
انطلاق مقرأة كبار القراء برواية البزي بمسجد السيدة زينب غدًا
في إطار رعاية وزارة الأوقاف بالقرآن الكريم روايةً وتجويدًا وأداءً، تُنظم الوزارة مقرأة كبار القراء برواية البزي عن ابن كثير من طريق الشاطبية، وذلك غدًا الثلاثاء الموافق 1 يوليو 2025م، في تمام الساعة العاشرة صباحًا، بمسجد السيدة زينب -رضي الله عنها- بالقاهرة.
يرأس المقرأة الدكتور عبد الكريم صالح، رئيس لجنة مراجعة وطباعة المصحف الشريف بالأزهر، وتضم في عضويتها نخبة من كبار القراء والعلماء، وهم: القارئ الدكتور أحمد نعينع، والقارئ الشيخ طه النعماني، والقارئ الشيخ أحمد تميم المراغي، والقارئ الشيخ محمد فاروق أبو الخير، والقارئ الشيخ فتحي خليف، والقارئ الشيخ كارم الحريري، والقارئ الشيخ يوسف حلاوة، والقارئ الشيخ محمود محمد الصعيدي.
وتأتي هذه الفعاليات المباركة في سياق جهود وزارة الأوقاف لنشر علوم القرآن الكريم، وتعميق الوعي بقواعد الأداء القرآني برواياته المختلفة، وربط الجمهور بنخبة من علماء القراءات والتجويد في رحاب بيوت الله.
والدعوة عامة ومفتوحة لجميع محبي القرآن الكريم لحضور هذا المجلس العلمي القرآني المتميز.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الزمان
منذ 34 دقائق
- الزمان
إلهام شرشر تكـــتب: دروس الهجرة نبراس فى ظلمة المحنة
ما من شكٍّ أن الهجرة النبويةالشريفة ليست مجرد انتقالٍ جغرافى من مكة المكرمة إلى المدينة التى نُوّؤت بحلول سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فيها، بل كانت ولا تزال لحظةً مفصليةً فى تاريخنا الإسلامى فهى تعكس عمق الصراع بين الحق والباطل، وقوة الصبر والإرادة فى وجه الظلم والطغيان. حقًّا، إنها لحظة تشكّلت فيها كل ملامح المشروع الإسلامى الأول، وتحركت فيها الدعوة من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين. لقد وقف التاريخ أمام الهجرة المشرفة ليشهد أسمى معانى التحدى والمواجهة، فقد قضى الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم- أكثر من ثلاث عشرة سنة فى مكة، يدعو إلى التوحيد، ويقاوم الجاهلية بكل أشكالها وصورها الممقوتة،متحملًا وأصحابه فى سبيل تلك الدعوة كل أصناف التنكيل، والحصار الاقتصادى والاجتماعي، والاعتداءات اللفظية والجسدية، وصولًا إلى المقاطعة العامة التى شكلته وأصحابه ومن تعاطف معهم، فلم يتزوجوا منهم ولم يبيعوا لهم، أو يبتاعوا منهم، وازداد الكرب واشتدت المضايقات......لكن الحبيب صلى الله عليه وسلم لم ييأس رغم كل ذلك، ولم تتراجع عزيمته، بل ظل يبحث عن متنفسٍ للدعوة، وأخذ يعرض نفسه على القبائل فى مواسم الحج، ويذهب إلى الطائف رغم ما لاقاه من أهلها الذين أغروا صبيانهم ليخرجوا فى إثره صلى الله عليه وسلم، يسبونه ويشتمونه ويضربونه بالحجارة حتى سالت الدم من قدميه الشريفتين. ورغم ضراوة المكر القُرشى وكثافته كما وصفه القرآن فى قوله: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، إلا أن الهجرة والتحرك نحو المدينة لم يكن عشوائيًّا، بل كانت خطة الهجرة دقيقةً ومدروسةً بأعلى مستويات الحذر والحكمة؛ إذ بدأت بتجهيز الراحلتين عند عبد الله بن أُريقط، واستمرار أبى بكر فى شراء الناقتين سرًّا، ونوم الإمام على بن أبى طالبٍ فى فراش حضرة النبى – صلى الله عليه وسلم- تضحيةً وفداءً لرد الأمانات إلى أهلها، وإيهام المشركين بأن النبى لا يزال فى منزله، كل هذه كانت إشاراتٌ إلى أن النصر لا يتحقق بمجرد التوكُّل، إذ التوكل دون أخذٍ بالأسباب ليس توكلًا، بل هو تواكل، وإنما التوكُّل الحقيقى هو ما رأيناه من تخطيطٍ نبوى للهجرة الشريفة، فقد أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم اعتد على مسبب الأسباب كأن الأسباب لا شيء. إنها حقًا أنموذجٌ حقيقى للتخطيط المحكم والعمل الجماعي، فقد شارك فى خطة الهجرة المباركة رجالٌ ونساء، شبابٌ وشيوخ.... كانت أسماء بنت أبى بكر تحمل الطعام إلى سيدنا صلى الله عليه وسلم، وكان عبد الله بن أبى بكر بمثابة الشفير بمفهومنا العصر، إذ كان ينقل الأخبار والمعلومات إلى رسول الله وصاحبه، وكان عامر بن فُهيرة يمحو آثار الأقدام فى صورةٍ توضح عمق التنظيم ودقة التنسيق/ جنى إن المؤرخين قد وصفوا ذلك بأنّه "أول جهاز استخبارات فى التاريخ الإسلامي"، يقوم على توظيف كافة الموارد البشرية المتاحة لخدمة دين الله. إن الدرس الأهم الذى ينبغى أن نخرج به من هذه الرحلة المباركة التى سجلها التاريج ودونها كتاب الله العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو عدم العشوائية، لاسيما فى الأمور الدعوية، فالعمل الدعوى والقيادى لا ينبغى أن يقوم بالعشوائية، ولا ينمو فى بيئة الفوضى، بل يحتاج إلى وعيٍ وإدراك وتوزيعٍ للأدوار، واستغلالٍ أمثل للطاقات والكوادر البشرية، كلٌّ فى موقعه، وهذه ليست دروس رتبط بالماضى فقط، بل باتت أمتنا اليوم ففى حاجةٍ ماشّةٍ إليها، لاسيما فى هذا التوقيت الفارق التى تواجه الأمة خلاله ألوانًا جديدةً من التحديات. نعم لا عشوائية فى الأعمال الدعوية، فالهجرة رغم أنها كانت قرارًا مصيريًّا اتخذه النبى صلى الله عليه وسلم بعين الإيمان، إلا أنه نفّذه بكل أسباب الحكمة والتخطيط دون انتظارٍ لمعجزةٍ إلهية تتنزل عليه، بل أخذ بالأسباب وبذل جهده، ثم توكل على مواته، حتى نتعلم ونغرس فى أجيالنا الجديدة أن التوكل لا يعنى السكون، وأن الإرادة لا تتعارض مع الحكمة. لنتعلم أن ما تواجهه المجتمعات الإسلامية من ضغوطٍ وتحدياتٍ وأزماتٍ معاصرة، يتطلب منا العودة إلى تلك الروح النبوية، التى توازن بين العقيدة والعقل، بين الثبات والتدبير، فكما أن النبى المصطفى لم يكن يخطو خطوةً إلا بترتيبٍ وحساب، فعلينا كذلك أن نبنى خططنا التنموية والفكرية بنفس الروح التى علّمنا إياها رسول الله حين خطط ونفّذ، كما علينا أن نُعدّ لكل مرحلة عدّتها، وأن نستوعب أن الهجرة ليست مجرد احتفالٍ سنويّ بالذكرى، بل هى بداية التمكين فى المدينة، وأن التأسى بها والعمل على دربها إنما هو بدايةٌ جديدةٌ لكل من أراد النهضة من وسط الركام، وشقّ طريقه فى عالمٍ يموج بالفتن والتحديات والجحود والنكران. نكتفى بهذا القدر، سائلين الملك العلّاك، أن ينعم علينا بالطاعة والإيمان، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان، وأن يجمعنا على حوض نبينا العدنان، عليه أفضل الصلوات وأتم السلام. ســـــــــــــــيرة الحـــــــــــبيب (ﷺ) فى المدينة المنوّرة، حيث التعددية فى الأديان، والعيش فى كنف عهدٍ دستوريٍّ جامع، لم يكن يدور فى خلد أحدٍ أن تنقلب الطائفة التى وقّعت وثيقة السلم، إلى خنجرٍ يُشهر فى ظهر المسلمين... لكن على أية حال عزاؤنا أن التاريخ لا يرحم المتلاعبين بالعهود، ولا يشهد للغادرين سوى بالسقوط فى مزابل النفاق، وها هى سورة الحشر تكشف عن حدثٍ سياسى عسكرى عظيم ألا وهو غزوة بنى النضير، التى لم تكن مجرد واقعة عابرة فى التاريخ الإسلامى أو السيرة النبوية، بل كانت لحظة فارقة تكشّفت فيها وجوه الخيانة، وسقطت خلالها الأقنعة، حيث ظهر المنافقون على حقيقتهم، وتجلّى العدل الإلهى فى التعامل مع الغدر وأهله. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فالمتأمل فى أحداث السيرة النبوية أو التاريخ الإسلامى يكاد يقول بلسان حاله قبل مقاله: ما أشبه الليلة بالبارحة، حين يرى ما تمر به أمتنا الإسلامية، وحين يرى يرى الخيانة تلبس ثوب الاتفاق، فقد كان يهود بنى النضير يسكنون أطراف المدينة، وينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عهدٌ وميثاق، لكن أنّى لهم أم يتغيروا أو ينفكّوا عن طبيعتهم الغادرة؟!!!!!!!! إنهم – كعادتهم-ما لبثوا أن خانوا العهد، وراحوا يدبّرون المكائد سرًا، ويتحينون الفرصة حتى سنحت بالفعل حين قُتل رجلان من بنى عامر خطأ، فذهب النبى - صلى الله عليه وسلم- إلى بنى النضير ليطلب منهم أداء الدية، التزامًا بما تم الاتفاق عليه فى الميثاق. لقد تظاهروا حينها بالموافقة، لكنهم كانوا يُضمرون الغدر، فقد تسلل أحدهم إلى سطح الدار بحجرٍ يريد إسقاطه على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا أن الله سبحانه أنبأ نبيه وحبيبه بما يُحاك ضده، فقام مسرعًا، وعاد إلى المدينة، وقد انكشفت النوايا...... وهنا سقط القناع وبدأ الحصار، فحين سقطت المجاملات وظهرت الحقيقة جليّةً واضحةً فى العداء الدفين، والخيانة المبيتة.... لم يكن أمام النبى - صلى الله عليه وسلم- خيارٌ سوى محاصرتهم، لا بدافع الانتقام، فلم يكم - صلى الله عليه وسلم- له غليلٌ يُشفى، بل حاصرهم حفاظًا على أمن المدينة وحرمة العهد الذى لم يراعوا حرمته. حُوصِر فى حصونهم، واشتد الرعب فى قلوبهم حين خذلهم من وعدهم بالنصرة من المنافقين، فاستسلموا دون قتال، لكنهم شرعوا فى هدم بيوتهم بأيديهم قبل الخروج منها، فى مشهدٍ عجيبٍ يسجّله القرآن: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ}، كناية عن سقوطهم المادى والمعنوي، وهزيمتهم الداخلية قبل أن تهزمهم سيوف الإسلام. وهنا درس بضرورة الحذر، فلم يكن غدر بنى النضير بمعزل عن شبكة الخيانة الأوسع، إذ كان المنافقون فى المدينة هم من يعد ويمنّى، ويقوقون لغيرهم كما حكى القرآن: "لئن أُخرجتم لنخرجنّ معكم"، لكنهم فى لحظة المواجهة تراجعوا، وأظهروا وجههم الحقيقي، ففَضح القرآن هذه الوجوه المتلونة، وكشف زيف الشعارات التى تتساقط عند أول اختبار. من هذه الغزوة نتعلم القسمة العادلة التى يحيطها معيار الإيمان، فقد جاءت سورة الحشر لا لتسرد الحدث سردًا تاريخيًّا فحسب، بل لتمنحنا عدسةً ربانية نقرأ من خلالها طبيعة الصراع بين الحق والباطل، بين الثبات والخيانة، إذ تحدثت عن الرعب الذى قذفه الله فى قلوب بنى النضير، وعن سوء ظنهم بحصونهم، وعن وعد المنافقين الذى تبيّن أنه كان سرابًا، وتسلط الضوء على مفهوم "الفيء"، والغنائم التى لم تُؤخذ بسيف، بل كانت ناتجة عن انهيار العدو معنويًا، وكيف كان توزيعه، إذ وزّعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- على المستحقين: الفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم ابتغاء مرضاة الله، والأنصار الذين آووا ونصروا، وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. كما علينا أن ننتبه، فقد رسم القرآن لنا البوصلة، حين لفتت سورة الحشر أنظارنا بأن التعايش لا يكون مع من يضمر العداء، وأن الحزم مع الغادرين ليس خروجًا عن الرحمة، بل حفظٌ للعدالة وصونٌ للمجتمع.فهلا اعتبرنا بمثل هذه الأحداث التى تثبت يومًا بعد يومٍ أن التاريخ ليس روايةً تُروى، بل عبرة تُتّقى، وأن القرآن لم ينزل ليؤرخ، بل ليُهذّب ويقوّم ويرشد؟!!! أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أولى الألباب المعتبرين، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم.
![إلهــام شرشر تكتب: قصة عيسى بن مريم [عليهما السلام]](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fadmin.elzmannews.com%2Fimg%2F25%2F07%2F01%2F506344_W.webp&w=3840&q=100)
![إلهــام شرشر تكتب: قصة عيسى بن مريم [عليهما السلام]](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fstatic-mobile-files.s3.eu-central-1.amazonaws.com%2Felzmannews.png&w=48&q=75)
الزمان
منذ 37 دقائق
- الزمان
إلهــام شرشر تكتب: قصة عيسى بن مريم [عليهما السلام]
من معجزات المسيح عليه السلام، الباهرة التى أيده الله تعالى بها وأثبت بها صدق نبوته ورسالته، إلى ذاكرة التاريخ، التى تسكن فيها صورٌ مشحونةٌ بالدموع والألم والدهشة، ولا يكاد أحد يمرّ بها دون أن يشعر بقشعريرةٍ فى وجدانه، أو رعشةٍ فى أعماق روحه، وعلى رأس هذه الصور العظيمة التى خلدها القرآن الكريم، تتجلّى لنا مأساة المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام- مع قومه، الذيم كانوا جحدةً جفاة، غلاظ الأكباد، قست قلوبهم فصارت كالحجارة أو أشد قسوة، حتى بلغ الأمر بهم أم كانوا فى تكذيبهم لا يفرقون بين نبيٍّ صادقٍ ومفتَرٍ كذّاب، كانوا يكذّبون الحق إذا خالف هواهم، ويقتلون الأنبياء إن عارضوا سلطانهم. إننا اليوم فى رحلة تأملٍ مطوّلة مع تلك اللحظة الفاصلة من سيرة المسيح عليه السلام، لاسيما وأننا نتأمل اليوم تكذيب قومه إياه، ومؤامرتهم على قتله، ومحاولتهم صلبه، كما نقف إن سنحت المساحة مع نهايته المشرقة التى شاءها الله تعالى –على عكس إرادتهم ومشيئتهم - فرفع نبيه إليه، ونجّاه من براثن الغدر، وأبقى ذكره طيّبًا إلى يوم الدين. لقد كان المسيح عيسى - عليه السلام- آيةً من آيات الله فى خلقه، وبلاغًا واضحًا لا يحتاج إلى بلاغ، إذ وُلد من غير أب، فكان ظهوره إعلانًا للعالم أن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه لا تقف أمام قدرته وإرادته سننٌ ولا أعراف.... كيف لا يكون إعلامًا للعالم كله، وقد بشرت الملائكة أمه الطاهرة به، فكانت البشارة ملائكية؟!!!!!!! كيف لا يكون بلاغًا ودليلًا على قدرة الله ووحدانيته، وقد أنطقه الله وهو رضيع؟؟!!! كما حكى القرآن الكريم على لسان عيسى عليه السلام وهو فى مهده، فقال: {إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا}. ها هو عيسى عليه السلام يشبّ فى كنف الطهر والنقاء، ويؤتيه الله العلم والحكمة والمعرفة فيبهر العقول، وينطق بكلمة الله فى بنى إسرائيل فيدعوهم إلى التوحيد، ويجدّد فيهم روح الشريعة، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، إلى الإيمان والعمل، إلى الرحمة والعدل، إلى الإخلاص والتواضع....... ورغم كل هذه الآيات والدلالات، ورغم هذه الدعوة السماوية التى أيدها الله بمعجزاتٍ لا يملك أمامها القلب إلا أن يخشع، والعقل إلا أن ينحني، تبقى المفاجأة الكبرى أن هؤلاء القوم قد قابلوا نبيّهم بالتكذيب، وبدل أن يفرحوا بالنور الذى أتى إليهم، أشاحوا بوجوههم، وأغمضوا أعينهم، ووضعوا أصابعهم فى آذانهم، ثم أشعلوا نيران الحسد والكراهية، ومكروا مكرًا كبيرًا. لكننا نتعلم من هذه القصة المباركة أن المكر لا يولد من فراغ وإنما يولد من رحم الصراع؛ إذ كان الزمان زمان استعمار، وكانت الغلبة فى أرض قومه تتأرجح بين الحكام والكهنة الذين انحرفوا بمساراتهم فضلّوا وأضلوا، الأمر الذى كان من الضرورى معه أن يأتى المسيح – عليه السلام- فى هذا الجو الملبد بالخرافات، والانحرافات العقدية، برسالةٍ التوحيد الصافية، التى كانت مزلزِلةً لهؤلاء فقد هُدّت معها أركان الزيف، وانتزعت القداسة من كهنةٍ استعبدوا الناس باسم الدين. وبهذا يكون قد تبدّى لنا بوضوح سر حملة التشويه والتكفير التى أقاموه ضده، فاتهموه بالكذب والضلال، وطعنوا فى عرض أمه الطاهرة، ثم بدأوا يتآمرون، ويتقربون إلى الرومان، ويوغرون صدورهم ضده، حتى صاروا يحرضون على إعدامه بتهمة التمرّد على سلطة الإمبراطورية. وهنا وفى المحن تظهر معادن الرجال، فها هم الحواريون تظهر معادنهم فى تلك اللحظة الفارقة، فمع زحمة الإنكار والتكذيب، وفى خضم الخوف والبطش، إذ بنورٍ خافتٍ يُشرق فى قلب الظلام، عندما تقدم نفر من بنى إسرائيل، عرفوا الحق، ولامس نور الرسالة أرواحهم، فآمنوا بعيسى وآزروه، وقالوا من قلوبهم {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. إنهم صفوة الصفوة، الذين ثبتوا حين انهار الناس، وجاهروا بالإيمان حين اختبأ الناس خلف مصالحهم..... كانوا قلةً فى العدد، عظماء فى المدد، مواقفهم تُسجّل بمداد الذهب، لأنها تنبع فى أحلك الظروف وأشد الأوقات حاجةً إلى مثل هذه المواقف. لقد اختارهم الله ليكونوا عونًا لنبيه عيسى عليه السلام فى أصعب مراحل الدعوة/ لكنهم –رغم صدقهم– لم يكونوا يملكون القوة الكافية لردع مؤامرةٍ تنسجها نخبة دينية مخضرمة، وتحظى بدعم سياسى مدعوم بكل أنواع الدعم. إلى هنا نكتفى لنستأنف الحديث فى المرة القادمة، حول المؤامرة، وقضية الصلب، لماذا يقولون بصلب المسيح؟؟؟ وكيف شُيّه لهم كما حكى القرآن؟؟؟؟؟ هذا ما سنتوقف معه فى العدد القادم، إن قدّر الله البقاء واللقاء. رسالة الأبرار " 171" قيام الليل مهر الحور إذ كانت قراءة القرآن الكريم عملةً حقيقيةً تعدل مهر الحور العين، جزاءً وعطاءً من رب العالمين، وتفضُّلًا منه على عباده المحبين لكلامه المجيدين لأحكامه والتالين، وتحقيقًا لبشرى سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلوات والتسليم، فكذلك فضل التهجد وقيام الليل، من عرف فضله وثوابه تأبى عيناه أن تنام وتأبى قدماه الرقود، ولا عجب فأكبر الدلائل والقرائن على أن فضله كبير وثوابه جزيل أن الحبيب المصطفى والنبى المجتبى صلى الله عليه وسلم - رغم أن الله غفر له ما تقدّم من ذنبه- كان يقوم الليل حتى تتورّم قدماه، حتى إن الإمام البوصيرى استفتح باب مدحه صلى الله عليه وسلم فى بردته الشهيرة بقوله: ظلمتُ سنّةَ من أحيا الظلام إلى أن اشتكت قدماه الضُّرَّ من وَرَمِ إنه القيام الذى من راجع التاريخ والسير لمس فيهما حرص الأنبياء والصحابة والأولياء على مر العصور والأزمان عليه، فهو معراج الأرواح، وسبيل رضى الكريم الفتّاح، كيف لا وقد دلّت الأخبار والآثار على ذلك، فقد روى بن سُحْنُون أنه قال: كان بمصر رجلٌ يقال له سعيد، وكانت له أم من المتعبدات، وكانت إذا قام يصلى بالليل تقوم والدته خلفه فإذا غلبه النوم ونعس تناديه والدته يا سعيد إنه لا ينام من يخاف النار، ويخطب الحور الحسان فيقوم مرعوبًا. إنها العزيمةٌ فى أتم صورها وأبهاها، إنه الإقبال على الله قبل أن تأتى التى نشعر معها وكأننا لم نلبث إلا عشيةً أو ضُحاها، إنه القيام الذى تصحبه لذة القلوب، إنه القيام الذى أخبر حبيب العلّام عليه أفضل الصلاة والسلام أنه دأبُ الصالحين، وقربةٌ إلى الله تعالى رب العلمين. إنه القيام الذى يتزامن مع وقت التنزُّل الإلهى ونداء الله على عباده ليقوموا إليه فيسألوه ما أرادوا، ويطلبوا منه ما يحتاجون، فأهله أهل الجنة كما أخبر الحق سبحانه وبلّغ الحبيب المصطفى، فحين سأله سيدنا معاذ: "يا نَبيَّ اللهِ، أخبِرْنى بعملٍ يُدخِلُنى الجنَّةَ، ويُباعِدُنى مِن النَّارِ" قال فيما قال: (وصَلاةُ الرَّجُلِ فى جَوفِ اللَّيلِ، ثُمَّ قَرَأَ: «تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».» أبعد دخول الجنان، والفوز بالنعيم المقيم والحور العين فضل؟!!! القيام مفتاح أبواب الجنان وسبيل الفوز بالحور العين، يُروى عن ثابت أنه قال: كان أبى من القوَّامين الله فى سواد الليل، قال: رأيت ذات ليلة فى منامى امرأة لا تشبه النساء، فقلت لها: من أنت؟ فقالت حوراء أمة الله، فقلت لها: زوجينى نفسك فقالت له: اخطبنى من عند ربك وأمهرني، فقلت لها: وما مهرك؟ فقالت: طول التهجد. وأنشدوا: يا خاطب الحوراء فى خدرها … وطالبًا ذاك على قدرها انهض بجد لا تكن وانيًا … وجاهد النفس على صبرها وجانب الناس وارفضهم … وخالف الوحدة فى ذكرها وقم إذا الليل بدا وجهه … وصم نهارًا فهو من مهرها فلو رأيت عيناك إقبالها … وقد بدت رمانتا صدرها وهى تماشى بين أترابها … وعقدها يشرق فى نحرها لهان فى نفسك هذا الذى … تراه فى دنياك من زهرها كما رُوى عن يحيى بن عيسى بن ضرار السعدى وكان قد بكا شوقًا إلى الله ستين عامًا، قال: رأيت كأن ضفة نهر تجرى بالمسك الأذفر، حافاته شجر اللؤلؤ وينبت من قصبان الذهب فإذا بِحور مزينات يقلن بصوتٍ واحد: سبحان المُسَبَّح بكل لسان، سبحان الموجود بكل مكان، سبحان الدائم فى كل زمان، سبحانه سبحانه، قال فقلت: من أنتن؟ قلن: خلق من خلق الله سبحانه، فقلت: ما تصنعن هنا؟ فقلن: ذرانا إله العرش رب محمد … لقوم على الأقدام بالليل قُوّم يناجون ربّ العالمين إلههم … وتسرى هموم القوم والناس نوّم فقلت: بخٍ بخٍ لهؤلاء من هؤلاء لقد أقر الله أعينهم؟ فقلن: أما تعرفهم؟ فقلت: والله لا أعرفهم قلن: فإن هؤلاء المتهجدون بالليل أصحاب السهر جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن ومن أهل القيام، الذين يتعبدون بالقيام ويقيمون بالقرآن والناس نيام، طمعًا فى رضى الرحمن، والفوز بشفاعة النبى العدنان عليه أفضل الصلوات والسلام. دمتم فى رعاية الله وأمانه


الزمان
منذ 39 دقائق
- الزمان
رئيسة التحـرير تكـــتب: دروس الهجرة نبراس فى ظلمة المحنة
ما من شكٍّ أن الهجرة النبويةالشريفة ليست مجرد انتقالٍ جغرافى من مكة المكرمة إلى المدينة التى نُوّؤت بحلول سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فيها، بل كانت ولا تزال لحظةً مفصليةً فى تاريخنا الإسلامى فهى تعكس عمق الصراع بين الحق والباطل، وقوة الصبر والإرادة فى وجه الظلم والطغيان. حقًّا، إنها لحظة تشكّلت فيها كل ملامح المشروع الإسلامى الأول، وتحركت فيها الدعوة من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين. لقد وقف التاريخ أمام الهجرة المشرفة ليشهد أسمى معانى التحدى والمواجهة، فقد قضى الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم- أكثر من ثلاث عشرة سنة فى مكة، يدعو إلى التوحيد، ويقاوم الجاهلية بكل أشكالها وصورها الممقوتة،متحملًا وأصحابه فى سبيل تلك الدعوة كل أصناف التنكيل، والحصار الاقتصادى والاجتماعي، والاعتداءات اللفظية والجسدية، وصولًا إلى المقاطعة العامة التى شكلته وأصحابه ومن تعاطف معهم، فلم يتزوجوا منهم ولم يبيعوا لهم، أو يبتاعوا منهم، وازداد الكرب واشتدت المضايقات......لكن الحبيب صلى الله عليه وسلم لم ييأس رغم كل ذلك، ولم تتراجع عزيمته، بل ظل يبحث عن متنفسٍ للدعوة، وأخذ يعرض نفسه على القبائل فى مواسم الحج، ويذهب إلى الطائف رغم ما لاقاه من أهلها الذين أغروا صبيانهم ليخرجوا فى إثره صلى الله عليه وسلم، يسبونه ويشتمونه ويضربونه بالحجارة حتى سالت الدم من قدميه الشريفتين. ورغم ضراوة المكر القُرشى وكثافته كما وصفه القرآن فى قوله: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، إلا أن الهجرة والتحرك نحو المدينة لم يكن عشوائيًّا، بل كانت خطة الهجرة دقيقةً ومدروسةً بأعلى مستويات الحذر والحكمة؛ إذ بدأت بتجهيز الراحلتين عند عبد الله بن أُريقط، واستمرار أبى بكر فى شراء الناقتين سرًّا، ونوم الإمام على بن أبى طالبٍ فى فراش حضرة النبى – صلى الله عليه وسلم- تضحيةً وفداءً لرد الأمانات إلى أهلها، وإيهام المشركين بأن النبى لا يزال فى منزله، كل هذه كانت إشاراتٌ إلى أن النصر لا يتحقق بمجرد التوكُّل، إذ التوكل دون أخذٍ بالأسباب ليس توكلًا، بل هو تواكل، وإنما التوكُّل الحقيقى هو ما رأيناه من تخطيطٍ نبوى للهجرة الشريفة، فقد أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم اعتد على مسبب الأسباب كأن الأسباب لا شيء. إنها حقًا أنموذجٌ حقيقى للتخطيط المحكم والعمل الجماعي، فقد شارك فى خطة الهجرة المباركة رجالٌ ونساء، شبابٌ وشيوخ.... كانت أسماء بنت أبى بكر تحمل الطعام إلى سيدنا صلى الله عليه وسلم، وكان عبد الله بن أبى بكر بمثابة الشفير بمفهومنا العصر، إذ كان ينقل الأخبار والمعلومات إلى رسول الله وصاحبه، وكان عامر بن فُهيرة يمحو آثار الأقدام فى صورةٍ توضح عمق التنظيم ودقة التنسيق/ جنى إن المؤرخين قد وصفوا ذلك بأنّه "أول جهاز استخبارات فى التاريخ الإسلامي"، يقوم على توظيف كافة الموارد البشرية المتاحة لخدمة دين الله. إن الدرس الأهم الذى ينبغى أن نخرج به من هذه الرحلة المباركة التى سجلها التاريج ودونها كتاب الله العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو عدم العشوائية، لاسيما فى الأمور الدعوية، فالعمل الدعوى والقيادى لا ينبغى أن يقوم بالعشوائية، ولا ينمو فى بيئة الفوضى، بل يحتاج إلى وعيٍ وإدراك وتوزيعٍ للأدوار، واستغلالٍ أمثل للطاقات والكوادر البشرية، كلٌّ فى موقعه، وهذه ليست دروس رتبط بالماضى فقط، بل باتت أمتنا اليوم ففى حاجةٍ ماشّةٍ إليها، لاسيما فى هذا التوقيت الفارق التى تواجه الأمة خلاله ألوانًا جديدةً من التحديات. نعم لا عشوائية فى الأعمال الدعوية، فالهجرة رغم أنها كانت قرارًا مصيريًّا اتخذه النبى صلى الله عليه وسلم بعين الإيمان، إلا أنه نفّذه بكل أسباب الحكمة والتخطيط دون انتظارٍ لمعجزةٍ إلهية تتنزل عليه، بل أخذ بالأسباب وبذل جهده، ثم توكل على مواته، حتى نتعلم ونغرس فى أجيالنا الجديدة أن التوكل لا يعنى السكون، وأن الإرادة لا تتعارض مع الحكمة. لنتعلم أن ما تواجهه المجتمعات الإسلامية من ضغوطٍ وتحدياتٍ وأزماتٍ معاصرة، يتطلب منا العودة إلى تلك الروح النبوية، التى توازن بين العقيدة والعقل، بين الثبات والتدبير، فكما أن النبى المصطفى لم يكن يخطو خطوةً إلا بترتيبٍ وحساب، فعلينا كذلك أن نبنى خططنا التنموية والفكرية بنفس الروح التى علّمنا إياها رسول الله حين خطط ونفّذ، كما علينا أن نُعدّ لكل مرحلة عدّتها، وأن نستوعب أن الهجرة ليست مجرد احتفالٍ سنويّ بالذكرى، بل هى بداية التمكين فى المدينة، وأن التأسى بها والعمل على دربها إنما هو بدايةٌ جديدةٌ لكل من أراد النهضة من وسط الركام، وشقّ طريقه فى عالمٍ يموج بالفتن والتحديات والجحود والنكران. نكتفى بهذا القدر، سائلين الملك العلّاك، أن ينعم علينا بالطاعة والإيمان، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان، وأن يجمعنا على حوض نبينا العدنان، عليه أفضل الصلوات وأتم السلام. ســـــــــــــــيرة الحـــــــــــبيب (ﷺ) فى المدينة المنوّرة، حيث التعددية فى الأديان، والعيش فى كنف عهدٍ دستوريٍّ جامع، لم يكن يدور فى خلد أحدٍ أن تنقلب الطائفة التى وقّعت وثيقة السلم، إلى خنجرٍ يُشهر فى ظهر المسلمين... لكن على أية حال عزاؤنا أن التاريخ لا يرحم المتلاعبين بالعهود، ولا يشهد للغادرين سوى بالسقوط فى مزابل النفاق، وها هى سورة الحشر تكشف عن حدثٍ سياسى عسكرى عظيم ألا وهو غزوة بنى النضير، التى لم تكن مجرد واقعة عابرة فى التاريخ الإسلامى أو السيرة النبوية، بل كانت لحظة فارقة تكشّفت فيها وجوه الخيانة، وسقطت خلالها الأقنعة، حيث ظهر المنافقون على حقيقتهم، وتجلّى العدل الإلهى فى التعامل مع الغدر وأهله. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فالمتأمل فى أحداث السيرة النبوية أو التاريخ الإسلامى يكاد يقول بلسان حاله قبل مقاله: ما أشبه الليلة بالبارحة، حين يرى ما تمر به أمتنا الإسلامية، وحين يرى يرى الخيانة تلبس ثوب الاتفاق، فقد كان يهود بنى النضير يسكنون أطراف المدينة، وينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عهدٌ وميثاق، لكن أنّى لهم أم يتغيروا أو ينفكّوا عن طبيعتهم الغادرة؟!!!!!!!! إنهم – كعادتهم-ما لبثوا أن خانوا العهد، وراحوا يدبّرون المكائد سرًا، ويتحينون الفرصة حتى سنحت بالفعل حين قُتل رجلان من بنى عامر خطأ، فذهب النبى - صلى الله عليه وسلم- إلى بنى النضير ليطلب منهم أداء الدية، التزامًا بما تم الاتفاق عليه فى الميثاق. لقد تظاهروا حينها بالموافقة، لكنهم كانوا يُضمرون الغدر، فقد تسلل أحدهم إلى سطح الدار بحجرٍ يريد إسقاطه على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا أن الله سبحانه أنبأ نبيه وحبيبه بما يُحاك ضده، فقام مسرعًا، وعاد إلى المدينة، وقد انكشفت النوايا...... وهنا سقط القناع وبدأ الحصار، فحين سقطت المجاملات وظهرت الحقيقة جليّةً واضحةً فى العداء الدفين، والخيانة المبيتة.... لم يكن أمام النبى - صلى الله عليه وسلم- خيارٌ سوى محاصرتهم، لا بدافع الانتقام، فلم يكم - صلى الله عليه وسلم- له غليلٌ يُشفى، بل حاصرهم حفاظًا على أمن المدينة وحرمة العهد الذى لم يراعوا حرمته. حُوصِر فى حصونهم، واشتد الرعب فى قلوبهم حين خذلهم من وعدهم بالنصرة من المنافقين، فاستسلموا دون قتال، لكنهم شرعوا فى هدم بيوتهم بأيديهم قبل الخروج منها، فى مشهدٍ عجيبٍ يسجّله القرآن: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ}، كناية عن سقوطهم المادى والمعنوي، وهزيمتهم الداخلية قبل أن تهزمهم سيوف الإسلام. وهنا درس بضرورة الحذر، فلم يكن غدر بنى النضير بمعزل عن شبكة الخيانة الأوسع، إذ كان المنافقون فى المدينة هم من يعد ويمنّى، ويقوقون لغيرهم كما حكى القرآن: "لئن أُخرجتم لنخرجنّ معكم"، لكنهم فى لحظة المواجهة تراجعوا، وأظهروا وجههم الحقيقي، ففَضح القرآن هذه الوجوه المتلونة، وكشف زيف الشعارات التى تتساقط عند أول اختبار. من هذه الغزوة نتعلم القسمة العادلة التى يحيطها معيار الإيمان، فقد جاءت سورة الحشر لا لتسرد الحدث سردًا تاريخيًّا فحسب، بل لتمنحنا عدسةً ربانية نقرأ من خلالها طبيعة الصراع بين الحق والباطل، بين الثبات والخيانة، إذ تحدثت عن الرعب الذى قذفه الله فى قلوب بنى النضير، وعن سوء ظنهم بحصونهم، وعن وعد المنافقين الذى تبيّن أنه كان سرابًا، وتسلط الضوء على مفهوم "الفيء"، والغنائم التى لم تُؤخذ بسيف، بل كانت ناتجة عن انهيار العدو معنويًا، وكيف كان توزيعه، إذ وزّعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- على المستحقين: الفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم ابتغاء مرضاة الله، والأنصار الذين آووا ونصروا، وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. كما علينا أن ننتبه، فقد رسم القرآن لنا البوصلة، حين لفتت سورة الحشر أنظارنا بأن التعايش لا يكون مع من يضمر العداء، وأن الحزم مع الغادرين ليس خروجًا عن الرحمة، بل حفظٌ للعدالة وصونٌ للمجتمع.فهلا اعتبرنا بمثل هذه الأحداث التى تثبت يومًا بعد يومٍ أن التاريخ ليس روايةً تُروى، بل عبرة تُتّقى، وأن القرآن لم ينزل ليؤرخ، بل ليُهذّب ويقوّم ويرشد؟!!! أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أولى الألباب المعتبرين، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم.