
أسامة أيوب يكتب: سنوات الخلفاء الراشدين.. خواطر رمضانية (٢)
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. الخليفة الثانى
لأنه كان الخليفة الثانى للنبى صلى الله عليه وسلم بعد الصديق أبى بكر الخليفة الأول، فقد لقبه المسلمون خليفة خليفة رسول الله، غير أنه رأى فى هذه التسمية إطالة سوف تطول أكثر بعده مع الخليفة الثالث، إذ سينادى بخليفة خليفة خليفة رسول الله وهكذا مع الخلفاء من بعده، ولذا فإنه اختصر هذه الإطالة واستحسن أن يكون لقبه أمير المؤمنين، حيث كان هذا اللقب تعبيرًا عن التزام بالمسئولية تجاه الرعية والدولة الإسلامية بقدر ما عكس رؤية سياسية ثاقبة تستشرف المستقبل، وتؤسس للقب كل الخلفاء والحكام اللاحقين منذ الخليفة الثالث عثمان والرابع على بن أبى طالب، والذى امتد لكل من ولى الأمر فى الدولتين الأموية والعباسية.
خلافة عُمر بن الخطاب التى دامت عشر سنوات كانت بشهادة كبار الصحابة وعموم المسلمين وبإجماع المؤرخين حقبة فارقة بالغة الأهمية فى التاريخ الإسلامى.. دينيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، إذ شهدت حكمًا وحاكمًا عادلًا بل صار مضربًا للأمثال ونموذجًا للعدل أتعب كل الحكام من بعده، كما شهدت أيضًا أولى أكبر الفتوحات الإسلامية فى الشام والعراق ومصر، حيث اتسعت رقعة الدولة بانتشار الإسلام في تلك البلدان فى فترة زمنية قياسية وزادت معها موارد الدولة فانتعشت اقتصاديًا على النحو الذى تبدى أثره اجتماعيا على أحوال وأوضاع الرعية من المسلمين فى عموم الدولة، وبالتوازى كان توجه عُمر إلى بناء مؤسسات ومنظومات الإدارة الحديثة بمقاييس ذلك الزمان وبما يتناسب مع الدولة التي صارت قوة سياسية كبرى فى محيطها الإقليمى.
<<<
عُمر بن الخطاب أو الفاروق عُمر بحسب وصف النبى صلى الله عليه وسلم كان بإسلامه فارقا بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية فى مكة، بينما كان المسلمون مستضعفين، وقد جاء إسلامه استجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم بأن يعز الله الإسلام بأحد العمرين.. عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام «أبو الحكم»، إذ كان الاثنان من الأقوياء الأخيار حسبًا ونسبًا، ولأن «خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام»، فقد تمنى صلى الله عليه وسلم أن يسلم أحدهما، غير أن دعوته أصابت عمر بن الخطاب ولم تصب عمرو بن هشام الذى ظل على عدائه بل اشتد عداؤه للنبى وللإسلام والمسلمين المستضعفين فى مكة، فأطلق عليه النبى اسم «أبو جهل» وهو الاسم الذى ظل يلاحقه حتى قُتل فى غزوة بدر.
<<<
إسلام عُمر وتحوله من شدة العداء للنبى صلى الله عليه وسلم وللإسلام وللمسلمين حدث فى لحظة إيمانية مفاجئة لم يكن يتوقعها، أو يتوقعها أحد من قريش، لكن الله شرح صدره للإسلام ومس الإيمان شغاف قلبه وهو فى ذروة غلظته وعنفه عندما رأى الدماء تنزف من أخته التى انهال عليها ضربًا بلا شفقة بعد أن علم بإسلامها وزوجها، لما سمعها تتلو سورة طه.. كانت هذه اللحظة الفارقة في حياته فتوجه من توه إلى بيت الأرقم أبى الأرقم حيث يجتمع الرسول مع الصحابة ليعلن أمامه إسلامه ويشهد الشهادتين، فكان لإسلامه دوى هائل فى أرجاء مكة، أذهل المشركين من قريش وأخافهم، إذ صار قوة مضافة إلى الإسلام والمسلمين، وقد كان مشهد هجرته علنًا إلى المدينة «يثرب» تأكيدًا لهذه القوة المضافة للإسلام، حيث خاطب قريشا بعبارته الشهيرة التى تحداهم بها: «من أراد الله تثكله أمه أو ترمَّل زوجته فليتبعنى».
مع هذا التحول الكبير والفارق لعمر.. هذَّب الإسلام غلظته وملأ الإيمان قلبه بشدة وتبدى فى ورعه الذى فاق كثيرًا من السابقين فى الإسلام حتى أحد كبار الصحابة شديدى القرب من النبى صلى الله عليه وسلم فارتقت مكانته حتى بلغ المرتبة الثانية بعد الصديق أبى بكر حسبما اتضح بمبايعته ليكون الخليفة الثانى.
<<<
العدل الممتزج بالشدة التى كانت أداته الصارمة البتارة لإنفاذ العدل بالحق مع الرعية وبين الرعية والذى كان السمة التى اتسم بها أو بالأحرى الذى تميَّز وتميَّزت بها سنوات خلافته العشر، حتى اقترن اسمه به عبر القرون ولايزال، حتى إذا ذكر العدل ذكر عُمر وإذا ذكر عُمر ذكر العدل، لأنه الحاكم العادل الذى لم يسبقه ولم يخلفه من يفوقه أو يساويه في العدل أو يقترب منه في عدله الذى خلد اسمه فى التاريخ بين المسلمين بل فى التاريخ الإنسانى وعلى النحو الذى صنفه الكاتب الأمريكى «مايكل هارت» فى كتابه العالمى «الخالدون مائة أعظمهم محمد» في المرتبة الخمسين من المائة الخالدين!
<<<
عدل عُمر وشدته في تحقيق العدل بالحق سبقها وتلازم معها أنه طبقها على نفسه وأهل بيته قبل أن يطبقها على الرعية، إذ لم يكن الحاكم الذى يتمايز على المحكومين بفعل سلطانه أو يستثنى نفسه وأهله مما يُلزم به المحكومين، فقد فعل ذلك مع زوجته التى اشتهت الحلوى والتى لم تدخل بيت أمير المؤمنين الذى يحكم دولة مترامية الأطراف، فأجابها بقولته الشهيرة «من أين لى ثمن الحلوى فاشتريها»، فلما ادخترت من راتبه من بيت المال والذى يتساوى مع كل فرد من الرعية بعض الدراهم اشترت الحلوى، فما كان منه إلا أن خصم تلك الدراهم من راتبه، حيث اعتبرها زائدة عن حاجتها الضرورية، ثم إنه عُمر أمير المؤمنين الذى سأله أحد المسلمين معترضًا منتقدًا أن حصل لنفسه على ثوبين حتى يكفياه نظرًا لطول قامته، بينما حصل كل فرد على ثوب واحد، فلم يغضب ولكنه أمر ابنه عبدالله أن يفسر سر الثوب الطويل فقال إنه تنازل عن ثوبه لأبيه أمير المؤمنين.
<<<
إنه عُمر الذى عندما علم بتضخم ثروة عمرو بن العاص من شبهة استغلال نفوذه، فأرسل إليه معنفًا «لقد بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجارًا وإنى مُرسل إليك محمد بن مسلمه (أحد الصحابة) فشاطره نصف مالك أى أنه كولى لأمر المسلمين والمؤتمن عليهم صادر نصف ثروة الوالى، واللافت أن مندوب عمر بالغ في مصادرة نصف أموال عمرو إلى درجة أنه أخذ أحد نعليه.
ثم إنه عُمر العادل الذى ينصر الضعيف من القوى المستقوى حسبما فعل أيضًا مع عمرو بن العاص الذى ضرب ابنه مصريا قبطيا لأنه سبقه في سباق للخيل، وقال له كيف تسبق ابن الأكرمين، فاستدعاه عمر وابنه إلى المدينة وأمر المصرى أن يضرب ابن عمرو اقتصاصًا منه وتأديبا لعمرو الذى استقوى ابنه بسلطان أبيه الوالى وقال قولته الخالدة: "اضرب ابن الأكرمين"، ثم خاطب عمرو معنفًا: «متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا».
<<<
إنه أمير المؤمنين العادل المسئول عن الرعية كل الرعية من المحكومين الذى رأى رجلًا يهوديًا طاعنًا فى السن يسأل الناس فأمر له براتب من بيت المال ولام نفسه بشدة عما اعتبره تقصيرًا فى رعاية المحكومين حتى من غير المسلمين فكان سباقًا فى إرساء مبدأ المواطنة فى الدولة.
<<<
إنه عُمر الذى سبق ورعه عدله وعلى النحو الذى جعله يقول: «لو أن دابة تعثرت بأرض العراق فخشيت أن يسألنى الله عنها يوم القيامة لماذا لم تمهد لها الطريق يا عُمر»، إلى هذه الدرجة من الورع والخوف من حساب الله له كحاكم ومسئول حتى عن الدواب كان عُمر شديد اللوم لنفسه خشية أى تقصير غير مقصود في حق المحكومين المؤتمن عليهم.
بهذا الورع وخشية التقصير كان دائم اللوم لنفسه مثلما حدث عندما سمع بكاء طفل رضيع وعلم أن أمه تحاول إجباره على الفطام، لأن أمير المؤمنين لا يعطى راتبا للطفل الرضيع حتى يُفطم، ولذا لام نفسه ووبخها وأمر بالعطاء من بيت المال لكل مولود، وهو أيضًا الذى حمل الطحين إلى أم كانت تُسكت أولادها الجياع وتخدعهم بوضع إناء فارغ فوق النار حتى يناموا، ولام نفسه بشدة وقال لمن أراد أن يحمل عنه الطحين هل ستحمل عنى ذنوبي يوم القيامة، ولم يترك المرأة حتى طهى الطعام وأطعم أطفالها.
إنه أمير المؤمنين عُمر الذى ظل يأكل الزيت فقط طوال عام الرمادة حتى اسودت لحيته، وهو الذى عنف ابنه عندما وجده يأكل الجبن والزيت وخيَّره بالأمر (إما أن تأكل الجبن وحده أو الزيت وحده)، ولأنه الحاكم المسئول والمنوط به تطبيق أحكام الشريعة، قد أوقف تطبيق حد قطع يد السارق فى ذلك العام الذى ضاقت فيه أحوال الناس فى المدينة، وحيث كان ذلك اجتهادًا مشروعًا وشرعيًا ومراعاة لمقتضى الأحوال من جانب حاكم لا يستطيع أحد أن يزايد عليه فى دينه وعدله ونقاء بصيرته الإيمانية.
إنه عُمر بن الخطاب الذى سلمه سراقة بن مالك الذى كان فى جيش فتح فارس وغنم سوار كسرى والذى كان النبى صلى الله عليه وسلم قد بشره به عندما أراد إبلاغ قريش عن مكانه فى الغار فى رحلة الهجرة ولكن جواده أطاح به وأدرك أن النبى ممنوع وفى حراسة الله فاستسلم أو أسلم وعاد ليضلل قريش بعيدًا عن الغار، ولما تعجب عمر من مسلك سراقة وأنه لم يطمع فى السوار قال له الصحابة: «عفت فعفت الرعية يا أمير المؤمنين».
إنه أمير المؤمنين عُمر الذى كان مع كل عدله وورعه وتعففه وشدته على نفسه ومحاسبتها بقسوة.. لا يستبد برأيه ولا يستعلى على المساءلة والرقابة من جانب الرعية، بل كان يرجع عن قراره أو رأيه إذا صوَّبه أحد من المسلمين حتى لو كانت امرأة كالتى راجعته فى مطالبة الناس بعدم المبالغة فى المهور وأحالته إلى ما ورد فى القرآن الكريم «وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوه….» إلى آخر الآية وهو ما يعنى أن الشرع أجاز أن يكون المهر قنطارًا مع ملاحظة أن كلمة قنطار تتحمل أن يكون المهر كبيرًا جدًا، وعندها لم يأنف أن يقول «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
<<<
إنه عمر الذى كان حاكما لدولة مترامية الأطراف وعاش كأقل واحد من المسلمين فلم يشيد قصرًا للحكم وهو الذى قال عنه مندوب كسرى عندما جاء لمقابلة هذا الحاكم الذى يحكم هذه الدولة الواسعة فوجده نائمًا تحت شجرة «حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر».
بعدله وورعه وشدته فى الحق حتى على نفسه ورعايته لرعيته وتفقده الدائم لأحوالهم وعلى ذلك النحو بالغ المشقة الذى يفوق الطاقة البشرية.. دخل عُمر التاريخ الإسلامى والتاريخ الإنسانى ولذا قال له الإمام على بن أبى طالب لقد «أتعبت الخلفاء من بعدك يا أمير المؤمنين».
<<<
ومع ذلك تبقى تلك المفارقة، إذ إن هذا الحاكم العادل مات مقتولًا مغتالًا بطعنة خنجر مسموم طعنه به مجوسى كافر حاقد هو "أبو لؤلؤة" ولكنه قال وهو يصارع الموت طوال ثلاثة أيام «الحمد لله أن قاتلى لم يسجد لله سجدة واحدة يحاجنى بها يوم القيامة».
<<<
سوف تبقي لعمر بن الخطاب مع عدله الخالد وورعه وسنوات خلافته.. مكانته ودرجته الرفيعة في التاريخ الإسلامى وبين المسلمين، فهو أحد الأربعة الكبار من الصحابة الذين تشرفوا بمصاهرة النبى صلى الله عليه وسلم بعد الصديق أبى بكر الذى تزوج النبي ابنته عائشة وعلى بن أبى طالب الذى تزوج ابنة النبي فاطمة وعثمان الذى تزوج ابنتى النبى رقية وأم كلثوم، ثم عُمر الذى تزوج النبى ابنته حفصة..
<<<
ثم إنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أحد العشرة المبشرين بالجنة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأسبوع
منذ 16 دقائق
- الأسبوع
المستشار سامح عبد الحكم ينعى شقيق المستشار عدلي منصور
المستشار سامح عبد الحكم نعى المستشار سامح عبد الحكم رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة وفاة عادل منصور، شقيق المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية السابق ورئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق. وكتب المستشار سامح عبد الحكم عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أتقدم بخالص التعازي وصادق المواساة للمستشار الجليل عدلي منصور - رئيس الجمهورية السابق، ورئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق في وفاة المغفور له - بإذن الله - شقيقه عادل منصور الذي رحل اليوم بعد صراع مع المرض. خالص العزاء للمستشار عدلي منصور وأسرة الفقيد، داعيًا المولى - عز وجل- أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.. وإِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ


الأسبوع
منذ ساعة واحدة
- الأسبوع
بعد دعوة خالد الجندي.. فتوى للدكتور علي جمعة تؤيد كتابة مؤخر الصداق للزوجة ذهبا
الشيخ خالد الجندي ندى أبو الليل دعا الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إلى ضرورة إعادة النظر في قيمة مؤخر الصداق، مشيرًا إلى أهمية توثيقه بما يضمن للمرأة حقوقها، مثل« تحديده بجرامات من الذهب أو ما يعادلها نقدًا»، حفاظًا على كرامتها وأمانها المالي في حال الانفصال. وأوضح الجندي، خلال حلقة الخميس من برنامج «لعلهم يفقهون» المذاع عبر قناة DMC، أن الشريعة الإسلامية أوجبت دفع مؤخر الصداق، إلا أن ما يُمنح حاليًا في بعض الحالات لا يليق بقيمة المرأة ولا يساعدها على العيش الكريم بعد الطلاق. وأضاف: «ليه ما نكتبش المؤخر 20 جرام دهب؟ أو 50 جرام؟ أو نكتب ما يعادلهم بالفلوس؟ بالشكل ده نضمن إن حقها محفوظ وما يقلش مع الوقت». وأكد الجندي أن فقه الجمال يبدأ بتقوى الله في الأقوال والأفعال، قائلاً: «اللي عايز يرضي ربنا، يعمل الحاجة بمواصفات ربنا، مش بمواصفات نفسه وهواه». واستشهد بقول الله تعالى: «فاستقم كما أُمرت»، مؤكدًا أن الاستقامة يجب أن تكون وفق أوامر الله، لا وفق أهواء الناس. وانتقد عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميةما يحدث في بعض حالات الطلاق، حيث تضطر المرأة إلى التنازل عن حقوقها لمجرد الخلاص من علاقة فاشلة، متسائلًا: «يعني واحدة متجوزة بقالها 30 أو 40 سنة، لما تطلق تروح فين؟ تعيش إزاي؟». واقترح الجندي إنشاء وثيقة تأمين للأسرة، تضمن للمرأة حياة كريمة في حال الانفصال، خاصة إن كانت قد كرّست حياتها لخدمة بيتها وزوجها، مؤكدًا أن الشريعة تُقرّ بوجوب الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، ليس فقط في الشكل، بل أيضًا في مضمون التعامل والنية. وفي فتوى سابقةأوضح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن انخفاض قيمة مهر المرأة بمرور الزمن نتيجة التضخم المالي يُعد مسألة حديثة ناقشها الفقهاء سابقًا. وأشار إلى أن ابن عابدين تناول هذه القضية في كتابه «نشر البنود في غلاء ورخص النقود»، مؤكدًا أن الذهب هو المقياس العادل لحساب قيمة المهر عبر الزمن. وفي لقاء تلفزيوني على قناة «سي بي سي»، أوضح الدكتور جمعة أن المهر الذي كانت قيمته 500 جنيه منذ عشرات السنين قد يعادل الآن حوالي 300 ألف جنيه، إذا ما قُدّر بقيمة الذهب الحالية. وأكد أن الذهب يُعد معيارًا ثابتًا لتقييم مؤخر الصداق، مما يضمن حقوق المرأة في ظل تقلبات العملة. وأضاف أن الشريعة الإسلاميةتدعم هذا التوجه، حيث تهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه دون نقصان. وأشار إلى أنه إذا وافقت الزوجة برضاها على استلام مؤخر الصداق بالقيمة المتفق عليها سابقًا، فلا حرج في ذلك. ومع ذلك، يجب توضيح أن قيمة المؤخر تعادل الآن القيمة الشرائية الحالية التي تساوي قيمة المهر وقت عقد القران. وهنا علينا أن نوضح للمرأة في ظل تساؤلات عديدة حول كيفية التعامل مع مؤخر الصداق في ظل التغيرات الاقتصادية، مما يبرز أهمية الرجوع إلى معايير ثابتة مثل «الذهب لضمان العدالة وحفظ الحقوق».


النهار المصرية
منذ ساعة واحدة
- النهار المصرية
نائب رئيس جامعة الأزهر: القيادة السياسية تقدم مصلحة الوطن والمواطن.. والوعي المجتمعي يفرض علينا أن نكون جميعًا خلف قيادتنا
قال الدكتور رمضان عبد الله الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري: "إن الوعي المجتمعي له دور كبير في مواجهة العوائق والتحديات التي يمر بها الوطن، مؤكدًا أن هذا الوعي يشكل حائط صد أمام كثير من المشكلات التي يمكن أن تحدث، مشيرًا إلى أن شريعتنا الغراء علمتنا كيف نعالج المشكلات بوعينا." وأكد «الصاوي» أن الشائعات دائمًا ما تسري بين الناس كسريان النار في الهشيم، خاصة في ظل هذا العالم المنفتح الذي يمتلك وسائل حديثة تنقل الأخبار في حينها، وأن كثيرًا من هذه الأخبار يحيطها التدليس باستخدام أدوات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي وغيرها من الوسائل التي يمكن أن تُزيف الحقائق. وأشار إلى أن الله – سبحانه وتعالى – حذر من الأخبار الكاذبة، فقال في كتابه العزيز: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾، موضحًا أن سبب نزول هذه الآية أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أرسل الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق؛ ليجمع منهم الزكاة، فلم يذهب إليهم ورجع إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال: لقد منعوا الزكاة وأرادوا قتلي، فلو أخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – بكلامه دون تبين لهلك هؤلاء القوم دون وجه حق، ولكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – أراد أن يعلم الأمة التثبت والتحقق، فأرسل إليهم خالد بن الوليد وقال: «اذهب إليهم، فإن وجدت أذانًا فاسألهم»، فوجدهم يؤذنون ويصلون، وأخبروه أنهم لم يَرَوا أحدًا، فنزلت الآية. وأضاف نائب رئيس جامعة الأزهر أن معالجة الأخطاء تحتاج إلى وعي وحكمة، وهو ما علمنا إياه النبي – صلى الله عليه وسلم – حين جاءه شاب وقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا، فهمّ الناس به، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم–: «دعوه، أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟ أترضاه لزوجتك؟ أترضاه لابنتك؟»، فقال: لا، قال: «هكذا الناس لا يرضونه»، ثم دعا له النبي فقام وما شيء أبغض إليه من الزنا. كما أشار إلى أن رجلًا أخطأ في صلاته، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم –: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ»، وكررها ثلاثًا، حتى قال: والله يا رسول الله، ما علمت أكثر من هذا فعلمني، فعلمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم. وأكد أن معالجة الخطأ بوعي أمر ضروري، كما روي عن أبي الدرداء أنه رأى شابًّا اجتمع عليه الناس يضربونه، فقال: ما فعل؟ قالوا: وقع في ذنب كبير، فقال: «أرأيتم لو أنه وقع في بئر، أفلم تكونوا تستخرجونه؟»، قالوا: ألا تبغضه؟ قال: «إنما أبغض فعله، فإذا تركه فهو أخي». وأوضح أن مواجهة الفتن بالحجة والمنطق من أهم أدلة الوعي، واستشهد بحوار عبد الله ابن عباس مع الخوارج، حين قال لهم: ما تنقمون على علي أمير المؤمنين؟ قالوا ثلاثًا: حكم الرجال في كتاب الله، وقاتل ولم يسب، ونفى عن نفسه لقب أمير المؤمنين، فقال: «أرأيتم لو جئتكم من كتاب الله وسنة رسوله ما تنكرون، أكنتم ترجعون معي؟»، قالوا: نعم، فأتاهم، فرجعوا. وأكد أن الوعي الرشيد والحكيم يساعد على حل جميع المشكلات، مشيرًا إلى واقعة المتخاصمين الذين جاءوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلٌّ بحجته، فقال: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن حكمت له بما ليس حقه فإنما أقطع له قطعة من النار». وشدد «الصاوي» على أهمية الوعي عند مخاطبة العقول بالحجة والدليل والبرهان، موضحًا أن استخدام الدليل الناصع من أهم الوسائل لإقناع الآخرين بصحة الموقف وصدقه، مستدلا بما قالته نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – حين قلن: إن نساء كسرى وقيصر يرفلن في النعيم ونحن نعاني، فأنزل الله قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلًا﴾. وأكد أن حاجة الفرد غالبًا ما تنبع من نظرة فردية قاصرة، لا تُدرك حجم المصلحة العامة التي تخص الوطن وجموع المواطنين، والتي يحرص عليها أناس يعلون شأن الوطن فوق كل اعتبار. وأشار إلى أن هذا هو دأب القيادة السياسية الآن، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحكومته الرشيدة التي تقدم مصلحة الوطن والمواطن، وتُقدّر تاريخ دولة سبقت حضارتها التاريخ، وقدمت له الحضارة ليتعلم منها سائر الأمم. وأشاد الدكتور رمضان الصاوي بمواقف القيادة السياسية وثوابتها التي لا محيد عنها؛ لأنها تعبر عن أمة علمت العالم كيف يكون بناء الدول الحديثة، والحكومات المنظمة، والجيوش المتقدمة، مؤكدًا أن الوعي المجتمعي يفرض علينا أن نكون جميعًا خلف قيادتنا الرشيدة في ما تراه من قرارات ومواقف لصالح الوطن والمواطنين. جاء ذلك خلال الندوة التوعوية التي نظمتها كلية الشريعة والقانون بطنطا، بالتعاون مع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف، أمس، تحت عنوان: «الوعي المجتمعي ودوره في مواجهة التحديات المعاصرة»، بحضور الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور عباس شومان، رئيس المنظمة وأمين هيئة كبار العلماء، والدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، والدكتور محمد فكري خضر، نائب رئيس الجامعة لفرع البنات، والدكتور حمدي سعد، عميد الكلية، والدكتور سيف قزامل، العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بطنطا، إلى جانب كوكبة من علماء الأزهر الشريف جامعًا وجامعةً، وعدد من القيادات السياسية والتنفيذية والإعلاميين بمحافظة الغربية.