
تواضع القرآن وحَذْلَقة السُّنَة
إيطاليا تلغراف
وضاح عبد الباري طاهر
لا أسوأ مِنْ الأحكام المسبقة، ولا أسهل منها بالنسبة للكسالى أمثالنا. فهي لا تكلفنا سوى القليل من الوقت-والوقت ثمين كما يقال-. فعلينا ألَّا نهدره في التفكير، وَكَدِّ الذهن- حتى يتسنى لنا القضاء المبرم دون أدنى حاجة لإعمال عقولنا أو تحكيم ضمائرنا.
ليس علينا فقط سوى أن نقضي ما نشاء فِيْمَا نشاء، وفيمَنْ نشاء، وأنْ نتصرفَ في الخلق بما نريد؛ لأننا الأصوب دائمًا؛ قد أحطنا بِالأشياء عِلمًا، وبالأمور ممارسةً ونفاذًا وتجربةً.
لم يسلم حتى العلماء ولا الفلاسفة ولا الأنبياء أيضًا مِنْ هذه العادة السيئة أو المعضلة التي أعيا دواؤها. ولنا في قصة موسى والخضر التي قصَّها القرآن عِبْرَة، وفي خبر النظَّام وأبي نواس، وابن المطهر الحلي وابن تيمية، وابن الوزير وابن أبي القاسم، والمقبلي والهَبَل، والشوكاني والسَّماوي، والصوفية والفقهاء، وأهل العقل وأهل النقل، وأهل الجبر وأهل الاختيار، وأهل الظاهر وأهل الباطن- درسًا وعِظَةً.
اختارت أختي الكبرى دراسة علم الآثار في جامعة صنعاء. وكنت حينها أرثى لحالها لدراسة هذا العلم الذي -بحسب رأيي في ذلك الوقت- لا نفع يُرجى من وراءه. فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فما حاجتنا لدراسة أمم أبادها الله وقام بإهلاكها، وما الفائدة التي ستعود علينا ونجنيها من ذلك؟
من أين جاء هذا التفكير؟
لا أدري. لكن قطعًا لم أتلقنه من البيت. فلا شك إذن أنه تسرب إلينا من المدارس التي التحقنا بها، أو من محاضرات الأشياخ والوُعَّاظ في المساجد التي كُنَّا نرتادها. وقُلْ مِثْل هذا أيضًا عن المسرح، والغناء، والفنون الجميلة: الرسم، والتصوير، والنَّحْت.
ومع محبتي منذ نعومة أظفاري للشعر، حتى أني اشتريت في مرحلة الإعدادية ديوان المعري، وديوان أبي نواس، وديوان أبي تمَّام؛ وهو كتاب ضخم، ما قدرت أن أفتح أو أقرأ وأفهم صفحةً واحِدةً منه.
وكان مِمَّا حبَّبَ إلي الشعر كتابٌ اشتراه لنا الوالد، ونحن صغار، بعنوان «شعراؤنا يُقدِّمُونَ أنفسهم للأطفال»، للشاعر والأديب السوري سُليْمَان العِيْسَى.
تناول فيه عددًا لا بأس به من شعراء العربية، واختارَ مِنْ أشعارهم ما استحسنته ذائقته، مع رسومات جميلة تخيلها الرسام لشعراء الديوان: الفرزدق، وجرير، والحُطيئة، والمتنبي، والبحتري، وأبي تمام، وأبي فراس.
لم يَخلُ البُعْد التربوي مِنْ هذه السِّير، كما أنَّ النصوص التي تمَّ وضعها، عُرِضَت عرضًا مُفيدًا وشَيقًا. فمثلاً حين يتحدث عن جرير أو الفرزدق لا يغفل الحديث عن المهاجاة التي دارت بينهما؛ وهي ما عُرِفَتْ في تاريخ الأدب العربي بِـ «النقائض». فيعبر على ألسنتهم -ولو تَخيُّلاً- بنبرة الأسف والندم على ما أمضياه من عمر، وضيَّعاه مِنْ وقت في السِّباب، والفخر بالقبائل والأنساب، وثلبِ بعضهما بعضًا.
ومع ذلك، فقد جاءت لنا التعاليم التي تلقيناها من المدرسة أو المسجد لتقصَّ علينا أحاديث تقول: إنَّ مِنْ الخير أن يحمل المرء قَيحًا وصَديدًا في جَوفِهِ مِنْ أن يمتلئ صدرُهُ شِعْرًا!
لذا لا عجب أن نَجدَ أحد علماء الجرح والتعديل حين يتحدث عن العلامة اللغوي العبقري الخليل بن أحمد الفراهيدي، فيقدح فيه، ويقوم بشيطنته كونه زيديَّ المذهب؛ وانطلاقًا من مذهبه هذا، قام الفراهيدي باختراع فني العروض والقوافي؛ ليعارض به الكتاب والسنة!
ومثل هذا الجنون قيل في كتاب «كليلة ودمنة»، لابن المقفع، وكتاب «الفصول والغايات»، للمعري الذي كفروه وشنعوا عليه بأنه يرمي إلى معارضة القرآن الكريم. ولا يزال المتطرفون حتى الآن يلاحقون المعري في قبره، وكأنهم أسِفُوا على ألا يكونوا ظفروا به ولم يقتلوه في الزمان الغابر، فتتبعوه رَمِيمًا، وقاموا بهدم ضريحهِ بمعرَّة النعمان.
والسؤال:
هل يُعقَل أنَّ الإسلام جاء إلينا طَفرةً؟ أم أنه جاء نتيجة تراكم إنساني، وتطور تاريخي، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- غير قاطع علاقته بما سبقه من قيم ومثل عظيمة: إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق. فالنبي لم يذمَّ الماضي كُلَّه، ولم يهدم كل القواعد التي سبقته، ومضى وتعارف عليها الناس من قبله.
ما جاء الدين ليكون بديلاً عن الدنيا، ولا القرآن ليحُلَّ محل الشعر والآداب، أو ليحتقر ويزدري الفنون والصناعات.
ما جاءت الشريعة لتعارض العقل السليم، ولا الفِطْرة النقية. وما جاء الدين ليكون آصارًا وأغلالاً تُصفَّد به القلوب وتحبس به العقول والضمائر في أقفاص الجمود والتخلف.
نعم لم يقطع الإسلام كُلَّ علائقه الماضي؟
أليس الله يحكي عن سليمان فيقول: (يصنعون له ما يشاء من تماثيل)، فيما الأحاديث تنهى عن اتخاذ الصور، وتعارض التصاوير؟
أليس القرآن قال عن أهل الكهف: (لنتخذن عليهم مسجدا)، فيما جاءت أحاديث تنهى عن ذلك؟
ألم يتحدث القرآن عن ملكة سبأ، وصَدَّق قولها حين قالت: (إنَّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أذلة)، بالقول: (وكذلك يفعلون).
فيما الأحاديث تزعم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. ولم يرد في تاريخ الفرس ما يصدق هذه الواقعة التي يتكلم بشأنها الحديث المزعوم.
ويقول الله: (لا إكراه في الدين). وهذا نفي بمعنى الإنشاء؛ أي الطلب والأمر. بمعنى: لا تكرهوا أحدًا على اعتناق الدين؛ كقوله تعالى: (فمن فَرَضَ فيهنَّ الحجَّ فلا رفث ولا فسوق)؛ أي لا ترفثوا ولا تفسقوا.
وقال: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، و(لست عليهم بمسيطر)، و(أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟!)، فجاء الحديث من بعد ذلك ليقول: من بَدَّل دينه فاقتلوه. وكأنَّ الدِّينَ مصيدة فئران مَنْ دَخلَ فيه علق به، ولا يمكنه الخلاص منه إلا بالقتل.
أليس الله يقول: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء)، والأحاديث تخص بِهِ قريشًا.
أليس الله يقول عن زكريا عليه السلام: (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرًا فهب لي من لدنك وليًا يرثني ويرث من آل يعقوب).
والموالي هم أبناء عمومته خافهم بعد وفاته أن يستأثروا -بماله-، فدعا الله أن يرزقه ولدًا يرث ماله.
ولما كان علامة الأندلس وقاضيها ابن عطية على قدرٍ عظيم من العلم والإنصاف؛ فقد اضطرب قوله بسبب التعارض الحاصل لديه في نصوص القرآن، وما ورد باسم السنة النبوية، ومع ذلك فقد ردَّ على الزجاج قوله: (لا يجوز أن يسأل زكريا مَنْ يرث ماله؛ إذ الأنبياء لا تورث).
فقال ابن عطية: 'وهذا يؤيده قول النبي -عليه السلام-: 'إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة'، ويوهنه ذكر 'العاقر'.
والأكثر من المفسرين على أنه أراد وراثة المال، ويحتمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- 'إنا معشر الأنبياء لا نورث'، ألَّا يريد به العموم، بل على أنه غالب أمرهم فتأمله'.
ثم شرع ابن عطية -رحمه الله- يتحدث عن الأليق والأظهر في تفسير الآية، وما ذاك إلا بسبب التحرج من نفي حديث ينسب للنبي عليه الصلاة والسلام، فحاول التوفيق بين الرأيين.
ألم يكن القرآن أكثر تواضعًا من السنة النبوية التي نجدها تضطلع بكل شيء، وتجيب عن كل شيء، حتى أنَّ بعض الأصوليين جعلها ناسخةً للقرآن، مع قولهم بأنها ظنية، والقرآن قطعي.
فالصحابة يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ظاهرة طبيعية؛ وهي ولادة القمر، ومراحل تكونه واكتماله.
كيف يبدأ هذا الجرم السماوي في أول الشهر صغيرًا، ثم لا يزال ينمو وبكبر حتى إذا بلغ منتصف الشهر تكور واستدار، ثم يأخذ بالتناقص حتى يستسر.
فجاء القرآن وعدل بهم عن الجواب عن هذا، إلى ما يهمهم في أمر دينهم، فقال: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج). وهذا ما يصطلح عليه البلاغيون بـ «القول بالموجب» في علم البيان. ومعناه أنه عدل بهم عن جواب أمر ليس لهم في معرفته مصلحة، إلى وجهٍ آخر يَخصُّهم في شئون دينهم.
ويسألونه أيضًا عن ظاهرة حيرتهم؛ وهي دم الحيض الذي ينزل من النساء عند أول كل شهر؟ ما سببه وما مصدره؟
فسلك معهم ونحى بهم منحىً آخر أفيد لهم، في صحتهم وأمور دينهم، فقال: (يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض).
أمَّا في الحديث الوارد في صحيح البخاري، فيبادر النبي بنفسه سائلاً أبا ذر:
– 'يا أبا ذر أتدري أين تغيب الشمس؟
– الله ورسوله أعلم.
– فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش'.
وفي روايات أُخَر أنَّ الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان!
فعلى هذا يكون قرنا الشيطان بسعة عرش الرحمن، وأنه تحته مباشرةً، لو كانوا يدرون ما يقولون!
ويقول الله عن نفسه في كتابه العزيز: (لا تدركه الأبصار)، و(لن تراني)، (وقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم). فجعلهم ظالمين بسؤالهم لموسى رؤية الله.
وكنت وأنا صغير السن أستبعد -بمقتضى الفطرة- أن أرى الله لجلاله العظيم، وكنت أرى أنه لا ينبغي للقدير سبحانه أن يُرَى، وهو الذي لا يحده زمان، ولا يحيط به مكان. حتى إذا بدأت بالصلاة وارتياد المسجد، فإذا بي أقرأ حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مؤخر المسجد يقول: إننا سنرى ربنا كما نرى قمرنا هذا. وبمجرد أن قرأته سلمت له وأذعنت؛ إذ هو حديث الصادق المصدوق.
وكانت عائشة تستنكر في حديث قصة الإسراء والمعراج رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه، وكانت تقول: كيف يرى ربه، والله يقول: (لا تدركه الأبصار)؟
وهذه الآية التي استدلت بها عائشة هي إحدى حجج المعتزلة، فَلِمَ لا يسع المعتزلة ما وسع أم المؤمنين، ولم خُصُّوا بالذم دون سواهم؟!
ولِمَ أُفرِدَوا بالتضليل والتفسيق بسبب هذا الرأي، والقول في الحالين واحد؟!
وقد يختلفُ الرِّزقانِ والِفعْلُ وَاحدٌ
إلى أن تَرى إحسانَ هذا لِذَا ذَنبَا
ويقول القرآن: (الزانية والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة)، والسنة تنص على رجم الزانية والزاني المحصن. وهي عقوبة في غاية القسوة والوحشية لم ينلها أكثر البشر عتوًّا، وأشدهم جُرمًا؛ من أهل الكفر والطغيان، وقتلة النفوس المحرمة، وقُطَّاع الطرق الذين يسعون في الأرض فسادًا.
حاورت ذات مرة أحد أقربائي، وهو ذو حظ جيد من العلم والفهم. يحفظ القرآن، ودرس على العلماء وتفقه على أيديهم. وهو إلى جانب ذلك واسع الاطلاع. ومع أنه في قرية ريفية بعيدة عن صنعاء، إلا أنه كان متابعًا جيدًا للمشهد الثقافي في العاصمة. يقرأ ملحق الجمهورية: «الثقافية» من الغلاف إلى الغلاف. فقرأ للوالد الأستاذ الأديب الناقد عبد الله علوان، وللأستاذ الشاعر الأديب أحمد الشامي -رحمهما الله-، وللأستاذ عبد الودود سيف، وعلوان الجيلاني وغيرهم.
سألته ذات مرة: أليس الله قد قال: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنَّ أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا)، فهل إذا أقيم عليهنَّ الحدَّ رجمًا بالحجارة حتى الموت، هل يكون الله جعل لهنَّ بذلك سبيلا؟!
فأجاب لفرط إنصافه وفهمه لدلالات الألفاظ ومعاني الكلام- بالنفي.
وإذا كان الأمر -كما يزعم الجمهور مِمَّن يأخذون بأحاديث الرجم-، فإنَّ مُكثَ النساء في بِيوتهنَّ محبوسات حتى يتوفاهنَّ الله خيرٌ لهنَّ مِنْ هذا العقوبة الفظيعة التي ساقوها إليهنَّ، زاعمين أنَّ الله جعل لهنَّ سبيلاً بالرجم، كما هو في كتب التفسير. حقًا إنه لشيءٌ يبعث على السخرية والضحك والبكاء أيضًا.
فالسبيل الذي جعل الله لهن هو ما بينه في سورة النور؛ وهو آية الجلد: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مئة جلدة). هذا هو المخرج لمن يأتي الفاحشة من المحصنات- مِنْ حبسهنَّ في البيوت حتى الموت.
ولمَّا تحدث القرآن عن زواج الإماء قال: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فَمِمَّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، بعضكم من بعض، فانكحوهن بإذن أهلهنَّ، وآتوهنَّ أجورهن بالمعروف محصناتٍ غير مسافحات ولا متخذات أخدان، فإذا أحصنَّ فعليهنَّ نصف ما على المحصنات من العذاب).
فالقرآن ناطق بأنَّ الإماء إذا أتين الفاحشة بعد إحصانهن يتنصف عليهن الحد الواجب على المحصنات من الحرائر؛ وهو مئة جلدة. فيكون نصيبهن من ذلك خمسين. لأنَّ الرجم لا يتنصف. والذهاب إلى الرجم مُعاندةٌ صريحة لنص الآية.
وهذه الحجة ذكرها العلامة اللغوي والفقيه الأزهري الكبير عبد الله العلايلي -رحمه الله-، وذكر أنَّ الخوارج لا يعملون بالرجم، ولا يذهبون إليه. وذكره عنهم أيضًا العلامة الطبرسي من مفسري الإمامية ونسبه إليهم.
فالعذاب المذكور في هذه الآية هو الجلد، وهو نفسه العذاب في حد الزانيين: (وليشهد عذابهما)؛ أي جلدهما، وهو نفسه في آية الملاعنة: (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين)؛ أي يدرأ عنها حَد الجلد.
ويقول القرآن: (إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون)، والحديث في كتب الصحاح يقول: إنَّ الله أرسل لموسى ملك الموت ففقأ موسى عينيه لكراهته للموت!
وقد حاول العلامة الكبير ابن الوزير -رحمه الله- الدفاع عن هذا الحديث في كتابه «العواصم والقواصم» أمام شيخه ابن أبي القاسم الذي اختلف معه، فما أغنى فتيلاً.
فإذا كان موسى يكره الموت، وهو ذاهب للقاء الله. ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، بنص الحديث- فَلِمَ يستنكرون ويستبعدون من زكريا حديثه الذي قصه الله في كتابه عن خشيته أن يرث ماله ذوو قرابته من بني عمومته؟
ولماذا لا يستنكرون على سليمان الذي يحكي عنه الله قوله: (هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي)؟!
في أحد الأيام الماضية، وفي مجلس أحد الأصدقاء، طرح صديق عزيز علي، وهو صحفي، موضوعًا جرى النقاش بشأنه حول المعتزلة، وكان الصديق يدعو إلى ضرورة مراجعة مواقفنا تجاه بعض الفرق الإسلامية، ويقول: لعلَّنا ظلمنا المعتزلة في تاريخنا وتحاملنا عليهم؛ فهاج عليه المجلس وثاروا ولم يقبلوا قوله.
على أية حال إنَّ أيَّ نهضة تتوخاها أيُّ أمة لا تقوم بالقطيعة المطلقة مع ماضيها ولا تراثها ولا لغتها ولا تقاليدها القويمة. وليس معنى التشكيك في بعض الأحاديث القدح فيها كلها، أو الطعن في رُوَاتها والتشكيك في عدالتهم وصدقهم وصحة مقاصدهم؛ وهم من التقوى والعلم والإخلاص بمنزلة عالية.
لكن ما ينبغي التوقف عنده هو أنَّ تراثنا اختلط فيه الصحيح بالسقيم، والصواب بالخطأ، والصدق بالكذب، والحق بالباطل، والغثّ بالسمين، والنصّ بالتاريخ، والدين بالسياسة.
يقول العلامة المؤرخ لطف الله جَحَّاف عن شيخه العلامة الشوكاني: 'ورأيته يَنعَى على المتسنن والمتمذهب، ويقول: ما ينبغي لصاحب السُّنة أنْ يجمدَ عليها، ولا ينبغي للمتمذهب أنْ يَجمدَ على المذهب'.
وبرأيي أنَّ كل ما خلفته فرق الإسلام على تنوعها وتباين ما بينها هو تراث المسلمين كافَّة، فعليهم أن ينظروا فيه، ويدرسوه دون تَحيُّز ولا عصبية؛ فما كان نافعًا أخذوا به من أيِّ مصدرٍ كان، وما كان دون ذلك، فَلنا الحقّ في نقده نقدًا علميِّاً نزيهًا خاليًا من أي غرض أو شائبة هوى، ثم نطوي صفحته للأبد غير أسِفِيْن ولا متحسرين.
إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ يوم واحد
- الشروق
كنوز صلاة الفجر
يُروى عن صحابيّ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنس بن مالك –رضيَ الله عنه- أنّه كان يبكي كلما تذكَّر فتح 'تُسْتر'، المدينة الفارسية الحصينة التي حاصرها المسلمون سنة ونصف السّنة، ثم تحقّق لهم فتحها؛ سبب بكائه ربّما يكون غريبا في موازين أهل زماننا، لكنّه ليس كذلك في موازين عبادٍ لله امتلأت قلوبهم بخشية الله وتعظيمه. لقد فُتح حصن المدينة قبيل ساعة الفجر، واندفع جيش المسلمين إلى الحصن مستغلّين تلك الفرصة، فدارت معركة في منتهى الضراوة، وفي النهاية كتب الله النصر. لقد تحقق النصر، لكن بعد شروق الشمس، وبعد خروج وقت صلاة الصّبح. فرح المسلمون بالنّصر، وحزنوا لفوات صلاة الفجر، على الرّغم من أنّهم كانوا معذورين، في حال التحامٍ كامل مع العدوّ، لم يكن ممكنا معه إقامة الصّلاة، ولكنّ القلوب الحيّة حزنت على فوات صلاةٍ هي أحبّ الصّلوات إلى الله جلّ وعلا، وإلى عباده الصّالحين الذين يدركون أثرها في تزكية الأنفس وإعلاء الهمم وصناعة الرّجال. هكذا انتصر الأوّلون وسادوا الدّنيا حينما كانت قلوبهم عامرة بخشية الله، وأنفسهم لوّامة لا ترضى بالتّقصير في حقّه جلّ في علاه.. وفي زماننا، ضيّع كثير من المسلمين الصّلوات واتّبعوا الشّهوات، فذلّت الأمّة وهانت وأصبحت غرضا للأمم من حولها. نعم أخي المؤمن.. ربّما تكون بتقصيرك في حقّ دينك، وإصرارك على إضاعة صلاة الفجر، سببا في زيادة جراح الأمّة، وإطالة محنتها.. وقبل هذا، ربّما تكون إضاعتك لصلاة الفجر سببا في ضيق نفْسك ووهن بدنك وتعسّر أمورك.. اسأل نفسك: كم سنة وأنت تنام عن صلاة الفجر؟ ماذا جنيت من نومك عن هذه الفريضة التي تشهدها ملائكة اللّيل والنّهار؟ وهَن وفتور وضجر وقلق وحيرة وسوادُ وجهٍ وقسوة قلب.. هذا هو حصادك في كلّ هذه السّنوات التي نمت فيها عن صلاة الفجر. وهذا ما جنيته على نفسك بإصرارك على هذه الكبيرة المنكرة. دعوة للتدبّر أخي المؤمن.. في كلّ ليلة تقبض روحك وتعاد إليك بعد طلوع الشمس سالمة مسلّمة، فتفتح عينيك على ضوء الصّباح وضيائه؛ أما خشيت أن تفتح عينيك في يوم من الأيام ولأوّل مرّة على ظلام حالك ليس ظلام الدّنيا ولكنّه ظلام حفرة القبر، فهل ترى ينفعك النّوم حينها؟ أخي المؤمن.. هل تأمّلت حالك، كم مرّة قمت باكرا لموعد بينك وبين بشر مثلك؟ أنسيت موعدك كلّ صباح مع ربّ الأرباب؟ كم مرّة قمت قبل الفجر لسفر من الأسفار؟ كلّما كان سفرك أطول كان زهدك في النّوم أكثر؛ فهلاّ قمت –أخي- لتتزوّد لسفر طويل لا رجوع بعده. هل سمعت أُخيّ قول نبيّ الهدى -عليه الصّلاة والسّلام-: 'أثقل الصّلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبْوا'؟ أترضى لنفسك أن تحشر يوم القيامة مع المنافقين؟ ربّما تصلّي الظّهر والعصر والمغرب والعشاء لوقتها، وتصوم وتتصدّق، وتحشر مع المنافقين لأنّك لا تصلّي الفجر لوقتها، وتتهاون في أحبّ صلاة إلى عباد الله المؤمنين وأبغضها إلى المنافقين. كنوز صلاة الفجر أخي المؤمن. لا شكّ أنّك سمعت وقرأت مرارا وتكرارا قول ربّك جلّ وعلا: ((أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))، أ تدري ما المقصود بقرآن الفجر؟ إنّها صلاة الفجر، وهل تدري معنى قوله تعالى ((إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))؟ معناه أنّ ملائكة الليل وملائكة النّهار تجتمع لصلاة الفجر. إنّه سرّ تلك الرّوحانيّة وذلك الأنس والانشراح والطّمأنينة التي تجدها تلك القلّة المؤمنة التي تصلّي الفجر في بيوت الله، إنّها أسعد ساعة في اليوم كلّه، كيف لا والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقول: 'ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها'، ومعنى هذا أنّ السّعادة التي يجدها من يصلّي الفجر لوقتها أعظم من سعادة من اجتمعت أمامه نعم الدّنيا بأسرها، ألا تحبّ أخي المؤمن أن تكون أسعد من الملوك؟ ألا تحبّ أن تكون أسعد من أثرياء هذا العالم؟ صلّ الفجر لوقتها تكن كذلك، وتحْظَ بمعية الله وحفظه ورعايته، يقول عليه الصّلاة والسّلام: (من صلّى الفجر فهو في ذمّة الله)، بمعنى أنّه في حفظ الله ورعايته سبحانه، ومَن حفظه الله فمن ذا الذي يضرّه؟ ((فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين)). هذا في الدّنيا، أمّا في الآخرة، فتأمّل معي قول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: 'لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها'، معنى هذا أنّك إذا صلّيت الفجر والعصر لوقتهما كُتبت لك براءة ونجاة من النّار. فيا لها من غنيمة ثمنها يسير ويسير جدّا. ليس هذا فقط وإنّما هناك المزيد، اقرأ معي هذا الحديث الذي يقول فيه نبيّنا -عليه الصّلاة والسّلام-: 'من صلّى الصّبح في جماعة فكأنّما قام الليل كلّه'، إذا صلّيت الصّبح في جماعة كُتب لك أجر قيام ليلة بأكملها. فياله من ثواب جزيل لقاء عمل يسير لمن استعان بالله وطلب هداه، ربّما لا زلت تريد المزيد، وفعلا هناك المزيد، يقول عليه الصّلاة والسّلام: 'بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنّور التّامّ يوم القيامة'؛ في عرصات يوم القيامة، يوم يحشر العصاة والمذنبون والكفرة والمنافقون سود الوجوه، تكون أنت ممّن يحظى ويسعد بذلك النّور التّامّ في وجهك وعلى الصّراط مع عباد الله المشّائين في ظلمات اللّيالي إلى بيوت الله عزّ وجلّ.. ثمّ في النّهاية يكون مستقرّك في الجنّة التي وعد الله عباده المحافظين على صلاة الفجر، يقول عليه الصّلاة والسّلام: 'من صلّى البردين دخل الجنّة'، والبردان هما الصّبح والعصر، فإذا داومت على صلاة الفجر وصلاة العصر لوقتهما ولقيت الله على ذلك كنت من أهل الجنّة، نعم من أهل الجنّة. وماذا بعد؟ وبعدُ أخي المسلم، يا من عدت إلى النّوم عن صلاة الفجر بعد رمضان. يا من تصلّي الفجر في بيتك. أرأيت كم ضيّعت على نفسك من الخيرات والبركات والحسنات؟ سعادة ما بعدها سعادة، حِفظ من الله من كلّ مكروه، حسنات تصبّ عليك صبّا، نور يوم القيامة، نجاة من النّار وفوز بدار الأبرار. ألا فتب إلى الله من النّوم عن صلاة الصّبح، واعقد العزم أن تبدأ من الغد بحول الله، وتسعى جاهدا لتكون من أهل الفجر الذين يحبّهم الله ويحبّونه؛ إنّك لن تفشل أبدا إذا توكّلت على الله وسألته بإلحاح أن يعينك على نفسك.. ربّما تنام حين تنام وأنت لم تفكّر في القيام للصّلاة، ربّما تنام وأنت تتمنّى ألاّ تستيقظ حتّى تجد لنفسك الأعذار والمبرّرات، ربّما تنام وأنت جازم وموقن أنّك ستفتح عينيك من الغد على الدّنيا، ربّما تنام على غير طهارة، ربّما تنام وأنت تفكّر في هموم الدّنيا بل ربّما تغمض عينيك على مشاهد وصورٍ لا يرضاها الله على شاشة الهاتف، تزرع شوكا وتريد أن تجني عنبا. محال أخا الإسلام.. إذا أردت طاعة الله في أوّل النّهار فلا تعصه في أوّل اللّيل، إذا أردت الاستيقاظ باكرا فنم باكرا ودع عنك السّهر في القيل والقال.. نَمْ أخي باكرا.. لا تنم إلاّ على طهارة.. اقرأ أذكار النّوم، اقرأ آية الكرسيّ والمعوّذتين، ادع الله أن يبعثك إذا نادى مناديه للصّلاة، استعن بمنبّه واجعله بعيدا عنك حتّى لا توقف رنينه وأنت لا تشعر، أوص من يوقظك ولو عن طريق الهاتف، حاول أن تستحضر أنّ نومتك ربّما تكون آخر نومة لك في هذه الحياة.


أخبار اليوم الجزائرية
منذ يوم واحد
- أخبار اليوم الجزائرية
هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي الأضحية شعيرة من عامة شعائر الله تعالى التي يجب تعظيمها وأطلق عليها القرآن الكريم هذا اللقب على وجه الخصوص للإشارة إلى كون الأضحية من مناسك الحج وهدي إبراهيم عليه السلام وحرمتها لا تقل أهمية من حرمة بقية الشعائر المشروعة يقول الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ..) الآية وكانت البدن وهي البعير الثمين وما يدخل في هذا المعنى من الأنعام تعتبر من مناسك الحج لذلك نالها حرمة وبركة أعمال الحج والشعيرة هي المعلم الواضح الذي ارتضاه الله لعبادته وللتقرب إليه وكون الأضحية من هذه الشعائر الدينية فلا بد أن يتقيد فيها بما ورد في القرآن الكريم وبينه نبينا – صلى الله عليه وسلم – بسنته وهنا نتطرق لهديه عليه الصلاة والسلام في اختيار الأضحية وأوصافها وشروطها لأنها ليست ممن يتسع المجال للاجتهاد. – كان من هديه صلى الله عليه وسلم في الأضاحي أنه لم يكن يدع الأضحية وكان يضحي بكبشين وكان ينحرهما بعد صلاة العيد وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله. يقول ابن القيم: هذا الذي دلت عليه سنته صلى الله عليه وسلم وهديه لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة بل بنفس فعلها وهذا هو الذي ندين الله به. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب (ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن) أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن النصف فما زاد ذكره أبو داود. وأمر أن ينظر إلى سلامتها وأن الا يضحى بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء. والمقابلة هي التي قطع مقدم أذنها والمدابرة التي قطع مؤخر أذنها والشرقاء التي شقت أذنها والخرقاء التي خرقت أذنها. ونهى أن يضحى بالمريضة البين مرضها. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يضحي بالمصلى ذكره أبو داود (عن جابر أنه شهد معه الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه بيده وقال: (بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي). وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا وإذا قتلوا أن يحسنوا القتلة. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم كما قال عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والحديث دليل على جواز الأكل من الأضحية والتصدق بجزء منها على الجيران والاقارب والأصحاب. *سنن الحبيب – ومن جملة هديه صلى الله عليه وسلم في التذكية مما يجب على المسلم مراعاته: 1- استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح لحديث جابر رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما.. الحديث. 2- الرفق بالذبيحة وإراحتها عند الذكاة بأن تكون الذكاة بآلة حادة وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) رواه مسلم. 3- الإبل تنحر قائمة معقولة يدها اليسرى لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ) (الحج: 36) قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. يقول ابن عثيمين رحمه الله: فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك. 4- غير الإبل يذبح مضجعة على جنبها ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ـ وفي رواية: أقرنين ـ فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده. 5- أن تبعد الذبيحة عن رؤية السكين يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً وتوارى السكين عنها ولا يظهر السكين إلا عند الذبح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار. 6- زيادة التكبير بعد التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين يسمي ويكبر. متفق عليه. ويفهم من حديث آخر أنه كان من هدي صلى الله عليه وسلم أن دعا بقبول الأضحية منه. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

جزايرس
منذ يوم واحد
- جزايرس
هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحيالأضحية شعيرة من عامة شعائر الله تعالى التي يجب تعظيمها وأطلق عليها القرآن الكريم هذا اللقب على وجه الخصوص للإشارة إلى كون الأضحية من مناسك الحج وهدي إبراهيم عليه السلام وحرمتها لا تقل أهمية من حرمة بقية الشعائر المشروعة يقول الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ..) الآية وكانت البدن وهي البعير الثمين وما يدخل في هذا المعنى من الأنعام تعتبر من مناسك الحج لذلك نالها حرمة وبركة أعمال الحج والشعيرة هي المعلم الواضح الذي ارتضاه الله لعبادته وللتقرب إليه وكون الأضحية من هذه الشعائر الدينية فلا بد أن يتقيد فيها بما ورد في القرآن الكريم وبينه نبينا – صلى الله عليه وسلم – بسنته وهنا نتطرق لهديه عليه الصلاة والسلام في اختيار الأضحية وأوصافها وشروطها لأنها ليست ممن يتسع المجال للاجتهاد.– كان من هديه صلى الله عليه وسلم في الأضاحي أنه لم يكن يدع الأضحية وكان يضحي بكبشين وكان ينحرهما بعد صلاة العيد وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله. يقول ابن القيم: هذا الذي دلت عليه سنته صلى الله عليه وسلم وهديه لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة بل بنفس فعلها وهذا هو الذي ندين الله به.– وكان من هديه صلى الله عليه وسلم اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب (ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن) أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن النصف فما زاد ذكره أبو داود. وأمر أن ينظر إلى سلامتها وأن الا يضحى بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء. والمقابلة هي التي قطع مقدم أذنها والمدابرة التي قطع مؤخر أذنها والشرقاء التي شقت أذنها والخرقاء التي خرقت أذنها. ونهى أن يضحى بالمريضة البين مرضها.– وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يضحي بالمصلى ذكره أبو داود (عن جابر أنه شهد معه الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه بيده وقال: (بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي). وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا وإذا قتلوا أن يحسنوا القتلة.– وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم كما قال عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والحديث دليل على جواز الأكل من الأضحية والتصدق بجزء منها على الجيران والاقارب والأصحاب.*سنن الحبيب– ومن جملة هديه صلى الله عليه وسلم في التذكية مما يجب على المسلم مراعاته:1- استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح لحديث جابر رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما.. الحديث.2- الرفق بالذبيحة وإراحتها عند الذكاة بأن تكون الذكاة بآلة حادة وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) رواه مسلم.3- الإبل تنحر قائمة معقولة يدها اليسرى لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ) (الحج: 36) قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. يقول ابن عثيمين رحمه الله: فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك.4- غير الإبل يذبح مضجعة على جنبها ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين وفي رواية: أقرنين فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده.5- أن تبعد الذبيحة عن رؤية السكين يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً وتوارى السكين عنها ولا يظهر السكين إلا عند الذبح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار. 6- زيادة التكبير بعد التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين يسمي ويكبر. متفق عليه. ويفهم من حديث آخر أنه كان من هدي صلى الله عليه وسلم أن دعا بقبول الأضحية منه.