
إبادة غزة... فصل من نكبة 48
يشبه ما يعايشه الفلسطينيون في قطاع غزة هذه الأيام ما عايشه أجدادهم قبل 77 عاماً، إبان النكبة عام 1948، حينما احتُلّت فلسطين وهُجّر الفلسطينيون من أراضيهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية. وتتشابه حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مع نكبة 48 قبل عقود، إذ عادت مشاريع التهجير إلى الواجهة من جديد، مع ما طرحته الإدارة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو. وتسعى الحكومة اليمينية التي يترأسها نتنياهو لفرض التهجير على أهالي القطاع من خلال توسيع العمليات البرية العسكرية في غزة ودفع السكان نحو دولة ثالثة، بعد أن يُنقلوا في سياق ما يعرف بخطة "عربات جدعون" التي طُرحت أخيراً.
وسعى الاحتلال مرات عدة لفرض التهجير الطوعي والإجباري على السكان من خلال ما عرف في بداية هذه الحرب بأوامر الإخلاء من مدينة غزة وشمالها نحو مناطق جنوب وادي غزة، ثم ما عرف لاحقاً
بـ"خطة الجنرالات"
أو
الميناء العائم الذي فشل
.
رفض واسع
وتحظى مخططات التهجير برفض فلسطيني واسع في الأوساط الفصائلية والشعبية، إذ تتمسّك الفصائل الفلسطينية بمطالبها في إنهاء هذه الحرب والانسحاب الإسرائيلي وفرض
هدنة طويلة الأمد لا تقل عن خمس سنوات
. ولا يبدو المشهد بالنسبة لسكان القطاع مخالفاً كثيراً عما عايشه أجدادهم وآباؤهم خلال فترة نكبة 48، إذ تتقاطع الفترتان بين المجازر والتهجير والتجويع.
تخشى جميلة الزعانين من أن يكرر الاحتلال تجربة نكبة 48 عبر الخطط التي يسعى لتمريرها
ويستخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع منذ بداية الحرب، فقد فرض سابقاً هذا الأسلوب على سكان مناطق غزة وشمالها، ثم يفرضه حالياً على جميع سكان القطاع، منذ أن فرض الحصار المشدد في 2 مارس/ آذار الماضي قبل أن يستأنف الحرب على غزة في 18 مارس الماضي. ويخشى الفلسطينيون من أن يقوم الاحتلال بترحيلهم وتهجيرهم إلى خارج القطاع في سياق الحرب المتواصلة، وفشل جميع الأطراف العربية والدولية في الوصول إلى اتفاق يضع حداً للمخططات الإسرائيلية، في الوقت الذي يعوّل فيه فلسطينياً على الصمود الداخلي في ضوء غياب الإسناد العربي والدولي للشعب الفلسطيني، واقتراب الحرب من إتمام عامها الثاني على التوالي، وسط تتالي المخططات الإسرائيلية التي تستهدف وجودهم.
وتتزامن ذكرى نكبة 48 مع تحوّلات على مختلف الصعد يواجهها المشهد في غزة، لعل أبرزها السعي الإسرائيلي لتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، واستبدالها بمؤسسات دولية وأميركية أخرى، لنسف حق العودة، بصفة "أونروا" حامية فكرة العودة.
قضايا وناس
التحديثات الحية
نازحو مخيمات شمالي الضفة الغربية... أجواء النكبة من جديد
نكبة 48 تتكرّر
ويشبّه الفلسطيني مدحت العُمري (82 عاماً) ما يجري في القطاع اليوم بما حصل خلال فترة نكبة 48 وما تبعها من السعي المتواصل لتهجير الفلسطينيين خارج أرضهم ودفعهم للتوطين خارجه. ويقول العمري، لـ"العربي الجديد"، إن نكبة 48 تتكرر اليوم، من خلال مساعي الاحتلال الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين وإعادة سيناريو التهجير الذي حصل في عام 1948 من جديد، لكن هذه المرة بتهجير أهالي القطاع للخارج. ويلفت إلى أن الفلسطينيين خلال نكبة 48 واجهوا التجويع وقلة الرعاية الصحية قبل أن يجرى تأسيس "أونروا" في وقت لاحق، فيما يعاني سكان القطاع من ذات الأمر حالياً في ظل المخططات الإسرائيلية لتهجير أهالي غزة. ويطالب العمري الدول العربية والإسلامية باتخاذ موقف شعبي ورسمي حازم تجاه المخططات الإسرائيلية، والعمل على توفير الاحتياجات الفلسطينية من أدوية وأغذية وإفشال الخطط التي يسعى الاحتلال لفرضها بالقوة العسكرية.
أما الفلسطينية جميلة الزعانين، من مدينة بيت حانون شمالي القطاع، فرغم تقدمها في السن إلا أنها تذكر مشهد نزوح الفلسطينيين نحو القطاع إبان نكبة 48 في الوقت الذي يسعى الاحتلال فيه لتكرار التجربة وطرد الفلسطينيين خارج أرضهم. وتقول الزعانين، لـ"العربي الجديد"، إن هذه التجربة تشبه ما كانت تستمع له من عائلاتها ومن الفلسطينيين الذين هجروا في عام 1948، من خلال النزوح من مكان إلى آخر والمجازر التي يرتكبها الاحتلال.
وتصف الفلسطينية المشهدين بأنهما مشابهان بعضها لبعض مع اختلاف الزمن، حيث تكرر نزوحها خلال هذه الحرب لأكثر من عشر مرات، فضلاً عن صعوبة العيش وسلاح التجويع الذي يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. وتخشى من أن يكرر الاحتلال الإسرائيلي تجربة نكبة 48 من جديد، عبر الخطط التي يسعى لتمريرها، حيث تقول: "صعوبة الهجرة في العام 1948 لم تكن تشبه ما يجري الآن، رحلّونا الآن من بيوتنا وجوعونا وقتلوا أطفالنا".
ناجي شراب: هناك حالة صمود ورفض للتهجير من قبل الناس في غزة
سلاح التهجير: النكبة حالة دائمة
من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة ناجي شراب إن سلاح التهجير الذي يستخدمه الاحتلال منذ 1948 وحتى الآن يعكس حالة النكبة الدائمة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني. ويضيف شراب، لـ"العربي الجديد"، أن الخطر الأكبر يتمثّل في استمرار التهويد والاستيطان وحالة الحرب والسعي الإسرائيلي لغلق ملف القدس واللاجئين، وغلق ملف القضية الفلسطينية، والسعي لتوسعة اتفاقيات التطبيع، ولو كان على حساب الفلسطيني.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن التحوّل الحالي هو السعي لتحويل الصراع من حق فلسطيني في الدولة إلى مجموعة من الأفراد تحتاج فقط إلى الأكل والشرب والأدوية دون النظر لأي حقوق سياسية، لافتاً إلى أنّ الاحتلال يواصل استيلاءه على الأرض الفلسطينية، وحتى الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير باتت ملغية، بما في ذلك اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 والتي بموجبها شُكلت السلطة الوطنية.
ويبيّن أن ثمة حالة صمود ورفض للتهجير من قبل الناس في غزة، إلا أن هناك تركيزاً على إلغاء قضية اللاجئين في غزة كما تقوم إسرائيل بإلغائها في الضفة والقدس المحتلتين عبر تصفية جسم "أونروا" الذي شُكّل بموجب قرار أممي. ويعتقد شراب أن هناك فرصة أمام الفلسطينيين لإحباط هذه المشاريع في ظل حالة الصمود، غير أن حالة الانقسام السياسي بين الفصائل، تعتبر أحد العوامل السلبية التي تتطلب جهداً وعملاً فلسطينياً منظماً.
ملحق فلسطين
التحديثات الحية
2024 - 1948… النكبة مستمرة وتتمدد

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
طلاب من أجل غزة... فشل مخطط ترامب للترحيل السريع
يتظاهر آلاف الطلاب ومئات الأساتذة للمطالبة بحظر استثمارات الجامعات الأميركية في إسرائيل، ووقف الدعم الأميركي للحرب على غزة، بينما يعتبرهم الرئيس ترامب وإدارته من "مؤيدي حماس". تعهد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية الرئاسية في عام 2024، وفي ذروة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بترحيل طلاب الجامعات الأميركية الذين يدعمون الحقّ الفلسطيني، ويتظاهرون للمطالبة بوقف الحرب في غزة ، ووصفهم بأنهم "إرهابيون". مع تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق ترامب يد أجهزته الأمنية والقيادات الذين اختارهم لحكومته لتنفيذ رؤيته، كما أصدر أوامر تسمح بتنفيذ مخططاته، ومن بينها ترحيل الطلاب سريعاً إلى خارج البلاد، متجاهلاً إجراءات قانونية لازمة لإلقاء القبض عليهم، ومتجاهلاً أن مواد الدستور الأميركي تنطبق عليهم مثلهم مثل أي مواطن أميركي. اليوم، وبعد أكثر من أربعة أشهر على تولي ترامب الرئاسة، بدا واضحاً أن محاولات ترحيل طلاب الجامعات أو إلغاء تأشيراتهم، والقبض على بعضهم من منازلهم أو من الشوارع أو من داخل مبانٍ فيدرالية، لم تُفلح، ورغم نجاح إدارته في قمع الصوت السياسي للحاصلين على تأشيرة دراسة، إلّا أن الطلاب الأميركيين لا يزالون يواصلون رفع أصواتهم عالياً في الجامعات والشوارع، والأهم أن المعركة القانونية التي بدأها ترامب وإدارته ضد هؤلاء الذين تعهد بترحيلهم نهائياً وسريعاً، اتضح أنها لا تسير بالطريقة التي يتمناها الرئيس وأنصاره. قدمت مجموعات صهيونية "قوائم سوداء" للحكومة والكونغرس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قدمت مجموعات ومنظمات صهيونية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة ما اعتبرته "قوائم سوداء" للحكومة الفيدرالية والكونغرس، لمطاردة كل طالب أو عضو هيئة تدريس انتقد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أو تظاهر ضدّه. كانت هذه القوائم التي جُمعت على مدار عام كامل منذ بداية التظاهرات في الجامعات الأميركية، هي الأساس الذي بنى عليه ترامب وإدارته مخطط ترحيل طلاب الجامعات، وفي يناير الماضي، أرسلت مجموعة "بيتار" الصهيونية قائمة إلى البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي وهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك ووزارة العدل، تضم أسماء نحو 120 طالباً وباحثاً وعضو هيئة تدريس بجامعات مثل؛ كولومبيا وجورج تاون وترافتس وجورج واشنطن وبنسلفانيا وجونز هوبكنز ونيويورك وكاليفورنيا وكورنيل وغيرها. لاحقاً، كشفت المجموعة ذاتها لصحيفة "ذا غارديان" أنها أرسلت قوائم تضم أسماء آلاف الطلاب إلى إدارة ترامب، ووثقت المجموعة حالات الطلاب الذين جرى تضمين أسمائهم في القوائم، وكونهم يحملون تأشيرات دراسة أو إقامة، وليسوا مواطنين أميركيين. وقدمت مجموعة "كناري ميشن" الصهيونية التي تتعقب من ينتقدون إسرائيل، قائمة أخرى إلى إدارة ترامب، وأرفقت بها مقاطع فيديو وصوراً ومقالات كتبها الطلاب تظهر مشاركاتهم في تظاهرات أو فعاليات، أو كتابتهم على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، أو توجيه انتقادات إلى إسرائيل، ودعت إلى إلغاء تأشيرات هؤلاء الطلاب، والتزام الإدارة بالوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي. وصلت هذه الصور والمقالات والفيديوهات إلى وزير الخارجية ماركو روبيو، وإلى مستشار البيت الأبيض ستيفن ميلر، ومبعثوت ترامب الخاص آدم بولر وآخرين. وتضمنت من بين كثيرين 4 أسماء صارت واجهة المعركة القانونية ضد إدارة ترامب، وهي المعركة التي طالت مدّتها على غير رغبة الرئيس، وهم محمود خليل ومحسن مهداوي وبدر خان سوري ورميساء أوزتورك. يدافع الطلاب عن زملائهم المعتقلين، 6 مايو 2025 (مايكل سانتياغو/Getty) كانت إدارة ترامب تدرك قبل بدء حملتها القمعية أن الإجراءات القانونية تستلزم وقتاً طويلاً للترحيل أو إلغاء التأشيرات، إذ كانت آخر مرة حاولت فيها إدارة أميركية إلغاء تأشيرات طلاب جامعات قبل ما يقارب 40 عاماً، وقد استغرق الأمر نحو 20 عاماً، قبل أن يلغي القضاء إجراءات الحكومة، ويسقط التهم، ويمنح الأشخاص الحق في الحصول على الجنسية الأميركية. لذا رتبت الإدارة أوراقها استعداداً للمعركة القانونية، وخرجت ببند نادر في القانون الأميركي استخدم مرة واحدة في التاريخ، يسمح لوزير الخارجية بترحيل الأشخاص بناء على تقديره أنهم يؤثرون على العلاقات مع دولة أخرى. توقعت إدارة ترامب، اعتماداً على هذا البند، أن خطتها لـ"الترحيل السريع" ستنجح، وأنه لا حاجة لكثير من الإجراءات لطرد الطلاب، وعبر ترامب شخصياً عن ثقته في نجاح ترحيلهم بناء على هذا البند، حتى لو انهم لجأوا إلى القضاء. ووجدت الإدارة في الباحث محمود خليل ، الذي يحمل بطاقة الإقامة الدائمة "الخضراء" هدفاً سهلاً تنطبق عليه جميع الشروط لترحيله، فقد ولد في مخيّم للاجئين الفلسطينيين في سورية لوالدَين فلسطينيَين، ولديه جنسيتان؛ سورية وجزائرية، وهو أحد قادة التظاهرات في جامعة كولومبيا، وفي حال نجاح ترحيله، سيكون من السهل ترحيل أي شخص آخر لديه تأشيرة دراسة أو عمل. تجاهلت قوات إنفاذ القانون الإجراءات القانونية اللازمة لإلقاء القبض على خليل، معتقدة أن الترحيل سيكون سريعاً، وتفاخر ترامب بالقبض عليه في مارس/آذار الماضي، على منصات التواصل الاجتماعي، قائلاً: "بسبب أوامري التنفيذية، تمكنت إدارة الهجرة من القبض على محمود خليل الطالب الأجنبي الراديكالي"، وزعم أنه "مؤيد لحركة حماس في جامعة كولومبيا"، وهي اتهامات نفاها محمود ومحاموه، بينما تعهد الرئيس أن اعتقاله يمثل بداية لمزيد من الاعتقالات لطلاب الجامعات الذين "شاركوا في أنشطة مؤيدة للإرهاب ومعادية للسامية". محسن مهداوي خلال حفل التخرج، 19 مايو 2025 (سلجوق أكار/الأناضول) صدق ترامب في تعهده، وجرى القبض على طالب فلسطيني آخر، وهو محسن مهداوي ، خلال جلسة في مبنى فيدرالي للحصول على الجنسية الأميركية، والقبض على باحثة الدكتوراه التركية بجامعة تاتفس، رميساء أوزتورك ، وعلى الهندي بدر خان سوري من جامعة جورج تاون، وهو زوج الفلسطينية الأميركية مفاز يوسف، المتهمة بالانضمام إلى حركة حماس. كان المشترك الوحيد في تلك الحالات أن إدارة ترامب خالفت الإجراءات القانونية، وسعت لنقل المحتجزين الأربعة إلى مراكز احتجاز في أريزونا أو تكساس، وهي ولايات تحكم فيها محاكم الهجرة بنسب كبيرة لصالح ترحيل المهاجرين. كان محسن مهداوي محظوظاً، إذ فصلته 9 دقائق فحسب عن موعد الطائرة، ما أدى إلى فشل محاولة ترحيله إلى خارج ولاية فيرمونت التي اعتقل بها، ورفع محاموه دعوى قضائية أوقفت نقله إلى خارج ولايته، ولاحقاً أفرج عنه القاضي. في حالة كل من رميساء وبدر سوري، أكد القضاة وقوع أخطاء إجرائية ارتكبتها الحكومة، رافضة المزاعم بعدم وجود أماكن كافية في ولاية ماساشوسيتس للأولى وفي فيرجينيا للثاني، وقضت بالإفراج عنهما مع استمرار نظر القضية. في جلسة الخميس 22 مايو/أيار، احتضن محمود خليل في مقرّ احتجازه بولاية أريزونا، ابنه لأول مرة بأمر القضاء، وعلى غير هوى الحكومة التي طلبت الفصل بينهما بحاجز زجاجي، ما دفع محاميه إلى تأكيد أنه يتعرض لـ"انتقام سياسي"، مطالباً بالإفراج عن الطالب الذي اعتقل في نيويورك، ويحاكم فيدرالياً في نيوجيرسي، بينما تحاكمه محكمة الهجرة بغية ترحيله في أريزونا. طلاب وشباب التحديثات الحية الجامعات الأميركية... تداعيات المنع والقمع على احتجاجات الطلاب إلى جانب هؤلاء الأربعة، شنت إدارة ترامب حملة قمع موسعة أدت إلى إلغاء نحو 1000 تأشيرة لطلاب جامعات خلال الشهرين الماضيين، فلجأ مئات الطلاب إلى القضاء، ورغم أن البيت الأبيض والخارجية الأميركية لا زالا يؤكدان أن هذا الإجراء ضمن سلطتهما، قامت وزارة العدل بإبلاغ قاضٍ فيدرالي رسمياً أنه تقرر إيقاف إلغاء تأشيرات طلاب الجامعات. ومع الإفراج عن ثلاثة من الطلاب الأربعة الموقوفين بالفعل، توجه الأربعة إلى محاكم فيدرالية للطعن على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ضدهم، ومحاولة إلغاء إقامتهم، وبينما لم تتهم السلطات الفيدرالية طلاب الجامعات بأيّ تهم، فإن إدارة ترامب تواصل مساعي ترحيلهم بناء على بند نادر في القانون، ما دعا محامين وخبراء دستوريين إلى تأكيد مخالفة ذلك للقانون والدستور. وأكد أستاذ القانون في جامعة جورج تاون، ديفيد كول، في مقال بمجلة "ذا نيويوركر"، عدم إمكانية ترحيل محمود خليل بناء على رأيه، وسخر من فكرة محاولة تطبيق هذا البند القانوني المهمل عليه وعلى طلاب الجامعات، وتوقع أن تصل القضية إلى المحكمة العليا، وأن يُفرَجَ عن الطلاب. ووجه مدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون، نادر هاشمي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، انتقادات حادة لإدارة الرئيس دونالد ترامب لمحاولتها "إرهاب طلاب الجامعات، ومنعهم من التعبير عن آرائهم"، وقال إن "ما يجري حالياً يتنافى مع مبادئ الحريات والديموقراطية، ويستهدف إرهاب طلاب الجامعات لأنهم رفعوا صوتهم للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية في غزة. في النهاية سينتصر الطلاب".


العربي الجديد
منذ 13 ساعات
- العربي الجديد
غياب الأمم المتحدة
هناك شيء أساسي كان مفقوداً في الأشهر الماضية، من غزّة إلى أوكرانيا ومن تايوان إلى غرينلاند؛ الأمم المتحدة. صحيحٌ أن المثاليين وحدهم، أو المؤمنين بجدوى المؤسّسات الدولية نواةً مستقبليةً لا دوراً ممارساً حالياً، متمسّكون بأكبر نموذج مُستولَد من الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945)، إلا أنه يبقى أمراً غير ذكي الاعتقاد أن هذه المؤسّسة، بكامل فروعها وأقسامها، قادرة على تصحيح مسارها المتدهور. على هذا النسق، فإن سنواتٍ لا عقوداً تفصل عن تحويل مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك إلى متحف أو شاهد على مرحلة آمنت فيها غالبية الشعوب بمبدأ التعاون الدولي لتحقيق العدالة. في المنطق، لا يُمكن تسليم أيّ رجل أمن سلطة فرض القانون من دون العتاد اللازم من سلاح ومراقبة قضائية ـ قانونية وغطاء سياسي ـ مجتمعي. الأمم المتحدة ليست فعلياً إلا مؤسّسة تبتلع الأموال، مهما بلغت قيمتها ولو شحّ تمويلها، لكنّها لا تفعل أكثر من ذلك، ولا قدرة لها على أكثر من ذلك. ذلك كلّه مفهوم. هل من بديل لمؤسّسة أممية جامعة تخلف عصبة أمم، والأمم المتحدة، أو أن العالم بشكله الحالي لا يحتاج إلى مثل هكذا منظومة ينضوي تحت ظلالها؟ وبما أن الطبيعة ترفض الفراغ وتكرهه، من سيحلّ مكان هذه المؤسّسة في العالم؟ ومن سينظر في شكاوى الدول والفئات والمجتمعات؟ ذلك، لأن الأمر لم يعد متعلّقاً بقادة مزاجيّين، بل أن التفلّت العالمي، بكل تراكماته المتسارعة خصوصاً في العقدَين الأخيرَين، أضحى أسرع من إمكانية كبح التراجع الجنوني لسلطة الأمم المتحدة وهالتها. البديل في أفضل الحالات، قد يكون تلك المنظّمات الإقليمية، مثل الاتحادات القارية (الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي...) أو الإقليمية (رابطة دول جنوب شرق آسيا، مجلس التعاون الخليجي...). يسمح الركون إلى تلك المنظّمات بالمحافظة على "النظام والقانون". غير أن أسوأ ما يمكن حصوله غياب أيّ مرجعية تسمح لطرفَين أو أكثر باللجوء إليها لحلّ النزاعات، مفسحةً المجال لتحالفات من عدّة دول لمعالجة قضية ما، ستكون منحازة إلى طرف ما، أو في أسوأ الأحوال شيخَ صلحٍ في قرية نائية حيث لا سلطة لها لفرض حلّ من دون صدام، ممّا يعيد الأمور إلى بداياتها لجهة ضمان وجود مرجعية تسمو فوق مصالح الدول. بما أن الواقعية القاسية تفرض نفسها في مختلف الملفّات، لن يكون البديل الواقعي عن الأمم المتحدة سوى مصالح الدول على حساب مفهوم العدالة بحدّ ذاته. تقوى هذه المصالح وتضعف بحسب قدرة مصانع الأسلحة على إنتاج السلاح. ربّما يبدو أن الزمن الحالي من الدول هو مرحلة "القادة الضعفاء يتسبّبون بأيام صعبة"، وهي مرحلة تُظهِر معدن الحكام الحاليّين للكوكب، وعجزهم عن استنباط حلول بمعزل عن استخدام السلاح، أو حتى "السلام من خلال القوة"، بحسب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومثل هذه الأيّام، لا تضمن استقراراً طبيعياً للفرد وللمجتمعات، بل تدفع باتجاه تزخيم الفوضى وفقدان السيطرة على الأوضاع. يكفي أنه في ذروة اشتداد العدوان الإسرائيلي على غزّة، واحتدام الحرب الروسية ـ الأوكرانية، كادت الهند وباكستان أن تفتحا جبهة حرب استنزافية على سفوح الهيمالايا، وكأنّ العالم بدأ يعتاد فكرة سماع أصوات القصف ونشوب حروب، حتى أن سلاماً ما في بقعة بعيدة نسبياً، يُصبح حلماً لمن يسكن في قلب الصراعات أو على ضفافها. ذلك كلّه، والأمم المتحدة تبدو بعيدةً حتى من إبداء القلق. من سينصت لشخص يتحدّث بصوت حزين، رغم صدق نيته؟... في عالم يجنح نحو تعزيز مفاهيم الاختلافات بين البشر، باسم القومية والمذهبية والدين والعرق، لم يعد مستحبّاً استخدام الأشعار والكلمات العاطفية لدى من يفترض بهم أن يكونوا أصحاب قرار. وحتى نصل إلى ترجمة لمفهوم "الأيّام الصعبة تُخرج قادة أقوياء"، بات أكيداً أن الأمم المتحدة منظومةً انتهت، ولا يمكن تغييرها من الداخل.


العربي الجديد
منذ 13 ساعات
- العربي الجديد
مطاردة ترامب للطلاب الأجانب يضعف "القوة الناعمة" الأميركية
أثار قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمنع تسجيل طلاب أجانب في جامعة هارفارد العريقة في الولايات المتحدة ، موجةً من ردود الفعل خاصّة في ما يتعلق بإلحاق المزيد من الضّرر بـ"القوة الناعمة" الأميركية؛ إذ رأت السيناتور الديمقراطية جين شاهين في معرض انتقادها للقرار أن "الطلاب الأجانب يساهمون في اقتصادنا، ويدعمون الوظائف في الولايات المتحدة، ويشكلون أكثر أدواتنا فعالية في مجال الدبلوماسية و القوة الناعمة "، وأضافت في بيان أن "هذا العمل المتهور يسبب ضرراً دائماً لنفوذنا العالمي". وحصلت الجامعة الأميركية المرموقة على مهلة مؤقّتة الجمعة، عندما علقت المحكمة تنفيذ القرار الذي أثار الذعر في العالم. يذكر أن جامعة هارفارد تخرج منها رئيس الوزراء الكندي الحالي مارك كارني، والرئيس التايواني لاي تشينغ تي، ما يؤكد القوة الناعمة للطلاب الأجانب في الجامعات الأميركية. التي تستقطب مئات الآلاف من الطلاب الأجانب سنوياً، لا سيّما من آسيا. وفي العام الدراسي 2024-2025، تسجل نحو 1,126,690 طالباً أجنبياً في الجامعات الأميركية، وهو عدد قياسي، بحسب بيانات معهد التعليم الدولي. وتأتي الهند في مقدمة الدول ثم الصين وتليها كوريا الجنوبية، خصوصاً في مجالات الرياضيات وعلوم الكمبيوتر والهندسة. شخصيات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسرعان ما صدرت ردود فعل منتقدة للقرار، خصوصاً في بكين، في ظل تنافس شرس بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في العالم. وقالت وزارة الخارجية الصينية الجمعة "لطالما عارض الجانب الصيني تسييس التعاون التعليمي"، معتبرة أن القرار "لن يؤدي إلّا إلى الإضرار بصورة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية". من جهتها، دعت السلطات في هونغ كونغ السبت الجامعات في المدينة الصينية إلى استقبال "عدد كبير من الطلاب من كل أرجاء العالم"، ووعدت باعتماد تدابير تسهيلية لتسجيلهم. وتعتقد إدارة ترامب أن الجامعات الأميركية، بما فيها هارفارد، أصبحت حاضنة للأفكار اليسارية المتطرّفة والتقدمية، مشيرة إلى وجود هدر كبير في برامج التنوع غير الضرورية، وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس الخميس "لديك ابن رائع حقق نجاحاً باهراً، ثم ترسله إلى هارفارد، ويعود الابن إلى المنزل... وهو بالتأكيد على استعداد لأن يكون ناشطاً يسارياً رائعاً، لكنه قد لا يتمكن من الحصول على وظيفة". في جلسة استماع في الكونغرس هذا الأسبوع، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الذي تعرض لانتقادات بسبب خفض المساعدات الخارجية، إن الأمر لا يتعلق "بالقضاء على السياسة الخارجية الأميركية أو الانكماش نحو الداخل" بل بتحقيق أكبر مقدار من الفائدة للمساعدات تحت شعار "أميركا أولاً". أمر ترامب باقتطاعات ضخمة للمساعدات الخارجية الأميركية مستهدفاً الأبحاث الجامعية، ما أثار مخاوف بشأن هجرة العقول ومنذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، انخرط في معركة أيديولوجية ترمي إلى إنهاء عقود من البرامج التي تروج للتنوع في الولايات المتحدة وخارجها، كما أمر باقتطاعات ضخمة للمساعدات الخارجية الأميركية مستهدفاً الأبحاث الجامعية، ما أثار مخاوف بشأن هجرة العقول، وإغلاق عدد من وسائل الاعلام، مثل إذاعة "صوت أميركا" التي علقت بثّها الآن. ومطلع مايو/أيار، هدّد ترامب بفرض ضريبة بنسبة 100% على الأفلام التي تُعرض في الولايات المتحدة ويجري تصويرها في الخارج، وهو قرار أدى إلى تبعات وخيمة، كما حدث مع فيلم "ميشن إمباسيبل - ذي فاينل ريكونينغ" Mission: Impossible - The Final Reckoning من بطولة توم كروز، وهو أبرز فيلم أميركي يُعرض في مهرجان كان، وقد صُوِّر على نحوٍ رئيسيّ في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا، كما استهدف مؤسّسة سميثسونيان الثقافية في واشنطن التي اتهمها الرئيس الجمهوري باعتماد "أيديولوجيا مضرّة"، ومركز كينيدي الثقافي المرموق في العاصمة الفيدرالية، ويرى منتقدو ترامب أن هذه القرارات، بالإضافة إلى الحرب التجارية، تضرّ بصورة الولايات المتحدة في الخارج وبقدرتها على الجذب، حتى إنّها تؤثر على قدوم السياح إلى الولايات المتحدة. طلاب وشباب التحديثات الحية هونغ كونغ تفتح جامعاتها أمام طلاب أجانب تأثروا بقرار المنع الأميركي يذكر أن مفهوم "القوة الناعمة" الذي وضعه في ثمانينيات القرن الماضي عالم السياسة الأميركي الشهير جوزيف ناي الذي توفي مطلع مايو/أيار، يشير إلى دبلوماسية التأثير أو الجذب في مواجهة سياسة الضغط. (فرانس برس)