
«حضرة المحترم» و«بقايا اليوم»
ومؤخرًا طالعت رواية «بقايا اليوم» The remains of the day الفائزة بجائزة بوكر البريطانية لعام ١٩٨٩ للروائى البريطانى من أصل يابانى كازو إيشيجورو الذى نال جائزة نوبل فى الأدب لعام ٢٠١٩. لفت انتباهى تشابه العملين فى أمرين: أولهما الاهتمام بالتحليل النفسى للبطل، وهو موظف بيروقراطى طامح فى «حضرة المحترم» ورئيس خدم ملتزم فى «بقايا اليوم»؛ وثانيهما هو أسلوب التناول المختصر المتقن.
يعتقد عثمان بيومى بطل محفوظ أن «هناك طريقًا سعيدة تبدأ من الدرجة الثامنة وتنتهى متألقة عند صاحب السعادة المدير العام.. تلك هى سدرة المنتهى حيث تتجلى الرحمة الإلهية والكبرياء البشرى.. إنها مهمة مقدسة ودينية. بها تتحقق ذاته فى خدمة الجهاز المقدس المسمى بالحكومة أو الدولة.. الوظيفة خدمة الناس وحق للكفاءة وواجب للضمير الحى وكبرياء للذات البشرية وعبادة لله خالق الكفاءة والضمير والكبرياء.. الموظف مضمون غامض لم يفهم على وجهه الصحيح بعد. الوظيفة فى تاريخ مصر مؤسسة مقدسة كالمعبد، والموظف المصرى أقدم موظف فى تاريخ الحضارة. إن يكن المثل الأعلى فى البلدان الأخرى محاربًا أو سياسيًا أو تاجرًا أو رجل صناعة أو بحارًا، فهو فى مصر الموظف».
أيضًا مستر سيفنس بطل إيشيجورو شخص محترف رزين، مهمته أن يتأكد من تقديم خدمة ممتازة ومنضبطة فى قصر مخدومه. يقول: «رؤساء الخدم العظام عظام لأنهم قادرون على البقاء فى دورهم المهنى، الإقامة فيه برسوخ، الأحداث الخارجية لا تهزهم مهما كانت مزعجة أو منغصة، إنهم يرتدون مهنيتهم كما يرتدى رجل أنيق حلته». ويعتقد أن الإنجليز يمتازون عن غيرهم فى هذا المجال لانضباطهم الشديد. ويشعر بالرضا عن نفسه لأن «جهوده تمثل إسهامًا فى مسيرة التاريخ، مهما كانت تلك الجهود متواضعة». وهو يفسر أهمية دوره على هذا النحو: «رؤساء الخدم من جيل والدى كانوا ينظرون إلى العالم كأنه سلم. فى أعلى السلم توجد بيوت النبلاء وذوى المناصب واللوردات من العائلات القديمة. بعد ذلك يأتى «محدثو الثروة»، ثم يهبط السلم ويهبط، حيث تتحدد الدرجة بامتلاك الثروة من عدمه. رئيس الخدم الطموح كان يبذل قصارى جهده لكى يتسلق هذا السلم بأقصى ما يستطيع.. وبالنسبة لجيلنا، أظن أن من الدقة القول إنه لم يكن ينظر إلى العالم كسلم، وإنما كعجلة تدور..! وتلك القصور هى صرة العالم، تنطلق منها القرارات الكبرى وتتوزع على الآخرين، أغنياء وفقراء، ممن يدورون حولها. وكان كل أمل من لديه طموح مهنى منا هو أن يشق طريقه لكى يقترب من صرة تلك العجلة».
رغم طموح البطلين الوظيفى إلا أنهما يسلمان بوجود سقف لا يمكن تجاوزه، فمنتهى أمل عثمان أن يصير مديرًا عامًا: «ها هو يقف فى حضرة المدير العام، فى متناول أنفاسه، فى مجال رائحته الذكية، يكاد يسمع نبضه، ويقرأ أفكاره، ويستلهم رغائبه، ويُنفذ – قبل البوح – أوامره، ويقرأ المستقبل على ضوء ابتساماته، وقرة عين حلمه الأبدى أن يجلس ذات يوم مكانه». أما وظيفة وكيل وزارة أو وزير فهى خارج حساباته، وإن وصف نفسه بأنه «إنسان تلخص فى خبرة مؤيدة بالعلم والعمل، وفتاواه الرائدة فى الإدارة والمخازن والمشتريات لو جمعت فى كتاب لكانت دائرة معارف فى الشئون الحكومية؟».
ويقر ستيفنز بأن «وظيفة رئيس الخدم هى أن يقدم خدمة جيدة، وليس أن يتدخل فى الشؤون العليا للدولة، ذلك أنها ستكون فوق مستوى فهم أمثالك وأمثالى. ومن يريد أن يترك أثرًا مفيدًا لابد من أن يدرك أن أفضل ما يمكن أن يقدمه لذلك، هو التركيز على ما هو فى مجالنا. أى بتكريس كل الجهد والاهتمام من أجل تقديم أفضل خدمة ممكنة لأولئك السادة الذين يملكون تقرير مصير الحضارة بالفعل.. ما العيب فى ذلك؟ المرء يقبل حقيقة لا مفر منها، وهى أن أمثالك وأمثالى لن يكون بإمكانهم أن يفهموا الأمور الكبرى فى العالم، ومسارنا الأفضل هو أن نضع ثقتنا دائمًا فى مخدوم نراه عاقلًا وشريفًا، وأن نكرس كل جهدنا لخدمته بقدر الاستطاعة».
تأتى النهاية متشابهة فى الروايتين، فيعترف عثمان، بعدما تسربت منه حياته فى انتظار المنصب المأمول: «ماذا فعلت بنفسى؟ أجل، ما معنى حياة زوجية بدائية بلا حب حقيقى أو علاقة روحية أو أمل فى ذرية أو مجرد زمالة إنسانية؟!»، وبالنسبة لستيفنز انعكس انضباطه الصارم على حياته الشخصية، فأخفت مشاعره الحقيقية وتركته إلى حد ما أجوف خاويًا ووحيدًا، وهو ما شاهدناه فى أداء أنتونى هوبكنز الرائع فى الفيلم الذى عرض عن الرواية فى عام ١٩٩٣ ورشح لثمانى جوائز أوسكار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المصريين بالخارج
منذ 4 دقائق
- المصريين بالخارج
المسلماني: إطلاق اسم أحمد زويل على استديو 45 بماسبيرو في الذكرى التاسعة لرحيله
أعلن الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام إطلاق اسم العالم الكبير الدكتور أحمد زويل على استديو 45 بالإذاعة المصرية بمناسبة الذكرى التاسعة لرحيله. وقال المسلماني - في بيان اليوم - "إن الإعلام العلمي يعاني تراجعاً كبيراً ونحن بصدد دراسة كيفية النهوض به وقد أعلن التليفزيون المصري في هذا الصدد عن إطلاق برنامج كلام في العلم مع الدكتور سامح سعد كمقدمة لبرامج علمية أخرى، واليوم نتذكر بكل التقدير العالم العربي الأشهر الدكتور أحمد زويل الذي حاز على جائزة نوبل منفرداً في الكيمياء عام 1999، وقد كان للإذاعة المصرية دور كبير في تقديمه للرأي العام المصري والعربي". Page 2


الدستور
منذ 14 دقائق
- الدستور
بالدم وليس بالحبر
«أنتم تكتبون بالحبر، أما أنا فأكتب بالدم».. كانت هذه صيحة الكاتب الروسى أندريه بلاتونوف فى وجه أحد أدباء السلطة السوفيتية، بعد أن عانى الكاتب العظيم طويلًا من اضطهاد السلطات ومصادرة أعماله ومخطوطاته الأدبية خلال تفتيش منزله، ثم منع نشر أى عمل له إلا بعد عشرات الأعوام، ورغم ذلك كله تشبث بلاتونوف «١٨٩٩- ١٩٥١» بالأدب والتعبير الفنى بدم القلب وليس بحبر المطابع. ترى ما الذى يجعل الأدب، أو الفن عامة، قضية حياة أو موت، يضحى إنسان ما فى سبيلها براحته، بل ويعرض نفسه للاعتقال والحبس وقطع الأرزاق؟ وتعرض يوسف إدريس للاعتقال عدة مرات فى فترات مختلفة من حياته ولم يهجر الأدب الذى زج به إلى الزنزانة. ما السر وراء تعلق الفنان بفنه حتى لو خسر الكثير من راحة البال والأمن وعاش مطاردًا؟. لا بد أن يكون الدافع إلى التعبير «بالدم وليس بالحبر» قويًا، بل يكون جبارًا فى نفس المبدع، بحيث يصبح الفن معادلًا للوجود الملموس وحياة الفنان. وفى المقابل يحفل تاريخ الأدب بمن انكسروا فى منتصف الطريق، وأشهرهم الشاعر آرثر رامبو الذى هجر الشعر نهائيًا وهو فى العشرين بعد أن جمع آخر قصائده فى ديوان «إضاءات»، ثم اتجه إلى التجارة وبيع السلاح والقهوة فى إفريقيا. هناك من ساقتهم الظروف إلى تعديل مسارهم، مثل الروائى الكبير فرانسيس سكوت فيتزجيرالد، مؤلف رواية «جاتسبى العظيم»، الذى اتجه إلى كتابة سيناريوهات الأفلام فى هوليوود لأسباب مادية، بينما تعرض الكاتب الروسى ألكسندر سولجينتسين للسجن ثمانى سنوات بعد أن بعث برسائل خاصة لأحد أصدقائه تضمنت انتقادات حادة للطريقة التى أدار بها ستالين الحرب، فاتُهم بنشر دعاية معادية للنظام وتأسيس منظمة معادية، وفى ٧ يوليو عام ١٩٤٥ حكم عليه بثمانى سنوات فى أتعس معسكرات للعمل الشاق، ثم طرد من الاتحاد السوفيتى عام ١٩٧٤، لكنه لم يتوقف واستمر حتى فاز بجائزة نوبل. ما الذى لا ينطفئ فى المبدع بحيث يتمسك بالتعبير؟ البعض يعدلون مسارهم، البعض يهجر الأدب، لكن قلما نرى من يلعن الطريق التى بدأ السير عليها، ظهر ذلك فى حالات نادرة منها الفنان حسين صدقى الذى بدأ حياته الفنية عام ١٩٣٧ بفيلم «تيتاوونج»، ثم أسس شركته لإنتاج الأفلام، وبلغ رصيده من الأفلام عشرين فيلمًا، وقبل أن يتوفاه الله فى ١٩٧٦، أوصى أولاده بحرق كل أفلامه، لأنه اعتقد أنها لم تكن على صلة وثيقة بالدين. لكن حالة حسين صدقى من الحالات النادرة التى يكفر فيها الفنان بالفن، بينما يكتفى المتراجعون عادة بتبرير نكوصهم، مثلما فعلت المطربة الممثلة شريفة ماهر التى اعتزلت الفن واتجهت إلى المشاريع التجارية، وقالت إن الفن «ما بيوكلش عيش». ويبقى السؤال: ما الذى يناله المبدع من عكوفه على الفن بحيث يحتمل فى سبيله كل المعاناة؟ لا بد أن يكون هناك شىء يمنح الفنان عندما يبدع سعادة أكبر من كل شىء، لكن ذلك لا يحدث إلا عندما تكون الكتابة والإبداع «بالدم.. وليس بالحبر».


الاقباط اليوم
منذ ساعة واحدة
- الاقباط اليوم
إطلاق اسم أحمد زويل على استديو 45 بماسبيرو
أعلن الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام إطلاق اسم العالم الكبير الدكتور أحمد زويل على استديو 45 بالإذاعة المصرية بمناسبة الذكري التاسعة لرحيله. وقال المسلماني - في بيان اليوم - "إن الإعلام العلمي يعاني تراجعاً كبيراً ونحن بصدد دراسة كيفية النهوض به وقد أعلن التليفزيون المصري في هذا الصدد عن إطلاق برنامج كلام في العلم مع الدكتور سامح سعد كمقدمة لبرامج علمية أخرى، واليوم نتذكر بكل التقدير العالم العربي الأشهر الدكتور أحمد زويل الذي حاز على جائزة نوبل منفرداً في الكيمياء عام 1999، وقد كان للإذاعة المصرية دور كبير في تقديمه للرأي العام المصري والعربي". وأضاف رئيس الهيئة الوطنية للإعلام "أنه كان للإعلامية الكبيرة آمال فهمي وبرنامجها الشهير علي الناصية دور كبير في تقديم الدكتور زويل لجمهور عريض من المستمعين، وقد كان من حظي أني كنت ضيفاً مرات عديدة على الأستاذة آمال للحديث عن الدكتور زويل وتبسيط أبحاثه العلمية". وتابع "وقد كان لإذاعيين آخرين دور كبير في الإضاءة علي العالم الكبير، وكان الدكتور زويل بدوره واحداً من جمهور الإذاعة في الفترات التي كان يقضيها في مصر واليوم ونحن نتشرف بإطلاق اسمه على استديو 45 إذاعة، فإننا نكرم أنفسنا بتكريم أحد أعظم علماء العرب منذ الحسن بن الهيثم وحتي اليوم". واستطرد المسلماني "يعمل مركز ماسبيرو للدراسات بالتعاون مع القناة الثقافية وإذاعة البرنامج الثقافي على إعداد ندوة موسعة بشأن واقع ومستقبل الإعلام العلمي في مصر، وذلك في إطار مبادرة أشمل تقودها الهيئة بهدف تبسيط العلوم واجتذاب جيلي (زد) و(ألفا) نحو الثقافة العلمية وإتاحة المعرفة الجادة لغير المتخصصين".