
موقع الجزيرة نت يطلق صفحة تعنى بقضايا البيئة والمناخ
أطلق موقع الجزيرة نت صفحة مختصة في قضايا البيئة والمناخ، انطلاقا من حرصه على معالجة القضايا الإنسانية الشاملة، وانحيازه إلى الإنسان في كل مكان، ولكون التغير المناخي وآثاره تعد أهم تحد على الإطلاق يواجه البشرية اليوم.
وفي هذا السياق، ستعمل الصفحة ضمن قوالب وأنماط صحفية متنوعة تجمع بين الإخباري والتوعوي والتثقيفي على الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ والتلوث، وتفتح ملفاتها.
كما ستفرد مجالا للطبيعة وتنوعها، وتضيء على المبادرات المحلية والإقليمية والدولية والحلول الداعمة للاستدامة البيئية من أجل مستقبل أفضل للكوكب والبشرية.
فأزمة المناخ باتت واقعا خطيرا تعيشه البشرية اليوم، ما يستوجب إبراز مخاطرها، وتسليط الضوء على الضرر الهائل الذي يسببه الاحتباس الحراري وتداعياته
لماذا البيية والمناخ؟
تقتل الحروب والصراعات حول العالم بضع مئات أو الآلاف حول العالم سنويا، في حين يودي تلوث الهواء وحده باعتباره أحد مفردات التلوث البيئي والتغير المناخي بنحو 7 ملايين نسمة سنويا وفق آخر تقارير وكالة الطاقة الدولية.
كما تسبب عوامل التغير المناخي الأخرى -من ارتفاع الحرارة والفيضانات والطقس المتطرف وتلوث التربة، والأمراض والأوبئة الناجمة عن كل ذلك- موت مئات الآلاف سنويا، أي أن أكبر خطر يهدد البشرية اليوم بصمت هو الاعتداء على الطبيعة والبيئة من حولنا، والوصول بنقاط التحول المناخي إلى عتبة اللاعودة.
وفي وقت تعدّ فيه الصراعات الجيوسياسية الباردة أو الساخنة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، مشاكل ظرفية يمكن إدارتها والتحكم فيها وحلها في النهاية، تبدو مشكلة المناخ العالمي قضية إنسانية عالمية خطيرة حاضرا ومستقبلا، وتهم كل فرد على وجه الأرض.
والمشكلة أن قضية التغير المناخي في بعدها الإنساني العالمي وشموليتها وارتباط مخاطرها المؤجلة نسبيا بالتنافس الاقتصادي بين القوى الكبرى، وكذلك البحث عن رفاهية البشر بأي ثمن، جعلت كل الحلول حتى الآن منقوصة وغير فعالة حتى الآن، وهو ما يقود البشرية عمليا إلى نوع من الانتحار البطيء.
ورغم أن الاهتمام بمتغيرات البيئة والمناخ يبدو -وفق بعض السرديات- ترفا في مجتمعات ودول تعاني من الفقر والجوع وضعف مستويات التنمية، فإن هذه المجتمعات والدول نفسها تعاني من أخطر آثار هذه المتغيرات، ولا تمتلك الأدوات اللازمة للتصدي لها، ولذلك يصبح الوعي البيئي أداة فعالة لحماية الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية.
وتدفع دول الجنوب (الفقيرة والنامية)، التي لا تساهم عمليا إلا بنسبة 4% في الاحترار العالمي، أثمانا باهظة للتغير المناخي الراهن الذي تسببت فيه الدول الغنية بالاستغلال المفرط لموارد الأرض منذ الثورة الصناعية.
وفي الوقت ذاته، تتراجع دول الشمال عن التزاماتها بمساعدة تلك الدول عبر دفع ديون المناخ التي تشمل ديون التكيف والانبعاثات، ويجسد كل ذلك ما اصطلح على تسميته "اللاعدالة المناخية".
التحديات والالتزامات
ويأتي استنزاف الطبيعة ومواردها في النهاية نتاجا للنزعة الاستهلاكية المفرطة والجشع الاقتصادي التي تشجعه الشركات، والاستنزاف الذي وصل بالكوكب إلى عتبة انهيار مناخي خطيرة.
ولا يمكن إنكار ما تحقق طوال السنوات الماضية على صعيد الدول أو المجتمع الدولي -خصوصا منذ اتفاقية باريس للمناخ عام 2015- من خطوات معقولة "لاستعادة الأرض" ووقف التمادي في إطلاق الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري.
في المقابل، تأتي حالة التراجع الراهنة في الولايات المتحدة، وعودة سرديات إنكار التغير المناخي بعودة الرئيس دونالد ترامب، والخروج من اتفاق باريس للمناخ لتترك أثرا سلبيا، وحالة من عدم اليقين بشأن سياسات العمل المناخي والبيئي العالمي.
وتثبت كل تلك التحولات والوقائع والظواهر المناخية والمخاطر البيئية المتفاقمة أن مشاكل وقضايا البيئة والمناخ الراهنة -والتي تزداد تفاقما- ليست ملفا هامشيا أو مجرد خبر يروى، بقدر ما هي قضية عالمية شديدة الخطورة وعابرة للدول والجنسيات والأجيال، تتطلب يقظة والتزاما ودعما. ويسعى موقع الجزيرة نت من جانبه إلى أن يكون مشاركا في ذلك ودافعا له.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
نظرة علمية من الفضاء على الإبادة الزراعية في غزة
في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، تكشف دراسة حديثة عن الآثار المدمرة التي لحقت بالقطاع الزراعي في غزة، الذي يُعد ركيزة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد المحلي. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، توصل الباحثون في دراسة حديثة منشورة في دورية "ساينس أوف ريموت سينسنج" إلى أن ما بين 64% إلى 70% من حقول المحاصيل الشجرية، و58% من البيوت البلاستيكية (الدفيئات الزراعية التي تحفظ درجة حرارة محددة للمزروعات)، قد تعرضت للتدمير بحلول سبتمبر/أيلول 2024. هذه النتائج تُظهر حجم الكارثة التي ألمت بقطاع غزة، والتي ستترك آثارًا طويلة الأمد على الأمن الغذائي والقدرة الاقتصادية للسكان. ويقول هي ين، الأستاذ المساعد في قسم الجغرافيا، ورئيس مختبر الاستشعار عن بعد وعلوم الأرض بجامعة ولاية "كنت" الأميركية، والمؤلف الرئيسي في الدراسة في تصريحات حصلت عليها الجزيرة نت: "يُظهر تقييمنا معدلًا مرتفعًا للغاية من الأضرار المباشرة والواسعة النطاق التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة، سواءً مقارنةً بالتصعيدات السابقة هناك في عامي 2014 و2021، أو في سياق تصعيدات أخرى" ويضيف "على سبيل المثال، خلال حرب يوليو وأغسطس عام 2014، تضررت حوالي 1200 دفيئة زراعية في غزة. وهذه المرة، تضرر ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف هذا العدد." أقمار ترصد الكارثة! ويقول ين: "على مدار الأشهر السبعة عشر الماضية، قمنا بتحليل صور الأقمار الصناعية في أنحاء قطاع غزة لتحديد حجم الدمار الزراعي في المنطقة. ويكشف بحثنا المنشور حديثًا ليس فقط عن النطاق الواسع لهذا الدمار، بل أيضًا عن الوتيرة غير المسبوقة المحتملة التي حدث بها. يغطي عملنا الفترة حتى سبتمبر 2024، ولكن تتوفر أيضًا بيانات إضافية حتى يناير 2025." اعتمدت الدراسة على تحليل صور الأقمار الصناعية من نوع "بلانيت سكوب" و"سكاي سات"، والتي توفر دقة تصل إلى 50 سم، مما مكن الباحثين من مراقبة التغيرات في الأراضي الزراعية بدقة عالية. تم استخدام نماذج تعلم آلي لرسم خرائط مفصلة للأراضي الزراعية قبل الحرب وتقييم الأضرار التي لحقت بها خلال السنة الأولى من الحرب على غزة. يضيف ين: "قبل الحرب، كانت الطماطم والفلفل والخيار والفراولة تُزرع في الحقول المفتوحة والبيوت البلاستيكية، وكانت أشجار الزيتون والحمضيات تصطف على طول صفوفها في أنحاء غزة. وتُعد هذه الأشجار تحديدًا تراثًا ثقافيًا مهمًا في المنطقة، وكانت الزراعة جزءًا حيويًا من اقتصاد غزة. كان حوالي نصف الطعام الذي يُستهلك هناك يُنتج في القطاع نفسه، وكان الغذاء يُشكل نسبة مماثلة من صادراته." وفقًا للدراسة، غطت المحاصيل الشجرية، مثل الزيتون والحمضيات، حوالي 23% من مساحة قطاع غزة قبل الحرب، أي ما يعادل 8242 هكتارًا. ومع نهاية سبتمبر/أيلول 2024، تضرر ما بين 5305 إلى 5795 هكتارًا من هذه المحاصيل، مع تفاوت كبير بين المحافظات. وقد شهدت مدينة غزة أعلى نسبة تدمير، حيث تضرر أكثر من 90% من المحاصيل الشجرية، تليها محافظة شمال غزة بنسبة 73%. في المقابل، كانت محافظة رفح الأقل تضررًا بنسبة 42%. دفيئات زراعية مدمرة احتوى القطاع على قرابة 7219 دفيئة زراعية قبل الحرب، معظمها يتركز في المناطق الجنوبية والوسطى من القطاع. بحلول سبتمبر 2024، تضررت 58% من هذه الدفيئات، مع تدمير كامل للدفيئات في مدينة غزة وشمال غزة بحلول نهاية عام 2023. بدأ الفريق عمله بتحديد محاصيل الأشجار المتضررة وغير المتضررة بصريًا لتدريب نموذج التعلم الآلي، حتى يتمكن من تحديد ما يبحث عنه. وبعد تشغيل النموذج على جميع بيانات الأقمار الصناعية، راجع الفريق عينة من النتائج للتأكد من دقتها. نظرًا للتباين الكبير في صور الدفيئات الزراعية عبر الأقمار الصناعية، استخدم الفريق طريقة منفصلة لرسم خريطة للأضرار التي لحقت بها. وجد الباحثون أن أكثر من 4 آلاف دفيئة زراعية قد تضررت بحلول سبتمبر/أيلول 2024، وهو ما يمثل أكثر من 55% من إجمالي الدفيئات الزراعية المرصودة قبل الحرب. يضيف ين "في جنوب القطاع، حيث وُجدت معظم الدفيئات الزراعية، كان الدمار مُستمرًا نسبيًا من ديسمبر 2023 فصاعدًا. ولكن في شمال غزة ومدينة غزة، وهما أقصى محافظتين شماليتين من بين المحافظات الخمس في القطاع، كان معظم الضرر قد وقع بالفعل بحلول نوفمبر وديسمبر 2023. وبنهاية فترة دراستنا، كانت جميع الدفيئات الزراعية قد دُمرت." أمن غذائي كارثي تشير الدراسة إلى أن الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في غزة له تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي للسكان، الذين يعتمدون بشكل كبير على الإنتاج المحلي لتلبية احتياجاتهم الغذائية. قبل الحرب، كان حوالي نصف الطعام الذي يُستهلك في غزة يُنتج محليًا، وكانت الزراعة تشكل جزءًا حيويًا من الاقتصاد المحلي. يجدر بالذكر أن الهجمات على الأراضي الزراعية محظورة بموجب القانون الدولي. إذ يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين من خلال (حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم) بأنه جريمة حرب. كما تُعرّف اتفاقيات جنيف هذه المواد التي لا غنى عنها بأنها (المواد الغذائية، والمناطق الزراعية لإنتاجها، والمحاصيل، والثروة الحيوانية، ومرافق وإمدادات مياه الشرب، وأعمال الري). يقول ين "أظهرت نتائجنا أن ما بين 64% و70% من جميع حقول محاصيل الأشجار في غزة قد تضررت. قد يعني ذلك إما تدمير بعض الأشجار، أو إزالة حقل الأشجار بالكامل، أو أي شيء بينهما. وقعت معظم الأضرار خلال الأشهر القليلة الأولى من الحرب في خريف 2023." لن تكون إعادة بناء القطاع الزراعي في غزة مهمة سهلة. فبالإضافة إلى إزالة الأنقاض وإعادة بناء الدفيئات الزراعية، هناك حاجة إلى تنظيف التربة من التلوث المحتمل وإعادة بناء البنية التحتية للري والصرف الصحي وهو ما قد يستغرق جيلًا أو أكثر. إذ تحتاج أشجار الزيتون والحمضيات 5 سنوات أو أكثر لتصبح منتجة، و15 عامًا حتى تصل إلى مرحلة النضج الكامل. ويختتم ين "تقدم دراستنا إحصاءات شفافة حول مدى وتوقيت الأضرار التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة. إلى جانب توثيق آثار الحرب، نأمل أن يُسهم ذلك في جهود إعادة الإعمار الضخمة المطلوبة." وفي ظل هذه الأوضاع، يبقى الأمل في أن تُسهم هذه البيانات في دفع المجتمع الدولي نحو اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم سكان غزة ومساعدتهم على تجاوز هذه الكارثة الإنسانية والبيئية.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
الذكاء الاصطناعي يكشف مستقبلا مناخيا أكثر قسوة في الشرق الأوسط
في عالم يزداد احترارا، تبدو منطقة الشرق الأوسط أكثر عرضة من غيرها لتداعيات المناخ. من الجفاف الطويل إلى الفيضانات المفاجئة، ومن التصحر الزاحف إلى تقلبات درجات الحرارة، تمثل التغيرات المناخية تحديا معقدا يهدد الموارد والاقتصادات وحتى الاستقرار السياسي. وسط هذا المشهد، يبرز نموذج جديد للتنبؤ المناخي، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، كأداة واعدة لإعادة فهم المستقبل المناخي في الإقليم. في دراسة نشرت يوم 8 مايو/أيار في مجلة "إن بي جاي كلايمت آند أتموسفيريك ساينس"، طور فريق بحثي نموذجا يعرف باسم "ستاكينج إي إم إل"، يمزج بين تقنيات تعلم آلي متعددة ويظهر قدرة غير مسبوقة على التنبؤ بدقة بدرجات الحرارة وهطول الأمطار في الشرق الأوسط، حتى نهاية القرن الحالي. ما الجديد في هذا النموذج؟ يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة "يونس خسروي"، الباحث في علم المعلومات الجغرافية في المعهد الوطني للبحث في كيبك، كندا، إن النموذج المقترح يعتمد على دمج 5 خوارزميات تعلم آلي مع 3 "نماذج ميتا" تقوم بتحليل مخرجات الخوارزميات وتجميعها للحصول على التنبؤ النهائي. ويضيف في تصريحات لـ"الجزيرة نت": "هذه التقنية المعروفة باسم التعلم الجماعي تتيح تقليص نسبة الخطأ وزيادة الدقة". ويضيف "خسروي" أن الفريق صمم هذا النموذج كي يتعامل مع بيئة مناخية معقدة كبيئة الشرق الأوسط، حيث تمتزج التلال والسهول والصحارى والبحار، مما يصعّب دقة التنبؤ باستخدام نماذج تقليدية، لافتا إلى أنه باستخدام تقنيات التعلم الآلي، أصبحنا قادرين على رؤية أنماط مناخية لا تلتقطها النماذج الكلاسيكية. إعلان تعتمد النماذج المناخية التقليدية، مثل نماذج الغلاف الجوي العام، على معادلات فيزيائية تحاكي تفاعلات معقدة بين المحيط والغلاف الجوي، لكنها غالبا ما تعاني من ضعف الدقة في التنبؤ على المستوى المحلي، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى شبكات مراقبة مناخية كثيفة. وعلى النقيض من ذلك، يستند نموذج "ستاكينج إي إم إل" إلى تحليل البيانات المتاحة واستنباط الأنماط منها، دون الحاجة إلى معرفة مسبقة بقوانين الفيزياء، ويتميز بقدرته على التكيف مع البيانات غير المكتملة أو المناطق التي يصعب رصدها ميدانيًا، مثل المناطق الصحراوية أو الجبلية. "لا نقلل من أهمية النماذج الفيزيائية، لكننا نكملها بأسلوب جديد يجعل التوقعات أكثر واقعية على أرض الواقع"، يشرح المؤلف الرئيسي للدراسة، ويضيف: "باختصار: الذكاء الاصطناعي لا يستبدل العلماء، بل يمنحهم رؤية أعمق". نتائج دقيقة وتحذيرات ساخنة عند تطبيق النموذج الجديد على بيانات "سي إم آي بي 6″، وهي قاعدة بيانات عالمية شاملة للتنبؤ المناخي، حقق دقة تنبؤية غير مسبوقة في توقع درجات الحرارة القصوى وفي توقع هطول الأمطار، وفقا للمؤلفين. وتحت سيناريو الانبعاثات المرتفعة، كشف النموذج عن صورة مثيرة للقلق، فموجات الحر تتجاوز 45 درجة مئوية في جنوب الجزيرة العربية وجنوب إيران، كما كانت هناك زيادة غير متوقعة في كميات الأمطار شمالا، مما قد يؤدي إلى فيضانات. "لم نعد نتحدث عن تحذيرات عامة، بل عن خرائط دقيقة توضح أي المناطق ستعاني أكثر، ومتى"، كما أوضح "خسروي". ويقول "محمد توفيق"، أستاذ المناخ التطبيقي بجامعة سوهاج (لم يشارك في الدراسة) "هذه الدراسة تمثل خطوة متقدمة في ربط الذكاء الاصطناعي بمشكلات واقعية في أكثر مناطق العالم هشاشة مناخيا. النموذج المقترح لا يكتفي بتحسين الدقة التنبؤية، بل يفتح الباب أمام استخدامات عملية مباشرة، مثل إدارة المياه وتخطيط المدن". ويضيف "توفيق" في تصريحات لـ"الجزيرة نت" أن ما يثير الاهتمام حقا هو أن النموذج يعمل بكفاءة حتى في المناطق التي تعاني من نقص البيانات، وهذه ميزة إستراتيجية لدول مثل اليمن أو السودان. لكن يبقى التحدي في مدى استعداد صناع القرار للاستفادة الفعلية من هذه الأداة، وتحويل التنبؤات إلى سياسات قابلة للتنفيذ. التغير المناخي ليس مجرد طقس تنبؤات المناخ ليست فقط مسألة علمية، بل لها تبعات مباشرة على الاقتصاد، حسب أستاذ المناخ التطبيقي الذي يلفت إلى أن الزراعة، التي تمثل شريان الحياة في بلدان مثل العراق وسوريا والسودان، مضيفا أن "تغير توقيت الأمطار يعني اضطراب مواسم الزراعة، والجفاف المتكرر يهدد الأمن الغذائي". ويوضح توفيق "في الخليج، ترتفع كلفة التبريد والطاقة نتيجة درجات الحرارة القياسية، مما يزيد الضغوط على الميزانيات العامة. كما تؤثر الفيضانات المرتبطة بالأمطار غير المنتظمة على البنية التحتية الهشة في بلدان مثل اليمن ولبنان". من جانبه، يحذر "خسروي" من أنه في بعض الحالات، ستكون التغيرات المناخية مكلفة أكثر من أي أزمة اقتصادية تقليدية، ولهذا السبب يشدد على الحاجة إلى إدماج النماذج المناخية في كل خطة اقتصادية أو إستراتيجية تنموية. ما الذي يجب فعله الآن؟ يوصي الباحثون بالاعتماد على النموذج الجديد كأداة إستراتيجية لدعم اتخاذ القرار في مجالات متعددة، أبرزها تخطيط استخدام الأراضي وتوزيع الزراعات الموسمية وفقا لتوقعات المناخ، وتحسين إدارة الموارد المائية بين القطاعات الزراعية والصناعية والحضرية، إضافة إلى تصميم شبكات الكهرباء والطاقة المتجددة بما يتناسب مع الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة. كما يؤكدون على أهمية ربط النموذج بأنظمة الإنذار المبكر لمواجهة مخاطر الفيضانات أو موجات الجفاف قبل وقوعها. ويشدد الفريق البحثي على ضرورة إتاحة النموذج كمورد مفتوح المصدر، قابل للتكييف والتدريب محليًا بما يتوافق مع ظروف واحتياجات كل دولة أو منطقة. ويوضح خسروي "نريد لهذا النموذج أن يخرج من المختبرات إلى الوزارات والمزارع والمجالس البلدية" ويضيف: "كلما كان القرار مبنيًا على العلم، كانت المجتمعات أكثر قدرة على الصمود".


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
الذكاء الاصطناعي ضمن بوصلة القرآن
لم أكن أتخيل يومًا أن أقف متأملًا العلاقة الوثيقة بين آيات القرآن الكريم وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتسارع يومًا بعد يوم، فبينما تُبهرنا نماذج اللغة الكبيرة كـ GPT وClaude بقدرتها على محاكاة الأساليب اللغوية المختلفة، وتذهلنا تقنيات توليد الصور مثل DALL-E وMidjourney بلوحاتها الفنية المعقدة، وجدتُ نفسي أعود إلى كتاب الله بحثًا عن بوصلة أخلاقية وروحية تُرشد مسار هذه التطورات نحو خير البشرية وسعادتها، فإن البشرية تشهد اليوم ثورةً تقنيةً هائلة تثير أسئلة عميقة حول طبيعة المعرفة البشرية وحدودها، وعلاقة الإنسان بالآلة، ومستقبل الوجود البشري في عالم تتزايد فيه التقنية الذكية تعقيدًا واستقلالية. وفي خضم هذا المشهد المتسارع، يقف القرآن الكريم منارة هدى وكتاب خلود، يحمل بين دفتيه هدايات ربانية تتجاوز حدود الزمان والمكان. خصوصية الإنسان في زمن الآلات الذكية أتأمل ظاهرة محاكاة الذكاء الاصطناعي للإبداع البشري، فأجد فيها تجسيدًا حيًا لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]، فالقدرة على تطوير أنظمة ذكية تُحاكي بعض جوانب الذكاء البشري هي من الآيات التي تدفعنا للتأمل في عظمة الخالق الذي وهب الإنسان العقل المبدع، لكن ما الذي يجعل الإنسان إنسانًا في عالم تُتقن فيه الآلات محاكاة الإبداع البشري؟ إعلان يذكرنا القرآن الكريم بأن الإنسان ليس مجرد نتاج لمعادلات بيولوجية وكيميائية، بل هو مخلوق منفوخ فيه من روح الله: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ [الحجر: 29]، وهذا البعد الروحي يظل سرًا إلهيًا يتجاوز الإدراك البشري: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]. إن هذه الخصوصية الإنسانية تُشكل حجر الزاوية في فهمنا للعلاقة بين الإنسان والآلة؛ فمهما تطورت الخوارزميات وتعقدت الشبكات العصبية، يظل الوعي البشري متفردًا ومتجاوزًا لأي محاكاة آلية. الاستخلاف وتوظيف التقنية.. مسؤولية أخلاقية يقدم القرآن الكريم رؤية فريدة لمكانة الإنسان في الكون، تجمع بين التكريم الإلهي والمسؤولية الأخلاقية، فالإنسان مستخلَف في الأرض، مؤتمَن على عمارتها وحمايتها: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، هذه الثنائية بين التكريم والاستخلاف توجه الإنسان نحو تطوير التقنية واستثمارها في إعمار الأرض، مع الالتزام بضوابط أخلاقية تحمي الكرامة الإنسانية، ومن هنا تكتسب تقنيات الذكاء الاصطناعي قيمتها كأدوات للاستخلاف الإيجابي، بشرط أن توظف في خدمة الإنسان ورفع المعاناة عنه، لا في انتهاك كرامته أو إلغاء دوره. وقد تأملت كثيرًا في قول أحد العلماء المعاصرين: "الاستخلاف في الأرض ليس مجرد تصرف مطلق اليد في مواردها، بل هو أمانة ومسؤولية تقتضي الحفاظ على توازنها والارتقاء بها وفق مراد المُستخلِف، سبحانه وتعالى"، ومن هذا المنطلق، فإن تطوير الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون محكومًا بمفهوم الاستخلاف بمعناه القرآني العميق. أصبح من المعلوم اليوم أن العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي تعاني من تحيزات عنصرية أو جنسية أو طبقية، نتيجة التحيزات الموجودة في البيانات التي تم تدريبها عليها، هذه التحيزات تتعارض مع مبدأ العدل القرآني التواضع المعرفي في زمن الانفجار المعلوماتي في عصر الثورة المعلوماتية الهائلة، يأتي القرآن الكريم ليذكرنا بمحدودية المعرفة البشرية: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]، هذا التذكير ليس دعوة للجهل أو إعاقة للتقدم العلمي، بل هو دعوة للتواضع المعرفي الذي يحمي الإنسان من الغرور والطغيان العلمي، ولكم يؤلمني أن أرى بعض المفتونين بتقنيات الذكاء الاصطناعي يتحدثون عن "التفرد التكنولوجي" (Technological Singularity)، وكأنه نقطة انعتاق نهائي للإنسان من محدوديته البيولوجية! وكأن التقنية ستُخلص الإنسان من الموت والفناء الذي كتبه الله على كل نفس: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185]. إعلان حذّرنا القرآن من طغيان الإنسان حين يظن أنه استغنى بعلمه: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6-7]، وكأني بهذا التحذير الإلهي ينطبق على عصرنا الحالي، حيث يظن البعض أن التقدم التكنولوجي قد جعل الإنسان مستغنيًا عن الإيمان، أو متحكمًا بمصيره بشكل مطلق. البوصلة الأخلاقية القرآنية للذكاء الاصطناعي مع تسارع التطورات التقنية، تزداد الحاجة إلى بوصلة أخلاقية ثابتة توجه مسار هذه التطورات، والقرآن الكريم -بمنظومته القيمية المتكاملة- يقدم إطارًا أخلاقيًا متينًا، يمكن أن يرشد تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها. أليس من المؤسف أن نرى بعض شركات التقنية العملاقة تجمع بيانات المستخدمين وتستغلها في تحقيق أرباح طائلة دون موافقة حقيقية منهم؟ أليس هذا ضربًا من خيانة الأمانة التي حذرنا منها القرآن؟ العدل والمساواة.. خوارزميات غير متحيزة يؤكد القرآن الكريم على قيمة العدل الشاملة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، وهذا المبدأ يوجهنا في تصميم الخوارزميات وأنظمة الذكاء الاصطناعي لضمان عدم تحيزها ضد فئات معينة من البشر. أصبح من المعلوم اليوم أن العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي تعاني من تحيزات عنصرية أو جنسية أو طبقية، نتيجة التحيزات الموجودة في البيانات التي تم تدريبها عليها، هذه التحيزات تتعارض مع مبدأ العدل القرآني، وتستدعي جهودًا حثيثة من المطورين لمعالجتها. يُبرز القرآن الكريم قيمة الأمانة كمسؤولية عظيمة تميز الإنسان: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ﴾ [الأحزاب: 72]، وفي عصر البيانات الضخمة، تكتسب هذه القيمة أهمية خاصة في حماية خصوصية المستخدمين. أليس من المؤسف أن نرى بعض شركات التقنية العملاقة تجمع بيانات المستخدمين وتستغلها في تحقيق أرباح طائلة دون موافقة حقيقية منهم؟ أليس هذا ضربًا من خيانة الأمانة التي حذرنا منها القرآن؟ الرحمة والإحسان.. تقنيات لخدمة الإنسانية تمثل الرحمة جوهر الرسالة الإسلامية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وهي قيمة توجهنا نحو تطوير تقنيات تخفف المعاناة الإنسانية وتحسن جودة الحياة، بدلًا من إنتاج تقنيات تعزز الصراع أو تزيد من التفاوت بين البشر. إعلان كم هو جميل أن نرى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي تساعد في تشخيص الأمراض المستعصية وابتكار علاجات جديدة! وكم هو محزن في المقابل أن نرى هذه التقنيات نفسها تُستخدم في تطوير أسلحة فتاكة ذاتية التشغيل، أو في أنظمة للمراقبة الشاملة تنتهك خصوصية البشر! التطور المذهل في تقنيات الواقع الافتراضي يتيح "الهروب" من الواقع الحقيقي إلى عوالم اصطناعية قد تبدو أكثر إثارة أو راحة، لكن القرآن يدعونا لمواجهة الواقع وإعمار الأرض تحديات أخلاقية في عصر الذكاء الاصطناعي الحدود الأخلاقية للمحاكاة التقنية ليس كل ما يمكن محاكاته تقنيًا يجب محاكاته، هذه قاعدة أخلاقية أساسية مستمدة من التوجيه القرآني بالمسؤولية والأمانة، فقدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي على محاكاة الصوت والصورة البشرية بشكل شبه مثالي تفتح الباب لسوء استخدامها في التضليل والخداع. هنا تبرز أهمية الانضباط بالقيم القرآنية كالصدق والأمانة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، فالصدق ليس مجرد قيمة أخلاقية فردية، بل هو أساس لبناء مجتمع صحي وتقنيات موثوقة. التطور المذهل في تقنيات الواقع الافتراضي يتيح "الهروب" من الواقع الحقيقي إلى عوالم اصطناعية قد تبدو أكثر إثارة أو راحة، لكن القرآن يدعونا لمواجهة الواقع وإعمار الأرض، لا الفرار منها إلى عوالم وهمية. يقول تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، فمسؤولية الإنسان هي إعمار الأرض الحقيقية، لا الانغماس في عوالم افتراضية تشغله عن واجباته الحقيقية تجاه نفسه ومجتمعه وبيئته. يحزنني رؤية شباب يقضون ساعات طويلة منغمسين في عوالم افتراضية، منقطعين عن التواصل الحقيقي مع أسرهم ومجتمعاتهم! أليس هذا ضربًا من الهروب من المسؤولية التي أناطها الله بالإنسان؟ مخاطر تأليه التكنولوجيا يحذرنا القرآن من تحويل أي مخلوق أو مصنوع -بما في ذلك التكنولوجيا- إلى معبود: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية: 23]، وهذا التحذير ينطبق على نزعة تقديس التقنية، وتحويلها إلى مرجعية نهائية تحل محل الوحي الإلهي. إعلان إن وضع التقنية في نصابها الصحيح كأداة مساعدة للإنسان، لا كمعبود جديد يُنتظر منه الخلاص، هو من صميم التوجيه القرآني الذي يضع الألوهية في مكانها الصحيح: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]. ختامًا، لقد آن الأوان لتطوير رؤية إسلامية متكاملة للذكاء الاصطناعي، رؤية لا تكتفي بالاستهلاك السلبي للتقنيات الغربية، بل تسعى لإنتاج تقنيات وتطبيقات تنبع من منظومة القيم الإسلامية وتخدم مقاصد الشريعة الإسلامية. هذه الرؤية تتطلب جهودًا على عدة مستويات. لقد أصبح لزامًا علينا اليوم، كأمة تحمل رسالة السماء إلى الأرض، أن نشارك بفاعلية في رسم مستقبل التقنية، لا أن نظل مستهلكين سلبيين لها. وفي زمن تسارع التقنية وتعقدها، يظل القرآن الكريم هو المرجعية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتحول، فبنوره نستضيء، وبهدايته نسترشد، حتى نبني مستقبلًا يتكامل فيه العلم مع الإيمان، والتقنية مع القيم، والعقل مع الروح، في منظومة متوازنة تُحقق خير الإنسان وتحفظ كرامته وتسمو بروحه.