التعليم العالي واقع ورؤية مستقبلية
وفي الوقت الذي تتمكن فيه بعض الوزارات الخدمية من تحقيق إيراداتٍ تغطي كل جزء من تكاليفها التشغيلية، يبرز التساؤل حول إمكانية إيجاد مورد إضافي للقطاع التعليمي الجامعي في المملكة دون المساس بجودته، فمن جهة؛ تمتلك الجامعات السعودية مخزونًا هائلًا من الخبرات الأكاديمية والعلمية التي يمكن استثمارها في تقديم الاستشارات والدراسات البحثية للجهات الحكومية والخاصة.
ومن جهة أخرى، تشير التجربة العملية في كثير من الدول الصناعية -ومنها محل المثال كندا - إلى ارتفاع مستوى الربط بين احتياجات سوق العمل ومخرجات التعليم، هذا الربط العالي مكن الجامعات من التفوق في الأبحاث العملية والدراسات وتطبيقها تطبيقا مباشرا، وساعد الباحثين على الحصول على فرص عمل، محفزا الحكومة الكندية في إيجاد مصادر تمويل إضافية للجامعات لضمان استمرارية عملها كجامعات بحثية وتعليمية على النحو المطلوب.
ويبرز مجسم وقف الملك عبدالعزيز في مركز هندسة الرياح في جامعة ويسترن الكندية كدلالة على مدى استثمار تلك الموارد، هذا التناغم الكبير بين المراكز البحثية لم يأت من فراغ، حيث تفرض الحكومة الكندية ضرائب دخل على الشركات، مع إمكانية دفع تلك الضرائب لتمويل المؤسسات غير الربحية وهي فرصة ذهبية وجدها القياديون في تلك الشركات لتمويل الباحثين لوضع حلول عملية لمشكلاتهم التطبيقية ممكننا إياهم استقطاب هؤلاء الباحثين مستقبلا. ويمكن للكوادر الوطنية المؤهلة القيام بالمهام الاستشارية للمشروعات الكبرى وبكفاءة دون الحاجة لشركاتٍ استشارية دولية، وتعكس الأرقام الرسمية حجم الفرص المتاحة، حيث أعلنت وزارة المالية تخصيص أكثر من نصف تريليون ريال سعودي لمشاريع البنية التحتية وتعويضات العاملين في قطاعات التعليم والصحة والخدمات البلدية والنقل، هذه المشاريع بطبيعتها تحتاج إلى استشارات متخصصة لضمان تنفيذها وفق أعلى المعايير. وإذا ما نظرنا إلى الأرقام المعلنة عن شركات كبرى مثل PwC وEY وDeloitte وغيرها، نجد أنها تحقق إيرادات مرتفعة تصل إلى 75 مليار ريال من عملياتها في الشرق الأوسط، ومع قرار صندوق الاستثمارات العامة إيقاف التعامل مع PwC، تبدو الحاجة مواتية لأن يُمنح قطاع التعليم دورًا محوريًا في تقديم هذه الاستشارات، كما أرى أنه أصبح من الضروري أن تتبنى وزارة التعليم نهجًا جديدًا يوازن بين رسالتها الأكاديمية وبين تعزيز دورها كمسهم في الاقتصاد الوطني، وذلك يتطلب مزيجًا من التشريعات والسياسات العامة التي تُمكن الجامعات السعودية من تقديم خدمات استشارية مدفوعة، مما يسهم في تعظيم الفائدة من كوادرها الأكاديمية، ويعزز دور التعليم العالي في دعم التنمية الوطنية. إن تفعيل هذا الدور لن يُسهم فقط في تقليل الاعتماد على الشركات الاستشارية الأجنبية، بل سيخلق أيضًا بيئة أكاديمية أكثر انخراطًا في المشهد الاقتصادي، مما يعزز جودة البحث العلمي ويربطه باحتياجات السوق المحلي. فهل نرى قريبًا تحول الجامعات السعودية إلى مراكز بحثية واستشارية ترفد الاقتصاد الوطني بخبراتها، وتحقق قيمة مضافة مستحدثة؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة عيون
منذ 28 دقائق
- شبكة عيون
مؤسسة سويدية تخصص 348 مليون دولار للذكاء الاصطناعي بالأعمال الخيرية
مؤسسة سويدية تخصص 348 مليون دولار للذكاء الاصطناعي بالأعمال الخيرية ★ ★ ★ ★ ★ مباشر- أعلنت مؤسسة نورسكين السويدية اليوم الأربعاء عن تخصيص 300 مليون يورو (348 مليون دولار أمريكي) للاستثمار في الشركات الأوروبية الناشئة التي تستخدم "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" لحل تحديات المناخ والصحة والغذاء والتعليم والمجتمع. تدير المؤسسة، التي أسسها نيكلاس أدالبرث، مؤسس شركة كلارنا، عام 2016، العديد من صناديق رأس المال الاستثماري والاستثمار، التي يبلغ مجموع أصولها أكثر من مليار دولار أمريكي. وقالت أجيت فريمان، الشريكة العامة في "نورسكين في سي"، ذراع رأس المال الاستثماري التابعة للمؤسسة: "الذكاء الاصطناعي ليس مجرد دفعة أخرى للإنتاجية، بل هو فرصة حقيقية لإصلاح ما هو مهم حقًا". باستثناء شركات مثل جوجل ديب مايند، تعمل معظم شركات الذكاء الاصطناعي على أنظمة تركز على عملاء الأعمال. قال فريمان: "الذكاء الاصطناعي هو أقوى أداة ابتكرتها البشرية على الإطلاق، ومع ذلك، نستخدمه حتى الآن بشكل رئيسي لتحسين النقرات وأتمتة رسائل البريد الإلكتروني". جمعت الشركات الناشئة المدعومة برأس المال الاستثماري في الربع الأول أكثر من 80 مليار دولار، بزيادة تقارب 30% عن الربع الأخير من العام الماضي، وفقًا لشركة الخدمات المهنية EY . مباشر (اقتصاد) مباشر (اقتصاد)

سعورس
منذ يوم واحد
- سعورس
"الطيران المدني" تصدر تقرير انضباط الرحلات لمايو 2025.. مطار المؤسس يتصدر الفئة الأولى بنسبة التزام 89%
يُعتبر الالتزام في حال مغادرة أو وصول الرحلة خلال 15 دقيقة من الموعد المحدد. وأوضح التقرير تصدُّر عدد من المطارات السعودية في فئات مختلفة من حيث عدد المسافرين السنوي؛ إذ تم تقسيم المطارات إلى 5 فئات رئيسية. وجاء مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة في صدارة الفئة الأولى للمطارات الدولية، التي يزيد عدد المسافرين فيها عن 15 مليون مسافر سنويًّا، بنسبة التزام بلغت 89 %. وفي الفئة الثانية، الخاصة بالمطارات الدولية، التي يتراوح عدد المسافرين فيها بين 5 و15 مليون مسافر سنويًّا، حل مطار الملك فهد الدولي بالدمام في المركز الأول بنسبة التزام وصلت إلى 88 %. بينما تصدّر مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الدولي بتبوك الفئة الثالثة للمطارات، التي تخدم ما بين 2 و5 ملايين مسافر سنويًّا، محققًا نسبة التزام بلغت 91 %. أما في الفئة الرابعة، التي تشمل المطارات الدولية، التي يقل عدد مسافريها عن مليوني مسافر سنويًّا، فقد حقق مطار العلا الدولي المركز الأول بنسبة التزام بلغت 96 %. وفي الفئة الخامسة المخصصة للمطارات الداخلية، سجل مطار طريف أعلى نسبة التزام بين جميع المطارات، بلغت 97 %. يأتي هذا التقرير ضمن جهود الهيئة المستمرة لرفع كفاءة قطاع الطيران، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمسافرين، وتعزيز التنافسية بين المشغلين والمطارات؛ بما يسهم في تحقيق مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للطيران. وعلى مستوى شركات الطيران، حققت الخطوط الجوية السعودية نسبة التزام 90 % في القدوم، ونسبة 90 % في المغادرة، وحققت شركة طيران ناس نسبة التزام بلغت 89 % في القدوم و91% في المغادرة، وحقق طيران أديل نسبة 90% في القدوم و92 % في المغادرة. وسلط التقرير الضوء على أبرز المسارات الجوية المحلية والدولية، وشهدت رحلة " جيزان – جدة" و" جدة – أبها" التزامًا بنسبة 95% في الحركة الجوية المحلية، واحتلت رحلة " جدة – أبوظبي" المرتبة الأولى بين الرحلات الدولية بنسبة التزام 97 %. تأتي هذه الجهود في إطار مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للطيران؛ الهادفة إلى تعزيز مكانة المملكة؛ بصفتها مركزًا إقليميًّا رائدًا في قطاع الطيران، عبر تحسين المعايير التشغيلية، وتعزيز الكفاءة، ورفع جودة الخدمات المقدمة للمسافرين.


المدينة
منذ 2 أيام
- المدينة
الطائف الجديد يعيد للأضواء العاصمة الصيفية
في لحظة من لحظات العودة إلى الجذور، تبرز الطائف من جديد إلى واجهة الحديث الوطني، ليس فقط لأنَّها مدينة الورود، أو مصيف الجبال، أو مهد اللقاءات التاريخيَّة، بل لأنَّها تستعيد موقعها كمكانٍ له رمزيَّة خاصَّة في وجدان الدولة السعوديَّة وشعبها، وذلك من خلال مشروع طموح يحمل اسم «الطائف الجديد»، حيث كانت يومًا ما تُعرف بالعاصمة الصيفيَّة غير الرسميَّة للمملكة.وتحفظ الذاكرة أنَّه من قصر شبرا، الذي شهد سكن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في سنوات التأسيس، إلى قصر الملك سعود، الذي كان يقيم فيه، ويستقبل فيه كبار الزوَّار، مرورًا بالملك فيصل الذي فضَّل جبالها العالية ومناخها المعتدل لعقد الاجتماعات الوزاريَّة، كانت الطائف تأتى في المقدِّمة.كما عُرف عن الملك خالد حبُّه للطائف، وحتى الملك فهد الذي لطالما اتَّخذ منها ملاذًا هادئًا خلال الصيف.إنَّ المشروع الذي تتجاوز مساحته 1250 كيلومترًا مربعًا شرق المدينة الحاليَّة، لا يُنظر إليه كمجرَّد توسعة عمرانيَّة، بل كتحوُّل إستراتيجيٍّ في دور المدينة ضمن الخريطة الوطنيَّة، ويأتي ذلك اتِّساقًا مع مستهدَفات رُؤية السعوديَّة 2030، والتي تركِّز على تنمية المناطق، وتوزيع الفرص، والاستثمار في المقوِّمات المحليَّة.ويُعدُّ مطار الطائف الدولي الجديد، الذي يجري العمل على إنشائه حاليًّا، أحد أبرز مكوِّنات هذا المشروع الطموح، ويُنتظر أنْ يُحدث نقلة إستراتيجيَّة كبيرة في ربط محافظة الطائف ببقية مناطق المملكة ودول العالم، وهذا المطار لا يقتصر دوره على تسهيل حركة السفر والسياحة، بل يُعدُّ محورًا اقتصاديًّا وتنمويًّا بالغ الأهميَّة، إذ سيساهم في تحفيز الاستثمار، واستقطاب الشركات والخطوط الجويَّة، ورفع القدرة التشغيليَّة للطائف كمقصد موسميٍّ وسياحيٍّ دائم، كما يُعزِّز المطار من مكانة الطائف كممرٍّ لوجستيٍّ مهمٍّ، خاصَّةً في ظل قربها من المشاعر المقدَّسة.ومن المتوقَّع أنْ يستوعب في مرحلته الأوليَّة نحو 5 ملايين مسافر سنويًّا مع إمكانية التوسُّع تدريجيًّا إلى 7 ملايين، أو حتى 13 مليون مسافر سنويًّا خلال السنوات المقبلة.أمَّا المدينة الصناعيَّة، فهي خطوة أُخْرى نحو إعادة تعريف الطائف كمدينة منتجة لا مستقبلة فقط، فالتركيز على الصناعة ينسجم مع سياسة تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، وسيُوفِّر المشروع آلاف الوظائف لأبناء وبنات المحافظة، كما سيحفِّز روَّاد الأعمال على إطلاق مشروعات صناعيَّة وتجاريَّة وخدميَّة في بيئة واعدة ومدعومة من الدولة.وبجوار الصناعة، تأتي مكوِّنات أُخْرى داعمة كإنشاء جامعة جديدة تعزِّز من موقع الطائف كمركز تعليميٍّ، وتفتح الباب أمام البرامج البحثيَّة والمراكز الابتكاريَّة، خصوصًا في مجالات الزراعة والسياحة والبيئة، ولا يغيب الجانب السياحي والترفيهي عن الصورة، فالطائف، بما تملكه من طبيعة خلَّابة، تحتاج فقط إلى تطوير في البنية التحتيَّة، وتحفيز للقطاع الخاص ليطلق العنان لمشروعات نوعيَّة، تتراوح بين المنتجعات الصحيَّة، والقرى التراثيَّة، والحدائق التفاعليَّة، والأنشطة الرياضيَّة الجبليَّة، وممَّا يُثلج الصدر أنَّ المشروع يتضمَّن مناطق ترفيهيَّة مصمَّمة وفقًا لأعلى المعايير العالميَّة؛ ممَّا سيُسهم في رفع مستوى جودة الحياة، كما أنَّ إدراج مركز إداري ضمن مكوِّنات المشروع يعيد إلى الأذهان فترة الخمسينيَّات والستينيَّات الميلاديَّة حين كانت اجتماعات مجلس الوزراء تُعقد في الطائف خلال فصل الصيف، في مشهد يُجسِّد انتقال الدولة بمؤسَّساتها إلى المدينة، بما يشبه «النقل الموسمي للعاصمة»، وهي مرحلة تحمل دلالات ثقافيَّة وإداريَّة كبيرة، واليوم، وفي ظل ما نشهده من دعم حكوميٍّ غير مسبوق لمشروعات تنمويَّة متقدِّمة في المدينة، لا يُستبعد أنْ نرى عودة الطائف كمركز ثقل إداريٍّ موسميٍّ ضمن الهيكل الحكوميِّ.