
خاص المدى – هدنة عيد النصر: هل تشكّل بداية النهاية لحرب روسيا ـ أوكرانيا؟
في خضمّ النزاع الروسي ـ الأوكراني المستمر، برزت تطورات لافتة مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن هدنة موقّتة خلال احتفالات الذكرى الثمانين لعيد النصر في أوائل أيار المقبل. هذا الإعلان ترافق مع محاولات أميركية لإعادة إطلاق مسار التهدئة، وسط تصلّب في المواقف، خصوصًا من قبل كييف المُصرّة على استعادة أراضيها بما فيها شبه جزيرة القرم، مقابل تمسّك موسكو بمطالبها الأمنية والجغرافية. وبين الشروط والشروط المضادة، يطرح المراقبون تساؤلات حول مستقبل هذا النزاع، ودور الولايات المتحدة، والدعم الأوروبي الثابت لأوكرانيا، وفرص الوصول إلى تسوية سياسية تنهي هذه الحرب الدامية.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم الإنسانية في موسكو د. نزار بوش لـ'المدى': 'يبدو أن بوتين يستعدّ لمرحلة جديدة، بعدما حقّق الجيش الروسي انتصارًا كبيرًا في كورسك، وسيطر مجدّدًا على مناطق دخلها الجيش الاوكراني قبل 6 أشهر، واستطاع دحره وتكبيده خسائر فادحة. فبعد هذا النصر، كان بوتين قد أعلن هدنة خلال عيد الفصح،إلا أن اوكرانيا لم تلتزم بها. واليوم، ومع إعلانه هدنة جديدة بمناسبة عيد النصر، يبدو أن الهدف منها تكريم القوات السوفييتية التي انتصرت على النازيين، علماً أن تلك القوات لم تكن روسية فقط بل كانت تضمّ أوكرانيين أيضًا'.
واعتبر بوش أنّ 'هذه الهدنة قد تكون بمثابة اختبار لمدى التزام زيلينسكي الذي يتنصّل من تهمة النازية. فإذا التزم بها، قد يتم تمديدها، رغم أنني أستبعد أن يقبل الغرب، لا سيما بريطانيا، أن تتحوّل هذه الهدنة انتصاراً رمزياً لبوتين. فالاحتفالات المرتقبة في الساحة الحمراء بحضور ضيوفه، وأبرزهم الرئيس الصيني، في 9 أيار، ستكون مناسبة له لعرض انتصار كورسك باعتباره انتصارًا جديدًا لروسيا على النازية، وهدية يقدّمها للشعب الروسي، ورسالة قوية للأوكرانيين والغرب مفادها أن روسيا لا تُهزم'.
وتابع بوش: 'إذا وافقت أوكرانيا على هذه الهدنة والتزمت بها، فإنها قد تكون مقدّمة لتمديدها أو حتى لمفاوضات سلام. ولكن، أعتقد أن الأمر لن يسير بهذه الطريقة. من المحتمل أن تكون ضربات روسيا القادمة أقوى، كما شهدنا قبل أيام، حين نفّذت ضربات صاروخية باستخدام صواريخ فرط صوتية استهدفت مصانع الدفاع ومخازن الذخيرة في كييف، واستهدفت مركزًا لتجمع الجنود الأوكرانيين والمرتزقة الغربيين'.
وتوقّع بوش أن يتّجه الوضع نحو تصعيد أكبر في حال عدم التزام الأوكرانيين بالهدنة، 'فحينها، ستكثّف روسيا ضرباتها لتضعف الجيش الأوكراني بشكل أكبر، والحقيقة الميدانية اليوم تشير إلى أنه يعاني نقصًا حادًا في الأفراد والذخيرة'.
أما ترامب 'فيسعى جاهدًا للتوصل إلى سلام، ليس فقط من أجل إنهاء الحرب، بل أيضًا ليقدّم نفسه كرجل سلام ويطمح ربما في الحصول على جائزة نوبل للسلام. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وهو يواصل اتصالاته عبر مستشاره ويتكوف في سبيل التوصل إلى مفاوضات سلام، ولكن رغباته اصطدمت بعدد من العوائق، وأهمها الموقف الأوروبي، ومواقف الصقور المعادين لروسيا في الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة.'
كما أنّ ترامب 'يريد تقديم هدية للشعب الأميركي والعالم بمناسبة مرور مئة يوم على تسلمه للسلطة، لكن من المحتمل أن هذا لن يتحقّق، ولن يتمكن من التوصل مع روسيا وأوكرانيا إلى مفاوضات سلام توقف الحرب في الأيام القليلة المتبقّية. ومع ذلك، سيستمر الأميركيون في التواصل مع روسيا لوقف الحرب، لكن هذا لن يتم على حسابها'.
وذكّر بوش بما قاله بوتين، 'إذا لم ينصاع الأوكرانيون والغرب لمطالب روسيا، إضافة إلى تنفيذ الضمانات التي قدّمتها عامي 2021 و2022، فإن الجيش الروسي سيواصل تقدّمه، وقد رأينا أخيرًا أنه تمكّن من تحرير عدة بلدات في الدونباس، ويتجه الآن نحو مقاطعة خاركوف. روسيا قد تواصل تحرير البلدات في هذه المقاطعة، رغم أنها لا تُعتبر جزءًا من مناطق الدونباس تاريخيًا. لكن إذا استمرت الحرب، قد تتوجه لتحرير خاركوف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني نسمة'.
أضاف: 'الخسائر الأوكرانية باتت كبيرة، والجيش الأوكراني أصبح منهكًا، ما يجعل استمرار الحرب مرشحًا لأن ينتهي بفرض روسيا الاستسلام على القوات الأوكرانية. أما زيلينسكي، فيبدو أنه يماطل، خشية فقدان منصبه؛ إذ إن ذهابه إلى التفاوض وقبوله بالتخلي عن نحو 20% من الأراضي التي ضمّتها روسيا قد يعني نهاية مسيرته السياسية، وربما يواجه المحاكمة في أوكرانيا. وفي حال استمراره في التصعيد، فسيبقى تحت الضغط العسكري الروسي، فيما الدعم الأوروبي لن يكون كافيًا إذا تخلّت الولايات المتحدة عن دعمه. كما أن أوروبا نفسها بدأت تعاني اقتصاديًا، نتيجة العقوبات التي فرضتها على روسيا وتوقف إمدادات الغاز الروسي الرخيص. فمنذ ثلاث سنوات، كانت التقديرات الأوروبية تشير إلى أن العقوبات ستقوّض الاقتصاد الروسي، لكن الواقع أتى مغايرًا تمامًا، إذ بدأ الاقتصاد الروسي بالنمو، وشهدت الصناعة المحلية تطورًا ملحوظًا. وهكذا، انعكست العقوبات إيجابًا على روسيا، التي أصبحت أكثر اعتمادًا على قدراتها الذاتية'.
أما الغرب، فهو المتضرر الأكبر، برأي بوش، حيث يستمر في دعم أوكرانيا بالمال والسلاح، وإذا تخلت واشنطن عن دعمها لأوكرانيا، فلن يكون الدعم الغربي كافيًا، ولن تتمكّن أوكرانيا من الصمود ربما لأسبوعين أو شهر'.
وأكد بوش الاصرار الروسي على مجموعة من الشروط لإنهاء الحرب والانتقال إلى السلام، أبرزها:
– حيادية أوكرانيا: تطالب موسكو بأن تظل أوكرانيا دولة حيادية، دون انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو تزويدها بأسلحة متطورة قد تُشكّل تهديدًا لروسيا.
– الاعتراف بالأمر الواقع: تُصرّ روسيا على أن تعترف أوكرانيا والغرب بسيطرتها على المناطق الأربع التي ضمتها، وتعتبرها أراضي روسية لن تتخلى عنها.
– شبه جزيرة القرم: تُعدّ القرم خطًا أحمر بالنسبة لروسيا، وترفض التفاوض بشأنها مع أي طرف. وقد أشار ترامب إلى أن القرم أصبحت روسية منذ 12 عامًا، ولا يمكن لأحد استرجاعها أو تحريرها، مما يُعتبر اعترافًا ضمنيًا بسيادة روسيا عليها.
وتؤكد روسيا على ضرورة تقديم ضمانات أمنية، سبق أن طرحتها عامي 2021 و2022، ولا تزال متمسّكة بها.
في المقابل، يُوافق ترامب على الضمانات الأمنية التي تطالب بها روسيا، وقد صرّح بأن أصل الأزمة يعود إلى سعي أوكرانيا للانضمام إلى الناتو، محمّلًا الرئيسين جو بايدن وفولوديمير زيلينسكي مسؤولية اندلاع الحرب.
ورغم تأكيده على إمكانية إنهاء الحرب بسرعة، أشار ترامب إلى وجود عقبات كثيرة، خاصة من الجانب الأوروبي، الذي يسعى إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وهو أمر أكّد ترامب أنه غير ممكن.
أما في ما يتعلق بخيار تجميد النزاع، فتحدث بوش عن رفض روسيا هذا الخيار كحل دائم، 'لكنها قد تقبل به موقّتًا في إطار مفاوضات جادة. إلا أن موسكو تبدي حذرًا بالغًا، مستندة إلى تجربتها السابقة مع اتفاقيات 'مينسك'، التي استُخدمت – بحسب اعتراف المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند – كغطاء لإعادة تسليح الجيش الأوكراني بدلاً من الالتزام بتسوية سلمية. لهذا، تصرّ روسيا اليوم على أفعال ملموسة بدلاً من الوعود الكلامية، وترفض تكرار ما تعتبره خديعة سياسية'.
وختم بوش بالقول: 'مع استمرار المفاوضات والضغوط الدولية، من المتوقع أن يشهد عام 2025 بداية لنهاية الصراع في أوكرانيا. فرغم التعقيدات، لا يبدو الأفق مسدودًا بالكامل، بل تبقى الحلول ممكنة وقائمة.'
وأضاف أن 'أحد أبرز السيناريوهات المطروحة هو إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا تؤدي إلى خسارة زيلينسكي وخروجه من المشهد السياسي، وهو خيار يحظى بدعم ترامب. غير أن العقبة الأساسية تكمن في تمسّك الأوروبيين بزيلينسكي، في محاولة لمنع روسيا من تحقيق نصر سياسي واضح.'
وختم قائلاً: 'رغم ذلك، ستستمر المفاوضات ولن تصل إلى طريق مسدود، لأن البديل سيكون الانزلاق إلى حرب أوسع لا يرغب بها لا الروس ولا الأميركيون، وحتى الدول الأوروبية، التي تعاني من أزمات اقتصادية وتراجع في صناعاتها الدفاعية، غير قادرة على خوض مثل هذا التصعيد'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 3 أيام
- الرأي
اغتيال مسؤول أوكراني سابق مقرّب من روسيا قُرب مدريد
- بوتين زار منطقة كورسك اُغتيل أندري بورتنوف، النائب والمساعد السابق لكبير موظفي الرئاسة الأوكرانية في عهد فيكتور يانوكوفيتش المقرّب من روسيا، بإطلاق النار عليه أمام مدرسة يرتادها أولاده قُرب مدريد. وأفاد مصدر في الشرطة، بأن «الضحية أُصيب برصاصات عدة بينما كان يهم بركوب سيارة. أطلق عدد من الأشخاص النار عليه في الظهر والرأس قبل الفرار الى منطقة حرجية» في بوسويلو دي ألاركون. من ناحية ثانية، قام الرئيس فلاديمير بوتين، الثلاثاء، بزيارة مفاجئة لمنطقة كورسك الحدودية، والتي أعلنت روسيا تحريرها من القوات الأوكرانية في نهاية أبريل الماضي. وأفاد الكرملين بأن بوتين زار موقع بناء محطة الطاقة النووية «كورسك-2». وبثت قناة روسيا 24 التلفزيونية العامة صوراً للقاء بين بوتين ومتطوعين، حول طاولة كبيرة وهم يتناولون الشاي والسكاكر.


الجريدة
منذ 3 أيام
- الجريدة
بوتين يزور كورسك لأول مرة منذ استعادتها
لأول مرة منذ استعادتها مع نهاية أبريل، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأول، منطقة كورسك، التي اجتاحتها القوات الأوكرانية في أغسطس 2024، والتقى حاكمها بالإنابة، ألكسندر خينشتين، وممثلي منظمات تطوعية، بحسب «الكرملين» أمس. وبثت قناة روسيا 24 صوراً للقاء بين بوتين ومتطوعين، حول طاولة كبيرة وهم يتناولون الشاي وسكاكر. وخلال زيارته النادرة، اجتمع الرئيس الروسي أيضاً مع مسؤولي البلديات المحلية في كورتشاتوف، حيث تقع محطة كورسك للطاقة النووية، وفقاً لبيان «الكرملين». كذلك، زار موقع بناء محطة الطاقة النووية «كورسك -2». وفيما اتهم بوتين القوات الأوكرانية بمواصلة «محاولات عبور الحدود يومياً»، عبّر خينشتين عن قلقه من انتشار العبوات الناسفة، مشيراً إلى أن «عملية إزالة الألغام» تجري حالياً، ويتم العثور على العشرات يومياً. كذلك، اقترح إنشاء متحف مخصص «للأحداث التي وقعت بمنطقة كورسك في عامَي 2024 - 2025» من أجل «الحفاظ على ذكرى ما جرى هنا، وذكرى بطولة المدافعين عنّا وسكاننا»، وهي فكرة حظيت بدعم بوتين. وشكّل دخول القوات الأوكرانية في صيف عام 2024 إلى كورسك إحراجاً كبيراً لـ «الكرملين». وتشكّل هذه الزيارة مؤشراً إلى عودة الثقة للقوات الروسية، التي باتت تهدد منطقة سومي الأوكرانية المقابلة لها. إلى ذلك، رفض المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، أمس، اتهامات أوكرانيا ودول أوروبية بسعي بوتين إلى إطالة أمد عملية السلام، مؤكداً أنه لم يُتخذ قرار بعد بشأن مكان انعقاد الجولة المقبلة. وأكد بيسكوف أن معظم العمل على مذكرة التفاهم بين روسيا وأوكرانيا «يتم بشكل سري»، مشيراً إلى أن قائمة الشروط سيتم إعدادها من الطرفين بشكل منفصل. بدوره، توقّع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن تعرض روسيا «خلال أيام» شروطها لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا.


المدى
منذ 4 أيام
- المدى
بوتين يزور مقاطعة كورسك لأول مرة بعد تحريرها التام
قام الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجولة عمل إلى مقاطعة كورسك في غرب البلاد وأجرى هناك سلسلة من اللقاءات، حسبما أفاد الكرملين اليوم الأربعاء. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الزيارة، إن 'العدو لا يزال يحاول التحرك نحو الحدود الروسية'. وقال الكرملين إنه خلال جولته التي جرت أمس الثلاثاء، التقى الرئيس بممثلي المنظمات التطوعية، كما اجتمع مع القائم بأعمال حاكم مقاطعة كورسك ألكسندر خينشتاين. وفي مدينة كورتشاتوف عقد بوتين اجتماعا مع رؤساء بلديات المقاطعة، كما قام الرئيس بزيارة محطة كورسك-2 للطاقة النووية التي يجري إنشاؤها. وأشار بوتين خلال زيارته التي تعتبر الأولى من نوعها منذ تحرير كورسك بشكل كامل من القوات الأوكرانية، إلى إن العدو لا يزال يحاول التحرك نحو حدود روسيا.