملكة -بإذن الله- في المستقبل وجهة للأولمبياد العلميَّة الأُخْرى مثل الرياضيات، والأحياء، وبقيَّة التخصصات.. وشارك في فاعليَّات أولمبياد الفيزياء الآسيوي هذا العام حوالى 30 دولة، وكان عدد الطلاب المشاركين 240 طالبًا، وإجمالي المسابقات وصلت -الآن- بهذا الأولمبياد رقم 25.كما هو معروف فإن أولمبياد الفيزياء الآسيوي هو منافسة سنوية دولية، تقام لطلاب المدارس الثانوية الموهوبين؛ مما يثمر احتكاكاً وتعارفاً في مجالات الفيزياء، فالاهتمام بالموهوبين هو توجه الدول المتقدمة؛ لأنهم هم من سيصنع المستقبل -بإذن الله-، والسعودية -بفضل الله- قطعت شوطاً متقدماً بالاهتمام بالموهوبين حتى أصبحت منارة علمية، ليس فقط في تنظيم المسابقات الدولية، إنما كذلك في تصميم المسابقة العلمية بمستوى عالٍ.وأتذكَّر أنَّ أوَّل نادٍ للموهوبين على مستوى الجامعات، تم إنشاؤه في جامعة الملك عبدالعزيز، عندما كنتُ عميدًا لشؤون الطلاب، فتهيئة الطلاب والطالبات من الثانوية على المنافسات والمسابقات الدوليَّة في الأولمبياد العلميَّة يمنحهم عند دخولهم الجامعات شيئًا من النضج العلميِّ والبحثيِّ، والابتكار والإبداع؛ ممَّا يستدعي أنْ يستمر الاهتمام بهم في الجامعات.إنَّ المملكة وهي تحتضن مثل هذه الأولمبياد في التخصُّصات العلميَّة المختلفة، وتهتم أنْ تكون على أراضيها، فإنَّ ذلك يجعلها محل أنظار العالم علميًّا، وامتدادًا لهذا الاهتمام، وتطويرًا لأدائه يجب على وزارة التعليم -ممثَّلةً في مجلس شؤون الجامعات- توجيه الجامعات للاهتمام أوَّلًا بطلاب مرحلة البكالوريس والدِّراسات العُليا المبدعين، وثانيًا الاهتمام بأساتذة الجامعات الجدد الذين بعضهم أو جُلُّهم كانوا من موهوبي الأولمبياد العلميَّة، ثم إذا عادوا إلى الجامعات عادوا للتدريس فقط، دون دعم لمقترحاتهم البحثيَّة، أو أفكارهم الابتكاريَّة، إنَّ مرحلة الحصول على الدكتوراة ليس إلَّا نضجًا للموهبة والابتكار، وبدون الدعم المالي للبحوث والأفكار الابتكاريَّة، فإنَّ ذلك خسارة وطنيَّة، كمن يبذر، حتَّى إذا استوى النبات على سوقه، ذهب أدراج الرياح، فالموهبة ممتدة إلى ما بعد الدكتوراة، فيجب أن تُسقى بالدعم لتؤتي أُكلها، وتقطف ثمارها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store