
سر جنون "اللابوبو".. دمية الوحوش التي غزت العالم وتباع بآلاف الدولارات
لم تعد دمية "لابوبو" حكرا على غرف الأطفال، بل أصبحت قطعة مميزة في إطلالات المشاهير وعالم الموضة. فهذه الدمية الصغيرة ذات الوجه الغريب، التي ظهرت لأول مرة عام 2015 ضمن سلسلة "الوحوش" من إبداع الفنان الهولندي من أصل هونغ كونغي كاسينغ لونغ، تحولت إلى ظاهرة ثقافية وتجارية تخطت الأعمار والحدود، وجذبت اهتمام الإعلام والمشاهير، وجامعي المقتنيات حول العالم.
من قصص الأطفال إلى صناديق الكبار
صُممت "لابوبو" بالأساس كشخصية في كتب مصورة مستوحاة من الأساطير الإسكندنافية، لكن تصميمها الذي يمزج بين البراءة والغموض -بأذنين ناعمتين وأسنان حادة- فتح لها بابا نحو جمهور مختلف تماما. إذ لم يكن طريق الشهرة ممهدا عبر حملات تسويقية موجهة للأطفال، بل عبر ظهورها في أيدي نجوم كبار مثل ليسا من فرقة "بلاك بينك" (BLACKPINK) وريانا، اللتين شوهدتا مع دمى لابوبو تتدلى من حقائبهما الفاخرة، مما دفع ملايين المتابعين إلى اقتنائها.
"لابوبو هي طفلي"، قالتها ليسا في مقابلة مع (Teen Vogue)، لتشعل موجة شغف عالمية.
أرقام فلكية وسوق متفجر
تباع دمى لابوبو في شكل "صناديق عشوائية" (Blind Boxes)، حيث لا يعرف المشتري أي دمية سيحصل عليها حتى يفتح العبوة. تتراوح أسعارها في المتاجر الآسيوية ما بين 13 و16 دولارا، لكنها تُباع حاليا على مواقع مثل "ستوك إكس" (StockX) و"إي باي" (eBay) بأسعار تفوق التصور:
إعلان
بعض النماذج الشهيرة تُعرض بسعر 300 دولار، أما الإصدارات النادرة قد تصل إلى 1580 دولارا على موقع "بوب مارت" (Pop Mart).
بينما نموذج "سيكريت" (Secret) النادر جدا، الذي تبلغ احتمالية ظهوره 1.4% فقط، يُعرض في مزادات إلكترونية مقابل 1920 دولارا.
في حين تباع نسخة "بيغ انتو إنيرجي" (Big Into Energy) على متجر أمازون بسعر 167 دولارا للعلبة، أو 101 دولار للدمية الفردية.
وهذا ما يدفع كثيرين للوقوف في طوابير تمتد لساعات -بل أيام- على أمل الفوز بدمية نادرة أو حصرية.
صناعة تسويقية محكمة
اعتمدت شركة "بوب مارت" على إستراتيجية تسويقية ذكية قائمة على الإصدارات المحدودة والندرة، كما حدث مع دمى "بيني بيبيز" (Beanie Babies) في التسعينيات. كل دفعة جديدة تصدر بعد حملة تشويقية، ثم تُسحب بسرعة من الأسواق، مما يرفع الطلب بشكل كبير ويحوّل سوق المقتنيات إلى جزء أساسي من إستراتيجية الشركة.
لكن اللافت في ظاهرة لابوبو أنها ليست موجهة للأطفال، بل للبالغين. تتصدر صورها حسابات مشاهير الموضة، وتناقشها مجلات الرجال مثل "جي كيو" (GQ) كإكسسوار فاخر في حقائب الرجال. على منصات مثل تيك توك وإنستغرام، وتحصد مقاطع فتح الصناديق ملايين المشاهدات، وتُستخدم وسوم مثل #Labubu لتوثيق مجموعات منسقة بعناية، وغالبا مزودة بأحذية بلاستيكية (تباع بـ22 دولارا) وملابس مصممة خصيصا.
لماذا لابوبو الآن؟
تفسّر الأكاديمية الأميركية غوزدي غونكو بيرك لصحيفة الغارديان الأميركية هذه الظواهر بقولها إن الصيحات لا تنشأ من فراغ، بل تعبّر عن قلق ثقافي، وتحولات تكنولوجية، ورغبات مشتركة يصعب التعبير عنها، لكن يسهل التعلق بها. في عالم يعج بعدم اليقين والاستهلاك المفرط، توفر دمية واحدة ذات وجه وحش عزاء عاطفيا ومهربا إلى طفولة مفقودة. "ربما تمثل لابوبو وهم البساطة الذي نحاول أن نتمسك به أمام تعقيدات حياة الكبار".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد "شرفة آدم" في معرض الدوحة للكتاب
الدوحة – وقّع الشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد كتابه الجديد "شرفة آدم.. تأملات في الوجود والأدب"، مساء الجمعة، وذلك في جناح المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الكتاب، الذي صدر حديثا في بيروت، يشكّل امتدادا لتجربة جلعاد الطويلة في الصحافة الثقافية والكتابة الأدبية، ويجمع بين التأملات الفلسفية والرؤى الأدبية والنقدية، من خلال مقالات وقراءات معمقة، وحوارات مع رموز أدبية عربية وعالمية، جُمعت على امتداد أكثر من عقدين من العمل الصحفي والثقافي. أكد الشاعر والقاص الأردني، في جلسة حوارية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، أن الأدب هو أوسع فضاء يمكن للإنسان أن يعبّر فيه عن نزقه وإنسانيته بكافة أشكال التعبير الفني من شعر وقصة ورواية. وقال إن شرفة آدم هي دعوة للتأمل من موقع مرتفع، حيث لا يكتفي الإنسان بالتفكير في يومه الراهن، بل يتأمل في أصل أفكاره ومآلاتها. وأضاف "هي شرفة لا تحكمها محددات السياسة أو الأيديولوجيا، بل تتسع لكل ما يود الإنسان قوله بصدق". وأشار إلى أن هذا التأمل يقود إلى التسامي عن الأفكار التي قد لا تخدم الإنسان أو المجتمع، وأن الأدب، في جوهره، هو وسيلة لتحسين شروطنا الإنسانية والتفكير في صورة مثالية عن المجتمع والذات. وعبّر الكاتب عن سعادته الكبيرة بالمشاركة في أمسية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، ووجّه شكره للحضور ولإدارة المعرض على تنظيم هذا الحدث الثقافي البارز. الأدب وفنون التعبير وحول فلسفة عنوان الكتاب، أوضح الكاتب أن "شرفة آدم" تحمل دلالة فلسفية وثقافية، تنطلق من فكرة التأمل في أفكار الإنسان، مشيرا إلى أن الأدب هو أرحب مجال يمكن للإنسان من خلاله التعبير عن أفكاره، بعيدا عن تعقيدات السياسة أو القيود الأخرى. وأكد أن الأدب هو "صوت الإنسان من الداخل" وتفاعله مع مجتمعه، وهو الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يعبّر عن نفسه بصدق وشفافية، بكل ما فيها من تناقضات ونزق وإنسانية. وتابع قائلا "كل ما يريده الإنسان من قول يمكن أن يجده في الأدب، سواء من خلال الشعر، أو الرواية، أو القصة، أو سائر الفنون الكتابية الأخرى". وفيما يتعلّق بمحتوى الكتاب، أوضح أن العمل يحتوي على حوارات فكرية وأدبية أُنجزت على امتداد سنوات طويلة من العمل في الصحافة الثقافية. وتنقسم هذه الحوارات إلى أقسام، أولها مع أدباء أردنيين بحكم عمله الطويل في الأردن، ثم حوارات أخرى مع كتاب عرب التقاهم خلال عمله في قطر، أو أثناء عمله السابق في عمّان وفي صحف عربية مثل "النهار" و"القدس العربي". كما أشار إلى لقاءات جمعته بأدباء من عواصم غربية، مثل الشاعر الإيطالي الشهير إدواردو سانجونيتي، الذي كان يُعد من أبرز شعراء إيطاليا حين حاوره. وبيّن أن سانجونيتي قدّم في سنواته المتأخرة نمطا جديدا من الكتابة الشعرية، وصفه بأنه "فتح شعري" آنذاك. وأشار إلى أن هذه الحوارات جاءت ضمن مشروع أدبي يهدف إلى استكشاف الذات الإنسانية عبر الأدب، والتفكير في موقع الإنسان من الوجود، عبر "شرفة" تطل على المعرفة والتجربة والحياة. وعن تنوّع إنتاجه الأدبي، قال جلعاد إنه في الأساس شاعر، وله أيضا مجموعة قصصية بعنوان "عيون الغرقى"، كما أن لديه ميولا للكتابة الروائية ويعمل على مخطوطات روائية ستُنشر لاحقا. وبيّن أن "كل الفنون الكتابية تنطلق من أصل واحد، هو التأمل"، مضيفا أن حتى العالِم الفيزيائي آينشتاين كان يؤمن بأن الاكتشافات العظيمة تبدأ بخاطرة متأملة، لا معادلات رياضية. وأكد أنه لا يرى فواصل حقيقية بين أشكال الكتابة الأدبية، لكنه يراها مشروطة بالإتقان. وأضاف "لا يصبح الإنسان شاعرا بين ليلة وضحاها، بل لا بد من الموهبة، والثقافة، والتجربة الطويلة". وحين سُئل عن المرجعية الفكرية والفلسفية التي ترتكز عليها كتاباته، قال جلعاد بثقة "الإنسان هو الفكرة الأساسية. همومه، مشاكله، أفكاره، سواء في الطبيعة أو ما وراء الطبيعة، هي المرجع الذي أنطلق منه. كل شيء بعد ذلك هو تفاصيل". وأضاف أن الكتابة عن الإنسان لا تختلف جوهريا، سواء كانت في شكل قصيدة أو رواية أو مقالة، مشددا على أن النقطة المرجعية الدائمة في مشروعه الأدبي هي تأمل الذات والوجود من شرفة إنسانية. وأعرب حضور للندوة التي عُقدت في منتصف معرض الدوحة للكتاب في يومه قبل الأخير عن تقديرهم لما قدمه الكاتب من إضاءات فكرية عميقة حول كتابه، متمنين له مزيدا من النجاح في مشاريعه الأدبية المقبلة. يُذكر أن المؤلف من مواليد عام 1970، وهو شاعر وقاص وصحفي أردني، ويعمل في موقع الجزيرة نت، وهو عضو رابطة الكُتّاب الأردنيين، وشغل عضوية هيئتها الإدارية (2004-2005) وهو عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب. واختير جلعاد عام 2006 سفيرا للشعر الأردني لدى حركة شعراء العالم، وهي منظمة أدبية مقرها تشيلي وتضم في عضويتها آلاف الشعراء، كما اختارته مؤسسة "هاي فِسْتِيفَل" (Hay Festival) -بالتعاون مع اليونسكو ووزارة الثقافة اللبنانية- ضمن أفضل 39 كاتبا شابا في العالم العربي والمهجر (جائزة بيروت 39) بمناسبة اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب عام 2009. وصدر له في الأدب "العالي يُصْلَب دائما" (شعر، دار أزمنة، عمّان، 1999)، و"كما يخسر الأنبياء" (شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007)، و"عيون الغرقى" (قصص قصيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2023). و"شرفة آدم" (نقد أدبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2025). كما صدر لجلعاد منشورات فكرية وسياسية هي "الخرافة والبندقية.. أثر العولمة في الفكر السياسي الصهيوني" عام 1999، ومن قبله "المسألة الكردية وحزب العمال الكردستاني" عام 1997.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
في الذكرى الـ77 للنكبة.. الثقافة الفلسطينية بين البقاء والمقاومة
بيروت – في الذكرى الـ77 لنكبة فلسطين، تتجدد الأسئلة، وتُفتح الجراح من جديد، في وقت لا يزال فيه الشعب الفلسطيني، في الداخل والشتات، يواصل صموده في وجه احتلال لم يتوقف منذ عام 1948. أكثر من 7 عقود من التشريد والمجازر والعدوان المتواصل لم تُفل من عزيمة مجتمعٍ حمل قضيته بكل مكوناته، وواجه المشروع الاستعماري من مواقع متعددة، من الفلاح المتمسك بأرضه إلى المعلم والمقاتل والفنان والمثقف. وسط محاولات إسرائيل المستمرة لطمس الرواية الفلسطينية وتزييف التاريخ، تبرز الثقافة والفنون كإحدى خطوط الدفاع الأخيرة في معركة الوعي والهوية. فهي لم تكن يوما ترفا فكريا أو نشاطا هامشيا، بل شكلت عنصرا جوهريا في تثبيت الرواية الفلسطينية ونقلها إلى الأجيال. فالفن بات بمثابة شهادة موثقة، والمسرح صار بمثابة محكمة، أما الرواية فهي سجل تاريخي. وقد أثبتت التجربة الفلسطينية الممتدة منذ عام 1948 أن الإبداع لم يكن يوما خارج إطار المواجهة بل في صميمها. فالفن والمثقف المنحاز إلى شعبه لعبا دورا محوريا في تشكيل ذاكرة مقاومة، لا تزال حية رغم محاولات الإبادة والصمت الدولي. النكبة ليست مجرد حدث مضى، بل واقع يتجدد كل يوم، يروى بالحكاية والصورة والنغمة، ويصان في الذاكرة الجمعية كجزء من الفعل النضالي. ومن هنا، لا تبدو الذكرى الـ77 للنكبة مجرد وقفة تأمل في مأساة متواصلة، بل لحظة تأكيد جديدة على أهمية الدور الذي تلعبه الثقافة والفنون في معركة التحرر الوطني، فالثقافة ليست رديفا للنكبة بل نقيضها، وهي في جوهرها فعل بقاء، وإعلان حياة ومقاومة لمحاولات الإلغاء والطمس. ذاكرة اللجوء في هذا السياق، تكتسب جهود التوثيق أهمية متزايدة، لا سيما في ظل استمرار التهجير وتبدل الجغرافيا، ويؤكد الكاتب والصحفي الفلسطيني محمد دهشة أهمية توثيق القضية الفلسطينية، بما في ذلك واقع المخيمات في لبنان وحكايات اللجوء، لما يحمله هذا التوثيق من بعد إنساني وتاريخي وسياسي. وقد كرّس كتابه الأول "عين الحلوة" لرصد حقبة زمنية حديثة تمتد من عام 1991 حتى 2018، تناول فيها التحولات السياسية والأمنية، واعتبرها من أكثر الفترات تأثيرًا في مسيرة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. أما في كتابه الثاني "حكايتي مع اللجوء"، فقد اختار السرد الأدبي لتوثيق حكايات اللاجئين، بأسلوب يمكن وصفه بـ"الأدب الشعبي الفلسطيني المستلهم من الواقع"، حيث تتجلى فيه حقيقة مجردة مفادها أن "حياتنا كلها معلقة بفلسطين، من صرخة الولادة حتى غمض العينين عند الرحيل". ويقول دهشة في حديثه للجزيرة نت: "جاءت فكرة التوثيق من تجربتي الصحفية حيث واكبت عن قرب معاناة اللاجئين في المخيمات، وكنت صوت حلمهم بالعودة. أنا واحد منهم، ولدت بعيدا عن وطني، وعشت لاجئا في مخيم، تحت خيام أو داخل منازل صغيرة مغطاة بألواح الزينكو، وسط الفقر والحرمان، والترحال والمعاناة". ويشدد على أن أهمية التوثيق لا تقتصر على اللحظة الراهنة، بل ترتبط بسياق تاريخي طويل من الحروب من أجل فلسطين، بدءا من النكبة عام 1948، مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وهزيمة حزيران 1967، وصولا إلى اجتياح لبنان عام 1982، وما تبعه من اعتداءات إسرائيلية متكررة على لبنان ومخيماته في أعوام 1993، 1996، و2006، ويقول في هذا السياق: "كل تلك المحطات الفلسطيني تمسكا بحقه في العودة." ويضيف: "التوثيق هو جزء من دعم السردية الفلسطينية التي تبدأ بتفاصيل صغيرة، لكنها تصل إلى العمق والاتساع، إنها رسالة موجهة إلى كل الأجيال القادمة، بألا تفتر عزيمتها، وألا تستسلم لليأس، وأن تواصل الدفاع عن حقها في الحياة الكريمة والحرية واستعادة الأرض." View this post on Instagram A post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher) من الجذور إلى الأجيال في المسار نفسه، يشكل مشروع "هوية" نموذجا متقدما في حفظ الرواية الفلسطينية، ويقول مدير مؤسسة "هوية" ياسر قدورة للجزيرة نت: "شكل مشروع "هوية" مبادرة وطنية تهدف إلى حفظ الرواية الفلسطينية وتوثيق تفاصيلها، في مواجهة محاولات الطمس والإلغاء التي تفرضها الرواية الصهيونية. ينطلق المشروع من قناعة راسخة بأن لكل عائلة فلسطينية حكاية تستحق أن تُروى، وأن الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني تشكل سلاحا أساسيا في معركة الوجود والهوية". ويشرح قدورة أن المشروع يستند إلى مجموعة من الركائز الأساسية، بدأت أولها بتوثيق شجرة العائلة الفلسطينية، حيث يقول: "نجحنا حتى اليوم في تسجيل أكثر من 6300 شجرة لعائلات فلسطينية في الداخل والشتات، تعود أصولها إلى مختلف المدن والقرى الفلسطينية، وهي محاولة لإعادة وصل ما انقطع من صلات القربى التي مزقتها الجغرافيا وشتات اللجوء". ويتابع: "أولى المشروع اهتماما خاصا بالذاكرة الشفوية، فتمكنا من توثيق أكثر من 1200 شهادة حية من شهود النكبة، استعرضوا من خلالها تفاصيل الحياة في القرى والمدن الفلسطينية قبل التهجير، وما أعقبه من معاناة، وقد جُمعت هذه الشهادات بالصوت والصورة، لتكون مرجعا حيا للأجيال القادمة". أما الصورة، فيراها قدورة مكونا محوريا في المشروع، ويقول: "ليست الصورة في مشروع "هوية" مجرد ذكرى بصرية، بل وثيقة ناطقة، وقد جمعت المؤسسة حتى الآن أكثر من 38 ألف صورة، من بينها 5 آلاف صورة لشهود النكبة، و6 آلاف توثق معالم القرى والمدن المهجرة، بينما تعود بقية الصور للعائلات وأفرادها". ويشير أيضا إلى إنجاز أحرزه المشروع، موضحا: "أتحنا عبر الموقع الإلكتروني أكثر من 26 ألف وثيقة تاريخية، جرى تصنيفها وفق العائلات والمناطق والموضوعات، لتكون مرجعا مفتوحا أمام الباحثين والمهتمين بتاريخ فلسطين". ويختم قدورة بالقول: "مشروع "هوية" لا يقتصر على توثيق الماضي، بل هو فعل مقاومة ثقافية مستمر، يرسم الطريق نحو مستقبل لا ينسى فيه الوطن، ولا تُمحى جذوره". الفن مقاومة من جهتها، ترى حورية الفار، مؤسسة فرقة "الكوفية"، أن الحفاظ على التراث الفلسطيني هو "وسيلة لحماية الهوية من الغزو الثقافي ومحاولات الطمس". وتقول للجزيرة نت: "أسسنا الفرقة بهدف نقل موروث الأجداد من جيل إلى جيل، عبر الدبكة والأغنية والفلكلور، تعبيراً حياً عن الهوية الوطنية". وتضيف الفار: "نؤمن بأن للفن والثقافة دورا أساسيا في إيصال رسائل بالغة الأهمية، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ قضيتنا، لذا نسعى عبر فرقتنا إلى ترسيخ مفاهيم الفن والهوية في نفوس الأجيال الجديدة، بما يخدم القضية الفلسطينية ويدعم حق العودة". وتوضح أن فرقة "الكوفية"، التي أبصرت النور قبل 26 عاما، تعتمد في تكوينها على شباب وشابات من مخيم عين الحلوة، وقد نجحت خلال جولاتها في عدد من الدول في التعريف بفن الدبكة الفلسطينية ونشر الفلكلور الشعبي، رغم التحديات والصعوبات التي تواجهها. وتتابع: "التراث بالنسبة إلينا لا يختزل في كونه موروثا شعبيا بل هو رسالة وطنية وثقافية، ووسيلة لحماية أبنائنا من الغزو الثقافي الذي يستهدف عقول الشباب ويسعى إلى فصلهم عن هويتهم الفلسطينية". وتؤكد الفار: "ننتمي إلى شعب مثقف، وبالفن والتراث نكسر الحواجز ونتحدى الظروف، نشارك في جميع المناسبات الوطنية، سواء الفلسطينية أو اللبنانية، من الجنوب إلى الشمال، بكل فخر واعتزاز". وتختم حديثها بالقول: "نحمل هوية ثقافية عريقة وراسخة، ونولي أهمية خاصة للزيّ الفلسطيني التقليدي، الذي لا يزال حاضرا في أعراسنا ومناسباتنا، كتأكيد على جذورنا وامتدادنا التاريخي، فالثوب الذي كانت الجدات يحتفظن به في خزائنهن، أصبح اليوم رمزًا متداولا، ودليلا حيا على استمرارية التراث وصونه من الاندثار".


الجزيرة
منذ 4 أيام
- الجزيرة
'ديانة الماء'.. صراع الخرافة والعلم على سواحل قرية عمانية
ظلت السينما العمانية وفيّة لتراثها وهويتها، ولم تتخل أو تنسلخ يوما عن هذه العناصر والمكونات المتجذرة في المجتمع، بل سعت دائما إلى ترسيخ كثير من المظاهر سينمائيا وتوثيقها، مسلطة الضوء على علاقة الإنسان العماني بالبحر والمعتقدات الشعبية المتوارثة. يتطلب هذا الاهتمام فهما عميقا لخصوصية هذه المجتمعات والمواضيع التي تهتم بها، فتناقشها فكريا، وتطرحها أدبيا وسينمائيا، وهنا يختلف تفاعل الجمهور العماني والخليجي معها، مقارنة بالجماهير العالمية، التي قد تجهل كثيرا من عادات المجتمع العماني وتقاليده الغنية. سعى المخرج العماني هيثم سليمان في تجربته السينمائية الجديدة، لتقديم صورة جديدة عن البدو، الذين يراهم أشد الناس ارتباطا بالطبيعة والأرض، مقارنة بسكان المدينة، بعيدا عن النظرة النمطية التي تظهرهم أناسا فاقدين للرغبة في تطوير الذات. في فيلم 'ديانة الماء'، يقدم لنا المخرج وكاتب القصة شخصيات استثنائية، منها عيسى، وهو شاب كفيف متبصر بحكمته وإيمانه، حافظ لكتاب الله، وصديقته زهرة الفتاة القوية التي لها منظور خاص للحياة، وتسعى لتجاوز التقاليد المجتمعية، وقد وُلد عيسى وزهرة في يوم واحد، ولكن القدر أخذ أحدهما وأبقى الآخر. تشكل هذه الشخصيات وأخرى جوهر فيلم 'ديانة الماء'، الذي تدور أحداثه في قرية ساحلية بسلطنة عمان، حيث يعيش عيسى الذي يراوده حلم إيجاد أبيه، وتتملكه رغبة قوية في البحث عنه في عرض البحر، لكن والدته تعترض على هذه الفكرة، مع أن كثيرا من الناس يشجعونه عليها، وقليل منهم يقنعه بعدم جدواها من الأساس. ثنائية البحر والثقافة الشعبية الملهمة مع أن الفيلم يدعم ويعزز فكرة الإيمان بالحلم لبلوغه، فإنه يكشف أيضا عن مدى تأثير الماء في الثقافة العمانية، فالبحر عادة ما يجمع بين الهدوء والاسترزاق، ولكنه يظهر بغموضه وقوته في 'ديانة الماء'، من خلال الحكايات المتداولة، ويحتفظ بأسراره لنفسه، مثلما يحتفظ بالأجساد التي يلتهمها في أوج هيجانه. في مشهد الفيلم الافتتاحي، يعمد المخرج إلى إثارة التشويق، وجعل الجمهور يتأمل وينتظر ثواني، ويضعهم في تواصل مباشر مع البطل، الذي يظهر أنه كفيف بمجرد تغير وضعية الكاميرا، مع أنه ظهر في بداية المشهد مفتوح العيون كأنها تبصر. إنها لقطة يراد منها شد انتباه الجمهور، وإشراكه في تفاصيل القصة منذ بدايتها، ثم يظهر لاحقا أن عيسى يرى العالم رؤية مختلفة تماما عن الآخرين، كما يُبرز تطابق لون بشرته مع الباب خلفه مدى ارتباطه العميق ببيئته وانتمائه إليها، وفي ذلك تماهٍ وتماسك مع الجذور والأصول. يتابع المخرج هيثم سليمان أحاديث الصيادين الجانبية، الذين تشغلهم قضية فتح القبور وإخراج من فيها، ويلمح في مشهد إلى تصادم القناعات والأجيال والرؤى، حين يصطدم عيسى بأحد الشيوخ الذين يقصدون الشاطئ. وبالمقابل يعرض المخرج فكرة التكامل بين الناس، من خلال شخصية عيسى، الذي يرى العالم بعيون زهرة المقعدة، وتسير هي بقدمي عيسى الذي تتوكأ عليه، فهي تجد فيه السند والدعم، وهو يستلهم منها الأمل والإرشاد. قرابين الجمارية.. ظلال المعتقدات الشعبية على حياة الناس تظهر زهرة وعيسى في مكان مرتفع، يريهما محيطهما بوضوح وعمق أكبر، ويسمو بأفكارهما، ثم تأتي اللحظة الحاسمة حين يقفز عيسى، وهي قفزة تعكس تحوله الداخلي، واستعداده لتحقيق الحلم الذي لطالما راوده سنين عددا. ففي 'ديانة الماء' تتداخل قصص كثيرة، لعل قصة الشاب عيسى كانت أبرزها، وما حركه نحو حلمه أكثر، وعزز فيه رحلة البحث هذه، هو رحيل زهرة التي نذرت روحها للجمارية. تُنسب إلى الجمارية أشياء كثيرة يصعب على البعض تفسيرها، وهي معتقد شعبي منتشر في بعض المناطق العمانية، ويظن الناس أنها كائنات أو قوى ذات تأثير قوي على حياة الناس ومصيرهم، فيقدمون لها نذورا أو تضحيات لضمان حمايتهم وسلامتهم، ومن يمتنع عن ذلك يواجه انعكاسات سلبية، قد تنهي حياته. موقف أو واقع لم ينتصر له المخرج ولم ينفِه، لأنه موجود في عمان ومتداول في مجتمعات أخرى، وعودة السينما العمانية لطرق مواضيع متعلقة بهذه الخرافات، يدعونا للتساؤل عن مدى اعتقادهم بهذه الطقوس اليوم وتقديسهم لها، فهل ما زالوا يؤمنون بها كما كانوا، أم أن الأمر أصبح متفاوتا بسبب التحولات الاجتماعية والدينية والعلمية؟ مع هذا نرى في فيلم 'ديانة الماء' تجسيدا لهذه الطقوس التي يؤديها أتباع الجمارية، سواء كانوا رجالا أو نساء، فهم يلبسون أزياء تقليدية، تتراوح ألوانها بين الأحمر والأبيض للرجال، والأسود للنساء، وينثرون التراب أو الرمال على شاطئ البحر، وهو فعل يرمز للتبرك وتعزيز التواصل الروحي، وربما أيضا لنيل الرضا من القوى التي يؤمنون بها، سواء سكنت البحار أو الصحاري. هذا المعتقد المتجذر في الثقافة العمانية يحضر بقوة في الأحداث والمراحل التي يمر بها العمل، فحتى زهرة أيقنت بأن الموت قد أدركها، بعدما قُدمت قربانا للجمارية في أحد الأيام. لقاء مع عجوز مريب يدّعي العلم بعد أن فقد زهرة، سار عيسى وحيدا في تلك القرية الساحلية، حتى التقى وجالس شيخا كبيرا، كان يعمل في أحد المستشفيات وفُصل منه، وقد اعترف له بأنه يكتم سرا منذ دخوله القرية، فهو ليس بصياد، لكنه يتردد باستمرار على الشاطئ حاملا دلوه الأحمر، ليغسل قطعة قماش بيضاء، محاولا تطهيرها من دمائها، التي تزيلها الأمواج تدريجيا. يدّعي هذا الشيخ العلم، ويتناول بعض المسائل الوجودية، ويُخضع الموت والحياة لأسئلة فلسفية، تتعارض مع إيمان عيسى العميق، فهذا الشيخ يؤمن أن جميع البشر يأتون من الماء، ويجب أن يعودوا إليه، بحجة أن المياه على كوكب الأرض تمثل 71%. أما عيسى فيؤمن أن الإنسان خُلق من تراب، وسيعود إليه مرة أخرى، مستشهدا بالآية الكريمة ﴿مِنْهَا خَلَقْنَٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ﴾، وهنا يدرك العجوز أن بصيرة عيسى تتجاوز تلك المعتقدات، ولم يسلّم بها يوما، ولم تتغلب عليه بعد. جريمة تحت جنح الظلام تغضب الجمارية في أحد الأيام، يأخذ العجوز (حفار القبور) عيسى إلى أرض لم تحفظها أرجله، وكان قد اعتاد على السير بعيون زهرة، حتى حفظ كل الأماكن التي كانت تقوده إليها، وكان هذا المكان أشبه بمختبر أو غرفة تشريح، يدرس فيها ذلك الشيخ علاقة الجسد بالروح، محاولا إنقاذ الجثث من الأرض التي يزعم أنها تحرقها، ويبحث لها عن خلاص في البحر. يعترض عيسى على معتقد الشيخ، ويسأله عن الفرق بينه وبين الجمارية، ما دام يؤمن بهذه المسائل، فيرد الشيخ قائلا: هل تقارن العلم بالخرافات؟ لم يغير الجدل شيئا من قناعات الشيخ، ولم يحرك ضميره، بل نبش قبر زهرة في ظلمة الليل، ونقل جثتها إلى مختبره، ليخلصها من جحيم الأرض، ويعيدها صباحا إلى الماء. أثار ذلك غضب عيسى وأتباع الجمارية، الذين نذروا حياة زهرة ذات يوم، فقرروا قتله أو حرقه بعدما اكتشفوا فعلته، وأنه المسؤول عن سرقة الجثث من القبور، لكنه فرّ إلى البحر، الذي يراه ملاذا أخيرا للإنسان. تمسك بالأمل واحتمال اقتراب من الحقيقة يستعيد عيسى ذكرياته مع زهرة، ويقرر دخول البحر بحثا عن والده الذي اختفى منذ سنوات، فيركض بسرعة وإصرار على الشاطئ، حتى يصطدم بعمود خشبي وضعه أحد الصيادين ذات يوم. إنه حاجز آخر يعكس العقبات التي قد تعترض طريقه، لكنه لا يتراجع، بل يواصل السعي والتقدم نحو البحر الذي قد يأتيه باليقين ويعيد إليه الغائب، ثم يخرج من الماء وهو ينظر إلى يديه، في لحظة تأمل توهمنا بعودة بصره إليه، أو تعبير عن اكتشافه فهما جديدا لحلم راوده منذ سنين، حلم كانت تمنعه عنه والدته، وتشجعه عليه زهرة. يضيف المخرج هيثم سليمان في المشاهد الأخيرة جماليات فنية، ويزيد التشويق، حين يظهر صيادا على قاربه، يربط الحبل بإحكام ويزيد عقده، ويستخدم مشهدا علويا يظهر فيه البحر في حالة هدوء وقاربين متباعدين، ليقدم رؤية شاملة للمكان، ويشعرنا بالعزلة والتباعد بين الشخصيات والحقائق، بدل الاقتراب من الحقيقة، وهو ما يتوقعه أي مشاهد في نهاية الفيلم، ثم يخرج عيسى من عمق البحر، ويتشبث بالقارب بيديه. مشهد يدل على تمسك عيسى الشديد بالأمل، برغم عدم تحقيق الهدف، ويعزز رحلة السعي المستمر، ويفند الادعاءات الموحية بوجود قوى معينة ذات قدرة على المنع أو العطاء، وأن بيدها الخير والشر. ثم تأتي الكاميرا من الخلف لتظهر الصياد، ويأخذ وقتا كافيا للاستدارة، وهو ينظر بعيدا، محاولا معرفة ما يحدث في عرض البحر، مثل أي صياد يترقب ما قد يصادفه في غمرة المياه، وما يحيط به. إنها مشاهد ولحظات حاسمة في سرد القصة وتتبع نهايتها، فرحلة عيسى لم تأته بالجواب أو الحقيقة، وفيلم 'ديانة الماء' إنما جاء ليطرح بعض التساؤلات عن ما تعنيه المياه في نفوس البشر. حكاية 'أعمى الرويس' التي اختمرت أعواما أبان الفيلم تحكم الفريق الذي اختاره المخرج في الصورة، ويتقدمهم مدير التصوير محمد علي البلوشي، فقد بدا المخرج وطاقمه حريصين على إظهار الهوية العمانية في كل مشهد، سواء ما تعلق بالأزياء والأغاني، أو اللقطات الثابتة التي غلبت على معظم المشاهد، مع توظيف اللقطات العلوية التي كانت تعود كل مرة، لتروي الأحداث من منظور آخر. وتلك مكاسب تحسب للسينما العمانية، التي كانت تستعين بخبرات هندية وإيرانية لتنفيذ أفلامها، وحاجتها اليوم كبيرة لإنشاء معاهد وأكاديميات متخصصة. وعلى مستوى الصورة، جعل المخرج هيثم سليمان البيوت بسيطة ومتصدعة، كأنها أماكن لم تعد تتحمل مزيدا من الفقد، ولا تستوعب ذلك الكم الهائل من حكايات الماضي، وفي رصيدها قصص لم ترو بعد، ولم يتجاوزها الزمن، وقد تبعث من جديد. فجدرانها المهجورة الباردة توحي بحاحة ماسة إلى ترميم عميق أو إعادة تشييد، تماما مثل النفوس التي تسكنها، والتي تحتاج إلى الفرح والأمل والتعافي، بعد كل الحزن الذي سلب روح الحياة ومرحها منها. كما يلاحظ أن الأزياء العمانية والموسيقى التقليدية والأهازيج تكمل قصة الفيلم، والموضوع الذي يعكس مدى ارتباط الفرد العماني بالبحر والحكايات الشعبية، وبعض الخرافات والغيبيات أيضا. وقد قال هيثم سليمان مخرج الفيلم إن كل قرية في عمان لها حصتها من القصص الشعبية المتوارثة، وإن للحكومة مساعيَ ومحاولات جادة لتوثيق هذا التراث المحكي، ولم يستبعد فكرة إعداد ملف خاص لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو)، لتصنيفه تراثا إنسانيا غير مادي. وقد دفعت بعض الهواجس والتساؤلات الشخصية هيثم سليمان إلى كتابة الفيلم القصير 'أعمى الرويس' عام 2015، وقدم نصه لإحدى المسابقات الوطنية، فتُوج بالجائزة الأولى، واستغرق تحويل القصة إلى سيناريو ثلاث سنوات كاملة. وبعد كتابة السيناريو والحوار وتطويره، أصبح فيلم 'ديانة الماء' جاهزا للعرض في عام 2023، ونفذ بدعم من صندوق الإنتاج التابع للجمعية العمانية للسينما والمسرح، وحظي بجوائز مهمة، منها جائزة أحسن سيناريو بمهرجان السعيدية بالمغرب. وقد خرج من مهرجان مسقط السينمائي الدولي في دورته الـ11 بثلاث جوائز؛ جائزة أحسن فيلم، وجائزتي أفضل ممثل وممثلة، لبطليه حمزة الهاشمي ودليلة الدرعية، كما نال جائزة لجنة التحكيم بالمهرجان السينمائي للجامعة الأمريكية بالكويت. نهضة السينما.. تراكم يؤسس غد الصناعة الفنية لطالما كان للشعر والأدب مكانة راسخة بين العمانيين، وانفتاحهم على السينما والمسرح والفنون الأدائية الحديثة بات لافتا في السنوات الماضية، كما أن تأسيس مهرجان مسقط السينمائي الدولي الذي استقطب أسماء وأفلاما مهمة، دفع سينمائيي عمان للتفكير في دعم صناع الأفلام المحليين، وإنجاز أفلام تعكس أفكارهم. ومن هنا ولد مهرجان مسقط للأفلام الوثائقية والقصيرة، الذي مهد الطريق لإنتاج أفلام عمانية، بدعم من الجمعية العمانية للسينما، ثم عُممت الفكرة على مؤسسات أخرى، بدأت تتبنى أفكار الشباب العماني في شكل مهرجانات وورشات ومسابقات وإنتاجات أيضا. وبدأت المهرجانات تتبع بعضها، فمنها مهرجان السينما والصحراء، ومهرجان الظاهرة للأفلام الوثائقية، ومهرجان المرأة والطفل، فعاليات يعمل السينمائيون على استمرارها وخلق جمهور دائم لها، جمهور لا يراد لثقافته السينمائية أن تنقضي بمجرد انقضاء عمر هذه المهرجانات وأخرى. بناء على جسور التميز وحصد الجوائز يقر كثير من السينمائيين بدور الجمعية العمانية للسينما، التي أخذت زمام المبادرة منذ تأسيسها سنة 2002، ووفرت بيئة ملهمة ومساندة لصناع الأفلام، فلم تكتفِ بالدعم والإنتاج ورعاية المسابقات فحسب، بل حرصت على تنظيم قوافل سينمائية وملتقيات خارج العاصمة مسقط، وعملت على تحسين تقبل الجمهور العماني للسينما، بما يتماشى مع الطبيعة المحافظة للمجتمع، الذي لا يتجاوز تعداد سكانه 6 ملايين نسمة. هذا ويتطلع السينمائيون إلى مزيد من المكاسب بعد كل ما تحقق لهم، والأشواط المهمة التي قطعوها، وتطوير القطاع يعني التحول من الاستهلاك إلى استثمار متكامل، تدعمه مؤسسات الدولة، ويسنده الجمهور. كما أن تميز الأفلام العمانية وتتويجها في مهرجانات مهمة زاد انتشارها إقليميا ودوليا، وقد أتاحت هذه الإنجازات للجماهير تعميق فهم ثقافة المجتمع العماني وتقاليده، مما شكل دعما قويا لصناع السينما من الأجيال كافة، الشباب والمؤسسين، أمثال الدكتور خالد الزدجالي، وهو رائد السينما العمانية، وصانع أول فيلم سينمائي طويل في تاريخها، ألا وهو فيلم 'البوم' (2006). جدير بالذكر أن د. خالد الزدجالي تخرج من معهد السينما بالقاهرة عام 1989، وبدأ مسيرته الفنية ممثلا، ثم حول تركيزه إلى الإخراج التلفزيوني والسينمائي، وله بصمات واضحة في تنظيم كثير من المهرجانات السينمائية والمبادرات المبدعة.