logo
مطرقة التعدد وسندان الطلاق وضربات أزمة منتصف العمر المدمرة

مطرقة التعدد وسندان الطلاق وضربات أزمة منتصف العمر المدمرة

إن الوعي بالذات أهم ما يحتاج إليه الإنسان في حياته؛ ابتداءً بالوعي بالوجود وأسبابه وغاياته، وانتهاءً للوعي بالواقع وكيفية التعامل معه وفقا لذلك العلم، وقد أسكن الله نفوس المسلمين بالعلم بذلك؛ فمن جهة الوجود والغايات بينه سبحانه وتعالى بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]،
ومن جهة الواقع والتعامل معه بينه بقوله عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الأنعام: 162]؛ وذلك يعلم الإنسان أن هذين الأمرين هما معيار التوازن للوعي الإنساني، الذي يتدرج فيه من مجرد إدراك المشاعر، إلى فهم أسباب هذه المشاعر؛ حتى يستطيع أن يتعامل معها ويجاهد نفسه على التحكم فيها، لتتوافق مع الأبعاد الإيمانية التي يطالبه بها الله عز وجل،
ثم تأتي مرحلة الرشد التي تجعله على قدرة كافية من النضج العقلي؛ لاتخاذ القرارات وفق المعايير الشرعية، ثم تأتي البصيرة التي تجلي الحقائق في النفس؛ فيكون لها فكر شمولي مقنن بقواعد جلب المصالح ودفع المفاسد؛ لذلك جعل الله سبحانه وتعالى الدعوة الصحيحة للإيمان تقوم على البصيرة إذ يقول سبحانه: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108]،
ثم تأتي أعلى الدرجات وهي الوعي بالنية والقصد وفق تخطيط دقيق وأهداف مدروسة مما يزيد القدرة على الجمع بين الأدلة الشرعية، والمرحلتان الأخيتان يفتقر إليها ، أو يُغيب عنها الكثير من الناس، ولعل أبرز وأهم أسباب ذلك التغييب هي أزمة منتصف العمر التي قد تظهر في الفترة بين العقد الرابع والسادس من عمر الإنسان، والتي يسببها الشعور النقص والإحباط -أو بهما معا- نتيجة تراكم الأزمات، أو لمجرد الأهواء العبثية الناتجة عن الرغبة في حرية -مزعومة-؛ فيشعر باليأس وفقدان السيطرة والفرص لتحقيق شيء ما، ولأنها عبثية يغفل المبتلى بها عن النعم التي حوله والأشياء التي حققها وأهمها الأسرة والأبناء ونجاحهم الذي هو امتداد لنجاحه؛
لكن غياب الوعي أفقده القدرة على الشعور بالنعم وتعلق بالرغبات لتكون بداية للأزمات. فتكون هذه الأزمة التي قد تعتري أحد الزوجين معول الهدم الأول للأسر، من خلال أحد ثلاثة أمور؛ الخيانة، والتعدد، والطلاق؛ أما الخيانة فهي مستبعدة من حديثنا لأن الأصل في المسلم السلامة واقتصر الحديث عمن سلمه الله من الفواحش. ولعلنا نوضح أمرًا مهمًا هنا يبعدنا عن الظن السيئ بكاتبة الكلمات، وهو أن الله عز وجل شرع أمورًا ليست حقوقًا ولا واجبات ولا أوامر ولا نواهي،
إنما هي قوانين لصيانة المجتمع من الفساد والأسرة من التفتت؛ فالطلاق جاء عنه في الأثر أنه أبغض الحلال إلى الله عز وجل، والتعدد مظنة الظلم الذي يبغضه الله وحرمه على عباده، لكنه مخرج في الضرورات وفي النوازل، خير من الوقوع في الفواحش. والإشكال أن أزمة منتصف العمر تصور الطلاق مصدر للحرية والتخلص من المسؤوليات، بما فيه ظلم للطرف الآخر؛ من نكران فضل وتكفير عشرة.
وتصور التعدد تجديدًا للشباب وبحث عن المتعة، التي قد يجدها مع زوجته الأولى لو بذل لها العاطفة والمال الذي آثر به الثانية عليها، فهي أيضا تريد تجديد الشباب وتريد تعويضًا عن سنين العمر التي قضتها في دعمه في أزماته التي نسي معها أن يحسن إليها واكتفى بكونها داعمًا له وللبيت والأولاد. والمصيبة أن واقعنا المادي النفعي المعاصر أفرز لنا نماذج تعدد بعيدة كل البعد عن العدل الذي هو أساس التعدد؛ إذ برزت الكثير من المظاهر الظلم منذ بداية عقد عزم الرجل عليه؛
ولعل أول هذه المظاهر هو الكتمان: إذ إن الزوج يحرص على ألا تعلم زوجته الأولى بزواجه، وهو لا يعلم أن الزوجة الثانية تتغذى على غفلة الأولى لتشعر بالقوّة والسلطان. ثم يأتي الكذب: لخلق أسباب وهمية لخلل الميزانية والغياب المتكرر، ثم يأتي النكران: فيقوم وينام على انتقادها، ونكران فضلها وتكفير عشرتها؛ وإن ذكرته بالمعروف عند النكران؛ اتهمها بالمن إمعانا في الظلم ليتجاهل تأنيب الضمير هو ومن يدعمه من أنصار. ثم يأتي التبرير: حيث يبدأ في اختلاق الأسباب لتشريع قراره أو فعله؛ فيرميها بما لم تفعل، كأن يقول إنها لم يعد لها رغبة في الفراش، أو تكبرت عليه وتعالت، أو تحرض أولاده عليه؛ ليصدقه عميان البصيرة ويتعاطفون معه ظلما بدون دليل،
ولو تأنوا قليلا لعلموا بطلان قوله من خلال مواقفها وأفعالها؛ إن لم تستفزها الجبهات فتدافع عن نفسها بغضب أو انفعال، يؤكد لهم ظنونهم الفاسدة. ثم تتضاعف المظالم بصب الأموال وصنوف الدلال على الزوجة الثانية، وبجرح المشاعر، والهجران، والطامة الكبرى عندما يصل إلى مرحلة تسخير الأبناء المادي والمعنوي وربما البدني، لخدمة رغبات الزوجة الثانية؛ مع أن الشرع يمنع إنفاق الأب على أحد أبنائه من مال الآخر؛ فكيف بإنفاقه على زوجة أبيهم!!
وبذلك تكون أزمة منتصف العمر سببا في اهتزاز القدوات، وتفكك الأسرة العاطفي، وفي الغالب يكون الباغي منهما هو الخاسر، فقد يعود بعد اختفاء الآخر.
إضاءة: الوعي نعمة وغيابة أزمة، والسعي لتجليته حكمة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تدشين التوسع في مبادرتي "الطرق المطاطية والباردة" لخدمة ضيوف الرحمن
تدشين التوسع في مبادرتي "الطرق المطاطية والباردة" لخدمة ضيوف الرحمن

سعورس

timeمنذ 25 دقائق

  • سعورس

تدشين التوسع في مبادرتي "الطرق المطاطية والباردة" لخدمة ضيوف الرحمن

وشمل التدشين التوسع في مبادرتي الطرق المطاطية المرنة وتبريد الطرق، إضافةً إلى مبادرتين جديدتين هما تشجير وتحسين البيئة في الطرق المطاطية المرنة ومسار خدمة الأشخاص ذوي الإعاقة. وأوضحت "هيئة الطرق" أن مبادرة تبريد الطرق شهدت توسعًا بنسبة (82%) هذا العام، بعد نجاحها منذ انطلاقتها في عام 2023، ورصف أكثر من (84) ألف م2 من الطرق في مشعر عرفات. ويعتمد هذا الابتكار على مواد محلية الصنع تقلل امتصاص الأشعة الشمسية؛ مما يخفض درجة الحرارة السطحية لقرابة (12) درجة مئوية، ويزيد من عكس الأشعة بنسبة (30%) إلى (40%) خلال الصباح، مساهمةً في تقليل ظاهرة "الجزيرة الحرارية" وتوفير بيئة مريحة للحجاج مع تقليل استهلاك الطاقة وتلوث الهواء. وشمل التدشين التوسع في مبادرة الطرق المطاطية المرنة بنسبة (33%)، التي تعالج صلابة الأسطح الإسفلتية في ممرات المشاة، خاصة لكبار السن, وشملت أعمال الرصف الطريق الممتد من مسجد نمرة إلى محطة قطار المشاعر في عرفات ليصل إجمالي استخدامها إلى (16) ألف م2، باستخدام أسفلت مطاطي مرن يعزز الراحة في أثناء السير، وأثبتت تجارب مركز أبحاث الطرق نجاحه في توفير تجربة آمنة. واشتملت المبادرات الجديدة التي دشنها معاليه على تشجير وتحسين البيئة في المسار المرن، وزرعت أشجار على طول 1200م من الطريق الممتد بين مسجد نمرة ومحطة القطار في عرفات ، مع تطبيق تقنية رذاذ لتلطيف الهواء وإنشاء مشارب مياه، لتحسين جودة الهواء وتوفير بيئة مريحة للحجاج في أثناء أداء مناسكهم. ودُشِّنت مبادرة خدمات الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تضمنت تخصيص مسار بطول 4000 متر في طريق المشاة المؤدي إلى جبل الرحمة بمشعر عرفات ، مرصوفًا بمواد باردة لتخفيف الاهتزاز ودعم المرافقين، تماشيًا مع رؤية المملكة 2030 لتعزيز الشمولية وتحسين جودة الحياة. وتعمل الهيئة العامة للطرق على تطوير الأبحاث والتجارب العملية انطلاقًا من دورها جهازًا حكوميًّا مشرفًا ومنظمًا لقطاع الطرق في المملكة، وتماشيًا مع رؤية إستراتيجية القطاع التي نصت على التشجيع على الابتكار، وتسهم إستراتيجية قطاع الطرق في رفع مستوى جودة الطرق للوصول للمؤشر السادس عالميًا، وخفض الوفيات لأقل من (5) حالات لكل (100) ألف نسمة بحلول 2030، ليواصل قطاع الطرق دوره الريادي في تمكين العديد من القطاعات الحيوية والواعدة وذلك عبر شبكة طرق المملكة التي تعد الأولى على مستوى العالم في ترابطها بأكثر من (73) ألف كم. وأكد المهندس الجاسر أن خطط ومنظومة النقل في الحج هي منظومة خطط فاعلة وكبيرة، يبدأ التخطيط لها من انتهاء موسم الحج استباقًا للموسم الجديد. وأوضح أن مرحلة القدوم الفعلية، التي بدأت مع بداية شهر ذي القعدة عبر مطارات المملكة والمنافذ البرية والبحرية، من خلال استقبال أول دفعات من الحجاج في ميناء جدة الإسلامي ومنفذ جديدة عرعر والمنافذ الأخرى بسلاسة في عملية القدوم. وبيّن معاليه أن المنافذ البرية والجوية والبحرية، والطرق التي تربط هذه المنافذ بالمشاعر المقدسة جُهزت بأكثر من 7400 كيلومتر تم صيانتها وتجهيزها، إضافةً إلى قطار الحرمين الذي يُعد أحد المشاريع الكبرى التي تخدم حجاج بيت الله الحرام بفضل ما تلقاه هذه المنظومة من دعم كبير من القيادة الرشيدة -أيدها الله- التي تحرص وتوجه بتوفير أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام. ولفت النظر إلى أن المبادرات الخاصة التطويرية مثل الرصيف المطاطي وتبريد الطرق تشهد توسعًا عبر توظيف التقنيات المختلفة من خلال أجهزة تقنية متقدمة لفحص الطرق واستخدام طائرات الدرون في فحص الطرق وغيرها من التقنيات الحديثة لخدمة قاصدي البيت الحرام. وعبّر معاليه عن فخر منظومة النقل والخدمات اللوجستية بالتطور في الأعمال التي تقدمها للحجاج، وأن ذلك يأتي تنفيذًا لتوجيهات القيادة عبر ما توفره من إمكانيات كبيرة لهذه المنظومة لإعطاء الأولوية لحجاج بيت الله الحرام والخدمات المرتبطة بهم، من خلال توسيعها وتطويرها وتحسينها عبر تقنيات جديدة في كل عام.

الخط العربي بين الأصالة والتجديد..
الخط العربي بين الأصالة والتجديد..

سعورس

timeمنذ 25 دقائق

  • سعورس

الخط العربي بين الأصالة والتجديد..

ومع تسارع التحولات التقنية وتشابك الثقافات، يبقى الخط العربي شاهدًا حيًّا على عراقة الحضارة وعمق الهوية. ليس مجرد وسيلةً للكتابة، بل فن بصري يحمل بين ثناياه فلسفةً جمالية وروحية، تشكّل وجدان الإنسان العربي المسلم، وتُعبّر عن ارتباطه العميق بالمعنى، والحرف، والزمن. يقول ابن خلدون (توفي 808ه/1406م) في مقدمته الشهيرة: «الخط صناعة شريفة، يتميز بها الإنسان عن غيره، وبها تؤدَّى الأغراض؛ لأنها المرتبة الثانية من الدلالة اللغوية». بهذا يؤكد ابن خلدون أن الخط العربي أداة تعبير فني وفكري عالية المنزلة، تلي مرتبة دلالات اللفظ والكلام في التأثير. إنّ الخط العربي يتجاوز حدود حروف اللغات الأخرى في تشكيل إيقاع بصري يعكس رؤية فلسفية للجمال والتوازن والتناسق. وقد عبر سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن هذه الفكرة بقوله الحكيم: «الخط الحسن يزيد الحق وضوحًا». ففي تلك النقولات وغيرها تجسيدٌ لمكانة الخط العربي الرفيعة بوصفه أداة لنقل المعاني وتحقيق الجمال، وجسرًا يصل بين الفكر والفن في أبهى صورة. لقد مر الخط العربي بمراحل غنية بالتطور عبر التاريخ؛ إذ تعود جذوره إلى الخط النبطي الذي تطور، ثم ظهر الخط الكوفي كأحد أقدم الخطوط وأكثرها ارتباطًا بالنقوش والمصاحف الأولى. وفي ظل العصر العباسي، ظهرت الأقلام الستة التي وضَع أصولها الخطاط ابن مقلة (توفي 328ه/940م)، ومن ثَمّ بلغت ذروتها وكمالها على يد الخطاط ابن البواب (توفي 413ه/1022م). تتمثل تلك الأقلام في: النسخ، الثلث، المحقق، الريحان، التوقيع، والرقاع، وقد شكلت مدرسة فنية وجمالية متكاملة ما تزال تُدرّس وتستلهم حتى اليوم. أما الخط العثماني فيستحق منا تخصيصًا بالذكر، وعناية بالتفاصيل؛ فهو رسم المصحف الشريف الذي ارتضاه سيدنا عثمان بن عفان والصحابة الكرام في زمنه -رضوان الله عليهم- لكتابة كلمات القرآن الكريم وحروفه؛ فله خصوصية كبيرة في التاريخ الإسلامي، وقد اعتنى العلماء بهذا العلم وألفوا فيه مؤلفات عديدة من أبرزها كتاب المقنع في رسم مصاحف الأمصار لمؤلفه أبي عمرو الداني (توفي 444ه/1053م)، وكتاب الدليل في رسوم خط التنزيل لمؤلفه أبي العباس المراكشي (توفي 723ه/1323م). كما يُعدّ الخط العثماني أساسًا لفهم النص القرآني وتلاوته بشكل صحيح؛ مما جعله وسيلة لحمايته من التحريف؛ إذ كُتبَ النص القرآني بالطريقة التي تعكس كيفية النطق والقراءة، وتظهر الكلمات في صيغتها الأصيلة، وما يزال الخط العثماني معتمدًا وموقوفًا في الرسم والخط لكافة جهود كتابة المصاحف حتى اليوم، وأضحى جزءًا من الهوية الروحية والجمالية للقرآن الكريم. الحضارات الإسلامية المختلفة ألقت بظلالها في التأثير على رحلة التطور للخط العربي؛ حيث ظهرت المدرسة المغربية بأنماطها الأندلسية والمغاربية المميزة التي عُرفت بليونة حروفها وانحناءاتها الزخرفية، وفي الشرق الإسلامي، برز الخط الديواني والخط الفارسي (النستعليق) بأناقتهما الخاصة، وكلها شهادات على قدرة الخط العربي على الاندماج مع الجماليات المحلية لكل حضارة دون أن يفقد أصالته. وبهذا الامتداد الزمني والجغرافي، بقي الخط العربي وفيًّا لروحه مع احتضانه للتجديد، محافظًا على توازنه بين الجمال والوظيفة، وبين التعبير الفني والرمز الحضاري، وعلى ارتباطه العميق بالهوية واللغة. لقد ظل الخط العربي مرآةً للذوق والوعي، وزينةً لأهله في كل عصر، يجمع بين الجمال والتهذيب، والأصالة والرصانة. شهد الخط العربي طوال تاريخه الطويل تواصلاً حضاريًا غنيًا ألهم العقول والقلوب في العالم الإسلامي وخارجه. لم يكن الخط العربي مجرد فن للزينة أو تدوين النصوص الدينية والأدبية، بل أصبح لغة بصرية تحمل في طياتها رموز الهوية، والذوق الرفيع، وروح الإبداع. ولعل انتشار معارض ومتاحف اللغة العربية في الدول الغربية خير دليل على هذا التأثير، حيث تحظى لوحات الخطوط العربية المزخرفة بإعجاب بالغ، فتأسر ألباب الزائرين بمختلف خلفياتهم الثقافية. فما أن يتجول الزائر في أروقة هذه المعارض، حتى يستوقفه جمال الخط وقدرته على التعبير الفني، فتتحول الحروف العربية إلى تحف فنية تعكس عمق الحضارة العربية وروعتها. ومن الطرائف اللافتة ما حكاه لي صديقي المقيم في البرازيل عندما أقيم أحد المعارض العربية في مدينة ساو باولو البرازيلية أبدى بعض الزوار من جيل الشباب، لا سيما الفتيات إعجابهم الشديد بالخط العربي، فطلبوا حفر وشم على أجسامهم يحمل كلمات عربية، تعبر عن معانٍ عظيمة مثل «محمد» و»اللغة العربية»، وعبارات أخرى ذات دلالات ثقافية وروحية، (مع التحفظ على حكم الوشم في الإسلام)، ومن جانب آخر.. يشارك الخطاطون العرب في هذه الفعاليات بكتابة أسماء الزوار بالخطوط العربية البديعة، وهو ما يترك في نفوسهم حالة من الدهشة والانبهار أمام روعة الخط العربي وسحر نقوشه؛ ليغدو بذلك هذا الفن جسرًا حقيقيًا للتواصل الحضاري والتقارب الإنساني، تتلاقى عنده الثقافات وتتجدد فيه الروابط بين الشعوب. إن الخط العربي اليوم يواصل رحلته نحو العالمية، فها هو (الخط السعودي) الجديد الذي أطلقته وزارة الثقافة السعودية مع (الخط الأول) يجسدان هذا التوازن بين الحداثة والهوية، بتصميم يستلهم التراث المحلي، ويخاطب العين المعاصرة برشاقته ونسبه. وصدق من قال: «الخط لسان اليد، وترجمان الإنسان»، فإن الهوية البصرية لأي دولة لا تكتمل دون خط يُعبّر عنها، يعكس شخصيتها، ويترجم ثقافتها في كل وثيقة، أو إعلان، أو شعار. إنّ الخط السعودي والخط الأول يمثلان امتدادًا لمبادرات وزارة الثقافة، مثل: «عام الخط العربي»، وإعادة إحياء «دار القلم» تحت اسم مركز الأمير محمد بن سلمان، وجهود المملكة بالتعاون مع 15 دولة عربية لإدراج الخط العربي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو. على الرغم من هذا المجد العريق للخط العربي وتجدده عبر العصور، إلا أنه واجه وما يزال يواجه تحديات عديدة في عصرنا الحديث تهدد استمراريته وانتشاره بين الأجيال الجديدة. من أبرز هذه التحديات بروز الحاسوب والتقنيات الرقمية، حيث فرضت الطباعة الإلكترونية وأنظمة الحواسيب معيارًا جديدًا للكتابة أدى إلى تراجع استخدام الخط اليدوي. ولأن طبيعة الحروف العربية مرنة وغنية بالاتصال والتشبيك؛ فقد واجهت الشركات التقنية صعوبات كبيرة في تصميم خطوط طباعية رقمية تُحاكي جماليات الخط العربي التقليدي. ومع ذلك، جاءت مبادرات إطلاق «الخط السعودي» و»الخط الأول» لتوجد حلولًا رائدة في تطوير خطوط عربية طباعية تواكب معايير العصر الرقمي، وتعيد للخط العربي مكانته المرموقة في بيئة الحوسبة الحديثة. إلى جانب ذلك، شكلت رداءة الخط العربي -وغير العربي كذلك- لدى الكثير من الناس عائقًا أمام انتشاره؛ إذ إن تعلم الخط العربي وإتقانه يحتاج إلى جهد وتدريب وأدوات متخصصة، وفي زمن تراجع فيه التعليم الفني في المدارس، وأغنت التقنية عن الحاجة إلى الخط اليدوي، فأوشك حُسن الكتابة أن يطويه النسيان. كما عزف كثير من الشباب والناشئة عن إتقان مهارات الخط العربي، واكتفوا بالاعتماد على لوحات المفاتيح والبرامج الجاهزة. ولعل أخطر هذه التحديات يكمن في فقدان الحس الجمالي، وقلة الوعي بأهمية الخط كجزء أصيل من الهوية والثقافة. من هنا، تتجلى الحاجة إلى مبادرات تعيد للخط العربي وهجه، تجمع بين الأصالة والتقنية، وتستثمر في برامج تعليمية حديثة ومسابقات وفعاليات تعيد الخط العربي إلى دائرة الاهتمام، محافظةً على دوره الحضاري والفني كجسر يربط بين الماضي والمستقبل، ويمنح الأجيال القادمة هوية بصرية فريدة تستحق الاعتزاز. إننا اليوم أمام دعوة متجددة للنظر إلى الخط العربي برؤية فنية مفتوحة على المستقبل، تستوعب التقنية ولا تنفصل عن الجذور؛ ليحمل رسالة ثقافية تتعدى حدود المكان والزمان، وتغذي قيم التلاقي والتفاهم بين الناس في كل مكان. وكما قيل: «إن جَوَّدت قلمك، جودت خطك، وإن أهملت قلمك أهملت نفسك». فلنمنح هذا الفن العظيم ما يستحقه من تطوير ورعاية؛ لأنه ببساطة، ليس ماضيًا فقط، بل مستقبلٌ يُكتب من جديد. نماذج للخطين الأول والسعودي بريشة الخطاط إبراهيم العرافي

محافظ جدة يكرم 2166 حافظاً
محافظ جدة يكرم 2166 حافظاً

المدينة

timeمنذ 36 دقائق

  • المدينة

محافظ جدة يكرم 2166 حافظاً

رعي صاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي، مُحافظ جدَّة مساء أمس حفل جمعية "خيركم" لتعليم القرآن وتحفيظه بمحافظة جدة بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها ، وتكريم أكبر عدد حفاظ القرآن الكريم فى المملكة متمثلا في 2166 حافظاً وحافظة لكتاب الله. وثمن رئيس مجلس إدارة جمعية خيركم بمنطقة مكة المهندس عبدالعزيز حنفي ، لسمو نائب أمير المنطقة رعايته لحفل الجمعية، واهتمامه ببرامج الجمعية المختلفة ، مشيراً أن ذلك غير مستغرب من ولاة الأمر حفظهم الله والذين كانوا خير رعاة وداعمين للجمعية ولكافة فعالياتها ومناسباتها على مدى خمسة عقود. يذكر أن "خيركم" تأسست في العام ١٣٩٦هـ ، ويبلغ عدد المنتسبين لها بمحافظة جدة أكثر من 67 ألف طالب وطالبة، فيما تجاوز عدد مستفيديها حول العالم ، عبر برامجها وتطبيقاتها الإلكترونية والتعليم عن بعد أكثر من مليونين و600 ألف مستفيد ومستفيدة يتوزعون في 139 دولة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store