
"كل امرأة لديها خوف" - لماذا تستمر المخاطر التي تواجه الرياضيات؟
كان اختباء لاعبة كرة المضرب البريطانية إيما رادوكانو خلف كرسي الحَكم، بعد أن لاحظت رجلاً "أظهر سلوكاً غريباً"، مشهداً مؤلماً.
ومثّل ذلك تذكيراً صارخاً بالمخاطر التي تواجهها الرياضيات بشكل منتظم.
وألقت الشرطة القبض على الرجل عقب الحادث الذي وقع في بطولة دبي لكرة المضرب الثلاثاء في 18 فبراير/شباط، وأصدرت أمراً تقييدياً بحقه.
وقالت بطلة ويمبلدون السابقة ماريون بارتولي لإذاعة بي بي سي 5 لايف: "عندما تعلم أن الأمر يصل إلى هذا الحد، وأن تشعر أن شخصاً مهووساً بك لدرجة أنه سيجد طريقة للدخول إلى ملعبك، فهذا أمر مرهق للغاية".
تسلط "بي بي سي سبورت" الضوء على الأسباب التي تجعل الرياضيات يشعرن بالخوف باستمرار، والتدابير الأمنية المتبعة لحمايتهن، وما الذي يمكن فعله لضمان شعورهن بالأمان.
"الخطر الإضافي" الذي تواجهه الرياضيات
تتعرض واحدة من كل خمس نساء تقريباً للمطاردة في حياتها، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة.
يشار إلى أنه في حال كانت المرأة شخصية عامة معروفة فإن ذلك يزيد من التعرض لها، كما تعرضت عدد من لاعبات كرة المضرب لسلوكيات ضارة في السنوات الأخيرة.
وكانت رادوكانو، البالغة من العمر 22 عاماً، ضحية أيضاً لرجل طاردها، وحصل لاحقاً على أمر تقييدي لمدة خمس سنوات في عام 2022، بعد أن سار مسافة 23 ميلاً إلى منزلها.
ووصفت لاعبة كرة المضرب البريطانية كاتي بولتر العام الماضي لصحيفة الغارديان البريطانية، كيفية تعرضها للملاحقة من قبل أشخاص في سيارة وعلى الأقدام، وسلطت اللاعبتان الأمريكيتان دانييل كولينز وسلون ستيفنز الضوء على مضايقات واجهتهما.
وفي الشهر الماضي، وُجّهت اتهامات لرجل بمطاردة لاعبة كرة السلة الأمريكية كيتلين كلارك، وتحدثت العداءة غابريال توماس ولاعبة الرغبي إيلونا ماهر مؤخراً عن مخاوفهما.
وتذكرت بارتولي تجربة مروعة مماثلة خلال مباراة في نادي عموم إنجلترا في عام 2007.
ووصفت بارتولي كيف لاحقها رجل طوال موسم الملاعب العشبية في بريطانيا [بطولات تنس تقام على ملاعب عشبية]، إذ ظهر في بطولتي برمنغهام وإيستبورن، قبل أن يتظاهر بأنه أحد أفراد طاقم العمل في بطولة ويمبلدون ليقترب منها.
وأضافت "وجد طريقة لشراء نفس المعدات ودخول ملاعب التنس حيث أكون".
وتقول بارتولي: "تعرفت عليه خلال مباراتي في الدور الأول ضد فلافيا بينيتا وأشرت عليه على الفور". و"قلت إنه لم يكن من العاملين في الموقع بل كان شخصاً يطاردني منذ ثلاثة أسابيع".
وقالت ستيفاني هيلبورن، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "المرأة في الرياضة" لـ"بي بي سي سبورت"، إن "كل امرأة لديها مستوى معين من الخوف".
وتابعت: "صحيح أن هذا الأمر لا يقتصر على النساء المعروفات أو المشهورات، لكن كلما كنت أكثر ظهوراً، كلما كان الخطر أكبر"، لافتة إلى أنه "في عالم الرياضة، نجد أن جسد الرياضية يكون معرضاً بشكل كبير للعيان، مما يزيد من المخاطر التي قد تواجهها".
ماذا حدث لرادوكانو في دبي؟
sky sports
اقترب رجل من رادوكانو بالقرب من موقع بطولة دبي الإثنين 17 فبراير/شباط، وهو يوم بين مباراتي الدور الأول والثاني.
وحصلت بطلة بطولة الولايات المتحدة المفتوحة لعام 2021 على خطاب من الرجل.
وقالت مصادر في دبي لـ"بي بي سي سبورت" إنه تضمن اسمه ورقم هاتفه. وفتحت رادوكانو الخطاب لاحقاً في فندقها.
وبعد أن أبلغت رادوكانو رابطة محترفات كرة المضرب بالحادثة، حدث إخطار لفرق الأمن الخاصة بالبطولة بعد ظهر الثلاثاء.
ومع ذلك، تمكن الرجل من دخول الملعب الصغير حيث لعبت رادوكانو ضد كارولينا موتشوفا في وقت لاحق من ذلك المساء.
ورصدته رادوكانو في الصفوف الأمامية من المدرجات، وبعد أن أصبح منزعجاً بشكل واضح عندما أخبرت الحكم بما حدث، أخرجه أفراد الأمن.
وتمكنت رادوكانو من استعادة رباطة جأشها واستأنفت المباراة، التي خسرتها بنتيجة 7-6 (8-6) 6-4.
وقالت بعد مغادرتها دبي، الثلاثاء، إنها "بخير" بعد "الظروف الصعبة التي مرت بها".
وتعتقد مهيري ماكلينان، وهي عداءة المسافات الطويلة البريطانية والمؤسسة المشاركة لمنظمة (Kyniska Advocacy) التي تدعم النساء وضحايا الاعتداء في الرياضة، أن اللاعبين في موقف رادوكانو يجب أن يغادروا الملعب لإجراء تقييم لحالتهم النفسية أو العاطفية.
وقال ماكلينان لإذاعة بي بي سي 5 لايف: "من خلال تجربتي الخاصة، فإن التأثير النفسي والعاطفي لشيء شبيه يحدث أثناء المنافسة يمكن أن يخرجك عن مسارك تماماً".
"ما كنت أود أن أراه في هذه الحالة، وفي حالات أخرى حين يكون الرياضي مهتزاً بشكل واضح، هو إيقاف المنافسة مؤقتاً حين يمكن ذلك"، تضيف ماكلينان.
وتقول أيضاً "في مباراة كرة المضرب، تأكد من أنها قادرة على المضي … لا أقول إن النتيجة كانت لتكون مختلفة لو تمكنت من العودة لاحقاً، لكن الأمر يتعلق بتقديم خيار لها".
كيف لم تنجح الإجراءات الأمنية الإضافية في وقف الحادث "المثير للقلق بشدة"؟
تتحدث رابطة لاعبات كرة المضرب المحترفات (WTA) عن مرافقة ضابط أمن واحد على الأقل للاعبات من وإلى ملعب المباراة، وتوفير تعزيزات أمنية إذا كان اللاعب تعرض لتهديد موثوق.
وتقول رابطة محترفات كرة المضرب التي تمتلك ذراعاً أمنياً بدوام كامل، إن حماية إضافية حصلت عليها رادوكانو بعد المخاوف المتزايدة.
وأشارت مصادر في البطولة إلى بذل "جهود" لتحديد هوية الرجل قبل مباراة رادوكانو. ومع ذلك، لا تزال هناك تساؤلات حول كيفية السماح له بدخول الملعب.
تعتقد هيلبورن أن "هذا أمر مقلق للغاية"، فالرجل تمكن من الاقتراب من رادوكانو.
وقالت "لست متأكدة مما حدث للأمن في هذه الحالة، لكن إذا كان أحد الرياضيين أبلغ عن شخص ما، يجب ألا تكون هناك أي فرصة على الإطلاق أن يظهر هذا الشخص في نفس الظروف".
وأضافت "كان من المفترض أن يكون هناك فهم جدي للوضع. المرأة أبلغت عن شخص بسبب تصرفاته، مما يعني أنه يجب ألا يكون هناك أي احتمال لمروره عبر الأمن".
مخاطر "إظهار الرياضيات غير المقصود بشكل مفرط"
"تقول رابطة لاعبات كرة المضرب المحترفات (WTA) إن رفاهية وسلامة اللاعبين هي أولوية قصوى، مضيفة أن حماية اللاعبين هي "مجال نظل يقظين فيه دائماً".
وتشير الهيئة المنظمة إلى "الالتزامات الكبيرة" التي قامت بها في مجال التعليم والتدريب، بالإضافة إلى زيادة عدد الموظفين والموارد في مجال الحماية.
وقالت الرابطة: "نهجنا يعترف بأن الحماية الفعالة، متعددة الأبعاد وأقوى عندما يكون كل من يشارك في اللعبة ملتزماً ومحاسباً بنفس المعايير".
لكن إن أحد المخاوف الرئيسية لكل من (النساء في الرياضة) و(Kyniska Advocacy) هو التأثير الناجم عن استخدام الرياضيات النخبة، كأدوات تسويق لدفع نمو الرياضة النسائية.
وقالت هيلبورن: "نحتاج إلى التوقف عن الإظهار المفرط غير المقصود للرياضيات النخبة.
وأضافت أن "ما يثير القلق هو مدى الضغط الذي يتعرضن له لكشف حياتهن الشخصية عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومن المتوقع أن يضعن أنفسهن في خطر أكبر من أجل تحقيق دخل أكبر للرياضة."
وتابعت: "نحتاج إلى بيع مهارات اللعبة ومخاطرها، بدلاً من بيع حياة الأفراد".
تعتقد منظمة "النساء في الرياضة" أن السياسات المناهضة للعداء ضد النساء، التي قُدمت كشرط للحصول على تمويل للرياضات، يجب أن تكون إلزامية أيضاً.
وطالبت المنظمة بإغلاق حسابات منصات التواصل الاجتماعي التي تنشر رسائل معادية للنساء، وأعادت التأكيد على دعوتها لإنشاء جهة رياضية مستقلة للتعامل مع تقارير العداء ضد النساء.
كما ترغب هيلبورن في أن "يقف الرجال مع النساء لمعالجة النظام".
"عندما تحصل على لاعبة كرة مضرب رائعة مثل إيما وترغب في الاحتفال بها، فإنك لا تريد التعامل مع هذه الجوانب السلبية - بل تريد الاحتفال بأدائها وقصة هذه الرياضة"، تقول هيلبورن.
وتضيف: "لكن عندما يحدث هذا، فإننا نتذكر أنه لم يكن هناك ما يكفي من العمل. إنه أمر غير مقبول".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ يوم واحد
- شفق نيوز
واشنطن تتهم الحكومة السودانية بـ "استخدام أسلحة كيميائية" وتفرض عليها عقوبات
قالت وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس، إن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات جديدة على السودان بعد ثبوت استخدام حكومته أسلحة كيميائية العام الماضي في الحرب الأهلية المستمرة ضد قوات الدعم السريع. وسيتم تقييد الصادرات الأمريكية إلى البلاد ووضع حدود للاقتراض المالي اعتباراً من السادس من يونيو/حزيران القادم، بحسب بيان للمتحدثة باسم الوزارة تامي بروس. وسبق أن اتُهمت القوات المسلحة السودانية وجماعة الدعم السريع بارتكاب "جرائم حرب" أثناء الصراع. تواصلت بي بي سي مع السلطات السودانية للتعليق على الإجراءات الأمريكية الأخيرة، وأفاد المسؤولون السودانيون أنهم لم يصدروا بياناً رسمياً حتى الآن. وقُتل أكثر من 150 ألف شخص خلال الصراع الذي بدأ قبل عامين عندما بدأ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع صراعاً شرساً على السلطة. وفي الأشهر الأخيرة، استعاد الجيش السوداني العاصمة الخرطوم، لكن القتال لا يزال مستمراً في أماكن أخرى. ولم يتم تقديم أي تفاصيل بشأن الأسلحة الكيميائية التي قالت الولايات المتحدة إنها عثرت عليها، لكن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت في يناير/كانون الثاني أن السودان استخدم غاز الكلور في مناسبتين، وهو ما يسبب مجموعة من التأثيرات المؤلمة والمدمرة، وقد يكون قاتلاً. "تدعو الولايات المتحدة حكومة السودان إلى وقف كل استخدامات الأسلحة الكيميائية والوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية"، بحسب البيان، في إشارة إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية التي التزمت الدول الموقعة عليها بتدمير مخزوناتها من الأسلحة. ووافقت جميع دول العالم تقريباً - بما فيها السودان - على اتفاقية الأسلحة الكيميائية، باستثناء مصر وكوريا الشمالية وجنوب السودان، وفقاً لجمعية الحد من الأسلحة، وهي منظمة غير حزبية مقرها الولايات المتحدة. وأضافت الجمعية أن "إسرائيل وقعت على الاتفاقية لكنها لم تُصادق عليها"، ما يعني أنها لم تُؤكد قانونياً مشاركتها فيها. وأضافت بروس أن "الولايات المتحدة تظل ملتزمة بشكل كامل بمحاسبة المسؤولين عن المساهمة في انتشار الأسلحة الكيميائية". Reuters هذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على السودان. ففي يناير/كانون الثاني، فرضت عقوبات على قادة من طرفي الصراع. اتهمت الولايات المتحدة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بـ"زعزعة استقرار السودان وتقويض هدف التحول الديمقراطي" ، وهو ما أدانته وزارة الخارجية السودانية ووصفته بأنه "غريب ومقلق". وعلى صعيد متصل أيضاً، اتهم وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف أيضاً باسم حميدتي، بارتكاب "إبادة جماعية" في البلاد. ويتنافس طرفا الصراع على السلطة منذ العامين الماضيين، ما أدى إلى نزوح نحو 12 مليون شخص وترك 25 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات غذائية. وبحسب وكالة فرانس برس، فإن العقوبات الجديدة لن يكون لها تأثير يذكر على البلاد نتيجة هذه الإجراءات السابقة. أثارت هذه الخطوة الأمريكية الأخيرة توترات بشأن تورط الإمارات العربية المتحدة في الصراع. وكانت العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والسودان قد ظلت قائمة حتى وقت سابق من هذا الشهر، عندما اتهمت الحكومة السودانية الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وهو ما تنفيه الإمارات. وبعد الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الإمارات الأسبوع الماضي، سعى الديمقراطيون في الكونغرس إلى منع بيع الأسلحة من الولايات المتحدة إلى الإمارات، جزئياً بسبب تورطها المزعوم في الصراع. وقال مصدر دبلوماسي سوداني لوكالة رويترز للأنباء إن الولايات المتحدة فرضت العقوبات الجديدة على السودان "لصرف الانتباه عن الحملة الأخيرة في الكونغرس ضد الإمارات". وفي وقت سابق من هذا الشهر، رفضت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة مسعى السودان لمقاضاة الإمارات العربية المتحدة بتهمة "الإبادة الجماعية".


شفق نيوز
منذ 4 أيام
- شفق نيوز
كوستاريكا.. اعتقال "قطة" بتهمة تهريب المخدرات (فيديو)
شفق نيوز/ أعلنت وزارة العدل في كوستاريكا (دولة في أمريكا الوسطى)، القبض على قطة أثناء محاولتها تهريب المخدرات إلى داخل سجن. وذكرت الوزارة في منشور على "فيسبوك"، أن "الحراس في سجن بوكوسي ألقوا القبض على قطة تسلقت سياج السجن وهي تحمل نحو 236 غراماً من الماريجوانا ونحو 68 غراماً من الهيروين وأوراقا تستخدم في تغليف المخدرات مربوطة على ظهرها". وبحسب مقطع فيديو نشرته وزارة العدل، تمكن حراس السجن من القبض على القطة أثناء تسلقها سياجاً من الأسلاك الشائكة. وأفادت الوزارة في بيان بأن "ضابطاً متمركزاً في أحد الحصون رصد الحيوان في المنطقة الخضراء وأثار الإنذار على الفور". وأضافت أنه "بفضل الإجراءات السريعة التي اتخذها الضباط، تم القبض على القطة وإزالة الطرود، مما منعها من الوصول إلى وجهتها النهائية". وفي المجمل، عثر المسؤولون على حزمتين من الماريجوانا والهيروين، بالإضافة إلى أوراق تستخدم في تغليف المخدرات، بحسب بيان الوزارة. ويقول المسؤولون إنهم يقومون بمراجعة لقطات المراقبة الأمنية لمحاولة تتبع تحركات القطة قبل أن يكتشفها حراس السجن في محاولة لمعرفة من حاول تهريب المخدرات إلى داخل السجن ولمن كانت مرسلة. ووفقاً لشبكة "بي بي سي" سلم مسؤولو السجن القطة إلى الهيئة الوطنية لصحة الحيوان لإجراء تقييم بعد نزع المخدرات من ظهرها.


شفق نيوز
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
"فيها كل عناصر السعادة، وكل عوامل الانفجار"... ماذا نعرف عن مدينة جرمانا السورية؟
لم تكن ليلة الثلاثاء 29 أبريل/نيسان الماضي كغيرها في جرمانا، المدينة السورية المكتظة بالسُكّان جنوب شرقي دمشق. ففي أقل من ساعة، تحوّلت شائعة على تطبيق "واتساب" إلى كابوس جماعي. إذ أدى تسجيل صوتي منسوب لرجل درزي، يتضمّن إساءة للنبي محمد، إلى إشعال فتيل اشتباكات مسلّحة. ورغم أن الرجل المعني نفى صحة التسجيل المنسوب إليه، فإن المعلومات المضللة اختلطت بالخلفيات الطائفية والأسلحة النارية، ليقضي سكان جرمانا ليلة دامية، في مدينة طالما اعتُبرت نموذجاً للتعايش السوري. واليوم، يخيّم على زوايا جرمانا "هدوء هش يُخفي تحت سطحه بقايا جرح لم يُعقَّم، بل تمّت لملمته فقط"، على حد وصف الكاتب الصحفي يعرب العيسى، المقيم في المدينة منذ 27 عاماً. ويقول العيسى: "الوضع هادئ الآن، لكن أي استفزاز بسيط قد يعيد إشعال الفتيل. فالتوتّر في سوريا عام، لكنه أكثر حدّة في مناطق مثل جرمانا، وصحنايا، والسويداء". جرمانا، مدينة سورية تقع على بُعد 5 كيلومترات جنوب شرق دمشق، ومن أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان. رغم أنها تُدرج رسمياً ضمن محافظة ريف دمشق، إلا أن مدينة جرمانا لا تختلف كثيراً عن العاصمة، لا في عمرانها ولا في تداخلها السكاني. "هي أقرب إلى امتداد متصل لدمشق"، كما يصفها نيروز ساتيك، الباحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة ساسكس البريطانية في مقابلة مع بي بي سي عربي. لم تعد جرمانا قرية زراعية كما كانت تاريخياً، عندما كانت تشكل جزءاً من قرى غوطة دمشق، قبل أن تتمدد وتتحول إلى مدينة مكتظة ومتشعبة. هذا التحول كان نتيجة طبيعية لموقعها الجغرافي المحاذي للعاصمة، وللهجرات الداخلية المتتابعة منذ عشرات السنين. يقول يعرب لبي بي سي إن المدينة هي حاضرة قديمة تعود جذورها إلى حقبة ما بعد ميلاد المسيح حين كانت تضم ديراً مسيحياً للقديس جرمانوس، منح المدينة اسمها. سكنها الدروز في القرن الحادي عشر بعد هجرتهم من مصر عقب ضعف الدولة الفاطمية. فعندما تعرضوا للتضييق، استقروا في مناطق متفرقة من بلاد الشام، منها جبل الشوف في لبنان، وجبل السماق شمالاً (قرب إدلب)، وقريتان قرب دمشق هما جرمانا وصحنايا. يؤكد يعرب أن جرمانا كانت تاريخياً مدينة منفتحة على التنوع، سكنها المسيحيون والدروز بداية، لكنها جذبت لاحقاً سكان من معتقدات مختلفة، ما أذكى التسامح الطائفي والديني. "كانت منطقة مرغوبة، بجوار الغوطة، فيها نهر وطبيعة وهواء عليل، فتوسعت وتحوّلت إلى المدينة الأكثر تنوعاً وحرية في سوريا". جرمانا: مدينة اللاجئين لكنّ محطات التحوّل الكبرى بدأت مع موجات الهجرة المعاصرة. ففي عام 2003، استقبلت جرمانا أول موجة من اللاجئين العراقيين، خصوصاً المسيحيين، ما خلق ضغطاً عمرانياً واقتصادياً، فأُنشئت أحياء جديدة وسرعان ما صارت المدينة تضج بالحياة. ثم بدأت الثورة السورية عام 2011 التي تحولت صراعاً مسلحاً، وجلبت معها نازحين من مدن دير الزور ودرعا وإدلب وحلب والغوطة. عشرات الأحياء بُنيت بسرعة، ما أضاف طبقات سكّانية جديدة، وخلق احتكاكات مستمرة بين فئات ومناطق وعشائر مختلفة. وبحسب يعرب، فإن عدد سكان جرمانا اليوم يُقدّر بنحو مليون نسمة. ولا يشكل الدروز – رغم رمزية وجودهم – أكثر من 25 في المئة من السكان، بينما أبناء المدينة الأصليين لا يتجاوزون 6 أو 7 في المئة، بحسب تقديرات. لم نستطع في بي بي سي الاطلاع على السجلات الرسمية التي تُظهر التغيرات الديموغرافية على مدار السنوات الأخيرة. ومع ذلك، تبقى الإدارة اليومية للمدينة بيد "الهيئة الروحية للدروز"، إلى جانب هيئة مدنية يعمل الجميع على احترامها والتعامل معها كمرجعية. فبحسب الناشط السياسي مروان حمزة، وهو ابن المنطقة: "الدروز لهم الكلمة الفصل" في إدارة المدينة؛ فغالبية المراكز الإدارية الرسمية، بما في ذلك رئاسة البلدية، يديرها أفراد من الطائفة الدرزية، بينما تلعب المشيخة الدينية الدور الأبرز في رسم السياسات المحلية، سواء داخل الطائفة أو في علاقتها مع باقي مكونات المدينة، كما يوضّح. بعد عام 2011، ومع نزوح عدد كبير من سكان السويداء إلى جرمانا، تعزز هذا الدور أكثر. يوضح حمزة أن "أي بيان يصدر عن المشيخة أو دار الطائفة يُنفذ فوراً من جميع السكان، وليس من الدروز فقط"، في إشارة إلى احترام السلطة الدينية العليا وقدرتها على ضبط الشارع. ويتابع: "خلال الأحداث الأخيرة، كانت بيانات المشايخ في جرمانا بمثابة صمّام أمان، إذ ساهمت بشكل كبير في تهدئة التوتر ومنع تصاعد الصدامات". لكن هذا التنوع كان سيفاً ذا حدين. فكما شكّل مصدر غنى، كان أيضاً نواةً قابلة للاشتعال. "ما حصل في الأيام الماضية كان مجرد نتيجة لتراكم احتكاكات قديمة"، يروي يعرب، مشيراً إلى حادثة انتشار تسجيل صوتي مزور لشخص يسب النبي محمد، قيل إنه رجل درزي من السويداء. فقامت جماعات متطرفة بالاعتداء على أهل جرمانا، في مشهد يدل على مدى استعداد النفوس للاشتعال بفعل الشحن الطائفي المسبق، بحسب وصفه. وفي السويداء، خرجت بيانات دينية من مشيخة العقل – الجهة الدينية العليا للطائفة الدرزية – تندد بالتسجيل وتؤكد عدم صحته، داعية إلى التهدئة و"عدم الانجرار خلف الفتنة". وأصدر الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز المرجعيات الدينية لدروز سوريا، بياناً يُدين الإساءة ويشدد على احترام الرموز الدينية لجميع الطوائف، مع التأكيد على أن الصوت ليس لأحد من مشايخ السويداء. وأصدرت وزارة الأوقاف لاحقاً موقفاً مقتضباً يدعو للوحدة الوطنية و"رفض الفتنة". موقف جرمانا من الثورة السورية؟ منذ الأيام الأولى للحرب السورية، اختارت جرمانا موقعاً حذراً: "حياداً إيجابياً" بحسب يعرب. فالدروز في سوريا لم يقفوا بشكل صريح مع النظام، لكنهم لم يواجهوه أيضاً. في جرمانا، فرض الموقع الجغرافي حساسيات إضافية، فهي البوابة التي تفصل العاصمة عن الغوطة الثائرة - الريف الدمشقي ذو الغالبية السنية. في سنوات الثورة، لعبت المدينة دور الوسيط غير المُعلن: طلبت من القرى المجاورة عدم الاعتداء عليها مقابل عدم السماح بدخول قوات النظام من جهتها، وفقاً لمروان. أما مؤسسات الدولة داخل جرمانا، فقد بقيت قائمة حتى في لحظات انهيار السلطة في مناطق سورية أخرى. "البلدية، المحكمة، السجل المدني... لم تُمس"، يقول يعرب، بعكس كثير من مدن سوريا التي شهدت عمليات سلب ونهب واسعة. بعد التسوية التي جرت في الغوطة في 2018، عاد قسم من المهجرين إلى بلداتهم، فانخفض عدد السكان قليلاً. وفي المقابل، خضعت المدينة لترتيبات أمنية مع النظام. جرى التفاوض حول سلاح الفصائل المحلية، فرفض سكان المدينة تسليمه بالكامل. بدلاً من ذلك، سُلّمت الأسلحة الثقيلة فقط، فيما دُمجت عناصر الحماية المحلية ضمن قوات الأمن العام، وارتدوا زيّه الرسمي، ليتحول أبناء جرمانا إلى "أمن عام" بشكل رسمي، في صيغة ترضية لجميع الأطراف، وفقاً ليعرب. رغم هذه "التهدئة الشكلية"، تبقى جرمانا مدينة على حافة الانفجار. "فيها كل عناصر السعادة، وكل عوامل الانفجار"، يصف يعرب. فهي "مرآة سوريا المصغرة: جميلة، متنوعة، ومتوترة. وتنتظر شرارة". أما تفاعل جرمانا مع انتفاضة السويداء لعام 2023، فلم يكن مفاجئاً، بحسب نيروز ساتيك. "رغم أن المظاهرات لم تكن حاشدة بفعل القبضة الأمنية الصارمة في ريف دمشق، إلا أن الإيقاع السياسي فيها كان متقارباً مع حراك السويداء، بما يعكس ارتباطاً وجدانياً وثقافياً مستمراً مع الجنوب السوري". تعرضت جرمانا خلال الحرب لعشرات التفجيرات وعمليات الاغتيال، أبرزها الهجوم على موقف للسيارات عام 2012 أودى بحياة العشرات، وتفجيرات أخرى عامي 2013 و2015. مرحلة ما بعد الأسد مع سقوط النظام السوري في ديسمبر/ كانون الأول 2024، احتفل سكان جرمانا كغيرهم في أنحاء سوريا. وفي مساء الجمعة 28 فبراير/شباط 2025، اندلع اشتباك مسلح عند أحد الحواجز المحلية في المدينة، أسفر عن مقتل موظف في وزارة الدفاع السورية، يُدعى أحمد الخطيب، وإصابة عنصر أمني آخر بجروح بالغة. التحقيقات الأولية أشارت إلى أن منفذي الهجوم ينتمون إلى مجموعة مسلحة محلية، يُعتقد أنها تحتفظ بصلات تنظيمية مع أجهزة النظام السابق. وبعد ساعات من الحادثة، رفضت الميليشيا تسليم المتهمين للسلطات، رغم المحاولات المتكررة للتهدئة من أطراف مدنية ودينية. بحلول مساء الأحد 2 مارس/آذار، تحوّل التوتر إلى حالة من الانفلات، مع قيام مجموعات مسلحة بنصب حواجز عشوائية وفرض سيطرة على بعض مداخل المدينة. واستُخدمت هذه الحواجز في عمليات تفتيش واحتجاز وإطلاق نار في بعض المناطق السكنية، مما أثار ذعر الأهالي. عقب ذلك بيوم واحد، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة السورية الجديدة عن بدء عملية أمنية رسمية في جرمانا، هدفها إنهاء "الفوضى الأمنية" وملاحقة الجناة، إضافة إلى تفكيك النقاط المسلحة غير النظامية التي انتشرت. العملية الأمنية شملت انتشاراً لعناصر الشرطة العسكرية، وإغلاق بعض الطرق المؤدية إلى الأحياء الشرقية، فيما سُجّلت اعتقالات محدودة بحق أفراد يُشتبه بضلوعهم في الهجوم أو في أعمال تخريب لاحقة. يأتي التصعيد الأخير في جرمانا في لحظة دقيقة تمر بها سوريا، حيث لا تزال الحكومة الجديدة - التي تشكّلت بعد انهيار النظام السابق في ديسمبر/ كانون الأول - تحاول إعادة ترتيب مؤسّساتها، وسط مشهد أمني لم يستقر بعد. فبينما تعلن السلطات أن الجماعات المسلحة قد أُدمجت بالكامل ضمن هيكل الدولة الجديدة، لا تزال تقارير محلية تتحدث عن مجموعات تتحرك بشكل منفصل، يُقال إنها لم تخضع بعد للقيادة المركزية، ما يجعل مدناً مثل جرمانا أكثر عرضة للاشتباكات الداخلية. لكن هذه الرواية لا تحظى بإجماع. فبحسب عدد من سكان المدينة ونشطاء سياسيين تحدثوا لـبي بي سي، فإن تحميل المسؤولية لما يُوصف بـ"الفصائل غير المنضبطة" لم يعد مقنعاً، خاصة أن قائد الحكومة أحمد الشرع كان قد رعى بنفسه سلسلة من المصالحات، أفضت إلى إدماج معظم المقاتلين في أجهزة الدولة، بما فيها قوات الأمن العام والشرطة المحلية. BBC اقتصاد هش اليوم، يعيش سكان جرمانا في ظل أوضاع اقتصادية صعبة. المدينة، مثل غيرها من ضواحي دمشق، تعاني من ارتفاع هائل في الإيجارات والأسعار، وانقطاع مستمر للكهرباء والماء. الكهرباء في جرمانا، كما في باقي مناطق سوريا، تُقطع معظم ساعات اليوم، تُقسم إلى أربع دورات، وتتوفر لمدة ساعة ونصف كل ست ساعات، ما يعني نحو خمس إلى ست ساعات تتوفر فيها الكهرباء يومياً. لكن بعض الأحياء تعتمد على مولّدات خاصة وخطوط بديلة تُباع خدماتها بأسعار مرتفعة. أما الإيجارات، فتتفاوت بشكل كبير حسب المنطقة ومستوى البناء. في الأحياء المكتظة، يمكن العثور على شقق صغيرة مكتظة وغير مؤهلة للإقامة مقابل 50 دولاراً شهرياً. في المقابل، قد تصل الإيجارات في المناطق الجيدة إلى 500 دولار، مع متوسط عام يتراوح بين 200 و300 دولار للشقق المتوسطة. أما المحلات التجارية، فتصل إيجاراتها إلى أرقام خيالية، حيث يؤجر بعضها بأكثر من 2000 دولار شهرياً. علماً أن تسعة من كل عشرة أشخاص في سوريا يعيشون في فقر وإن واحداً من كل أربعة عاطل عن العمل، وفقاً للأمم المتحدة. الكثير من العائلات تقطن في أحياء مكتظة، بعضها بلا بنى تحتية، خصوصاً العائلات النازحة. ومع ذلك، لا تزال المدينة تنبض بالحياة. مقاهٍ، أسواق، مدارس خاصة، ومراكز تدريب. في ظل هذا التنوّع، يُحافظ الناس على نوع من التعايش الصامت. يلتقي الدروز والمسيحيون والسنة في الأسواق والمدارس، ويفصلهم فقط صراع سياسي.