logo
كمال جاب الله يكشف لكم : شغف أكاديمي صيني بالخرز المصري القديم

كمال جاب الله يكشف لكم : شغف أكاديمي صيني بالخرز المصري القديم

البشاير٢٣-٠٣-٢٠٢٥

شغف أكاديمي صيني بالخرز المصري القديم
كمال جاب الله
كاتب صحفي ومحاضر جامعي
[email protected]
في مثل هذه الأيام من العام الماضي، 2024، زرت متحف الآثار في بكين، التابع للأكاديمية الصينية للتاريخ، ضمن برنامج مكثف، نظمه معهد الصحافة بالأكاديمية الصينية للعلوم، وذلك، للمشاركة في أعمال المنتدى الدولي الثالث للديمقراطية. المتحف يعد معلمًا تاريخيًا وثقافيًا صينيًا مبهرًا، يضم خمسة أقسام، تتيح للزائرين الاندماج بمشاعرهم – وبجميع حواسهم – مع الآثار الصينية منذ العصور القديمة، وحتى النهضة الحديثة، لأمة موحدة متعددة الأعراق، وتشكل التبادلات بين الثقافات على طول طرق الحرير القديمة سواء البرية أو عبر السفن قسمًا رئيسيًا بالمعرض.
في أثناء زيارتي لمعهد الآثار التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، وتفقدي لأقسام المتحف – الذي فتح أبوابه للزائرين منذ عامين فقط – مرت بخاطري سيرة علمية عطرة، لمؤسس علم الآثار الصيني، وخبير المصريات، شيا ناي (1910-1985)، الذي لعب دورًا مهمًا للغاية في التبادل الثقافي والأكاديمي، بين مصر والصين.
منذ 7 سنوات وتحديدًا في عام 2018، وقعت مصر والصين اتفاقية لمشروع أثري مشترك في معبد مونتو بالأقصر، وجرى وصف الحدث – وقتها – بأنه أول تعاون ثنائي في مجال التنقيب. وحقيقة الأمر، أنها لم تكن المرة الأولى، لأنه منذ أكثر من 80 عامًا، قام خبير المصريات شيا ناي – الذي شغل لاحقًا منصب مدير معهد الآثار بالأكاديمية الصينية للعلوم – بزيارتين إلى مصر، لإجراء بحوث ودراسات أثرية.
السيرة الكاملة لخبير المصريات، الصيني الجليل، التي ربما لا يعلم عنها كثيرون – وجدتها – بالصدفة – في دراسة قيمة بعنوان: 'شيا ناي رائد علم الآثار، وجهوده في إحياء الخرز المصري القديم'، استأذنت كاتبها، شين جه، في نشر مضمونها.
وُلد شيا ناي عام 1910، بمقاطعة تشجيانج الصينية، لعائلة ثرية تعمل في التجارة، وتخرج في جامعة تشينجهوا عام 1934، من قسم التاريخ، وتلقى تعليمه وتدريبه على يد نخبة من أبرز المؤرخين، وفي شهر أكتوبر من العام نفسه، اجتاز امتحان القبول للبعثات الدراسية، وسافر إلى المملكة المتحدة لمواصلة دراسته العليا هناك.
في جامعة لندن، بدأ شيا ناي دراسته في معهد كورتولد للفنون، ثم انتقل في العام التالي إلى قسم المصريات، حيث تخصص في علم الآثار المصري، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه. خلال خمس سنوات ونصف من دراسته في الخارج، تعمق في دراسة النظريات والأساليب الحديثة في علم الآثار، وتعلم مهارات ترميم وصيانة وإدارة وعرض القطع الأثرية، إلى جانب إتقانه تقنيات صب البرونز. كما تلقى تدريبًا متكاملًا في علم الآثار الميداني، مما مكنه لاحقًا من نقل هذه المنهجية العلمية إلى الصين، ليكون له دور كبير في تأسيس علم الآثار الصيني الحديث.
بين عامي 1937 و1939، وبتوجيه من أستاذه عالم الآثار الشهير ستيفن جلانفيل، شارك شيا ناي في أعمال التنقيب الأثري في موقع أرمنت بمصر، وموقع تل الدوير في فلسطين، كما نشر دراسات حول الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة.
في عام 1938، بدأ شيا ناي دراسة الدكتوراه في علم الآثار المصري، وكان متحف المصريات التابع لكلية الآثار بجامعة لندن يضم مجموعة كبيرة من الخرز المصري القديم، التي اكتشفها عالم الآثار فلندرز بيتري خلال التنقيب في مصر. اعتبر بيتري البحث في هذا الموضوع مسألة أساسية في تطور علم المصريات، مما دفع شيا ناي إلى الاستفادة من المصادر الأولية التي وفرها المتحف، حيث بدأ بجمع هذه المجموعة ودراستها بشكل منهجي ومفصل.
من خلال بحثه، قرر شيا ناي أن يكون الخرز المصري القديم موضوع أطروحته للدكتوراه، وقام بإعداد عدد كبير من البطاقات البحثية، صنف فيها 1760 حبة خرز من مجموعة بيتري، وفق: الشكل، اللون، المادة، النقوش، موقع الاكتشاف، الفترة الزمنية، والاستخدام، مما يعكس مدى اجتهاده وثبات أساسه الأكاديمي.
بين أواخر أكتوبر 1939 وديسمبر 1940، عاد شيا ناي – مرة أخرى – إلى مصر لمواصلة أبحاثه في المتحف المصري بالقاهرة، حيث أجرى دراسة تصنيفية لحبات الخرز المصري القديم، واستكمل أطروحته للدكتوراه. وخلال إقامته في القاهرة، كتب بحثين متخصصين نُشرا عام 1944 في مجلات أكاديمية عالمية مرموقة.
خلال هذه الفترة، أقام شيا ناي علاقات أكاديمية وثيقة مع علماء المصريات في المتحف المصري، كما قدم بعض المعلومات البحثية لعالم المصريات البريطاني، بومجارت، خلال تأليفه كتاب 'الثقافة المصرية في عصر ما قبل الأسرات'.
في صيف عام 1943، أكمل شيا ناي أطروحته بعنوان 'القيمة الأثرية للخرز المصري القديم' وأرسلها إلى المملكة المتحدة، وفي عام 1946، منحت جامعة لندن شيا ناي درجة الدكتوراه في علم الآثار المصري بدون مناقشة، نظرًا للقيمة الأكاديمية لأطروحته، والتي ساهمت في تعزيز مكانته العلمية في مجال الآثار وعلم المصريات على المستوى الدولي. وحتى بعد مرور أكثر من 70 عامًا، لا تزال تؤثر بشكل كبير في أبحاث علم المصريات، وخلال السنوات الأخيرة، تم نشرها بالإنجليزية والعربية، بالإضافة إلى الصينية المبسطة والتقليدية.
في الوقت نفسه، نُشرت أطروحة الدكتوراه التي أعدها شيا ناي كمرجع أكاديمي تحت عنوان 'دراسة حول الخرز المصري القديم'، ولأكثر من سبعين عامًا، ومع توسع مجال التنقيب في مصر، وتقدم تقنيات الحفر، وزيادة الإلمام بالوثائق الأثرية المُكتشفة، زادت معرفة الأوساط الأثرية بحُلي مصر القديمة. ومع ذلك، وكما قال ستيفن كويرك، أستاذ علم المصريات البريطاني: 'كانت أطروحة شيا ناي متقنة لدرجة جعلت الباحثين يترددون من تكرار العمل نفسه، لأنها ببساطة كانت كاملة'.
في الفصل الأول من أطروحته للدكتوراه، اقتبس شيا ناي عبارة شهيرة لعالم الآثار البريطاني فلندرز بيتري: 'الخرز والفخار هما الأبجدية الأساسية لعلم الآثار'، واليوم، لا تقتصر أهمية الخرز على كونه علامة فارقة في التأريخ الزمني لعلم الآثار المصري، بل يُعتبر أيضًا دليلًا مهمًا يكشف عن التفاعلات الثقافية بين الحضارات القديمة في آسيا وأفريقيا.
في الفترة التي سبقت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، وجه شيا ناي دعوة إلى عالم الآثار المصري مصطفى الأمير من جامعة الإسكندرية لإلقاء محاضرات في الصين حول 'علم المصريات' و'الكتابة الهيروغليفية المصرية'. وفي عام 1959، زار عالم الآثار المصري أحمد فخري – من جامعة القاهرة – الصين لإلقاء سلسلة من المحاضرات. وبعد سياسة الإصلاح والانفتاح، توسعت مشاركة شيا ناي في التبادل الأكاديمي الدولي، واكتسبت إنجازاته الأثرية اعترافًا واسعًا في الأوساط العلمية والعالمية، ونال العديد من الجوائز الأكاديمية. واليوم، يواصل علماء الآثار الصينيون المتخصصون في علم المصريات، والذين يعدون تلاميذه، مسيرته العلمية، مما يوفر فرصًا جديدة لدراسة مجال علم المصريات في الصين.
تابعنا علي منصة جوجل الاخبارية

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رسائل سرية على مسلة الأقصر فى باريس
رسائل سرية على مسلة الأقصر فى باريس

المصري اليوم

timeمنذ 18 ساعات

  • المصري اليوم

رسائل سرية على مسلة الأقصر فى باريس

خلال جائحة كورونا، قادت الصدفة عالم المصريات الفرنسى والمحاضر بجامعة السوربون، جان بيليتييه، إلى مسلة الأقصر الشهيرة، التى تطل على ساحة الكونكورد فى باريس، وخلال تأمله للنقوش القديمة اكتشف رموزًا خفية غير عادية على هذا النصب التذكارى الذى يعود تاريخه إلى 3000 عام. وأثناء قراءته للنقوش الهيروغليفية، لاحظ بيليتييه تفاصيل أثارت اهتمامه، إذ بدت النقوش تشير بشكل غير مباشر إلى رواق معبد الأقصر الذى كانت المسلة تقف أمامه سابقًا، وبفضول متزايد بدأ فى تسجيل النقوش باستخدام منظار ودفتر ملاحظات، ليكتشف لاحقًا أنها قد تحمل رسائل سرية، ومع ذلك لم يكن بإمكانه تأكيد شكوكه دون دراسة المسلة الجرانيتية عن قرب. وفى ظل استعدادات باريس لدورة الألعاب الأوليمبية الصيفية 2024، وظهور سقالات لترميم المسلة، طلب بيليتييه تصريحًا من إدارة الشؤون الثقافية لدراسة الهيكل، وبعد الموافقة أصبح أول شخص منذ أكثر من قرن يتسلق المسلة التى يبلغ ارتفاعها 70 قدمًا. وخلال دراسته، اكتشف 7 نقوش هيروغليفية مشفرة، ومن المقرر نشر نتائجه فى مجلة علم المصريات الفرنسية «ENiM» لاحقًا هذا العام. وتُعد الهيروغليفية المشفرة، التى عُرفت لأول مرة فى خمسينيات القرن الماضى على يد القس إتيان دريوتون، شكلاً متقدمًا من الكتابة الفرعونية يشتمل على ألغاز وتلاعب بالألفاظ، وغالبًا ما كان استخدامها مقصورًا على النخبة المثقفة. وتُظهر النقوش أن المسلة كانت أداة دعائية استخدمها رمسيس الثانى لتعزيز سلطته وإبراز طبيعته الإلهية، إذ تشير إحدى الرسائل إلى نسبه الإلهى من آمون رع وماعت، وعلى جانب المسلة المواجه للنيل يظهر رمسيس مرتديًا تاجًا يرمز لوحدة مصر السفلى والعليا، وهى تفاصيل كان النبلاء فقط قادرين على رؤيتها عند اقترابهم من المعبد بالقوارب خلال مهرجان الأوبت. وفى جانب آخر من المسلة، وُضعت رسالة موجهة نحو الصحراء، يظهر فيها رمسيس مرتديًا تاجًا يحمل قرون ثور، رمزًا لقوته الإلهية، مصحوبًا بدعوة لتقديم القرابين للآلهة. والمسلة هى واحدة من زوج من المسلات نُحتتا من كتلة حجرية واحدة، وأُهديت إلى فرنسا عام 1830 من قبل حاكم مصر آنذاك محمد على، ونُقلت عبر البحر المتوسط على متن سفينة صُممت خصيصًا لهذا الغرض، ثم نُصبت فى ساحة الكونكورد عام 1836. وقال بيليتييه: «فك رموز الهيروغليفية المشفرة يفتح آفاقًا جديدة لفهم النصوص الفرعونية، ويؤكد أن علم المصريات لا يزال يخفى الكثير من الحقائق التى تنتظر الكشف عنها».

الدكتور وسيم السيسي: علماء العالم أجمعوا على أن جينات المصريين واحدة
الدكتور وسيم السيسي: علماء العالم أجمعوا على أن جينات المصريين واحدة

الدستور

time١٥-٠٤-٢٠٢٥

  • الدستور

الدكتور وسيم السيسي: علماء العالم أجمعوا على أن جينات المصريين واحدة

قال الدكتور وسيم السيسي الباحث فى علم المصريات: إنه علينا أن نعى ماهى مكونات الشخصية حتى نتمكن من تحليلها وفهم أبعادها، مؤكدًا أن الشخصية تتكون من جزء واع وأخر لا واعى، وأن أى إنسان لدية 6 قارات ثلاثة منهم فى الوعى وثلاثة فى اللا وعى. وأكد خلال المؤتمر العلمى السنوى لـكلية الدراسات العليا بأكاديمية الشرطة، والذى عقد تحت عنوان "مفردات بناء الشخصية المصرية ومردودها على الأمن"، على أن ما يفرق بين شخصية عن شخصية آخرى هى الجينات والمكان والزمان. وأضاف الدكتور وسيم السيسي أن العلماء أثبتو أن 97.5 ٪؜ من جينات المصرين واحدة، وأن 86.6% يحملون جينات من جينات الملك توت عنخ امون، وهو ما يثبت كذب الأفروسينترك. وأكد الدكتور وسيم السيسي أنه على الرغم من تغير نظام الحكم فى مصر أكثر من مرة، ولكنه دائما مايكون تغير فى الحكام، ولا يؤثر فى الشخصية المصرية، والتي أثبتت أنها لم تتغير على مر التاريخ.

هل هناك مدينة مخفية أسفل أهرامات الجيزة؟.. كبير الأثريين يكشف الحقيقة
هل هناك مدينة مخفية أسفل أهرامات الجيزة؟.. كبير الأثريين يكشف الحقيقة

الاقباط اليوم

time١٢-٠٤-٢٠٢٥

  • الاقباط اليوم

هل هناك مدينة مخفية أسفل أهرامات الجيزة؟.. كبير الأثريين يكشف الحقيقة

نفى الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين، ما تردد بشأن وجود "مدينة هائلة" مخفية تحت أهرامات الجيزة. خلال حواره مع الإعلامية عزة مصطفى في برنامج "الساعة السادسة" على قناة "الحياة"، كشف شاكر زيف الادعاءات التي أثارها ثلاثة باحثين إيطاليين في مؤتمر صحفي، موضحًا أن هؤلاء الباحثين زعموا عبر صور الرادار والأقمار الصناعية اكتشاف مدينة تمتد لـ2 كيلومتر على عمق أكثر من 648 مترًا تحت هرم خفرع، مستخدمين مصطلحات مثل "الذكاء الاصطناعي" لجذب الانتباه. وأوضح كبير الأثريين، أنه لا أحد من هؤلاء الباحثين متخصص في علم المصريات، حيث يعمل أحدهم في الكيمياء العضوية، والثاني في اللغات والسياسة، لم يقدم الثلاثة أي ورقة بحثية منشورة في مجلة علمية محكمة، بل اقتصر الأمر على مؤتمر صحفي مغلق دون مناقشات أو أسئلة. ولفت شاكر إلى تهافت بعض البعثات الأجنبية على اختلاق نظريات غير مدعومة، مشيرًا إلى أن أحد هؤلاء الإيطاليين "مؤمن بالخرافات والكائنات الفضائية". كما استذكر حادثة مماثلة قبل أشهر عندما ادعى باحثون يابانيون اكتشاف "فراغات غامضة" تحت الهرم الأكبر، مؤكدًا أن الأهرامات أصبحت هدفًا للهوس العالمي، حيث يحاول البعض ربطها بنظريات خيالية لتحقيق الشهرة. وأكد شاكر أن الوزارة تعمل على تحويل تلك الأخبار السلبية إلى فرص للترويج العلمي، داعيًا وسائل الإعلام إلى التمييز بين الإثباتات الأثرية والأوهام التي تروج لها بعض الجهات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store