logo
عروض دولية وتراث تونسي يُثري مهرجان صفاقس ويعزز الحراك الثقافي والاقتصادي

عروض دولية وتراث تونسي يُثري مهرجان صفاقس ويعزز الحراك الثقافي والاقتصادي

صدى البلد٢٣-٠٧-٢٠٢٥
قال مدير مهرجان صفاقس الدولي، السيد فرحات بريك، إن الدورة الحالية تمثل توازنًا دقيقًا بين الإمكانيات المالية المتاحة وجودة العروض، مؤكدًا أن إدارة المهرجان حرصت على مراعاة القدرة الشرائية للجمهور، مع الحفاظ على تنوع فني يحترم الذائقة المحلية.
وشدد بريك خلال مداخلة هاتفية عبر فضائية 'القاهرة الإخبارية'، على أهمية التراث التونسي في تركيبة المهرجان، حيث افتُتحت الدورة بعرض "24 عطرًا"، وهو عمل فني يستعرض لوحات فلكلورية موسيقية تمثل 24 ولاية تونسية، إلى جانب عروض من طراز الحضرة والنوبة والزيارة، المستلهمة من الهوية الموسيقية الشعبية.
أما العروض الدولية، فتتضمن عرضًا للشاب السوري الشامي يوم 1 أغسطس، بالإضافة إلى سهرة تكريمية بعنوان أم كلثوم: مئة عام من الإبداع، تؤديها الفنانة اللبنانية ساندي لطفي بمشاركة التونسية نسرين بوشناق. كما يشهد المهرجان مشاركة صربية في إطار برنامج تبادل ثقافي بين تونس وصربيا.
من جهة أخرى، أكد بريك أن للمهرجان دورًا تنمويًا واجتماعيًا متصاعدًا في صفاقس، موضحًا أن الفعاليات تسهم في إنعاش الحركة السياحية والتجارية، وتوفير فرص اقتصادية عديدة، مضيفًا: "حتى الندوة الصحفية عقدناها في فضاء تجاري مفتوح، ورافقناها بعرض موسيقي حي لربط الثقافة بالتنمية".
وختم بالتعبير عن أمله في استمرار هذا الزخم الثقافي، قائلاً: "نطمح لتوسيع رقعة العروض مستقبلاً، حتى تكون الثقافة رافعة للحياة في صفاقس، لا مجرد ترفٍ موسمي".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مسؤول مصري كبير يكشف... دولة لبنان ثرية وهي تمتلك المال الكافي...
مسؤول مصري كبير يكشف... دولة لبنان ثرية وهي تمتلك المال الكافي...

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 3 أيام

  • القناة الثالثة والعشرون

مسؤول مصري كبير يكشف... دولة لبنان ثرية وهي تمتلك المال الكافي...

يُنقَل عن مسؤول مصري كبير قوله، خلال اجتماع جمعه بمسؤولين دوليين وعرب، في مرحلة ما بعد انتهاء الاحتلال السوري للبنان، نوقِشَت خلاله مجموعة من الملفات الإقليمية والدولية، ومن بينها حاجته (لبنان) والجيش اللبناني لتمويل ومساعدات، أنه (المسؤول المصري الكبير) قال:"راح واد (ولد) من عندنا للبنان، والواد ده بيغنّي، وعمل حفلات هناك، وخاد (أخذ) منهم فلوس كتير، ونحنا يافندم منشوف إنوهُم (أنهم) مش مرتاحين، ودولتهم بتقول انها عايزة (تريد) مساعدات وفلوس وحاجات زي كده يعني، ليها (لها) وللجيش...". أم كلثوم والمسؤول المصري الكبير هذا، كان يقصد آنذاك، أحد الفنانين المصريين الذين يزورون لبنان بين سنة وأخرى، لإحياء حفلات تنتهي بإخراج مبالغ ليست قليلة أبداً، وبالعملة الصعبة، منه (لبنان). كما أنها حفلات مُكلِفَة جداً من حيث التنظيم، وكل باقي التفاصيل... ويُنقَل عن المسؤول المصري الكبير هذا، أنه أعطى أم كلثوم مثالاً عمّا يمكن أن يحصل في لبنان، لسدّ جزء من حاجاته، بقوله إنها (أم كلثوم) كانت تخصّص بعض أهم حفلاتها، جزئياً أو بالكامل بحسب المرات والظروف، ونسبة من أرباح أغنياتها، لتمويل الجيش المصري. "شاهد ما شفش حاجة" نعم. هذا هو لبنان، البلد الذي لا يُجيد سوى طلب المساعدات، ومؤتمرات الدعم، من أجل خزينته، وشعبه، وجيشه، فيما يعلم القريب والبعيد، وباعتراف من الجميع، أن مبالغ مالية طائلة قد تتجاوز الـ 6 أو 7 أو 8 مليارات دولار، تتحرك في السوق المحلي، من باب السياحة والأنشطة السياحية والفنية، وبستار سياحة وفنون ومسارح ورياضة وحب الحياة والفرح... خلال موسم واحد فقط، أي خلال صيف معيّن، أو شتاء معيّن... وإذا جمعنا ما يتحرك خلال 12 شهراً، بين صيف وخريف وشتاء وربيع، من مناسبات واحتفالات ومواسم وحفلات... فإن الأرقام تُصبح أعلى بكثير، وهي تتبخّر تبخّراً غير مفهوم، تحت عنوان أنها أموال وتحويلات خاصة مثلاً، تتحرك داخل مؤسسات خاصة، ومن ضمنها، ولا دخل للدولة اللبنانية بها أبداً، أي ان الدولة التي يتحرك فيها المليارات المليارية خلال عام واحد، والتي يُقال لنا إنها بحاجة الى "شحادة" دائمة، تتفرّج على أنشطة تحصل من ضمنها، على طريقة "شاهد ما شفش حاجة". ضريبة سنوية نعم، هذا ما يُقال لنا. ولكن رغم ذلك، ومهما عظُمَت الأكاذيب وكثُرَت، يبقى أن الدولة اللبنانية قادرة على تمويل ذاتها بذاتها، وعلى توفير نسبة كبيرة من احتياجاتها لتوفير الأمن والمعيشة وكل شيء، لشعبها وجيشها على حدّ سواء، انطلاقاً من خطوات بسيطة جداً، يمكن لكل صاحب نيّة حسنة أن يدفع باتّجاهها، وهي من مستوى فرض ضريبة سنوية قد لا تتجاوز الـ 5 في المئة فقط، على كثير من المؤسسات والقطاعات التي تشهد "تحرّكات مالية" سنوية هائلة، يُقال للناس إن لا دخل للدولة اللبنانية بها. فالمواسم السياحية مثلاً، تحتاج الى أمن، إذا لم يتوفّر، لن يكون هناك من مجال لتحقيق أرباح بقيمة 6 أو 7 مليارات دولار مثلاً، خلال صيف واحد (مثلاً). السياحة ومن هذا المنطلق، ومن باب المنطق، لا يحسن للمؤسّسات السياحية التي تحتاج الى الكثير من المجهود الأمني المُكلِف، أن تستفيد هي وحدها، بل من واجب كل واحدة منها، بدءاً بالكبيرة، وصولاً الى الصغيرة، أن تقتطع ولو نسبة 5 في المئة من أرباحها السنوية، لصالح توفير تمويل للجيش اللبناني، وذلك بدلاً من طلب أموال الدعم للجيش من الخارج بنسبة 100 في المئة. كما يمكن للمؤسسات السياحية الكبرى، التي تشهد أنشطة كبرى، أن تزيد تلك النسبة الى 8 أو 10 في المئة مثلاً، نظراً لقدرتها على اقتطاع المزيد والمزيد من حساباتها وخزائنها. المصارف المصارف أيضاً، التي لا تزال "شغاّلة" ومستمرة في بلادنا، رغم الفوضى المالية، والعمل على طريقة "حارة كل مين إيدو إلو". فهذه أيضاً، تنعم برعاية وحماية أمنية، منذ خريف عام 2019، وبمجهود كبير. ومن أبسط ما يُقال ضمن هذا الإطار، هو أنه حان الوقت لتقوم تلك المؤسسات (المصارف) بـ "ردّ الجميل" للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، وأن تتقبّل فكرة دفع ضريبة سنوية تقتطع نِسَباً من أموالها وأرباحها وأعمالها، لصالح تمويل الجيش اللبناني. رجال مال وأعمال أيضاً وأيضاً، هناك نسبة لا بأس بها من الصناعيين ورجال المال والأعمال في لبنان، الذين ينعمون بحمايات أمنية، فيما بعضهم ينشط ضمن المجال السياسي أيضاً، ومن داخل مجلس النواب أو الحكومة. فبعض هؤلاء وسّعوا أعمالهم وإنتاجهم الصناعي كثيراً، في مرحلة ما بعد خريف 2019، وذلك رغم أنهم يتحدثون عن سرقة الودائع، وتبخُّر المدخرات، مؤكدين أنهم من فئة "المعتّرين". ولكن باليوميات التطبيقية، نجد أن أعمال وصناعات هؤلاء كلّهم، نَمَت كثيراً بين خريف 2019 وصيف 2025، الى درجة أن بعضهم قد يُصنّع كل أنواع الممنوعات ربما بعد، للإمساك بالسوق على المستويات كافة. وأمام هذا الواقع، يمكن فرض ضريبة سنوية معينة على أعمال وأرباح هؤلاء، لتمويل الجيش اللبناني، خصوصاً أنهم يحتاجون الى خدمات الجيش بالأمن، من أجل نمو أعمالهم وأرباحهم. 10 مليارات أمر آخر أيضاً، وهو أنه يمكن فرض ضرائب سنوية على أسماء كبيرة تُمسِك بعدد من القطاعات الحيوية المهمّة في بلادنا، وهي تتقاضى أموالاً طائلة لتلميع صورة حكم معيّن، ولِلَمْلَمَة أي نوع من الأخطاء والانتهاكات السياسية والقضائية والأمنية...، وللتسويق لسياسات ومشاريع معينة، ذات طابع داخلي وخارجي، على حدّ سواء. نعم، هذا غيض من فيض وسائل كثيرة، يمكن الاستعانة بها لتمويل لبنان وشعبه وجيشه. وسائل قادرة على توفير ما يتجاوز 10 مليارات دولار خلال عام واحد، وليس في غضون 10 سنوات فقط. أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم" انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

فى ذكراه.. طارق عبد العزيز ترك المحاماة وقصة مرضه ووفاته أثناء التصوير
فى ذكراه.. طارق عبد العزيز ترك المحاماة وقصة مرضه ووفاته أثناء التصوير

صدى البلد

timeمنذ 3 أيام

  • صدى البلد

فى ذكراه.. طارق عبد العزيز ترك المحاماة وقصة مرضه ووفاته أثناء التصوير

تحل اليوم، الأثنين، ذكرى ميلاد الفنان طارق عبد العزيز الذى قدم عددا من الأعمال الفنية التى تظل علامة فى وجدان المشاهد المصرى. بداية طارق عبد العزيز ولد طارق عبد العزيز عام 1968، في محافظة سوهاج بمصر، وتخرج في كلية الحقوق عام 1991، وكان من دفعته في الجامعة، الفنان خالد صالح. لم يمتهن المحاماة سوى يوم واحد فقط، فلم يحبها، وقرر الانضمام إلى معهد السينما؛ ليدخل عالم الفن. بدأ طارق عبد العزيز مشواره الفني من خلال المشاركة في مسرح الجامعة عام 1986، وانضم إلى فرقة الحركة المسرحية وقدم معها أعمالا عديدة، رفقة زميليه من الجامعة خالد صالح وخالد الصاوي. وبعد ذلك انضم مع حسن الجريتلي إلى فرقة الورشة، والتي كانت أبرز فرقة في هذه الفترة، وشارك معها في مسرحية 'داير ما يدور' . أعمال طارق عبد العزيز وكانت أولى بطولاته في عام 2001، في فيلم 'أصحاب ولا بيزنس'، والذي يعد أهم أدواره السينمائية، وحقق من خلاله نجاحا كبيرا، وعرفه الجمهور بشكل أكبر. الفنان طارق عبد العزيز كان الصديق المقرب للفنان الراحل خالد صالح، فقد كانت تجمعهما صداقة منذ مرحلة الجامعة، وظلت صداقتهما حتى وفاة خالد صالح. وأوضح طارق عبد العزيز أن مرحلة الجامعة كان يعتبر خالد صالح أخا أكبر له، ويلجأ إليه في حل جميع مشاكله، مشيرا إلى أنه دخل مجال الدراما، وشارك في مسلسل 'أم كلثوم"؛ بسبب خالد صالح الذي رشحه للدور. تعرض طارق عبد العزيز لوعكة صحية مفاجئة في شهر مايو الماضي، اضطر على أثرها إلى دخول المستشفى، وخضوعه لعملية قسطرة في القلب وتركيب دعامات. وتعرض طارق عبد العزيز لأزمة قلبية أثناء تصوير أحد مشاهده في مسلسل 'وبقينا اتنين' بطولة شريف منير ورانيا يوسف، إلا أن فريق العمل نقله للمستشفى سريعا ولكنه فارق الحياة.

أين يولد الإبداع الحقيقي؟
أين يولد الإبداع الحقيقي؟

الميادين

timeمنذ 4 أيام

  • الميادين

أين يولد الإبداع الحقيقي؟

لا يولد الإبداع الأصيل من رحم الرخاء والتكريس الرسمي، بل غالباً ما ينبثق من صميم تجربة إنسانية عميقة تتسم بالتمرّد والرفض. إنها معاناة، ليست بالضرورة مادية كالفقر، بل هي معاناة الفكر والروح في مواجهة القيود والمؤسسات الراسخة. فالمبدع الحقيقي، الثائر بجوهره، لا ينصاع لأطر السلطة – سياسيةً كانت أم فنيةً أم اجتماعيةً – ولا يزدهر في ظلّ الانحياز للمسيطر. إنه يبحث عن هواء الحرية في الأماكن المهمَلة والمنسية، حيث تُستلهَم الرؤى من شقوق الأرصفة وهمسات المقهورين. هناك، في الهامش الذي تتجاهله مراكز القوة، يُصاغ الإبداع النقي كفعل تحدٍ وتحرّر، مؤكداً أنّ الفن الأصيل والثورة الحقيقية لا يُولدان في القصور، بل يُستقيان من صعوبة السؤال وجرأة الاختلاف. هذا هو المنبع الذي لا ينضب. فالمبدع الحقيقي لا يعلّب روحه في قوالب مؤسسية، ولا يحتاج إلى جواز سفر أو تأشيرة دخول إلى مملكة الإبداع. زياد الرحباني في شوارع وحانات منطقة الحمرا في بيروت، وبدر شاكر السياب في أهوار البصرة العطشى، والشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم في حارات القاهرة العتيقة، وبوب مارلي في أزقة "ترينش تاون" البائسة — أولئك صاغوا وجودهم من طين الرفض، وحوّلوا هامشهم إلى مركز كوني للإبداع، ثم ظلوا يقاومون تحويل تمرّدهم إلى تماثيل جديدة تُعبَد في ساحات الأتباع. حين صارت "التجربة الرحبانية" معبداً يُشعَل فيه البخور للمنجَز المكرّس، اخترق زياد صمت التابوهات بأغنيات ساخرة. لم يختر أن يكون وريثاً متوّجاً على عرش الأسرة الفنية المبدعة، بل اندفع كعاصفة تعيد ترتيب رؤيته الخاصة للموسيقى والسياسة معاً. كان يسخر من رجال الدين الذين يبيعون السماء، والسياسيين الذين يسرقون اللقمة من أفواه الجياع. لم تُنجَز أغانيه في استوديوهات مكيّفة، بل ولدت أولاً من عرق العمال والباعة المتعبين تحت شمس بيروت. كان يعرف أنّ الفن الحقيقي لا يُصنع في قاعات المؤسسات، بل في العراء، حيث الريح تحمل همسات المقهورين. وكما كسر زياد قيود المؤسسة الفنية/الاجتماعية/السياسية في لبنان، كان بدر شاكر السياب في أطراف البصرة النائية يعلن ثورة على مملكة الشعر القديم. من قرية "جيكور" التي لا يسمع فيها إلا صوت النخيل وسقسقة المياه، انطلقت قصيدة جديدة تحمل جراح اليتم وعطش الأرض. لم تكن "أنشودة المطر" مجرد كلمات، بل كانت صرخة ضد مؤسسة الشعر التي حبست القصيدة في سجن العمود. كيف يمكن لشاعر نشأ بين "البطاحين" أن يقبل بأوزان تقطع أنفاس الصور؟ كتب بأحرف من ماء دجلة: أصيح بك المطر! أصيح بك المطر! وما في الصحراء من رجاء سوى المطر" حتى حين سجنته الحكومات، ظل السجن "هامشاً" لولادة قصيدة. أما في حارة "حوش قدم" بالقاهرة، حيث تخبز الثورات في أفران الفقر، كان ثنائي مصري ينسج من سخرية المقهورين سلاحاً يهز عروش الفراعنة. الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم — ضرير يرى بقلبه، ويتيم يكتب بغضبه — التقيا في غرفة رطبة لا تتسع لأحلامهما الكبيرة. حين عرض عليهما النظام شيكاً بعشرة آلاف جنيه (ثروة فلكية آنذاك) مقابل صمتهما، مزّقاه كالمناديل التي يمسحان بها عرقهما. أغنيتهما "بقرة حاحا" كانت سوطاً على ظهر الفساد، حتى أنّ القاضي أطلق سراحهما من السجن حين سمع كلماتها. لكنّ عبقريتهما الحقيقية كانت في تحويل السجن إلى مسرح: فمن وراء القضبان، صارت زنزانتهما استوديو يلحّن فيه الشيخ إمام، ويكتب نجم قصائد تهشّم جدران الصمت. لقد صاغا فنهما من طين الرفض — رفض التكريس الرسمي، رفض الانصياع، رفض أن يكون الفن مجرّد زينة لقصور السلطة. وفي الجانب الآخر من الكرة الأرضية، حيث تلتهب شمس البحر الكاريبي، كان صبي هجين الدم يحوّل عار العنصرية إلى هتاف للحرية. من أحياء كينغستون الفقيرة، رفع بوب مارلي صوت الريغي كسلاح ضد مؤسسات الاستعمار والدين والمال. لم تقبله الكنيسة الكاثوليكية لأنه "ابن خطيئة"، فخلق من الرستفارية "Rastafari" عقيدة للمهمّشين. وحين عرضت عليه شركات الإنتاج أموالاً مقابل أن يغيّر كلمات "No Woman, No Cry" رفض قائلاً: الحقيقة لا تباع، وفي أغنية "Redemption Song" صار صوته جسراً نحو الحرية: كسرت سلاسل أجسادنا.. فهل نكسر سلاسل عقولنا؟ كانت موسيقاه بذوراً تزرع في تراب الهامش، فتنبت في أصقاع الأرض. هؤلاء الأربعة لم يجمعهم مكان ولا زمان، لكنهم اتحدوا في رفض أن تكون المؤسسة أُمّاً للإبداع. ومع ذلك، فإن خطراً آخر يتربّص بالمبدع الحقيقي بعد موته: خطر أن يُحوَّل تمرّده إلى صنم. فكما هاجم نقّاد قصيرو النظر ألحان إمام بعد رحيله، في المقابل أيّ مبدع يهرب من سجن المؤسسة قد يقع في فخ تقديس أتباعه. زياد الذي تمرّد على موروثه حين صار مؤسسة، والسياب الذي كسر عمود الشعر ليخلق فضاء للحرية، ومارلي الذي حوّل ألم الغيتو إلى نغم يهزّ عروش المستعمرين، وإمام ونجم اللذان رفضا أن يكونا أدوات في يد السلطة — هم جميعاً لم يبحثوا عن شهادة ميلاد من سلطة، لكنهم أيضاً لم يريدوا شهادة وفاة تحوّلهم إلى تماثيل في متاحف الأيديولوجيا. ولعل أقسى امتحان يواجه المبدع الحقيقي بعد موته هو محاولة النظام الرأسمالي تحويل تمرّده إلى سلعة، وصورته إلى أيقونة فارغة تُطبَع على قمصان المراهقين وولاعات السجائر. وهذه الآلة التسويقية لا تكتفي بتحويل الفنانين إلى بضاعة، بل تطال حتى رموز الثورة العالمية مثل تشي غيفارا الذي صار وجهه سلعة في متاجر الرأسمالية ذاتها التي حاربها؛ فهذه هي "الموتة الثانية": أن يُسحق رمز التمرّد تحت آلة التسويق التي كان يقاتلها طوال حياته. زياد سخِر بقسوة ووضوح من تسليع الفن، وإمام ونجم اللذان رفضا بيع أغانيهما للإذاعات التجارية حتى في أحلك أيام الفقر، هما نفسيهما اللذين تحاول شركات التسويق اليوم توظيف تراثهما لبيع منتجات لا علاقة لها بثورتهما. فالإبداع الأصيل لا يولد في القاعات الحكومية، بل في زنازين السجون حيث يكتب الشاعر على جدران الوحشة، وفي شوارع المدن المنسية حيث يرفع المغنّي صوته فوق دوي القنابل، وفي المقاهي العتيقة حيث يضحك الفنان كي لا تبكي الأوطان. المؤسسات تموت، لكن الفن الذي ينبثق من هامش الوجود يظل كالنهر: يجفّ في المصادر الرسمية، ويجري خفياً تحت الأرض حتى يظهر فيضاناً يغمر الصحارى. وهؤلاء المبدعون لم ينحتوا تماثيلهم من رخام التكريس الرسمي، بل صاغوا وجودهم من طين الرفض والتحدّي. لذلك، كلما رأيت مبدعاً يرفض التكريس الرسمي، اعلم أنك أمام نبع لا ينضب — نبع يرفض أن يُعبَد كما يرفض أن يُسجَن. فالمبدع الحقيقي لا ينتمي إلى مكان، بل يحمل مكانه في روحه، ويصنع من هامشه كوناً لا يُؤسَّس ولا يُؤلَّه. زياد والسياب وإمام ونجم ومارلي يذكّروننا بأنّ الإبداع نهر يرفض القنوات الاصطناعية، وشمس لا تولد في الأقبية المحروسة، وصوت يبقى حراً كالرياح حتى لو حُوِّل إلى أسطورة. عندما يصير الهامش منارة، والمقهورون شعراء، والتمرّد أغنية تغنيها الشعوب فاعلم أنك صنعت كوناً لا يموت.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store