logo
ألمانيا تُبايع ميرتس والانتصار بطعم الهزيمة

ألمانيا تُبايع ميرتس والانتصار بطعم الهزيمة

وطنا نيوز١٠-٠٥-٢٠٢٥

وطنا اليوم _بقلم أحمد سليمان العُمري
بعد فشل مفاجئ في الجولة الأولى، والنجاح في الثانية تُفتح أبواب الأسئلة حول وحدة الائتلاف واستقرار الحكم في المرحلة القادمة.
شهدت ألمانيا قبل يومين 6 مايو/أيّار لحظة سياسية غير مسبوقة في تاريخها البرلماني الحديث، عندما فشل المرشّح المحافظ «فريدريش ميرتس»، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، في الحصول على الأغلبية اللازمة في الجولة الأولى من تصويت الـ «بوندستاغ» البرلمان الإتحادي، لاختياره مستشارا، رغم تحقيقه نظريا أغلبية مضمونة.
وبعد ساعات من التشاورات والمباحثات السياسية المكثّفة، عاد «ميرتس» في الجولة الثانية ليُحقق الفوز، حاصلا على 325 صوتا من أصل 328 مقعدا يملكها الائتلاف الحاكم المشترك؛ بين حزبه والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD).
هزيمة أولى تهُزّ الثقة
رغم التحالف القوي على الأوراق، أظهرت الجولة الأولى هشاشة التوافق داخل الائتلاف، فقد غاب عن ميرتس ستة أصوات، ما منعه من نيل الأغلبية المطلقة المطلوبة (316 صوتا). تلك الهزيمة لم تكن فقط محرجة، بل كاشفة لتصدعات داخلية في جسد الائتلاف، خاصّة من جهة الحزب الاشتراكي، الذي عبّر عدد من نوّابه عن رفضهم لشخص ميرتس وبرنامجه السياسي.
النائب الاشتراكي «سيباستيان رولوف» كان من أوائل من صرّح علنا بعدم التصويت لميرتس، قائلا: «أنا ملتزم بضميري، ولا أستطيع دعم مشروع سياسي محافظ بهذا الشكل». أما النائبة «أنيكا كلوزه»، فقد اعتبرت أن ميرتس يُمثّل «اتجاها يمينيا مُتشددا، ذا طابع نيوليبرالي لا يعكس قيم العدالة الاجتماعية، تحديدا مع سجلّه الداعم لخفض الضرائب على الأثرياء وتقليص الإنفاق على الرعاية الصحية».
إرث ميركل والتحالفات الهشّة
لا يغيب عن الذاكرة أن التحالف الديمقراطي المسيحي – الاشتراكي الديمقراطي ليس جديدا على الساحة الألمانية، فخلال حكومة «أنغيلا ميركل»، عانى الائتلاف من توترات متكررة، انتهت بانسحاب الحزب الاشتراكي من الحكومة في 2018. لكن المفارقة اليوم أن ميرتس، الذي يُعتبر وريثا غير مُكتمل لنهج ميركل «المعتدل»، يواجه اتهامات من شركائه بالانحراف نحو اليمين، عبر سياسات مثل تشديد قوانين الهجرة ودعم خصخصة الخدمات العامّة، ما يهدد بإعادة إنتاج أزمات الماضي.
نجاح الجولة الثانية، ولكن بأي ثمن؟
في الجولة الثانية، والتي جرت بعد ساعات فقط من فشل الجولة الأولى، تحوّلت النتيجة لصالح ميرتس، حيث حصل على تأييد كافٍ لقيادة الحكومة، لكن هذا التحول السريع يطرح تساؤلات جدية: ما الذي تغيّر خلال تلك الساعات القليلة؟ هل جرى الضغط على النواب المترددين؟ هل تم التوصّل إلى تفاهمات أو وعود بتعديلات في السياسات الحكومية المقبلة؟
تشير مصادر برلمانية إلى أن قيادات الحزبين قد أجرت مفاوضات مُضنية، تضمّنت وعودا بتعديل حزمة الإسكان الاجتماعي، وإعادة النظر في زيادة «ضريبة ثاني أكسيد الكربون»، مقابل دعم النواب المتمردين، غير أنّ هذه الوعود تبقى غير مكتوبة، مما يزيد من مخاطر عدم الوفاء بها لاحقا.
ردود فعل المعارضة والرأي العام
في الجانب الآخر، لم تتأخّر المعارضة في انتقاد ما وصفته بـ «الانتصار المُعلّق»، فحزب الخضر وصف ما جرى بأنّه «رسالة تحذير مُبكّرة من أنّ ألمانيا قد تعود إلى عهد التقشّف على حساب العدالة المناخية»، في حين شكّك حزب اليسار في قدرة ميرتس على ضمان الانسجام الحكومي، مُذكّرا بـ «أزمات حكومة 2018 التي انهارت بسبب خلافات مماثلة».
أما الرأي العام، فبدا منقسما بشكل حاد. وفقا لاستطلاع أجرته مؤسّسة «فورسا للبحوث الاجتماعية والتحليل الإحصائي» بعد التصويت، أيد 52% من الناخبين المحافظين نتيجة الجولة الثانية، بينما عبّر 48% من الناخبين الإشتراكيين عن قلقهم من أن سياسات ميرتس «ستُعمّق الفجوة الطبقية».
أوروبا تُراقب بقلق
دوليا، رصدت الصحافة الأوروبية والأمريكية هذه اللحظة بوصفها «علامة على الانقسام السياسي العميق في ألمانيا؛ القطب المركزي للاتحاد الأوروبي».
صحيفة «لو موند» الفرنسية اعتبرت ما جرى «جرس إنذار للديمقراطية البرلمانية في ظل تصاعد الشعبوية اليمينية»، بينما أشارت «فاينانشال تايمز» إلى أنّ «التحديات الاقتصادية التي تواجه ألمانيا، مثل تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الأوكرانية، قد تُفجّر الخلافات داخل الائتلاف الحاكم قريبا».
ميرتس بين التحدي والطموح
لا شك أن ميرتس شخصية سياسية ذات كفاءة وتجربة طويلة، وقد حظي بدعم واضح من جناح المحافظين التقليديين، غير أنّ قدرته على إدارة ائتلاف يضم شريكا اشتراكيا، يتناقض معه فكريا في قضايا حاسمة مثل الهجرة: رغبة المحافظين في تشديد القيود مقابل دعوات الاشتراكيين لتبني سياسات أكثر انفتاحا.
العدالة الضريبية: خلاف حول زيادة الضرائب على الشركات الكبرى مقابل دعم المحافظين لتحفيز الاستثمار، إضافة إلى التحول الأخضر، أي الخطة الألمانية للانتقال إلى الطاقة المتجددة بحلول 2045: معارضة الاشتراكيين لخطط المُحافظين المُقترحة لخصخصة قطاع الطاقة.
حكومة تُولد من رحم التردّد
انتصار فريدريش ميرتس في الجولة الثانية لا يُعد نصرا سياسيا كاملا، بل بداية لعهد مأزوم ومحفوف بخلافات مكبوتة. الائتلاف الحاكم أمامه طريق شائك، فعليه أن يبرهن للشعب الألماني أن وحدة الصف السياسي ممكنة، وأن الخلافات لا تعني الشلل.
لكن المؤشّرات الأولى تدعو للتحفّظ، لا للاحتفال، فالتاريخ يُذكّرنا بأنّ 60% من التحالفات الألمانية الهشّة انهارت قبل نهاية ولايتها، وفق مركز «برلين للدراسات السياسية»، وآخرها إنهيار إئتلاف «أولاف شولتس». كما أن الأزمات الخارجية، مثل التوترات مع روسيا وتداعيات التضخّم العالمي، قد تُفاقم الإملاءات التي يفرضها الوضع العام راهنا على الحكومة الجديدة.
يبقى السؤال: هل ستنجح هذه التحالفات في كتابة فصل جديد من الاستقرار؟ وأنا أشك، أم أن ألمانيا ستدخل عصرا من عدم اليقين السياسي؟ وهذا رأي الشخصي، فالمستقبل القريب لا يُنبئ بقدرة حزب وحده على التفرّد بالقيادة السياسية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ميلوني عن علاقتها بترامب: لا أعالج القادة نفسيًا!
ميلوني عن علاقتها بترامب: لا أعالج القادة نفسيًا!

جفرا نيوز

timeمنذ 3 أيام

  • جفرا نيوز

ميلوني عن علاقتها بترامب: لا أعالج القادة نفسيًا!

جفرا نيوز - ابتسمت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، عندما طُلب منها تقديم نصيحة للمستشار الألماني فريدريش ميرتس قبل زيارته الأولى للبيت الأبيض، مشيرة بروح الدعابة إلى أنها ليست "طبيبة نفسية'. وقالت ميلوني مازحة، وهي تضحك على السؤال الذي طرح يوم السبت عقب لقائها مع ميرتس: "لا أشعر بالضرورة بأنني مؤهلة للعمل كطبيبة نفسية للقادة الدوليين'. وأضافت أن المستشار الألماني "سياسي يتمتع بخبرة كبيرة'. ومع ذلك، يُنظر إلى الزعيمة الإيطالية اليمينية في بعض الأحيان على أنها "مروضة ترامب' الأوروبية، حيث تتمتع بعلاقة جيدة مع الرئيس الأميركي. ومنذ فوز الأخير في الانتخابات خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التقى الاثنان 4 مرات. واجتمعت ميلوني وميرتس لأكثر من ساعة في قصر تشيجي، المقر الرسمي لرئيسة الوزراء في روما. ويقوم زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني حاليا بسلسلة من الزيارات الافتتاحية في جميع أنحاء أوروبا. كما أعلن ميرتس عن خطط للسفر إلى واشنطن قريبا للقاء ترامب، على الرغم من عدم تحديد موعد بعد. وأشارت ميلوني إلى أن ترامب شخص يدافع عن المصالح الأميركية ويحترم السياسيين الذين يدافعون عن مصالحهم الوطنية. وقالت: "أعتقد أن كل واحد منا يجب أن يوضح أولا ما هي مصالحنا الوطنية. أنا متأكدة من أن فريدريش ميرتس سيفعل ذلك'. ويتواجد ميرتس في روما لحضور تنصيب البابا الجديد ليو الرابع عشر، الذي سيقام، اليوم الأحد، في ساحة القديس بطرس. كما سيحضر الحفل نائب المستشار لارس كلينجبيل من الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وكان الكاردينال السابق روبرت فرنسيس بريفوست من الولايات المتحدة قد انتخب في 8 مايو (أيار) خلفا للبابا الراحل فرنسيس، ليصبح أول رجل دين أميركي يتولى قيادة 1.4 مليار كاثوليكي في جميع أنحاء العالم.

ميلوني ضاحكة:" لا أقدم نصائح بشأن ترامب .. لست طبيبة نفسية"
ميلوني ضاحكة:" لا أقدم نصائح بشأن ترامب .. لست طبيبة نفسية"

سرايا الإخبارية

timeمنذ 3 أيام

  • سرايا الإخبارية

ميلوني ضاحكة:" لا أقدم نصائح بشأن ترامب .. لست طبيبة نفسية"

سرايا - ضحكت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، على سؤال حول النصيحة التي ستقدمها للمستشار الألماني فريدريش ميرتس قبل زيارته الأولى للبيت الأبيض، قائلة إنها ليست "طبيبة نفسية". وقالت ميلوني مازحة، وهي تضحك على السؤال الذي طرح يوم السبت عقب لقائها مع ميرتس: "لا أشعر بالضرورة بأنني مؤهلة للعمل كطبيبة نفسية للقادة الدوليين". وأضافت أن المستشار الألماني "سياسي يتمتع بخبرة كبيرة". ومع ذلك، يُنظر إلى الزعيمة الإيطالية اليمينية في بعض الأحيان على أنها "مروضة ترامب" الأوروبية، حيث تتمتع بعلاقة جيدة مع الرئيس الأميركي. ومنذ فوز الأخير في الانتخابات خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التقى الاثنان 4 مرات. واجتمعت ميلوني وميرتس لأكثر من ساعة في قصر تشيجي، المقر الرسمي لرئيسة الوزراء في روما. ويقوم زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني حاليا بسلسلة من الزيارات الافتتاحية في جميع أنحاء أوروبا. كما أعلن ميرتس عن خطط للسفر إلى واشنطن قريبا للقاء ترامب، على الرغم من عدم تحديد موعد بعد. وأشارت ميلوني إلى أن ترامب شخص يدافع عن المصالح الأميركية ويحترم السياسيين الذين يدافعون عن مصالحهم الوطنية. وقالت: "أعتقد أن كل واحد منا يجب أن يوضح أولا ما هي مصالحنا الوطنية. أنا متأكدة من أن فريدريش ميرتس سيفعل ذلك". ويتواجد ميرتس في روما لحضور تنصيب البابا الجديد ليو الرابع عشر، الذي سيقام، اليوم الأحد، في ساحة القديس بطرس. كما سيحضر الحفل نائب المستشار لارس كلينجبيل من الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وكان الكاردينال السابق روبرت فرنسيس بريفوست من الولايات المتحدة قد انتخب في 8 مايو (أيار) خلفا للبابا الراحل فرنسيس، ليصبح أول رجل دين أميركي يتولى قيادة 1.4 مليار كاثوليكي في جميع أنحاء العالم.

ميلوني: لا تنتظروا مني نصيحة بشأن ترامب فلست طبيبة نفسية
ميلوني: لا تنتظروا مني نصيحة بشأن ترامب فلست طبيبة نفسية

جو 24

timeمنذ 3 أيام

  • جو 24

ميلوني: لا تنتظروا مني نصيحة بشأن ترامب فلست طبيبة نفسية

جو 24 : ضحكت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني من سؤال حول النصيحة التي ستقدمها للمستشار الألماني فريدريش ميرتس قبل زيارته الأولى للبيت الأبيض، قائلة : "أنا لست طبيبة نفسية". وقالت ميلوني مازحة، وهي تضحك من السؤال الذي طرح يوم السبت عقب لقائها مع ميرتس: "لا أشعر بالضرورة بأنني مؤهلة للعمل كطبيبة نفسية للقادة الدوليين"، مضيفة أن المستشار "سياسي يتمتع بخبرة كبيرة". ومع ذلك، ينظر إلى الزعيمة الإيطالية اليمينية في بعض الأحيان على أنها "مروضة ترامب" الأوروبية، حيث يعتقدون أنها تتمتع بعلاقة جيدة بشكل خاص مع الرئيس الأمريكي. ومنذ فوز ترامب في الانتخابات في نوفمبر الماضي، التقى الاثنان أربع مرات. واجتمعت ميلوني وميرتس لأكثر من ساعة في قصر تشيجي، المقر الرسمي لرئيسة الوزراء في روما. ويقوم زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني حاليا بسلسلة من الزيارات الافتتاحية في جميع أنحاء أوروبا. كما أعلن ميرتس عن خطط للسفر إلى واشنطن قريبا للقاء ترامب، على الرغم من عدم تحديد موعد بعد. وأشارت ميلوني إلى أن ترامب شخص يدافع عن المصالح الأمريكية ويحترم السياسيين الذين يدافعون عن مصالحهم الوطنية. وقالت: "أعتقد أن كل واحد منا يجب أن يوضح أولا ما هي مصالحنا الوطنية. أنا متأكدة من أن فريدريش ميرتس سيفعل ذلك". ويتواجد ميرتس في روما لحضور تنصيب البابا الجديد ليو الرابع عشر، الذي سيقام اليوم الأحد في ساحة القديس بطرس. كما سيحضر الحفل نائب المستشار لارس كلينغبيل من الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وكان الكاردينال السابق روبرت فرنسيس بريفوست من الولايات المتحدة قد انتخب في 8 مايو خلفا للبابا الراحل فرنسيس، ليصبح أول رجل دين أمريكي يتولى هذا المنصب. المصدر: وكالات تابعو الأردن 24 على

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store