
في الانتخابات البلدية اللبنانية... لبّ أزمة التعايش
وسط انشغال العديد من اللبنانيين وأشقائهم وجيرانهم بالهموم الوطنية والإقليمية الكبرى، ينهمك قطاع لا بأس به من اللبنانيين، هذه الأيام، بحكاية جانبية... قد تبدو تافهة مقارنةً بالأخطار الوجودية التي تتهدّد شرق العالم العربي.
فخلال مايو (أيار) المقبل ستنظم في لبنان الانتخابات البلدية والاختيارية (أي انتخابات «المخاتير» أو «العُمُد» وفق المُسمى المصري). ومن العاصمة بيروت، إلى أصغر القرى والدساكر وأقصاها، ثمة حمى انتخابية تشكّل - محلياً، ومؤقتاً على الأقل - عامل إلهاء مؤقت عن الهموم المعيشية الضاغطة والأوضاع الأمنية المقلقة.
هنا تنزع العشائرية المتأصِلة في النفوس عن وجوه اللبنانيين واللبنانيات كل مساحيق النفاق «التعايشي». وتكشف أمامهم عن حقيقة قدرتهم - كغيرهم من أبناء وبنات بيئاتهم «المشرقية» - على تغطية انقساماتهم الدينية والمذهبية والعشائرية والعائلية... ثم «تغليفها» بأغلفة تدّعي الانفتاح والتسامح.
اللبنانيون وإخوتهم «المشارقة»، وبالأخص، الذين زايدوا وحاضروا لعقود عديدة بالتحرّر والتآخي والتقدمية، ربما كانوا في حينه مقتنعين بالشعارات التي رفعوها... وقتل بعضهم في سبيلها.
ربما، لكن الأحياء منهم يدركون اليوم أن «الطبع يغلب التطبّع»، وأن بداخل كل منهم هوية فئوية تظهر عند أول استفزاز، وتبرّر تخلّفها أمام كل نوبة خوف.
شعارات «ليبرالية» و«تقدمية» كثيرة تبنّتها الجماعات المُستنيرة في منطقتنا، منذ العقود الأخيرة من عهد الدولة العثمانية أيام «الحركة الدستورية» وجماعات الإصلاح الديني والاجتماعي، ومروراً بالنظامين العالميين اللذين أفرزتهما الحربان العالميتان الأولى والثانية ثم «الحرب الباردة».
إلا أننا مع عودة «الأحادية القطبية» عبر هيمنة واشنطن، وفشل تطبيق نماذج عدة من الحكم الاستقلالي، شهدنا تراجعاً في جاذبية «الليبرالية» وصدقية «التقدمية»، بدءاً من «العالم الثالث» الذي عانى من هيمنة الراديكاليات العسكرية والتوريثية... ووصولاً إلى صعود اليمين المتشدد - النقدي Monetarist Right أولاً... والعنصري لاحقاً - في أوروبا وأميركا.
الواقع أن آفة العصبية القبلية جزءٌ لا يتجزأ من تراثنا الاجتماعي والسياسي. ولقد تنبّه لها الإسلام باكراً، فنهى عنها. ومع هذا، أفلح أهل السياسة في الالتفاف على النهي الديني، فألبسوا عصبيّتهم القبلية أو العشائرية رداء الدين، فـ«مذهبوها» و«طأفنوها» إلى حدود الفتنة. وبينما تهبّ الآن على المنطقة العربية أعاصير السياسة من شتى الاتجاهات، تقف مجتمعاتنا عاجزة عن إيجاد الطريقة الأنجع للحد من الأضرار، ويدرك العقلاء منا أن التخلّص منها، بالمطلق، دونه عقبات كبرى.
في العالم العربي – ولا سيما، في بلاد الشام – بتنا عاجزين عن التصدّي للتصعيد الإسرائيلي، وما حقّقه حتى الساعة من اختراقات استراتيجية. والحقيقة المرة أننا كنا قد عجزنا في الماضي أيضاً... عندما كان مستوى «مناعتنا» الطبيعية أعلى مما هو عليه اليوم، وكان تعاطف العالم معنا أكبر، وتماهي اليمين الأميركي مع اليمين الإسرائيلي أقل صراحةً وتكاملاً وعمقاً.
ولسوء طالعنا أمامنا شبه إجماع عند جمهرة من المعلقين السياسيين العالميين على «عبثية» الرهان على «مجتمع دولي» يجوز أخذه بجدّية والاعتماد على ثقله الوازن. لقد سقط ذلك «المجتمع الدولي»، الذي كان ذات يوم لبعض الوقت، قادراً على تخفيف غلو هنا وفرض «حل وسط» هناك. وها هو في العديد من دوله النافذة نرى قوى عنصرية تجاهر بكل أشكال التحامل والكراهية والعنصرية والإقصاء.
عودةً إلى لبنان... وانتخاباته
خلال الأسابيع الفائتة تزايد الجدل حول انتخابات بيروت، عاصمة لبنان وكبرى مدنه بفارق كبير. أما السبب فخوف قسم كبير من الشارع المسيحي من طغيان الصوت المسلم السنّي (السنّة هم المكوّن الأكبر) وتقزيمه حجم التمثيل المسيحي.
للعلم، في الانتخابات البلدية والاختيارية لا حصص محددة للطوائف، بعكس الانتخابات البرلمانية. وهذا يندرج نزولاً من المدن الرئيسة حتى أصغر القرى حيث تبرز الحساسيات العائلية.
وما بدا واضحاً، أن ثمة تياراً في لبنان – استمرأ العيش مع نفاق «صيف وشتاء على سطح واحد» – يتكلم الآن صراحة عن تقسيم المجلس البلدي لبيروت إلى مجلسين أحدهما بغالبية مسلمة... والثاني بغالبية مسيحية.
في هذه الصيغة التقسيمية «استنهاض» للحالة الكابوسية التي عاشها البيروتيون واللبنانيون إبان سنوات الحرب اللبنانية بين 1975 و1990، وهروب متعمّد ومتكرّر من كل التسويات المُمكنة والمُنصفة لكل أشكال التمثيل السياسي في لبنان.
هذه المدرسة الموغلة في طائفيتها، التي قادتها مصالحها الكيدية العابرة عام 2006 إلى عقد صفقات جانبية تكتيكية قرابة عقدين من الزمن، عادت أخيراً إلى مزايداتها الطائفية التي ألفها اللبنانيون قبل «تفاهم مار مخايل»... المعقود ذلك العام بين «التيار العوني» و«حزب الله».
وانطلاقاً من ازدواجية المعايير ذاتها رفضت هذه «المدرسة» بعناد تطبيق نص «اتفاق الطائف» لجهة إنشاء مجلس للشيوخ يُنتخب أعضاؤه طائفياً، ومجلس نواب ينتخب نوابه خارج القيد الطائفي، مع اعتماد نظام «اللامركزية الموسّعة».
جديرٌ بالذكر، أنه لفترة غير قصيرة تبنّى «التيار العوني» «مشروع القانون الأرثوذكسي» القائل بأن تنتخب كل طائفة نوابها، في حين أيّد «الثنائي الشيعي» اعتماد لبنان «دائرةً انتخابيةً واحدة». غير أن أيّاً من الطرفين رفض دمج المشروعين، بحيث يطبّق «المشروع الأرثوذكسي» لانتخاب مجلس الشيوخ و«لبنان الدائرة الواحدة» لمجلس النواب!!
وبالتالي، التقت المصالح العابرة بين فريقين طائفيين حريصين على الانفراد بالهيمنة على طائفتيهما، على تغييب الحل الواقعي والعادل والدستوري الوحيد الذي يتيح التمثيل من دون الإلغاء، ورافضين لدعم مفهوم التعايش الحقيقي بعيداً عن الاستقواء بالخارج...
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وطنا نيوز
منذ يوم واحد
- وطنا نيوز
صرخة مدوية في وجه التيه العربي
بقلم د. هاني العدوان من لظى المعاناة وعمق التحدي، انبثقت الدولة العثمانية شامخة، على أرض الأناضول التي كانت تموج بصراعات السلاجقة الممزقين، وتهوي عليها رياح المغول العاتية، وتتربص بها أطماع البيزنطيين المتزايدة وسط هذا اللهيب، بزغ نجم عثمان بن أرطغرل، قائدا فذا ورجلا ملؤه الإيمان، نذر نفسه لهدف أسمى، توحيد القبائل التركية تحت راية واحدة، وبناء دولة قوية تحميها وتذود عنها لم يكن دربه ممهدا بالحرير، بل كان وعرا مليئا بالمخاطر، فالمغول الذين اجتاحوا المنطقة بقوة لا تقهر، والصليبيون، الذين لم ينسوا حلم استعادة القدس، أدركوا خطورة هذا التوحد التركي المتنامي، فما كان منهم إلا أن حيكت المؤامرات، وبذلت الأموال والنفوذ لشراء الذمم، وأُججت الفتن والنعرات بين القبائل، ووعد بالسيادة والنفوذ لمن ينضم إليهم، وفتحت أبواب التجارة طمعا في كسب ولائهم، ولاقى ما لاقى من مؤامرات، بدءا من الأقربين، فلم يسلم من مؤامرات عمه، وحتى بعض إخوته، لكن عثمان بحكمته وإيمانه الراسخ، كان سدا منيعا أمام هذه المخططات الدنيئة لقد أدرك بفطرته أن قوة الأمة تكمن في وحدتها، وأن الفرقة والضعف لا يجلبان سوى الذل والهوان، لذلك آثر الحوار والتفاهم على القتال، والعفو والصفح على الانتقام، فلم تسفك في عهده قطرة دم تركية واحدة في صراع داخلي، وكان شعاره الخالد 'صلح بين قومي خير لي من نصر على عدوي' بهذا النهج القويم، استطاع عثمان أن يكسب ثقة القبائل وولاءها، وأن يجمع شتاتهم تحت رايته الظافرة لقد أسس دولته على قواعد متينة من العدل والشورى والتسامح، وجعل من الإسلام نبراسا يضيء طريقه، لم يكتف بالفتوحات العسكرية، بل اهتم أيضا ببناء المؤسسات، وتنظيم الإدارة، ونشر العلم والثقافة، لقد وضع اللبنة الأولى لدولة عظيمة، استمرت لأكثر من ستة قرون، وحملت راية الإسلام إلى أقاصي الأرض، دولة كانت منارة للعلم والحضارة، وقوة عظمى يحسب لها ألف حساب واليوم، ونحن نرى أمتنا العربية ممزقة الأوصال، مقطعة الأقطار، يعاني فيها العربي مرارة الغربة وبين إخوته، وتسلب الأراضي، وتنتهك الأعراض، وتشرد الشعوب، ويفتك الجوع ببعض الأقطار، نتساءل، نحن ابناء الأمة حاملة رسالة الإسلام ، الأمة التي أراد الله لها أن تكون خير أمة اخرجت للناس ، الأمة العربية ذات المجد ،اين نحن من ماضينا ، اين نحن من دروس عثمان بن ارطغرل حيث امتدادها ما زال ماثلا أمامنا على أرض تركيا العظيمة ، مهابة الجانب ، اين نحن من بطولات الصحابة الافذاذ رضوان الله عليهم ،أين النخوة والشهامة والعزة والتاريخ التليد، لقد أصبح الدم واللسان العربي، وحتى العقيدة التي تجمعنا، لم تعد قاسما مشتركا يجمعنا، العالم من حولنا يتحد ويتآزر، ونحن نزداد فرقة وتقزما وشتاتا ما الذي اعمى بصائرنا، كيف كنا وأين صرنا، اصبحنا أمة متخلفه مكانها في ذيل الأمم ، ليس لنا موقف ولا اعتبار وليس لنا حسبة بين الأمم ، أمة مستهلكة وثرواتها منتهبه وأرضها مغتصبة وقرارها ليس من رأسها ، فهل آن الأوان لأن نستلهم من ماضينا وعقيدتنا وتاريخنا ،المجيد ، ونعيد لأمتنا مجدها ووحدتها ان مصير الأمة معلق في رقاب قادتها وهم على قدر كبير من الحكمة وعريقون في السياسة، الرهان معقود عليهم ، وليس ثمة ما يحيل عن تحقيقهم احلام وتطلعات شعوبهم الا أن يلتقوا ويلقوا بالخلافات وراء ظهورهم ، يضعوا مصالح أمتهم فوق أية اعتبارات وينهضوا بهذه الشعوب حيث مكانتها التاريخية فيا قادة الامة الذين نجلهم ونقدرهم، يا من بيدكم مقاليد الامر، ويا من على عاتقكم امانة التاريخ، هل من مستجيب لنداء الشعوب التي تئن تحت وطأة التيه والفرقة، هل من ملتفت لارادة امة تواقة للمجد، عطشى للوحدة، مستعدة لبذل الغالي والنفيس في سبيل عزتها ان صرخة هذه الامة ليست مجرد كلمات، بل هي رجاء صادق، ونداء من اعماق الأفئدة، بان تلقوا بالخلافات جانبا، وان تضعوا مصلحة الامة العليا نصب اعينكم ان شعوبكم تتطلع اليكم بان تستلهموا من عظمة الماضي، لترسموا مستقبلا يليق بعراقة هذه الامة وتضحيات ابنائها، فاستجيبوا لنداء الوحدة، ولصوت الحق الذي يصدح من حناجر الملايين، لتعود الامة العربية منارة للعالم، وقوة لا تقهر، ومجدا لا يزول، ولتكونوا شهودا على نهضة عظيمة، لا على تيه مستمر

السوسنة
منذ يوم واحد
- السوسنة
وقت الغضب من أجل أطفال غزة
أجساد صغيرة ممددة على الأرض..أمهات وآباء يحتضنون جثث أطفالهم..خطوات مرتجفة لطفل يحمل أخاه الرضيع..أطفال يتألمون من الجوع حتى الموت..آلاف الأطفال بلا أذرع ولا أرجل..أبناء يودعون جثث آبائهم وأمهاتهم بدموع غزيرة..أطفال حائرون يتجولون بين الأنقاض بلا هدف بعد أن أصبحوا أيتاماً بين قصف وآخر..وجثث صغيرة تتدلى من جدران الأحياء المدمرة..بالله عليكم…ألا تثور قلوبكم أمام هذه المشاهد؟ حتى متى سنظل صامتين أمام هذه الهمجية، أمام هذه الوحشية غير الأخلاقية؟ ألا تمزق صرخة الطفل الصغير فيصل الخالدي آذاننا؟ «كانت أمي حاملاً في الشهر السابع. أطلقوا النار على بطنها. قتلوا أمي وأبي أمام عيني!»كلا!من يفعل هذا لا يمكن أن يكون إنساناً. هؤلاء لا يسيرون على طريق سليمان ولا داود عليهما السلام. هم ينتمون إلى ظلام يتجاوز الهمجية. هم وحوش صهيونية تم إنتاجها في مختبرات الإمبريالية والعنصرية والاستعمار. هؤلاء لا يمكن أن يكونوا من اليهود الذين احتضنتهم الحضارة الإسلامية والإمبراطورية العثمانية لقرون. السياسي الإسرائيلي موش فيجلين يجرؤ على القول أمام أعين العالم كله:«كل طفل في غزة، كل رضيع هو عدو. العدو ليس حماس.. يجب أن نحتل غزة، أن نستعمرها ولا نترك فيها طفلاً غزياً واحداً، لا يوجد نصر آخر». الظلم الصهيوني يستمر بحقد يخجل منه حتى جنكيز خان وهتلر و»داعش». غزة أصبحت مقبرة للأطفال الرضع. وهؤلاء الهمج يستمتعون بقتل الأطفال. ألم يحن الوقت لكي يتحد العالم ضد هذا الرعب؟أيها الضمير العالمي! أين أنت؟ ألم يحن الوقت لزلزلة الأرض من أجل هؤلاء الأطفال؟ اليوم، 14 ألف رضيع يواجهون خطر الموت جوعاً.. بعد أكثر من 19 شهراً من الإبادة الجماعية التي أودت بحياة مئات الآلاف من المدنيين، يجري تجويعهم عمداً وبطريقة ممنهجة لقتلهم واحداً تلو الآخر. يجب أن نقول بخجل: لم تغلق أي سفارة في إسرائيل بعد! الضمير الإنساني يثور الآن. المؤرخ الاسكتلندي ويليام داريمبل يصرخ: «إذا أردنا منع موت 2.1 مليون إنسان جوعاً ومنع التطهير العرقي، يجب أن نوقف جميع مبيعات الأسلحة وفرض عقوبات فورية على هذا النظام القاتل».. حتى الكاتب اليهودي آلون مزراحي الذي يقف ضد الصهيونية يفرح باستيقاظ أوروبا: «هذه أخبار رائعة. تسونامي مقبل ضد بلد الهمج والمختلين عقلياً. قد تتسبب إسرائيل في انقسام كبير بين أوروبا وأمريكا. سنرى العلامات الأولى قريباً. أمريكا ستبقى وفية لإسرائيل حتى حدوث انهيار كبير، لكن أوروبا ستتراجع مبكراً. هذه العملية بدأت بالفعل». بينما يرفع اليهود الرحماء صوتهم ضد الصهيونية، أليس عاراً على بعض الدول التي تزعم الإسلام أن تتبع ذيول هؤلاء القتلة خوفاً؟التاريخ سيسجل هذا أيضاً.نتنياهو وعصابته سيلقون في مزبلة التاريخ ويلعنون إلى الأبد، مثل فرعون ونمرود وهتلر و»داعش». ففي تاريخ البشرية، لم يتم استهداف هذا العدد من الأطفال والرضع بهذه الوحشية، صرخات غزة وصلت إلى الذروة. يوما ما سيصل صراخ الأطفال إلى العالم كله ويحرقه ويزلزله.أيها العالم! أما زلت صامتاً أمام أطفال غزة؟ أصمّت صرخاتهم آذانك؟ حتى متى ستظل غير مبالٍ بموت هؤلاء الأطفال الذين يحملون براءة الملائكة؟ أنت الذي تفخر بالمحاكم التي أنشئت باسم الإنسانية.. أنت الذي تتحدث عن العدالة والضمير والحرية.. قل لي الآن، أين أودعت ملف القضية الذي قدمه لك هؤلاء الأطفال؟ في أي أرشيف دفنت هذه الدموع؟ أي مصالح وحسابات أخفت صوتك؟لقد حان الوقت:لا تسكت أيها العالم..حتى لو دُمر كل شيء، قف أنت شامخاً!حتى لو تقاعس الجميع، تقدم أنت للأمام!لأن كلمتك وحدها ستتردد في هذا الظلام.واعلم أن صمتك يعني فقداننا ليس لشعب فقط، بل للإنسانية كلها.لا تتوقف…لا تتراجع…لا تسكت…لا تدع قلبك يضعف وقلمك يرجف..اكتب من أجل غزة…كما لو أن كل حرف سيكون مرهماً لقلب طفل مزقته الشظايا.. كما لو أن كل قطرة دم ستسجل بكلماتك.. كما لو أن أحد لن يتذكر وجود هؤلاء الأطفال إن لم تبك أنت.. وعندما يسألك ربك ذات يوم: «أين كنت عندما احترقت غزة؟» لتكن لديك إجابة، وموقف، وكرامة تقدمها حينها.. لأن كل من لم يقاتل حتى آخر رمق من قوته، يكون قد تخلى عن هؤلاء المظلومين.كاتب تركي


الغد
منذ 2 أيام
- الغد
فتنة العصر (3): كيف تحولت الأوهام الدينية إلى عوائق حضارية؟
د.محمد صبحي العايدي اضافة اعلان على امتداد العقود الماضية واجهت الأمة العربية والإسلامية هزائم سياسية وفكرية متتالية، لم تقتصر آثارها على الساحة الجيوسياسية فحسب، بل تسللت عمقاً إلى الوعي الجمعي، وأحدثت تشوها في فهم الدين ذاته، هذا التشوه ولّد أوهاماً كبرى، تحولت إلى عوائق بنيوية حالت دون استقرار المجتمعات وتقدمها.من هذه الأوهام التي تصدرت هذا المشهد المأزوم هي: وهم الدولة الدينية، ووهم الاصطفاء، والتمترس المذهبي، فلم تعد هذه الأوهام مجرد انحرافات في الفهم، بل أصبحت أدوات لصناعة الجمود والاستبداد والانقسام.أولاً: وهم الدولة الدينيةمفهوم "الدولة الدينية" كما تم تسويقه إلى الوعي العربي والإسلامي لم ينبثق من نقاش علمي رصين او تجربة مدنية ناضجة، بل كان نتاج قلق أيديولوجي، ومحاولة لاستثمار الدين في شرعنة السلطة، فهل الدولة الدينية هي تلك التي يقودها رجال الدين بوصفهم أوصياء على الفهم الصحيح للدين؟ أم هي التي تستنسخ أحكام السلف وتنزلها على واقع متغير دون اعتبار لمتطلبات الزمن؟ أم أنها – على غرار ما شهده التاريخ الأوروبي في عصر الكهنوت – تمثل تفويضاً إلهياً للحكم بلا قوانين أو ضوابط؟في كل هذه الصور التي ذكرناها يتحول الدين من مرجعية سامية تهدف إلى تحرير الإنسان وتكريمة، إلى أداة سياسية في يد فئة تحتكر الحقيقة وتفرض وصياتها على الناس، تقصي الكفاءات لصالح التدين الظاهري والشكلي، وتستبدل المؤسسات بالفتاوى، ويهمش مبدأ المواطنة باسم الانتماء الديني.إن هذه الصيغة من الدولة لا تنتج عدالة، بل تنتج سلطوية مغلفة بالدين، وتصبح الآراء الفقهية فوق صوت الدستور، و" النية الصالحة" بديلاً عن الحوكمة الرشيدة، وهكذا يتحول الحلم بالدولة العادلة إلى كابوس من الاستبداد المقدّس.ثانياً: وهم الاصطفاء أو "الفرقة الناجية"في زمن الانفتاح العالمي، واتساع التواصل بين الشعوب والثقافات، ظهرت جماعات الإسلام التقليدي التي تغلف وجودها ودعوتها بهالة من الاصطفاء الإلهي لها، وترى نفسها الفرقة الناجية الوحيدة ، بل أنها على الحق المطلق، وماعداهم في ضلال مبين، لا لشيء إلا لأن الله اعطاهم امتيازاً لذلك دون بقية الخلق، فنحن هنا أمام تضخم أنوي جماعي، ونرجسية مقنعة بالآيات والأحاديث، أعطت لنفسها امتيازات باسم الدين، وجعلوا من أنفسهم أوصياء على الناس، فهذه الجماعات لا تدعو إلى النجاة بل تحتكرها، ولا تنشر الرحمة بل تحتكر الجنة، وهذا مدخل خطير للتكفير والتدمير ومحاسبة الآخرين بلا رقيب ولا حسيب، فبدل ان يلهمهم الدين التواضع والتقوى الذي هو شعور بالمسؤولية لخدمة الناس، أسكرهم بشعور التميز والتفوق الروحي، ومنحهم سلطة رمزية ونفسية، متجاهلين أن النجاة بالعمل وليس بالادعاء، وبالرحمة لا بالغلظة.ثالثاً: وهم التمترس المذهبيتكونت المذاهب الإسلامية كمناهج علمية للفهم وجسور للمعرفة والحوار، وليست كأسوار للفصل الفكري والمعرفي، فمتى تحولت من مناهج معرفية تنظم الفهم الديني بطريقة علمية إلى هويات دفاعية، يحتمي بها كل من ينتمي لها منغلقا على ذاته، ومحاولا ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، فنحن هنا أمام معضلة كبيرة لا تقل خطورة عن اللامذهبية، فكما تؤدي اللامذهبية الى الفوضى وعدم الاستقرار المجتمعي، فالتمترس المذهبي المنغلق يؤدي الى الجمود وقتل روح الابداع والاجتهاد والتقدم في المجتمعات، والانكفاء على الذات، وهذا يجعل الدين عبئا وعائقاعلى المجتمع بدل أن يكون رافداً من روافد التقدم، وايجاد الحلول للمشكلات وتيسير حياة الناس.وفي الختام...إن هذه الأوهام الثلاثة لم تعد مجرد تصورات مغلوطة، بل تحولت إلى عوائق حضارية حقيقية، تقيّد انطلاق المجتمعات وتهدد السلم الأهلي، وتحول دون تجديد الخطاب الديني، وتلاقي الاجتماع الإنساني.وقد آن الآوان لتحرير الدين من هذه الأوهام، وإعادته إلى دوره الأصيل كمصدر للرحمة، ومرجعية أخلاقية وقيمية لتكريم الإنسان وتحرره لا لتقييده، وبوصلة للخير والنفع العام، لا أداة للتقسيم والتنازع، وروحاً عليا تنير الطريق، لا سيفاً يشهر عند كل اختلاف.