
المرأة شريكة في صياغة الغد وبناء الوطننسـاء يبرمجـن المسـتقبـل
تحولات جذرية
حتى وقت قريب، كان قطاع التقنية يُنظر إليه كبيئة عمل ذكورية بطبيعتها، تندر فيها مشاركة النساء. إلا أن هذا التصور بدأ يتغير بشكل متسارع مع بدء تنفيذ برامج رؤية 2030، التي حرصت على إشراك المرأة في كل المجالات، بما فيها التقنية. ونتيجة لذلك، تم تعديل السياسات التنظيمية لتمكين النساء من العمل في القطاعات التكنولوجية، وتوفير بيئات عمل مرنة، وتقديم برامج تدريب متخصصة، أطلقت عدة جهات حكومية مبادرات لتعزيز حضور المرأة، مثل 'مبادرة العطاء الرقمي' و'برنامج تمكين المرأة في الأمن السيبراني'، إضافة إلى دعم ريادة الأعمال النسائية في مجالات التقنية الناشئة. كما أتاحت الجامعات فرصاً أكبر للطالبات لدراسة تخصصات الحاسب وتقنية المعلومات، مما أسهم في خلق جيل جديد من المهندسات والمبرمجات وصاحبات المشاريع التقنية، وبرزت عدة أسماء ونماذج ملهمة لنساء سعوديات في التقنية كان لهن دور في تمهيد الطريق لغيرهن من النساء. من بين هذه الأسماء، المهندسة غادة المطيري، العالمة السعودية المقيمة في الولايات المتحدة، والتي حصدت جوائز عالمية في مجال تقنية النانو. وكذلك المهندسة مشاعل الشميمري، التي أصبحت أول سعودية تعمل في وكالة الفضاء الأمريكية 'ناسا' في مجال تصميم الصواريخ، وعلى الصعيد المحلي، تشغل العديد من النساء اليوم مناصب قيادية في قطاعات تقنية متقدمة، ويقدن مشاريع ناجحة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، وتطوير التطبيقات. كما أسّست العديد من رائدات الأعمال السعوديات شركات تقنية ناشئة حققت حضورًا لافتًا في السوق المحلي والإقليمي. هذه النماذج تلهم آلاف الفتيات السعوديات لدخول القطاع بثقة، وتثبت أن التميز في التقنية لا يرتبط بجنس، بل بالجدارة والكفاءة.
تحديات وصعوبات
رغم كل ما تحقق، إلا أن تمكين المرأة في التقنية لم يكن طريقًا سهلاً فقد واجهت النساء تحديات على مستوى التقبل المجتمعي، والفرص المتاحة، والتمييز في بعض بيئات العمل. كما أن قلة النماذج النسائية سابقًا في هذا المجال جعلت من الصعب تخيل النجاح فيه بالنسبة لكثير من الفتيات، التوازن بين العمل والحياة الشخصية شكل أيضًا تحديًا، خاصة في ظل طبيعة بعض الوظائف التقنية التي تتطلب ساعات طويلة أو العمل الليلي. إضافة إلى ذلك، فإن الوصول إلى مناصب قيادية لا يزال يواجه بعض المعوقات، إذ أن عدد النساء في المناصب الإدارية العليا في الشركات التقنية لا يزال محدودًا مقارنة بالرجال، لكن هذه التحديات بدأت بالتقلص مع ازدياد الوعي المجتمعي، وتنامي الدعم الحكومي، وتطور السياسات الداخلية للشركات التي أصبحت أكثر شمولاً ومرونة تجاه المرأة العاملة.
مبادرات حكومية
لعبت الحكومة السعودية دورًا محوريًا في دعم المرأة وتمكينها في قطاع التقنية من خلال إطلاق مجموعة من البرامج والمبادرات النوعية. من بين هذه الجهود، برزت مبادرات متخصصة في الأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة، حيث عملت الجهات المختصة على تقديم برامج تدريبية موجهة للفتيات الخريجات، وتوفير معسكرات تقنية تسهم في تطوير المهارات الرقمية المطلوبة لسوق العمل. كما تم إطلاق برامج تدعم الابتكار وريادة الأعمال التقنية بين النساء، إلى جانب شراكات مع جهات محلية ودولية تتيح فرص التدريب العملي والتوظيف المباشر، الجامعات ومراكز الأبحاث شاركت بدورها في هذا التمكين من خلال تطوير مناهج تقنية حديثة وتشجيع الطالبات على دخول تخصصات الحاسب والذكاء الاصطناعي، مما ساهم في تضييق الفجوة بين الجنسين في هذا المجال. هذه الخطوات المتكاملة تؤكد التزام المملكة بخلق بيئة رقمية شاملة تُعزز مشاركة المرأة وتدعمها في مسيرتها المهنية داخل القطاع التقني.
مستقبل المرأة في قطاع التقنية
المستقبل يبدو واعدًا للمرأة السعودية في قطاع التقنية، مع التوجهات الحالية التي تدعم التنوع والشمولية. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة النساء العاملات في هذا المجال، خصوصًا في ظل توسع الاقتصاد الرقمي واعتماد المملكة على التقنية في مشاريعها الكبرى مثل 'نيوم' و'ذا لاين' و'أمالا'، كما أن ظهور مجالات جديدة مثل الميتافيرس، تقنيات الواقع المعزز، والأمن السيبراني سيخلق فرصًا مهنية غير مسبوقة، وسيكون للمرأة دور أساسي فيها. إضافة إلى ذلك، فإن زيادة الوعي بقيمة التوازن بين الجنسين في بيئات العمل، والضغط المجتمعي والدولي لتمكين النساء، سيدفع الشركات لتبني سياسات أكثر إنصافًا وتطويرًا للمرأة.
تمكين المرأة السعودية في قطاع التقنية لم يكن مجرّد توجه حديث أو استجابة آنية لرؤية طموحة، بل هو ثمرة تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، تشهدها المملكة في مختلف المجالات. هذا التمكين لم يعد يُقاس فقط بعدد النساء العاملات في الشركات التقنية أو الحاصلات على شهادات في علوم الحاسب، بل أصبح واقعًا ملموسًا نراه في قصص النجاح، والمبادرات الوطنية، والمناصب القيادية التي تتولاها سعوديات في بيئات عمل كانت حتى وقت قريب حكراً على الرجال، ولا شك أن التقنية، باعتبارها محركًا رئيسيًا للتنمية في هذا العصر، تمنح المرأة مساحة كبيرة للإبداع والابتكار، خاصة مع التطورات المتسارعة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتقنيات السحابية، والأمن السيبراني. ومع ما تتمتع به المرأة السعودية من طموح وإصرار وكفاءة، فإنها باتت تمتلك الأدوات والمعرفة للمنافسة على المستويين المحلي والعالمي، ومع ذلك، يظل الطريق أمامها بحاجة إلى المزيد من الدعم والاستمرارية، سواء من خلال السياسات الحكومية الداعمة، أو من خلال تمكين أكبر في القطاع الخاص، وتوفير بيئات عمل تحفّز على الابتكار، وتراعي احتياجات النساء بما يضمن استدامة حضورهن ومشاركتهن، إن مستقبل التقنية في المملكة، بما يحمله من فرص ضخمة وتحولات رقمية كبرى، لن يكتمل دون تمكين المرأة وتفعيل دورها بشكل كامل. فالمعادلة واضحة: وطن رقمي لا يُبنى بنصف طاقته. واستثمار طاقات المرأة في هذا المجال لا يُعد فقط قرارًا تنمويًا صائبًا، بل ضرورة وطنية لضمان اقتصاد متنوع، ومجتمع معرفي، ومستقبل أكثر توازنًا، بقي أن نؤمن أن كل فتاة سعودية تتجه إلى التقنية اليوم، ليست فقط موظفة أو متدربة، بل هي شريكة في صياغة الغد، وفي بناء وطن لا يقف عند الحدود، بل ينطلق بثقة نحو العالم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 25 دقائق
- العربية
السعودية تطلق أول وحدة لالتقاط الكربون من الهواء مباشرة
أعلن الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، تشغيل أول وحدة اختبار من نوعها في المملكة لتقنية التقاط الكربون من الهواء مباشرة، وذلك في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) بالرياض، بالشراكة مع شركة "كلايموركس" العالمية المتخصصة في تقنيات احتجاز الكربون. وبدأت الوحدة المتنقلة أعمالها فعلياً داخل مرافق المركز، حيث تعمل على التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي، وهو ما يُعد إثباتا عمليا لنجاح هذه التقنية حتى في الظروف المناخية الحارة والجافة التي تميز البيئة السعودية، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الطاقة السعودية. ويأتي تشغيل هذه الوحدة في إطار التزام المملكة بمبادئ الاقتصاد الدائري للكربون، وسعيها لتطبيق تقنيات متقدمة تسهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 وخططها المناخية، بما في ذلك الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060. إنجاز جديد في مسيرة الاستدامة وأكد وزير الطاقة أن هذه الخطوة تمثل إنجازًا وطنيًا جديدًا في مسيرة الاستدامة، وتعكس جهود المملكة لتبني حلول ابتكارية تواكب التحول العالمي في قطاع الطاقة. ويُعد مركز "كابسارك" من الجهات البحثية الرائدة في المنطقة في مجالات الطاقة والاستدامة، ويمثل منصة علمية لتجربة وتقييم التقنيات الناشئة. كما أن الشراكة مع شركة "كلايموركس" تعزز فرص تطوير وتوطين تقنيات التقاط الكربون، ما يسهم في تنويع الاقتصاد وخفض الانبعاثات، وتوسيع تطبيقات التقنية في مشاريع أخرى داخل المملكة وخارجها. ويمثل تشغيل هذه الوحدة بدايةً لتجارب أوسع تهدف إلى رفع كفاءة احتجاز الكربون وتقييم جدواها الاقتصادية في البيئة المحلية، لتكون أحد الأعمدة الداعمة لاستراتيجية السعودية في قيادة الجهود العالمية لمعالجة التغير المناخي.


الرياض
منذ 8 ساعات
- الرياض
محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول «وعلين نوبيين»
أعلنت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية عن ولادة أول «وعلين نوبيين» ضمن برنامجها لإعادة تأهيل الحياة البرية، ضمن خطوة رئيسة في جهود المحمية لاستعادة الأنواع الأصيلة في المملكة؛ بهدف إعادة توطين 23 من الأنواع الأصلية التي عاشت تاريخيًا في المنطقة، ويُصنّف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة هذا الوعل ضمن الأنواع المهددة بالانقراض، حيث لا يتجاوز عدده 5,000 وعلٍ بالغٍ في البرية حول العالم. وقال الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية أندرو زالوميس: «تشكل ولادة هذين الوعلين إنجازًا لافتًا في إطار برنامجنا لإعادة تأهيل الحياة البرية، وهذا رابع نوعٍ مميزٍ ينجح في التكاثر ضمن هذا البرنامج بعد ولادات المها العربي وغزال الرمل وغزال الجبل». وأضاف بأن جميع هذه الإنجازات تساعدنا على تحقيق رؤية هيئة تطوير المحمية في استعادة الحياة الفطرية.وأكد أن أعداد الوعول في المحميات الملكية تتزايد، بفضل جهود المملكة في حماية الحياة البرية. يذكر أن محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تُعد واحدة من ثماني محميات ملكية في المملكة، وتمتد على مساحة 24,500 كم²، من الحرات البركانية إلى أعماق البحر الأحمر غربًا؛ لتربط بين نيوم ومشروع البحر الأحمر والعلا، كما تُعد موطنًا لمشروع وادي الديسة التابع لصندوق الاستثمارات العامة، وأمالا التابعة لشركة البحر الأحمر العالمية. وتضم المحمية 15 نظامًا بيئيًا مختلفًا، وتغطي 1 % من المساحة البرية للمملكة، و1.8 % من مساحتها البحرية، إلا أنها تُشكّل موطنًا لأكثر من 50 % من الأنواع البيئية في المملكة، مما يجعلها واحدة من أغنى المناطق الطبيعية في الشرق الأوسط بالتنوع الحيوي.


الرياض
منذ 8 ساعات
- الرياض
"موهبة" تختتم برامجها الإثرائية الصيفية
اختتمت مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، برامجها الإثرائية الصيفية لعام 2025، التي نُفذت بالشراكة مع وزارة التعليم و70 جهة علمية من الجامعات والمراكز البحثية والمستشفيات، بمشاركة أكثر من 13,400 طالبٍ وطالبة من مختلف مناطق المملكة. وتعد البرامج الإثرائية الصيفية، التي نُفذت على مدى شهرٍ كاملٍ في 24 مدينة ومحافظة سعودية، إحدى أكبر التظاهرات التعليمية والنوعية غير الصفية على مستوى الدول العربية والشرق الأوسط، بنمطيها الحضوري والافتراضي، وتمثل ركيزة أساسية في رحلة اكتشاف ورعاية الموهوبين. وقدّمت "موهبة" من خلال 105 برامج نوعية تجارب تعليمية وبحثية متقدمة في مجالات STEM، والذكاء الاصطناعي، وعلم البيانات، والأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، والهندسة، والطب الحيوي، والرياضيات المتقدمة، والتصميم الإبداعي، والتحقيق الرقمي، وغيرها من التخصصات التي تُحاكي احتياجات المستقبل، وتواكب تطورات الثورة الصناعية الرابعة. وشملت البرامج أربعة مسارات رئيسة، منها البرنامج الأكاديمي الذي يُنمّي معارف الطلبة في التخصصات العلمية، والبرنامج العالمي الذي يقدّمه خبراء دوليون في مجالات متقدمة، والبرنامج البحثي الذي يتيح للطلبة تنفيذ بحوث علمية تطبيقية بإشراف باحثين متخصصين، إلى جانب برامج إثرائية تقنية وإبداعية تركز على مهارات المستقبل. وعاش الطلبة خلال البرامج تجربة تعليمية نوعية من خلال العمل الميداني والتدريب المكثف في الجامعات والمراكز المتخصصة، تحت إشراف نخبة من الخبراء والمدربين المحليين والدوليين، ضمن بيئات تعليمية محفزة تجمع بين النظرية والتطبيق، وتراعي احتياجات الطلبة الموهوبين واهتماماتهم. وأوضحت "موهبة" أن هذه البرامج تستهدف سنويًا طلبة التعليم العام من الصف الثالث الابتدائي وحتى الثالث الثانوي، ممن رُشِّحُوا بناء على نتائج "مقياس موهبة للقدرات العقلية المتعددة"، واجتازوا مراحل تأهيل متعددة ضمن منظومة وطنية تبدأ بالاكتشاف، وتمتد حتى التمكين. وأشاد الطلبة وأولياء الأمور بالتجربة التي وصفوها بالثرية والمُلهمة، مشيرين إلى أن البرامج أسهمت في توسعة مداركهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتزويدهم بمهارات البحث والتفكير العلمي، داعين إلى استمرار هذه المبادرات النوعية التي تفتح آفاق المستقبل أمام الشباب السعودي. ويعكس الإقبال الكبير على البرامج الإثرائية تنامي الوعي المجتمعي بأهمية رعاية العقول الشابة وتوجيهها نحو مسارات التميز، كما يُجسد التزام المؤسسة بتأهيل جيل سعودي مبدع، يمتلك أدوات العصر، ويقود التحول الوطني ضمن رؤية المملكة 2030، لبناء اقتصادٍ قائمٍ على الابتكار والمعرفة.