
هل انتهى زمن البطل في الأدب؟
الشارقة: علاء الدين محمود
هل انتهى زمن البطل؟ هل أوشكت شمس الشخصية المؤثرة في الأدب على المغيب؟
ذلك سؤال يفرض نفسه بقوة في زمن التحولات الاجتماعية والتي دائما ما تؤثر بقوة في الأدب الذي يعكس ما يجري في الحياة والواقع، ولئن كانت القضايا والمشاكل الحياتية التي تهم البشر بصورة يومية في كل مكان، يتم التعبير عنها في الكتابات الأدبية من رواية أو نصوص مسرحية أو قصة قصيرة أو غير ذلك من خلال بناء شخصية البطل ويتم تضمينها بالرموز والدلالات، فإن الأدب اليوم، خاصة في ما يتعلق بالتجريب، يتجه نحو تعامل مختلف مع ذلك الموروث، من حيث إبراز أصوات متعددة داخل النص.
النصوص السردية والمسرحية الكلاسيكية، كانت تُعنى ببناء شخصية البطل بشكل كبير، وتحمله كل المشاعر المتناقضة من قيم خير وشر تتنازع في داخله كتعبير عن الصراع الموجود في الحياة، وهناك الكثير والعديد من النماذج التي رسخت وخلدت في أذهان الجمهور في مختلف أنحاء العالم وذلك لقوة الأدب نفسه الذي بقدر ما يعبر عن البيئة المحلية، فهو ينفتح على الإنسانية جمعاً، ومن تلك الأسماء اشتهرت وذاع صيتها عالمياً: «هاملت» بطل النص المسرحي الذي يحمل ذات الاسم لوليم شكسبير، و«جان فالجان»، بطل رواية «البؤساء»، لفيكتور هوجو، والملك آرثر بطل «حكاية الملك آرثر»، لجيفري أوف، و«جين اير»، بطلة رواية تحمل ذات الاسم لشارلوت برونتي، وكذلك قصة «أوليفر تويست»، لتشارلز ديكنز، وغير ذلك من أعمال أكدت مكانة البطل في الحياة.
البطل شخصية تمتعت بمختلف المشاعر الإنسانية التي تعبر عن موضوع النص، وبخاصة القوة والمنعة في زمن كانت فيه الشخصية القائدة والبطلة تلعب دوراً محورياً في مختلف أوجه الحياة سواء في مجال السياسة أو الحروب أو المجتمع، حيث تعلقت قلوب الناس بشخص فرد يمتلك صفات خاصة وقدرة على تخليصهم من مشاكلهم أو تتجسد فيه أحلامهم وطموحاتهم، حيث إن البيئة أو البيئات في مختلف أنحاء العالم، مع تفاوت نسبي، كانت تنتج مثل هذه الطريقة في التفكير، وذلك ما برز بقوة في العديد من التيارات الأدبية، فشخصية «جودو»، في مسرحية «في انتظار جودو»، لصمويل بيكيت، كانت تعبر عن فكرة انتظار المخلص، من خلال بطل وشخصية غير معروفة للذين ينتظرونها ولكنهم نسجوا من خيالهم أحلاماً وآمالاً وربطوها بظهور ذلك المخلص الذي لا شك عندهم أنه سيقيم العدل وينتشلهم من البؤس، وتلك فكرة تجد صداها الأوسع في الفلسفة والفكر بشكل مجرد، حيث إن مجموعة من المفاهيم هي التي تعقد عليها الآمال، إذ إن كلمات مثل العدالة والمساواة وغير ذلك تم التعبير عنها من خلال مقولات ومصطلحات ومفاهيم، فعلى سبيل المثال، الإنسان الأعلى أو السوبر عند الفيلسوف نيتشه، هو مجرد مفهوم ينشد تطور الإنسان لكي يتسم بالقوة بدلاً عن الضعف، لكن الأدب قام بتجسيد تلك الأفكار وخلصها من التجريد عبر صناعة شخوص يحلون محل المفاهيم.
صمود
ولعل ما ذهبنا إليه يؤكد أن دور الفرد البطل لم يتزحزح كثيراً، ولكن التحولات الاجتماعية والحياتية فرضت بروز الحاجة إلى تعدد الأصوات، وعلى الرغم من أن العديد من الأعمال السردية والمسرحية في سياق التجريب، باتت تتجه نحو صناعة أكثر من بطل، إلا أن الواضح أن مفهوم البطولة بقي ثابتاً، بينما حدثت تغيرات على مستوى الأشخاص الذين يقومون بدور البطل من فرد إلى جماعة، فما كان يقوم به الفرد المطلق في الحكاية صار يتوزع بين أشخاص متعددين بخلفيات مختلفة، وكذلك، في كثير من الأحيان، تراجع دور الفرد الذكر لمصلحة الأنثى في العديد من الأعمال السردية والمسرحية، وذلك يؤكد أن موضوع البطولة يرتبط كثيراً بالحياة وما يجري فيها من متغيرات، إذ إن الطرق بصورة مكثفة مؤخراً على مسألة النوع «الجندر»، دفع إلى الواجهة بقضية النساء، وصارت هناك أعمال تعالج ذلك الأمر سواء كتابات من قبل المؤلفين أو المؤلفات ببطولة نسوية.
منطق العصر
ويرى كثيرون أن العصر الحالي الذي يتسم بالفردانية والسرعة والتشظي وتفكك العلاقات الاجتماعية القديمة والاغتراب، قد فرض نفسه بقوة، بحيث تأثر الأدب بسمات الحقبة الزمنية الحالية، وفي اتجاه الكتابة نحو التجريب والتعمق في تناول القضايا المجتمعية برزت ضرورة تعدد الأصوات داخل النصوص الإبداعية وذلك تبعاً لتعدد المشاكل الحياتية نفسها، فأصبحت هناك الكثير من الأعمال التي يبرز فيها أكثر من بطل واحد، بل وأكثر من قضية واحدة، ذلك لأن بروز الفردانية يعني تعدد المشاكل الخاصة بكل فرد، بالتالي نصبح أمام مشهد يحتم بروز أكثر من بطل بعد أن غابت الجماعية التي كان يعبر عنها بصوت واحد وذلك لتشابه واقع الأفراد في ظل العيش الجماعي.
إلى جانب ذلك فإن هناك مفاهيم جديدة مرتبطة بالبطولة بحيث لم يعد من الضروري أن يصبح الشخص ذكراً كان أم أنثى، فرداً أم جماعة، هو من يقوم بدور بالدور الأساسي في العمل الكتابي الإبداعي، فقد يصبح المكان هو البطل، أو الفكرة، أو الرمز، أو كل ما يتناسب مع روح العصر التي باتت فيها الرموز والعلامات تكتسب أهمية كبيرة، فهي تحمل العديد من الدلالات، فتشير تارة إلى الاغتراب بمعانيه المتعددة، أو أسطورة يتم إسقاطها في الراهن المعاصر كنوع من المراوغة الإبداعية، بالتالي تنوعت وتعددت أشكال البطولة، لكن حضورها ظل قائماً، كما أن الشخصية المطلقة كذلك ما زالت مؤثرة وموجودة، إذ إنها لم تلغ تماماً لأن الأحلام التي تعبر عنها ما زالت قائمة.
الرواية البوليفونية
على الرغم من أن ثقافة العصر دفعت كثيراً نحو الانتصار للأدب الذي تتعدد فيه الأصوات، إلا أن ذلك الأمر له جذوره في كتابات وتنظيرات متعددة خاصة تلك التي لدى الفيلسوف واللغوي والمنظر الأدبي الروسي ميخائيل باختين «1895 1975»، وهو منظر معاصر، بمعنى أنه قد عايش العديد من التحولات العصرية التي كان لها تأثيرها على الأدب، حيث أطلق مفهوم الرواية البوليفونية، أي الكتابات السردية التي تتعدد فيها الأصوات، وكان باختين يهدف من خلال ذلك المفهوم أن يبرز في العمل الأدبي العديد من وجهات النظر بدلاً من صوت واحد يهمين على مشهد العمل، وذلك من أجل تفسير الواقع الذي بات أكثر تعقيداً بأكثر من وجهة نظر، أي تغييب الحكاية الرسمية الواحدة لمصلحة أكثر من قصة، بحيث تتداخل وجهات النظر المختلفة، ولعل ما يميز هذا النوع الأدبي الذي يقوم على تعدد الأصوات، أن الكاتب لا يستعرض وجهة نظره فقط، بل حتى الفكرة النقيضة التي لا يؤمن بها، حيث إن المهم، إلى جانب تعدد الشخوص، إبراز تباين واختلاف وجهات النظر.
إلهام
وكان الملهم الأكبر لباختين في صناعة ذلك المفهوم «الرواية البوليفونية»، تلك الأعمال الروائية والنثرية التي أنتجها الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، باعتبارها مثالًا للقصص التي تتعدد فيها الأصوات والأفكار، حيث آثر الكاتب الروسي السعي إلى كتابة أعمال درامية كليًا وغنية بالأفكار، إذ يعتقد باختين أن السمة الرئيسية لروايات دوستويفسكي هي تعددية الأصوات والوعي، حيث يشار إلى أن كتابات دوستويفسكي تحمل طريقةً مختلفةً جذريًا لفهم العالم بالمقارنة مع الطريقة التي كانت سائدة في أوروبا، إذ يرى باختين أنه ليس من الممكن فهم روايات دوستويفسكي في سياق الأسلوب المونولوجي للفكر الغربي، الذي يُعتبر بمثابة أسلوب فكري متعلق ب «الحقيقة»، واحتكارها، مما يجعل من أعمال الكاتب الروسي ثورة في عالم الأدب وحتى الفلسفة، وذلك الأمر يتجلى بصورة العديد من كتابات دوستويفسكي خاصة «الجريمة والعقاب»، وبصورة أكبر في رواية «الإخوة كارامازوف»، ففي هذه الأيقونة السردية يكاد مفهوم البطولة المطلقة التي تقوم بها شخصية واحدة تكون غائبة تماماً.
مونولوج
وعلى الرغم من أن باختين يرى أن الخطاب المسرحي بعكس السردي الروائي أو القصصي ينزع نحو الصوت الواحد أو ما يعرف بال«مونولوج»، إلا أن العديد من النقاد يرون عدم صحة ذلك، وأن هنالك الكثير من الإبداعات المسرحية التي يبرز فيها أكثر من صوت، خاصة في العديد من النصوص الشكسبيرية مثل مسرحية «العاصفة» وغيرها، حيث تتعدد الأصوات وتداخل معبرة عن أكثر من موقف، حيث إن باختين عبّر عن فكرته تلك بالإشارة إلى أن في كل دراما ثمة صوت واحد كامل القيمة خاص بالبطل، حيث يرى باختين أن الدراما بحكم طبيعتها غريبة على هذه الظاهرة التعبيرية والفنية، أي تعدد البطولة والأصوات، وربما أشار باختين إلى العديد من الأعمال المسرحية التي تؤكد وجهة نظره تلك، إلا أنها وجدت في واقع الحال معارض من العديد من النقاد على رأسهم الروسي لونا تشارسكي، والذي أوضح أن تعدد الشخصيات وأدوار البطولة والأصوات ليس حصرياً على دوستويفسكي، فقد سبقه وليم شكسبير في أعماله وكذلك بلزاك وغيرهما، موضحاً أن الميزة الكبيرة التي امتلكها شكسبير هي القدرة على خلق شخصيات مستقلة تماماً عنه بالذات، إضافةً إلى كون هذه الشخصيات متنوعة إلى أقصى حد، وتمتلك آراؤها وتصرفاتها وفق منطق داخلي متين ومتماسك، ولعل ما ذهب إليه تشارسكي يؤكد إمكانية تعدد الأصوات في المسرح، وهناك نماذج لذلك مثل المسرح الملحمي والعبثي، وكذلك العروض الثنائية.
إبداعات
والواقع أن تعدد الأصوات ظل موجوداً في العديد من الأعمال الأدبية العالمية التي وجدت صدى كبيراً منذ أمد طويل، وأسهمت جملة من الظروف في جعل تلك الإبداعات تلجأ لخيار أن ينهض العمل على أكثر من صوت وبطل واحد، فيها ما هو متعلق بالأبعاد الأدبية، وكذلك بالرؤى الفكرية المستجيبة لتحولات الواقع الاجتماعي، وبصورة خاصة ما يتعلق بالحياة عقب منعطفات كبيرة مثل الحروب، ومثالاً على ذلك رواية «نساء صغيرات»، للكاتبة الأمريكية لويزا ماي ألكوتالتي، والتي نشرت عام 1868، بعد ثلاثة أعوام من انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية، وتحكي عن أربع فتيات لأسرة غاب عائلها فأصبحت غير مستقرة، حيث تبرز الصراع الناتج عن النظرة الاجتماعية التي ترى بضرورة تزويج الفتيات في سن معينة، ويظهر في العمل تداخل أصوات الفتيات وقيامهن معاً بدور الشخصيات الرئيسية، حيث لكل واحدة منهن قصتها الخاصة.
والملاحظ أن الأعمال التي تخاطب مسألة ملحة مثل قضية النساء في اشتباكها مع الحياة والواقع الاجتماعي تتعدد فيها الأصوات والأفكار فهناك أيضاً رواية «السيدة دالواي» لفرجينيا وولف، والتي تقف كمثال واضح على العمل الأدبي الذي يستند إلى الأصوات المتعددة، حيث يظهر الكثير من الأصوات السردية التي تتداخل وتتفاعل مع بعضها بعضاً، مما يخلق رؤية متعددة الأبعاد للواقع، ومنها صوت الشخصيات، والسارد الذي يمتلك رؤية خاصة بالشخصيات والأحداث، وهناك أيضاً من الأعمال الأدبية التي تنهض عبر أصوات متعددة ومتداخلة رواية «عودة أوليس»، للكاتب ديريك والكوت، و«ساحرة بورتوبيللو»، للكاتب باولو كويلو، و«رحلة إلى الهند»، للكاتب أي أم فورستر، و«المخبرون الهمجيون»، لروبرتو بولانو، وغير ذلك.
تباينت الآراء وسط الكتاب الإماراتيين الذين تحدثوا إلى «الخليج» حول ظاهرة تعدد الأصوات وإذا ما كانت مملكة البطل الواحد قد مالت نحو الغروب، فالبعض منهم يرى أن التجريب دفع بأفكار جديدة، بينما يرى آخرون أن البطل باق، ولابد من أن تتعايش الكتابات الأدبية المختلفة مع بعضها بعضاً.
تحذير
الروائي علي أبو الريش حذر من الانجرار وراء مقولات النهايات التي برزت بعد أن أحكمت الأحادية القطبية هيمنتها الثقافية على العالم، وظهرت العولمة وما بات يعرف بثقافة الاستهلاك التي أنتجت سلسلة من النهايات، لكن في حقيقة الأمر فإن كل ذلك يعبر عن رغبة من الثقافة المعاصر المهيمنة في تذويب الأفكار والرؤى والأدب بحيث تتناسب مع فلسفتها هي، ومن هنا ظهرت مقولة نهاية البطل، وهو أمر غير صحيح، حيث إن الشخصية المركزية ظلت باقية حتى في روايات دوستويفسكي والأعمال المسرحية والروائية لبلزاك التي يضرب بها المثل، فعلى الرغم من تعدد الأصوات في تلك النصوص إلا أن هناك بطلاً مرجعياً رئيسياً. وأوضح أبو الريش أن هناك أعمالاً يظهر فيها أكثر من صوت مثل روايات ماركيز التي تحمل طابع الواقعية السحرية، لكن الحكاية تتكئ على موقف معين أو حالة محددة، أو ربما رمزية أسطورية.
وشدد أبو الريش على أن هناك بعداً أيديولوجياً يكمن وراء مقولة نهاية البطل، وأن كتاب لزيجمونت باومان، بعنوان «الحياة السائلة»، يتحدث عن ذوبان كل «الأنوات»، والشخصيات المركزية في الحياة وفقاً لما تخطط له ثقافة هذا العصر والتي تريد أن تجعل من الإنسان مجرد آلة مجردة من المشاعر. وأكد أبو الريش أن الأدب هو جزء من الحياة يستجيب للمتغيرات بطبيعة الحال، إذ إن هذه الحياة تقوم على التنوع والتعدد وفي الإمكان أن تتعايش الأنواع الأدبية مع بعضها بعضاً من دون إزاحة، ولابد من الحذر في التعامل مع الأحكام والمقولات، حيث إن إذابة البطل في أي عمل أدبي يعني أن يصبح متخلخلاً ومتشظياً، بالتالي لابد من الانتباه وعدم التعامل مع مقولات مثل فردية الحياة والبشر.
خصوصية
أما المسرحي إبراهيم القحومي، فقد أشار إلى أن كل نص له خصوصيته، حيث إن بعض النصوص المسرحية تكون فيها البطولة جماعية بحسب مقتضيات العمل وأهدافه ورسالته وتكوينه الجمالي والفكري، فذلك الأمر يعتمد على الكاتب والكيفية التي يريد بها أن تروى حكايته، حيث إن هناك ضرورات معينة تحكم توظيف كل شخصية في العرض، فكل مؤلف له أسلوبه وتعامله مع النص فبعضهم يريد للبطولة المطلقة أن تكون مهيمنة، والآخر لا يرغب في رهن الحكاية لشخص واحد.
ونوّه القحومي أن القضايا قد تعددت بالفعل في العصر الراهن، لكن هذا التعدد يمكن التعبير عنه بالوسيلتين، أي عبر البطل الواحد والصوت الأوحد، وكذلك من خلال توزيع العمل على أكثر من شخصية في العرض الواحد، وهناك أيضا مسارات تتحكم في أي خيار من الخيارين.
ولفت القحومي إلى أن للبطولة الجماعية ميزاتها ومساوئها في ذات الوقت، حيث إنها تتيح بروز أكثر من نجم واحد، ولكن في ذات الوقت فإن البطل يكون أكثر توهجاً عبر البطولة الفردية، لكن الواضح أن هناك تواجداً في المسرح للنوعين معاً، أي الصوت الواحد والأصوات المتعددة.
وذكر القحومي أن لديه أعمالاً تظهر فيها الأصوات والشخصيات المتعددة والمتنوعة، وكذلك له عروض يبرز فيها البطل الواحد، لكن المسألة الحاسمة هي الفكرة وتوظيفها بشكل مبتكر وكذلك مراعاة الجمهور الذي توجه إليه.
متغيرات
بينما دفع الكاتب السردي والمسرحي محسن سليمان بأن البطل في كل مكان وزمان هو نتاج التحولات والمتغيرات، وهو يختلف من بيئة إلى أخرى، ومن واقع إلى آخر، وهو ليس ذاك الشخص المهيمن والمسيطر بقدر ما هو حالة رمزية لشرح رسالة النوع الأدبي سواء أن كان روائياً أو مسرحياً، وبالتالي فإن البطولة الفردية أو الجماعية محكومة بتلك الرسالة ودلالاتها.
وأوضح سليمان أن البطولة الجماعية والأصوات المتعددة في الأدب بشكل عام قد برزت مؤخراً بشكل كبير كنتاج طبيعي للتحولات التي يعيشها البشر في العصر الراهن، وهي تكاد تمس بكل شيء، فكان لابد من التعبير عنها بتوجهات مختلفة في الرواية والقصة والمسرح.
وأشار سليمان إلى أن هناك أدواراً جديدة ظهرت فيما يتعلق بالبطولة، مثل بروز الصوت النسائي بقوة في الرواية الحديثة داخل الأعمال التي تقوم على الأصوات المتعددة، فنصوص إسماعيل عبد الله، على سبيل المثال يتنوع فيها الأبطال مع خصوصية كبيرة لصوت المرأة.
اختلاف
من جانبها فإن د. مريم الهامشي ربطت بين التحولات العصرية والحداثة وما بعدها وبروز الأصوات المتعددة في الأدب بأشكاله المختلفة، حيث إن الحياة الفردانية ومشاعر الوحدة كان لها دور كبير في التأثير على الكتابة الأدبية، غير أن هذا التعبير عن تلك المتغيرات يختلف من كاتب لآخر، فالعديد من الروايات التي وصلت القائمة القصيرة للبوكر العربية هيمن عليها بطل واحد، بينما كذلك هناك روايات أخرى يظهر فيها التعدد بوضوح.
وشددت مريم الهاشمي على أن الرواية هي الجنس الأدبي الأكثر تأثراً بالتحولات الحياتية، إذ إن الأعمال السردية تتحول مع الإنسان، وفي بعض الروايات لا يوجد بطل، حيث تسند البطولة لفكرة أو حالة أو مكان، وذلك في سياق ما يسمى بالتجريب، حيث تغيرت عناصر الرواية الحديثة من حيث المكان أو الحدث، وإلى حد كبير ينطبق ذلك الأمر على المسرح.
يبرز في الأعمال السردية التي تتبنّى تيار الواقعية السحرية تعدد البطل بشكل جليّ، على نحو ما فعل غارسيا ماركيز في «مئة عام من العزلة»، حيث تبرز أصوات متعددة تعبر عن أجيال متنوعة سكنت ذات المكان، وربما تلك النصوص التأسيسية في الاتجاه نحو تعدد الأصوات تشير بجلاء كبير إلى أن في الإمكان المزيد من الإنجازات في هذا الأسلوب الإبداعي في الكتابة، خاصة أن المشاكل الكثيرة التي يثيرها الواقع في عصرنا الراهن يؤكد أن من المهم أن تتعدد الشخوص لكي تعبر عن الحياة التي غاب عنها الزعيم الملهم والبطل الأيديولوجي المخلص والقائد الروحي.
أصوات عربية
على الرغم من أن الأدب العربي قد استدعي في بداياته الحديثة في مجالات الرواية والقصة والمسرح والنثر، إلى جانب التأثر بالغرب، الحكايات والميثولوجيات العربية القديمة، التي تقوم على الصوت الواحد والبطل المطلق، إلا أنه كذلك جرب تعدد الشخوص والأبطال الذين يتوزع فيما بينهم العمل، حيث إن بعض أعمال نجيب محفوظ برز فيها ذلك الأمر، خاصة رائعته «حديث الصباح والمساء»، والتي نلمح فيها بعضاً من قبس تنوع الأجيال، وبالتالي تعدد الأصوات، ويظهر ذلك أيضاً في أعمال مثل «ميرامار»، و«أفراح القبة»، وكذلك جمال غيطاني في رواية «الزيني بركات»، ويوسف القعيد في نصه «يحدث في مصر الآن»، ومحمد برادة في «لعبة النسيان»، وفتحي غانم، في «الرجل الذي فقد ظله»، ويبرز تعدد الأصوات كذلك بشكل جليّ في أعمال الطيب صالح، والتي يظهر فيها أيضاً الملمح الأسطوري، خاصة في «عرس الزين»، و«دومة ود حامد»، بل وكذلك في «موسم الهجرة إلى الشمال»، حيث يبرز فيها إلى جانب البطل مصطفى سعيد، شخصية الراوي التي صممت بغرابة شديدة بحيث لا يدري القارئ من هو وإلى ماذا يرمز، لكن صوته يهيمن على السرد، بينما تتداعي الحكايات في العمل على ألسن متعددة، وعزز التجريب في الوقت الراهن من ذلك الاتجاه حيث صدرت العديد من الروايات التي يظهر فيها أكثر من بطل وصوت داخل منظومات سردية مبتكرة تحفل بالمواضيع المعقدة، وتلتقط المفارقات التي يحتشد بها العصر، وتعبر عن الأرواح الهائمة والوحيدة في أزمنة العزلة والشتات ومراكب الهجرة نحو عوالم جديدة.
وهذه النوعية السردية الجديدة دعوة مختلفة للتأمل في أعماق دواخلنا والعالم من حولنا، ومن هذه الأعمال التي عبّرت عن تعدد الأصوات بشكل مميز رواية «خمسة أصوات»، لغائب طعمة، و«قاهرة اليوم الضائع» لإبراهيم مجيد، و«العشيق السري»، لريم نجمي، و«دار خولة»، لبثينة العيسى، و«الموت عادة يومية»، لشكري سلامة، و«ساق البامبو»، لسعيد السنعوسي، وغير ذلك من أعمال عبرت عن لونية جديدة في الكتابة الإبداعية تستند إلى رؤى فكرية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 26 دقائق
- صحيفة الخليج
«شاهين للرجبي» يشارك في «دولية البرتغال للسباعيات»
دبي: أحمد عزت تغادر الخميس بعثة فريق شاهين للرجبي إلى البرتغال للمشاركة في بطولة الجارف الدولية للسباعيات، التي يشارك فيها 8 فرق، وتنطلق منافساتها السبت وتستمر لمدة يومين ضمن المهرجان الرياضي الكبير الذي يقام سنوياً بمدينة فيلا ريال دي سانتو أنطونيو، ويضم ألعاب التنس والبادل والكرة الشاطئية والهوكي والجولف والسباحة. ويترأس البعثة محمد سلطان الزعابي أمين عام اتحاد الرجبي، والجهاز الفني الذي يضم المدرب أبولو بيرليني، ويوسف شاكر، وخلدون المليح، والإداري نزار مهران، و12 لاعباً، ويخوض شاهين 3 مباريات في اليوم الأول ضمن المجموعة الثانية وفي اليوم الثاني، تقام النهائيات حيث يتأهل الأول والثاني من كل مجموعة إلى الدور نصف النهائي فيما تقام مباريات تحديد المراكز من الخامس إلى الثامن. وأكد محمد سلطان الزعابي أمين عام الاتحاد أن فريق شاهين يواصل مشاركاته وبرنامج إعداده ضمن خطة تجهيز اللاعبين المواطنين للمنتخبات الوطنية، مشيراً إلى أن الاتحاد يعوّل على هذا الفريق في تكوين قاعدة كبيرة من اللاعبين المواطنين وتأهيلهم بشكل صحيح للمنتخبات الوطنية. وأضاف: «فريق شاهين يشارك في دوري الدرجة الأولى خلال الموسم المحلي، ويقدم مستويات جيدة وفي نسخة الموسم الحالي صعد لنهائي الدوري، وهو ما يعد قفزة نوعية وفنية للفريق، وأيضاً فاز بلقب بطولة بورنيو الدولية لسباعيات الرجبي، التي أقيمت في منطقة ساندكا الماليزية، ودفع به الاتحاد للعب 5 مباريات ودية أمام منتخب كرواتيا خلال معسكرهم في دبي، وحصيلة المباريات المسجلة للاعبين المواطنين في الفريق كبيرة والنتائج أيضاً مؤشر جيد على تطور المستوى الفني». وأشار الزعابي إلى أن الاتحاد لديه أيضاً فريق المها الخاص بالفتيات ولديه برامج لتجهيز اللاعبات المواطنات ودائماً ما توجد لاعبات فريق المها في منتخب السيدات بالبطولات، حيث يتم الدفع باللاعبات تدريجياً. ونوه إلى أن استراتيجية اتحاد الرجبي تهدف إلى نشر اللعبة وجذب اللاعبين المواطنين واللاعبات أيضاً لممارستها وتوسيع القاعدة، وهو ما يعود على منتخباتنا الوطنية في المستقبل، خاصة أن طموحاتنا هو التأهل لمونديال الرجال وبعدها التطلع إلى الأولمبياد ودائماً ما يبني اتحاد الرجبي استراتيجيته وأهدافه لسنوات ويعمل عليها.


صحيفة الخليج
منذ 26 دقائق
- صحيفة الخليج
مدفع عيد الأضحى في 6 مناطق بدبي
«الخليج»: متابعات أعلنت القيادة العامة لشرطة دبي، الأربعاء، تحديدها 6 مناطق في الإمارة لمدافع عيد الأضحى المبارك. وقال المقدم عبدالله طارش العميمي، آمر وقائد فريق المدفع، إنهم اتخذوا الترتيبات اللازمة استعداداً لعيد الأضحى المبارك، بالإضافة إلى تشكيلهم لطاقم عمل في كل موقع من المواقع الـ 6، والتي وقع عليها الاختيار لتوزيع مدافع العيد، وتتمثل تلك المناطق في مسجد زعبيل الكبير في منطقة زعبيل، ومصلى العيد في منطقة أم سقيم، ومصلى العيد في منطقة ند الحمر، ومصلى العيد في منطقة البرشاء، ومصلى العيد في منطقة البراحة، ومصلى العيد في منطقة حتا. وأكد المقدم عبدالله العميمي، أن مدفع الإفطار أو العيد يعتبر جزءاً من الموروث الاجتماعي الأصيل الذي ترسخ في ذاكرة المجتمع الإماراتي ووجدانه، مبيناً أن المدفع بمثابة وسيلة يستدل بها الصائمون على موعد الإفطار أو الإعلان عن العيد، وذلك قبل اختراع الساعات، لكن إمارة دبي تحرص على مواصلة هذه العادة الأصيلة، حتى في عصرنا الراهن الزاخر بالأجهزة الرقمية والتقنيات المتطورة.


البيان
منذ 30 دقائق
- البيان
«ترانس - أمريكا لايف برمودا» تختار دبي لتوسع حضورها العالمي
أعلنت «ترانس-أمريكا لايف برمودا»، شركة توفير حلول التأمين على الحياة للأفراد من أصحاب الملاءة المالية العالية، عن حصولها على ترخيص من سلطة دبي للخدمات المالية، لافتتاح فرع لها في مركز دبي المالي العالمي، المركز المالي العالمي الرائد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا. وقالت كريستسن أونغ، الرئيس التنفيذي في «ترانس - أمريكا لايف برمودا»: «يشكل وجودنا في مركز دبي المالي العالمي خطوة بالغة الأهمية في تنفيذ استراتيجيتنا للنمو العالمي، ومن المؤكد أن الحصول على ترخيص من سلطة دبي للخدمات المالية يتيح لنا قدرة أفضل على دعم شركاء التوزيع في منطقة الشرق الأوسط، والتي أصبحت مركزاً عالمياً رئيسياً للخدمات المالية وإدارة الثروات». من جانبه قال سلمان جعفري، الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في سلطة مركز دبي المالي العالمي: «يسرنا انضمام «ترانس-أمريكا لايف برمودا» إلى مركز دبي المالي العالمي، وبفضل بيئته التنظيمية المتقدمة يواصل المركز استقطاب أبرز الشركات العاملة في قطاع التأمين، حيث يضم اليوم أكثر من 125 شركة متخصصة بهذا المجال، وباعتباره المركز العالمي الوحيد للتأمين وإعادة التأمين في المنطقة نتطلع إلى دعم الشركة في تحقيق أهدافها واستكشاف الفرص الواسعة، التي يوفرها المركز». بفضل إرثها العريق، الذي يمتد لنحو 180 عاماً عبر شركتي «أيجون» و«ترانس - أمريكا»، ستدعم «ترانس - أمريكا لايف برمودا» عملاءها في المنطقة بالاستفادة من خبرتها الواسعة في توفير حلول تأمينية عالية القيمة، وإدارة السيناريوهات المعقدة للعملاء. وعيّنت الشركة عدنان لادقي رئيساً لمكتبها في مركز دبي المالي العالمي، حيث سيتولى قيادة عملياتها في المنطقة، بالتعاون مع الإدارة العليا، بما يسهم في ترسيخ حضورها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية. يضم مركز دبي المالي العالمي نخبة من أبرز وسطاء التأمين، من بينها خمس شركات مصنفة ضمن الأفضل عالمياً، وفق تصنيفات وكالة «إيه إم بست»، ويتمتع المركز بأوسع منظومة مالية في المنطقة، وحقق في عام 2024 نمواً قياسياً، حيث وصل عدد الشركات المسجلة النشطة فيه 6,920 شركة.