
مجلس الوزراء يقلب الطاولة على احتكار العقارات
لم يعد لدى هواة رفع أسعار العقارات خيار الاستمرار في استراتيجياتهم التقليدية بإغلاقها أو الامتناع عن تأجيرها أو بيعها بهدف زيادة قيمتها السوقية وتحقيق مكاسب ضخمة، بينما يعاني المواطنون الباحثون عن مساكن ومحلات تجارية من ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، رغم أنهم يرون الوحدات أمامهم، لكنهم غير قادرين على الحصول عليها بسبب المضاربات العقارية التي أشعلت الأسعار وجعلت السوق أكثر تعقيدًا.
هذه الممارسات التي كانت تُستخدم لتعزيز الأرباح بطريقة غير مباشرة أدت إلى نقص المعروض العقاري، وخلقت تحديًا كبيرًا أمام الباحثين عن أماكن للسكن أو الاستثمار. إدراكًا لهذا الواقع، تحرك مجلس الوزراء السعودي بذكاء لاتخاذ قرار جوهري يعيد ضبط معادلة العرض والطلب ويحد من سيطرة كبار المضاربين العقاريين على السوق، وذلك من خلال تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء لضمان استغلال الأصول العقارية بشكل أفضل، وكبح الاحتكار الذي يؤثر على الأسعار ويحد من فرص تملك المواطنين للعقارات بأسعار مناسبة.
مثل هذه الأرض وغيرها من العقارات الشاغرة أصبحت تشكل تحديًا كبيرًا للسوق العقارية، حيث تؤدي إلى نقص المعروض من الوحدات السكنية والتجارية، وارتفاع الأسعار، وتعطل التنمية الحضرية في المدن الكبرى.
مع مرور الوقت، باتت الحاجة ملحة إلى قوانين تحفز ملاك الأراضي والعقارات الشاغرة على استغلالها أو إعادة ضخها في السوق، مما دفع الحكومة إلى تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء لخلق توازن جديد في السوق العقارية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أصدر مجلس الوزراء السعودي موافقته على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء، في خطوة تهدف إلى تحسين إدارة الأراضي والعقارات الشاغرة داخل النطاق العمراني، وتعزيز كفاءة السوق العقارية من خلال فرض رسوم سنوية وفق آليات واضحة.
هذه التعديلات تأتي استجابة للمتغيرات الاقتصادية، حيث تسعى الحكومة إلى تحفيز الاستثمار العقاري، وضمان توفير معروض كافٍ من الأراضي المطورة، وتقليل الاحتكار الذي يؤثر على الأسعار والطلب العقاري. ووفقًا للتعديلات الجديدة، سيتم فرض رسم سنوي لا يزيد على 10% من قيمة الأرض البيضاء، وفق ضوابط تحددها اللوائح التنظيمية، وسيشمل التطبيق الأراضي المملوكة لأفراد أو شركات، باستثناء عقارات الدولة. كما تم تحديد الحد الأدنى للمساحة الخاضعة للرسوم عند 5,000 متر مربع، لضمان استهداف الأراضي الكبيرة غير المطورة، مما يشجع ملاكها على تطويرها أو الاستفادة منها.
أما بالنسبة للعقارات الشاغرة، فقد نص النظام المعدل على فرض رسوم سنوية بنسبة 5% من قيمة العقار وفق آلية 'أجرة المثل'، مع إمكانية زيادة النسبة إلى 10% بقرار من مجلس الوزراء بناءً على توصية اللجنة الوزارية. هذه الخطوة تهدف إلى معالجة مشكلة العقارات غير المستغلة لفترات طويلة دون مبرر، والتي تؤثر سلبًا على المعروض العقاري، وتحد من توفر المساكن بأسعار مناسبة.
ويتكون النظام الجديد من 15 مادة تتناول تعريفات الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة، ومعايير الإخضاع والإعفاء، وآليات احتساب الرسوم، إضافة إلى ضوابط التهرب من تطبيق النظام وضمان عدالة التنفيذ. وقد حدد النظام العقارات الشاغرة بأنها المباني الواقعة داخل النطاق العمراني التي لم يتم استغلالها لفترة طويلة دون سبب مقبول، بينما تشير الأراضي البيضاء إلى أي أرض فضاء قابلة للتطوير والتنمية داخل حدود المدن.
إلى جانب فرض الرسوم، حدد النظام عقوبات واضحة على المخالفين، حيث يُعاقب من يخالف الأحكام بغرامة مالية لا تتجاوز مقدار الرسم المستحق، مع التزامه بسداد الرسوم، كما يمنح النظام الملاك حق التظلم من قرارات الإخضاع والتقدير خلال 60 يومًا من تاريخ التبليغ عبر القنوات الرسمية المحددة في اللوائح. أما اللوائح التنظيمية التي يجري العمل على إعدادها حالياً، فستتضمن الشروط والضوابط والمعايير اللازمة لتطبيق النظام، بما في ذلك تحديد معايير الإخضاع والإعفاء، وآليات احتساب الرسوم، وطرق تبليغ الملاك أو من في حكمهم، إلى جانب ضوابط منع التهرب وضمان العدالة في التطبيق. كما يحدد النظام مسؤولية المالك في سداد الرسوم أو الغرامات، مع إمكانية التظلم وفق الإجراءات المحددة.
ورغم أن تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء يمثل خطوة مهمة لتنظيم السوق العقارية وتحفيز الاستثمار في تطوير الأراضي والعقارات الشاغرة، إلا أن هناك تحديات جوهرية قد تواجه التطبيق الفعلي للنظام. تحقيق التوازن بين فرض الرسوم وعدم التأثير السلبي على السوق العقارية يعد من أبرز التحديات، حيث قد يؤدي فرض رسوم مرتفعة إلى عزوف بعض المستثمرين عن تطوير مشاريع جديدة أو التأثير على الأسعار في بعض المناطق.
كما أن ضمان الامتثال الكامل للنظام ومنع التهرب من دفع الرسوم يشكل تحديًا كبيرًا، ويتطلب وجود آليات رقابية صارمة لمتابعة تطبيقه وضمان العدالة في التنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون آليات التقدير والتقييم لقيمة العقارات واضحة وشفافة حتى لا يكون هناك مجال للاختلافات أو الاعتراضات المتكررة من قبل الملاك.
أما على مستوى التوصيات، فمن الضروري أن تتبنى الجهات المعنية حملات توعية توضح أهداف النظام وآلية تطبيقه لضمان تفهم الملاك والمستثمرين للقرارات الجديدة، مع تقديم حوافز إضافية للمطورين الذين يسهمون في زيادة المعروض العقاري ويعملون على تطوير أراضيهم وفق احتياجات السوق.
لاشك أن تسريع إصدار اللوائح التنظيمية خلال الفترة الزمنية المحددة سيكون ضروريًا لضمان تنفيذ النظام دون تأخير يؤثر على السوق العقارية، إضافة إلى ضرورة استحداث منصات إلكترونية تتيح متابعة تنفيذ الرسوم، وتقديم الاعتراضات والتظلمات بشكل سلس وشفاف.
بالمحصلة، يبقى نجاح النظام مرهونًا بمدى فعالية تطبيقه وقدرته على تحقيق التوازن المطلوب بين تحفيز الاستثمار العقاري وزيادة المعروض السكني والتجاري، مع ضمان عدالة فرض الرسوم وعدم تأثيرها سلبًا على القطاع العقاري، مما يجعل هذه الخطوة مفصلية في تحقيق التنمية الحضرية المستدامة وفق رؤية 2030.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 18 دقائق
- صحيفة سبق
"بيئة الكامل" تطرح مقترحات لتعزيز الأمن الغذائي في الملتقى الأول لـ"معادن"
شارك مدير مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة الكامل، الدكتور محمود سعيد الغامدي، في الملتقى الأول الذي نظمته شركة التعدين العربية السعودية 'معادن'، برعاية محافظ الكامل، وبحضور عدد من مديري الدوائر الحكومية، وأهالي وأعيان المحافظة. وقدّم مدير مكتب الوزارة بالمحافظة مقترحًا لدراسة إمكانية إنشاء مركز للتدريب والتطوير، يخدم المزارعين ومُربّي الماشية والنحل، إلى جانب طرح مبادرة لدعم إنشاء جمعية تعاونية زراعية نموذجية بالمحافظة؛ بما يعزز التنمية الزراعية المحلية. كما شهد الملتقى مناقشة مفاهيم الشراكة المجتمعية، وطرح عدد من المقترحات التي تسهم في دعم القطاع الزراعي، وتعزيز الأمن الغذائي بالمحافظة. وأكد الدكتور الغامدي استعداد المكتب للتعاون مع شركة 'معادن' وفرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة مكة المكرمة؛ لبحث فرص إقامة مشاريع زراعية مستدامة، تُسهم في دعم الأمن الغذائي، وتتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.


أرقام
منذ 21 دقائق
- أرقام
إقفال طرح شهر مايو ضمن برنامج صكوك المملكة المحلية بمبلغ 4.08 مليار ريال
شعار المركز الوطني لإدارة الدين أعلن المركز الوطني لإدارة الدين الانتهاء من استقبال طلبات المستثمرين على الإصدار المحلي لشهر مايو 2025م ضمن برنامج صكوك حكومة المملكة العربية السعودية بالريال السعودي. وبحسب بيان للمركز، اليوم الثلاثاء، تم تحديد إجمالي حجم التخصيص بمبلغ قدره 4.081 مليار ريال. ووفق البيان الصادر من المركز فقد قسمت الإصدارات إلى أربع شرائح، كما يلي: - بلغ حجم الشريحة الأولى 489 مليون ريال لصكوك تُستحق في عام 2029. - بلغت الشريحة الثانية 1.004 مليار ريال لصكوك تستحق في عام 2032. - بلغت الشريحة الثالثة 1.288 مليار ريال لصكوك تُستحق في عام 2036. - بلغت الشريحة الرابعة 1.300 مليار ريال لصكوك تستحق في عام 2039.


الاقتصادية
منذ 25 دقائق
- الاقتصادية
أسعار الأسمنت في السعودية تصل لأعلى مستوى خلال 12 عاما
سجلت أسعار الأسمنت في السعودية أعلى مستوى لها خلال 12 عاما، بعد ارتفاعها خلال أبريل الماضي 1% على أساس سنوي، ليصل متوسط كيس الأسمنت وزن 50 كيلو عند 14.45 ريال، وفقا لوحدة التحليل المالي في صحيفة "الاقتصادية". يأتي هذا الارتفاع وسط تحسن في أسعار معظم المواد الإنشائية مثل الحديد والخرسانة الجاهزة وكذلك الألمنيوم. الأسعار ظلت خلال العقدين الماضيين متذبذبة في نطاق ضيق بين 12.5 و15 ريالا تقريبا، نتيجة تأثير الدعم الحكومي لهذا القطاع. عوامل الصعود يرتبط الارتفاع الأخير بعدة عوامل، أبرزها انتهاء "حرب الأسعار" التي استمرت لفترة طويلة، بين الشركات العاملة في القطاع، حيث ضغطت هذه الحرب على هوامش الربحية وأبقت الأسعار عند مستويات منخفضة، ومع خروج الشركات من هذه المرحلة التنافسية الحادة، حدث تحسن تدريجي في مستويات الأسعار. كذلك، أسهمت الزيادة في الطلب المحلي هذا العام في دعم الأسعار، حيث ارتفعت المبيعات المحلية بنسبة 13% منذ بداية العام، في حين قفزت مبيعات أبريل وحده بنسبة 43% على أساس سنوي. ومن بين العوامل أيضا، ارتفاع تكاليف الإنتاج المتعلقة بأسعار الوقود والمواد الأولية، التي تمت خلال العام الجاري والماضي، وقد تكون الشركات مررت هذه التكلفة أو جزءا منها على السعر النهائي للأسمنت. الزيادة في أسعار الطاقة مطلع العام الجاري خصوصا زيت الوقود الثقيل، سوف تؤثر في متوسط تكلفة إنتاج الأسمنت بحدود 7-8% بحسب إفصاحات الشركات المدرجة. الزيادة لم تنعكس على الأرباح رغم هذا التحسن في مستويات الأسعار والمبيعات، أظهرت نتائج الربع الأول من 2025 تراجعا في أرباح شركات الإسمنت المدرجة بالسوق المالية. انخفض صافي أرباح 14 شركة إلى 650 مليون ريال، بتراجع 16% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم ارتفاع صافي المبيعات 5% لتصل إلى 2.9 مليار ريال. لكن هذا الأداء جاء في مجمله أفضل من توقعات المحللين، بفضل تحرير الأسعار وزيادة الكميات المبيعة، ما ساعد الشركات جزئيا على مواجهة ارتفاع التكاليف. وحدة التحليل المالي