
نموذج جروك الآن يرى ويسمع
وسط الزخم المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، تبرز ميزة 'وضع الصوت' بوصفها التجسيد الأقرب لمستقبل وعدت به أفلام الخيال العلمي، مثل فيلم Her الصادر عام 2013.
الفكرة ليست جديدة؛ فهناك بالفعل روبوتات تتحدث بصوت طبيعي، يشبه البشر، وتتفاعل في الزمن الحقيقي. لكن الجديد اليوم يتمثل في دمج هذه التجربة الصوتية مع قدرات 'رؤية' تتيح للروبوتات رؤية ما يراه المستخدم، والتفاعل بناءً على ذلك.
أحدث المنضمين إلى هذا الاتجاه هو روبوت الدردشة Grok، الذي طورته شركة xAI بقيادة إيلون ماسك. إذ أعلن المطور إيبي أمير عن إطلاق ميزة Grok Vision عبر منصة X، والتي تمكّن الروبوت من استخدام الكاميرا إلى جانب الميكروفون، لتحليل محيط المستخدم والتفاعل معه بصريًا وصوتيًا في الوقت الفعلي.
الميزات لا تتوقف عند هذا الحد، إذ يدعم Grok Vision أيضًا الصوت متعدد اللغات والبحث المباشر عبر الإنترنت، وإن كانت هذه الخصائص حصرية لمشتركي SuperGrok فقط الآن، وفق موقع Life Hacker.
الخيال بات واقعًا
للوصول إلى الميزة، يُطلب من المستخدم منح التطبيق صلاحية الوصول إلى الميكروفون والكاميرا. وبمجرد تفعيل الكاميرا، يصبح بإمكان Grok التفاعل مع الصور الحية من محيط المستخدم.
اللافت أن النموذج أبدى مرونة في التفاعل مع سيناريوهات 'ساخرة'، مثل تقديم فيديو مظلم عمدًا، حيث حاول Grok اقتراح حلول تقنية ثم تفاعل بـ'ردود فكاهية' عندما أُخبر أن الجهاز في الفضاء الخارجي.
ورغم أن ميزة 'الرؤية' تُعد مثيرة من الناحية التقنية، إلا أن التفاعل الصوتي نفسه لا يزال يفتقر – بحسب بعض التجارب – إلى الإقناع التام، إذ تظل النبرة الروبوتية واضحة بما يكفي لتمييز الذكاء الاصطناعي عن الإنسان.
ومع ذلك، فإن الإقبال المتزايد على هذا النوع من التقنيات، وصولًا إلى نشوء 'علاقات شخصية' مع الروبوتات، يعكس مدى تطور الذكاء الاصطناعي من أداة معرفية إلى رفيق افتراضي.
الذاكرة والاستمرارية
تأتي ميزة 'الرؤية' كجزء من سلسلة تحديثات مستمرة لـGrok، من بينها إطلاق ميزة الذاكرة التي تتيح للروبوت تذكّر المحادثات السابقة وتحسين جودة التفاعل في المستقبل. ,هذه الخاصية تعزز من قدرة الروبوتات على محاكاة التواصل البشري المستمر، وهو ما يُعد نقلة نوعية في مجال المحادثات الذكية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سويفت نيوز
منذ 9 ساعات
- سويفت نيوز
مشكلات بمنصة 'إكس' بعد انقطاع الخدمة يوم الخميس
كاليفورنيا – سويفت نيوز: يواجه العديد من مستخدمي منصة 'إكس' مشكلات في الوظائف الأساسية لمنصة التواصل الاجتماعي منذ انقطاع خدمتها يوم الخميس. واشتكى مستخدمون من أن بعض الرسائل لا يتم تحميلها، وصفحاتهم الرئيسية لا تُحدّث، وبعض المنشورات لا تظهر إلا بعد تحديث صفحة الويب. وبدأت المشكلة بعد ظهر يوم الخميس، ففي حوالي الساعة الساعة 2:12 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (9:12 مساء بتوقيت الرياض)، أبلغ آلاف المستخدمين عن مشكلات في استخدم منصة إكس تتراوح بين عدم القدرة على تسجيل الدخول واختفاء الرسائل المباشرة، بحسب تقرير لموقع 'TechCrunch' المتخصص في أخبار التكنولوجيا. وأقرّ الحساب الرسمي للقسم الهندسي لمنصة إكس بتدهور الخدمة في منشور يوم الخميس، قائلًا إنه مرتبط بانقطاع في مركز البيانات. وكانت هناك تقارير عن اندلاع حريق يوم الخميس في مركز بيانات تستأجره 'إكس' بالقرب من بورتلاند في ولاية أوريغون الأميركية. لكن ليس من الواضح ما إذا كان ذلك مرتبطًا بانقطاعات خدمة المنصة المستمرة. وكان آخر انقطاع كبير في خدمة منصة إكس في مارس، عندما انقطع اتصال المستخدمين حول العالم فجأةً بشبكة التواصل الاجتماعي، وواجهوا صعوبةً في الوصول إلى حساباتهم وإرسال الرسائل والتفاعل مع المحتوى، وأرجع إيلون ماسك التابعة له 'إكس'، دون دليل، هذا الانقطاع إلى هجوم إلكتروني. ومؤخرًا في مايو الجاري، توقف تحديث الصفحات الرئيسة لدى العديد من مستخدمين 'إكس' لفترة وجيزة، وسبق هذا الأمر عطل آخر في أبريل. مقالات ذات صلة


Independent عربية
منذ 12 ساعات
- Independent عربية
مفارقات عالم محوره التكنولوجيا
في فبراير (شباط) 2022، ومع تقدم القوات الروسية نحو كييف، واجهت الحكومة الأوكرانية نقطة ضعف حرجة، حيث كانت شبكات الإنترنت والاتصالات تتعرض للهجوم وكان من المتوقع أن يُعزل الجنود والقادة عن الاتصال قريباً، وحينئذ تقدم نحوهم إيلون ماسك، الرئيس الفعلي لشركات "تيسلا" و"سبايس إكس" و"إكس"، و"إكس إيه آي" XAI، و"بورينغ كومباني" Boring Company [المتخصصة بالإنشاءات] و"نيورالينك" Neuralink [تعمل في ربط الجهاز العصبي بالأدوات الذكية]. وخلال أيام نشرت "سبايس إكس" في أوكرانيا آلاف أجهزة ربط الاتصالات المخصصة لشبكة "ستارلينك" Starlink؛ وشغلت خدمات الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية من دون مقابل. واُمتدح ماسك كبطل استطاع إبقاء ذلك البلد على اتصال مع خطوط الإنترنت، لكن هذا التدخل الشخصي من الملياردير واعتماد كييف عليه لم يكن بلا تبعات، فبعد أشهر طلبت أوكرانيا من "سبايس إكس" توسيع تغطيتها كي تشمل شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا لتنفيذ هجوم بالطائرات المسيرة بحرية ضد أهداف بحرية روسية، غير أن ماسك رفض ذلك متذرعاً بأن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد كبير في الحرب، وحتى مناشدات الـ "بنتاغون" باسم أوكرانيا لم تنجح في تغيير موقفه، وهكذا فإن مواطناً غير منتخب ولا يخضع لأية مساءلة تمكن منفرداً من إحباط عملية عسكرية في منطقة حرب نشطة، كاشفاً في الوقت نفسه عن مدى محدودية سيطرة الحكومات على قرارات مصيرية تؤثر في أمن شعوبها ودولها. لقد قدم ذلك مثالاً حياً عن عالم باتت "التكنولوجيا قطبه الفعلي"، فالقيادي التكنولوجي لم يقتصر دوره هنا على التأثير في أسواق الأسهم بل يسيطر أيضاً على جوانب من المجتمع المدني والسياسة والشؤون الدولية، وهي مجالات كانت تقليدياً حكراً على الدول، وخلال العقد الماضي أدى صعود مثل هؤلاء الأفراد والشركات التي يتحكمون بها إلى تغيير النظام العالمي الذي ظل طوال ما يقارب 400 عام منذ "صلح وستفاليا" يُبنى على الدول بوصفها اللبنات الأساس للجغرافيا السياسية، وقد وصفت بنية هذا النظام، في معظم تلك المدة، بأنها أحادية القطب أو ثنائية أو متعددة الأقطاب تبعاً لتوزيع القوة بين الدول، غير أن العالم دخل منذ ذلك الحين ما يمكن تسميته بـ "اللحظة التكنولوجية القطبية"، وهو مصطلح استخدمته في مجلة "فورين أفيرز" عام 2021 لوصف نظام ناشئ "تنافس فيه حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى الدول من حيث التأثير الجيوسياسي"، فقد أصبحت هذه الشركات جهات فاعلة قوية على الساحة الجيوسياسية، تمارس شكلاً من أشكال السيادة في الفضاء الرقمي، وفي العالم المادي على نحو متزايد، مما يجعلها نداً محتملاً للدول. في عام 2021 بدا أن نفوذ تلك الشركات يتجه نحو مزيد من التوسع، وقد ازداد بالفعل خلال الأعوام الثلاث الماضية، وكان رأيي آنذاك بأن الحكومات لن تتخلى عن مواقعها من دون مقاومة، ومنذ ذلك الحين احتدم الصراع من أجل السيطرة على الفضاء الرقمي، لكن ميزان القوى بين شركات التكنولوجيا والدول شهد تغيرات مفاجئة، وما يتبلور الآن نتيجة لهذا الصراع لا يشبه أياً من السيناريوهات التي توقعتها في البداية، فهو ليس نظاماً رقمياً معولماً تنتزع فيه شركات التكنولوجيا السيطرة من الدولة، ولا حرباً باردة رقمية بين الولايات المتحدة والصين تعيد فيها الحكومات بسط سلطتها على الفضاء الرقمي، ولا عالماً تكنولوجياً قطبياً بالكامل تنهار فيه هيمنة الدول على يد شركات التكنولوجيا. وإذ لم يتحقق انتصار حاسم للدول على الشركات أو العكس، يتجه المستقبل نحو شكل هجين أكثر تعقيداً، نظام مزدوج تتقابل فيه الولايات المتحدة ذات القطب التكنولوجي، حيث يزداد تأثير الشركات التكنولوجية الخاصة في رسم السياسات الوطنية، مع الصين ذات النزعة الدولتية، حيث فرضت الحكومة سيطرة كاملة على فضائها الرقمي، أما معظم دول العالم الأخرى فستتعرض لضغوط تدفعها إلى الانحياز على مضض لأحد القطبين، لكن مع افتقار النموذجين إلى المساءلة الديمقراطية وضمان الحريات الفردية، تبدو المفاضلة أقل وضوحاً مما قد يبدو عليه الأمر، وبينما تندمج السلطة التكنولوجية مع سلطة الدولة في كل مكان، لم يعد السؤال ما إذا كانت شركات التكنولوجيا ستنافس الدول على النفوذ الجيوسياسي، بل ما إذا كانت المجتمعات المنفتحة قادرة على الصمود أمام هذا التحدي. ترسيخ القطبية التكنولوجية في أواخر عام 2021 كانت صناعة التكنولوجيا في أوج صعودها، فالشركات التي تسيطر على المنصات التكنولوجية الكبرى بلغت ذروة نفوذها، وتعهد مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ بإنشاء "ميتافيرس" متكامل يتيح عالماً موازياً غامراً بالكامل وخالياً من القيود التي تفرضها الحكومات أو العالم الواقعي، وفي الوقت نفسه بدأت العملات المشفرة مثل "بيتكوين" و"إيثيريوم" في الانتشار واعدة ببديل لا مركزي فعال لسلطة الحكومات على الأنظمة المالية وأنظمة الدفع، وقد دفع تفشي جائحة كورونا الناس إلى قضاء وقت أطول على الإنترنت أكثر من أي وقت مضى مما كرس تأثير التكنولوجيا، إذ أصبحت المنصات الرقمية أساساً للعمل والتعليم والترفيه والتواصل الإنساني. وشهدت الفترة نفسها تسارعاً في ترسيخ الاعتماد على الأدوات الرقمية، وجعلت من شركات التكنولوجيا محوراً لا غنى عنه في الحياة الخاصة والاجتماعية والاقتصادية والمدنية، ومع تنامي حاجة العالم إلى الاتصال الرقمي باتت القرارات التي تتخذ داخل مجالس إدارات تلك الشركات، من إطلاق المنتجات إلى آليات عمل الخوارزميات وصولاً إلى قواعد النشر والرقابة، هي التي تحدد ما يراه ويسمعه مليارات البشر، وتؤثر في مساراتهم المهنية والاجتماعية، بل وتعيد تشكيل أنماط تفكيرهم. غير أن شركات التكنولوجيا الكبرى لم تكتف بتوسيع نفوذها داخل حدود العالم الافتراضي بل امتدت سيطرتها إلى الواقع المادي، إذ تحولت منتجاتها وخدماتها إلى بنى تحتية أساس لا غنى عنها، فمراكز البيانات والحوسبة السحابية والأقمار الاصطناعية وأشباه الموصلات وأدوات الأمن السيبراني أصبحت العمود الفقري لاقتصادات الدول وجيوشها وحكوماتها، وقد تجلت هذه التحولات بوضوح منذ اللحظات الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، فلولا تدخل شركات أميركية مثل "سبايس إكس" و"مايكروسوفت" و"بالانتير" بتمكين الاتصالات والتصدي للهجمات الإلكترونية وتحليل المعلومات الاستخباراتية وتشغيل الطائرات المسيرة، لكانت روسيا قادرة على فصل أوكرانيا عن العالم وشل بنيتها القيادية، وربما السيطرة على العاصمة خلال أيام، ولو حدث ذلك فلربما خسرت أوكرانيا الحرب منذ أسبوعها الأول. لم يعد الطموح التكنولوجي مقتصراً على تجاوز الدولة بل بات يسعى اليوم إلى السيطرة عليها غير أن الحكومات سرعان ما أدركت هشاشة الوضع، فقد كشفت حادثة "ستارلينك" في القرم، كما أظهرت أزمة سلاسل التوريد خلال الجائحة، مدى خطورة الاعتماد على عدد محدود من الشركات العملاقة في توفير خدمات وإمدادات حيوية، فقرار فردي من مدير تنفيذي واحد، أو خلل في نقطة مفصلية، قد يفضي إلى نتائج كارثية، ولمواجهة هذا الواقع شنت الدول هجوماً مضاداً، ففي عام 2022 أُطلقت موجة من التشريعات والإجراءات التنظيمية استهدفت شركات التكنولوجيا الكبرى وتناولت قضايا مثل الهيمنة السوقية وضبط المحتوى وحماية الخصوصية وحقوق المستخدمين، وأقر الاتحاد الأوروبي قانوني الخدمات الرقمية والأسواق الرقمية، وهما من أكثر المبادرات طموحاً للحد من تغول شركات التكنولوجيا، أما الولايات المتحدة فشهدت دعاوى بارزة لمكافحة الاحتكار وتشريعات على مستوى الولايات وتحقيقات رقابية من الكونغرس، كما لحقت بها دول مثل الهند وجنوب أفريقيا، فيما صعدت المملكة المتحدة والبرازيل ودول أخرى إجراءاتها الرقابية ضد المنصات الكبرى، ومع ذلك بقيت هذه الجهود محدودة الأثر، إذ ظلت السيطرة الحقيقية على الفضاء الرقمي في يد الشركات لا الحكومات، فهي التي تضع القواعد وتنفذها وتتحكم بمسار العملية. وفي أواخر عام 2022 تعمق نفوذ شركات التكنولوجيا أكثر مع إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية الضخمة وما تبع ذلك من طفرة واسعة في هذا المجال الحيوي، وكانت هذه القفزة التكنولوجية كفيلة بتكريس تفوق القطاع الخاص على الدول، إذ يتطلب تطوير وتشغيل هذه الأنظمة موارد هائلة من الطاقة الحاسوبية وكميات ضخمة من البيانات وخبرات هندسية متخصصة، وهي موارد متركزة لدى عدد محدود جداً من الشركات، ووحدها هذه الجهات تعرف حدود إمكانات نماذجها وتتحكم في كيفية استخدامها وأين؟ ولصالح من؟ وحتى لو وُضعت أنظمة حوكمة مناسبة لضبط ما هو قائم من تكنولوجيا فإن وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي المتسارعة كفيلة بتجاوز تلك الأطر بسرعة فائقة. ومع تزايد قوة الذكاء الاصطناعي وإمساكه بدور أكثر محورية بالنسبة إلى الاقتصاد والجيش والتنافس الجيوسياسي، ستتنامى سيطرة الشركات التكنولوجية الكبرى لتصبح أقوى الفاعلين على المسرح الدولي. انتقام الدولة الوطنية في مقابل توسع نفوذ الشركات عادت الجغرافيا السياسية التقليدية للواجهة بقوة، فقد تضافرت عوامل عدة ومنها تصاعد النزعة الحمائية بدفع من رد الفعل الشعبوي ضد العولمة، والدفع بعد الجائحة لتحقيق أمن اقتصادي، والصدمة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، وقبل كل شيء تصاعد التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين لتقوض وهم وجود منظومة تكنولوجية عالمية متكاملة. وفي واشنطن بدأت محاولات كبح جماح التطور التكنولوجي الصيني من خلال فرض قيود دقيقة وموجهة على الصادرات والاستثمارات في عدد محدود من التقنيات المتقدمة الحساسة إستراتيجياً، فيما سمته إدارة بايدن "فناء صغيراً بسياج عال"، غير أن هذه الحملة توسعت سريعاً لتشمل طيفاً متسعاً من القيود على عدد هائل من السلع ذات الاستخدام المزدوج، وحتى البيانات اليومية البسيطة باتت تُعد مسألة أمن قومي، شأنها شأن التطبيقات والأجهزة التي تولدها، ومنصات التواصل الاجتماعي والسيارات الكهربائية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية كلها جُرت إلى دوامة ما يُعرف بـ "خفض الأخطار"، مع سعي صانعي السياسات الأميركيين إلى الحد من وصول الصين إلى أي تكنولوجيا قد تمنحها تفوقاً في المنافسة التقنية، وهكذا اندمجت المصالح الاقتصادية والأمنية، وأصبح التشظي التكنولوجي، إن لم يكن فك الارتباط الكامل مع الصين، هو الوضع الطبيعي الجديد. وفي الوقت ذاته عاد دور الدولة الصناعية للواجهة، إذ ضخت الحكومات الغربية مليارات الدولارات في برامج دعم لبناء قدرات إستراتيجية محلية، لكن هذه الحوافز كانت مشروطة "ابن في الداخل وتخل عن الصين وإلا فستخسر الدعم الأميركي"، ومع فرض واشنطن قيوداً على أشباه الموصلات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتشديد بكين قبضتها على المعادن الحيوية، بدأت سلاسل الإمداد في الانقسام وتباطأت حركة البيانات عبر الحدود. وقد قوض هذا التراجع في العولمة الرقمية والمادية نموذج الأعمال العالمي الذي تبنته شركات مثل "أبل" و"تيسلا" والذي كان يقوم على الأسواق المفتوحة وسلاسل الإمداد المتكاملة لتعظيم الأرباح العالمية، وحتى قبل عودة ترمب للسلطة كانت كثير من هذه الشركات قد بدأت بالفعل بنقل بعض عملياتها إلى دول مثل الهند والمكسيك وفيتنام، فيما عُرف بـ "التوطين في دول صديقة" تحسباً للأخطار الجيوسياسية المتزايدة، إلا أن إعلان ترمب في الشهر الماضي عن رسوم جمركية ضخمة تطاول الحلفاء والخصوم على حد سواء، شكّل ضربة قوية لنموذج العولمة، ومؤشراً إلى انسحاب واشنطن من هذا النموذج العالمي، وفي المقابل وجدت ما يعرف بـ "الشركات الوطنية الرائدة" مثل "مايكروسوفت" و"بالانتير"، نفسها في لحظة ذهبية جديدة قادرة على استثمار تحالفها الطويل الأمد مع الحكومة الأميركية لتحقيق مكاسب في بيئة ما بعد العولمة. أما تحول واشنطن نحو دور الدولة التدخلي، فعلى رغم أنه كان مفاجئاً نسبياً، فإنه لا يزال أقل شمولاً بكثير مما فعلته بكين، فمنذ عام 2020 حين شن الحزب الشيوعي الصيني حملة قمع على مؤسس شركة "علي بابا" جاك ما الذي اعتبره المسؤولون قد أصبح مفرط النفوذ والاستقلال، أعادت بكين إحكام سيطرتها الكاملة على قطاع التكنولوجيا، واليوم تخضع كبرى الشركات الصينية، بصرف النظر عن ملكيتها الرسمية، لإرادة الرئيس شي جينبينغ، وقد حُسم الجواب في شأن من يملك السيطرة على مستقبل الصين الرقمي، إنها الدولة دون منازع. من الليبرالية إلى الدولة المتغولة في الغرب يستمر الصراع حول الإجابة على السؤال الوارد آنفاً، ويتزايد تعقيد الأمر مع عدم الوضوح في شأن من يمسك بالدولة الذي يضاف إلى عدم يقين مماثل حول السيطرة على المستقبل الرقمي. كان بعض من رواد وادي السيليكون مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وبيتر ثيل ومارك أندريسن، يرون في التكنولوجيا فرصة تتجاوز حدود الأعمال التجارية لتكون قوة ثورية قادرة على تحرير المجتمع من قيود الحكومة، وجعل الدولة نفسها مفهوماً بالياً، وقد وصفت هؤلاء في عام 2021 بأنهم "طوباويون تقنيون" يشككون في السياسة وينظرون إلى مستقبل يستبدل فيه النموذج القومي الذي هيمن على الجغرافيا السياسية منذ القرن الـ 17 بشيء مختلف تماماً. لكن خلال الأعوام الأخيرة تبنى بعض هؤلاء توجهاً تقنياً استبدادياً، فبعد أن كانوا يسعون إلى تجاوز الدولة باتوا اليوم يسعون إلى الاستيلاء عليها مستخدمين السلطة العامة لتحقيق طموحاتهم الخاصة، وقد جاء هذا التحول جزئياً بدوافع مصلحية سعياً وراء تنظيمات مواتية وخفوض ضريبية وعقود حكومية على غرار ما يحاول الأثرياء الأميركيون من أصحاب المصالح الخاصة فعله في الغالب، وفي المقابل تعبر تلك الانعطافة عن التبدل في ميزان القوة التكنولوجية وتعاظم الرهانات عليها خلال حقبة تتسم بالتنازع على الجغرافيا السياسية. وعلى عكس المنصات الرقمية الأولى التي ازدهرت في ظل الحد الأدنى من التدخل الحكومي، تتطلب معظم تقنيات اليوم المتقدمة، مثل الفضاء والذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية والطاقة والحوسبة الكمية، دعماً حكومياً مباشراً أو ضمنياً لتوسيع نطاقها، ومع تحول هذه المجالات إلى ساحات محورية في المنافسة الأميركية - الصينية، وتزايد هيمنة الأمن القومي على المجال الرقمي نفسه، لم يعد الاصطفاف إضافة إلى واشنطن أمراً مزعجاً بل أصبح ضرورة إستراتيجية، وهكذا تراجعت جاذبية الرؤية الطوباوية في مقابل تصاعد نموذج "البطل الوطني"، وارتفعت الحوافز للسيطرة على الدولة مع ازدياد الغنائم الناتجة منها. وبالنسبة إلى بعض أولئك الطوبايين لم تكن السيطرة على الدولة خياراً براغماتياً فقط بل أيديولوجياً أيضاً، فقد اعتنق عدد من الشخصيات البارزة في قطاع التكنولوجيا، وعلى رأسهم ماسك وثيل، رؤية مناهضة للديمقراطية، فهم يرون أن نظام الحكم الأميركي، بل الحكم الجمهوري عموماً، منهار تماماً، ويعتبرون التعددية وفصل السلطات والخدمة المدنية المحترفة عوائق لا مزايا، ويطمح هؤلاء لأن تدار الحكومة الأميركية كما تدار الشركات الناشئة على يد "رئيس تنفيذي وطني" غير منتخب يتمتع بصلاحيات مركزة باسم التقدم التكنولوجي، ومن وجهة نظرهم ينبغي أن تنتقل السيطرة على الدولة، وعلى المستقبل، إلى نخب تكنولوجية نصبت نفسها وقادرة على قيادة البلاد في عصر التغير المتسارع، وقد صرح ثيل منذ عام 2009 بأنه لم يعد يؤمن بأن "الحرية والديمقراطية يمكن أن يتعايشا"، فيما دعا ماسك عام 2023 إلى "سولا حديث"، في إشارة إلى الديكتاتور الروماني الذي شهد عهده تهاوي النظام الجمهوري. وعلى رغم احتمال أنه كان يمزح آنذاك، فقد أمضى ماسك فعلياً الأشهر الأربعة الماضية محاولاً السيطرة على مفاصل الحكومة الأميركية، لكن ما حدث لم يكن استيلاءً عدائياً، كما وصفه بعضهم، بل أشبه بصفقة كبرى مولها بنفسه للحصول على النفوذ، فقد أنفق ماسك ما يقارب 300 مليون دولار لدعم ترمب وحصول الجمهوريين على الغالبية في الكونغرس خلال انتخابات عام 2024، وهذا المبلغ دون احتساب كُلف تحويل منصة "إكس" إلى أداة دعائية مؤيدة لترمب، وفي المقابل كافأه الرئيس الأميركي الأكثر براغماتية في التاريخ الحديث بمنحه نفوذاً غير مسبوق داخل أقوى دولة في العالم، فقد كان ترمب منذ البداية ميالاً إلى خدمة رجال الأعمال الذين تجمعه بهم مصالح شخصية، لكن في ولايته الثانية لم يقتصر تمكين أباطرة التكنولوجيا على التأثير في السياسات بل جرى منحهم صلاحية تعيين (أو إقالة) من يضعون التشريعات لهم، وكتابة (أو محو) القوانين التي تحكمهم، فمنذ أن تولى ماسك رئاسة ما يسمى بـ "وزارة كفاءة الحكومة" DOGE، ومُنح إمكان الولوج الكامل إلى أنظمة الإدارة الفيدرالية، أقال عشرات آلاف الموظفين الحكوميين وعيّن أنصاره في عشرات الإدارات، وقلص الإنفاق الذي أقره الكونغرس وحصل على كميات هائلة من البيانات السرية المتعلقة بملايين الأميركيين. وقد واصل ماسك وعدد من شركائه من كبار التقنيين الذين تولوا مناصب حكومية الاحتفاظ بوظائفهم في شركاتهم الخاصة على رغم تضارب المصالح، وهؤلاء اليوم يتحكمون في شؤون التوظيف والسياسات العامة على مستوى الحكومة، ويؤثرون في صياغة القوانين وتنفيذها والمشتريات والضرائب والدعم بما يخدم مصالح شركاتهم ويضر بمنافسيهم في الوقت نفسه، وقدّر تقرير صدر أخيراً عن مجلس الشيوخ أن الأرباح التي حققها ماسك من هذا الوضع بلغت نحو 2.37 مليار دولار، من دون احتساب العقود المحتملة مع القطاع العام والمزايا التنافسية التي حصل عليها بفضل هذا النفوذ. تحالف اليمين التكنولوجي مع ترمب تعلق دوماً بالصفقات والتبادلات التجارية وليس بالأيديولوجيا وبالفعل تتحدث تقارير متزايدة عن أن "وزارة الكفاءة الحكومية" تجمع كميات هائلة من البيانات الحكومية الحساسة وتدمجها في قاعدة واحدة، ومنها بيانات الضرائب وقواعد الهجرة وسجلات الضمان الاجتماعي والمعلومات الصحية وغيرها، بهدف معلن وهو كشف مظاهر "الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام" في الإنفاق الفيدرالي، والعمل على تحسين الكفاءة الحكومية، بخاصة مع دمج هذه البيانات بأدوات الذكاء الاصطناعي، لكن مع غياب أي حدود قانونية تفصل بين دور ماسك في الحكومة ومصالحه الخاصة فلا يمكن معرفة ما إذا كان قد بدأ فعلاً باستخدام هذه البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التابعة لشركته "إكس إيه آي"، وإذا كان الأمر كذلك فلا أحد يعلم إن كانت النتائج ستستخدم لخدمة المصلحة العامة أم لخدمة مصالحه هو. وقد تنتج هذه القاعدة الموحدة من البيانات مكاسب كبيرة في الإنتاجية للاقتصاد الأميركي، مما قد يدفع دولاً أخرى إلى محاولة تقليد التجربة، لكنها قد تمنح ماسك أيضاً تفوقاً حاسماً في السباق نحو بناء أنظمة ذكاء اصطناعي خارقة لا يمكن لأي منافس مجاراتها، وتفتح الباب أمام أشكال جديدة من تتبع سلوك المستهلكين واستهدافهم، وتمنحه سيطرة أكبر على الأسواق والمنصات الرقمية. لكن الآثار المحتملة تتجاوز مجرد تحقيق مكاسب شخصية، فالبنية الرقمية نفسها، التي يمكن أن تحقق فوائد اقتصادية، قد تتحول إلى أداة للسيطرة السياسية، وبحسب بلاغات مسربة فإن "وزارة الكفاءة الحكومية" تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد المشاعر المعادية لماسك وترمب بين موظفي الدولة، فيما استقال عدد من مسؤولي مصلحة الضرائب الأميركية احتجاجاً على خطط إدارة ترمب لاستخدام بيانات الضرائب في تعقب المهاجرين، والخطر هنا ليس نسخة أميركية من نظام المراقبة الصيني الذي يهدف إلى حماية سلطة الحزب، بل شيء أكثر انتشاراً وهو شبكة مراقبة لا مركزية تستند إلى قوة الخوارزميات تسخّر سلطة دولة مسيطر عليها، لكنها موجهة بحسب منطق السوق وتخدم المصالح التجارية والسياسية لأصحاب شركات التكنولوجيا الكبرى. وللتوضيح فإن هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على واشنطن قد لا تدوم، فقد صرح ماسك أن مشروع "وزارة الكفاءة الحكومية" موقت، وقد ألمح إلى رغبته في الانسحاب من الحكومة، بخاصة مع تراجع شعبيته وتصاعد غضب المستهلكين من شركاته، كما هاجم عدد من الشخصيات البارزة في الجناح الشعبوي لتحالف ترمب، مثل ستيف بانون، ماسك ومن على شاكلته، ووصفوهم بأنهم "أمراء إقطاع رقمي" يسعون إلى تحويل الأميركيين إلى "أرقاء في العصر الرقمي"، فالتحالف بين اليمين التكنولوجي وترمب كان دائماً تحالف مصالح لا تحالف أفكار، وقد جاءت سياسات الإدارة حتى الآن في مجالات التجارة والهجرة وتمويل العلوم متعارضة في كثير من الأحيان مع عقلية التسريع التي يتبناها هؤلاء التكنولوجيون، وقد تتفكك هذه الشراكة قريباً. لكن السيطرة في الوقت الحالي حقيقية، فقد انقلب النموذج الذي كانت الدولة فيه توجه شركات التكنولوجيا لخدمة الصالح العام، وأصبحت السياسات اليوم تخضع لأهداف أصحاب التكنولوجيا الخاصة، وحتى لو لم تستمر هذه الحال طويلاً فإن آثارها ستبقى، فقد أضعفت "وزارة الكفاءة الحكومية" في غضون أشهر قليلة قدرة الدولة الأميركية على أداء وظائفها الأساس إلى درجة أن شركات التكنولوجيا الخاصة قد تصبح ضرورية لسد هذا الفراغ لاحقاً. المستقبل الهجين في عام 2021 طرحتُ ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبلنا الرقمي، وهي "هل سنعيش في عالم تتزايد فيه الانقسامات الرقمية وتخضع فيه شركات التكنولوجيا لأهداف الدول التي تنشط فيها؟ أم ستنجح هذه الشركات الكبرى في انتزاع السيطرة على الفضاء الرقمي من الحكومات، متحررة من الحدود الوطنية لتصبح قوة عالمية مستقلة؟ أم أن عصر هيمنة الدول سيتلاشى لمصلحة نخبة تكنولوجية تتولى توفير الخدمات العامة التي كانت تقدمها الحكومات؟" واليوم يبدو أن العالم الرقمي يتجه نحو مستقبل هجين بصورة كبيرة مع عالم منقسم إلى مجالين رقميين متوازيين، يقود أحد هذين القطبين الولايات المتحدة التي باتت ملامح هيمنتها التكنولوجية أوضح من أي وقت مضى، حيث تسيطر مجموعة محدودة من الشركات وقادتها على الفضاء الرقمي، وتشرف على البنى التحتية الحيوية وتؤثر مباشرة في سياسات البلاد الداخلية والخارجية. لقد أصبح في وسع هذه الشركات ومن يديرونها أن يوجهوا بيئة المعلومات العالمية ويزعزعوا استقرار حكومات أجنبية ويؤثروا في النتائج السياسية على مستوى العالم، وما يزيد خطورة هذا النفوذ هو أن هؤلاء الفاعلين يحظون بدعم أميركي، سواء بصورة ضمنية أو معلنة، وقد أصبحت الحكومات الأجنبية أكثر تردداً في مواجهة شركات التكنولوجيا الأميركية، ليس فقط بسبب قوتها الرقمية والاقتصادية، بل أيضاً لأن أي تحرك ضدها قد يؤدي إلى رد فعل رسمي من واشنطن. وهكذا باتت مكونات كبرى من قطاع التكنولوجيا، المدعومة سياسياً، تتمتع بحصانة جيوسياسية وتحظى بالحماية من الدولة لكنها لا تخضع لمحاسبتها، وهذا التداخل بين القوة العامة والخاصة يمنح الشركات الأميركية القدرة على دفع دول أخرى إلى تبني منتجاتها ومنصاتها ومعاييرها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما القطب المقابل فيقوده النموذج الصيني القائم على رأسمالية الدولة، إذ تخضع شركات التكنولوجيا بالكامل لسيطرة الحزب الشيوعي الحاكم، وصحيح أن هذا النموذج قد يحد من إمكانات الابتكار على المدى الطويل ويقلل الحيوية الاقتصادية في بعض الجوانب، لكنه يضمن أن تبقى التقنيات الإستراتيجية منسجمة مع الأولويات الوطنية، والاختراقات الأخيرة من نماذج التفكير بالذكاء الاصطناعي لدى شركة "ديب سيك" إلى مجموعة شرائح "هواوي كلاود ماتريكس 384"، تُظهر أن النموذج الصيني على رغم القيود السياسية المفروضة عليه وسياسات الحظر التجاري الأميركية، لا يزال قادراً على المنافسة بقوة. وفي المنتصف تقف أوروبا التي كانت تعتبر يوماً ما قوة موازنة محتملة أمام هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى، لكن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى شركات تقنية محلية عملاقة ويعاني مشكلات هيكلية في النمو والإنتاجية، ونتيجة لذلك فإن قدرته على تحويل طموحاته التنظيمية إلى سيادة رقمية حقيقية تظل محدودة، كما تواجه بروكسل ضغوطاً متزايدة لتخفيف قيود الذكاء الاصطناعي على الشركات الأميركية، وقد تتردد حتى في فرض ضرائب على خدماتها الرقمية رداً على الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب. السلطة التكنولوجية المركزة تهدد الديمقراطية والحريات الفردية وفي المقابل تواجه المحاولات الباقية، سواء على مستوى الدول أو المؤسسات الدولية لتنظيم قطاع التكنولوجيا، هجمات متواصلة تقوّض من الداخل على يد شخصيات نافذة في شركات التكنولوجيا الأميركية مثل ماسك، وتُشل بفعل الفراغ الحاصل في القيادة العالمية، ومع تعمق الانقسامات الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية تنهار سريعاً الحواجز التي كانت تحد من تغول النفوذ التكنولوجي، مما يتيح له التمدد بلا قيود. والنتيجة المرجحة ليست عالماً تهيمن عليه التكنولوجيا بالكامل بل نموذجاً تنفرد فيه الولايات المتحدة بصورة متزايدة بقوة تكنولوجية ضخمة، في مقابل كتلة رقمية صينية تخضع لرقابة حكومية صارمة، ومن المرجح أن معظم الاقتصادات الصناعية المتقدمة لن تجد خياراً سوى الانضمام إلى النموذج الأميركي، في حين قد ترى غالبية دول الجنوب العالمي أن العرض الصيني أكثر جاذبية. لكن تحت هذا الانقسام الأيديولوجي يلوح تقارب فعلي في الوظيفة بين النموذجين الأميركي والصيني، الأول تحركه آليات السوق والثاني تمليه دوافع سياسية، لكن كليهما يقدم الكفاءة على المحاسبة والسيطرة على القبول والتوسع على حساب الحقوق الفردية، وفي عالم تمنح فيه السلطة لمن يسيطر على الفضاء الرقمي قد يصبح السؤال الأهم ليس أين تتركز السلطة، في يد الدولة أم الشركات؟ بل كيف تدار هذه السلطة ومدى قدرتها على التمركز دون مساءلة، وهنا تكمن مفارقة عصر الهيمنة التكنولوجية، فبدلاً من تمكين الأفراد وتعزيز الديمقراطية، كما حلم رواد الإنترنت الأوائل، قد تصبح التكنولوجيا وسيلة أكثر فاعلية لفرض أشكال جديدة من السيطرة المركزية المطلقة وغير الخاضعة للمساءلة، وقد تمكّن تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي الأنظمة السياسية المغلقة من تحقيق قدر أكبر من الاستقرار مقارنة بالأنظمة المفتوحة، إذ تصبح الشفافية والتعددية والفصل بين السلطات وغيرها من مقومات الديمقراطية عبئاً في زمن التغيير المتسارع، وسواء كانت هذه القوة المركزة في يد الحكومات أو الشركات فإنها تمثل خطراً فعلياً على الديمقراطية والحريات الفردية، وكنت كتبتُ عام 2021 أن "تفوق الشركات الكبرى على الدول ليس حتمياً"، لكن يبدو أن تفوقها على الديمقراطية قد بدأ بالفعل. إيان بريمر، رئيس ومؤسس "مجموعة أوراسيا" Eurasia Group. مترجم عن "فورين أفيرز" 13 مايو (أيار) 2025


Independent عربية
منذ 4 أيام
- Independent عربية
"غروك" إيلون ماسك... مرح وذكاء وجرأة
"من فضلك لا تستخدمه إذا كنت تكره الفكاهة"، هكذا طالب المطور مستخدمي برنامج الدردشة "غروك" (Grok) عند إطلاقه. وفي العبارة السابقة تحذير تسويقي ذكي يمهد الطريق لتجربة استخدام مختلفة عن سابقاتها، تقول لك تمهل فبين يديك النموذج الأكثر ذكاءً ومرحاً بين منافسيه. وأعلنت شركة "مايكروسوفت" أمس الإثنين، أنها ستضيف إلى "أزور"، وهي منصة حوسبة سحابية للمطورين، برنامج "غروك" القائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي، في أعقاب جدل جديد في شأن هذه الأداة التي ابتكرتها شركة مملوكة للملياردير إيلون ماسك. وأثار "غروك" جدلاً خلال الأسبوع الماضي عندما ذكر عبارة "إبادة جماعية للبيض" في جنوب أفريقيا، وهو خطأ عزته شركة "أكس أي آي" التي ابتكرت هذا النموذج وتمتلك أيضاً منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي، إلى "تعديل غير مصرح به". وقال إيلون ماسك خلال مقابلة قصيرة مع الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" ساتيا ناديلا، بثت الإثنين خلال المؤتمر السنوي لشركة التكنولوجيا الكبرى "ستكون هناك أخطاء دائماً، لكننا نسعى جاهدين للوصول إلى الحقيقة، وتقليل عدد الأخطاء مع مرور الوقت. وأعتقد أن ذلك مهم جداً لسلامة الذكاء الاصطناعي". أخبار غير سارة ولن تشكل الإضافة المفاجئة لـ"غروك" إلى عدد كبير من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الأخرى المتوافرة على "أزور"، أخباراً سارة لشركة "أوبن أي آي"، الشريك الرئيس لـ"مايكروسوفت" في هذه التكنولوجيا، إذ أطلقت "أوبن أي آي" موجة الذكاء الاصطناعي التوليدي مع أداتها "تشات جي بي تي" في أواخر عام 2022 وظلت نجمة القطاع، خصوصاً بفضل استثمار "مايكروسوفت" بالمليارات فيها. وهاجم إيلون ماسك باستمرار "أوبن أي آي" في منصة "إكس" وفي القضاء، متهماً إياها بأنها "انتهكت" عقدها التأسيسي الذي يشير إلى أنها شركة غير ربحية. وكان ماسك أحد مؤسسي هذه الشركة عام 2015، لكنه استقال منها بعد ثلاثة أعوام بسبب خلافات جوهرية. وسجل الرئيس التنفيذي لـ"أوبن أي آي" سام ألتمان، مداخلة في مؤتمر "مايكروسوفت"، وتحدث مباشرة مع ساتيا ناديلا لتسليط الضوء على أحدث الابتكارات. وستكون نماذج "غروك" متاحة على "أزور أي آي فاوندري"، وهي منصة توفر مئات النماذج للمطورين المشتركين في الخدمة، بما في ذلك نماذج "ديب سيك" و"ميسترال" و"ميتا". وأكد ناديلا أهمية الخيارات المتعددة التي تقدمها "فاوندري"، مضيفاً "كمطورين، نحن مهتمون بأبعاد كثيرة: الكلفة، والصدقية، والوقت المستغرق، وكذلك الجودة". وتابع "(أزور أوبن أي آي) هي الأفضل في فئتها، إذ تقدم ضمانات مثل الصدقية العالية وضوابط ممتازة للكلفة، ويسعدنا اليوم أن نعلن أن (غروك) المبتكر من شركة (إكس أي آي) سيضاف إلى (أزور)". مهندسو الذكاء الاصطناعي وكشفت "مايكروسوفت" النقاب أيضاً عن برنامج مساعد قائم على الذكاء الاصطناعي للمهندسين، قادر على الترميز عند الطلب ومتاح على "غيت هاب"، وهي خدمة تطوير البرامج الخاصة بالشركة. وتبرمج الأداة المساعدة الجديدة بصورة مستقلة، وتخطر المستخدم عند الانتهاء، وتظهر كمبرمج بين آخرين داخل الفريق في المنصة. وليست البرامج المساعدة القائمة على الذكاء الاصطناعي والقادرة على البرمجة جديدة، لكن شركات التكنولوجيا العملاقة تعد منذ أشهر عدة بـ"مهندسين قائمين على الذكاء الاصطناعي" أكثر استقلالية وكفاءة. ويخشى عدد كبير من المراقبين والمنتقدين في "وادي السيليكون" من أن يؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة في الوظائف. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقد شهدت "مايكروسوفت" حديثاً موجة جديدة من عمليات الصرف، وأشار مصدر قريب من الملف إلى أن هذه الخطة الاجتماعية طاولت أقل من ثلاثة في المئة من القوى العاملة في المجموعة، أي نحو 6 آلاف شخص. وغالباً ما تُبرمج نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مسبقاً بواسطة مهندسين لتقديم محتوى معين أو تجنب آخر أو للاستجابة بنبرة معينة، وتركز نبرة "غروك" على الفكاهة بصورة خاصة. واعتبر المستخدمون أن أحدث نموذج من شركة "أوب أي آي" متملق جداً، وأعلنت الشركة سريعاً أنها ستجري تغييرات لتصحيح هذا الأمر. وبحسب لقطات شاشة، أشار "غروك" خلال الأسبوع الماضي إلى "إبادة جماعية للبيض" في جنوب أفريقيا رداً على أسئلة ليست على صلة بهذا الموضوع، وهو ما يعكس الدعاية اليمينية المتطرفة في شأن القمع المزعوم للجنوب أفريقيين البيض. وعندما سأله أحد المستخدمين عن سبب هوسه بالموضوع، أجاب روبوت المحادثة أن "منشئيه في (إكس أي آي) أمروه بالتطرق إلى هذا الموضوع". وكان إيلون ماسك المولود في جنوب أفريقيا، اتهم سابقاً قادة البلاد بـ"تشجيع الإبادة الجماعية للبيض في جنوب أفريقيا". وفي بيان لها، أشارت "إكس أي آي" إلى "تعديل غير مصرح به" لـ"غروك" دفعه إلى إعطاء إجابات "تنتهك السياسات الداخلية والقيم الأساسية للشركة". مبادرة "غروك" أطلق "غروك" للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 كمبادرة قدمها إيلون ماسك لأصحاب الحسابات المميزة عبر شركته "إكس أي آي"، وسمي "غروك" في البداية "TruthGPT"، وهو مأخوذ من رواية الخيال العلمي "غريب في أرض غريبة" للكاتب الأميركي روبرت هاينلين، التي نشرت عام 1961 وتحكي قصة إنسان يهبط على الأرض في بداية شبابه بعدما ولد على كوكب المريخ وتربى على يد المريخيين، وتستكشف الرواية شكل تفاعله مع ثقافة الأرض وتحولاتها، ويعني الاسم فهم شيء ما بصورة تامة وحدسية. من جهة أخرى صممت ردوده على غرار أسلوب كتابة رواية "دليل المسافر إلى المجرة"، وهي سلسلة كوميديا خيال علمي ألفها دوغلاس آدمز، وهذا يعني أن الهدف منه الإجابة عن كل شيء تقريباً. ويستطيع "غروك" تحليل الصور والإجابة عن الأسئلة، ويشغل عدداً من الميزات على شبكة ماسك الاجتماعية "إكس"، ومنذ الإصدارات الأولى تباهت الشركة المطورة بوليدها الذي يعد أول نموذج وسائط قادر على معالجة الصور. وفي هذا السياق أجرت مقارنة مع غيره من النماذج المنافسة لتظهر كيف أن نموذجها متفوق في معظم الجوانب ومقارب في جوانب أخرى للنماذج الأقدم. وفي التعريف عن التطبيق تخاطب الشركة المطورة المستخدم بصورة مباشرة، وتحثه على تجربة التطبيق بعبارة "استخدم الذكاء الاصطناعي القوي وأنشئ صوراً مذهلة"، مع التنويه إلى تسجيل الدخول من خلال منصة "إكس" لتخصيص التجربة في الوقت الفعلي مع الأخبار والبيانات المحلية. بعد سلسلة خطوات تطويرية أطلقت شركة "إكس أي آي" في فبراير (شباط) 2025 النسخة الثالثة من النموذج "غروك 3" الذي وصفه ماسك في بث مباشر خصص لعرض مزاياه بأنه "أذكى ذكاء اصطناعي على وجه الأرض"، وأكد تفوقه على أهم منافسيه بخاصة في البرمجة والرياضيات والعلوم قائلاً إن "غروك 3" أقوى بكثير من "غروك 2"، إنه ذكاء اصطناعي يسعى إلى أقصى درجات البحث عن الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة تتعارض أحياناً مع ما هو صحيح سياسياً". وحقق الإصدار زيادة في قوة الحوسبة أكثر من عشرة أضعاف مقارنة بالإصدار السابق "غروك 2"، وهذا يعني التعامل مع كمية كبيرة من البيانات في وقت أقل ودقة أعلى في فهم السياقات المتعددة، ومن ثم الحصول على أداء غير مسبوق في معالجة البيانات وتحليل المعلومات. وزعمت الشركة تفوق "غروك 3" على نموذج (GPT-4o) في معايير الأداء، بما في ذلك "أي آي أم إي" (اختبار الرياضيات الأميركي) و"جي بي كيو أي" (معيار الأسئلة والأجوبة المعتمد على مستوى الدراسات العليا في مجالات علم الأحياء والفيزياء والكيمياء)، كما حققت نسخة مبكرة من "غروك 3" نتائج تنافسية في اختبار " "Chatbot Arena(اختبار جماعي يجري مقارنة بين نماذج الذكاء الاصطناعي المختلفة ويطلب من المستخدمين التصويت على إجاباتهم المفضلة)، وفقاً للشركة المطورة. وتأتي قوة النموذج في إمكان وصوله المباشر والآني إلى المعلومات المنشورة على منصة "إكس" والأحداث الجارية والبيانات الحية وتزويد المستخدم بإجابات حولها، لذا يمتلك ميزة التدرب على البيانات في الواقع الفعلي. عائلة نماذج و"غروك 3" في الواقع عبارة عن مجموعة من النماذج، إذ تطرح المجموعة، إضافة إلى إصدار أصغر (Grok 3 mini) للإجابة عن الأسئلة بشكل أسرع على حساب بعض الدقة، نموذجين من عائلة "غروك 3" الجديدة، هما (Grok 3 Reasoning) و(Grok 3 mini Reasoning)، وهما قادران على "التفكير" في المسائل بدقة على غرار نماذج الاستدلال مثل (o3-mini) من "أوبن أي آي"، و(R1) من "DeepSeek"، وتزعم الشركة أن (Grok 3 Reasoning) يتفوق على أفضل إصدار من (o3-mini-high) في كثير من المعايير الشائعة، بما في ذلك معيار الرياضيات الأحدث (AIME 2025). هذا إضافة إلى طرح أداة بحث متقدمة معززة بالذكاء الاصطناعي للبحث عن المعلومات، عبارة عن محرك بحث جديد "ديب سيرش" (Deep search) يوفره "غروك 3" سيعزز قدرات النموذج في الفهم والتحليل والاستجابة الذكية، وذلك في عملية دمج بين قدرات مسح المعلومات وجمعها ومهارات معالجتها ومقارنتها وتحليلها بالذكاء الاصطناعي، ثم ترتيب المعلومات وإعادة صياغتها وتنسيقها في ملخص شامل وسريع وواف. وبدلاً من مجرد مطابقة الكلمات المفتاحية، يحاول "ديب سيرش" البحث عميقاً للفهم أولاً ثم استكشاف الـ"ويب" بعمق أكبر للعثور على نتائج أكثر صلة، كذلك بإمكانه صياغة سؤالك إلى تساؤلات عدة ذات صلة والبحث في كل منها، متجاوزاً الصفحة الأولى من النتائج ومتعمقاً في مواقع إلكترونية متخصصة أو أوراق أكاديمية أو منشورات ومدونات مفصلة قد يغفلها البحث العادي، والهدف هو تزويدك بمجموعة أغنى من الإجابات والمصادر لسؤالك. "غروك" و"تشات جي بي تي" يتميز "غروك 3" بقدرته على فهم السياق بصورة فضلى، ومن ثم تقديم إجابات أكثر دقة، والقدرة على التفكير المنطقي وحل المشكلات المعقدة وتقديم تجربة تفاعلية سلسة للمستخدم، بينما يواجه "تشات جي بي تي" صعوبة في فهم السياقات المتعددة. ويجمع "غروك" بصورة جميلة بين أهم ميزات نظرائه "تشات جي بي تي" و"ديب سيك"، إضافة إلى قدرات خاصة في فهم السياق والتفكير المنطقي، فضلاً عن أسلوب تفاعله المختلف كلياً عن سابقيه من ناحية حس الدعابة والمرونة والتكيف والجرأة في الإجابات والخروج عن السياق التقليدي المألوف في الإجابة. وفي سبيل ذلك تستخدم شركة "إكس أي آي" مركز بيانات ضخماً في "ممفيس" (أكبر مدن ولاية تينيسي) يحوي نحو 200 ألف وحدة معالجة رسومية مخصصة لتدريب "غروك 3". في السياق ذاته، يدعم "غروك" أنماط وأساليب عدة يمكن أن يستثمرها المستخدم كميزة إضافية، وهي الأسلوب القياسي للحصول على إجابات سريعة وواقعية مع التركيز على الدقة والبساطة، والأسلوب المحسن لإجابات أكثر تفصيلاً وشمولاً وللحصول على تفاصيل إضافية، والأسلوب التحليلي الذي يركز على التقييم والتفكير النقدي، والأسلوب الإبداعي بغرض توليد أفكار وقصص وحلول أصلية بأسلوب مبتكر ومرح، وهناك أيضاً الأسلوب الموجز والأسلوب التفاعلي والتعليمي والفكاهي والتعاطفي والتفصيلي. ويمكننا الوصول إلى بوت الدردشة "غروك" والتفاعل معه عبر منصات عدة، أولاها منصة "إكس"، وعبرها يمكن للمستخدمين المشتركين في الخطة المدفوعة الحصول على ميزات متقدمة، كما يمكن الوصول أيضاً من خلال موقع الـ"ويب" وتطبيقات الجوال المتوافرة عبر متاجر التطبيقات في مناطق جغرافية محددة، وواجهة برمجة التطبيقات بالنسبة إلى المطورين الذين يتطلعون إلى دمج "غروك" في تطبيقاتهم. من هنا يبدو أنه من الذكاء الاستعانة بـ"غروك" في حال أردت الحصول على معلومات أو تفاصيل أو تأكيدات أو حتى تحليلات حول أحداث جارية، نظراً إلى اتصاله المباشر بمنصة "إكس" التي تضم أبرز التحديثات في معظم المجالات التي تهم الناس على مدى الساعة (السياسية والاقتصادية والرياضية والتقنية)، وفي حال أردت الحصول على إجابات وتجربة غير تقليدية أو رسمية منضبطة بضوابط تحكم النماذج الأخرى. وأخيراً سيكون "غروك" خياراً جيداً إذا أردت طرح مواضيع حساسة وجريئة والحصول على نقاش مفتوح في قضية ما وإجابات عن أسئلة قد تتجنبها بعض الأنظمة الأخرى.