logo
"أدب الأسرى" بمؤتمر لرابطة الكتاب الأردنيين.. الرواية تقود المشهد وقصائد مسكونة بالهوية والحرية

"أدب الأسرى" بمؤتمر لرابطة الكتاب الأردنيين.. الرواية تقود المشهد وقصائد مسكونة بالهوية والحرية

الجزيرة٢٧-٠٤-٢٠٢٥

عمّان- طالبت قامات أدبية وثقافية وفنية أردنية وفلسطينية وجزائرية ولبنانية وعراقية مشاركة في المؤتمر الأول لأدب الأسرى في سجون الاحتلال -الذي نظمته رابطة الكتاب الأردنيين- بإطلاق تسمية "أدب الحرية" بدلا من "أدب أسرى السجون الإسرائيلية".
وأيد الناقد رشيد النجاب مؤلف كتاب "فلسطين في النثر العربي الحديث" مقترح "أدب الحرية"، وقال إن الأسير كميل أبو حنيش ابتكر في روايته "الجهة السابعة" بأبوابها الثلاثة خروجا من نطاق الأسر وسعيا نحو الحرية وهو في الزنزانة، حيث عاش مع القارئ أيام الشباب والحب والدراسة والمقاومة خارج الأسر.
وقال النجاب للجزيرة نت إن "إخواننا الأسرى يسألون: رجاء، لا تعاملونا بعطف في توجيه النقد، بل بما من شأنه رفع قيمة ما يكتب في أدب الحرية، فروايتا باسم خندقجي السابقتان "مسك الكفاية" و"خسوف بدر الدين" تتسمان بالحداثة، فهما تتحدثان عن الإنترنت وما يحتويه، والأهم أنهما تتميزان بالمواجهة المباشرة بين السردية الفلسطينية والصهيونية".
ودعا النجاب إلى تدريس "أدب الحرية" في المدارس والجامعات كمادة أساسية في اللغة العربية.
ومن أبرز توصيات المؤتمر عقب 6 جلسات اختتمت الخميس وتناولت مواضيع الشهيد وليد دقة كرمز وأيقونة ودراسات في الأعمال الإبداعية والفنية ودور المؤسسات العربية والدولية في دعم الأسرى وتجليات السجن في أدب الأسيرات منح جائزة سنوية باسم "أدب الأسرى" تبرعا من الدكتور فتحي أبو عرجة، وتحديد يوم الأسير الفلسطيني "يوم الوفاء" في 17 أبريل/نيسان كموعد لعقد المؤتمر الثاني، واختيار اسم أسير عنوانا له، ومتابعة أعمال درامية من كتب الأسرى أو من وحيها، والتواصل مع اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية لتسليط الضوء على المنجز الإبداعي للأسرى، ومتابعة الجهود مع دول صديقة مثل فنزويلا وكوبا لتوفير منح دراسية لأبناء الأسرى.
إعلان
من جهته، أشار الأديب عفيف طاووق (لبنان) إلى خطأ شائع وقضية فكرية وسياسية لاقت استحسان المشاركين والضيوف مفادها "عندما نطلق على المعتقلين صفة الأسرى، فالأسير هو الذي يعتقل على أرض الغير، أما هؤلاء فالحقيقة أنهم ليسوا أسرى، بل مخطوفون على أرضهم ووطنهم، وقد احتجزت حريتهم وأودعوا المعتقلات".
حسن عبادي: لكل أسير كتاب
وأبلغ المحامي الحيفاوي حسن عبادي كما يحب أن ينسب إلى عروس البحر الأبيض المتوسط الجزيرة نت أنه بدأ التواصل مع "أسرى يكتبون" في نيسان (أبريل) 2019، وقد قام بـ400 زيارة تطوعية للأسرى الكتاب والأسيرات حتى 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وقال إنه لمس أن الكتابة بالنسبة للأسير تعد متنفسا والرئة التي يستنشق من خلالها الحرية، وقد وصفتها الأديبة المحررة عائشة عودة بأنها "فكرة ولادة".
وأضاف أنه استطاع أن يزودهم بآلاف الكتب تحت شعار "لكل أسير كتاب"، مشيرا إلى أن الأسرى كانوا يعتقدون أن الأدب توقف عند الراحل محمود درويش وغيره، نتيجة لانقطاع تواصلهم مع الكتاب خارج الوطن، ونتيجة لتعميم مبادرة "لكل أسير كتاب" بدأ كتاب من الوطن العربي يسألون عن كتابات الأسرى، مثل أحمد أبو سليم وصفاء أبو خضرة.
وأوضح عبادي أن فكرة "أسرى يكتبون" انطلقت من هنا بالتعاون مع رابطة الكتاب الأردنيين، ومن خلالها عقدت 29 ندوة تناولت كتابات الأسرى بمشاركة أحد أقارب الأسير، إلى جانب مساعدة أسرى ليس لهم حاضنة في إصدار كتبهم، إذ موّل عبادي وزوجته طباعة 40 كتابا.
وفي رده على سؤال، قال عبادي "أدب الحرية في تطور مستمر، فقد انتقلوا إلى الأدب الحداثي بعد مغادرتهم قضبان المحتل، ولم يكتبوا عن جدران السجن فحسب، بل تناولوا وضع السجن برؤية فكرية متقدمة ومنفتحة، الكتّاب أصبحوا أكثر ثقافة وانفتاحا على القضايا المطروحة، والبنية الفنية أصبحت أقوى من حيث الموضوع والأسلوب، إنهم يقولون -أي الأسرى- لا نريد منكم شفقة، احكموا على كتاباتنا كي نتعلم ونتطور، لا تطبطبوا علينا".
واعتبر المحامي الحيفاوي المؤتمر خطوة كبيرة ورافعة لأدب الحرية، داعيا الكتّاب والناشرين إلى الاهتمام بقراءة مؤلفات الأسرى والكتابة عنها والحديث عنهم.
أحمد دقة.. فيلسوف الحرية
وتحت عنوان "الشهيد دقة رمز وأيقونة" تحدث رئيس نادي الأسير السابق عيسى قراقع عن الأبعاد الفكرية والفلسفية في كتابات الشهيد وليد دقة، فأطلق عليه لقب "فيلسوف الحرية"، إذ خط مشروعا ثقافيا وفكريا وإنسانيا ونضاليا طوال 3 عقود، مما شكّل مفارقة في أدب وثقافة المقاومة عندما ناضل من داخل معتقله من أجل تحرير الأحرار، قائلا "نحن سُجنا لنحرر لا لنتحرر".
وخاطب قراقع القامات الثقافية والأدبية قائلا "وليد اتخذ السجن خندقا وميدانا للمقاومة الثقافية، حيث تمحورت كتاباته حول السجن والوطن والحياة والمستقبل، وليد يبقى عصيا على التصنيف منظرا وباحثا سياسيا وروائيا رساما ومسرحيا"، وكما وصفه أحدهم "هنا جامعة اسمها وليد دقة".
ووصف قراقع الكتابة في السجن بأنها مقاومة قائلا "أكتب حتى أتحرر من السجن على أمل أن أحرره، إننا نكتب عن السجن لننفيه، نؤكده لننفيه، فتأكيده يظهر غياب الحرية، المعنى الجديد للسجن يمكن تلخيصه بالصمود في معركة: ثقف نفسك بنفسك لتصل إلى نتيجة: حرر نفسك بنفسك".
وعلى لسان الشهيد وليد يورد قراقع "إن التحرر هو السبيل الوحيد للحرية، وهو فعل خارجي (هدم)، في حين الحرية هي القيمة التي تسعى الشعوب لتحقيقها، وهي فعل داخلي، فإذا كان التحرر من الاحتلال شرطا ضروريا لتحقيق الحرية فإن الحرية هي الشرط الكافي للحفاظ على إنجازاته، فكم من بلد تحرر، لكن شعبه لم يحظ بالحرية بصفتها قيمة غير خاضعة لحسابات موازين القوى وغير قابلة للمساومة".
وتحدث وليد -وفق قراقع- عن مجتمع السجن، خاصة ظاهرة "الكابو" التي يدعمها المحتل، وهم الأسرى المتعاونون مع السجان ضد زملائهم، حيث نجحت سلطات السجون في صنع هذه الظاهرة وتحويل حياة الأسرى إلى إقطاعيات أو إمارات منفصلة تسودها الشللية والفردية والفساد وغياب النضال الجمعي والوحدوي، فالمفتاح الناظم بين الأسرى أصبح الجغرافيا والبلديات.
ويقول وليد "لا أريد العودة إلى فلسطين الماضي، فلسطين الانتدابية، أنا أريد فلسطين المستقبل التي لا بد أن تتطابق فيها الهوية الوطنية الجامعة مع جغرافيا الوطن الكامل، أوسلو تنازلت عن جزء من الوطن مقابل الدولة، واستعاض أصحابها عن العودة بحكاية العودة، وبهذا المعنى أصبحت العودة فلكلورية والدبكة الشعبية بديلا عن برنامج العودة، واختزل الوطن إلى ما يشبه الوطن".
التعذيب الجسدي.. إعادة تعريف
وتطرق وليد في كتابه "حبر الوعي" إلى التعذيب الجسدي كما ورد في اتفاقية مناهضة التعذيب، فطالب مؤسسات حقوق الإنسان بتعريف جديد للتعذيب يشمل النظم غير الحسية وغير المباشرة التي تهدف إلى التدخل في تفكير الأفراد، في عملية "مسح دماغي زاحف ومتدرج"، في محاولة لما سماها "هندسة الجماعة والسيطرة عليها"، حيث يعيش الأسير حالة من الاغتراب تجاه الزمن الحقيقي، وتقاس الأشياء لا بعقارب الساعة، بل بالأحداث داخل جدران السجن، حيث يتعمد الاحتلال بناء ستار حديدي بين الأسير والزمن.
ولم يغب الانقسام الفلسطيني عن نتاجات الشهيد وليد دقة، وفق ما طرحه قراقع "السجان إسرائيلي، ولكن من يصنع له المزيد من الأقفال هو الانقسام الفلسطيني، نقولها لمن ضلوا الطريق نحو الحرية: الحالة الفلسطينية المنقسمة سياسيا ألقت بظلالها الثقيلة على شقيقتها الأسيرة، الانقسام الذي طال أنتج اقتصاد الانقسام وثقافته، هناك تخوف حقيقي من أن تتحول هذه الثقافة إلى هوية".
صراع المفاهيم وتغيرها
وتحدث الأسير المحرر الدكتور عزمي منصور -الذي قضى 18 سنة في السجن بعد حكم بالمؤبد- عن إضرابات السجون وتغير المفاهيم بعد اتفاق أوسلو، متسائلا "ما هو الاحتلال؟ هل هو فلسطين التاريخية أم الضفة وغزة؟ ما هو التعذيب؟ ما هو الفصل العنصري؟"، مشيرا إلى المقولة "ما حصل في غزة لا نريده أن يحدث في الضفة الغربية" وإلى فتح مول في رام الله "والشعب يذبح في غزة"، معتبرا أن ما سماه "التنافر المعرفي" يقود إلى الفوضى في الأفكار والمفاهيم.
ووصف الشهيد وليد دقة بأنه من أبرز مفكري الحركة الأسيرة، وقال للجزيرة نت إن المحتل عمل من خلال نظرية "التنافر المعرفي" على نوع من غسل الدماغ وضرب الاتجاهات الفكرية وتفكيك مفاهيم الوطن والشعب والمقاومة والتضامن الاجتماعي وكسر عزة النفس، مما أوجد اتجاهين في الواقع الفلسطيني: الأول: لا يعترف بالعدو، ويعتبر فلسطين من البحر إلى النهر، ويرى الكفاح المسلح طريق التحرير.
والثاني -وفق منصور- يرى أن فلسطين هي "الضفة وغزة"، وبالتالي يعترف بالعدو ولا يقاومه إلا عبر المقاومة السلمية انطلاقا من تغيير بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني، لذلك يميل إلى الاستكانة مع العدو تحت مسمى "إدامة التفاوض"، حسب تعبيره.
شهيد الوعي.. الحرية ليست حالة رومانسية
وفي قراءة لكتاب "صهر الوعي" لوليد دقة شهيد الوعي كما وصفه رامي ياسين في مداخلته قال "اعتبر شهيدنا الأسر فعلا ذاتيا داخل العقل، وتجرد من ظلال الأسر، وكتب بعين العارف بحثا علميا سياسيا فلسفيا يقدم فيه مفهوما جديدا لقضية الأسر وكيفية فهم الصورة الشمولية، ومهمته الأولى هي صهر الوعي الجمعي، وعي المقاومة، ليس فقط للأسرى، بل لنا جميعا كشعوب باعتبارنا جميعا أسرى".
ولا يبحث وليد دقة عن الحرية كحالة رومانسية، بل كمعادلة شاقة ومعقدة، الحرية ليست فقط كسر القضبان، بل كسر الفكرة التي صنعت القضبان، لذلك، فليس أخطر أشكال الأسر تلك التي تمارس على المفاهيم والمواقف والرغبات، وليد لا يكتب من أجل الأسرى فقط، بل بهم، يكتب عن معنى أن تكون الذاكرة محاصرة، والمقاومة مصنفة على أنها خلل عقلي أو شذوذ أخلاقي أو مشروع انتحار جماعي.
ويقول الروائي رامي ياسين "وليد حوّل الزنزانة إلى مختبر فكري والتجربة القاسية إلى نص مقاوم، لا يتوسل العطف، بل يصفعنا بالفهم، ويقول للذين خارج القضبان إن حريتكم مشروطة بالوعي والقدرة على الرفض والنقد والفهم، المقاومة هنا ليست فقط بندقية، بل كلمة، فكرة، موقف، تنظيم، والأهم ألا نعتاد القمع، الإبادة، الاحتلال".
بدوره، يرى الروائي عبد السلام صالح أن كتابات الأسرى تنوعت، فمنهم من كتب عن تجربته الذاتية وظروف اعتقاله ومعاناته في التحقيق والسجن، ووصف بشكل تفصيلي ما يعيشه الأسرى، ومنهم من كتب الشعر والقصة، لكن الانفجار الإبداعي كان في الرواية، حيث اكتشف كروائي بين 8 و12 روائيا حقيقيا مبدعا يقدمون روايات ذات سوية عالية ومحققة لكافة الاشتراطات الفنية والإبداعية.
وقال صالح للجزيرة نت إن الرواية في كتابات زهدي شاهين وكميل أبو حنيش ووليد دقة وباسم خندقجي وعاهد نصاصرة وسائد سلامة تمتعت بلغة إبداعية عالية تنحو إلى السرد وتمتاز بالوصف الرائع والجميل وتقدم حوارات ذكية وبناء فنيا متينا ومتماسكا.
واستعرض مهدي نصير نماذج من قصائد الشاعرين ناصر الشاويش وأحمد عارضة، وقال إن الشعر هو القدرة على التعبير عن الأسير ومعاناته وهمومه وأحلامه وطموحه، وهو القوة السحرية التي تمنح الأسير قوة وعنفوانا وصمودا.
ومن قصيدة "أناشيد المعنى" لناصر الشاويش:
قذفت في وجه العدا أمعائي
حربا تقض مضاجع الأعداء
وجعلت أمعائي سلاح إرادتي
سيفا يعيد كرامتي وإبائي
ورفضت خبز الذل حتى أسترد
الحق بالأمعاء أو بالدماء
ومن قصيدة أحمد عارضة "الوردة البيضاء":
للوردة البيضاء جندي غريب
وحسب نصير، فإن القصائد عموما مسكونة بالهوية والتحدي والانتماء للأمة العربية التي وإن تخلت عن فلسطين لكنها هي وطن وانتماء.
إعلان
أكتب كي أتحرر
من جهته، أورد اللبناني عفيف طاووق ما قاله وليد دقة في روايته "سر الزيت" "أكتب كي أتحرر من السجن على أمل أن أحرره مني"، وفي هذا يلتقي مع الكاتب والأديب وليد الهودلي بقوله "إن أدب الحرية في السجون يرمي إلى تعزيز ثقافة الحرية"، في حين يقول الروائي رائد الشافعي "نحن نكتب حتى نتخلص من أعبائنا ما دمنا نعيش في حقل ألغام لا نعلم متى تصدر عنا كلمة تفجر لغما تحت أقدامنا، أو ننهي علاقتنا بالآخرين ممن يخشون الحرية والنقد والرأي الآخر".
وحسب رأيه، فإن بعض الكتّاب نجحوا في تقديم روايات مستوفية لشروطها الفنية، من حيث الحبكة أو تقنية الاسترجاع وتنوع أساليب السرد والشخصيات والموضوعات المثارة، مثل كميل أبو حنيش ووليد دقة وعائشة عودة.
وقد توج باسم خندقجي بجائزة البوكر العربية 2024 عن روايته "قناع بلون السماء"، كما تطرق إلى رواية "وهكذا أصبح جاسوسا" لوليد الهودلي، والتي تتناول انزلاق بعض الأسرى وسوء تقدير الثقة المفرطة بالآخر والإفصاح عن معلومات وطبيعة نشاطه.
وفي رواية "مريم.. مريام" لكميل أبو حنيش -التي تعالج إرباكات وطرحا فكريا وسياسيا- تتحول مريم الفلسطينية من مواطنة إلى لاجئة في بلدها، في حين تتحول مريام من شريدة أوروبية إلى مستوطنة ومغتصبة لبيت مريم الفلسطينية.
الكتابة ليست ترفا
بدوره، ترى الأديبة ديمة جمعة السمان (فلسطين) أن الكتابة بالنسبة للأسرى ليست ترفا أو لتمضية الوقت، بل فعل مقاومة وشهادة وتمسك بالهوية والكرامة، وقد اتسمت كتاباتهم بالعمق والتنوع والرسالة الإنسانية والسياسية، كتب الأسرى عن الحب والأم والحنين والقهر، وحتى الحياة اليومية.
وقالت الروائية سامية عطعوط للجزيرة نت إن أدب الأسرى فعل مقاوم في مواجهة المحتل يمنح الأسير القوة والتواصل مع العالم لتخطي جدران السجن، داعية إلى نشره وترجمته، مضيفة "أقل ما يمكن تقديمه لمن ضحى بحريته وحياته من أجل وطنه".
إعلان
وفي هذا الصدد، ترى الروائية صفاء أبو خضرة أنها استفادت من اطلاعها على أدب الأسرى ومكابدتهم أسوأ الظروف، ومع ذلك يصرون على صناعة نافذة في الظلام ليستنشقوا الحرية، وأن القضبان التي يحشرون خلفها هشة أمام حب الحياة والإرادة والحق.
وقالت للجزيرة نت "لمست من إبداعاتهم لغة جميلة خرجت بطريقة عجيبة كسرت أنف المحتل، إنه انتصار كبير"، معتبرة أن الكتابة هي متنفس وأكسجين، وتعلمت منهم أن الكتابات بمثابة تأريخ لما يحدث داخل السجون، وأن السجن مجرد وهم يكمن داخلنا، لذلك يكتبون لأن الكتابة حرية.
من جانبه، تحدث الدكتور علي أبو هلال عن دور التحالف الأوروبي في مساندة الأسرى الفلسطينيين، فقال "نعمل الآن على توسيع قاعدة التحالف ليضم دول أميركا اللاتينية والأفريقية، ونحضر لعقد المؤتمر التاسع في بروكسل في 3 أيار (مايو) المقبل بمشاركة جنوب أفريقيا ودول أفريقية"، مؤكدا أن "الحرية خير علاج للأسرى".
فنانون تحت الأرض
أما نزار سرطاوي فتحدث نيابة عن صالح حمدوني تحت عنوان "فنانون تحت الأرض.. تجربة فنية من داخل الأسر" عن تجليات التحدي والصمود في أعمال زهدي العدوي، قائلا "لم يتمكن السجان من انتزاع إنسانيته، لذلك أصر على التعبير عن ذاته بالكتابة والفن والدراسة، إضافة إلى مواجهة السجان وسياسته القمعية وإهماله الطبي".
وأضاف "لقد أفرغ زهدي مشاعره وأحاسيسه على مناديل ورقية وتفل الشاي والقهوة ووجوه المخدات، تهرب خارج السجن وتروي حكاية السجن والحلم بالحرية، كما وقف أمام سؤال الحرية، وتقاطعت تجربته مع زميله محمد الركوعي ليشكلا تجربة فنية سمياها "فنانون تحت الأرض"، و"الرسم منفذ للتعبير والتحدي.. كنا نحيا ونحلم بالحرية".
وبشأن الفن التشكيلي، يرى الفنان غازي إنعيم أن "الأسير حاول الخروج من أسوار السجن، فكان الرسم المتنفس الذي يخلخل إيقاع الزمن، ويخرج للتأمل والبحث عن الذات في حركة تحرر من الزنزانة والسجان، الفن هو الحرية".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال

الجزيرة

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال

شهد معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين تحولا مزدوجا في ملامح المشهد الثقافي والإعلامي العماني، حيث اجتمع التوجّه نحو تعزيز الحضور الرقمي الآمن للأطفال من خلال "واجهة الطفل" في منصة "عين"، مع تكثيف الحضور الفكري والأدبي العماني في توثيق "طوفان الأقصى"، عبر 3 إصدارات تميزت بتنوعها وعمقها، ما يعكس وعيا إستراتيجيا بأهمية الإعلام الموجه للأجيال، والاصطفاف الفكري مع القضايا الإنسانية. وأطلقت وزارة الإعلام واجهة الطفل ضمن منصة "عين"، لتكون منصة رقمية متخصصة تعنى بتقديم محتوى معرفي وتربوي وترفيهي موجه للأطفال، في تجربة تسعى لتكريس حضور رقمي آمن وفاعل للطفل العماني في الفضاء الإعلامي. رؤية وطنية لمستقبل الطفل وزير الإعلام الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي أكد أن المنصة تجسيد لتوجهات سلطان عمان للاستثمار في الطفل العماني من المراحل المبكرة، من خلال التوظيف الإيجابي للتقنيات الحديثة لصياغة وعي الأجيال، وأضاف "الواجهة ليست مجرد جانب ترفيهي، بل بيئة معرفية شاملة، تلبي احتياجات الطفل العماني النفسية والتعليمية والقيمية، وتواكب في الوقت نفسه التطورات الرقمية العالمية". وأشار الحراصي إلى أن الطفل اليوم لم يعد مجرد متلقٍّ للمعلومة بل "شريك فاعل في صُنع المعرفة وتشكيل المستقبل، ولهذا تم تصميم الواجهة لتقدم محتوى يتحدث بلغته، ويثير فضوله، ويرسّخ الهوية العمانية والقيم الأصيلة، ويفتح آفاق الإبداع أمامه". إعلان ويؤكد الوزير استمرار العمل على تطوير هذه الواجهة، بما يتلاءم مع احتياجات الأطفال وتطلعاتهم، وبما يواكب التحولات التقنية والمعرفية المتسارعة. بنية غنية ومحتوى متنوع تقدم "واجهة الطفل" أكثر من 8500 مادة سمعية ومرئية، مخصصة للفئة العمرية من 4 إلى 18 سنة، وتشمل أعمالا حصرية مثل برنامج "رحلات وسام" الذي يعيد رواية الأساطير العمانية بطريقة مبسطة، و"أستوديو ألفة" الذي يعزز مفاهيم الهوية والمواطنة وتعزيز السمت العماني. وتتوفر أيضا مجموعة من الكتب الصوتية التي تهدف إلى تنمية معارفهم ومهاراتهم وتحفيز الخيال وتعزيز القراءة، بعضها مسجل بأصوات أطفال بهدف تمكين مواهبهم ومهاراتهم، وإبرازها إعلاميا. وأوضحت د. أمل بنت محمد النوفلية المديرة العامة للإعلام الإلكتروني بوزارة الإعلام، للجزيرة نت، أن واجهة الطفل جاءت لتواكب تطلعات الجمهور، المتعطش لوجود محتوى آمن للطفل، في ظل وجود منصات إلكترونية عديدة. وتتيح الواجهة للطفل إنشاء حساب خاص، واختيار رمزه الكرتوني، وتحميل المحتوى ومشاهدته دون اتصال بالإنترنت، مع إمكانية متابعة المواد حيث توقف المستخدم، إلى جانب خاصية البحث والتصفح السهل. كما خصصت مساحة لإبداعات صُناع المحتوى الأطفال، مما يسهم في تقديم نماذج إعلامية مستقبلية. وأكدت النوفلية أن وزارة الإعلام حرصت أن تجعل الطفل شريكا فاعلا في صناعة المحتوى الرقمي من خلال احتضان صُناع المحتوى والموهوبين من الناشئة في شتى المجالات؛ بهدف بناء القدرات، وإثراء المحتوى الإلكتروني العماني والعربي الموجّه للطفل. وتدعم المنصة النفاذ الرقمي لذوي الإعاقة؛ إذ تقدم محتوى بلغة الإشارة وآخر صوتيا يراعي احتياجات ذوي الإعاقة السمعية والبصرية، وقد شارك أطفال في تقديم هذه المواد لتكون أقرب لجمهورهم. تفاعل الأسرة وتعزيز القراءة ترى الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية، المختصة في أدب الطفل، أن واجهة الطفل في منصة "عين" تمثل تحولا نوعيا نحو بناء بيئة معرفية رقمية آمنة، تربط بين الأصالة الثقافية والحداثة التكنولوجية، وتوفر محتوى أدبيا يراعي السياق المحلي ويشجع على القراءة باللغة العربية، مما يسهم في تعزيز الهوية اللغوية والوطنية لدى الناشئة. إعلان وتعتبر أن المنصة لا تكتفي بتقديم المعلومات، بل تعتمد على القصة والمثال والحوار الداخلي في بناء وعي الطفل، وهو ما يسهم في تنمية مهارات التفكير النقدي، والتمييز بين الصواب والخطأ، كما يعزز قدرات الطفل على الخيال والتعاطف والانفتاح على الآخر. وترى أن المنصة قادرة على تبسيط مفاهيم معقدة كحماية البيئة، وتقبل الاختلاف، والأمن الرقمي، من خلال نصوص تفاعلية مناسبة للمراحل العمرية المختلفة. وتشير الشامسية إلى أن أدب الطفل هو أداة فاعلة لغرس القيم، ليس من خلال الوعظ المباشر، بل عبر شخصيات تجسّد القيم في سياق قصصي حي، فمن خلال قصص عن أطفال يحافظون على التراث أو يساعدون الكبار أو يشاركون في خدمة المجتمع، يتم ترسيخ قيم الانتماء والمواطنة. وتمثل "واجهة الطفل" جزءا من مشروع أشمل تقوده منصة "عين" التي أطلقت رسميا في يناير 2022، وتضم اليوم أكثر من 65 ألف مادة بين مرئية ومسموعة وكتب صوتية، وقد تجاوز عدد مرات الاستماع والمشاهدة فيها 16 مليونا. وتصل خدمات المنصة إلى أكثر من 170 دولة، مما يمنحها بُعدا دوليا واسعا، يعكس ثقة متزايدة في المحتوى العماني لدى الجاليات العربية والمجتمعات المهتمة بالمحتوى التربوي. "طوفان الأقصى" في موازاة هذا التحول الرقمي، برز في معرض مسقط 3 إصدارات عمانية تناولت عملية "طوفان الأقصى"، العملية العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في أكتوبر 2023، والتي أحدثت منعطفا مفصليا في الوعي السياسي والثقافي تجاه القضية الفلسطينية. العمل الأول صدر عن الكاتب العماني الشاب منذر بن نعيم السعدي، وجاء بعنوان "طوفان الأقصى: حروب الأقصى بين السياسة والميدان"، وعلى الرغم من حداثة سنه كطالب جامعي، قدم السعدي معالجة مبسطة ومكثفة لمسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من وعد بلفور وحتى عملية طوفان الأقصى. إعلان وفي تصريح خاص لـ"الجزيرة نت"، قال السعدي "لاحظت خلال متابعتي للأحداث وجود مفاهيم خاطئة أو غموض لدى البعض. شعرت أن من واجبي تسليط الضوء على بعض الحقائق وتصحيح الصور المغلوطة، حتى وإن كان جهدي متواضعا". الكتاب الذي يحوي 158 صفحة، مُقسَّم إلى 15 فصلا، يبدأ بمقدمة حول أهمية القضية الفلسطينية، ويمر بمحطات مفصلية، منها نشوء الجيش الإسرائيلي، ومجازر النكبة، وحروب 1967 و1973، والانتفاضتان، وصولا إلى ما وصفه المؤلف بـ"المنعطف الجذري" الذي شكّله طوفان الأقصى. ويضيف "العالم بعد الطوفان لن يكون كما كان قبله. المثقف لم يعد ترفا، بل ضرورة في مواجهة حملات التشويه، لا سيما تجاه فلسطين". انصح زوار #معرض_مسقط_الدولى_للكتاب بشراء رواية طوفان الاقصى لمؤلفها إسماعيل البوسعيدي وكتاب طوفان الاقصى للكاتب منذر السعدي.#معرض_مسقط_الدولى_للكتاب — د.حمود النوفلي (@hamoodalnoofli) April 26, 2025 أما العمل الثاني فهو رواية بعنوان "طوفان الأقصى: وكان وعدا مفعولا" للكاتب إسماعيل بن أحمد البوسعيدي، وقد صدرت عن دار "لبان" للنشر. وجاءت الرواية في 195 صفحة، وتُقدَّم بأسلوب المشاهد القصيرة التي تتناوب على سردها شخصيات متعددة بأحداث مختلفة، ما يخلق ملحمة إنسانية تعيد رسم خريطة المقاومة الفلسطينية، وتغوص في تداخلات الإيمان والفعل البشري والذاكرة الجماعية. تبدأ الرواية بفصل بعنوان "غزة"، لا تقدم فيه المدينة كجغرافيا محاصرة فحسب، بل كأيقونة للصمود. يقول السارد في افتتاحها "هنا غزة… مدينة صغيرة بحجمها، عظيمة بحلمها". ومن هناك، ينفتح السرد على مشاهد واقعية مشحونة بالألم والأمل، تعيد تشكيل علاقة القارئ بالقضية الفلسطينية عبر مسار روحي وإنساني. تستلهم الرواية وعدا قرآنيا بالتمكين من الآية "وكان وعدا مفعولا"، في توظيف ديني ذكي لا يأتي بصيغة خطاب وعظي، بل كإطار رمزي يحرك البناء السردي ويوجهه نحو أفق تعبيري عميق. بحمدالله.. صدر كتابي "طوفان الأقصى.. رصد الأحداث وقراءة المتغيرات"، عن مركز الندوة الثقافي ومؤسسة شرفات الدولية. سيكون موجوداً بإذن الله في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته القادمة. ||🌹|| — خميس العدوي (@kadwi69) April 13, 2025 أما الإصدار الثالث فجاء من المفكر والكاتب خميس بن راشد العدوي، بعنوان "طوفان الأقصى: رصد الأحداث وقراءة المتغيرات"، وصدر عن "مركز الندوة الثقافي" في ولاية بهلا. إعلان ويتضمن الكتاب 30 مقالة رأي سبق للعدوي نشرها في صحيفة "عمان" اليومية، جمعت ونظمت موضوعيا لتغطي الخلفيات التاريخية والدينية والسياسية للصراع، وتحلل الحدث العسكري، وتستقرئ التحولات في الخطاب الإقليمي والدولي بعد السابع من أكتوبر. قسّم العدوي كتابه إلى 3 حلقات رئيسة: الأولى: تتناول الجذور التاريخية والدينية للصراع العربي الإسرائيلي. تتناول الجذور التاريخية والدينية للصراع العربي الإسرائيلي. الثانية: ترصد التفاعلات الإقليمية والدولية في أعقاب العملية وتتبع فيها أحداثه. ترصد التفاعلات الإقليمية والدولية في أعقاب العملية وتتبع فيها أحداثه. الثالثة: تقدم المواضيع الذي كتبها تحت إيحاء ووقع طوفان الأقصى وتطرق لدعوة السلطنة لإصلاح بنية النظام الدولي، استنادا إلى مواقفها المتوازنة. ولا يكتفي العدوي بتوثيق المواقف الرسمية، بل يعرضها كامتداد لهوية الدولة القائمة على التوازن والدبلوماسية والإنسانية، ويشير إلى أن مسقط، منذ اللحظة الأولى، تبنت خطابا إنسانيا واضحا تجاه العدوان على غزة، بما يتسق مع نهجها التاريخي في معالجة القضايا الإقليمية الحساسة.

العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموت
العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموت

الجزيرة

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموت

خيبة الأمل التي اجتاحت العالم الأوروبي بعد الحرب الثانية وأهوالها، تمخض عنها تيار في الأدب والمسرح في فرنسا وألمانيا يسمى مسرح اللامعقول أو العبث، والذي نشأ على خلفية أحداث سياسية وعالمية كبرى قادت الفلاسفة المحدثين إلى إعادة التفكير في عديد من المفاهيم، وهو تيار يجسد داخل نصوصه حالة فقدان الشغف والهدف لدى الإنسان الأوروبي في عالم ما بعد الحرب لأن الحياة بالمجمل غير ذات جدوى أو هدف أو غاية، لذلك أتت شخوص هذا التيار على خشبة المسرح شخوصا عبثية بخيال ورؤى فلسفية عدمية عن جدوى الوجود والحياة. يقول يوجين يونسكو (1909-1994) أحد أهم كُتاب مسرح العبث في مسرحيته "الرجل ذو الحقائب.. رحلة إلى عالم الموتى"، إن "السببين الأساسيين فقط لبقائنا صغارا هذه الأيام هما القتل والانتحار". صمويل بيكيت (1906-1989) رائد مسرح اللامعقول يقول في تأمل لإذاعة بي بي سي "من عملٍ مهجور" بث في عام 1957 "لا، لا أندم على شيء، كل ما أندم عليه هو ولادتي، لأني دائما أجد الموت عملا طويلاً ومملا". إحباط قبيلة المسرحيين المتأمل في مشهد حرب السودان الحالية وحال المشتغلين بـ"فنون التمثيل" سيجد تماثل واقع الفنان في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية مع واقع الممثل السوداني اليوم. حالة الإحباط وانسداد الأفق أمام قبيلة المسرحيين السودانيين دفعتهم مثلهم مثل كل أهل السودان للنزوح إلى الولايات الآمنة أو لخارج البلاد بعد أن هدمت المسارح وبيوت الفنون ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. خارطة توزيع النزوح في إحصائيات اتحاد الممثلين تقول إن النسبة الكبرى من المشتغلين بفنون التمثيل نزحوا في البداية من الخرطوم إلى بورتسودان، ونسب أخرى متفاوتة نزحوا إلى بقية مدن السودان، وخارجيا حصلت القاهرة على النسبة الكبرى من النزوح تليها كمبالا. يقول نقيب الدراميين السودانيين الرشيد أحمد عيسى، في كلمته ليوم المسرح العالمي في 27 مارس/آذار الماضي، "لم يشهد العالم في تاريخه القريب والبعيد مثل ما جرى في حرب السودان من انتهاكات كالقتل والتمثيل بالجثث والاغتصابات المريعة، انتهاكات دمرت حياة الكثير من القاصرات وطالت حتى النساء المسنات في وطني". وأضاف "المسرح كان حاضرا منذ انطلاقة الحرب، مقاوما منذ الطلقة الأولى، يمتص الصدمات، يعيد تأهيل الأطفال ويزرع الأمل في تلك الأرواح التي تشظت في فوضى وعتمة ضاقت بها الأماكن كأنما الحرب تحفر قبورها حتى للأحياء. سيظل المسرح حصنا منيعا يحقق للإنسان وجوده وأحلامه بمقاومته لكل أشكال القبح من قتل واغتصاب وانتهاكات، ويسعى أن يكون فن الجميع وللجميع باعتبار المسرح المكان الوحيد الذي يحقق فيه الفرد ذاته ويجابهها". وتتشابه وضعية مسرح العبث والحرب في السودان وحال الإنسان السوداني مع الدمار الكامل في البنية التحتية للدولة والنفسية للإنسان الأوروبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد عَبّر مسرح اللامعقول عن الإنسان بعد الحرب وحالة اللاجدوى والعبثية مستخدما لغة محورها الهواجس والكوابيس وحالة التيه والانعزال وتباعد الشخصيات وانحباس الإنسان داخل جلده وتباعد المسافات بين الذات والآخر، وهذا ما يحدث في السودان الآن. الناقد السوداني المعروف السر السيد تحدث للجزيرة نت عن هذا المشهد القاتم قائلا "منذ بدايات الحرب وسيطرة قوات الدعم السريع على مدينة أم درمان، حيث الإذاعة والتلفزيون والمسرح، توقفت الحياة تماما، أثّر ذلك على قطاع "فنون التمثيل" خاصة الذي لا يشمل الممثلين والمخرجين فقط، وإنما يشمل الكتاب والفنيين والشركات المشتغلة بالفنون". يستطر السر "أوقفت الحرب أذرع الفنون الحيوية المتمثلة في الدراما الإذاعية والتلفزيونية والمسرحية، بالإضافة إلى أنشطة منظمات العمل المدني، والتي كانت تستعين بالتمثيل والممثل لتنفيذ برامجها التوعوية والإرشادية، وعطفا على ذلك فقد كثير من الممثلين مصدر رزقهم المباشر". المسرح القومي بأم درمان عن حال المسرح القومي السوداني، يقول الكاتب المسرحي والممثل القدير مصطفى أحمد الخليفة "رغم الدمار الحالي البادئ للعيان، سيبقى هذا المبنى شاهدا على حضارية ووطنية ورقي السودان بتاريخه العريق، فالمسرح يمرض لكنه لا يموت". يقول الخليفة إن "المسرح القومي تأسس في 1959 وشهد أول موسم مسرحي في 1967. قبل الحرب كان المسرح شبه مدمر، وأتت الحرب وقضت على ما تبقى منه. المسرح القومي يعتبر من أول المسارح في المنطقة العربية والأفريقية، لم يكن مجرد مبنى تاريخي شهدت خشبته حركة فنية عظيمة ومهرجانات وعي وتنوير في مواسم مسرحية فقط، بل كان حالة فنية وثقافية لها ارتباط وجداني عميق عند السودانيين، اعتلى خشبته العديد من المبدعين من غير الفنانين السودانيين مثل مريم ماكيبا المغنية الجنوب أفريقية، وكوكب الشرق أم كلثوم، وهاري بيلافونت مغني الجاز الأميركي الشهير. أيضا عُرضت به مسرحية مدرسة المشاغبين". يقول المخرج والممثل الدكتور أبو بكر الشيخ أيضا عن الحرب على المسارح "مرّ المسرح السوداني بظروف قاهرة منذ أكثر من خمسة أعوام، وجاءت الحرب وبالا إضافيا عليه، حيث توقفت العروض المسرحية والمهرجانات التي كان يضج بها المسرح القومي وبقية المسارح، فقد دمرت مليشيا الدعم السريع المسرح القومي تماما ومسرح قاعة الصداقة وبقية المسارح، في استهداف ممنهج للبنية التحتية ودور العرض والتنوير، بالإضافة إلى تدميرهم مسارح مراكز الشباب، مما اضطر عددا كبيرا من المبدعين للانشغال بالعمل في مجالات أخرى غير إبداعية لتوفير لقمة العيش لأسرهم". يسترسل أبو بكر الشيخ متحدثا للجزيرة نت عن إنجازاته الشخصية "قدمت في العام الأول من الحرب تجربة درامية بعنوان "جنقو كايرو" وهي عدد من الحلقات الدرامية التي تتناول حال النازحين في زمن الحرب والظروف التي تعرضوا لها. وقدمت هذا العام مسلسلا من 20 حلقة بعنوان "أقنعة الموت.. سمفونية الحريق والنزوح" صُوِّر بين القاهرة وأم درمان، وهذه التجربة وجدت صدى واسعا جدا لجرأة التناول والطرح لموضوعاتها التي تلخصت في انتهاكات المليشيا المتمردة للإنسان السوداني من تعذيب وتهجير واغتصاب وقتل. وفي نهايتها قدم المسلسل دعوة إلى العودة للسودان وإعمار ما دمرته الحرب وإعادة التفكير في سودان ما بعد الحرب على نحو إيجابي". إنجازات رغم الحرب حول إنجازات الممثلين في مناطق نزوحهم، يقول الناقد السوداني السر السيد "حالة التشتت في ظل الحرب الحالية وعجز الجهات الرسمية عن فتح المسارح أو إنتاج دراما جعلت الممثل يمتهن مهنا أخرى، أما المحظوظون الذين وجدوا فرصا مع منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال المرأة والبيئة وحقوق الإنسان والإغاثة، فاستطاعوا في مارس/آذرا الماضي أن ينظموا مهرجان "برؤوت للمسرحيات القصيرة" في مدينة بورتسودان الذي استمر لأربعة أيام". أيضا في كمبالا، والحديث لا يزال للسر السيد، "ورغم أننا مجموعة صغيرة لا تتجاوز 15 ممثلا، استطعنا أن نحتفل ولعامين على التوالي بيوم المسرح العالمي، وقدمنا مسرحيات أشهرها مسرحية ثورة 24 للكاتب الكبير عبد الله بشير وإخراج معمر القذافي". مجموعة الممثل فضيل قبل نزوحهم من السودان أيضا قدموا عددا من المسرحيات وكذلك مجموعات أخرى في عطبرة وشندي وكسلا وبورتسودان. وبشكل عام، قدم الممثلون المشتغلون بالمهنة في أقاليم السودان عروضا في مناطق نزوحهم، رغم صعوبة الأجواء. في مصر نجحوا في تكوين اتحاد ممثلين وموسيقيين، وقدموا عددا من العروض المسرحية، على سبيل المثال مسرحية "دار آمنة ذاكرة الفجيعة" من إخراج ماجدة نصر الدين. أيضا شارك بعض الممثلين في لجان تحكيم وندوات مثل البروفسير سعد يوسف. وقد كان وضع نازحي القاهرة وكمبالا أفضل حالا من وضع الممثلين في بقية المنافي ومناطق اللجوء. قالت الممثلة تهاني الباشا للجزيرة نت "بعد أن خفت صوت الحرب بدحر الدعم السريع وتحرير منطقة الإذاعة السودانية والتلفزيون والمسرح القومي بأم درمان، قام نفر كريم من الزملاء الممثلين بمبادرة لإعادة تأهيل المسرح القومي وإعادة الاعتبار لشيخ المسارح السودانية. المبادرة تمت بعفوية وتنادى لها الممثلون من مناطق النزوح، فحضر للمشاركة في هذه المبادرة الرمزية من بورتسودان الزملاء عبد السلام جلود والطيب صديق وإبراهيم خضر. كما أعلنت وزارة الثقافة والإعلام عن دعمها الكامل لهذه المبادرة. الذين ظلوا داخل الخرطوم حتى الآن تجاوز عددهم 30 فنانا وفنانة، نذكر منهم نجوم كبار مثل الأستاذة القديرة فايزة عمسيب التي لم تغادر الخرطوم رغم معاناتها مع المرض، والرائد المسرحي المعروف محمد خلف الله الكاتب، والممثل محمد رضا دهبي والنجم الطيب شعراوي، وعبد الرافع حسن بخيت، والنجم حسين يوسف سيد جرسة، والمخرج الإذاعي المعروف الدكتور طارق البحر وغيرهم ما زالوا صامدين ولم يخرجوا من العاصمة. مشهد عبثي قاتم وحزين يسود الوسط المسرحي السوداني منذ اندلاع الحرب الحالية. يكفي شاهدا على ذلك أن الممثلة القديرة فائزة عمسيب التي كرمتها الهيئة العربية للمسرح في الشارقة عام 2013 وملأت صفحات الصحف المحلية والعربية شائعات وفاتها مرات عديدة، لكنها إلى الآن لم تستطع مغادرة الخرطوم بسبب المرض وأصوات المدافع تدوي في سماء الخرطوم وشهدت بعينها كل مآسي الحرب منذ انطلاق أول رصاصة وحتى الآن.

الأكل الحلال.. رحلة بحث مضنية ونقطة تلاقي عرب فيتنام
الأكل الحلال.. رحلة بحث مضنية ونقطة تلاقي عرب فيتنام

الجزيرة

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

الأكل الحلال.. رحلة بحث مضنية ونقطة تلاقي عرب فيتنام

هانوي/هو تشي منه- أ ن تظفر بوجبة أكل حلال تسد بها رمقك في فيتنام أمر ليس بالهيّن واليسير، فمطاعم العرب والمسلمين عموما تعد على أصابع اليد في كبرى المدن، فما بالك خارجها في بقية مناطق البلاد المترامية الأطراف. "ورطة" صغيرة في هذه الرقعة الخيّرة والمضيافة من المعمورة تعود أساسا إلى أن الجاليات العربية والمسلمة حديثة عهد في بلد الـ100 مليون نسمة، وهم بالكاد بضعة آلاف شبه "مشتتين" بين هانوي شمالا وهو تشي منه جنوبا، مما يجعل إطلاق مطعم حلال شبه مجازفة من قبل البعض من ذوي الفكر الاستثماري بينهم. وحتى بعد الاستعانة بخرائط غوغل لتحديد مواقع المطاعم الحلال المتوافرة، فإما أن تجد صعوبة بالغة في العثور على مكانها، وإن عثرت على عنوان صحيح لأحدها فستكون بعيدة نسبيا عن مركز المدينة. أما تلك القريبة فأغلبها في مناطق هواة السهر والرقص والموسيقى الصاخبة ومراكز التدليك المنتشرة في كل مكان. وفي إحدى الأزقة القريبة من هذه المناطق "الساخنة" وسط العاصمة الفيتنامية هانوي، وتحديدا في "هوان كيام" بالحي العتيق، وجد المصري إيهاب توفيق (44 عاما) له مستقرا، وفي محل صغير أطلق مع شقيقه مطعمه "يلا كباب" المختص في الأكلات الشرقية. صعوبات.. و"صواريخ" يقول إيهاب -وهو من محافظة الشرقية- إن المطعم واجه بعض الصعوبات في البداية، لكن بفضل الله وحمده بات اليوم قبلة لكل العرب القاطنين في هانوي، وأغلبهم شبان من مصر والمغرب وتونس والجزائر. ويضيف إيهاب وهو يحمل طبقا من المشاوي المشكلة على الطريقة الشامية إلى أحد حرفائه الأوفياء من الجالية العربية، أن الفيتناميين أيضا وحتى السياح الأجانب والعرب يقبلون على مطعمه وتستهويهم خاصة "صواريخ الشاورما" التي يتكفل بتحضيرها شاب سوري ذو خبرة. وفي حديثه مع الجزيرة نت، عبر الشاب المصري عن سعادته بأن يكون مطعمه نقطة التقاء بين أبناء الجاليات العربية في فيتنام رغم قلة عددها، مشيرا إلى أن المطبخ بمعناه الشامل بمثابة سفير للحب والسلام والتعريف بثقافة الشعوب وموروثها الحضاري. وتتراوح أسعار الأطباق عند "يلا كباب" من 200 دونغ فيتنامي (8 دولارات) إلى 400 دونغ (16 دولارا)، أما الشاورما والعصائر فلا تتجاوز الـ100 دونغ (4 دولارات)، وهي أسعار عالية نسبيا مقارنة بالأكل في المطاعم الشعبية في فيتنام. مطبخ ثري جدا.. لكن يشار إلى أن المطبخ الفيتنامي ثري جدا بالأطباق ذائعة الصيت عالميا على غرار حساء "فا" الشهير و"بو تشي" وسندويتش "باه مي" الموروث من الفرنسيين، لكن العثور على "الحلال" من بين هذه الأطباق الشهية أمر شبه مستحيل. وفي حال اللجوء إلى "ابن البحر" كما يقول التونسيون في إشارة إلى الأسماك، فإن الخيارات متعددة جدا على اعتبار أن هذه الثروة كبيرة جدا في فيتنام التي تمتد سواحلها على طول نحو 3500 كيلومتر. وإضافة إلى أسماك الساحل المطل على بحر جنوب الصين، تحظى فيتنام بهذه الثروة الغذائية في بحيرات عديدة وفي نهر الميكونغ العظيم الذي يمر جزء كبير منه على أراضيها قبل بلوغه المصب والدلتا التي تحمل اسمه جنوب شرقي البلاد. من المنستير.. عاصمة السمك وفي هذا السياق، يقول الشاب التونسي إسكندر المكني (30 عاما) الذي التقاه موفد الجزيرة نت في "يلا كباب" إن خيار الأسماك لا يستهويه لأن الأنواع كثيرة ولا يمكنه التمييز بين سمك البحر والنهر. ويضيف ابن مدينة جمّال من محافظة المنستير الساحلية وسط تونس، وهي معقل للمطبخ القائم على الأسماك القادمة من مينائها الشهير المطل على البحر الأبيض المتوسط، أنه يرتاد أحيانا مطاعم مختصة في المأكولات البحرية الموثوقة، لكنه يفضل ما تجود به أيادي إيهاب الذي وصفه مازحا بـ"فيت كونغ المشاوي". وفي سؤال عن تقديراته لعدد العرب في هانوي، يقول مواطنه أحمد الشيباني (26 عاما) إن المغاربة يتربعون على الصدارة بنحو 500 فرد يليهم المصريون والجزائريون بنحو 150 لكل جنسية، ثم اليمنيون والمصريون بنحو 100 لكل جنسية. وعن التونسيين، قال أحمد إن عددهم لا يتجاوز الـ50، مشيرا إلى أن غالبية العرب في فيتنام من الشباب ويعملون أساسا في تدريس اللغة الإنجليزية برواتب مجزية وامتيازات مغرية، منوها بالمعاملة الطيبة للسلطات الفيتنامية والطيبة الخارقة لأبناء " العم هو". هو تشي منه.. وضع أفضل وبالتوجه جنوبا نحو مدينة هو تشي منه ذات العشرة ملايين نسمة، يميل الأمر نحو التحسن، فقد رصدت الجزيرة نت عددا لا بأس به من المطاعم الحلال، سواء على خرائط غوغل أو خلال التجوال في مناطق الجذب السياحي بالمدينة التي تتواصل فيها الاحتفالات بذكرى النصر والوحدة. وأخذنا "العم غوغل" هذه المرة إلى مطعم اختاروا له من الأسماء "حلال الشام"، وكان ذا التقييم الأعلى في المدينة بين المطاعم الحلال، في حين تكفل تطبيق "قراب" (أوبر فيتنام) بعملية حجز ونقل سلسة وسريعة وضعتنا أمام المحل الواقع في شارع تجاري إستراتيجي وحيوي. وعلى عكس ما يوحي الاسم، كانت المفاجأة بأن صاحب المطعم تونسي وليس من أهل الشام، وباستفساره عن ذلك، بادرهم سامي عبيد بعد الترحيب والتبجيل قائلا "وهل من أكل أشهر وأفضل وأطيب من الأكل السوري عبر العالم؟"، مؤكدا أن حرفاءه عرب وفيتناميون وأجانب كذلك. وفي ضيافته بمجلس خصصه للنرجيلة وزينه ديكور شامي بهيج، روى سامي للجزيرة نت بداياته في عالم المال والأعمال وصولاته وجولاته مع "البزنس" في كامل دول جنوب شرق آسيا، من الصين إلى ماليزيا مرورا بالفلبين وأخيرا في فيتنام التي وصفها بالتنين الصاعد اقتصاديا بسرعة مكوكية. وفيما يلي جولة بعدسة موفد الجزيرة نت الخاص في رحاب "حلال الشام" الذي خصص طابقه الأرضي لبيع كل المنتجات الحلال من لحم البقر والأغنام وكذلك أنواع عديدة من البقوليات والبهارات وغيرها..

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store