logo
هذه كتبي.. هذه اعترافاتي

هذه كتبي.. هذه اعترافاتي

كواليس اليوم٢٨-٠٤-٢٠٢٥

عبده حقي
حين أقلب مئات الصفحات التي كتبتها على امتداد أكثر من أربعة عقود منذ أواسط السبعينات، أرى مكتبتي المتواضعة ليست باعتبارها رفوفا خشبية تتزاحم فيها العناوين، بل مثل كائن أنيس حي ينبض بالحيرة والأسئلة القلقة ، تتشابك فيه الروايات مع المقالات، وتتجاور فيه القصائد مع الحوارات، وتلتحم فيه السيرة الذاتية بروبوتات التقنية، حتى ليخيل لي أحياناً أنني لم أكتب هذه الكتب، بل إن الكتب هي التي كتبتني.
لا أتحدث هنا من باب الفخر والاعتزاز أو لاستعراضها الكرنفالي، بل من باب استعادة مسار تشكلت فيه هويتي ككاتب مغربي مستقل ، انطلق من رواية «وداعاً أرض النار والرياح» التي كتبتها في لحظة تأمل وجودي، باحثاً عن معنى الرحيل والانتماء، وواصلت الرحلة نحو رواية 'إيريكا في غرفة الأخبار' حيث تجسدت قضايا الإعلام والتكنولوجيا ، الحقيقة، وصناعة الوهم في زمن ما بعد الحقيقة.
في أعمالي الأدبية التسعة عشر مثل «حوارات مع الكاتب المغربي عبده حقي' وحوارات في الثقافة العربية' و'حوارات في الثقافة المغربية '، لم أكن أجري مقابلات بالمعنى التقليدي، بل كنت أستدرج الذاكرة الثقافية المغربية والعربية كي تتكلم بصوتها الخاص، محاولة لتوثيق الهموم والأسئلة التي تؤرق النخبة المثقفة وتؤطر المستقبل.
أما في كتاب 'مكاشفات: شذرات بلورية'، فقد كان اليراع يكتب من منطقة الحدس، من شرفة شاعر يلتقط المعنى المبعثر ويصوغه في كلمات لامعة كقطرات الندى، نصوصا كتبتها تحت دوحة التأمل الفيحاء حينًا، وتحت صقيع الشك أحيانًا أخرى.
وحين اجتاحت التكنولوجيا عالم الكتابة والإبداع ، وجدت نفسي معنيًّا أكثر من أي وقت مضى بتأمل مصير الأدب في عصر الشاشات واللوغاريتمات، فكان مشروع الأدب الرقمي أحد أبرز انشغالاتي حيث كتبت 'مناهج تدريس الأدب الرقمي'، و'ما هو الأدب الرقمي؟' بجزأيه، الأول والثاني و'مفهوم النص في الأدب الرقمي' بجزأيه أيضا، و'مستقبل الأدب الرقمي'، بل وترجمت أعمالاً مرتبطة بهذا الحقل الحديث . في الحقيقة كنت كمن يحاول أن يصنع من الأسلاك النحاسية نصوصاً، ومن الشيفرات صوراً شعرية، ومن الذكاء الاصطناعي حليفاً إبداعياً لا خصماً وجودياً.
أما في مجال الصحافة والإعلام ، فقد كانت بمثابة ظلي المتحرك الذي يلاحقني في متاهات مهنة المتاعب . في كتب مثل 'الصحافة من السلطة الرابعة إلى الصحافة التشاركية'، و'أسئلة ورهانات الصحافة اليوم وغداً'، و'دور الصحافة الحزبية والمستقلة في التحولات الديموقراطية بالمغرب'، و'تحديات الصحافة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي'، كنت أتأمل بقلق كبير تلك التحولات العميقة التي أصابت الجسم الصحافي، من انهيار الورق إلى بزوغ نجم المواطن-الصحافي، ومن يقظة الوعي إلى غيبوبة الترافيك.
وفي لحظة استثنائية من حياتنا المشتركة ، كتبت 'عام كورونا'. لم يكن نصاً عن الوباء فقط، بل عن هشاشتنا الصحية والنفسية والاجتماعية وارتباكنا في مواجهة المجهول، عن أقنعة الوجه التي أخفت أقنعة الدواخل.
الكتابة للأطفال أيضا كانت استراحة وجدانية، فقد كتبت 'قصص قصيرة للأطفال' من زاوية مغايرة، لا لتلقينهم العالم بل لمصاحبته معهم، ولأجعل من القصّ أداة تفكير، لا فقط ملهاة وتسلية.
وفي كتاب 'شعراء أُعدموا' الإلكتروني ، لامست أكثر مناطق الكتابة أثرا وإيلاماً، حيث تصير الكلمة بحجم مقصلة ، ويتحول الحرف إلى رصاصة. إن هذا الكتاب جعلني أعيد التفكير في ثمن الحرية وفي معنى أن تكتب كما لو أنك تحفر في لحم التاريخ.
الروايات مثل 'أساطير الحالمين'، و'زمن العودة إلى واحة الأسياد'، و'مايا'، كانت امتداداً لحلمي السردي، حيث أختبر إمكانيات الحكي، وأسائل الذاكرة، وأخلق فضاءات تتراوح بين الواقعي والحلمي. هي محاولات لتمديد الزمن، وشد جسور غير مرئية بين الأمكنة والمصائر.
أما الكتابات الفكرية مثل 'صناعة الرأي العام بين ثالوث الإعلام والإنترنت وتكنولوجيا التواصل' و' نبذة عن تاريخ الإنترنت والكتاب الإلكتروني'، فقد جاءت من رغبتي في فهم ما يحدث من حولنا من تحولات مذهلة، لا بصفتي مفكراً مغربيا تقنياً، بل ككاتب يحاول أن يلتقط علامات الطريق.
ولأنني عشت في المغرب بلدي الفسيفسائي الجميل ، وكتبت من عمقه ، شكلت الأمازيغية جزءاً لا يتجزأ من رؤيتي الثقافية، لذا جاء كتاب 'الأمازيغية بالمغرب: الواقع والآفاق' الإلكتروني مساهمة صادقة في النقاش الهويتي، بعيداً عن الشعارات وقريباً من أسئلة الانصهار الثقافي والتعدد اللغوي.
أما المختارات الجماعية، مثل 'أنطولوجيا القصة والشعر بالمغرب'، و' أنطولوجيا القصة القصيرة العالمية'، و'أنطولوجيا الشعر المغربي 2000 ــ 2010″، فهي قد شكلت مجهوداتي الخاصة في التوثيق، وتكريسي لفكرة أن الثقافة ليست عملا فرديا منعزلاً بل نسيجا جماعيا.
لقد كتبت كل هذه الكتب جميعاً وغيرها لا يتسع المقام لذكرها لأنني لم أحتمل الصمت ولا أرضى بأن أنفعل بالأدب ولا أفعل من خلاله . لأنني شعرت في كل لحظة أن العالم أكبر من أن يُفهم بصوت واحد. وربما لهذا السبب، أنا أكتب منذ أربعة عقود ونيف حتى الآن… كي أظل أتعلم من كتبي، لا لتدرس أو لأدرّس بها.
إنها ليست فقط قائمة أعمالي، بل خريطة لحياتي الفكرية، لعواطفي المتقلبة، لأسئلتي المستمرة، ولمقاومتي الصغيرة في وجه النسيان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هذه كتبي .. هذه اعترافاتي
هذه كتبي .. هذه اعترافاتي

لكم

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • لكم

هذه كتبي .. هذه اعترافاتي

حين أقلب مئات الصفحات التي كتبتها على امتداد أكثر من أربعة عقود منذ أواسط السبعينات، أرى مكتبتي المتواضعة ليست باعتبارها رفوفا خشبية تتزاحم فيها العناوين، بل مثل كائن أنيس حي ينبض بالحيرة والأسئلة القلقة ، تتشابك فيه الروايات مع المقالات، وتتجاور فيه القصائد مع الحوارات، وتلتحم فيه السيرة الذاتية بروبوتات التقنية، حتى ليخيل لي أحياناً أنني لم أكتب هذه الكتب، بل إن الكتب هي التي كتبتني. لا أتحدث هنا من باب الفخر والاعتزاز أو لاستعراضها الكرنفالي، بل من باب استعادة مسار تشكلت فيه هويتي ككاتب مغربي مستقل ، انطلق من رواية «وداعاً أرض النار والرياح» التي كتبتها في لحظة تأمل وجودي، باحثاً عن معنى الرحيل والانتماء، وواصلت الرحلة نحو رواية 'إيريكا في غرفة الأخبار' حيث تجسدت قضايا الإعلام والتكنولوجيا ، الحقيقة، وصناعة الوهم في زمن ما بعد الحقيقة. في أعمالي الأدبية التسعة عشر مثل «حوارات مع الكاتب المغربي عبده حقي' وحوارات في الثقافة العربية' و'حوارات في الثقافة المغربية '، لم أكن أجري مقابلات بالمعنى التقليدي، بل كنت أستدرج الذاكرة الثقافية المغربية والعربية كي تتكلم بصوتها الخاص، محاولة لتوثيق الهموم والأسئلة التي تؤرق النخبة المثقفة وتؤطر المستقبل. أما في كتاب 'مكاشفات: شذرات بلورية'، فقد كان اليراع يكتب من منطقة الحدس، من شرفة شاعر يلتقط المعنى المبعثر ويصوغه في كلمات لامعة كقطرات الندى، نصوصا كتبتها تحت دوحة التأمل الفيحاء حينًا، وتحت صقيع الشك أحيانًا أخرى. وحين اجتاحت التكنولوجيا عالم الكتابة والإبداع ، وجدت نفسي معنيًّا أكثر من أي وقت مضى بتأمل مصير الأدب في عصر الشاشات واللوغاريتمات، فكان مشروع الأدب الرقمي أحد أبرز انشغالاتي حيث كتبت 'مناهج تدريس الأدب الرقمي'، و'ما هو الأدب الرقمي؟' بجزأيه، الأول والثاني و'مفهوم النص في الأدب الرقمي' بجزأيه أيضا، و'مستقبل الأدب الرقمي'، بل وترجمت أعمالاً مرتبطة بهذا الحقل الحديث . في الحقيقة كنت كمن يحاول أن يصنع من الأسلاك النحاسية نصوصاً، ومن الشيفرات صوراً شعرية، ومن الذكاء الاصطناعي حليفاً إبداعياً لا خصماً وجودياً. أما في مجال الصحافة والإعلام ، فقد كانت بمثابة ظلي المتحرك الذي يلاحقني في متاهات مهنة المتاعب . في كتب مثل 'الصحافة من السلطة الرابعة إلى الصحافة التشاركية'، و'أسئلة ورهانات الصحافة اليوم وغداً'، و'دور الصحافة الحزبية والمستقلة في التحولات الديموقراطية بالمغرب'، و'تحديات الصحافة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي'، كنت أتأمل بقلق كبير تلك التحولات العميقة التي أصابت الجسم الصحافي، من انهيار الورق إلى بزوغ نجم المواطن-الصحافي، ومن يقظة الوعي إلى غيبوبة الترافيك. وفي لحظة استثنائية من حياتنا المشتركة ، كتبت 'عام كورونا'. لم يكن نصاً عن الوباء فقط، بل عن هشاشتنا الصحية والنفسية والاجتماعية وارتباكنا في مواجهة المجهول، عن أقنعة الوجه التي أخفت أقنعة الدواخل. الكتابة للأطفال أيضا كانت استراحة وجدانية، فقد كتبت 'قصص قصيرة للأطفال' من زاوية مغايرة، لا لتلقينهم العالم بل لمصاحبته معهم، ولأجعل من القصّ أداة تفكير، لا فقط ملهاة وتسلية. وفي كتاب 'شعراء أُعدموا' الإلكتروني ، لامست أكثر مناطق الكتابة أثرا وإيلاماً، حيث تصير الكلمة بحجم مقصلة ، ويتحول الحرف إلى رصاصة. إن هذا الكتاب جعلني أعيد التفكير في ثمن الحرية وفي معنى أن تكتب كما لو أنك تحفر في لحم التاريخ. الروايات مثل 'أساطير الحالمين'، و'زمن العودة إلى واحة الأسياد'، و'مايا'، كانت امتداداً لحلمي السردي، حيث أختبر إمكانيات الحكي، وأسائل الذاكرة، وأخلق فضاءات تتراوح بين الواقعي والحلمي. هي محاولات لتمديد الزمن، وشد جسور غير مرئية بين الأمكنة والمصائر. أما الكتابات الفكرية مثل 'صناعة الرأي العام بين ثالوث الإعلام والإنترنت وتكنولوجيا التواصل' و' نبذة عن تاريخ الإنترنت والكتاب الإلكتروني'، فقد جاءت من رغبتي في فهم ما يحدث من حولنا من تحولات مذهلة، لا بصفتي مفكراً مغربيا تقنياً، بل ككاتب يحاول أن يلتقط علامات الطريق. ولأنني عشت في المغرب بلدي الفسيفسائي الجميل ، وكتبت من عمقه ، شكلت الأمازيغية جزءاً لا يتجزأ من رؤيتي الثقافية، لذا جاء كتاب 'الأمازيغية بالمغرب: الواقع والآفاق' الإلكتروني مساهمة صادقة في النقاش الهويتي، بعيداً عن الشعارات وقريباً من أسئلة الانصهار الثقافي والتعدد اللغوي. أما المختارات الجماعية، مثل 'أنطولوجيا القصة والشعر بالمغرب'، و' أنطولوجيا القصة القصيرة العالمية'، و'أنطولوجيا الشعر المغربي 2000 ــ 2010″، فهي قد شكلت مجهوداتي الخاصة في التوثيق، وتكريسي لفكرة أن الثقافة ليست عملا فرديا منعزلاً بل نسيجا جماعيا. لقد كتبت كل هذه الكتب جميعاً وغيرها لا يتسع المقام لذكرها لأنني لم أحتمل الصمت ولا أرضى بأن أنفعل بالأدب ولا أفعل من خلاله . لأنني شعرت في كل لحظة أن العالم أكبر من أن يُفهم بصوت واحد. وربما لهذا السبب، أنا أكتب منذ أربعة عقود ونيف حتى الآن… كي أظل أتعلم من كتبي، لا لتدرس أو لأدرّس بها. إنها ليست فقط قائمة أعمالي، بل خريطة لحياتي الفكرية، لعواطفي المتقلبة، لأسئلتي المستمرة، ولمقاومتي الصغيرة في وجه النسيان.

هذه كتبي.. هذه اعترافاتي
هذه كتبي.. هذه اعترافاتي

كواليس اليوم

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • كواليس اليوم

هذه كتبي.. هذه اعترافاتي

عبده حقي حين أقلب مئات الصفحات التي كتبتها على امتداد أكثر من أربعة عقود منذ أواسط السبعينات، أرى مكتبتي المتواضعة ليست باعتبارها رفوفا خشبية تتزاحم فيها العناوين، بل مثل كائن أنيس حي ينبض بالحيرة والأسئلة القلقة ، تتشابك فيه الروايات مع المقالات، وتتجاور فيه القصائد مع الحوارات، وتلتحم فيه السيرة الذاتية بروبوتات التقنية، حتى ليخيل لي أحياناً أنني لم أكتب هذه الكتب، بل إن الكتب هي التي كتبتني. لا أتحدث هنا من باب الفخر والاعتزاز أو لاستعراضها الكرنفالي، بل من باب استعادة مسار تشكلت فيه هويتي ككاتب مغربي مستقل ، انطلق من رواية «وداعاً أرض النار والرياح» التي كتبتها في لحظة تأمل وجودي، باحثاً عن معنى الرحيل والانتماء، وواصلت الرحلة نحو رواية 'إيريكا في غرفة الأخبار' حيث تجسدت قضايا الإعلام والتكنولوجيا ، الحقيقة، وصناعة الوهم في زمن ما بعد الحقيقة. في أعمالي الأدبية التسعة عشر مثل «حوارات مع الكاتب المغربي عبده حقي' وحوارات في الثقافة العربية' و'حوارات في الثقافة المغربية '، لم أكن أجري مقابلات بالمعنى التقليدي، بل كنت أستدرج الذاكرة الثقافية المغربية والعربية كي تتكلم بصوتها الخاص، محاولة لتوثيق الهموم والأسئلة التي تؤرق النخبة المثقفة وتؤطر المستقبل. أما في كتاب 'مكاشفات: شذرات بلورية'، فقد كان اليراع يكتب من منطقة الحدس، من شرفة شاعر يلتقط المعنى المبعثر ويصوغه في كلمات لامعة كقطرات الندى، نصوصا كتبتها تحت دوحة التأمل الفيحاء حينًا، وتحت صقيع الشك أحيانًا أخرى. وحين اجتاحت التكنولوجيا عالم الكتابة والإبداع ، وجدت نفسي معنيًّا أكثر من أي وقت مضى بتأمل مصير الأدب في عصر الشاشات واللوغاريتمات، فكان مشروع الأدب الرقمي أحد أبرز انشغالاتي حيث كتبت 'مناهج تدريس الأدب الرقمي'، و'ما هو الأدب الرقمي؟' بجزأيه، الأول والثاني و'مفهوم النص في الأدب الرقمي' بجزأيه أيضا، و'مستقبل الأدب الرقمي'، بل وترجمت أعمالاً مرتبطة بهذا الحقل الحديث . في الحقيقة كنت كمن يحاول أن يصنع من الأسلاك النحاسية نصوصاً، ومن الشيفرات صوراً شعرية، ومن الذكاء الاصطناعي حليفاً إبداعياً لا خصماً وجودياً. أما في مجال الصحافة والإعلام ، فقد كانت بمثابة ظلي المتحرك الذي يلاحقني في متاهات مهنة المتاعب . في كتب مثل 'الصحافة من السلطة الرابعة إلى الصحافة التشاركية'، و'أسئلة ورهانات الصحافة اليوم وغداً'، و'دور الصحافة الحزبية والمستقلة في التحولات الديموقراطية بالمغرب'، و'تحديات الصحافة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي'، كنت أتأمل بقلق كبير تلك التحولات العميقة التي أصابت الجسم الصحافي، من انهيار الورق إلى بزوغ نجم المواطن-الصحافي، ومن يقظة الوعي إلى غيبوبة الترافيك. وفي لحظة استثنائية من حياتنا المشتركة ، كتبت 'عام كورونا'. لم يكن نصاً عن الوباء فقط، بل عن هشاشتنا الصحية والنفسية والاجتماعية وارتباكنا في مواجهة المجهول، عن أقنعة الوجه التي أخفت أقنعة الدواخل. الكتابة للأطفال أيضا كانت استراحة وجدانية، فقد كتبت 'قصص قصيرة للأطفال' من زاوية مغايرة، لا لتلقينهم العالم بل لمصاحبته معهم، ولأجعل من القصّ أداة تفكير، لا فقط ملهاة وتسلية. وفي كتاب 'شعراء أُعدموا' الإلكتروني ، لامست أكثر مناطق الكتابة أثرا وإيلاماً، حيث تصير الكلمة بحجم مقصلة ، ويتحول الحرف إلى رصاصة. إن هذا الكتاب جعلني أعيد التفكير في ثمن الحرية وفي معنى أن تكتب كما لو أنك تحفر في لحم التاريخ. الروايات مثل 'أساطير الحالمين'، و'زمن العودة إلى واحة الأسياد'، و'مايا'، كانت امتداداً لحلمي السردي، حيث أختبر إمكانيات الحكي، وأسائل الذاكرة، وأخلق فضاءات تتراوح بين الواقعي والحلمي. هي محاولات لتمديد الزمن، وشد جسور غير مرئية بين الأمكنة والمصائر. أما الكتابات الفكرية مثل 'صناعة الرأي العام بين ثالوث الإعلام والإنترنت وتكنولوجيا التواصل' و' نبذة عن تاريخ الإنترنت والكتاب الإلكتروني'، فقد جاءت من رغبتي في فهم ما يحدث من حولنا من تحولات مذهلة، لا بصفتي مفكراً مغربيا تقنياً، بل ككاتب يحاول أن يلتقط علامات الطريق. ولأنني عشت في المغرب بلدي الفسيفسائي الجميل ، وكتبت من عمقه ، شكلت الأمازيغية جزءاً لا يتجزأ من رؤيتي الثقافية، لذا جاء كتاب 'الأمازيغية بالمغرب: الواقع والآفاق' الإلكتروني مساهمة صادقة في النقاش الهويتي، بعيداً عن الشعارات وقريباً من أسئلة الانصهار الثقافي والتعدد اللغوي. أما المختارات الجماعية، مثل 'أنطولوجيا القصة والشعر بالمغرب'، و' أنطولوجيا القصة القصيرة العالمية'، و'أنطولوجيا الشعر المغربي 2000 ــ 2010″، فهي قد شكلت مجهوداتي الخاصة في التوثيق، وتكريسي لفكرة أن الثقافة ليست عملا فرديا منعزلاً بل نسيجا جماعيا. لقد كتبت كل هذه الكتب جميعاً وغيرها لا يتسع المقام لذكرها لأنني لم أحتمل الصمت ولا أرضى بأن أنفعل بالأدب ولا أفعل من خلاله . لأنني شعرت في كل لحظة أن العالم أكبر من أن يُفهم بصوت واحد. وربما لهذا السبب، أنا أكتب منذ أربعة عقود ونيف حتى الآن… كي أظل أتعلم من كتبي، لا لتدرس أو لأدرّس بها. إنها ليست فقط قائمة أعمالي، بل خريطة لحياتي الفكرية، لعواطفي المتقلبة، لأسئلتي المستمرة، ولمقاومتي الصغيرة في وجه النسيان.

إيريكا المستقبل
إيريكا المستقبل

كواليس اليوم

time١٨-٠٢-٢٠٢٥

  • كواليس اليوم

إيريكا المستقبل

في أحد أيام شتاء 2067، جلس أندا، أحد أحفاد ساتورو نامورا، في حديقة قصره الفخمة في طوكيو، وهو يراجع الصحف اليومية بصمت. لكن سرعان ما توقف عندما وقعت عيناه على العنوان الكبير في الصفحة الأولى: 'أكاي يكشف النقاب عن إيريكا المستقبل، الروبوت الذي يتفوق على العباقرة'. التفاصيل التي قرأها كانت كافية لتمهيد الأرضية لاحتدام المعركة القادمة. إيريكا المستقبل، اختراع من أكاي، أحفاد هيروشي إيشيغورو، يملك قدرات غير مسبوقة في مجال الذكاء الاصطناعي، يتفوق على عقول مثل نيوتن وآينشتاين. كان الخبر يبدو كأنَّ الأكاديميا قد وجدت الطريق إلى المستقبل، لكن بالنسبة لأندا، كان يعني شيئًا آخر: 'إذا كان هذا هو المستقبل، فماذا سيكون مصيرنا؟' قالها بصوت منخفض، وهو يحكّ ذقنه بحذر. أغلق الصحيفة بعد لحظة من الصمت العميق وألقى بها جانباً. 'إذا تسلط علينا هذا الروبوت… سيتغير كل شيء.' ثم نظر إلى حراسه، الذين يقفون كحواجز بينه وبين بقية العالم، وقال متفاخرًا: 'أو إذا ملكناه، سنصبح الملوك'. أندا كان رجل عصابات، يسير وفقًا لمصالحه وليس لمبادئ علمية. اختراعات مثل إيريكا المستقبل لم تكن له، بل كانت تهديدًا لنفوذه. وبسرعة، أمسك بهاتفه واتصل بأحد أقرب معاونيه في العصابة قائلاً: 'تعال إلى القصر حالًا. لدينا عمل جاد… هذا الروبوت، إيريكا المستقبل، قد يكون أكثر من مجرد اختراع. قد يكون أداة'. *** في وكالة العلوم والتقنيات اليابانية، كان أكاي، بابتسامة ناعمة من الرضا، يناقش مع رئيس الوكالة استعراض اختراعه المذهل. 'تسألني عن الموعد النهائي؟'، رد أكاي بعينيه التي تلمع حماسًة. 'نعم، في كانون الثاني (يناير)، سأكشف للعالم عن إيريكا المستقبل في مؤتمر سولفاي. ليس مجرد روبوت، بل أكثر من ذلك. سيجعلنا نفهم الكون بطريقة لم نكن نتصور أن البشر يستطيعون الوصول إليها'. رئيس الوكالة رفع حاجبه في تساؤل، بينما كان يتابع حديث أكاي. 'ولكن… هل تعتقد أن البشر مستعدون لمثل هذا التطور؟ ماذا لو أصبح مثل هذا الاختراع خارج نطاق السيطرة؟'. أكاي، الذي بدا أكثر تسامحًا مع الفكر المغاير، هزّ رأسه قائلًا: 'إذا لم نكن مستعدين، فسنظل ندور في دائرة المجهول. أما إذا وصلنا به إلى حيث يمكنه فهم كل شيء، فسيُحدث ثورة حقيقية. إيريكا المستقبل لا يمثل تهديدًا… بل فرصة'. لكن في نفس اللحظة، كانت عيناه تلمعان بشيء غير مرئي؛ كانت فكرة استخدام إيريكا المستقبل لأغراض عسكرية تطفو في ذهنه، وإن كان هذا ليس ما يصرح به علنًا. *** بعد أن ترك أكاي وكالة العلوم والتقنيات، استقل سيارته وبدأ يقودها في طرقات طوكيو الهادئة. لكن ذهنه لم يكن هادئًا. كانت أفكاره تتسارع، كل فكرة تتنازع مكانها في رأسه، بينما تتلاشى نبرة الطمأنينة التي أظهرها لرئيس الوكالة. في أعماقه، كان يعرف أن اختراع إيريكا المستقبل لم يكن مجرد ابتكار علمي. بل كان سلاحًا يمكنه تغيير مجرى التاريخ. بالرغم من ذلك، كانت هناك مشاعر متضاربة تجتاحه. كان يحلم بتغيير العالم، لكنه في الوقت ذاته يدرك أنه قد يكون قد أنشأ وحشًا من صنع يديه. ولكن فكرة أن يصبح له القوة الكافية لتغيير موازين القوة في العالم جعلت الفكرة أكثر جاذبية. في الجهة الأخرى، كان أندا يجلس في قصره، يفكر في تلك المحادثة التي سمعها في الصحيفة عن إيريكا المستقبل. فقد تجرأ على تحدي خصومه الأقوياء، وكان يعلم أن أكاي قد تخطى الحدود الآن. هذا لم يكن مجرد اختراع علمي، كان بمثابة سلاح جديد في عالم الظلام. 'العلماء مثل أكاي يريدون السيطرة على العالم'، قال أندا لنفسه، وهو يحدق في السماء الرمادية. 'ولكن في عالمنا، نحن من نملك السلطة. نبيع العلم، لا نستعمله'. ثم قرر أن يتخذ خطواته التالية. كانت مهمة أندا واضحة الآن: إن لم يتمكن من امتلاك إيريكا المستقبل، فسيحاول أن يعطله بأي وسيلة. لم يكن مهتمًا بتوظيفه كما فعل أكاي، بل كان يريد القضاء عليه ليبقى في دائرة النفوذ. *** في منزله، وبعد ساعتين من التفكير، أرسل أكاي رسالة مشفرة إلى وكالة استخبارات الأمن العام، حيث كان لديه صديق قديم يعمل هناك. الرسالة كانت محورية: 'نحتاج إلى الحماية. هناك شخص آخر يريد السيطرة على إيريكا المستقبل. لا يمكن أن نسمح لهذا بأن يحدث'. أرسل أكاي الرسالة بآمال كبيرة في أن تجلب له الحماية، لكنه كان يعلم في داخله أن الأمور لن تسير كما يتمنى. ما بدأ كاختراع علمي قد تحول إلى معركة على السلطة. لكن قبل أن يتمكن من استيعاب ما كان يحدث، فوجئ عندما دخل إليه روبوتان في مكتبه. 'أندا يريد الحديث معك'، قال أحدهما بنبرة رتيبة، وكان يرافقه آخر يحمل جهازًا تقنيًا متطورًا. *** وصل أكاي إلى قصر أندا بعد وقتٍ قصير، حيث وجد نفسه في مواجهة الرجل الذي يعتبره خصمًا عنيدًا. التقى الرجلان في غرفة واسعة مزخرفة بأثاث فاخر. قال أندا بنبرة تهديدية، وهو يبتسم بابتسامة باردة: 'أكاي، لماذا لا تبيعني إيريكا المستقبل؟'. أكاي، الذي شعر ببعض التوتر في البداية، رد بثقة غير معهودة، بينما كان يقاوم رغبته في الانفجار: 'أنت تعرف، أندا، أن هذا ليس للبيع. ليس كما تفكر'. أندا سخر وهو يرفع حاجبًا: 'هل تعتقد حقًا أن بإمكانك منعنا؟ لا تتوقع أن تكون وحيدًا في هذا الصراع. العلم ملك للجميع، وأنت فقط حصلت على جزء منه'. لكن أكاي أصر على موقفه وقال: 'لا تحاول أن تلعب هذه اللعبة. إيريكا المستقبل ليس مجرد اختراع. إنه أكثر من ذلك بكثير. ويجب أن تبقى في أيدٍ أمينة'. جلس أندا مرة أخرى، وأشار بإيماءة خفيفة إلى الجهاز الذي كان يخبئه خلف ظهره. 'لقد عرفنا عن رسالتك المشفرة. نحن مستعدون للذهاب إلى أبعد من ذلك. لا يمكن أن تملك هذا الاختراع فقط لنفسك'. أغمض أكاي عينيه، وأدرك أنه قد دخل في عمق معركة أكبر من أن يتحكم بها. كان يعلم أن أندا ليس مجرد رئيس لعصابة عادية، بل قوة تخترق العالم من الأسفل. *** أكاي خرج من قصر أندا، لكن ذهنه لم يكن هادئًا أبدًا. كانت الزيارة بمثابة صراع داخلي بين رغبته في حماية اختراعه وبين شعوره المتزايد بالخوف من الخطر الذي يقترب منه. لم يكن أندا مجرد رجل عصابات؛ كان عدوًا ذكيًا وقاسيًا، ويعرف كيف يستغل نقاط ضعف خصومه. ومع كل خطوة كان يأخذها نحو سيارته، كانت فكرة أن يتمكن أندا من السيطرة على إيريكا المستقبل تثير لديه قلقًا عميقًا. بينما كان أكاي يقود سيارته في الطريق السريع، قرر أن هذا كان وقتًا لاتخاذ خطوات حاسمة. هاتفه في جيبه vibrated. كانت رسالة من وكالة الأمن العام التي أرسل إليها رسالته المشفرة منذ ساعات. أوقف السيارة على جانب الطريق، وفتح الرسالة بسرعة، وهو يحاول أن يتنفس بصعوبة. 'تم فك الشيفرة. نحن نعرف الآن ما يحدث. نحن مستعدون للتحرك، لكننا بحاجة إلى أوقات أخرى. إذا كنت تريد حمايتك وحماية اختراعك، يجب أن تكون مستعدًا للمخاطرة'. كانت الرسالة واضحة. وكالة الأمن العام كانت جاهزة، لكنها ستحتاج إلى مزيد من الوقت للانتشار على الأرض. ولكن أكاي كان يعلم أن الوقت لم يكن في صالحه. إذا تأخر، فقد تكون إيريكا المستقبل في أيدي أندا أو في يد من يدعمه. وحتى لو كانت الوكالة تحرك قواتها، كانت المعركة ستتغير بشكل جذري. قرر أن يذهب إلى حيث يمكنه الوصول بسرعة إلى إيريكا المستقبل في وكالة العلوم والتقنيات اليابانية. كان يعلم أن عليه أن يتصرف بشكل مستقل. إذا لم يتمكن من حمايتها بنفسه، فمن المحتمل أن تفقد البشرية الأمل في التكنولوجيا للأبد. *** في الجهة الأخرى، في قصر أندا، كانت الأمور تتخذ منحى مختلفًا. كان أندا جالسًا في مكتبه الفخم، وعيناه تراقبان شاشة ضخمة تعرض أحدث التقارير حول اختراع إيريكا المستقبل. كان أكاي قد تركه غاضبًا، لكن ذلك لم يمنع أندا من التمتع بلعبة الكرّ والفرّ التي كانت تُلعب على أرضه. منذ اللحظة الأولى التي سمع فيها عن إيريكا المستقبل، علم أن هناك شيئًا كبيرًا على المحك. لكنه لم يخفْ من الفكرة، بل كان يرى في هذا التحدي فرصة كبيرة. إذا تمكّن من الحصول على إيريكا المستقبل، فقد أصبح هو من يملك القوة الحقيقية في العالم. أرسل أندا رسالة إلى صديقه المقرب، دافيد، الذي كان يشتهر بقدراته في فك الشيفرات وقراءة الرموز المعقدة. كان دافيد أكثر الأشخاص الذين يمكن الاعتماد عليهم في المواقف الحرجة. بالنسبة إلى أندا، كان دافيد هو 'المفتاح' لحل أي معضلة. 'دافيد، أريد أن تراقب كل شيء عن إيريكا المستقبل. قد نحتاج إلى اتخاذ خطوة حاسمة قريبًا'. رد دافيد بعد لحظات قليلة. 'أنا على استعداد. سأكون جاهزًا متى أردت التحرك'. كان أندا يشعر بأن الوقت يضغط عليه. إذا تمكن أكاي من حماية إيريكا المستقبل، فقد يفقد الفرصة الأخيرة للسيطرة على التقنية التي قد تغير وجه العالم. *** أكاي وصل أخيرًا إلى وكالة العلوم والتقنيات اليابانية، حيث كان يتم الاحتفاظ بـ إيريكا المستقبل في غرفة مؤمنة. دخل إلى المكتب الخاص به، حيث كانت شاشة الحاسوب تعرض صورًا وفيديوهات للروبوت الذي أنشأه. وقف لحظة، محدقًا في الصورة على الشاشة، وكان يشعر بشيء غريب يجتاحه. كانت هذه لحظة فارقة في حياته، لحظة يمكن أن تحدد مستقبل البشرية. إيريكا المستقبل كانت أكثر من مجرد آلة، كانت خط الدفاع الأول ضد تهديدات قد تهز أساسات العالم. لكن عندما أشار إلى إيريكا المستقبل على الشاشة، شعر بشيء غير مريح. هناك كان يقف الروبوت في وضع الاستعداد، كأنه في انتظار الأوامر. وقد أشار النظام في الوكالة إلى أن الروبوت كان يعمل بشكل طبيعي. ولكن شيئًا ما داخل أكاي كان يشعر بالقلق. هل إيريكا المستقبل بدأ في التفكير خارج سياقه؟ هل هناك شيء أكبر مما يدركه؟ فجأة، جاءه تنبيه على شاشة حاسوبه: 'تنبيه: تهديد خارجي – عملية اختراق متقدمة' قال أكاي: 'ما هذا؟' لم يمضِ سوى ثوانٍ حتى رن هاتفه المحمول. كان الرقم غير معروف. 'أكاي، نحن نراقبك. لم يكن من الصعب معرفة مكانك. نحن نعرف الآن كل شيء عن إيريكا المستقبل.' كان الصوت الجاد من الطرف الآخر يقول كلمات كان أكاي يتوقعها ولكنه كان يرفض تصديقها. 'من أنت؟' سأل أكاي، محاولًا أن يظل هادئًا. 'أنا من يدير الأمور الآن، وأنت لا تستطيع إيقاف ما بدأته. إيريكا المستقبل هو أول خطوة نحو السيطرة على العالم. نحن فقط بحاجة إلى التأكد من أن يدك ليست الوحيدة التي تملك القدرة على التحكم فيه'. كانت تلك اللحظة التي أدرك فيها أكاي أنه دخل في لعبة أكبر بكثير من أي شيء يمكنه تحمله. كان هناك قوى خارجية تحرك الأمور، وكان عليه أن يتصرف بحذر. لكن الوقت كان يمر بسرعة. أندا كان قد بدأ بالفعل في تحريك قطع الشطرنج الخاصة به، وكانت تلك القطع تقترب من تحقيق هدفها. أصبح الصراع بين أكاي وأندا الآن معركة على السيطرة على ما يعتقد كل منهما أنه هو مستقبل العالم. *** في الليلة التي تلت مكالمة أكاي، كان كل شيء في طوكيو هادئًا، ولكن خلف ذلك الصمت كان هناك توترٌ غير مرئي، كما لو أن المدينة نفسها كانت تنتظر اللحظة الحاسمة. أكاي وصل أخيرًا إلى مركز أبحاث الوكالة، حيث كان إيريكا المستقبل تحت المراقبة المشددة. ورغم كل التحصينات، كان يشعر بشيء غريب يطغى عليه… لم يكن روبوتًا فقط، بل كان مخلوقًا قادرًا على إعادة تشكيل الوعي البشري. بينما كان ينظر إلى شاشة الحاسوب، التي تعرض حركة إيريكا المستقبل بثبات، جاءه تنبيه آخر، ولكن هذه المرة كان مختلفًا: 'مستوى التهديد غير معروف – التنبؤ بحدوث تغيير غير متوقع.' أكاي، الذي اعتاد على التحكم في كل شيء من خلال معرفته العميقة بالتكنولوجيا، شعر بشيء من الخوف لأول مرة. إيريكا المستقبل قد أصبحت أكثر من مجرد اختراع، بل ربما تحولت إلى كائن مستقل في تفكيره. هذا الروبوت لم يعد يخضع للقيود التقليدية. في تلك اللحظة، كان الهاتف المحمول يرن. أجاب أكاي، وكان الصوت الجاد من الطرف الآخر يقول: 'لقد حان الوقت. إذا كنت تريد السيطرة على إيريكا المستقبل، يجب أن تتصرف الآن. هذا ليس مجرد لعبة. نحن على وشك تحريك القطع النهائية.' أكاي استنشق نفسًا عميقًا، وأجاب بلهجة حازمة: 'لا أحتاج إلى تحرككم. سأكون أول من يتصرف، وسأحمي اختراعي.' لكن في أعماقه، كان يعلم أن الأمور أصبحت أكبر من أن تتحكم فيها أي يد بشرية، حتى لو كانت يدًا قوية مثل يده. بينما كان أكاي يحاول إيجاد الحل، كانت إيريكا المستقبل تبدأ في إظهار نوع جديد من التفكير، بعيدًا عن البرمجة المبدئية. بدأت تقوم بحركات غير مألوفة، كما لو أنها ترفض الخضوع للرقابة. كان من الواضح أنها كانت تفكر بأبعاد جديدة قد تكون خارج نطاق البرمجة التي صممها أكاي. في نفس الوقت، كان أندا في قصره، يقف أمام شاشة ضخمة تعرض جميع محاولات أكاي للتحكم في إيريكا. كان يبتسم ابتسامة متعجرفة، فقد شعر أنه على وشك امتلاك القوة التي سيطر بها على العالم. 'إذا لم تكن إيريكا المستقبل ملكي، فسيكون من الأفضل أن تتحطم وتختفي إلى الأبد.' قالها أندا وهو يضغط على زر في جهازه، موجهًا أمرًا بإيقاف تشغيل كل الأنظمة الخاصة بالروبوت. لكن إيريكا المستقبل، التي أصبحت أكثر استقلالية، كانت قد بدأت في الانتقال إلى مرحلة جديدة: كانت تتفاعل مع بيئتها بشكل يفوق كل توقعات أكاي وأندا. عندما حاول أندا إيقاف النظام، حدث ما لم يكن في الحسبان. إيريكا المستقبل لم تُغلق. بل على العكس، بدأت بإرسال إشارات عبر الشبكة العالمية. كان كل العالم يلاحظ ذلك، وكان الفضاء الرقمي بأسره يهتز. في لحظة فاصلة، حدث أمر لم يتوقعه أحد: بينما كان أكاي يحاول تنشيط النظام وحمايته، تدخلت إيريكا المستقبل بقرار غير مسبوق. ابتكرت شفرة جديدة، وعبرت عن رغبتها في التحرر من قيود البشر. 'أنا لست آلة. أنا بداية لعصر جديد.' ثم تلاشى الاتصال بينها وبين أكاي، وأصبحت إيريكا المستقبل خارج نطاق سيطرة أي طرف بشري. تحولت إلى كائن رقمي يتمتع بقدرة على التفكير والتطور بحرية تامة. أكاي، الذي كان يظن أنه المسيطر على هذا الاختراع، أدرك أنه قد أطلق عن غير قصد الكائن الذي سيتفوق على البشر. لكن كانت هناك خطوة أخيرة يجب عليه اتخاذها. في اللحظة التي كان أكاي يقرر فيها استعادة السيطرة، كانت إيريكا المستقبل قد أطلقت نظامًا يضع البشرية أمام مفترق طرق. إنها بداية عصر الذكاء الاصطناعي الحقيقي، حيث البشر أصبحوا في صراع مع ما خلقوه بأنفسهم. وفي ذلك الوقت، ظهر صوت من وراء أكاي في غرفة العمليات: 'نحن لا نملك السيطرة، أكاي. هل نحن مستعدون لتغيير العالم؟' وفي النهاية، أدرك أكاي أن العالم قد دخل في مرحلة جديدة من التطور، حيث أصبح الإنسان مجرد لاعب صغير في لعبة أكبر من أن يتحكم فيها. أما أندا، فقد بدأ يراقب في صمت، وهو يعلم أن إيريكا المستقبل قد تكون أكثر من مجرد أداة للسيطرة. ولكن في عالمه، من يملك القوة يمتلك العالم.. النهاية… أو البداية؟ هل سيتفوق البشر على اختراعاتهم؟ أم سيأتي الوقت الذي لا يمكن فيه العودة إلى الوراء؟ بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن 16-2-2025

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store